الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

(ولو اشتراه البائع) في حالة كون بيعه الأول (نسيئة صح) البيع الثاني (قبل الأجل ، وبعده (١) بجنس الثمن وغيره بزيادة) عن الثمن الأول ، (ونقصان) عنه ،

______________________________________________________

ـ نجمت الدين بالتثقيل ، إذا جعلته نجوما) انتهى ، وهو صحيح لوجود المقتضى مع عدم المانع من الغرر والجهالة ، لأن الأجل منضبط.

(١) إذا اشترى شيئا نسيئة وقبض المشتري المبتاع ولم يدفع الثمن لعدم حلول الأجل فيجوز للمشتري أن يبيع المبتاع للبائع الأول ولغيره قبل حلول الأجل بزيادة على الثمن أو نقصان ، نقدا أو نسيئة ، بجنس الثمن أو بغيره ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لعدم دليل على المنع مع أن مقتضى أدلة صحة البيع جوازه ، ولإطلاق صحيح بشار (سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبيع المتاع بنساء فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه ، قال : لا بأس به ، فقلت له : اشتري متاعي ، فقال : ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك) (١) ، وإطلاق خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم ، ثم اشتراه بخمسة دراهم أيحلّ؟ قال : إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس) (٢) ، ومثلها غيرها.

ولو كان بعد حلول الأجل ، فلو كان البيع الثاني بغير جنس الثمن بزيادة أو نقصان حالا أو مؤجلا صح أيضا لعدم الدليل على المنع مع إطلاق الخبرين السابقين وخصوص صحيح ابن منصور (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه ، فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه ، فقال له المطلوب : أبيعك هذا الغنم بدراهمك التي لك عندي فرضي ، قال : لا بأس بذلك) (٣) ، وإطلاق موثق يعقوب بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن رجل باع طعاما بدراهم ، فلما بلغ ذلك الأجل تقاضاه ، فقال : ليس عندي خذ مني طعاما ، قال : لا بأس ، إنما له دراهمه يأخذ بها ما شاء) (٤) ولو كان البيع الثاني بعد حلول الأجل بمثل الثمن جنسا ومن غير زيادة ولا نقصان فيصح بلا خلاف لعدم المانع مع إطلاق أدلة صحة البيع ، ولو كان البيع بجنس الثمن بزيادة أو نقصان فالمشهور على الجواز لعدم المانع مع إطلاق أدلة صحة البيع ، وإطلاق صحيح بشار المتقدم وموثق شعيب المتقدمين والشاملين لهذه الصورة وذهب الشيخ في النهاية إلى المنع لخبر خالد بن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٣ و ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب السلف حديث ١٠.

٦٤١

لانتفاء المانع في ذلك كله ، مع عموم الأدلة على جوازه. وقيل : لا يجوز بيعه بعد حلوله بزيادة عن ثمنه الأول ، أو نقصان عنه مع اتفاقهما في الجنس ، استنادا إلى رواية قاصرة السند والدلالة ، (إلا أن يشترط في بيعه) الأول (ذلك) (١) أي بيعه (٢) من البائع (فيبطل) البيع الأول ، سواء كان حالا أم مؤجلا ، وسواء شرط بيعه من

______________________________________________________

ـ رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى ، فلما حلّ الأجل أخذته بدراهمي ، فقال : ليس عندي دراهم ولكن عندي طعام فاشتره مني ، قال عليه‌السلام : لا تشتره منه فإنه لا خير فيه) (١).

والخبر شامل لما كان البيع بجنس الثمن بزيادة أو نقيصة أو مساواة ، إلا أن الصورة الأخيرة مخصصة لعدم الخلاف فيها.

وفيه : إن الخبر مختص بالطعام فتعديته إلى غيره مشكل مع احتمال قوي أنها للإرشاد أو الكراهة جمعا بينه وبين ما دل على الجواز ، مع أن إطلاقها شامل للصور الثلاثة من زياد أو نقصان أو مساواة فتخصيصها بغير الأخيرة لا وجه له ، على أن الطعام الذي يريد بيعه ثانيا غير صريح في كونه نفس الأول المبتاع ، بالإضافة إلى أن خالد بن الحجاج لم يمدح ولم يذم.

(١) أي يشترط البائع في العقد الأول أن يبيعه المشتري نفس المتاع ثانية ، فلا يصح الشرط بلا خلاف فيه كما في الرياض ، وإذا فسد الشرط أفسد العقد سواء كان حالا أم مؤجلا ، وسواء شرط البيع الثاني بعد حلول أجل الأول أو قبله ، وقال في المسالك : (واختلف كلامهم في تعليل البطلان ـ أي بطلان البيع ـ مع الشرط المذكور ، فعلّله في التذكرة باستلزامه الدور ، لأن بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه ، وردّ بأن الموقوف على حصول الشرط هو اللزوم لا الانتقال ، ويمنع توقف تملك المشتري على تملك البائع ، بل تملكه موقوف على العقد المتأخر عن ملك المشتري ، ولأنه وارد في باقي الشروط كشرط العتق والبيع للغير مع صحته إجماعا) انتهى. توضيحه : أن تحقق الشرط وهو بيع المشتري ثانيا للبائع موقوف على ملكية المشتري للمبيع ، وملكية المشتري للمبيع متوقفة على تحقق الشرط الذي هو بيع المشتري ثانيا للبائع فيلزم توقف الشي‌ء على نفسه.

وردّ بتسليم التوقف الأول ومنع التوقف الثاني ، لأن الموقوف في الثاني هو لزوم البيع لا أصل الملكية فاختلفت جهة التوقف فلا دور.

(٢) أي بيعه ثانيا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب السلف حديث ٣.

٦٤٢

البائع بعد الأجل أم قبله على المشهور ، ومستنده غير واضح.

فقد علل (١) باستلزامه الدور ، لأن بيعه له (٢) يتوقف على ملكيته له (٣) المتوقفة (٤) على بيعه.

وفيه : أن المتوقف على حصول الشرط (٥) هو لزوم البيع لا انتقاله إلى ملكه (٦) ، كيف لا (٧) واشتراط نقله إلى ملك البائع من المشتري مستلزم لانتقاله إليه (٨) ، غايته (٩) أن تملك البائع (١٠) موقوف على تملك المشتري (١١) ، وأما أن تملك المشتري موقوف على تملك البائع (١٢) فلا ، ولأنه وارد في باقي الشروط (١٣) خصوصا شرط بيعه للغير مع صحته إجماعا ، وأوضح لملك المشتري (١٤) ما لو

______________________________________________________

(١) أي علل بطلان البيع.

(٢) أي بيع المشتري للمبيع للبائع الذي هو الشرط.

(٣) أي ملكية المشتري للمبيع.

(٤) أي وملكية المشتري للمبيع متوقفة على بيع المشتري للبائع ثانيا لأنه هو الشرط.

(٥) وهو التوقف الثاني.

(٦) أي ملك المشتري.

(٧) أي كيف لا يكون اللزوم هو المتوقف على الشرط وليس أصل الملكية ، مع أن البائع قد اشترط نقل المبيع من ملك المشتري إلى ملك البائع ثانيا ، وهذا لا يتحقق إلا بملكية المشتري قبل ملكية البائع ثانيا.

(٨) أي فالشرط مستلزم لانتقال المتاع إلى المشتري.

(٩) أي غاية الشرط توقف الشرط الذي هو بيع البائع ثانيا على ملكية المشتري ، وهذا توقف المقدمة الأولى ، وأما التوقف في المقدمة الثانية فممنوع كما تقدم.

(١٠) أي تملكه ثانيا وهذا هو الشرط.

(١١) كما في المقدمة الأولى.

(١٢) وتملك البائع ثانيا هو الشرط ، وتوهم توقف تملك المشتري على الشرط كما في المقدمة الثانية ممنوع كما عرفت.

(١٣) أي لزوم الدور يرد في باقي الشروط كالعتق والبيع على الغير ، فيقال : عتق العبد الذي هو شرط في العقد الأول متوقف على ملكية المشتري له ، وملكية المشتري له متوقفة على عتقه لأنه شرط.

(١٤) فلو جعل البائع الشرط بأن يبيعه إياه ثانيا بعد حلول الأجل ، فمن حين العقد إلى حلول ـ

٦٤٣

جعل الشرط بيعه من البائع بعد الأجل لتخلل ملك المشتري فيه.

وعلل (١) بعدم حصول القصد إلى نقله عن البائع. ويضعّف بأن الغرض حصول القصد إلى ملك المشتري وإنما رتب عليه نقله ثانيا ، بل (٢) شرط النقل ثانيا يستلزم القصد إلى النقل الأول (٣) لتوقفه (٤) عليه.

ولاتفاقهم (٥) على أنهما لو لم يشترطا ذلك في العقد صح وإن كان من

______________________________________________________

ـ الأجل قد خرج المتاع عن ملك البائع فلو فرضنا أن المشتري لا يملك المتاع إلا عند تحقق الشرط للزم كون المتاع في مدة الأجل من غير مالك وهذا باطل.

وهذا دليل واضح على بطلان الدور وهو أوضح من الأدلة الدالة على حصول ملكية المشتري قبل الوفاء بالشرط وإنما الذي يترتب على الشرط حينئذ هو لزوم الملكية ، ووجه الأوضحية أن المتاع في زمن الأجل قد خرج عن ملك البائع قطعا بالبيع الأول فلا بدّ من القول بتخلل ملك المشتري وثبوته فيه.

(١) أي علّل بطلان البيع وهو معطوف على قوله : (فقد علل باستلزامه الدور) ، والمعنى أن بعضهم قال : إن البائع لما اشترط بيعه له فهو غير قاصد لخروج المتاع عن ملكه ، بل يريد إبقاء المتاع عنده ، ومع عدم قصد الخروج والانتقال تكون ألفاظ البيع التي وقعت منه لغوا ، لأنه غير قاصد لمعناها ، لأن البيع هو مبادلة مال بمال.

وهو ضعيف لأن الواقع من البائع هو قصد نقل المتاع إلى المشتري بالبيع الأول ، نعم رتّب نقله إليه ثانيا كشرط وهذا مغاير لقصد عدم خروج المتاع من رأس والعرف واللغة شاهدان بالفرق ، بالإضافة إلى أن اشتراط نقله ثانيا مستلزم لقصد البائع لنقل المتاع إلى المشتري أولا ، وإلا لو لم يقصد النقل المذكور كيف يشترط على المشتري أن يبيعه إياه ثانيا.

(٢) بل للترقي.

(٣) وهو نقل المتاع من البائع إلى المشتري.

(٤) أي نقل المتاع من المشتري إلى البائع ثانيا متوقف على نقل المتاع من البائع إلى المشتري أولا.

(٥) هذا وجه ثان للتضعيف ، وحاصله أنه لو قصد كلّ من البائع والمشتري ، أن يبيع المشتري المتاع للبائع بعد العقد الأول من غير أن يكون هذا القصد شرطا في العقد الأول ، فيصح العقد بلا خلاف فيه ، ولم يقل أحد أن العقد المسبوق بهذا القصد معناه عدم إخراج المتاع من البائع ، لأنه لو قال به لحكم بالبطلان مع أن الجميع قد حكم بالصحة.

٦٤٤

قصدهما رده ، مع أن العقد يتبع القصد ، والمصحّح له ما ذكرناه من أن قصد رده بعد ملك المشتري له غير مناف لقصد البيع بوجه (١) ، وإنما المانع عدم القصد إلى نقل الملك إلى المشتري أصلا (٢) بحيث لا يترتب عليه حكم الملك.

(ويجب قبض الثمن لو دفعه إلى البائع) (٣) مع الحلول مطلقا (٤) ، (وفي الأجل) (٥) أي بعده ، (لا قبله) (٦) ، لأنه غير مستحق حينئذ ، وجاز تعلق غرض البائع بتأخير القبض إلى الأجل ، فإن الأغراض لا تنضبط ، (فلو امتنع) البائع من

______________________________________________________

(١) سواء شرط ذلك أم لا.

(٢) وهذا المانع مفقود هنا.

(٣) بلا خلاف فيه كما في الجواهر لحديث (لا ضرر) (١) ، لأن إبقاء ذمة المشتري مشغولة قد يحقق الضرر فيما إذا تلف الثمن ولم يقبضه البائع.

(٤) سواء كان مقتضى العقد هو الحلول أم حلّ الثمن بعد الأجل.

(٥) أي بعد الأجل ويكون من باب عطف الخاص على العام ، ومنه تعرف أنه لا حاجة إلى قول الشارح (مطلقا) فلو قال : (إلى البائع مع الحلول وفي الأجل أي بعده) فلا يلزم منه تكرار.

(٦) أي لا قبل تمامية حلول الأجل ، وهنا لا يجب على المشتري دفع الثمن قبل حلول الأجل بلا خلاف فيه لحديث (المسلمون عند شروطهم) (٢) ، وإن طولب المشتري بالدفع.

نعم لو دفعه تبرعا لم يجب على البائع أخذه وإن لم يكن عليه ضرر بأخذه ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، وفي جامع المقاصد نسبة الخلاف إلى بعض العامة وأنه يجب على البائع القبول ، لأن فائدة التأجيل هي الرخصة للمشتري بالتأخير لا عدم وجوب الأخذ على البائع ، والحاصل أن مصلحة التأخير مختصة بالمشتري فلو أسقطها ودفع وجب على البائع القبض لأنه ماله المدفوع إليه.

وفيه منع انحصار فائدة الشرط في مصلحة الرخصة للمشتري ، بل قد يتعلق للبائع بالتأخير مصلحة أيضا ، لأن الأغراض لا تنضبط ، مع أنه لو سلم انحصار المصلحة بالمشتري فقط فهذا لا يدل على وجوب الأخذ على البائع ، بل هذا الوجوب منفي بالأصل بعد كونه غير مستحق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار حديث ٣ و ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الخيار حديث ١ و ٣.

٦٤٥

قبضه حيث يجب (١) (قبضه الحاكم) إن وجد ، (فإن تعذر) قبض الحاكم ولو بالمشقة البالغة في الوصول إليه ، أو امتناعه من القبض (فهو أمانة في يد المشتري لا يضمنه لو تلف بغير تفريط ، وكذا كل من امتنع من قبض حقه).

ومقتضى العبارة (٢) أن المشتري يبقيه بيده مميّزا على وجه الأمانة ، وينبغي مع ذلك أن لا يجوز له التصرف فيه ، وأن يكون نماؤه للبائع تحقيقا لتعينه له.

وربما قيل (٣) : ببقائه على ملك المشتري وإن كان تلفه من البائع ، وفي الدروس أن للمشتري التصرف فيه فيبقى في ذمته ، (ولا حجر (٤) في زيادة الثمن ونقصانه) على البائع والمشتري (إذا عرف المشتري القيمة) (٥) ، وكذا إذا لم يعرف (٦) ، لجواز بيع الغبن إجماعا. وكأنه أراد نفي الحجر على وجه لا يترتب عليه

______________________________________________________

(١) أجبره الحاكم على القبض ومع تعذره قبضه الحاكم لأنه نائب البائع الممتنع ، ومع تعذر الحاكم فلو تلف الثمن من غير تفريط ولا تصرف من المشتري كان التالف من مال البائع بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لحديث (لا ضرر) المتقدم.

(٢) أي بعد ما دفعه إلى البائع وامتنع فقد تشخص الثمن في المعيّن المدفوع ، ويكون أمانة بيد المشتري ، ولازم الأمانة أن لا يتصرف بها ، ويجب عليه حفظها ويكون نماء الأمانة للبائع وتلفها عليه.

(٣) قال في المسالك : (قيل : ويجوز للمشتري التصرف فيه بعد تعيينه ، فيرجع إلى ذمته ، ولو تجدد له نماء فهو له ، ومقتضى ذلك أنه لا يخرج عن ملكه وإنما يكون تلفه من البائع عقوبة له) انتهى.

وفيه : أنه لو كان التلف من مال البائع لكان مالكا له ، ومعه كيف جاز التصرف للمشتري بغير إذنه المالك ، وكيف يكون نماء الغير له.

(٤) أي لا منع.

(٥) لو باع المتاع بزيادة عن قيمته السوقية مع علم البائع والمشتري بالقيمة السوقية ، وكذا لو باعه بنقصان عنها مع علمهما بها ، فالبيع صحيح ولا مانع للبائع من البيع ولا للمشتري من الشراء ، بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لوجود المقتضى من إطلاق أدلة صحة البيع ، وعدم المانع من الغبن وغيره مع علمهما بالقيمة السوقية.

(٦) أي إذا لم يعرف المشتري القيمة السوقية فيجوز للبائع زيادة الثمن ، لأن بيع المغبون جائز بالاتفاق ، غايته يثبت للمغبون خيار الغبن عند علمه بالغبن.

٦٤٦

خيار فيجوز بيع المتاع بدون قيمته وأضعافها ، (إلا أن يؤدي إلى السفه) (١) من البائع ، أو المشتري فيبطل البيع ، ويرتفع السفه بتعلق غرض صحيح بالزيادة والنقصان ، إما لقلتهما (٢) أو لترتب غرض آخر يقابله (٣) كالصبر بدين حال (٤) ونحوه.

(ولا يجوز تأجيل الحال بزيادة فيه (٥) ، ولا بدونها (٦) ، إلا أن يشترط الأجل في عقد لازم فيلزم الوفاء به (٧) ، ويجوز تعجيله بنقصان منه بإبراء ، أو صلح (٨).

______________________________________________________

(١) كأن يبيع الدار المساوي لألف دينار بدرهم ، أو يشتري الشي‌ء المساوي لدرهم بألف دينار ، فهو سفه وبيع السفه ممنوع شرعا كما سيأتي في بابه ، نعم السفه هو كل فعل يفعله الإنسان لغير غرض صحيح عند العقلاء.

(٢) أي قلة الزيادة والنقصان بنظر العرف ، فينزلان منزلة العدم.

(٣) أي يقابل الزائد كما لو اشترى الشي‌ء المساوي درهما بألف دينار لأنه نادر.

(٤) كأن يشتري ما يساوي دينارا بدينارين بشرط أن يصبر البائع الدائن على المشتري بدين حال.

(٥) لو ثبت على المشتري الثمن وهو عشرة دراهم ، فلا يجوز تأجيل دفع العشرة الآن إلى آخر الشهر بدفع اثني عشر درهما ، لأنه ربا وهو محرم ، بعد كون التأجيل بيع عشرة باثني عشر.

(٦) أي لا يجب على البائع القبول بالتأخير ولا يلزمه التأخير لو طلبه المشتري ، لأن التعجيل حقه.

(٧) ويدل عليه أخبار.

منها : خبر محمد بن إسحاق بن عمار (قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : يكون لي على الرجل دراهم فيقول : أخرني بها وأنا أربحك ، فابيعه جبة تقوم عليّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم ، أو قال : بعشرين ألفا وأدخّره بالمال ، قال : لا بأس) (١).

(٨) بلا خلاف فيه وإذا كان على جهة الصلح فيسمى بصلح الحطيطة ، ويدل عليه أخبار.

منها : مرسل أبان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين ، فيقول له قبل أن يحلّ الأجل : عجّل لي النصف من حقي على أن أضع عنك النصف ، أيحلّ ذلك لواحد منهما؟ قال : نعم) (٢) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (في الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول : أنقدني ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الصلح حديث ٢.

٦٤٧

(ويجب) على المشتري إذا باع ما اشتراه مؤجلا (ذكر الأجل في غير المساومة (١) فيتخير المشتري بدونه) أي بدون ذكره بين الفسخ والرضاء به حالا ، (للتدليس) وروي أن للمشتري من الأجل مثله.

(الثاني ـ في القبض : إطلاق العقد) (٢) بتجريده عن شرط تأخير أحد العوضين ، أو تأخيرهما إذا كانا عينين (٣) ، أو أحدهما (٤) (يقتضي قبض العوضين)

______________________________________________________

ـ من الذي لي كذا وكذا وأضع لك بقيته ، أو يقول : انقد لي بعضا وأمد لك في الأجل فيما بقي عليك ، قال : لا أرى به بأسا ما لم يزدد على رأس ماله شيئا ، يقول الله : (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَلٰا تُظْلَمُونَ)) (١).

(١) لو اشترى شيئا بثمن مؤجل ، ثم أراد بيعه بغير مساومة من تولية أو مرابحة أو مواضعة فعليه كما أن يذكر الثمن أن يذكر الأجل ، لأن للأجل قسطا من الثمن ، بلا خلاف فيه ، وعليه فلو باعه من غير ذكر الأجل فقد ذهب الشيخ في النهاية وابن حمزة والاسكافي إلى أن المشتري الثاني يثبت له من الأجل ما كان للمشتري الأول ـ الذي هو بائع الآن ـ عند ما اشتراه ، ويدل عليه أخبار.

منها : صحيح هشام عنه أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يشتري المتاع إلى أجل ، فقال : ليس له أن يبيعه مرابحة إلا إلى الأجل الذي اشتراه ، فإن باعه مرابحة ولم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك) (٢).

والمشهور على أن المشتري الثاني لا يكون له مثل أجل الأول بل له خيار التدليس فقط ، لأن الفائت ما هو إلا كشرط صفة الكمال في الثمن ، والأخبار المتقدمة وإن كان بعضها صحيح السند إلا أنها مهجورة عند الأصحاب ، لأن بظاهرها تثبت الأجل للمشتري الثاني وإن كان البيع حالا ، وهو مخالف للقواعد.

(٢) الإطلاق في العقد يقتضي وجوب تسليم المبيع والثمن حالا بحسب العرف ، ولو لم يطالب كل منهما الآخر بذلك ، فإبقاء أحد العوضين في يد الآخر بحاجة إلى إذن.

واحترز بالإطلاق عما لو شرط تأجيل أحدهما أو تسليمه قبل الآخر ، فإنه حينئذ يختص وجوب التسليم بالحالّ ومن شرط تقديمه.

(٣) ولو شرط تأخيرهما وهما في الذمة لصدق أنه بيع الكالئ بالكالى‌ء وهو منهي عنه كما تقدم.

(٤) فلو كان أحدهما عينا خارجيا لما صدق بيع الكالئ بالكالى‌ء المنهي عنه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الصلح حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٢.

٦٤٨

(فيتقابضان معا لو تمانعا) (١) من التقدم ، (سواء كان الثمن عينا ، أو دينا). وإنما لم يكن أحدهما أولى بالتقديم لتساوي الحقين في وجوب تسليم كل منهما إلى مالكه.

وقيل : يجبر البائع على الإقباض أولا ، لأن الثمن تابع للمبيع.

ويضعف باستواء العقد في إفادة الملك لكل منهما ، فإن امتنعا أجبرهما الحاكم معا مع إمكانه ، كما يجبر الممتنع من قبض ماله ، فإن تعذر (٢) فكالدين إذا بذله المديون فامتنع من قبوله.

(ويجوز اشتراط تأخير إقباض المبيع مدة معينة) (٣) كما يجوز اشتراط تأخير الثمن ، (والانتفاع به منفعة معينة) لأنه شرط سائغ فيدخل تحت العموم (٤) ، (والقبض (٥) في المنقول) كالحيوان والأقمشة والمكيل والموزون والمعدود

______________________________________________________

(١) لو تقدم أحدهما بدفع ما في يده قبل الآخر فهو ، وإن تمانعا من التقدم يلزمان بالتقابض معا ويجبران على ذلك ، ولو كان أحدهما ممتنعا أجبر الممتنع خاصة لاختصاصه بالعصيان ، كل ذلك لتساوي الحقين في وجوب ايصال كل منهما المال إلى مالكه ولا رجحان لأحدهما على الآخر بالتقدم أو التأخر ، وعن الشيخ في المبسوط وابن زهرة والقاضي والحلي يجبر البائع أولا على دفع المبيع إذا تمانعا ، لأن الثمن تابع للمبيع فيجب تقديم المتبوع على التابع ، ولأن البائع بتسليم المبيع يستقر البيع ، وفيه منع ، أما الأول لاستواء العقد في إفادة الملك لكل منهما من دون تبعية لأحدهما على الآخر ، وأما الثاني فالاستقرار مترتب على تسليم المبيع والثمن معا لا على أحدهما.

(٢) أي تعذر إجبار الحاكم للممتنع من إقباض ما في يده كان للآخر حبس العوض عنه حتى يجبر الممتنع ، وإن تلف العوض تحت يد الآخر فهو من مال الممتنع كما تقدم في النقد والنسيئة لنفس الأدلة السابقة.

(٣) لأن الشرط لا يؤدي إلى الجهالة وليس مخالفا للكتاب فيكون سائغا ، كاشتراط المشتري تأخير الثمن مدة معينة كذلك.

(٤) وهو عموم (المسلمون عند شروطهم) (١).

(٥) إن القبض مما يترتب عليه آثار شرعية كصحة بيع الصرف ولزوم العقد إن أسقط الخيار ، والقبض لغة هو الأخذ كما في المصباح المنير ، وفي النهاية الأثيرية القبض بجميع ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الخيار حديث ١ و ٣.

٦٤٩

(نقله (١) ، ...

______________________________________________________

ـ الكف ، وعن جماعة من أهل اللغة كما في الرياض القبض باليد لكن الفقهاء اختلفوا فيه على أقوال : إن القبض هو التخلية فيما لا ينقل ، وهو النقل فيما ينقل ذهب إليه الماتن هنا وتبعه الشارح وذهب إليه أيضا وأبو المكارم ، وقيل : إن القبض هو التخلية مطلقا سواء كان مما ينقل أو لا ، وذهب إليه المحقق في الشرائع ، وقيل : إن القبض هو التخلية فيما لا ينقل ، وفي المنقول هو القبض باليد ، أو الكيل والوزن فيما يوزن ويكال ، أو النقل إن كان حيوانا ، وهو المحكي عن المبسوط وابن البراج وابن حمزة. إلى غير ذلك من الأقوال بعد اتفاقهم على أن القبض هو التخلية في غير المنقول ، وإنما اختلافهم في معنى القبض في المنقول ، وبما أن الشارع لم يحدد معنى القبض فلا بد من الرجوع إلى العرف ، وقد يختلف معناه باختلاف المقبوض.

نعم ورد في معنى القبض صحيح معاوية بن وهب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه ، فقال : ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن توليه الذي قام عليه) (١) ، وخبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، قال : آتيك غدا إن شاء الله ، فسرق المتاع ، من مال من يكون؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يردّ ماله إليه) (٢).

وصريح الثاني أن القبض هو النقل فلذا ذهب الشهيدان هنا إلى أن القبض في المنقول هو النقل ، وصريح الأول ـ كما قيل ـ إن القبض هو الكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن ، وفي الدروس إلحاق العدّ فيما يعدّ ، وقد جمع بينه وبين المعنى العرفي فقيل إن القبض هو الكيل أو الوزن أو العد فيما يكال أو يوزن أو بعدّ ، وفي غيرها من المنقول هو القبض باليد تحكيما للمعنى العرفي ، أو النقل تحكيما لخبر عقبة ، أو في خصوص الحيوان.

والأقوى أن القبض هو تحويل السلطنة على المبتاع من المنقول منه إلى المنقول إليه ، وهذا التحويل يتحقق بالتخلية في غير المنقول ، وفي المنقول مختلف باختلاف نوعية المبتاع هذا من جهة ومن جهة أخرى فسيأتي الكلام في دلالة الخبرين السابقين.

(١) استدل عليه بخبر عقبة بن خالد بالإضافة إلى المعنى العرفي ، وفيه : أن خبر عقبة ضعيف ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

٦٥٠

(وفي غيره التخلية) بينه وبينه (١) بعد رفع اليد عنه وإنما كان القبض مختلفا كذلك لأن الشارع لم يحدّه فيرجع فيه إلى العرف ، وهو دال على ما ذكر.

وفي المسألة أقوال أخر هذا أجودها : فمنها ما اختاره في الدروس من أنه في غير المنقول التخلية وفي الحيوان نقله. وفي المعتبر كيله ، أو وزنه ، أو عده ، أو نقله.

وفي الثوب وضعه في اليد ، واستند في اعتبار الكيل ، أو الوزن في المعتبر بهما (٢) إلى صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق (ع) وفي دلالتها عليه نظر (٣).

وإلحاق المعدود بهما (٤) قياس. والفرق بين الحيوان وغيره (٥) ضعيف.

ومنها الاكتفاء بالتخلية مطلقا (٦) ، ونفى عنه البأس في الدروس بالنسبة إلى نقل الضمان (٧) ، لا زوال التحريم ، والكراهة عن البيع قبل القبض ، والعرف

______________________________________________________

ـ السند ، والعرف لا يدل على كون القبض هو النقل في كل مصاديق المنقول إذ يتحقق النقل عرفا في كثير من الموارد بالأخذ ، ومنه تعرف ما في كلام الشارح فيما بعد حيث قال : (فيرجع إلى العرف وهو دال على ما ذكر).

(١) أي بين المبيع والمشتري ، هذا والمراد من التخلية هو رفع البائع كل مانع يمنع المشتري من الاستيلاء عليه مع الإذن له فيه ، والقبض هو التخلية في غير المنقول تحكيما للمعنى العرفي بعد عدم ورود أمر من الشارع بتحديده.

(٢) بالكيل أو الوزن.

(٣) إذ يحتمل أن يكون الخبر بصدد النهي عن بيعه قبل كيله أو وزنه وإن تحقق قبضه بوضع اليد عليه ، إلا إذا كان تولية فيجوز بيعه من دون كيل أو وزن اعتمادا على كيل أو وزن البائع الأول هكذا قيل.

(٤) كما عن الدروس.

(٥) بحيث يكون القبض في الحيوان نقله ، وفي غيره كالثوب وضعه في اليد ضعيف لعدم مطابقة المعنى العرفي للقبض.

(٦) في المنقول وغيره كما عن الشرائع.

(٧) قال في الدروس : (وقيل : التخلية مطلقا ، ولا بأس به في نقل الضمان ، لا في زوال التحريم أو الكراهة عن البيع قبل القبض) والمعنى أن البائع بالتخلية يرفع الضمان عنه لو تلف المبيع وإن لم يقبضه المشتري ، ولكن لا يسمى هذا قبضا حتى يجوز بيع المتاع بعد التخلية ، لأنه بيع ما لم يقبض ، وسيأتي الخلاف فيه أنه محرم أو مكروه ، وتقدم بعضه في بحث بيع السلف فراجع.

٦٥١

يأباه (١) ، والأخبار تدفعه.

وحيث يكتفى بالتخلية فالمراد بها رفع المانع للمشتري من القبض بالإذن فيه ، ورفع يده ، ويد غيره عنه إن كان ، ولا يشترط مضي زمان يمكن وصول المشتري إليه (٢) إلا أن يكون في غير بلده بحيث يدل العرف على عدم القبض بذلك (٣) ، والظاهر أن اشتغاله (٤) بملك البائع غير مانع منه وإن وجب على البائع التفريغ ، ولو كان مشتركا (٥) ففي توقفه على إذن الشريك قولان : أجودهما العدم ، لعدم استلزامه التصرف في مال الشريك. نعم لو كان منقولا توقف على إذنه لافتقاره قبضه إلى التصرف بالنقل (٦) ، فإن امتنع من الإذن (٧) نصب الحاكم من

______________________________________________________

(١) قال في المسالك بعد ما أورد صحيحة معاوية بن وهب أولا ثم خبر عقبة بن خالد : (والثاني حجة على من اكتفى بالتخلية في نقل الضمان ، لا في زوال التحريم أو الكراهة قبل القبض كالشهيد في الدروس ، حيث نفى عنه البأس ، فإن الخبر مصرّح بأنه لا يخرج عن ضمان البائع حتى ينتقل ، نعم يمكن رده نظرا إلى سنده ، فبقي الكلام في تسميتها قبضا ، والأجود الرجوع في معناه إلى العرف) انتهى.

(٢) إلى المبيع ، لأن ذلك لا مدخل له في معنى القبض عرفا.

(٣) بنفس التخلية ، قال في المسالك : (نعم لو كان بعيدا بحيث يدل العرف على عدم قبضه بالتخلية كما لو كان ببلاد أخرى ، اتجه اعتبار مضي الزمان ، والحاصل أن مرجع الأمر إلى العرف حيث لم يضبطه الشرع) انتهى.

(٤) لو كان المبيع مشغولا وهو في يملك البائع فرفع اليد عنه يحقق التخلية ، قال في المسالك : (لو كان المبيع مشغولا بملك البائع ، فإن كان منقولا كالصندوق المشتمل على أمتعة البائع واعتبرنا نقله ، فنقله المشتري بالأمتعة كفى في نقل الضمان مطلقا ، ويحتمل توقفه على إذن البائع في نقل الأمتعة ، وإن كان عقارا كالدار ففي الاكتفاء بالتخلية قبل نقل المتاع وجهان ، أجودهما ذلك وهو خيرة التذكرة) والوجه الآخر احتمال منه ـ كما في الجواهر ـ وهو ضعيف لصدق التخلية الموجبة للقبض وإن كان مشغولا.

(٥) أي كان المبيع مشتركا بين البائع وغيره ، وقد باع البائع حصته ، فإن كان المبيع منقولا وكان القبض متوقفا على التصرف في حصة الشريك كوضعه في اليد أو نقله فلا بد من إذن الشريك حينئذ ، وإلا فلا.

وإن كان المبيع غير منقول فقبضه بالتخلية ورفع يد البائع عنه لا يوجب تصرفا في حصة الشريك فلا داعي لإذنه.

(٦) حيث ذهب الشارح هنا إلى أن القبض في المنقول هو النقل.

(٧) أي يمتنع الشريك من الإذن حيث يطلب إذنه فيقبضه الحاكم لدفع الضرر عن المشتري ـ

٦٥٢

يقبضه أجمع بعضه أمانة ، وبعضه لأجل البيع ، وقيل (١) : يكفي حينئذ التخلية وإن لم يكتف بها قبله (٢) ، (وبه) أي بالقبض كيف فرض (ينتقل الضمان إلى المشتري (٣) إذا لم يكن له خيار) مختص به ، أو مشترك بينه وبين أجنبي ، فلو كان الخيار لهما (٤) فتلفه بعد القبض زمنه (٥) منه (٦) أيضا وإذا كان انتقال الضمان مشروطا بالقبض (فلو تلف قبله فمن البائع) مطلقا (٧) ، (مع أن النماء) المنفصل المتجدد بين العقد والتلف (للمشتري (٨) ولا بعد في ذلك ، لأن التلف لا يبطل البيع من أصله ، بل يفسخه من حينه كما لو انفسخ بخيار.

هذا إذا كان تلفه من الله تعالى ، أما لو كان من أجنبي (٩) ، أو من البائع

______________________________________________________

(١) غايته وقبض بعضه عن المشتري لأجل البيع ، والبعض الآخر بعنوان الأمانة لأنه مال الشريك ، وبقبض الحاكم يتحقق القبض ويكون المشتري شريكا مع ذلك الشريك.

(٢) وهو العلامة في المختلف وأنه مع امتناع الشريك يكتفى بالتخلية فقط في تحقق معنى القبض ، لأن نقله ممنوع شرعا ، لأن النقل متوقف على إذن الشريك وهو غير موجود ، والممنوع شرعا كالممتنع عقلا فينتقل إلى التخلية.

(٣) قبل امتناع الشريك.

(٤) المبيع ما قبل قبضه إذا تلف فهو من مال البائع ، وإذا تلف بعد القبض وكان للمشتري خيار فهو من مال البائع أيضا ، وقد تقدم الدليل عليهما ، ولو تلف المبيع بعد القبض ولم يكن للمشتري خيار أو كان وقد تلف بعد الخيار فهو من مال المشتري لخروجه عن عهدة البائع كما هو واضح.

(٥) للبائع والمشتري وقد تحقق القبض فالتلف من مال المشتري بلا خلاف فيه كما في الرياض ، لأن الملك قد حصل بمجرد العقد والتلف يكون على المالك حينئذ.

(٦) أي زمن الخيار.

(٧) أي من المشتري.

(٨) سواء كان للمشتري خيار أو لا ، والتلف من البائع لأنه قبل القبض.

(٩) لأن الأصل ملكه والنماء تابع لأصله ، ومما قاله الشارح تعرف أن التلف مبطل للعقد من حينه لا من أصله.

(١٠) وهو قبل القبض كما هو المفروض ، فالمشتري مخيّر بين الفسخ والمطالبة بالثمن لأن التلف قبل القبض من مال البائع ، وبين إمضاء العقد ومطالبة المتلف بالمثل أو القيمة لأن له الحق عليه لأنه جان ، والرجوع إلى المثل أو القيمة لأنهما بدل المعوض ، نعم لو رجع على ـ

٦٥٣

تخير المشتري بين الرجوع بالثمن كما لو تلف من الله تعالى ، وبين مطالبة المتلف بالمثل ، أو القيمة ، ولو كان التلف من المشتري (١) فهو بمنزلة القبض (وإن تلف بعضه ، أو تعيّب) من قبل الله ، أو قبل البائع (٢) (تخير المشتري في الإمساك مع الأرش والفسخ) ، ولو كان العيب من قبل أجنبي فالأرش عليه للمشتري إن التزم ، وللبائع إن فسخ (٣) ، (ولو غصب من يد البائع) قبل إقباضه (٤) (وأسرع عوده) بحيث لم يفت من منافعه ما يعتد به عرفا ، (أو أمكن) البائع (نزعه بسرعة) كذلك (فلا خيار) للمشتري ، لعدم موجبه ، (وإلا) يمكن تحصيله بسرعة (تخير المشتري) بين الفسخ ، والرجوع على البائع بالثمن إن كان دفعه ، والالتزام بالمبيع

______________________________________________________

ـ المتلف لا يجوز له الفسخ ، لأنه لو فسخ سيجمع بين العوض والمعوض وهو منهي عنه وقد تقدم دليله في الأبحاث السابقة ، وقال في الجواهر : (ظاهرهم الاتفاق عليه) ، ومثله لو كان المتلف هو البائع فيرجع عليه بالثمن إن فسخ ، وبالمثل أو القيمة إن أمضى العقد.

(١) والمتاع تحت يد البائع كما هو المفروض ، فإتلافه بمنزلة القبض سواء كان عالما أو جاهلا ، لأنه ملكه قد أتلفه بنفسه.

(٢) أو الأجنبي كان للمشتري الفسخ بلا خلاف ، لئلا تتبعض عليه الصفقة ، ولو لم يفسخ فهل له الأرش أو لا ، فإذا كان العيب أو تلف البعض من قبل الله تعالى فتردد كما في المسالك ، فقد اختار الشيخ في المبسوط أنه من المشتري ، والأقوى أنه من البائع لأن جميعه مضمون على البائع فأجزاؤه أولى بالضمان ، وإذا كان العيب أو النقصان من البائع أو الأجنبي فله الحق بالرجوع بالأرش على الجاني كما هو واضح.

(٣) بحيث لو فسخ المشتري فله الثمن ، ويرجع المبيع المعيوب أو الذي تلف بعضه إلى البائع ، والبائع يرجع إلى الأجنبي بالأرش لأنه جان حينئذ.

(٤) فإن أمكن استعادته من يد الغاصب وجبت الاستعادة على البائع ، لأن التسليم واجب عليه وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فتجب الاستعادة من باب وجوب المقدمة.

ثم إن استعاده في الزمن اليسير أو رجع المبيع لأن الغاصب قد تاب في الزمن اليسير بحيث لم يستلزم ذلك فوات منفعة ولا فوات غرض ، فلا يثبت للمشتري خيار الفسخ للأصل بعد الشك في ثبوت الخيار له ولو لم يستطع البائع استعادته بسرعة ، سواء لم يستطع أبدا أو لم يستطع حتى تطاولت المدة كان للمشتري خيار الفسخ للضرر الحاصل عليه بفوات منافعه في المدة الطويلة.

نعم لو لم يرجع المبيع وأراد المشتري الامضاء كان له ذلك لأنه يمكن الانتفاع بالعين بما لا يتوقف على القبض كعتق العبد ونحو ذلك.

٦٥٤

وارتقاب حصوله فينتفع حينئذ بما لا يتوقف على القبض كعتق العبد.

ثم إن تلف في يد الغاصب (١) فهو مما تلف قبل قبضه فيبطل البيع ، وإن كان قد رضي بالصبر (٢) ، مع احتمال كونه قبضا ، وكذا لو رضي بكونه في يد البائع ، وأولى بتحقق القبض هنا (٣) ، (ولا أجرة على البائع في تلك المدة) التي كانت في يد الغاصب وإن كانت العين مضمونة عليه (٤) ، لأن الأجرة بمنزلة النماء المتجدد وهو غير مضمون ، وقيل يضمنها ، لأنها بمنزلة النقص الداخل قبل القبض ، وكالنماء المتصل.

______________________________________________________

(١) وقبل القبض كما هو المفروض فهو من مال البائع ، ويبطل البيع لأن الانفساخ قهري حينئذ.

(٢) أي لو غصب المتاع وقد رضي المشتري بالبيع وصبر ولم يفسخ ثم تلف تحت يد الغاصب ، فهل رضاه بالصبر هو قبض منه بحيث يكون تلفه في يد الغاصب تلفا للمبيع بعد القبض ويكون من حال المشتري ، ولقد أجاد صاحب الجواهر حيث قال : (وإن كان قد رضي المشتري بالصبر ، واحتمال أن هذا الرضا قبض ضعيف ، بل لو تصرف بالمبيع بنظر أو لمس ونحوه وهو في يد الغاصب لم يكن قبضا عرفا ، بل الرضا بالبقاء في يد البائع ليس قبضا ، فضلا عن يد الغاصب كما صرح به خبر عقبة بن خالد) انتهى ، وقد تقدم الخبر فراجع.

(٣) أي إذا كان الصبر على المتاع في يد الغاصب قبضا فالصبر على المتاع في يد البائع قبضا من باب أولى ، ووجه الأولوية أن الصبر على يد العدوان قبض فالصبر على يد الاستئمان قبض من باب أولى.

(٤) قد تقدم أن المتاع لو غصب من يد البائع وقبل قبض المشتري فهو مضمون على البائع ، بحيث لو تلف كان من ماله ، ولكن لو فاتت منافع من العين المسروقة فهل يثبت على البائع أجرة المنافع الفائتة أو لا ، قيل : لا أجرة على البائع ، لأن المضمون عليه هو العين وتوابعها من النماء المتصل ، والمنفعة الفائتة ليست من هذا القبيل ، بل هي نماء المبيع المتجدد ، فتكون على الغاصب فقط.

وقيل : عليه الأجرة ، لأن المنافع الفائتة بمنزلة النقص الداخل على المبيع قبل القبض كما لو باع حيوانا سمينا فهزل قبل القبض ، ولأنها بمنزلة النماء المتصل المضمون ، غايته يرجع المشتري هنا على البائع ، والبائع على الغاصب.

وفيه : منع ضمان كل نقص على المبيع بعد العقد وقبل القبض ، مع أن جعله من النماء المتصل واضح الفساد.

٦٥٥

والأقوى اختصاص الغاصب بها (إلا أن يكون المنع منه) (١) فيكون غاصبا إذا كان المنع بغير حق (٢) ، فلو حبسه ليتقابضا ، أو ليقبض الثمن حيث شرط تقدم قبضه فلا أجرة عليه (٣) ، للإذن في إمساكه شرعا (٤) ، وحيث يكون المنع سائغا (٥) فالنفقة على المشتري ، لأنه ملكه ، فإن امتنع من الإنفاق رفع البائع أمره إلى الحاكم ليجبره عليه ، فإن تعذر أنفق بنية الرجوع ورجع كنظائره.

(وليكن المبيع) عند إقباضه (مفرّغا) (٦) من أمتعة البائع وغيرهما مما لم يدخل في المبيع ، ولو كان مشغولا بزرع لم يبلغ وجب الصبر (٧) إلى أوانه إن اختاره (٨) البائع ، ولو كان فيه ما لا يخرج إلا بهدم وجب أرشه على البائع ، والتفريغ وإن

______________________________________________________

(١) أي من البائع بحيث غصب المتاع وأراد الغاصب ارجاعه فمنعه البائع ، فيعدّ البائع حينئذ هو السبب في فوات المنافع فيضمنها ، أو أنه لم يسرق المتاع وقد امتنع البائع من التسليم فكذلك.

(٢) أما لو كان المنع من البائع بحق كما لو حبس المتاع ليتقابضا ، لأن المشتري امتنع من إقباض ما في يده مقارنا لإقباض البائع ما في يده ، فقد تقدم أن التلف من مال الممتنع ، وعن جامع المقاصد احتمال الضمان مع جواز المنع ، لأن جواز الحبس غير سقوط حق المنفعة ، ولا يلزم من ثبوت الأول ثبوت الثاني ، وهو ضعيف نظرا إلى أن جواز الحبس معناه الإذن شرعا ، وهو لا يتعقبه الضمان فيلزم من ثبوت الأول الثاني.

(٣) على البائع في قبال المنافع الفائتة.

(٤) فلا يتعقبه الضمان.

(٥) أي بحق ، فالنفقة على المتاع كعلف الدابة وصيانة المتاع إنما تكون من مال المشتري ، لأن المتاع ملكه فالغرم عليه كما له الغنم ، ولا تكون على البائع لأن يده يد استئمان شرعا.

(٦) قال في المسالك : (ولا ريب في وجوب الإخراج والتفريغ لتوقف التسليم عليه) ، وعليه فإن كان في المبيع أمتعة وجب نقلها ، أو زرع حان حصاده وجب حصاده وتسوية الحفر ، ولو كان في المبيع شي‌ء لا يخرج إلا بتغيير شي‌ء من أبنية المبيع وجب إخراجه وإصلاح ما يستهدم ، كل ذلك من باب وجوب المقدمة.

(٧) أي وجب الصبر على المشتري إلى حين البلوغ جمعا بين الحقين ، لأن إخراج الزرع قبل بلونه ضرر على البائع ، وعدم تسليم العين ضرر على المشتري ، فيسلّم العين ويؤمر بترك الزرع إلى أوانه.

(٨) أي اختار البقاء.

٦٥٦

كان واجبا (١) إلا أن القبض لا يتوقف عليه ، فلو رضي المشتري بتسلمه مشغولا تم القبض ويجب التفريغ بعده.

(ويكره بيع المكيل والموزون قبل قبضه) (٢) للنهي عنه المحمول على الكراهة

______________________________________________________

(١) أي إن تفريغ المبيع من مال البائع واجب على البائع من باب وجوب المقدمة غير أن المشتري لو رضي بتسليمه مشغولا تم القبض ، لأن المعنى العرفي للقبض لا يوجب التفريغ المذكور ، نعم لو تحقق القبض كان على البائع فيما بعد التفريغ ليتمكن المشتري من الانتفاع في ملكه.

(٢) ذهب العماني إلى عدم جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه ، وتبعه عليه الشيخ والعلامة في التذكرة والارشاد والشارح في المسالك والروضة والمحدث البحراني للأخبار.

منها : صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلا أن توليه ، فإذا لم يكن فيه كيل ولا وزن فبعه) كما هو المروي في الفقيه (١) والتهذيب (٢) ، وخبر علي بن جعفر المروي في قرب الاسناد عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن رجل اشترى بيعا كيلا أو وزنا هل يصلح بيعه مرابحة؟ قال : لا بأس ، فإن سمّى كيلا أو وزنا فلا يصلح بيعه حتى تكيله أو تزنه) (٣) ، وصحيح معاوية بن وهب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال : ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن تولّيه الذي قام عليه) (٤).

وعن الشيخ في المبسوط والخلاف وابن زهرة في الغنية والعلامة في التذكرة والارشاد ، بل والصدوق والقاضي أنه كذلك إذا كان المبيع طعاما لجملة من الأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكال ، قال : لا يصلح له ذلك) (٥) ، وخبر علي بن جعفر (سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن الرجل يشتري الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ فقال : إذا ربح لم يصلح حتى يقبض ، وإذا كان يولّيه فلا بأس ، وسألته عن الرجل يشتري الطعام أيحلّ له أن يولّي منه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا لم يربح عليه شيئا فلا بأس ، فإن ربح فلا يبع حتى يقبضه) (٦).

وذهب المشهور إلى الكراهة جمعا بين ما تقدم وبين أخبار دالة على الجواز.

منها : خبر جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١ و ١٣ و ٢٢.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١١ و ٥ و ٩.

٦٥٧

جمعا ، (وقيل : يحرم إن كان طعاما) وهو الأقوى ، بل يحرم بيع مطلق المكيل والموزون ، لصحة الأخبار الدالة على النهي ، وعدم مقاومة المعارض لها على وجه يوجب حمله (١) على خلاف ظاهره (٢) ، وقد تقدم (٣).

(ولو ادعى المشتري نقصان المبيع) (٤) بعد قبضه (حلف إن لم يكن حضر

______________________________________________________

ـ قبل أن يقبضه ، قال : لا بأس) (١) وخبر ابن حجاج الكرخي (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اشتري الطعام إلى أجل مسمى فيطلبه التجار منّي بعد ما اشتريته قبل أن أقبضه ، قال : لا بأس أن تبيع إلى أجل اشتريت ، وليس لك أن تدفع قبل أن تقبض) (٢) ، ويشهد للكراهة خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله ، قال : لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه ، إلا أن يولّيه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع) (٣).

والشارح لم يعمل بأخبار الجواز لضعفها ، أما الأول فبعلي بن حديد وهو ضعيف ، والثاني بالكرخي وهو مجهول ولذا قال في المسالك : (لأن أخبار المنع صحيحة متظافرة ، وخبر التسويغ في طريق أولهما علي بن حديد وهو ضعيف ، والآخر مجهول ، فالقول بالمنع أوضح وهو خيرة العلامة في التذكرة والإرشاد والشيخ في المبسوط ، بل ادعى عليه الاجماع وجماعة من الأصحاب) انتهى.

(١) حمل النهي.

(٢) فظاهره الحرمة ، وخلافه الكراهة.

(٣) في آداب البيع وفي بيع السلف.

(٤) إذا قبض المشتري المبيع وكان مما يكال أو يوزن ، لكن لم يحضر كيله ولا وزنه ، ثم ادعى نقصان المبيع فالقول قوله مع يمينه ، لأنه منكر لأصالة عدم وصول حقه إليه ، بلا فرق بين كون النقصان قليلا أو كثيرا. نعم لو حضر كيله أو وزنه وقبضه ثم ادعى النقصان فالقول قول البائع مع يمينه لأن قول البائع موافق للظاهر وهو أن صاحب الحق إذا حضر استيفاد حقه يحتاط لنفسه.

وقول المشتري هنا وإن كان موافقا للأصل من عدم وصول حقه إليه ، لكنه مخالف لهذا الظاهر والعرف لا يأخذون بالأصل مع هكذا ظاهر.

بل المشتري في الصورة الثانية قوله مخالفا للظاهر والأصل معا ، أما الظاهر فقد تقدم ، وأما الأصل فهو وصول حقه إليه ، لأنه قبضه بعد ما حضر وزنه أو كيله ولم يعترض ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٦ و ١٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١٦.

٦٥٨

الاعتبار) ، لأصالة عدم وصول حقه إليه ، (وإلا يكن) كذلك بأن حضر الاعتبار (أحلف البائع) عملا بالظاهر من أن صاحب الحق إذا حضر اعتباره يحتاط لنفسه ويعتبر مقدار حقه ، ويمكن موافقة الأصل للظاهر باعتبار آخر ، وهو أن المشتري لما قبض حقه كان في قوة المعترف بوصول حقه إليه كملا ، فإذا ادعى بعد ذلك نقصانه كان مدعيا لما يخالف الأصل ، ولا يلزم مثله في الصورة الأولى ، لأنه إذا لم يحضر لا يكون معترفا بوصول حقه ، لعدم اطلاعه عليه ، حتى لو فرض اعترافه فهو مبني على الظاهر بخلاف الحاضر ، (ولو حوّل المشتري الدعوى) حيث لا يقبل قوله في النقص (١) (إلى عدم إقباض الجميع) من غير تعرض لحضور الاعتبار وعدمه ، أو معه (حلف) ، لأصالة عدم وصول حقه إليه (ما لم يكن سبق بالدعوى الأولى) فلا تسمع الثانية لتناقض كلاميه ، وهذا من الحيل التي يترتب عليها الحكم الشرعي ، كدعوى براءة الذمة من حق المدعي لو كان قد دفعه إليه بغير بينة فإنه لو أقر بالواقع (٢) لزمه.

______________________________________________________

ـ فيكون قبضه اعترافا ضمنيا بوصول حقه إليه.

لا يقال : لو كان القبض اعترافا ضمنيا بوصول حقه إليه لكان جاريا في الصورتين ، لأنه يقال : هناك فرق ، نفي الصورة الثانية لما حضر الاعتبار وقبض ولم يعارض ولم يطالب ببقية حقه كان قبضه اعترافا ضمنيا بوصول حقه كما هو واضح بخلاف الصورة الأولى فإن عدم المطالبة عند القبض لا يكون اعترافا بوصول حقه ، لأنه جاهل بقيمة ما قبض.

ثم لو سلم أن قبض المبتاع مع عدم المطالبة هو اعتراف ، ففي الصورة الأولى هو اعتراف اعتمادا على الغير لا على حضوره ، وهذا معناه أنه اعترف بوصول حقه إليه إن صدق الغير بما قدّم ، ولكنه تبين أن الغير لم يكن صادقا فيجوز له دعوى النقصان ويكون قوله موافقا في الصورة الأولى للأصل من عدم وصول حقه إليه.

(١) أي في الصورة الثانية عند ما حضر الاعتبار ، فلو ادعى عدم قبض جميع حقه ولم يدعى نقصان المبيع وقد حضر كيله أو وزنه ، وعلى كل فلو برّز دعواه بهذه الكيفية فهو منكر لموافقة قوله للأصل من عدم وصول حقه إليه ، ولا يكون مخالفا للظاهر ، إذ حضوره أعم من قبض جميع حقه ، بخلاف ما لو ادعى نقصان المبيع فهو يدعى أن المبيع عند ما كيل كان انقص مما في ذمة البائع مع أن حضوره يستلزم عدم النقصان ، لأن الإنسان يحتاط لنفسه.

(٢) أي لو اعترف بوجود حق للمدعى ثم ادعى أنه قد دفعه إليه فهو مدع مطالب بالبينة ، ومع عدمها فالقول قول خصمه مع يمينه ولازمه إلزامه بالواقع حينئذ.

٦٥٩

(الثالث فيما يدخل في المبيع) عند إطلاق لفظه [في أنه يراعى فيه اللغة والعرف]

(و) الضابط أنه (يراعى فيه اللغة والعرف) (١) العام ، أو الخاص ، وكذا يراعى الشرع بطريق أولى ، بل هو مقدم عليهما ، ولعله أدرجه في العرف لأنه عرف خاص ، ثم إن اتفقت (٢) ، وإلا قدّم الشرعي (٣) ، ثم العرفي ، ثم اللغوي (٤) (ففي بيع البستان) بلفظه (٥) (تدخل (٦) الأرض والشجر) قطعا (والبناء) (٧) كالجدار وما أشبهه من الركائز المثبتة في داخله لحفظ التراب عن الانتقال. أما البناء المعد للسكنى ونحوه ففي دخوله وجهان (٨):

______________________________________________________

(١) المعروف بينهم ـ كما في الجواهر ـ أن الضابطة في ذلك الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة أو عرفا ، هذا والعرف مقدم على اللغة لأن المتبايعين من أصل العرف والمحاورة بينهم محكومة بالعرف السائد ، فكذا ألفاظ المبيع ، ثم إن العرف عام أو خاص ، ولا يراد العرف الخاص إلا مع القرينة ، هذا هو الأصل في حمل الألفاظ على المعاني عند إطلاقها إلا إذا كان للفظ حقيقة شرعية فتقدم على العرف العام المقدم على اللغوي ، غير أن ثبوت الحقيقة الشرعية في ألفاظ المبيع شبه معدوم.

(٢) أي اللغة مع العرف العام والعرف الخاص وهذا نادر.

(٣) مع قصد المتبايعين وإلا فمع عدم القصد يقدم العرف العام لأنه هو الأصل عند التبادر.

(٤) لأنه إذا عدم المعنى العرفي عاما أو خاصا فلا بد من حمل اللفظ على معنى ، فلو لم يكن له إلا المعنى اللغوي فلا بدّ من حمله عليه.

(٥) حيث ورد لفظ البستان في عقد البيع ، هذا والنزاع هنا صغروي ، وقد بحث فيه الفقهاء بما هم من أهل العرف واللغة ، وخصوا البحث بالألفاظ التي يكثر دورانها في عقود البيع.

(٦) فيدخل في البيع الشجر والنخل والأرض بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن معنى البستان عرفا ولغة هو الأرض المشجرة ، قال في المصباح : (البستان هو الجنة).

(٧) فلا ريب في دخول السور في معنى البستان كما نص عليه جامع المقاصد وغيره ، لأنه معناه عرفا ، وكذا ما أشبهه من الركائز المبنية في داخله لحفظ التراب.

(٨) من أنه من توابعه ، ومن إطلاق البستان عليه ظاهرا إذا قيل باع فلان بستانه وفيه بناء ، ووجه العدم عدم دخوله في مسماه لغة وعرفا ولذا يسمى بستانا وإن لم يكن فيه بناء بخلاف ما لو لم يكن فيه شجر ، وقال في المسالك : (والأقوى في ذلك الرجوع إلى العرف فإن عدّ أنه جزء منه أو تابع له دخل وإلا فلا ، ويختلف ذلك باختلاف البقاع والأزمان وأوضاع البناء) وهو متين.

٦٦٠