الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

(كتاب النذر (١) وتوابعه)

من العهد واليمين (وشرط الناذر الكمال) بالبلوغ والعقل (٢) ، (والاختيار (٣) والقصد (٤) إلى مدلول الصيغة ، (والإسلام (٥) ،) ...

______________________________________________________

(١) فهو لغة الوعد بخير أو شر ، وشرعا هو الالتزام بفعل أو ترك قربة إلى الله ، ويدل على مشروعيته قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (١) وقوله تعالى : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) (٢) ، والأخبار الكثيرة التي سيمر علينا بعضها.

(٢) بلا خلاف فيه لحديث رفع القلم (٣).

(٣) بلا خلاف فيه ، وأما المكره فلا أثر لقوله في وجوب الوفاء بالنذر لحديث رفع عن أمتي (٤).

(٤) بلا خلاف فيه لأنه مع عدمه فتكون العبارة كالعدم ، فالنائم والمغمى عليه والسكران والغضبان الذي سلب القصد بغضبه لا ينعقد منهم النذر.

(٥) لأنه يشترط في النذر نية التقرب ، وهي متعذرة : في حق الكافر بجميع أقسامه ، نعم لو نذر الكافر ثم أسلم استحب له الوفاء كما صرح به غير واحد ، ولما روته العامة عن عمر أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إني كنت نذرت اعتكاف ليلة في الجاهلية ، فقال له ـ

__________________

(١) سورة الإنسان ، الآية : ٧.

(٢) سورة الحج ، الآية : ٢٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس حديث ١.

٤١

(والحرية (١) فلا ينعقد نذر الصبي والمجنون مطلقا (٢) ، ولا المكره ، ولا غير القاصد كموقع صيغته عابثا ، أو لاعبا ، أو سكران ، أو غاضبا غضبا يرفع قصده إليه ولا الكافر مطلقا (٣) ، لتعذر القربة على وجهها منه ، وإن استحب له الوفاء به لو أسلم ، ولا نذر المملوك ، (إلا أن يجيز المالك) قبل إيقاع صيغته ، أو بعده (٤) على

______________________________________________________

ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوف بنذرك) (١) ، ولو قيل : إن الكافر إذا كان مقرا بوحدانية الله فيتحقق منه التقرب إلى الله ، وإن لم يثاب لعدم إيمانه بالنبوة الخاصة ، ولازمه صحة نذره لكان حسنا كما ذهب إليه بعضهم.

(١) فلا يصح نذر المملوك إلا بإذن سيده ، بلا خلاف فيه كما في المسالك والرياض لخبر قرب الإسناد (أن عليا عليه‌السلام كان يقول : ليس على المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده) (٢).

(٢) أي سواء كان الصبي مميزا أو لا ، وسواء كان الجنون ادواريا أو اطباقيا.

(٣) وإن كان مقرا بوحدانية الله تعالى.

(٤) وقع الخلاف بينهم في أن إذن السيد هل هو شرط في صحة نذر العبد ، أو لا ولكن للسيد حلّ النذر لو صدر من العبد بدون إذنه ، فذهب المشهور إلى الثاني ، وذهب البعض إلى الأول لتوقف النذر على الإذن كما هو ظاهر الخبر المتقدم ، وسيأتي له تتمة كلام.

وقد الحق به اشتراط إذن الزوج في نذر الزوجة لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها ، إلا في حج أو زكاة أو بر والديها ، أو صلة رحمها) (٣) ، هذا على المشهور بين المتأخرين كما في المسالك ، وألحق به العلامة في بعض كتبه والشهيد في الدروس نذر الولد حيث إنه متوقف على إذن الأب ، ولا نص على الإلحاق في باب النذر ، وإنما ورد نص على الإلحاق في اليمين وهو : خبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يمين لولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا للملوك مع سيده) (٤) وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يمين للولد مع والده ، ولا لمملوك مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة) (٥).

__________________

(١) نقلا عن جواهر الكلام ج ٣٥ ص ٣٥٧ ـ ٣٥٨ ، والمسالك ج ٢ ص ٢٠٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب النذر والعهد حديث ٢ و ١.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الأيمان حديث ١ و ٢.

٤٢

المختار عند المصنف ، (أو تزول الرقية) قبل الحل (١) لزوال المانع.

والأقوى وقوعه بدون الإذن باطلا ، لنفي ماهيته في الخبر (٢) المحمول على نفي

______________________________________________________

ـ ووجه الإلحاق مشابهة النذر لليمين في الالتزام لله تعالى ، وفي الكثير من الأحكام ، ولتسمية النذر يمينا في أكثر من خبر ، كما في خبر الوشاء عن أبي الحسن عليه‌السلام (قلت له : إن لي جارية ليس لها مني مكان ولا ناحية ، وهي تحتمل الثمن إلا إني كنت حلفت فيها بيمين ، فقلت : لله عليّ أن لا أبيعها أبدا ، ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المئونة ، فقال : ف لله بقولك) (١) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن الرجل يحلف بالنذر ونيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل ، قال : إذا لم يجعل الله فليس بشي‌ء) (٢) ، وخبر سماعة (إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل الله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه ، أو عافاه من أمر يخافه ، أو ردّ عليه ماله ، أو رده من سفر ، أو رزقه رزقا ، فقال : لله عليّ كذا وكذا شكرا ، فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي لصاحبه أن يفي به) (٣) ،

وفيه : إن اطلاق اليمين عليه في هذه الاخبار مجاز كما هو واضح ولذا لا يمكن إثبات جميع أحكام اليمين في النذر بمجرد هذا الإطلاق.

(١) أي قبل حل نذر العبد من قبل سيده ، وهذا مناف بظاهره لكلام الماتن سابقا حيث اشترط إذن المولى في انعقاد نذر العبد ، فكيف ينعقد بدون إذنه هنا وأن للسيد الحل فلو زالت الرقية قبل الحل لكان النذر صحيحا على العبد ، وهذا ما وقع به غيره كالمحقق في الشرائع.

إلا أن يقال : أن النذر من دون إذن السيد ينعقد انعقادا غير تام بحيث لو لحقه الإذن لصح ، وعلى هذا التقدير يتصور اشتراط الإذن أولا ثم الحكم بصحة النذر لو زالت الرقية قبل الحلّ ، إلا أنه على خلاف الظاهر من الأدلة.

(٢) قد عرفت أن الخبر الدال على اشتراط إذن السيد في نذر العبد هو خبر قرب الاسناد المتقدم (ليس على المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده) (٤) ، وهو يدل على نفي ثبوت النذر ولا يدل على نفي ماهية النذر ، نعم في نذر الزوجة قد تقدم صحيح ابن سنان (ولا نذر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ٢.

٤٣

الصحة ، لأنه (١) أقرب المجازات (٢) إلى الحقيقة حيث لا يراد نفيها (٣) ، وعموم الأمر بالوفاء بالنذر مخصوص (٤) بنذر المذكور (٥) ، كما دل عليه الخبر لا بنذره مع النهي (٦) (وإذن الزوج كإذن السيد) في اعتبار توقفه عليها (٧) سابقا (٨) ، أو لحوقها له قبل الحل (٩) ، أو ارتفاع الزوجية قبله (١٠) ولم يذكر توقف نذر الولد على إذن الوالد ، لعدم

______________________________________________________

ـ في مالها إلا بإذن زوجها) (١) ، وهو يدل على نفي الماهية لمكان (لا) النافية للجنس ، إلا أن يكون مراده الاستدلال بما ورد في يمين العبد كما في خبر ابن القداح وصحيح منصور بن حازم المتقدمين ، فإنهما متضمنان للنافية للجنس ، ويصح الاستدلال باعتبار اطلاق اليمين على النذر ، ولكن عرفت ضعف هذا المبنى.

وعلى كل فقوله عليه‌السلام (لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها) محمول على نفي الصحة لأنه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة ، بعد كون نفي الحقيقة غير مراد لأنها متحققة لا محالة.

إن المشهور قد تمسك بعموم وجوب الوفاء بالنذر ، وهذا يشمل ما لو صدر نذر الزوجة من دون إذن زوجها ، فيتعين حمل الخبر على ما لو كان النذر المذكور منافيا لحق الزوج وقد نهاها عنه ولذا حملت الخبر على أن النذر ينعقد بدون الإذن لكن للزوج حلّه.

إن شمول وجوب الوفاء بالنذر لهذا النذر من دون إذن زوجها أول الكلام ، لأن العموم لا يشمله إلا إذا كان صحيحا ، ووقوعه صحيحا من دون الإذن أول الكلام.

(١) أي لأن نفي الصحة.

(٢) والمجاز الآخر هو نفي الكمال.

(٣) أي الحقيقة لأنها متحققة بصدور الإذن وإن لم يأذن.

(٤) أي مخصّص.

(٥) أي بنذر العبد من دون إذن سيده.

(٦) والمعنى ، وليس العموم المدعى يشمل النذر من دون الإذن وإنما هو مخصص بالنذر مع نهي السيد لمكان الخبر ، بل هو مخصص بالنذر من دون الإذن لظاهر الخبر.

(٧) أي على الرخصة المستفادة من إذن الزوج.

(٨) كما هو مختار الشارح.

(٩) كما هو مختار المصنف حيث قال الشارح : (أو بعده على المختار عند المصنف).

(١٠) أي قبل الحل ، ويأتي فيه ما تقدم من أنه مناقض لاشتراط الإذن ابتداء.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ١.

٤٤

النص الدال عليه هنا ، وإنما ورد (١) في اليمين فيبقى (٢) على أصالة الصحة.

وفي الدروس ألحقه بهما (٣) لإطلاق اليمين في بعض الأخبار على النذر كقول الكاظم عليه‌السلام لما سئل عن جارية حلف منها بيمين فقال : لله عليّ أن لا أبيعها فقال : ف لله بنذرك (٤) ، والإطلاق وإن كان من كلام السائل إلا أن تقرير الإمام له عليه كتلفظه به (٥) ، ولتساويهما (٦) في المعنى ، وعلى هذا (٧) لا وجه لاختصاص الحكم بالولد ، بل يجب في الزوجة مثله (٨) ، لاشتراكهما (٩) في الدليل نفيا (١٠) وإثباتا (١١).

أما المملوك فيمكن اختصاصه بسبب الحجر عليه (١٢) ، والعلّامة اقتصر عليه هنا (١٣) وهو أنسب (١٤) ، والمحقق شرّك بينه (١٥) وبين الزوجة في الحكم كما

______________________________________________________

(١) أي ورد التوقف على إذن الوالد ، وقد تقدم.

(٢) أي نذر الولد من دون إذن الوالد.

(٣) أي الحق الولد بالزوجة والعبد.

(٤) وقد تقدم الخبر وفيه : (ف لله بقولك).

(٥) بالإطلاق.

(٦) أي النذر واليمين.

(٧) من شمول اليمين للنذر مع التوقف على إذن الوالد والزوج في اليمين كما تقدم ، فلا وجه لاختصاص الحكم بعدم التوقف في الولد كما يستفاد من عبارة المصنف هنا ، حيث اقتصر على الزوجة والمملوك في اشتراط نذرهما لإذن الزوج والسيد.

(٨) والحكم بعدم توقف نذرها على إذن الزوج.

(٩) أي الزوجة والولد في دليل التوقف.

(١٠) في النذر.

(١١) في اليمين ، وفيه إن صحيح ابن سنان قد ورد في اشتراط نذرها بإذن الزوج ، وقد تقدم ، بخلاف الولد فلم يرد عليه نص بالخصوص في النذر ولعله لذا ترك المصنف اشتراط الإذن في الولد هنا في باب النذر.

(١٢) فلا بد من توقف نذره على إذن السيد وإن لم يرد فيه نص مع أنك قد عرفت ورود النص وقد تقدم.

(١٣) أي اقتصر على العبد في باب النذر.

(١٤) لعدم ورود نص على اشتراط الإذن في الزوجة والولد كما هو مدعى الشارح ، وقد عرفت ضعفه.

(١٥) أي بين المملوك.

٤٥

هنا (١) ، وترك الولد وليس بوجه.

(والصيغة : إن كان كذا فلله عليّ كذا) هذه صيغة النذر المتفق عليه بواسطة الشرط (٢) ، ويستفاد من الصيغة أن القربة (٣) المعتبرة في النذر إجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات ، بل يكفي تضمن الصيغة لها (٤) ، وهو هنا موجود بقوله : لله علي وإن لم يتبعها بعد ذلك بقوله : قربة إلى الله أو لله ونحوه ، وبهذا صرح في الدروس وجعله أقرب. وهو الأقرب.

______________________________________________________

(١) كما هو عبارة الماتن.

(٢) وأما إذا وقعت الصيغة ابتداء بغير شرط كأن يقول : لله عليّ كذا ففيه خلاف وسيأتي بحثه.

(٣) يشترط مع الصيغة نية القربة بلا خلاف فيه لموثق إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني جعلت على نفسي شكرا لله ركعتين أصليهما في السفر والحضر ، أفأصليهما في السفر بالنهار؟ قال : نعم ـ إلى أن قال ـ قلت : إني لم أجعلهما لله عليّ ، إنما جعلت ذلك على نفسي أصليهما شكرا لله ولم أوجبهما على نفسي ، أفأدعهما إذا شئت؟ قال : نعم) (١) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل يمين لا يراد بها وجه الله في طلاق أو عتق فليس بشي‌ء) (٢) ، بناء على شمول اليمين للنذر ، ومرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل تكون له الجارية فتؤذيه امرأته وتغار عليه فيقول : هي عليك صدقة ، فقال : إن كان جعلها لله وذكر الله فليس له أن يقربها ، وإن لم يكن ذكر الله فهي جاريته يصنع بها ما يشاء) (٣) ، وصحيح أبي الصباح الكناني (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قال : عليّ نذر ، قال : ليس النذر بشي‌ء حتى يسمّى لله صياما أو صدقة أو هديا أو حجا) (٤) ، ومثلها غيرها.

ومقتضى هذه الأخبار أن المعتبر من نية القربة جعل الفعل لله ، وإن لم يجعلها غاية له ، فما عن بعضهم كما في المسالك من كون نية التقرب المعتبرة بأن يقول بعد الصيغة : قربة إلى الله ، ليس في محله.

(٤) لنية التقرب ، بل الأصح يكفي كون الفعل لله جل وعلا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الأيمان حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ٢.

٤٦

ومن لا يكتفي بذلك ينظر إلى أن القربة غاية للفعل فلا بد من الدلالة عليها ، وكونها شرطا للصيغة والشرط مغاير للمشروط.

ويضعف بأن القربة كافية بقصد الفعل لله في غيره (١) كما أشرنا ، وهو هنا حاصل ، والتعليل لازم (٢) ، والمغايرة متحققة (٣) ، لأن الصيغة بدونها إن كان كذا فعليّ كذا ، فإن الأصل في النذر الوعد بشرط فتكون إضافة لله خارجة.

(وضابطه) أي ضابط النذر والمراد منه هنا المنذور وهو الملتزم بصيغة النذر (أن يكون طاعة) (٤) .....

______________________________________________________

(١) غير النذر.

(٢) أي والتعليل بكون القربة غاية للفعل لازم لصيغة النذر حيث تقول : إن كان كذا فلله عليّ كذا.

(٣) أي والمغايرة بين الشرط والمشروط وهما الصيغة والقربة متحققة ، لأن الصيغة هي : إن كان كذا فعليّ كذا ، والقربة هي : لله.

(٤) أي عباديا سواء كان واجبا أو مندوبا ويدل عليه صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قال : عليّ نذر ، قال : ليس النذر بشي‌ء حتى يسمّى لله صياما أو صدقة أو هديا أو حجا) (١) ، وأصرح منه صحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (ليس شي‌ء هو لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به ، وليس من رجل جعل لله عليه شيئا في معصية الله إلا أنه ينبغي له أن يتركه إلى طاعة الله) (٢) ومع ذلك فهو ليس بصريح في حصر متعلق النذر بالطاعة ، نعم هو صريح في عدم تعلق النذر بالمعصية الظاهرة في المحرم ، فالأولى الاستدلال بأن (اللام) في صيغة النذر (لله عليّ) سواء كان للملك أو للغاية تقتضي كون الفعل محبوبا لله تعالى ، ولازمه حصر متعلق النذر بما إذا كان راجحا سواء كان عباديا أو لا ، ومنه يعرف عدم تعلق النذر بالمحرم والمكروه لأنهما غير محبوبين ، بل وعدم تعلق النذر بالمباح متساوي الطرفين وهذا ما عليه المشهور.

وذهب الشهيد في الدروس إلى انعقاده في المباح متساوي الطرفين لرواية الوشاء عن أبي الحسن عليه‌السلام (في جارية حلف فيها بيمين فقلت : لله عليّ أن لا أبيعها أبدا ولي إلى ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ٦.

٤٧

واجبا كان ، أو مندوبا ، (أو مباحا راجحا) (١) في الدين ، أو الدنيا ، فلو كان متساوي الطرفين ، أو مكروها أو حراما التزم فعلهما لم ينعقد وهو في الأخيرين وفاقي ، وفي المتساوي قولان ، فظاهره هنا بطلانه ، وفي الدروس رجح صحته ، وهو أجود.

هذا إذا لم يشتمل على شرط ، وإلا فسيأتي اشتراط كونه طاعة لا غير وفي الدروس ساوى بينهما (٢) في صحة المباح الراجح والمتساوي. والمشهور ما هنا (٣).

(مقدورا للناذر) (٤) بمعنى صلاحية تعلق قدرته به عادة في الوقت المضروب له فعلا ، أو قوة ، فإن كان وقته معينا اعتبرت فيه ، وإن كان مطلقا فالعمر.

واعتبرنا ذلك (٥) مع كون المتبادر القدرة الفعلية لأنها غير مرادة لهم ، كما

______________________________________________________

ـ ثمنها حاجة مع تخفيف المئونة ، فقال : ف لله بقولك له) (١) وفيه : إنه ضعيف السند مع عدم الجابر له بعد إعراض المشهور عنه.

(١) فيشمل المستحب ، والفرق بينه وبين المتقدم أن المتقدم مختص بالعبادي وهذا يشمل غيره كمن نذر الأكل للتقوّي على العبادة ، وكمن نذر ترك أمر دنيوي لمنع النفس عن الشهوات.

(٢) أي بين النذر المطلق والمشروط.

(٣) من التفصيل بين المشروط وغيره ، فيعتبر الطاعة في الأول ويكفي في الثاني المباح الراجح ، قال في الجواهر (وإن نسبه في الروضة إلى المشهور ولكن لم نتحققه بل المتحقق خلافه).

(٤) لأنه يمتنع التكليف بغير المقدور فلا ينعقد على غير المقدور عقلا كجمع النقيضين ، أو عادة كالصعود إلى السماء بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، وفي المسالك : (فالمراد بالمقدور للناذر مضافا إلى كونه طاعة ما يمكنه فعله عادة وإن لم يكن مقدورا له بالفعل ، ومن ثمّ يتوقع ناذر الحج ماشيا المكنة مع الإطلاق ، ويقوّم ناذر الصدقة بما يملك من ماله ويتصدق به على التدريج ، إلى غير ذلك من أفراد النذر المعجوز عنها حال النذر ، المحكوم فيها بتوقع القدرة ، حيث لا تكون معينة بوقت معين أو بوقت موسع بالنسبة إليه).

(٥) فعلا أو قوة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ١١.

٤٨

صرحوا به كثيرا ، لحكمهم بأن من نذر الحج وهو عاجز عنه بالفعل ، لكنه يرجو القدرة ينعقد نذره ويتوقعها (١) في الوقت ، فإن خرج (٢) عاجز بطل ، وكذا (٣) لو نذر الصدقة بمال وهو فقير (٤) ، أو نذرت الحائض الصوم مطلقا (٥) ، أو في وقت يمكن فعله فيه بعد الطهارة وغير ذلك ، وإنما أخرجوا بالقيد الممتنع عادة كنذر الصعود إلى السماء ، أو عقلا كالكون في غير حيّز ، والجمع بين الضدين ، أو شرعا كالاعتكاف جنبا مع القدرة على الغسل ، وهذا القسم يمكن دخوله في كونه طاعة ، أو مباحا ، فيخرج به (٦) ، أو بهما.

(والأقرب احتياجه إلى اللفظ) (٧) فلا يكفي النية في انعقاده ، وإن استحب

______________________________________________________

(١) أي القدرة.

(٢) أي خرج الوقت المعين وهو عاجز عن الأداء بطل النذر إن كان مقيدا بوقت معين.

(٣) أي وكذا ينعقد.

(٤) ولكنه يتوقع القدرة في الوقت المعين أو مطلقا حسب النذر.

(٥) من غير تقييد بوقت معين.

(٦) أي والممتنع شرعا يخرج بالطاعة أو بالطاعة أو المباح حيث اشترطوا في متعلق النذر أن يكون طاعة أو مباحا كما تقدم.

(٧) ذهب الشيخان والقاضي وابن حمزة إلى أنه ينعقد من دون احتياج إلى لفظ ، بل تكفي النية ، لأن النذر عبادة والأصل في العبادة النية والاعتقاد ، وللنبوي (إنما الاعمال بالنيات) (١) ، وإنما للحصر والباء للسببيّة وذلك يدل على حصر العمل بالنية ولا يتوقف على غيرها وإلّا لزم جعل ما ليس بسبب سببا ، ولأن الغرض من اللفظ إعلام الغير ما في الضمير والاستدلال به على القصد ، والله تعالى عالم بالسرائر وقد قال تعالى : (إِنْ تُبْدُوا مٰا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحٰاسِبْكُمْ بِهِ اللّٰهُ) (٢).

وردّ بأن العبادات ليست منحصرة في الاعتقادات ، بل منها ما هو لفظي لا يجزي عنها الاعتقاد كالقراءة والاذكار الواجبة ، وأما النبوي فغاية ما يدل على أن النية معتبرة بالعمل وبدونها لا أثر له ، وبقية الأدلة مردودة بالنصوص التي اشترطت اللفظ في النذر.

منها : صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (فليس بشي‌ء حتى يقول : عليّ ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١٠.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٤.

٤٩

الوفاء به ، لأنه من قبيل الأسباب ، والأصل فيها اللفظ الكاشف عما في الضمير ، ولأنه في الأصل وعد بشرط ، أو بدونه ، والوعد لفظي ، والأصل عدم النقل ، وذهب جماعة منهم الشيخان إلى عدم اشتراطه للأصل ، وعموم الأدلة ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنما الأعمال بالنيات» ، وإنما لكل امرئ ما نوى وإنما للحصر ، والباء سببية فدل على حصر السببية فيها ، واللفظ إنما اعتبر في العقود ليكون دالا على الإعلام بما في الضمير ، والعقد هنا مع الله العالم بالسرائر ، وتردد المصنف في الدروس والعلامة في المختلف ، ورجح في غيره الأول.

(و) كذلك الأقرب (انعقاد التبرع) به من غير شرط (١) ، لما مرّ من

______________________________________________________

ـ المشي إلى بيته ، أو يقول : لله عليّ هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا) (١) وصحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ليس النذر بشي‌ء حتى يسمّى شيئا لله) (٢).

ولذا ذهب ابن إدريس والأكثر إلى اشتراط اللفظ لهذه الأخبار ، ولأن النذر لغة هو الوعد بشرط أو بدونه ، والوعد مشروط باللفظ وإلّا لا يكون وعدا ، ولأن النذر من قبيل الأسباب كالعهد والزواج التي لا يكفي فيها مجرد القصد بل لا بد من اللفظ لأنه الأصل.

وتوقف العلامة والشهيد في الدروس ، ومما تقدم تعرف ضعف التوقف.

(١) اعلم أن النذر منقسم إلى المعلّق على شرط وإلى المتبرع به ، والمعلّق على شرط قد يكون شكرا للنعمة كقوله : إن أعطيت ولدا أو مالا أو قدم المسافر أو عافاني الله أو نحو ذلك فلله عليّ كذا ، وقد يكون شكرا لدفع البلية كقوله : إن برئ المريض أو تخطاني المكروه فلله عليّ كذا ، وهذا القسم من النذر إذا كان شكرا يسمى بنذر المجازاة.

والمعلّق قد يكون زجرا عن فعل يرجح الانزجار عنه كقوله : إن شربت الخمر فلله عليّ كذا وهو المسمى بنذر الزجر ، والمعلّق بجميع أقسامه لا اشكال في انعقاده ، ولا خلاف في ذلك ، والكثير من النصوص المتقدمة ظاهر في المعلّق مثل صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا قال الرجل : عليّ المشي إلى بيت الله وهو محرم بحجة ، أو عليّ هدي كذا وكذا فليس بشي‌ء حتى يقول : لله عليّ المشي إلى بيته ، أو يقول : لله عليّ أن أحرم بحجة ، أو يقول : لله عليّ هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا) (٣) والمتبرع به ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النذر والعهد حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب النذر والعهد حديث ١.

٥٠

الأصل (١) ، والأدلة المتناولة له.

وقول بعض أهل اللغة أنه وعد بشرط ، والأصل عدم النقل ، معارض بنقله (٢) أنه بغير شرط أيضا ، وتوقف المصنف في الدروس ، والصحة أقوى.

(ولا بد من كون الجزاء طاعة) (٣) إن كان نذر مجازاة بأن يجعله أحد العبادات المعلومة ، فلو كان مرجوحا ، أو مباحا لم ينعقد لقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي الصباح الكناني : ليس النذر بشي‌ء حتى يسمّي شيئا لله صياما ، أو صدقة ، أو هديا ، أو حجا (٤) ، إلا أن هذا الخبر يشمل المتبرع به من غير شرط ،

______________________________________________________

ـ وهو غير معلق على شرط كأن يقول : لله عليّ كذا ، فالمشهور على الانعقاد لعموم أدلة وجوب الوفاء بالنذر وهذا نذر ، ولقوله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مٰا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) (١) فاطلق نذرها ولم يعلقه على شرط ، وللنبوي (من نذر أن يطيع الله فليطعه) (٢) وهو عام يشمل المتبرع به وذهب السيد المرتضى إلى عدم الانعقاد مدعيا الاجماع لما روي عن تغلب أن النذر عند العرب هو الوعد بشرط ، والشرع نزل بلسانهم.

وردّ اما اجماعه فهو معارض باجماع الشيخ في الخلاف على الانعقاد ، وقول تغلب معارض بالمحكي عنه أيضا أن النذر مطلق الوعد.

(١) وهو أن النذر في أصل اللغة هو الوعد بشرط أو بدونه.

(٢) أي بنقل هذا البعض.

(٣) المراد بالجزاء هو الشرط ، والمراد بالطاعة هو الفعل العبادي الأعم من الواجب والمندوب هذا من جهة ومن جهة أخرى قد عرفت أنّه لا بد من كون متعلق النذر طاعة أو راجحا ، وأن النذر لا ينعقد إذا كان متعلقه محرما أو مكروها أو متساوي الطرفين ، بلا فرق بين النذر المشروط وغيره.

وذهب الشهيد في الدروس إلى انعقاد النذر إذا كان متعلقه متساوي الطرفين لخبر الوشاء المتقدم ، وقد نسب الشارح هنا إلى المشهور أنه يشترط في النذر المشروط أن يكون متعلقه طاعة ، وأمّا المتبرع به فمتعلقه أعم من الطاعة وغيرها ، وقد تقدم عن صاحب الجواهر أن المتحقق خلافه.

(٤) ومثله خبره الآخر عنه عليه‌السلام وقد تقدما سابقا.

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ٣٥.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب النذر والعهد حديث ٢.

٥١

والمصنف لا يقول به ، وأطلق الأكثر اشتراط كونه طاعة ، وفي الدروس استقرب في الشرط والجزاء جواز تعلقهما بالمباح ، محتجا بالخبر السابق (١) في بيع الجارية ، والبيع مباح إلا أن يقترن بعوارض مرجحة (٢).

(و) كون (الشرط) وهو ما علّق الملتزم به عليه (سائغا) سواء كان راجحا ، أم مباحا (إن قصد) بالجزاء (الشكر) كقوله : إن حججت أو رزقت ولدا ، أو ملكت كذا فلله عليّ كذا ، من أبواب الطاعة ، (وإن قصد الزجر) عن فعله (اشترط كونه معصية ، أو مباحا راجحا فيه المنع) (٣) كقوله : إن زنيت أو بعت داري مع مرجوحيته فلله عليّ كذا ، ولو قصد في الأول (٤) الزجر ، وفي الثاني (٥) الشكر لم ينعقد (٦) ، والمثال واحد ، وإنما الفارق القصد ، والمكروه كالمباح المرجوح (٧) وإن لم يكنه (٨) فكان عليه أن يذكره (٩) ، ولو انتفى القصد في القسمين (١٠) لم ينعقد لفقد الشرط. ثم الشرط إن كان من فعل الناذر فاعتبار كونه سائغا واضح ، وإن كان من فعل الله كالولد والعافية ففي إطلاق الوصف (١١) عليه تجوز (١٢) ، وفي الدروس اعتبر صلاحيته (١٣) ، لتعلق الشكر به وهو حسن.

______________________________________________________

(١) المتقدم في إطلاق اليمين على النذر ، وهو خبر الوشاء عن أبي الحسن عليه‌السلام ، وقد تقدم منا أكثر من مرة.

(٢) فيكون البيع راجحا وعلى هذا حمله بعضهم ، ولذا لا يصح الاستدلال به على جواز تعلق النذر بالمباح متساوي الطرفين ، وقد عرفت من الرد بأنه ضعيف السند مع عدم الجابر له.

(٣) أي يتحقق فيه المتع والزجر.

(٤) أي فيما إذا كان الشرط سائغا سواء كان راجحا أو مباحا.

(٥) فيما إذا كان الشرط معصية أو مباحا راجحا يحقق الزجر.

(٦) لعدم تحقق الشكر بالمعصية ولا الزجر بالطاعة.

(٧) فإن قصد به الزجر صح النذر ، وإن قصد به الشكر فلا يصح.

(٨) أي وإن لم يكن المكروه من أقسام المباح المرجوح إلا أنه مثله حكما.

(٩) خصوصا على مختاره من انعقاد النذر إذا كان متعلقه مباحا.

(١٠) من انتفاء قصد الشكر في الشرط السائغ وقصد الزجر في المعصية.

(١١) من كونه شرطا سائغا.

(١٢) لأن أفعال الله تعالى ليست موضوعة للأحكام الشرعية.

(١٣) صلاحية فعل الله تعالى.

٥٢

(والعهد كالنذر (١) في جميع هذه الشروط والأحكام (وصورته (٢) عاهدت الله ، أو عليّ عهد الله) أن أفعل كذا ، أو أتركه ، أو إن فعلت كذا ، أو تركته ، أو رزقت كذا فعليّ كذا على الوجه المفصل في الأقسام (٣) ، والخلاف في انعقاده بالضمير ومجردا عن الشرط مثله (٤).

(واليمين (٥) ...)

______________________________________________________

(١) كما عن الشهيدين ومحكي النهاية لخبر أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام (من جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) (١) حيث جعل مورده الطاعة كالنذر ، ومن حيث كون كفارته مخيّرة ككفارة النذر.

وعن المسالك والقواعد والنافع والارشاد أن حكمه حكم اليمين لخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (سألته عن رجل عاهد الله في غير معصية ، ما عليه إن لم يف بعهده ، قال : يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة ، أو يصوم شهرين متتابعين) (٢) حيث علّق العهد على غير معصية ، وهو يشمل ما لو كان متعلقه مباحا وهو مورد اليمين ويشمل المكروه وخلاف المندوب إلا أنهما خارجان عن مورد العهد بالاجماع كما عن المسالك.

وتظهر الثمرة في متعلق العهد ، فإذا كان كالنذر اشترط في متعلقه الطاعة ، وإذا كان كاليمين فيشمل متعلقه المباح ، نعم ذهب الأكثر إلى أن كفارة العهد كبيرة مخيّرة لخبري أبي بصير وعلي بن جعفر المتقدمين ، وعن المفيد أنها كبيرة مرتبة ، وقال في المسالك (ولم نقف على مستنده).

(٢) العهد إما معلق وإما تبرعي لإطلاق النصوص السابقة.

(٣) أي في أقسام النذر.

(٤) أي مثل النذر.

(٥) اليمين لغة الجارحة المخصوصة ، واطلق على الحلف لأنهم كانوا يتصافقون باليد اليمنى إذا حلفوا ، وشرعا الحلف بالله على نحو مخصوص ، هذا واليمين على أقسام الأول : يمين اللغو ، وهي الحلف لا مع القصد على ماض أو مستقبل ، وكذلك إذا سبق اللسان إلى اليمين من غير قصد إلى شي‌ء ، وهو لا مؤاخذة عليه ففي موثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سمعته يقول في قول الله عزوجل : (لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الكفارات حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الكفارات حديث ١.

٥٣

(هي الحلف بالله (١) أي بذاته تعالى من غير اعتبار اسم من أسمائه (كقوله :)

______________________________________________________

ـ أَيْمٰانِكُمْ) ، قال : اللغو قول الرجل : لا والله وبلى والله ، ولا يعقد على شي‌ء) (١) ومثله غيره ، القسم الثاني : يمين الغموس ، وهي الحلف على الماضي أو الحال مع تعمد الكذب ، وهي تغمس الحالف في النار ، ففي مرسل علي بن حديد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الأيمان ثلاث : يمين ليس فيها كفارة ، ويمين فيها كفارة ، ويمين غموس توجب النار ، فاليمين التي ليس فيها كفارة : الرجل يحلف على باب برّ أن لا يفعله فكفارته أن يفعله ، واليمين التي تجب فيها الكفارة : الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله فيفعله فتجب عليه الكفارة ، واليمين الغموس التي توجب النار : الرجل يحلف على حق امرئ مسلم على حبس ماله) (٢).

القسم الثالث : يمين المناشدة ، وهي الحلف على الغير ليفعلن أو يتركن ، وهي لا تنعقد لخبر حفص وغير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن الرجل يقسم على أخيه قال : ليس عليه شي‌ء إنما أراد إكرامه) (٣) وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام يأكل منه فلم يأكل ، هل عليه في ذلك كفارة؟ قال : لا) (٤).

القسم الرابع : يمين العقد ، وهي الحلف على الفعل أو الترك في المستقبل ، وهي التي يقع فيها الكفارة عند تحقق الحنث وهي المبحوث عنها هنا.

(١) الحلف إما بذاته وأما باسم من أسمائه المختصة به ، وإما باسم ينصرف اطلاقه إليه ، وإما باسم مشترك بينه وبين غيره من دون غلبة إطلاقه عليه ، فالقسم الأول أن يذكر ما يفهم منه ذات الله تعالى ولا يحتمل غيره من غير أن يأتي باسم مفرد أو مضاف من أسمائه الحسنى كقوله : والذي أعبده ، أو أصلي إليه ، أو والذي خلق الحبة وبرأ النّسمة ، أو الذي نفسي بيده ، أو مقلّب القلوب والأبصار.

والثاني هو الحلف بأسمائه المختصة به ولا تطلق على غيره كالله والرحمن ورب العالمين ، والأول الذي ليس قبله شي‌ء ، ومالك يوم الدين ، وخالق الخلق ، والحي الذي لا يموت والأحد والواحد الذي ليس كمثله شي‌ء ، وفي المسالك : (وعدّ بعضهم الخالق والرازق من هذا القسم والأصح أنه من الثالث ، لأنهما يطلقان في حق غير الله تعالى ، قال ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب الأيمان حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الأيمان حديث ١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من كتاب الأيمان حديث ١ و ٣.

٥٤

(ومقلّب القلوب والأبصار والذي نفسي بيده ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة) ، لأن المقسم به فيها مدلول المعبود بالحق ، إله من في السموات والأرض من غير أن يجعل (١) اسما لله تعالى (أو) الحلف (باسمه) تعالى المختص به (كقوله : والله)

______________________________________________________

ـ تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (١) ، وقال تعالى : (وَارْزُقُوهُمْ) (٢) انتهى.

والثالث ما يطلق في حق الله وحق غيره ، لكن الغالب استعماله في حق الله تعالى بحيث إذا أريد استعماله في حق غيره لاحتاج إلى تقييد وقرينة كقوله : الرحيم والرب والخالق والرازق والمتكبر والقاهر والبارئ.

والرابع ما يطلق في حقه تعالى وحق غيره ، ولا يغلب على أحدهما بحيث يحتاج إلى قرينة لو أراد أحدهما كقوله : الشي‌ء والموجود والحي والسميع والبصير والمؤمن والكريم.

أما الأقسام الثلاثة الأول فينعقد بها اليمين مع القصد بلا خلاف فيه ، بل بدون القصد في القسم الأول كما في المسالك ، وأما القسم الرابع فلا ينعقد بها اليمين وإن قصد بها الذات المقدسة بلا خلاف في ذلك إلا من الاسكافي من انعقادها بالسميع والبصير ، والأصل في ذلك كله الأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم (قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عزوجل : (وَاللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ وَالنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ) ، وما أشبه ذلك ، فقال : إن لله عزوجل أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به) (٣) ومثله خبر علي بن مهزيار (٤) ، ومنها خبر الحسين بن زيد عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث المناهي (نهى أن يحلف الرجل بغير الله ، وقال : من حلف بغير الله فليس من الله في شي‌ء) (٥) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله ، فأما قول الرجل : لا أب لشانيك ، فإنه قول أهل الجاهلية ، ولو حلف الرجل بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله) (٦) ، ومثله خبر سماعة (٧) إلى غير ذلك من الأخبار.

ومقتضى هذه الأخبار أن الحلف بالله وبغير ذلك من أسمائه أو ما يغلب عليه أو كان مشتركا بينه وبين غيره مع قصد الذات المقدسة هو حلف بالله ، ومعه لا داعي لقولهم من عدم انعقاد اليمين بالقسم الرابع مع قصد الحلف بالذات.

(١) هذا القسم الأول.

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآية : ١٧.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٥.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الأيمان حديث ٣ و ١ و ٢ و ٤ و ٥.

٥٥

(وتالله وبالله (١) وأيمن الله (٢) بفتح الهمزة وكسرها مع ضم النون وفتحها ، وكذا

______________________________________________________

(١) الحروف التي يقسم بها بشهادة أهل اللغة هي : الباء والواو والتاء ، والأصل في القسم الباء لأنها تدخل على الظاهر والمضمر ، ويليها الواو التي تدخل على الأسماء الظاهرة جميعها ، ثم التاء التي تختص بالدخول على لفظ الجلالة قال تعالى : (تَاللّٰهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) (١) وقال تعالى : (تَاللّٰهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنٰامَكُمْ) (٢).

وقوله : بالله صلة الحلف والقسم ، وكأن الحالف يقول : حلفت أو أقسمت بالله ، ثم لما كثر الاستعمال وفهم المقصود حذف الفعل بل وينعقد اليمين لو نطق باسم الجلالة مخفوضا مع نية القسم من دون النطق بأحد حروف القسم فلو قال : الله لافعلنّ ، لوروده لغة ، ولكون الجر مشعرا بالصلة الخافضة مع بناء اللغة على الحذف والتقدير ، وقد تردد المحقق في الشرائع لاستمرار العادة على الحلف بغير هذه الكيفية مع عدم معرفة ذلك إلا لخواص الناس ، وهو ضعيف ، لاندراجه في إطلاق الأدلة بعد كونه صحيحا في اللغة ، نعم لو رفع أو نصب أشكل إجراء حكم اليمين لأنه ملحون.

(٢) وهو اسم لا حرف خلافا للزجاج والرماني ، واختلفوا في أنه مشتق من اليمن بمعنى البركة أو أنه جمع يمين ، فالبصريون على الأول والكوفيون على الثاني ، وهمزته همزة وصل على الأول وقطع على الثاني.

وعلى كلا التقديرين تردد المحقق في الشرائع في انعقاد اليمين به من حيث هو جمع يمين فالقسم به لا بالله هذا على مبنى الكوفيين ، وأن القسم به قسم بوصف من أوصاف الله وهو يمنه وبركته لا باسمه على مبنى البصريين.

ولكن عن جماعة انعقاد اليمين به لأنه موضوع للقسم عرفا ولخبر حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ما يقرب من صحيح الحلبي المتقدم إلا أنه قال في آخره (وأما لعمر الله وأيم الله فإنما هو بالله) (٣) وأيم مخفف أيمن ، بل المقتضب والمخفف من أيمن هو : أيم الله ، ومن الله ، وم الله ، وله حكم أيمن ، قال في الجواهر بعد ذكر أيمن (وكذا الكلام في «أيم الله ومن الله وم الله» مما هو مقتضب من «أيمن» ، تخفيفا بحذف بعض حروفه وإبداله لكثرة الاستعمال ، بل عن ابن آوى في استدراك الصحاح في هذه الكلمات إحدى وعشرون لغة : أربع في «أيمن» ، بفتح الهمزة وكسرها مع ضم النون وفتحها ، ـ

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٨٥.

(٢) سورة العنكبوت ، الآية : ٥٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الأيمان ملحق حديث ٤.

٥٦

ما اقتطع (١) منها للقسم ، وهو سبع عشرة صيغة ، (أو أقسم بالله ، أو بالقديم) بالمعنى المتعارف اصطلاحا وهو الذي لا أول لوجوده ، (أو الأزلي أو الذي لا أول لوجوده).

وما ذكره هنا (٢) تبعا للعلامة والمحقق قد استضعفه (٣) في الدروس بأن

______________________________________________________

ـ وأربع في اليمن» باللام المكسورة والمفتوحة والنون المفتوحة والمضمومة ، ولغتان في «يمن» بفتح النون وضمها ، وثلاث لغات في «أيم» بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم ، وبفتح الهمزة مع فتح الميم ، ولغتان في «إم» بكسر الميم وضمها مع كسر الهمزة فيها ، وثلاث في «من» بضم الميم والنون وفتحها وكسرهما ، و «م الله» بالحركات الثلاث ، وكل ذلك يقسم به ، بل في كشف اللثام «هيم الله» بفتح الهاء المبدلة من الهمزة ، والله العالم) انتهى.

(١) وهو : ليمن وأيم ومن وم ، وهو سبع عشرة صيغة مع إضافة قراءة «أيمن» باللغات الأربع فيكون المجموع إحدى وعشرين على ما ذكر في استدراك الصحاح.

(٢) من التقسيم الثلاثي ، فالحلف تارة بذاته كقوله : ومقلب القلوب ، وأخرى باسمه المختص كقوله : والله ، وثالثه بالاسم المشترك بينه وبين غيره إلا أنه منصرف إليه ويغلب عليه كقوله : والأزلي والقديم.

(٣) قال في الدروس : (فالحلف بالله هو قوله : والله وبالله وتالله بالجر ، وأيمن الله وما اقتضب منها ، وقيل : الحلف بالله هو كقوله : والذي نفسي بيده ومقلّب القلوب والأبصار والأول الذي ليس كمثله شي‌ء ، لأنه مدلول المعبود بالحق ، إله من في السموات والأرض ، ولم تجعل أسماء الله تعالى ، وهو ضعيف لأن مرجعه تدل على صفات الأفعال كالخالق والرازق ، التي هي أبعد من الأسماء الدالة على صفات الذات كالرحمن والرحيم ، التي هي دون اسم الذات وهو الله جلّ اسمه ، بل هو الاسم الجامع).

وهو ظاهر في أن اسم الذات وهو الله يجب أن يكون القسم الأول لأنه الاسم الجامع ، لا ما عدده مثل الأول الذي ليس كمثله شي‌ء لأنه دال على صفات الأفعال وهي أبعد من الأسماء الدالة على صفات الذات وهي دون اسم الجلالة الدال على الذات ، وعليه فاسم الجلالة هو القسم الأول ، وما دل على صفات الذات هو القسم الثاني ، وما دل على صفات الأفعال هو القسم الثالث ، وردّ عليه الشارح في المسالك والروضة هنا بأن هذه المذكورات قد خصت بقسم من حيث دلالتها على ذاته تعالى من غير احتمال مشاركة غيره تعالى ، وجعل القسم أول الأقسام لأن أسمائه تعالى منقسمة إلى أقسام منها المختص ـ

٥٧

مرجع القسم الأول إلى أسماء تدل على صفات الأفعال كالخالق والرازق التي هي أبعد من الأسماء الدالة على صفات الذات كالرحمن والرحيم التي هي دون اسم الذات وهو الله جلّ اسمه ، بل هو الاسم الجامع ، وجعل الحلف بالله هو قوله : والله وبالله وتالله بالجر وأيمن الله ، وما اقتضب منها.

وفيه أن هذه السمات المذكورة في القسم الأول لا تتعلق بالأسماء المختصة ، ولا المشتركة ، لأنها ليست موضوعة للعلمية ، وإنما هي دالة على ذاته بواسطة الأوصاف الخاصة به (١) ، بخلاف غيرها من الأسماء فإنها موضوعة للاسمية ابتداء (٢) ، فكان ما ذكروه أولى مما تعقب به. نعم لو قيل : بأن الجميع (٣) حلف بالله (٤) من غير اعتبار اسم جمعا بين ما ذكرناه وحققه من أن الله جلّ اسمه هو الاسم الجامع ، ومن ثم رجعت الأسماء إليه ولم يرجع إلى شي‌ء منها ، فكان كالذات كان حسنا ، ويراد بأسمائه (٥) ما ينصرف إطلاقها إليه من الألفاظ الموضوعة للاسمية وإن أمكن فيها المشاركة حقيقة أو مجازا كالقديم والأزلي والرحمن والرب والخالق والباري والرازق.

(ولا ينعقد بالموجود والقادر والعالم) والحي والسميع والبصير وغيرها من الأسماء المشتركة بينه وبين غيره من غير أن تغلب عليه (٦) وإن نوى بها الحلف ،

______________________________________________________

ـ به والمشترك الغالب وغيره والدالة على صفة فعل أو صفة ذات فناسب أن تجعل المذكورات أول الأقسام لأنها ليست من أسمائه المختصة ولا المشتركة ولا يناسب تأخيرها لأنها اخص بالله من كثير من الأقسام ، ثم إن اسم الله وإن كان أدل على الذات منها إلا أنه من جملة أسمائه فناسب ذكره مع باقي الأسماء فلم يكن ما ذكراه المحقق والعلامة من التقسيم والترتيب تصور من هذا الوجه.

(١) فتكون مختصة به من غير احتمال مشاركة غيره تعالى.

(٢) فيتأتى بها كونها مختصة أو مشتركة.

(٣) وهو القسم الأول مع اسم الجلالة.

(٤) أي حلف بذاته ، أما القسم الأول فواضح وأما اسم الجلالة فلأنه الاسم الجامع ولذا رجعت جميع الأسماء إليه فهو دال على الذات.

(٥) من القسم الثاني والثالث.

(٦) هذا هو القسم الرابع وقد تقدم الكلام فيه.

٥٨

لسقوط حرمتها بالمشاركة (١).

(ولا بأسماء المخلوقات الشريفة (٢) كالنبي والأئمة والكعبة والقرآن لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كان حالفا فليحلف بالله ، أو ليذر».

(واتباع مشيئة الله تعالى) لليمين (يمنع الانعقاد (٣) وإن علمت مشيئته لمتعلقه

______________________________________________________

(١) وفيه : مع قصد الذات منها فيصدق الحلف بالله ، فتشمله إطلاق أدلة اليمين حينئذ.

(٢) لا ينعقد اليمين بغير الله وأسمائه ، فلا ينعقد بالحلف بالكعبة أو المصحف أو النبي أو الأئمة عليهم‌السلام أو الملائكة أو الأبوين للأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم (قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عزوجل : (وَاللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ وَالنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ) ، وما أشبه ذلك ، فقال : إن لله عزوجل أن يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به) (١) وخبره الآخر المروي في تفسير العياشي عنه عليه‌السلام (كل يمين بغير الله فهي من خطوات الشيطان) (٢) وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله) (٣) ، والنبوي المروي في غوالي اللئالي (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليذر) (٤) ، والنبوي الآخر (إذا حلفتم فاحلفوا بالله وإلا فاتركوا) (٥).

وعن الاسكافي جواز انعقاده في ما عظّم الله حقوقهم مثل : وحق رسول الله وحق القرآن ، إلا أن الأخبار المتقدمة على خلافه.

(٣) أي تعليق اليمين على مشيئة الله يمنعه عن الانعقاد بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : خبر الدعائم عن علي عليه‌السلام (من حلف ثم قال : إن شاء الله ، فلا حنث عليه) (٦) وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من استثنى في اليمين فلا حنث ولا كفارة) (٧) وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن الرجل يحلف على اليمين ، ويستثني ما حاله؟ قال : هو على ما استثنى) (٨).

والنصوص مطلقة سواء علم مشيئة الله فيه كالواجب والمندوب وغيره ، وعن العلامة قصره على ما لم يعلم مشيئة الله فيه ، وهو ضعيف للإطلاق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الأيمان حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الأيمان حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من كتاب الأيمان حديث ٥.

(٤) (٤ و ٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الأيمان حديث ١ و ٤.

(٦) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب الأيمان حديث ١.

(٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الأيمان حديث ١ و ٢.

٥٩

كالواجب والمندوب على الأشهر ، مع اتصالها به (١) عادة ، ونطقه بها (٢) ، ولا يقدح التنفس والسعال ، وقصده إليها عند النطق بها (٣) وإن انتفت عند اليمين (٤) ، دون العكس (٥) ولا فرق بين قصد التبرك ، والتعليق هنا (٦) ، لإطلاق النص ، وقصّره العلامة على ما لا تعلم مشيئة الله فيه كالمباح ، دون الواجب ، والندب ، وترك الحرام ، والمكروه والنص مطلق (٧) ، والحكم نادر (٨).

وتوجيهه حسن (٩) ، لكنه غير مسموع في مقابلة النص.

(والتعليق على مشيئة الغير (١٠) يحبسها) ، ويوقفها على مشيئته إن علّق عقدها

______________________________________________________

(١) أي اتصال المشيئة باليمين ، قال في المسالك : (أن يكون كلمة الاستثناء متصلة باليمين لا يتخللها الكلام ولا سكوت إلا أن يكون قليلا كتنفس وعيّ وتذكر وسعال ونحو ذلك مما لا يخلّ بالمتابعة عرفا) فلو كان متصلا وتخلّله شي‌ء لا يضر بالمتابعة فلا ينعقد اليمين لصدق الكلام الواحد على الجميع ، نعم لو تخلل كلام أجنبي أو سكوت طويل حكم باليمين ولغى الاستثناء بلا خلاف فيه لأنهما كلامان منفصلان.

(٢) أي بالمشيئة ولا تكفي النية لظاهر الأخبار المتقدمة خلافا للفاضل في المختلف.

(٣) قال في المسالك : (وأن يكون قاصدا إليها كاليمين فلو سبق لسانه إليها من غير قصد لم يعتد بها) وهو واضح.

(٤) أي انتفى قصد المشيئة عند النطق باليمين.

(٥) فينعقد اليمين وذلك فيما لو كان قاصدا للمشيئة عند التلفظ باليمين إلا أنه ذهل عنها بعد الانتهاء ولم يتلفظ بها.

(٦) أي عند اتباع اليمين بالمشيئة ، لاطلاق النص ، ولأن التبرك حاصل بذكر الاسم والتعليق بحسب المعنى.

(٧) قد تقدم البحث فيه.

(٨) أي أن العلامة حكم به في بعض كتبه.

(٩) حسن توجيهه ناشئ من أن التعليق على مشيئة الغير مع العلم بحصولها لا يضر كما سيأتي ، بل بالحقيقة فهو خارج عن التعليق مع العلم بحصول المشيئة.

(١٠) أما أصل التعليق فلا اشكال ولا خلاف في جوازه لإطلاق أدلة اليمين ، وله صور : الصورة الأولى : أن يعلق عقد اليمين على مشيئة زيد بأن يقول : والله لأدخلن الدار إن شاء زيد ، فتكون مشيئة زيد شرطا في انعقاد اليمين ، فإن شاء انعقد وإلا فلا لفقد الشرط ، وكذا لا ينعقد اليمين لو جهل تحقق الشرط بموت زيد أو غيبته أو غيرهما.

٦٠