الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

ولقيام المقتضي في غيرها (١) ، (فلو ظهر عيب في المعين) (٢) ثمنا كان ، أم مثمنا (من غير جنسه) بأن ظهرت الدراهم نحاسا ، أو رصاصا (بطل) البيع (فيه) ، لأن ما وقع عليه العقد غير مقصود بالشراء ، والعقد تابع له (٣) ، (فإن كان بإزائه مجانسه بطل البيع من أصله) إن ظهر الجميع كذلك (٤) ، وإلا (٥) فبالنسبة (كدراهم بدراهم ، وإن كان) ما بإزائه (مخالفا) في الجنس (٦) (صح) البيع (في السليم (٧) وما قابله ، ويجوز) لكل منهما (الفسخ مع الجهل) بالعيب ، لتبعض الصفقة.

______________________________________________________

ـ المقتضي لتعيين غيرهما هو العقد ، وهو حاصل هنا ، ولذا لا بد من دفع نفس الدراهم والدنانير المعيّنة فلا يجوز دفع غيرهما ولو تساوت الأوصاف ، وإن تلف المعين قبل القبض انفسخ البيع ولم يكن له دفع بدله وإن ساواه ، ولو كان في المعين عيب فلا يستبدل بل إما أن يرضى به أو يفسخ العقد.

وغالب مخالفينا على ذلك إلا أبو حنيفة حيث ذهب إلى أنها لا تتعين بالعقد بل بالقبض ، وأثبت نقيض هذه الأحكام.

(١) في غير الدراهم والدنانير ، والمقتضي هو العقد.

(٢) والمعنى : ما لو اشترى دراهم بمثلها معينة ، ووجد جميع ما صار إليه من الثمن من غير جنس الدراهم ، بل هي رصاص ونحوه كان البيع باطلا بلا خلاف ولا إشكال ، وكذا في غير الصرف فيما لو باعه ثوبا مثلا كتانا فبان صوفا ، بطل البيع لتخلف العقد عما وقع عليه العقد ، إذ وقع العقد على العين الخارجية وهي رصاص أو صوف مع أن القصد هو الفضة أو الكتان ، وليس له الإبدال لوقوع العقد على عين شخصية فلا يتناول غيرها ، ولا الأرش لعدم وقوع الصحيح والمعيب على هذه العين ، بلا فرق في ذلك كله بين كون المعين ثمنا أو مثمنا.

وكذا الحكم فيما لو وجد بعض المعين من غير جنس الدراهم فيبطل البيع في هذا البعض فقط ، وللذي انتقل إليه المعيّن خيار تبعض الصفقة وله الإمضاء مع أخذ البعض الآخر ولكن يأخذه بحصته من مجانسه من دون زيادة لئلا يلزم الربا.

(٣) أي للقصد.

(٤) أي معيبا بحيث ظهر من غير جنسه.

(٥) فإن ظهر العيب في البعض.

(٦) كبيع دراهم بدنانير معينة.

(٧) فيما لو ظهر العيب في البعض فقط ، وأما لو ظهر العيب في الجميع فقد عرفت بطلان البيع من رأس في المجانس ، ومثله في غير المجانس.

٥٢١

(ولو كان العيب من الجنس) (١) كخشونة الجوهر ، واضطراب السكة ، (وكان بإزائه مجانس (٢) ، فله الرد بغير أرش) ، لئلا يلزم زيادة جانب المعيب المفضي إلى الربا ، لأن هذا النقص حكمي ، فهو في حكم الصحيح (٣) ، (وفي المخالف (٤) بإزاء المعيب (إن كان صرفا) كما لو باعه ذهبا بفضة فظهر أحدهما معيبا من الجنس (فله الأرش في المجلس (٥) ، والرد).

أما ثبوت الأرش فللعيب ، ولا يضر هنا زيادة عوضه للاختلاف (٦) ، واعتبر كونه في المجلس للصرف.

ووجه الرد ظاهر ، لأنه مقتضى خيار العيب بشرطه (٧).

______________________________________________________

(١) أي لو اشترى دراهم بمثلها معينة فوجد جميع ما صار إليه من جنس الدراهم ولكن به عيب كخشونة الجوهر أو اضطراب السكة كان له رد الجميع أو إمساكه ، وليس له رد البعض فقط لتبعض الصفقة ، وليس له الإبدال للتعيين.

وإن كان العيب مختصا بالبعض تخيّر أيضا بين رد الجميع وإمساكه ، ولكن هل له رد المعيب وحده ، قيل : لا لإفضائه إلى تبعض الصفقة على الآخر فيمتنع الرد ، كما لو كان المعيب جميعه وأراد ردّ بعضه وهذا ما قطع به المحقق وجماعة ، وقيل : له الاقتصار على ردّ المعيب لانتقال الصحيح بالبيع وثبوت الخيار في الباقي لعارض العيب ، وهو لا يوجب فسخ البيع وهذا ما رجحه العلامة في التذكرة.

وأما الأرش فهو منفي سواء كان العيب في الجميع أو البعض ، لأن المفروض أن البيع بين دراهم ودراهم وهما من جنس الفضة الموزونة وهما متساويان قدرا ، فلو أخذ أرش المعيب لزم زيادة قدر المعيب على الصحيح وهذا مما يوجب الربا ، مع ضميمة أن جيد الجوهر ورديّه جنس واحد ، نعم لو كانا مختلفين كالدراهم والدنانير جاز له أخذ الأرش ما داما في المجلس ، فإن فارقاه لم يجز أن يأخذ الأرش لئلا يعدّ صرفا بعد التفرق.

(٢) كبيع الدرهم بالدرهم.

(٣) لأن الجوهر الردي‌ء كالجيد ما داما في الوزن سواء.

(٤) كبيع الدرهم بالدينار.

(٥) والتقييد بالمجلس لئلا يلزم الصرف بعد المجلس مع أنه يشترط التقابض فيه في المجلس.

(٦) أي الاختلاف في الجنس.

(٧) أي شرط الخيار المذكور ، وشرطه ما لو كان جاهلا.

٥٢٢

(وبعد التفرق له الرد ، ولا يجوز أخذ الأرش من النقدين) ، لئلا يكون صرفا (بعد التفرق ، ولو أخذ) الأرش (من غيرهما (١) قيل) والقائل العلامة رحمه‌الله : (جاز) ، لأنه (٢) حينئذ كالمعاوضة بغير الأثمان (٣) فيكون جملة العقد بمنزلة بيع وصرف ، والبيع ما أخذ عوضه بعد التفرق.

ويشكل (٤) بأن الأرش جزء من الثمن ، والمعتبر فيه النقد الغالب فإذا اختار الأرش لزم النقد حينئذ (٥) ، واتفاقهما على غيره (٦) معاوضة (٧) على النقد الثابت في الذمة أرشا لا نفس الأرش.

ويمكن دفعه (٨) ...

______________________________________________________

(١) أي غير النقدين بعد التفرق ، أي لو باع أحد النقدين بالآخر ثم ظهر أحدهما معيبا في الجنس كخشونة الجوهر واضطراب السكة وتمّ التفرق فهل يجوز أخذ أرش المعيب بعد المجلس من غير النقدين ، قال الفاضل في التحرير والشهيدان في الدروس والمسالك بجوازه لعدم كون الأرش صرفا لأنه ليس من النقدين ، بل هو معاوضة بغيرهما ويكون جملة العقد الذي وقع بمنزلة بيع وصرف ، فصرف باعتبار ما وقع من التقابض في المجلس بالنسبة للسليم ، وبيع باعتبار الأرش بالنسبة للمعيب الذي وقع بعد المجلس.

(٢) أي الأرش من غير النقدين.

(٣) أي بغير النقدين.

(٤) والماتن هنا قد توقف في الحكم والشارح جزم بعدمه هنا ، لأن المعروف كون الأرش جزءا من الثمن ، والمعتبر في الثمن هو النقد ، على أن الحقوق المالية يرجع فيها إلى النقدين ، وعلى كل فلو اختار الأرش للزم النقد ، فيثبت بيع الصرف ولازمه عدم الجواز لتفرق المجلس ، واختيارهما هنا غير النقدين إنما هو من باب المعاوضة عن الأرش الثابت في الذمة والذي عرفت أنه نقد.

(٥) أي حين اختيار الأرش ويلزم أنه صرف فيبطل لكونه بعد التفرق.

(٦) أي غير النقد وهذا هو المفروض في المسألة.

(٧) خبر لقوله : (واتفاقهما).

(٨) أي يمكن دفع دليل العدم الموجب لعدم جواز قبض الأرش من غيرهما بعد تفرق المجلس الذي أتى به الشارح هنا ، وحاصل الدفع : أن الثابت من الأرش هو النقد لما تقدم ولكن لا يثبت الأرش في ذمة الذي دفع المعيب إلا حين اختيار صاحب الخيار ـ

٥٢٣

بأن الثابت (١) وإن كان هو النقد لكن لمّا لم يتعين (٢) إلا باختياره الأرش ، إذ لو ردّ لم يكن الأرش ثابتا كان ابتداء تعلقه (٣) بالذمة الذي هو بمنزلة المعاوضة اختياره (٤) فيعتبر حينئذ قبضه قبل التفرق (٥) ، مراعاة للصرف ، وكما يكفي في لزوم معاوضة الصرف دفع نفس الأثمان قبل التفرق كذا يكفي دفع عوضها (٦) قبله (٧) ، بل مطلق (٨) براءة ذمة من يطلب منه (٩) منه (١٠) ، فإذا اتفقا على جعله من غير النقدين جاز ، وكانت المعاوضة كأنها واقعة به (١١).

وفيه (١٢) : أن ذلك يقتضي جواز أخذه في مجلس اختياره من النقدين أيضا ،

______________________________________________________

ـ ذلك ، إذ له الرد وأن لا يختار الأرش ، وإذا اختار الأرش بعد مجلس العقد فيثبت الأرش حينئذ في ذمة الطرف الآخر ، وقد عرفت أن الثابت من الأرش هو النقد ، فيثبت النقد حينئذ في ذمة الطرف الآخر في مجلس الاختيار وعليه فلا بد من قبض نقد الأرش في هذا المجلس.

ومما تقدم تعرف أنه وإن جاز قبض الأرش من غير النقدين في غير مجلس العقد لكن لا بدّ من قبضه في مجلس الاختيار.

(١) أي الثابت من الأرش.

(٢) أي لم يتعين الأرش.

(٣) أي ابتداء تعلق النقد الذي هو بمنزلة المعاوضة عن الأرش.

(٤) أي اختيار الأرش.

(٥) عن مجلس الاختيار.

(٦) عوض الأثمان.

(٧) أي قبل التفرق عن مجلس الاختيار.

(٨) أي بل يكفي في لزوم المعاوضة مطلق براءة ذمة من يطلب منه عوض الصرف من ذلك العوض قبل التفرق ، حتى لو كان الابراء بهبة.

(٩) أي من يطلب منه العوض ، ولفظ (منه) متعلق بيطلب.

(١٠) أي من العوض وهو متعلق ب (براءة).

(١١) أي بغير النقدين.

(١٢) أي وفي الدفع ، وحاصل ما فيه أن ذلك يقتضي جواز أخذ الأرش في مجلس اختياره من النقدين أيضا ، ما دام المدار على القبض في مجلس اختيار الأرش مع أنهم لا يقولون بذلك لما تقدم من عدم جواز أخذ الأرش من النقدين بعد مجلس العقد.

٥٢٤

ولا يقولون به ، ولزومه (١) وإن كان موقوفا على اختياره (٢) إلا أن سببه (٣) العيب الثابت حالة العقد فقد صدق التفرق (٤) قبل أخذه وإن لم يكن (٥) مستقرا (٦).

والحق أنا إن اعتبرنا في ثبوت الأرش السبب (٧) لزم بطلان البيع فيما قابله (٨) بالتفرق (٩) قبل قبضه (١٠) مطلقا (١١) ، وإن اعتبرنا (١٢) حالة اختياره (١٣) ، أو جعلناه (١٤) تمام السبب (١٥) على وجه النقل لزم جواز أخذه (١٦) في مجلسه (١٧) مطلقا (١٨) ، وإن جعلنا ذلك (١٩) كاشفا عن ثبوته (٢٠) بالعقد لزم البطلان فيه (٢١)

______________________________________________________

(١) أي لزوم الأرش.

(٢) أي اختيار الأرش.

(٣) سبب الأرش.

(٤) باعتبار أن سبب الأرش حاصل حالة القعد ، وأخذ الأرش قد تم بعده ولو في مجلس الاختيار.

(٥) أي الأرش.

(٦) أي مستقرا في ذمة البائع.

(٧) وهو العيب.

(٨) أي قابل السبب الذي هو العيب ، والمراد بمقابله هو الأرش.

(٩) أي بسبب التفرق.

(١٠) أي قبل قبضه حين ثبوت السبب ، وهو قبضه حالة العقد.

(١١) سواء كان الأرش من النقدين أم من غيرهما.

(١٢) أي اعتبرنا ثبوت الأرش.

(١٣) أي حال اختيار الأرش.

(١٤) أي جعلنا اختيار الأرش.

(١٥) أي تمام السبب لثبوت الأرش ، إذ سببه مؤلف من العيب واختيار الأرش.

(١٦) أخذ الأرش.

(١٧) أي مجلس الاختيار.

(١٨) سواء كان من النقدين أم من غيرهما.

(١٩) أي اختيار الأرش.

(٢٠) أي ثبوت الأرش.

(٢١) أي الأرش.

٥٢٥

أيضا (١) ، وعلى كل حال فالمعتبر منه (٢) النقد الغالب ، وما اتفقا على أخذه أمر آخر (٣) ، والوجه الأخير (٤) أوضح ، فيتجه مع اختياره (٥) البطلان فيما قابله (٦) مطلقا (٧) ، وإن رضي بالمدفوع لزم (٨).

فإن قيل (٩) : المدفوع أرشا ليس هو أحد عوضي الصرف ، وإنما هو عوض صفة فائتة في أحد العوضين ، ويترتب استحقاقها (١٠) على صحة العقد ، وقد حصل التقابض في كل من العوضين فلا مقتضي للبطلان ، إذ وجوب التقابض إنما هو في عوضي الصرف ، لا فيما وجب بسببهما (١١).

قلنا : الأرش وإن لم يكن أحد العوضين ، لكنه كالجزء من الناقص منهما ، ومن ثم حكموا بأنه جزء من الثمن ، نسبته إليه (١٢) كنسبة قيمة الصحيح إلى المعيب ، والتقابض الحاصل في العوضين وقع متزلزلا ، إذ يحتمل رده (١٣) رأسا ، وأخذ (١٤) أرش النقصان الذي هو كتتمة العوض الناقص ، فكان (١٥) بمنزلة بعض

______________________________________________________

(١) أي كما في الوجه الأول إذ يشترط القبض في مجلس العقد ولم يتم.

(٢) من الأرش.

(٣) بل معاوضة على ما ثبت بالأرش.

(٤) من كون اختيار الأرش كاشفا عن ثبوته بالعقد.

(٥) أي اختيار الأرش.

(٦) أي قابل الأرش ، ووجه البطلان لأنه غير مقبوض في مجلس العقد.

(٧) سواء كان الأرش من النقدين أم لا.

(٨) أي وإن أمضى البيع ورضي بالمعيب المدفوع إليه من غير أرش للزم العقد.

(٩) وهو قول للمحقق الثاني في جامعه وحاصله أن الأرش يعطى في قبال صفة فائتة في أحد العوضين وهذا لا يحتاج إلى التقابض في المجلس ، إذ التقابض شرط في عوضي الصرف لا في صفاتهما.

(١٠) أي استحقاق الصفة الفائتة.

(١١) أي بسبب عوضي الصرف كصفة فائتة فيهما.

(١٢) أي نسبة الأرش إلى الثمن.

(١٣) أي رد المبيع.

(١٤) معطوف على قوله (يحتمل رده).

(١٥) أي الأرش.

٥٢٦

العوض ، والتخيير بين أخذه والعفو (١) عنه ورد المبيع لا ينافي ثبوته (٢) ، غايته ، التخيير بينه ، وبين أمر آخر (٣) ، فيكون ثابتا ثبوتا تخييريا بينه وبين ما ذكر (٤).

(ولو كان) العيب الجنسي (في غير صرف) (٥) بأن كان العوض الآخر عرضا (فلا شك في جواز الرد والأرش) ، إعطاء للمعيب حكمه شرعا (٦) ، ولا مانع منه هنا (مطلقا) سواء كان قبل التفرق ، أم بعده.

(ولو كانا) أي العوضان (غير معينين (٧) فله الإبدال) مع ظهور العيب

______________________________________________________

(١) أي العفو عن الأرش مع إمضاء البيع.

(٢) أي ثبوت الأرش.

(٣) وهو الرد أو العفو.

(٤) من الرد أو العفو.

(٥) بأن اشترى متاعا بدراهم ، ووجد عيبا جنسيا في الدراهم كاضطراب السكة فلا شك في جواز الرد بالعيب ، والأرش والامضاء بلا إشكال فيه قبل التفرق أو بعده لعدم كونه صرفا حتى يشترط فيه التقابض في المجلس ، هذا وكل متاع يسمى عرضا سوى الدرهم والدينار فهما أثمان.

(٦) من الرد أو الأرش أو الامضاء من دون شي‌ء آخر وهو المسمى بالعفو.

(٧) ما تقدم كان شراء دراهم معينة بمثلها ، وهنا لو اشترى دراهم في الذمة بمثلها ، ووجد جميع ما صار إليه غير فضة قبل التفرق ، كان له المطالبة بالبدل قطعا ، لأن العوض في الذمة وهو أمر كلي والمدفوع لما لم يكن من الجنس امتنع أن يكون فردا للمبيع ، وعليه فيطالب بحقه من حيث لم يحصل التفرق قبل القبض.

وإن كان قد ظهر ذلك بعد التفرق بطل الصرف لعدم القبض في المجلس ، ولو كان قد ظهر ذلك في البعض طالب بالبدل قبل التفرق ، وأما بعده فيبطل الصرف فيه لعدم التقابض ويصح في الباقي لوجود المقتضي وكان له خيار تبعض الصفقة.

ولو خرج المدفوع معيبا بالجنس لأنه مضطرب السكة ونحوه وفرض كون العيب في الجميع كان مخيرا بين الرد للعيب والامساك من غير أرش لئلا يلزم الربا ، هذا من جهة ومن جهة أخرى كان له المطالبة بالإبدال قبل التفرق لأن العوض أمر كلي في الذمة وهو محمول على الصحيح فله المطالبة به حينئذ ، وأما بعد التفرق ففيه تردد وخلاف ، وعن الشيخ وابن حمزة والفاضل والمحقق الثاني والشهيد الثاني أن له ذلك ، وعن الشهيد في الدروس أنه لا يجوز وهو ظاهر اللمعة هنا أيضا باعتبار أن الابدال يقتضي عدم الرضا ـ

٥٢٧

جنسيا (١) كان ، أم خارجيا (٢) ، لأن العقد وقع على أمر كلي والمقبوض غيره ، فإذا لم يكن (٣) مطابقا لم يتعين لوجوده في ضمنه (٤) ، لكن الإبدال (ما داما في المجلس في الصرف) ، أما بعده (٥) فلا ، لأنه يقتضي عدم الرضا بالمقبوض قبل التفرق وأن الأمر الكلي باق في الذمة فيؤدي إلى فساد الصرف (٦).

هذا إذا كان العيب من الجنس ، أمّا غيره (٧) فالمقبوض ليس ما وقع عليه العقد مطلقا (٨) فيبطل بالتفرق ، لعدم التقابض في المجلس.

ويحتمل قويا مع كون العيب جنسيا جواز إبداله بعد التفرق ، لصدق التقابض في العوضين قبله (٩) ، والمقبوض محسوب عوضا وإن كان معيبا ، لكونه (١٠) من الجنس فلا يخرج عن حقيقة العوض المعين ، غايته كونه مفوتا لبعض الأوصاف فاستدراكه ممكن بالخيار ، ومن ثمّ لو رضي به (١١) استقر ملكه عليه ،

______________________________________________________

ـ بالمقبوض قبل التفرق وأن المبيع حقيقة إنما هو البدل ، وقد حصل التفرق قبل قبضه فيكون الصرف باطلا.

ووجه الجواز أن التقابض تحقق في العوضين قبل التفرق ، وكونه معيبا لا يخرجه عن الجنسية ولا يخرجه عن حقيقة العوض غايته بالعيب المذكور يثبت له الخيار ولكنه أصبح ملكا له ونماؤه له من حين العقد إلى حين الرد ، ثم لو فسخ رجع الحق إلى الذمة فيتعين أن المقبوض أولا عوض قد قبضه قبل التفرق وبه يتحقق شرط الصحة لهذا البيع.

(١) كاضطراب السكة.

(٢) كأن يظهر كونها من الرصاص.

(٣) أي المقبوض.

(٤) أي لوجود الكلي في فرده ، والمقبوض ليس من أفراده.

(٥) بعد المجلس أي بعد التفرق.

(٦) وسيأتي منه تقوية عكسه.

(٧) كأن يكون العيب خارجيا بأن ظهر أنه من الرصاص مثلا.

(٨) أي أصلا.

(٩) أي قبل التفرق ، وقد تقدم منا شرحه.

(١٠) أي لكون المعيب.

(١١) أي بالمعيب.

٥٢٨

ونماؤه له على التقديرين (١).

بخلاف غير الجنسي (٢) وحينئذ (٣) فإذا فسخ (٤) رجع الحق إلى الذمة ، فيتعين حينئذ (٥) كونه (٦) عوضا صحيحا ، لكن يجب قبض البدل (٧) في مجلس الرد ، بناء على أن الفسخ رفع العوض ، فإذا لم يقدح في الصحة سابقا يتعين القبض حينئذ ليتحقق التقابض.

ويحتمل قويا سقوط اعتباره أيضا ، لصدق التقابض في العوضين الذي هو شرط الصحة ، وللحكم بصحة الصرف بالقبض السابق فيستصحب إلى أن يثبت خلافه ، وما وقع (٨) غير كاف في الحكم بوجوب التقابض (٩) ، لأنه حكم طارئ بعد ثبوت البيع.

(وفي غيره) أي غير الصرف له الإبدال ، (وإن تفرقا) ، لانتفاء المانع منه (١٠) مع وجود المقتضي له (١١) ، وهو العيب في عين لم يتعين عوضا.

______________________________________________________

(١) تقدير الرضا به ، وتقدير الرد لأن نماء المقبوض المعيب للقابض.

(٢) فلا يستقر ملكه عليه على تقدير الرضا ، ولا يكون نماؤه له على التقديرين لعدم وقوع العقد عليه أصلا.

(٣) أي حين الإبدال مع كون العيب جنسيا.

(٤) أي فسخ في العوض المعيب لا فسخ أصل البيع.

(٥) أي حين الفسخ.

(٦) كون المقبوض أولا.

(٧) قال الشارح في المسالك : (ولكن هل يجب قبض البدل في مجلس الرد بناء على أن الفسخ رفع العوض وصيّر عوض الصرف غير مقبوض ، فإذا لم يقدح في صحة السابقة يتعين القبض حينئذ لتحقق التقابض ، أو يسقط اعتباره من حيث صدق التقابض في العوضين الذي هو شرط الصحة ، والأصل براءة الذمة من وجوب قبض آخر ، ولأن الصرف قد حكم بصحته بالقبض السابق فيستصحب إلى أن يثبت المزيل ، وجهان أجودهما الثاني).

(٨) أي ما وقع ثانيا من الرد.

(٩) في مجلس الرد.

(١٠) من الإبدال بعد جواز القبض فيه بعد مجلس العقد.

(١١) للإبدال.

٥٢٩

(الفصل السادس : في السلف (١)

وهو بيع (مضمون) (٢) في الذمة ، مضبوط بمال معلوم مقبوض (٣) في المجلس إلى أجل معلوم (٤) بصيغة خاصة ، (وينعقد بقوله) أي قول المسلم وهو المشتري (أسلمت إليك ، أو أسلفتك) ، أو سلّفتك بالتضعيف ، وفي سلّمتك وجه (٥) ، (كذا (٦) في كذا (٧) إلى كذا (٨) ، ويقبل المخاطب) وهو المسلم إليه وهو البائع بقوله : قبلت وشبهه ، ولو جعل الإيجاب منه جاز بلفظ البيع والتمليك ، واستلمت منك واستلفت وتسلفت ونحوه (٩).

(ويشترط فيه (١٠) شروط البيع بأسرها (١١) ، ويختص بشروط (ذكر الجنس) (١٢) ، والمراد به هنا الحقيقة النوعية كالحنطة والشعير ، (والوصف الرافع

______________________________________________________

(١) وهو السلم ، وكلاهما بفتح السين واللام ، وهو ابتياع كلي بثمن حال عكس النسيئة ، ويقال للمشتري المسلم بكسر اللام ، وللبائع المسلم إليه ، وللثمن المسلم ، وللمبيع المسلم فيه ، وهو نوع من أنواع البيع فلا بد فيه من إيجاب وقبول ، وينعقد بلفظ أسلمت إليك أو أسلفتك كذا في كذا هذا من المشتري ، ويقول البائع المسلم إليه : قبلت وشبهه بلا خلاف فيه ، وصدور الايجاب من المشتري هنا من جملة أحكام السلف التي اختص بها عن باقي أفراد البيع.

(٢) أي بيع كلي في الذمة.

(٣) لاخراج بيع الدين بالدين فله حكم وسيأتي البحث فيه.

(٤) سيأتي دليله.

(٥) لدلالته صريحا على المقصود هذا بحسب اللغة ، ولكن في التذكرة (ويجي‌ء سلّمت إلا أن الفقهاء لم يستعلموه).

(٦) وهو الثمن.

(٧) وهو المبيع.

(٨) أي إلى أجل معلوم.

(٩) والقبول من المسلم وهو المشتري بقوله : قبلت ونحوه.

(١٠) في السلف.

(١١) وقد تقدمت في الأبحاث السابقة.

(١٢) وكذا الوصف لأن كلما يختلف لأجله الثمن اختلافا لا يتسامح بمثله فلا بد من ذكره ، ولذا لا بد من ذكر الجنس والمراد به الحقيقة النوعية ، ولا بد من ذكر الوصف الموجب لاختلاف الثمن.

٥٣٠

للجهالة) الفارق بين أصناف ذلك النوع ، لا مطلق الوصف ، (بل الذي يختلف لأجله الثمن اختلافا ظاهرا) لا يتسامح بمثله عادة ، فلا يقدح الاختلاف اليسير غير المؤدي إليه (١) ، والمرجع في الأوصاف إلى العرف وربما كان العامي أعرف بها من الفقيه ، وحظ الفقيه منها الإجمال ، والمعتبر من الوصف ما يتناوله الاسم المزيل لاختلاف أثمان الأفراد الداخلة في المعين (٢) ، (ولا يبلغ فيه الغاية) فإن بلغها وأفضى إلى عزة الوجود بطل ، وإلا صح (٣).

(واشتراط الجيد والردي‌ء جائز) (٤) ، لإمكان تحصيلهما بسهولة ، والواجب أقل ما يطلق عليه اسم الجيد ، فإن زاد عنه زاد خيرا ، وما يصدق عليه اسم الردي‌ء ، وكلما قلّل الوصف فقد أحسن.

(و) شرط (الأجود والأردإ ممتنع) ، لعدم الانضباط ، إذ ما من جيد إلا ويمكن وجود أجود منه ، وكذا الأردإ ، والحكم في الأجود وفاق ، وأما الأردأ فالأجود أنه كذلك.

______________________________________________________

(١) إلى اختلاف الثمن.

(٢) من أفراد النوع الواحد.

(٣) أي ولا يبلغ في الوصف الغاية لأنه يكفي ذكر الوصف المزيل لاختلاف الأثمان فقط ، ولو استقصى في الأوصاف ووجد الموضوع صح السلم وإن عزّ وجوده بطل كما هو واضح لتعذر المبيع غالبا.

(٤) بلا خلاف فيه ، بل قد يقال ـ كما في الجواهر ـ بكونهما من الأوصاف التي يتوقف رفع الجهالة على ذكرهما ومن هنا حكي عن المبسوط والتذكرة وجوب التعرض لهما.

نعم لو شرط الأجود لم يصح لتعذره بلا خلاف فيه لأنه ما من فرد جيد إلا ويمكن أن يكون فوقه ما هو أجود منه فلا يتحقق كون المدفوع من أفراد الحق.

وكذا لو شرط الأردأ لأنه ما من ردي‌ء إلا وهناك أردأ منه ، هذا على المشهور ، وعن المحقق في الشرائع أنه يصح اشتراط الأردإ لإمكان التخلص بدفع الردي‌ء فإن كان هو الأردأ فهو عين الحق وإلا فيكون قد دفع الجيد عن الردي‌ء وهو جائز.

وفيه : أنه لا يكفي هذا في صحة العقد بل يجب مع ذلك تعيّن المسلّم فيه بالضبط بحيث يمكن الرجوع إليه عند الحاجة ، ويمكن تسليمه ولو بالقهر بأن يدفعه إلى الحاكم من مال المسلّم إليه عند تعذر تسليمه مع أن هذين الأمرين منتفيان عن الأردإ لأنه غير متعين.

٥٣١

وربما قيل بصحته ، والاكتفاء بكونه في المرتبة الثانية من الردي‌ء لتتحقق الأفضلية ثم إذا كان الفرد المدفوع أردأ فهو الحق ، وإلا فدفع الجيد عن الردي‌ء جائز ، وقبوله لازم ، فيمكن التخلص بخلاف الأجود.

ويشكل بأن ضبط المسلم فيه معتبر على وجه يمكن الرجوع إليه عند الحاجة مطلقا (١) ، ومن جملتها ما لو امتنع المسلم إليه من دفعه فيؤخذ من ماله بأمر الحاكم قهرا ، وذلك غير ممكن هنا ، لأن الجيد غير متعين عليه فلا يجوز لغيره دفعه فيتعذر التخلص ، فعدم الصحة أوضح ، وتردد المصنف في الدروس.

(وكل ما لا يضبط وصفه يمتنع السلم فيه (٢) ، كاللحم والخبز والنبل المنحوت) ويجوز قبله (٣) ، لإمكان ضبطها (٤) بالعدد والوزن ، وما يبقى فيه (٥) من الاختلاف غير قادح ، لعدم اختلاف الثمن بسببه (٦) بخلاف المعمول (٧) ، (والجلود) (٨) لتعذر ضبطها ، وبالوزن لا يفيد الوصف المعتبر ، لأن أهم أوصافها

______________________________________________________

(١) سواء امتنع وجوده أم لا.

(٢) قد تقدم أن ذكر الجنس والوصف الرافعين للجهالة لازم ، ومنه تعرف أن كل شي‌ء مما لا ينضبط بالوصف على وجه ترتفع جهالته ولا يؤدي إلى عزة وجوده لا يصح السلم فيه قطعا بلا خلاف فيه كاللحم نيّة ومشويه ويشهد له خبر جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن السلف في اللحم ، قال : لا تقربنّه فإنه يعطيك مرة السمين ومرة التاوي ، ومرة المهزول ، اشتره معاينة يدا بيد ، قال : وسألته عن السلف في رؤيا الماء ، فقال : لا تقربنّها فإنه يعطيك مرّة ناقصة ومرة كاملة ، ولكن اشترها معاينة يدا بيد فهذا أسلم لك وله) (١) ، ومثله الخبز.

(٣) أي قبل النحت.

(٤) أي ضبط النبل.

(٥) أي وما يبقى في المسلم فيه وهو النبل.

(٦) بسبب الاختلاف غير القادح.

(٧) أي المنحوت.

(٨) المشهور على المنع للجهالة واختلاف الخلقة وتعذر الضبط حتى بالوزن لأن القيمة لا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب السلف حديث ١.

٥٣٢

السمك ولا يحصل به (١) ، وقيل : يجوز ، لإمكان ضبطه بالمشاهدة ، وردّ بأنه خروج عن السلم ، لأنه دين ، ويمكن الجمع بمشاهدة جملة يدخل المسلم فيه في ضمنها من غير تعيين ، وهو غير مخرج عن وضعه (٢) ، كاشتراطه ، من غلة قرية معينة لا تخيس عادة ، وحينئذ فيكفي مشاهدة الحيوان عن الإمعان في الوصف ، والمشهور المنع مطلقا (٣).

(والجواهر واللآلي الكبار (٤) ، لتعذر ضبطها) على وجه يرفع بسببه اختلاف الثمن ، (وتفاوت الثمن فيها) تفاوتا باعتبارات لا تحصل بدون المشاهدة ، أما اللآلي الصغار التي لا تشتمل على أوصاف كثيرة تختلف القيمة باختلافها فيجوز مع ضبط ما يعتبر فيها سواء في ذلك المتخذة للدواء ، وغيرها ، وكذا القول في بعض الجواهر التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتا بينا كبعض العقيق ، وهو خيرة الدروس.

(ويجوز السلم في الحبوب والفواكه (٥) ، والخضر ، والشحم ، والطيب ،)

______________________________________________________

ـ ترتبط به ، وعن الشيخ والقاضي الجواز مع المشاهدة ، وهي تدفع المحاذير السابقة ، وفيه ـ كما عن المحقق ـ أنه بالمشاهدة يخرج عن السلم الذي عرفت كونه كليا مضمونا في الذمة.

وانتصر لهما الشارح في المسالك وهنا بأنه يخرج عن السلم بالمشاهدة مع تعيين المبيع ، وكلام الشيخ أعم منه فيمكن حمله على مشاهدة جملة كثيرة يكون المسلم فيه داخلا في ضمنها ، وهذا القدر لا يخرج عن السلم كما لو شرط الثمرة من بلد معيّن أو الغلة من قرية معينة لا تخيس عادة.

(١) بالوزن.

(٢) أي وضع السلم.

(٣) حتى مع المشاهدة لجملة يدخل فيها المسلم فيه.

(٤) لم يفرق المحقق في الشرائع بين اللئالي الكبيرة والصغيرة لاشتراكهما في علة المنع ، وهي تعذر ضبطها بحيث ترتفع جهالتها ، وفرّق جماعة بينهما فجوزوه في الصغار لأنها تباع وزنا ولا يعتبر فيها صفات كثيرة توجب تفاوت القيمة بخلاف الكبار ، وعن بعضهم التفريق بين ما يتخذ للتداوي فيجوز وبين ما يتخذ للزينة فلا ، وذلك لأن المأخوذ للتداوي يراد منه الوزن فقط دون الأوصاف ، والأولى من الجميع إناطة ذلك إلى العرف.

(٥) بعد ما عرفت جواز السلم فيما يمكن ضبطه بالوصف المعلوم تعرف جوازه في الخضر والفواكه والحبوب وكل ما تنبته الأرض ، والشحم والطيب والملابس والأشربة والأدوية ـ

٥٣٣

(والحيوان كلّه) ناطقا ، وصامتا ، (حتى في شاة لبون) ، لإمكان ضبطها ، وكثرة وجود مثلها ، وجهالة مقدار اللبن غير مانعة على تقدير وجوده ، لأنه تابع ، (ويلزم تسليم شاة يمكن أن تحلب في مقارب زمان التسليم) ، فلا يكفي الحامل وإن قرب زمان ولادتها ، (ولا يشترط أن يكون اللبن حاصلا بالفعل حينئذ (١) ، فلو حلبها وسلّمها أجزأت) ، لصدق اسم الشاة اللبون عليها بعده (٢).

(أما الجارية الحامل ، أو ذات الولد ، أو الشاة كذلك (٣) فالأقرب المنع) (٤) ، لاعتبار وصف كل واحد منهما (٥) ، فيعز اجتماعهما في واحد (٦) ، ولجهالة الحمل وعدم إمكان وصفه. وقيل : يجوز في الجميع ، لإمكانه (٧) من غير عسر ، واغتفار الجهالة في الحمل لأنه تابع ، وفي الدروس جوز في الحامل مطلقا (٨) ، وفي ذات الولد المقصود بها الخدمة ، دون التسري والأجود الجواز مطلقا (٩) ، لأن عزة وجود

______________________________________________________

ـ والألبان والسمن والحيوان الاناسي منه وغيره ، حتى شاة اللبون خلافا للشافعي في أحد قوليه فمنعه لمجهولية اللبن مع أن اللبن من التوابع ويكفيه في الشاة اللبون ما كان من شأنها ذلك فيجوز تسليم شاة ليس فيها لبن ، بل لو كان فيها لبن لجاز له حلبها وتسليمها بلا لبن ، وإذا كان المدار في الشاة اللبون على الشاة التي من شأنها ذلك فلا يجوز تسليم الحامل وإن قرب زمن ولادتها.

(١) أي حين التسليم.

(٢) بعد الحلب.

(٣) أي الشاة الحامل أو ذات الولد.

(٤) كما عن الشيخ في مبسوطه والماتن هنا في لمعته ، أما في الحامل لجهالة أوصاف الحمل وأما في ذات الولد لعزة الوجود ، والمشهور على الجواز لاغتفار الجهالة في الحمل لأنه تابع ، ولامكان وصف الولد في ذات الولد على نحو لا يلزم إلى عسر الوجود ، والغريب من الماتن أنه استقرب المنع في الجارية الحامل هنا مع أنه قائل بالجواز فيها في الدروس سواء كانت حسناء أو شوهاء.

(٥) من الأم وولدها.

(٦) بالنسبة لذات الولد.

(٧) أي إمكان وصف كل واحد من الأم وولدها من غير استلزام عزة الوجود.

(٨) سواء كان الجارية للخدمة أم للتسري.

(٩) في الحامل وذات الولد ، وسواء كان ذلك للخدمة أم للتسري.

٥٣٤

مثل ذلك (١) غير واضح ، وعموم الأمر بالوفاء بالعقد يقتضيه.

(ولا بد من قبض الثمن قبل التفرق (٢) ، أو المحاسبة به (٣) من دين عليه) أي على المسلم (٤) (إذا لم يشترط ذلك في العقد) بأن يجعل الثمن نفس ما في الذمة ،

______________________________________________________

(١) وهو اجتماع وصفي الأم والولد.

(٢) وهذا من شرائط السلم بحيث لو افترقا قبل القبض بطل العقد ، وعليه الاجماع كما عن التذكرة ، وظاهر ابن الجنيد جواز تأخير القبض ثلاثة أيام وهو متروك كما في الدروس والمسالك.

(٣) بالثمن.

(٤) أي البائع الذي هو مديون للمشتري بحيث يفرض الثمن وفاء للدين ، وأصل المسألة هكذا : لو شرط المشتري أن يكون الثمن من دين له على البائع ، وكان شرطا في العقد فالمشهور على البطلان لأنه بيع دين بدين فيشمله خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يباع الدين بالدين) (١) ومثله غيره.

وذهب المحقق وتلميذه الآبي والفاضل في التحرير والقطيفي إلى الجواز لأن النهي عن بيع الدين بمثله لا يشمله إلا إذا كان دينا قبل العقد لا لما صار دينا في العقد ولأن ما في الذمة بمنزلة المقبوض ويشهد له خبر إسماعيل بن عمر (أنه كان له على رجل دراهم فعرض عليه الرجل أن يبيعه بها طعاما إلى أجل ، فأمر إسماعيل يسأله ، فقال : لا بأس بذلك ، فعاد إليه إسماعيل فسأله عن ذلك وقال : إني كنت أمرت فلانا فسألك عنها فقلت لا بأس ، فقال : ما يقول فيها من عندكم؟ قلت : يقولون : فاسد ، فقال : لا تفعله فإني أوهمت) (٢) ، والاعتذار بالوهم من جهة التقية ولذا تعرف أن الحكم الواقعي هو الجواز ولكن الجماعة حكموا بالكراهة خروجا عن شبهة الخلاف ليس إلا.

ثم لو اشترى الدائن من المديون مبيعا إلى أجل ولم يعين كون الثمن من الدين ولكنهما تقاصا في المجلس مع اتفاق الجنس والوصف أو تحاسبا مع الاختلاف ، على أنه لو اتحد الجنس والوصف فالتقاص قهري وإلا فالتحاسب متوقف على التراضي وعلى كل فهو غير مشمول للنهي عن بيع الدين بالدين فلا بد من الحكم بالصحة لأن ذلك استيفاء محض قبل التفرق مع عدم ورود العقد على ما في الذمة ، ومع ذلك قيل بالبطلان لأن الثمن قد تشخص بما في الذمة فيكون بيع دين بمثله ، ولأن هذا معاوضة على ثمن السلم قبل ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب السلف حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب السلف حديث ١.

٥٣٥

(ولو شرطه) كذلك (١) (بطل ، لأنه بيع دين بدين) أما كون المسلم فيه دينا فواضح ، وأما الثمن الذي في الذمة فلأنه دين في ذمة المسلم فإذا جعل عوضا للمسلم فيه صدق بيع الدين بالدين ، لأن نفس الدين قد قرن بالباء (٢) فصار ثمنا ، بخلاف المحاسبة عليه قبل التفرق إذا لم يشترط ، لأنه استيفاء دين قبل التفرق ، مع عدم ورود العقد عليه ، فلا يقصر عما لو أطلقاه ثم أحضره قبل التفرق ، وإنما يفتقر إلى المحاسبة مع تخالفهما (٣) جنسا أو وصفا ، أما لو اتفق ما في الذمة والثمن فيهما (٤) وقع التهاتر قهريا ولزم العقد.

ولكن المصنف في الدروس استشكل على هذا (٥) صحة العقد ، استنادا إلى أنه يلزم منه (٦) كون مورد العقد دينا بدين ، ويندفع بأن بيع الدين بالدين لا يتحقق إلا إذا جعلا معا في نفس العقد متقابلين في المعاوضة ، قضية للباء (٧) ، وهي (٨) منتفية هنا ، لأن الثمن هنا أمر كلي ، وتعيينه بعد العقد في شخص لا يقتضي كونه هو الثمن الذي جرى عليه العقد ، ومثل هذا التقاصّ والتحاسب استيفاء ، لا معاوضة ولو أثر مثل ذلك (٩) لأثر مع إطلاقه (١٠) ، ثم دفعه في

______________________________________________________

ـ قبضه ، وهما فاسدان ، أما الأول لأن الثمن هنا أمر كلي وتعيينه في شخص لا يقتضي كونه هو الثمن الذي جرى عليه العقد ، والثاني لا يضر بعد قبضه قبل التفرق.

(١) أي في متن العقد.

(٢) في قولك : بعت هذا بهذا.

(٣) أي الثمن وما في الذمة.

(٤) في الجنس والوصف.

(٥) أي على اتفاق ما في الذمة والثمن المحقق للتهاتر فأورد المصنف على صحة العقد بأنه من بيع الدين بالدين.

(٦) من التهاتر.

(٧) وهي الباء الداخلة على العوض والقاضية بوجود العوض والمعوض معا ، ولذا لا يصدق بيع الدين بالدين إلا إذا كانا كذلك قبل العقد.

(٨) أي المقابلة بين الدينين.

(٩) أي مثل الاستيفاء والتقاص والتهاتر.

(١٠) أي إطلاق الثمن في العقد.

٥٣٦

المجلس ، لصدق بيع الدين بالدين عليه ابتداء ، بل قيل (١) بجواز الصورة الثانية أيضا ، وهي (٢) ما لو جعل الدين ثمنا في العقد ، نظرا إلى أن ما في الذمة بمنزلة المقبوض.

(وتقديره) (٣) أي المسلم فيه (٤) ، أو ما يعم الثمن (٥) (بالكيل ، أو الوزن المعلومين) في ما يكال ، أو يوزن ، وفيما لا يضبط إلا به (٦) ، وإن جاز بيعه جزافا كالحطب والحجارة ، لأن المشاهدة ترفع الغرر ، بخلاف الدين ، واحترز بالمعلومين عن الإحالة على مكيال ، أو صنجة مجهولين فيبطل ، (أو العدد) (٧) في المعدود ،

______________________________________________________

(١) عن المحقق والآبي والفاضل والمقداد والقطيفي على ما تقدم.

(٢) أي الصورة الثانية.

(٣) من شروط السلف أو السلم تقدير المبيع بالكيل أو الوزن المعروفين إذا كان مما يكال أو يوزن بلا خلاف فيه ضرورة توقف معرفته عليهما إذا كان كذلك في المشاهدة ففي الغياب من باب أولى ، ولازم ذلك لو عوّلا على صخرة مجهولة أو مكيال مجهول لم يصح السلم لأنه غرر ، نعم لو كان المبيع مما تكفي مشاهدته في حال الحضور بأن يباع جزافا فقد صرح غير واحد بوجوب تقديره بالكيل أو الوزن في بيع السلم لعدم المشاهدة فيه حتى ترتفع الجهالة والغرر.

(٤) وهو المبيع.

(٥) أي الضمير في (تقديره) شامل للمثمن والثمن وإن كان على خلاف عبارة الماتن.

(٦) أي بالكيل أو الوزن ، وهو الذي يباع جزافا في المشاهدة فلا يمكن ضبطه في حال الغياب كما هو المفروض في السلم إلا بأحدهما.

(٧) بحيث يباع في المشاهدة عدا كالثوب ، فلا بد من عدّه في السلم لرفع الغرر ، وكذا لو كان يباع جزافا في حال الحضور فلا بدّ من بيعه بالعدّ إذا كان العدّ رافعا للجهالة كالبيض والجوز ، دون الرمان لعدم ارتفاع الغرر إلا بالعدّ والمشاهدة ولذا يتعين بيعه وزنا في السلم.

وعن الشيخ والمحقق وابني زهرة وإدريس والعلامة في التذكرة أنه لا يجوز السلف في المعدود لعدم ارتفاع الجهالة به لكثرة اختلاف المعدود في الكبر والصغر وغيرهما ، والاكتفاء بالعدّ في المشاهدة لارتفاع الغرر بها لا به.

وعن الفاضل في جملة من كتبه والشهيدين وجماعة التفصيل المتقدم بين ما لا يكثر فيه التفاوت فيصح فيه العدّ كالجوز واللوز وبين ما يكثر فيه التفاوت كالرمان فلا ، والحق أن المدار على الانضباط الرافع للجهالة واختلاف الثمن ، وهذا ما يختلف باختلاف الأمصار والاعصار والأشياء المعدودة فالاحالة إلى العرف هو الأولى.

٥٣٧

(مع قلة التفاوت) كالصنف الخاص من الجوز واللوز ، أما مع كثرته كالرمان فلا يجوز بغير الوزن.

والظاهر أن البيض ملحق بالجوز في جوازه مع تعيين الصنف ، وفي الدروس قطع بإلحاقه بالرمان الممتنع به ، وفي مثل الثوب يعتبر ضبطه بالذرع وإن جاز بيعه بدونه مع المشاهدة كما مر ، وكان عليه أن يذكره أيضا ، لخروجه عن الاعتبارات (١) المذكورة ، ولو جعلت هذه الأشياء ثمنا فإن كان مشاهدا لحقه حكم البيع المطلق ، فيكفي مشاهدة ما يكفي مشاهدته فيه ، واعتبار ما يعتبر (٢).

(وتعيين الأجل (٣) المحروس من التفاوت) بحيث لا يحتمل الزيادة والنقصان إن أريد موضوعه (٤) ، ولو أريد به مطلق البيع لم يشترط (٥) وإن وقع بلفظ السلم.

______________________________________________________

(١) من الكيل والوزن والعدّ ، وخروجه لأن الثوب يباع جزافا بالمشاهدة.

(٢) من الكيل أو الوزن.

(٣) فلو ذكر أجلا مجهولا أو يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج ، أو إلى أوان الحصاد ، كان بيع السلم باطلا بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : النبوي (من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم) (١) ، وخبر سماعة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السلم وهو السلف في الحرير والمتاع الذي يضع في البلد الذي أنت به ، قال : نعم إذا كان إلى أجل معلوم) (٢).

(٤) أي موضوع السلم.

(٥) أي لم يشترط الأجل لو ذكر السلم وأراد مطلق البيع ، لأن الأجل شرط في السلم لا في مطلق البيع.

وأصل المسألة فيما لو ذكر السلم وأراد به نفس السلم لا مطلق البيع ، وكان المثمن حالا فهل يبطل لعدم الأجل كما عن جماعة ، أو يصح لصحيح ابن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا ، قال : ليس به بأس ، قلت : إنهم يفسدونه عندنا ، قال : وأيّ شي‌ء يقولون في السلم؟ قلت : لا يرون به بأسا ، يقولون : هذا إلى أجل ، فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح ، فقال : فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود ، ثم قال : لا بأس بأن ـ

__________________

(١) البخاري ج ٣ ص ١٠٦ ، والجامع الصغير ج ٢ ص ١٦٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب السلف حديث ٤.

٥٣٨

(والأقرب جوازه) أي السلم (حالا مع عموم الوجود) أي وجود المسلم فيه (عند العقد) ، ليكون مقدورا على تسليمه حيث يكون مستحقا.

ووجه القرب (١) أن السلم بعض جزئيات البيع (٢) ، وقد استعمل لفظه (٣) في نقل الملك على الوجه المخصوص (٤)

فجاز استعماله في الجنس (٥) لدلالته عليه حيث يصرح بإرادة المعنى العام (٦) ، وذلك عند قصد الحلول ، كما ينعقد البيع

______________________________________________________

ـ يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل أو حالا لا يسمى له أجلا ، إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب والبطيخ في غير زمانه ، فلا ينبغي شراء ذلك حالا) (١) ، وظاهر جواز وقوع السلم للثمن بشرط أن يكون عام الوجود وقت العقد كما هو صريح ذيل الخبر ، وهذا ما مال إليه المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد والشهيد الأول في الدروس واللمعة هنا ، إلا أن الشارح حمل عبارته على ما لو أراد مطلق البيع من لفظ السلم ، وقد تبع بذلك المحقق الثاني حيث فسر عبارة القواعد بذلك ، مع أن عبارة القواعد كعبارة اللمعة هنا ظاهرة في إرادة السلم من لفظ السلم لا مطلق البيع ، ولذا سيعترف الشارح فيما بعد أن الظاهر من عبارة اللمعة ما ذكرناه ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فلو أراد مطلق البيع من لفظ السلم وكان المثمن حالا فالنزاع فيه ليس من ناحية حالية المثمن في مطلق البيع ، لأن الحالية هو الأصل في البيع المعروف بل النزاع في جواز إرادة مطلق البيع من لفظ السلم ، وقد ذكر الشارح للجواز دليلا ، وحاصله أن مطلق البيع عام والسلم خاص وإرادة العام من الخاص جائز بعد عدم إرادة الخاص لقرينة الحلول في المثمن.

(١) استدلال من الشارح لجواز استعمال لفظ السلم في بيع ما يكون تسليمه حالا ، لا أنه استعمل في السلم حقيقة.

(٢) أي أحد أفراد البيع.

(٣) أي لفظ السلم.

(٤) وهو كون المثمن حالا.

(٥) وهو مطلق البيع.

(٦) لأنه مع قصد الحلول في المثمن لا يعقل أن يقصد السلم ، فيكون ذلك قرينة على أنه مستعمل في مطلق البيع الذي هو الجنس.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١.

٥٣٩

بملكتك كذا بكذا (١) ، مع أن التمليك موضوع لمعنى آخر ، إلا أن قرينة العوض المقابل عينته للبيع ، بل هذا (٢) أولى (٣) ، لأنه بعض أفراده ، بخلاف التمليك المستعمل شرعا في الهبة بحيث لا يتبادر عند الإطلاق غيرها (٤) ، وإنما صرفه عنها القيود الخارجية.

ومثله القول فيما لو استعملا (٥) السلم في بيع عين شخصية (٦) ، وأولى بالجواز (٧) ، لأنها أبعد عن الغرر.

والحلول أدخل في إمكان التسليم من التأجيل (٨).

ومن التعليل (٩) يلوح وجه المنع فيهما (١٠) حيث إن بناءه (١١) على البيع المؤجّل مثمنه الثابت في الذمة ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، أو وزن معلوم ، أو أجل معلوم».

______________________________________________________

(١) مع أن التمليك أعم من البيع ، لكن ذكر العوض دليل على عدم إرادة الهبة ، وهو الدليل على إرادة البيع.

(٢) أي ذكر البيع من لفظ السلم.

(٣) وجه الأولوية أن اسلم بعض أفراد البيع بخلاف التمليك الذي يستعمل في الهبة ، وهي مباينة لمعنى البيع ، فإذا جاز استعمال المباين في مباينه فاستعمال الخاص في العام أولى.

(٤) غير الهبة.

(٥) أي المتعاقدان.

(٦) وكانت حاضرة.

(٧) لأنها مشاهدة ، ومشاهدة المبيع تنفي الغرر.

(٨) لأن المثمن إذا كان حالا فالبائع له قدرة على تسليمه أكثر من قدرته على تسليم المؤجل ، ولذا يصح بيع العين الكلية مع الحلول بلفظ السلم وكذا بيع العين الشخصية.

(٩) أي كون السلم بعض أفراد البيع فيصح استعماله في مطلق البيع إذا كان المثمن حالا سواء كان كليا أو عينا شخصية.

غير أن هذا التعليل ممنوع لأن السلم موضوع لغة وشرعا لبيع المؤجل فاستعماله في الحال بحاجة إلى دليل ولا دليل ثمة ، مع أن النبوي قد شرط الأجل في السلم.

(١٠) في بيع الحال إذا كان كليا أو شخصيا.

(١١) بناء السلم.

٥٤٠