الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

حيث تفقد الأربعة (١) ، (وأمينه) وهو منصوبه (٢) لذلك (٣) ، أو ما هو (٤) أعم منه ، (وبحكم الحاكم المقاصّ (٥) وهو من يكون له على غيره مال فيجحده ، أو لا

______________________________________________________

ـ ففي خبر الخثعمي (كان المفضل عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له المفضل : جعلت فداك ، يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ قال : لا ، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحا ومساء) (١) وخبر أبي حمزة (سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا والله ، لا يكون عالم جاهلا أبدا ، عالما بشي‌ء جاهلا بشي‌ء ، ثم قال : الله أجلّ وأعزّ وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه ، ثم قال : لا يحجب ذلك عنه) (٢)مثلها غيرها.

ومن جهة ثالثة فالتوقيع مختص بالإفتاء لأن الوصف مشعر بالعلية للحكم ، فهم حجة بما هم رواة الأحاديث ، وهذا كاشف على مورد حجتهم ، وهو الإفتاء بمضمون هذه الأحاديث ، والمرسل عن سيد الشهداء صلوات الله عليه ضعيف السند على أن متنه مخصوص بالمعصومين عليهم‌السلام ولا أقل من الاحتمال وبه يبطل الاستدلال.

وقد قيل أن الفقيه ليس له الولاية على أموال الناس وأنفسهم ولكن له الولاية في تشكيل الحكومة الإسلامية وأجراء أحكام الإسلام السياسية والجزائية كالجهاد وقبول الجزية والصلح والقصاص والديات والحدود ، وفيه : إن مقتضى الأصل تشكيل الحكومة الإسلامية لمطلق من يريد الحكم بالحق والعدل ، فتخصيصه بالفقيه فقط يحتاج إلى دليل ، ودعوى أنه نفس مقبولة عمر بن حنظلة والتوقيع السابقان غير مسموعة لاختصاصهما بالقضاء والفتيا فقط كما عرفت ، على أن أجراء الأحكام الجزائية كالقصاص والحدود من لوازم منصب القضاء عند العامة كما سمعت فهذه الأحكام وإن ثبتت للفقيه ثبتت له بما هو قاض لا بما أنه قد انحصر فيه تشكيل الحكومة الإسلامية.

(١) وهم الأب والجد والوصي من قبل أحدهما والوكيل.

(٢) إذا ثبت جواز النظر للقاضي في مال اليتيم والمجنون ثبت لوكيله لإطلاق أدلة اعتبار الوكالة كما سيأتي في بابها.

(٣) أي لخصوص التصرف في مال الصغير والمجنون بعد البلوغ والمحجور عليه لسفه أو فلس.

(٤) أي ومنصوبه للأعم من التصرف في مال المذكورين وغيره.

(٥) إذا كان لإنسان حق عند الغير ، فلا يخلو إما أن يكون الحق عقوبة أو مالا ، فالأول ـ

__________________

(١ و ٢) أصول الكافي ج ١ ص ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان ... حديث ٣ و ٦.

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ كالقصاص والقذف ولا خلاف أنه لا بد من رفع الأمر إلى الحاكم للتوصل إلى حقه ، لأن استيفاء القصاص والحدود من لوازم القاضي كما عرفت ولعظم خطره وللاحتياط في الدماء.

والثاني إن كان عينا في يد الغير ، معترف بها أو معلوم حالها فلصاحبها الحق في انتزاعها منه ولو قهرا ، ولو استلزم مساعدة ظالم ، ولو استلزم ضررا كتمزيق ثوب أو كسر قفل أو نحو ذلك ، ما لم تثر فتنة توجب إزهاق النفوس والأموال فيجب الكف من باب رعاية الأهم ، ولا يفتقر انتزاعها إلى إذن الحاكم.

وإن كان مالا دينا وكان الغريم مقرا باذلا لم يستقل صاحبه بانتزاعه.

من دون إذن الغريم لأنه المخيّر في جهات القضاء وله السلطنة التامة على أمواله ، ولو كان الغريم جاحدا للدين ولصاحبه بينة تثبته عند الحاكم فعن الأكثر جواز الاقتصاص من الغريم من دون الرجوع إلى الحاكم لعموم الإذن في القصاص كقوله

تعالى : (فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا) (١) وقوله تعالى : (فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ) (٢) ، ولإطلاق جملة من الأخبار.

منها : خبر جميل بن دارج (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي جحده ، أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال : نعم) (٣) وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام (سألته عن الرجل الجحود أيحلّ أن أجحده مثل ما جحد؟ قال : نعم ولا تزداد) (٤) ، وصحيح داود بن رزين (قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : إني أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها والدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ، ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال : خذ مثل ذلك ولا تزد عليه (٥) ومثلها غيرها.

وذهب المحقق في النافع وتلميذه الآبي في كشفه والفخر في إيضاحه إلى وجوب الاستئذان من الحاكم ، لأن التسلط على مال الغير على خلاف الأهل فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو إذن الحاكم ، وفيه : إن التسلط على مال الغير هنا للأخبار المتقدمة ، فالقول الثاني كأنه اجتهاد في قبال النص كما في الجواهر.

ولو كان الغريم جاحدا ولا يوجد لصاحب الحق بينة ، أوله بينة ولكن لا يمكن الوصول ـ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٩٤.

(٢) سورة النحل ، الآية : ١٢٦.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١٠ و ١٣ و ١.

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ إلى الحاكم ، أو يمكن الوصول إليه ، ولكن الحاكم الذي هو القاضي غير مبسوط اليد فيجوز لصاحب الحق الاقتصاص من مال الغريم بمقدار حقه من دون إذن الحاكم بلا خلاف فيه ، وهو القدر المتيقن من الأدلة السابقة. نعم لو كان المال وديعة فهل يجوز الاقتصاص منه ، ذهب الشيخ في النهاية وابن زهرة والقاضي وجماعة إلى التحريم لقوله تعالى : (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا) (١) والأمر بالأداء ينافي جواز الاقتصاص منها ، ولجملة من الأخبار.

منها : خبر ابن أبي عمير عن ابن أخ الفضيل بن يسار (كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ووجدت امرأة وكنت أقرب القوم إليها ، فقالت لي : أسأله ، فقلت : عما ذا؟ فقالت : إن ابني مات وترك مالا كان في يد أخي فأتلفه ، ثم أفاد مالا فأودعنيه فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شي‌ء؟ فأخبرته بذلك ، فقال : لا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخف من خانك) (٢) وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الرجل يكون لي عليه حق فيجحدنيه ثم يستودعني مالا ، ألي أن آخذ ما لي عنده؟ قال : لا هذه الخيانة) (٣).

وعن الشيخ في الاستبصار وأكثر المتأخرين الجواز على كراهة جمعا بين ما تقدم وبين طائفة من الأخبار.

منها : صحيح أبي العباس البقباق (أن شهابا ما رآه في رجل ذهب له بألف درهم واستودعه بعد ذلك ألف درهم ، قال أبو العباس : فقلت له : خذها مكان الألف التي أخذ منك ، فأبي شهاب ، قال : فدخل شهاب على أبي عبد الله عليه‌السلام فذكر له ذلك ، فقال عليه‌السلام : أما أنا فأحب أن تأخذ وتحلف) (٤) ، وخبر علي بن سليمان (كتبت إليه : رجل غصب مالا أو جارية ، ثم وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه ، أيحلّ له حبسه عليه أم لا؟ فكتب : نعم يحلّ له ذلك ، إن كان بقدر حقه ، وإن كان أكثر فيأخذ منه ما كان عليه ويسلم الباقي إليه إن شاء الله) (٥).

ومقتضى الأخبار المتقدمة أنه يجوز التقاص سواء كان الموجود من جنس المال الذي في ذمة الغريم أولا بلا خلاف فيه خصوصا مع ملاحظة صحيح ابن رزين حيث يأخذون ـ

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٥٨.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٣ و ١١.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٢ و ٩.

٣٦٣

يدفعه إليه مع وجوبه (١) ، فله الاستقلال بأخذه من ماله قهرا من جنس حقه إن وجده ، وإلا فمن غيره بالقيمة ، مخيّرا بين بيعه من غيره ، ومن نفسه.

ولا يشترط إذن الحاكم وإن أمكن (٢) ، لوجوده (٣) ووجود البينة المقبولة عنده (٤) في الأشهر ، ولو تعذر الأخذ إلا بزيادة جاز ، فتكون (٥) في يده أمانة في قول (٦) إلى أن يتمكن من ردها فيجب (٧) على الفور ، ولو توقف أخذ الحق على نقب جدار ، أو كسر قفل جاز (٨) ، ولا ضمان على الظاهر ، ويعتبر في المأخوذ كونه زائدا على المستثنى في قضاء الدين (٩) ، ولو تلف من المأخوذ شي‌ء قبل تملكه ففي ضمانه قولان (١٠) ، ويكفي في التملك النية ، سواء كان بالقيمة ، أم

______________________________________________________

ـ منه الجارية والدابة ويقع لهم عنده المال الذي أذن الإمام عليه‌السلام بجواز المقاصة منه ، ولازمه جواز بيعه للاقتصاص من ثمنه سواء كان البيع لنفسه أو لغيره.

(١) أي وجوب الدفع.

(٢) أي أمكن الاذن.

(٣) أي وجود الحاكم ، وهو تعليل لإمكان الاذن.

(٤) عند الحاكم.

(٥) أي الزيادة.

(٦) وهي أمانة شارعية لا مالكية لأنها متوقفة على اذن من قبل الشارع ، لأن الشارع أذن في المقاصة كما تقدم من الأخبار.

(٧) أي يجب الرد ، وهو الظاهر من ذيل خبر علي بن سليمان المتقدم.

(٨) هذا إذا كان الحق عينا كما تقدم.

(٩) وإلا من يجوز مقاصته لعدم وجوب. الوفاء بالدين على الغريم لأنه مستثنى كما سيأتي دليله في بابه.

(١٠) وذلك فيما لو كان المقبوض من مال الغير من غير جنس الحق فلا بدّ من بيعه حتى يقع التقاصي في ثمنه ، فلو تلف المقبوض قبل بيعه فهل يضمن صاحب الحق أو لا ، فعن الشيخ في المبسوط وتبعه الشهيدان في المسالك وغاية المراد والأردبيلي عدم الضمان لأن يده يد شرعية بمعنى أنه قبض العين بإذن من الشارع.

وعن جماعة منهم المحقق والعلامة في القواعد جماعة الضمان لأنه قبضه بغير إذن المالك لمصلحة نفسه ، فيكون كقبض المرتهن الرهن بغير إذن الراهن ، مع عدم المنافاة بين إذن الشارع وبين الضمان ، لأن الشارع قد أذن في القبض لاستيفاء حقه وهو أعم من الائتمان الذي لا يستعقب الضمان وبين غيره. ـ

٣٦٤

بالمثل (١) ، وفي جواز المقاصة من الوديعة قولان ، والمروي العدم ، وحمل على الكراهة (٢) ، وفي جواز مقاصة الغائب من غير مطالبته وجهان ، أجودهما العدم (٣) إلا مع طولها (٤) بحيث يؤدي إلى الضرر (٥) ، ولو أمكن الرجوع هنا إلى الحاكم فالأقوى توقفه عليه (٦).

(ويجوز للجميع) أي جميع من له الولاية ممن تقدم (تولي طرفي العقد) (٧) بأن يبيع من نفسه (٨) ، وممن (٩) له الولاية عليه ، (إلا الوكيل (١٠) ...)

______________________________________________________

ـ وأشكل عليه بأن إذن الشارع أعم من إذن المالك ، وبه يفرّق بينه وبين الرهن ومنه يعلم أنه لا يستعقب الضمان لأنه مؤتمن من قبل الشارع.

(١) عند بيعه للعين.

(٢) جمعا بين الأخبار.

(٣) بل هو المتيقن لأنه لا يجوز التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(٤) أي طول الغيبة.

(٥) فيجوز للعنوان الثانوي.

(٦) أي على إذن الحاكم بل هو المتيقن لأنه ولي الغائب وقد تقدم الكلام فيه سابقا في لوازم منصب القاضي.

(٧) فيجوز للأب مثلا أن يبيع عن ولده من نفسه فيكون الأب مشتريا ، ويجوز أن يبيع عن نفسه من ولده فيكون الأب بائعا ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لأن المغايرة الاعتبارية كافية في تحقق طرفي العقد ، وللسيرة وإطلاق ما دل على ولايته.

(٨) فيكون الأب مثلا مشتريا.

(٩) فيكون الأب مثلا بائعا.

(١٠) فعن الشيخ في النهاية والخلاف وموضع من المبسوط وابن إدريس ، بل عن غاية المراد ونسبته إلى الأكثر عدم الجواز لعدم التوكيل له ، ويشهد له صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا قال لك الرجل :) اشتر لي فلا تعطه من عندك ، وإن كان الذي عندك خيرا منه) (١) ومثله غيره وحملت هذه الأخبار على وجود القرينة اللفظية الدالة على لزوم الشراء من غير مال الوكيل لقرينة قوله (اشتر لي) ، فلا بد أن يشتري الوكيل من غير ماله ولذا ذهبت جماعة بل قيل هو المشهور أنه إذا أعلم الموكل جاز وإلا لم يجز ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب آداب التجارة حديث ١.

٣٦٥

(والمقاص) (١) فلا يجوز توليهما طرفيه (٢) ، بل يبيعان من الغير ، والأقوى كونهما كغيرهما ، وهو اختياره في الدروس ، لعموم الأدلة وعدم وجود ما يصلح للتخصيص ، (ولو استأذن الوكيل جاز) ، لانتفاء المانع حينئذ.

(ويشترط كون المشتري مسلما إذا ابتاع مصحفا (٣) ، ...

______________________________________________________

ـ وفيه : إن البحث في التوكيل المجرد عن القرائن اللفظية والمقامية ، وهو يستدعي بيع مال الموكل أو شراء شي‌ء له مع غض البصر عن خصوصية المشتري فالأوفق بالقواعد هو الجواز كما ذهب إليه أبو الصلاح والعلّامة في جملة من كتبه والفخر في الإيضاح ، والشهيدان.

نعم لو احتفت الوكالة بقرينة ولو مقامية تدل على استثناء مال الوكيل بيعا أو شراء فلا بد من استثنائه تمسكا بالقرينة ، ومع انتفاء القرينة فيتولى الوكيل طرفي العقد ، والمغايرة الاعتبارية من الأصالة والوكالة كافية في تحقق ذلك.

(١) ليس له وجه إلا أن التقاصي من مال الغير وبيعه لنفسه محل للتهمة ، وفيه : إنه لا بد من تقييد الحكم بما إذا استلزم التولي لطرفي العقد من المقاصي التهمة تحكيما للدليل ، على أن إطلاق أدلة جواز التقاصي المتقدمة يفيد جواز بيع مال الغريم لنفسه مع وجود التهمة.

(٢) طرفي العقد.

(٣) ذهب جماعة إلى عدم جواز بيع المصحف للأخبار.

منها : خبر عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن المصاحف لن تشتري ، فإذا اشتريت فقل : إنما اشتري منك الورق وما فيه من الأديم وحليته وما فيه من عمل يدك بكذا وكذا) (١) ، وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن بيع المصاحف وشرائها ، فقال : لا تشتر كتاب الله ، ولكن اشتر الحديد والورق والدفتين وقل : اشتري منك هذا بكذا وكذا) (٢) ، وخبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تبيعوا المصاحف فإن بيعها حرام ، قلت : فما تقول في شرائها؟ قال : اشتر منه الدفتين والحديد والغلاف ، وإياك أن تشتري منه الورق وفيه القرآن مكتوب ، فيكون عليك حراما وعلى من باعه حراما) (٣) ، والأخير ظاهر في حرمة بيع الورق وشرائه إذا كان البيع قد تعلق به بما هو مشتمل على القرآن بخلاف غيره من الأخبار الدالة على جواز بيع الورق وشرائه ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١١.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ المحمولة على تعلق البيع بالورق مجردا عن اشتماله على القرآن ولذا لا منافاة بينه وبين غيره من الأخبار.

وعن صاحب الجواهر وجماعة الجواز على كراهة جمعا بين ما تقدم وبين صحيح أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بيع المصاحف وشرائها ، فقال : إنما كان يوضع عند القامة (١) والمنبر ، قال : كان بين الحائط والمنبر قيد ممرّ شاة أو رجل وهو منحرف ، فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة ، ويجي‌ء آخر فيكتب السورة ، كذلك كان ثم إنهم اشتروا بعد ذلك ، فقلت : فما ترى في ذلك؟ فقال : اشتريه أحب إليّ من أن أبيعه) (٢) ، وخبر روح بن ع. بد الرحيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن شراء المصاحف وبيعها ، فقال : إنما كان يوضع الورق عند المنبر ، وكان ما بين المنبر والحائط قدر ما تمرّ الشاة أو رجل ينحرف ، قال : فكان الرجل يأتي فيكتب من ذلك ، ثم إنهم اشتروا بعد ، قلت : فما ترى في ذلك؟ فقال لي : أشتري أحب إليّ من أن أبيعه) (٣).

وفيه : إنهما غير ظاهرين في جواز شراء المصحف بل هما صريحان على أن السيرة كانت قائمة على كتابة المصاحف نقلا من المصحف الموجود في المسجد ثم قصرت الهمم عن تحصيل المصاحف بالكتابة ، واتجهوا إلى تحصيلها بالشراء ولكن لا يدلان على كيفية الشراء فلذا لا بدّ من حملهما على شراء ما عدا الخط جمعا بين الأخبار.

ثم على تقدير جواز بيع المصحف للمسلم فالمشهور على عدم جواز بيعه للكافر للنبوي (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه) (٤) ولفحوى ما دل على عدم تملك الكافر للعبد المسلم وهو خبر حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أتي بعبد ذمي قد أسلم ، فقال : اذهبوا فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا تقرّوه عنده) (٥) ، ولأن في تملك الكافر للمصحف هتكا له وإهانة وهو حرام ، والأخير استحسان محض والأول غير ظاهر الدلالة فلم يبق إلا خبر حماد بن عيسى وهو غير دال على عدم تملك الكافر للعبد المسلم ، بل دال على تملكه لكنه يجبر على البيع كما ذهب إليه البعض في ـ

__________________

(١) أي الحائط لأن حائط مسجد النبي كان بقدر قامة كما تقدم في بحث مواقيت الصلاة ، ستأتي الإشارة ، إلى ذلك في خبر ابن عبد الرحيم الآتي.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ما يكتب به حديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإرث حديث ١١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب عقد البيع حديث ١.

٣٦٧

أو مسلما (١) ، لما في ملكه للأول (٢) من الإهانة ، وللثاني (٣) من الإذلال وإثبات السبيل له عليه ، (وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (٤) ، وقيل : يصح ويؤمر بإزالة ملكه ، وفي حكم المسلم ولده الصغير (٥) ، والمجنون ، ومسبيه (٦)

______________________________________________________

ـ مسألة تملك الكافر للعبد المسلم ، فلذا ذهب جماعة إلى جواز بيع المصحف للكافر لو قلنا بجواز بيعه على المسلم ولكن قد عرفت المنع على المسلم فعلى الكافر من باب أولى وفي حكم المصحف أبعاضه لصدق كلام الله المنهي عن بيعه على الجميع ، هذا إذا كان البعض منفردا ، وأما لو كان مذكورا في كتاب آخر للاستشهاد ونحوه فيأتي البحث فيه.

(١) المشهور على عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم للنبوي المتقدم ولخبر حماد المتقدّم أيضا ولقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١) ، والأخير هو عمدة الدليل عند الأصحاب لأن خبر حماد دال على جواز التملك لكنه يجبر على المبيع كما هو قول ولم يعرف قائله ، ولكن الأخير ظاهر في عدم تملك الكافر من رأس ، نعم عدم تملك الكافر للمسلم لنفي السبيل منحصر في التملك الاختياري ، وإن دخوله في ملكه بالإرث من كافر أو بقاؤه على الملك كما لو أسلم وهو في يده فلا دليل على عدم تملك الكافر له نعم يجبر على بيعه كما في خبر حماد المتقدم أو ينعتق عليه كما لو ورث أمه كما سيأتي بحثه في باب العتق والارث بلا خلاف في ذلك بل قال الشارح في المسالك : (وفي حكمه ـ أي حكم شراء الأب لأمه ينعتق عليه ـ كل شراء يستعقب العتق كما لو أقرّ بحرية عبد غيره ثم اشتراه فإنه ينعتق عليه بمجرد الشراء ، ومثله ما لو قال لغيره : اعتق عبدك المسلم عنّي وعليّ ثمنه ، إن سوّغناه فإنه شراء ضمني ، وإنما يمتنع دخول العبد المسلم في ملك الكافر اختيارا كالشراء والاستيهاب ونحوهما ، وأما غيره كالإرث وإسلام عبده الكافر فلا ، بل يجبر على بيعه بثمن المثل على الفور إن وجد راغب ، وإلا حيل بينهما بمسلم إلى أن يوجد الراغب ، ونفقته زمن المهلة عليه وكسبه له) انتهى.

(٢) وهو المصحف.

(٣) وهو العبد المسلم.

(٤) النساء آية : ١٤١.

(٥) لأنه محكوم بالإسلام للتبعية وكذا المجنون.

(٦) أي ومسبي المسلم.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٤١.

٣٦٨

المنفرد به (١) إن ألحقناه (٢) به (٣) فيه (٤) ، ولقيط يحكم بإسلامه ظاهرا (٥) (إلا فيمن ينعتق عليه (٦) فلا منع ، لانتفاء السبيل بالعتق عليه ، وفي حكمه (٧) مشروط العتق عليه في البيع (٨) ، ومن أقر بحريته وهو في يد غيره (٩).

وضابطه جواز شرائه حيث يتعقبه العتق قهرا.

وفي حكم البيع (١٠) تملكه له اختيارا كالهبة لا بغيره كالإرث وإسلام عبده ، بل يجبر على بيعه من مسلم على الفور مع الإمكان ، وإلا حيل بينهما بوضعه على يد مسلم إلى أن يوجد راغب ، وفي حكم بيعه منه (١١) إجارته له الواقعة على عينه لا على ذمته ، كما لو استدان منه ، وفي حكم المصحف أبعاضه (١٢) ، وفي إلحاق

______________________________________________________

(١) احتراز عما لو شاركه الكافر في السبي.

(٢) أي ألحقنا المسبيّ.

(٣) بالسابي.

(٤) في الإسلام كما هو مذهب الشيخ وجماعة ، وقيل : إنما يلحق به في الطهارة فقط ، وقيل : بانتفاء التبعية مطلقا وهو الأقوى.

(٥) وهو لقيط دار الإسلامي.

(٦) على الكافر كأحد الوالدين.

(٧) حكم من ينعتق عليهن.

(٨) كأن يقول للغير : اعتق عبدك المسلم عني وعليّ ثمنه ، فهو متضمن لبيعه عليه بشرط العتق.

(٩) ثم اشتراه فإنه ينعتق عليه بمجرد الشراء.

(١٠) أي وفي حكم البيع الممنوع.

(١١) أي وفي حكم بيع العبد المسلم من الكافر وهو ممنوع إجارة العبد المسلم للكافر فيما لو. كانت الإجارة واقعة على عينه لأنها سبيل وهو منفي بحكم الآية المتقدمة قال الشارح في المسالك : (وفي حكم البيع الإجارة الواقعة على عينه ، أما على ذمته فالأجود الصحة كما لو استدان منه ، وكذا رهنه عنده ، أما لو وضع على يد مسلم فلا ، وفي عاريته قولان أجودهما المنع ، وفي إيداعه له وجهان أجودهما الصحة ، لأنه فيها خادم لا ذو سبيل) انتهى ، فالمدار على نفي السبيل ليس إلا ومنه تعرف الحكم في هذه الموارد وغيرها.

(١٢) قد تقدم الكلام فيه.

٣٦٩

ما يوجد منه (١) في كتاب غيره شاهدا ، أو نحوه نظر من الجزئية (٢) وعدم صدق الاسم (٣) ، وفي إلحاق كتب الحديث النبوية به (٤) وجه (٥).

(وهنا مسائل)

(الأولى ـ يشترط كون المبيع مما يملك)

(٦) أي يقبل الملك شرعا ، (فلا يصح بيع الحر ، وما لا نفع فيه غالبا كالحشرات) بفتح الشين كالحيات والعقارب والفئران والخنافس والنمل ونحوها ،

______________________________________________________

(١) من المصحف.

(٢) بحسب الواقع فلا يجوز البيع.

(٣) أي عدم صدق اسم البيع على بعض المصحف لأن المقصود من البيع هو مجموع الكتاب الفلاني وهو ليس بمصحف.

(٤) بالمصحف.

(٥) بل عن المحقق الثاني أن كتب الحديث والفقه في حكم المصحف ، وقد عرفت ضعف الدليل على عدم جواز شراء الكافر للمصحف لو قلنا بجواز شراء المسلم له ، ومن باب أولى جواز شراء الكافر لكتب الحديث والفقه.

(٦) شروع في شروط العوضين بعد التكلم عن الصيغة وشرائط المتبايعين ، وقد تقدم بعض شروط المبيع كالطهارة مما يتوقف استيفاء منفعته على الطهارة ، وأن يكون المبيع مملوكا بمعنى قبوله للملك ، وهذا لا خلاف فيه كما في الجواهر ، للنبوي (لا بيع إلا فيما تملك) (١) ، ولازمه أن يكون مالا فلا يصح بيع الحر لعدم قبوله للملك ، ولا بيع ما لا منفعة فيه بحسب الغالب كالخنافس والعقارب والديدان وغيرهما من الحشرات ، وفضلات الإنسان كشعره وظفره ورطوباته وإن كانت طاهرة لعدم ماليتها عرفا ، إلا لبن المرأة فيصح بيعه والمعاوضة عليه لماليته عرفا والسيرة قائمة على ذلك وهذا كاف في تحقق ماليته.

بل مما تقدم تعرف أن دفع المال بإزاء ما لا مال له أمر سفهي وأكل للمال بالباطل وكلاهما ممنوعان شرعا فلا تصح المعاوضة على المذكورات السابقة وعلى كل ما لا مالية له.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب عقد البيع حديث ٣.

٣٧٠

إذ لا نفع فيها يقابل بالمال ، وإن ذكر لها منافع في الخواص (١) ، وهو (٢) الخارج بقوله : غالبا ، (وفضلات الإنسان) وإن كانت طاهرة (إلّا لبن المرأة) فيصح بيعه ، والمعاوضة عليه مقدرا بالمقدار المعلوم ، أو المدة ، لعظم الانتفاع به ، (ولا المباحات قبل الحيازة) (٣) ، لانتفاء الملك عنها حينئذ (٤) ، والمتبايعان فيها سيان ، وكذا بعد الحيازة قبل نية التملك إن اعتبرناها فيه (٥) كما هو الأجود ، (ولا الأرض المفتوحة عنوة) (٦) بفتح العين أي قهرا كأرض العراق والشام ، لأنها للمسلمين قاطبة لا تملك على الخصوص ، (إلا تبعا لآثار المتصرّف) من بناء وشجر فيه ، فيصح في

______________________________________________________

(١) أي في كتب الخواص التي ذكر فيها منافع الحيوانات.

(٢) أي ما ذكر له نفع في الخواص.

(٣) قد تقدم اشتراط مملوكية المبيع ولذا لا يصح بيع المباح قبل الحيازة لعدم تملكه من قبل البائع بل المتبايعان فيه سواء.

(٤) أي ما قبل الحيازة.

(٥) أي اعتبرنا فيه التملك في تحقق الحيازة وسيأتي بحثه في بابه.

(٦) أي التي أخذت قهرا من يد الكفار بالحرب التي أذن فيها الإمام عليه‌السلام ، وهذه الأرض للمسلمين قاطبة كما تقدم في باب الجهاد من غير فرق بين الفاتحين وغيرهم ولا بين الموجودين وقت الفتح وغيرهم للأخبار.

منها : صحيح الحلبي (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السواد (١) ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد) (٢).

ولذا ذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم جواز بيعها ولا شرائها ولا هبتها ولا معاوضتها ولا تمليكها ولا إجارتها ولا إرثها إلى غير ذلك من أنواع التصرفات الناقلة وتبعه عليه ابن زهرة والعلامة وابن حمزة وغيرهم.

وعن ابن إدريس والعلامة في المختلف والشهيدين بل نسب إلى مشهور المتأخرين أنه يجوز بيعها تبعا للآثار الموجودة فيها ، والمراد بالآثار آثار المتصرف كالبناء والدور والسقايات وغيرها المبنية فيها ، وعلى حواشي الشهيد التصريح بكون الأرض جزء المبيع ، وفيه : إن الأرض ملكها للمسلمين فكيف يصح بيعها نعم لو قيل ببيع الآثار فقط كما هو ظاهر عبارة الحلي في السرائر فله وجه وجيه.

__________________

(١) وهو أرض العراق وقد فتحت عنوة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب عقد البيع حديث ٤.

٣٧١

الأقوى ، وتبقى تابعة له (١) ما دامت الآثار ، فإذا زالت رجعت إلى أصلها ، والمراد منها المحياة وقت الفتح ، أما الموات فيملكها المحيي ويصح بيعها (٢) كغيرها من الأملاك.

(والأقرب عدم جواز بيع رباع مكة) (٣) أي دورها (زادها الله شرفا ، لنقل

______________________________________________________

(١) أي وتبقى الأرض تابعة للبناء والشجر.

(٢) كما تقدم في بابي الخمس والجهاد.

(٣) منع الشيخ في الخلاف والمبسوط من بيع بيوت مكة وإجارتها ، وتبعه عليه العلامة في التذكرة وولده في الإيضاح والشهيد في الدروس واللمعة ، بل عن فخر المحققين نسبته إلى كثير لخبر عبد الله بن عمر بن العاص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مكة حرام وحرام بيع رباعها وحرام أجر بيوتها) (١) ، بل لأن ومكة مسجد لقوله تعالى : (سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (٢) والمفروض أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسري به من بيت خديجة أو من شعب أبي طالب أو في دار أم هاني ، وعلى كل فتدل الآية مع الضميمة المذكورة أن مكة بجميع دورها مسجد ، وقد ادعى الشيخ في الخلاف الإجماع على المنع.

وفيه : أما الإجماع فغير مسموع مع ذهاب الكثير إلى الجواز ، وأما الآية فتسميته مكة مسجدا من باب المجاز للحرمة والشرف والمجاورة مع ضميمة ما ورد من بيع عقيل رباع أبي طالب ، بل وبيع جملة من الصحابة منازلهم (٣) ، ومما يدل على كون إطلاق المسجدية على مكة من باب المجاز قوله تعالى : (لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ) (٤) حيث أضاف الديار إليهم ، وهو كاشف عن تملكهم لها فلا بد من إجراء قاعدة تسلط الناس على أموالهم.

وأما الخبر فهو من طرق العامة ولا جابر له لعدم عمل المشهور به فضلا عن معارضته لما تقدم فلا بد من رده.

نعم صرح البعض بأن مكة من الأرض المفتوحة عنوة ويشهد له تسمية أهلها بالطلقاء كما هو المشهور في كتب السير والتواريخ ، وعن البعض أن هذا مخصوص لأعاليها ، وعلى كل فإذا ثبت فتحها عنوة فلا خصوصية لمكة من هذه الجهة بل يجري البحث ـ

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٣٤.

(٢) سورة الإسراء ، الآية : ١.

(٣) الإمتاع والإسماع للمقريزي ج ١ ص ٣٨١.

(٤) سورة الحشر ، الآية : ٨.

٣٧٢

(الشيخ في الخلاف الإجماع) على عدم جوازه ، (إن قلنا إنها فتحت عنوة) ، لاستواء الناس فيها حينئذ ، ولو قلنا إنها فتحت صلحا جاز ، وفي تقييد المنع بالقول بفتحها عنوة مع تعليله بنقل الإجماع المنقول بخبر الواحد تنافر ، لأن الإجماع إن ثبت لم يتوقف على أمر آخر ، وإن لم يثبت افتقر إلى التعليل بالفتح عنوة وغيره ، ويبقى فيه (١) أنه على ما اختاره سابقا من ملكه (٢) تبعا للآثار ينبغي الجواز (٣) للقطع بتجدد الآثار في جميع دورها عما كانت عليه عام الفتح. وربما علل المنع بالرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنهي عنه ، وبكونها في حكم المسجد ، لآية الإسراء ، مع أنه كان من بيت أم هانئ لكن الخبر لم يثبت ، وحقيقة المسجدية منتفية ، ومجاز المجاورة والشرف والحرمة ممكن ، والإجماع غير متحقق ، فالجواز متجه.

(الثانية. يشترط في المبيع أن يكون مقدورا

على تسليمه (٤) فلو باع الحمام الطائر)

أو غيره من الطيور المملوكة (لم يصح ، إلا أن تقضي العادة بعوده) فيصح (٥) ، لأنه حينئذ كالعبد المنفذ في الحوائج ، والدابة المرسلة (ولو باع) المملوك

______________________________________________________

ـ السابق من عدم جواز المعاوضة على أرضها لأنها ملك لجميع المسلمين فتنحصر المعاوضة على آثار المتصرف فيها ، وعن بعضهم أنها فتحت صلحا وبه ينتفي البحث المترتب على أنها مفتوحة عنوة.

(١) في قول المصنف.

(٢) أي ملك المفتوح عنوة.

(٣) جواز بيع رباع مكة.

(٤) بلا خلاف فيه للنبوي المشهور (نهى رسول الله عن بيع المضطر وعن بيع الغرر) (١) والغرر هو الحظر كما عن الصحاح والمصباح والأساس والمغرب والمجمل ، ومع عدم القدرة على التسليم يكون البيع حظريا وغرريا فيبطل ، بل مع عدم القدرة على التسليم فيكون بذل المال بإزائه سفها وأكلا له بالباطل ، وهذا الشرط لا يختص بالمثمن بل يجري بالثمن لعين الأدلة السابقة.

(٥) لإمكان تسليمه بعد تنزيل العادة منزلة الواقع فيكون بمنزلة بيع العبد المنفذ في الأشغال ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب آداب التجارة حديث ٣.

٣٧٣

(الآبق) المتعذر تسليمه (صح مع الضميمة) (١) إلى ما يصح بيعه منفردا (فإن وجده) المشتري وقدر على إثبات يده عليه ، (وإلا كان الثمن بإزاء الضميمة) ، ونزّل الآبق بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم (٢) ، ولكن لا يخرج بالتعذر عن ملك المشتري ، فيصح عتقه عن الكفارة ، وبيعه لغيره مع الضميمة ، (ولا خيار للمشتري مع العلم

______________________________________________________

ـ والدابة المرسلة في المرعى ، وتردد العلامة في النهاية في الصحة بسبب انتفاء القدرة في الحال على التسليم وأن عودة غير موثوق به إذ ليس له عقل باعث ، وفيه : أما انتفاء القدرة في الحال فلا يضر إذا المدار على القدرة عند الاستلام من قبل المشتري ، واحتمال عدم عوده غير مانع لأن احتمال عدم القدرة على التسليم جار في كل مبيع.

(١) بلا خلاف فيه لصحيح رفاعة النحاس (سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام قلت له : أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة ، وأعطيهم الثمن واطلبها أنا؟ قال : لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا فتقول لهم : اشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما ، فإن ذلك جائز) (١) وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله ، قال : لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئا آخر ، ويقول : اشتري منك هذا الشي‌ء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي فقده فيما اشترى منه) (٢) ، وذيله ظاهر في كون الحصول على العبد مرجوا ، وعليه يحمل الصحيح أيضا هذا من جهة ومن جهة أخرى الجمع بين الأخبار وبين مقتضى القواعد القاضية بالقدرة على التسليم يكون للآبق أحوال ثلاثة : أن يكون ميئوسا منه نحو الطير في السماء والسمك في الماء فلا يصح بيعه ولو ضميمة ، وأن يكون مقدورا عليه للبائع أو المشتري وهذا يصح بيعه من دون حاجة إلى ضميمة وأن يكون مرجو الحصول فهذا يحتاج إلى الضميمة إن أريد بيعه ، فيدخل حينئذ في ملك المشتري بالعقد وإن تعذر الحصول عليه كان الثمن في قبال الضميمة لصريح ذيل موثق سماعة ، ولا يخرج عن ملك لأنه صار له ملكا بالعقد فلا يخرج عنه من غير مسبب ، ولازم جواز عتقه من قبل المشتري قبل العجز وبعده ، وبيعه كذلك مع الضميمة قبل تحقق العجز عنه وغير ذلك مما يترتب على الملك.

(٢) بمعنى أن الثمن لا يوزع على الضميمة وعلى الآبق بحيث إذا تعذر استلامه يرجع بحصته من الثمن كما هو مقتضى القواعد ، بل يكون الثمن بتمامه بإزاء الضميمة عند تعذر استلام العبد كما هو صريح موثق سماعة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد البيع حديث ١ و ٢.

٣٧٤

بإباقه) ، لقدومه على النقص (١) ، أما لو جهل جاز الفسخ إن كان البيع صحيحا ، ويشترط في بيعه (٢) ما يشترط في غيره من كونه معلوما موجودا عند العقد وغير ذلك ، سوى القدرة على تسليمه ، فلو ظهر تلفه حين البيع ، أو استحقاقه لغير البائع ، أو مخالفا للوصف بطل البيع فيما يقابله في الأولين (٣) ، وتخير المشتري في الأخير (٤) على الظاهر (٥).

(ولو قدر المشتري على تحصيله) دون البائع (فالأقرب عدم اشتراط الضميمة) (٦) في صحة البيع ، لحصول الشرط وهو القدرة على تسلّمه. ووجه الاشتراط (٧) صدق الإباق معه (٨) الموجب للضميمة بالنص (٩). وكون الشرط التسليم وهو أمر آخر غير التسلم.

ويضعف بأن الغاية المقصودة من التسليم حصوله (١٠) بيد المشتري بغير مانع وهي (١١) موجودة (١٢) ، والموجبة (١٣) للضميمة العجز عن تحصيله وهي مفقودة ،

______________________________________________________

(١) ومع علمه بالحال فلا خيار له.

(٢) أي بيع الآبق.

(٣) وهما ظهور تلفه حين البيع واستحقاقه لغير البائع ، هذا إذا باعه عن نفسه في الثاني ، وإلا فهو عقد فضولي متوقف على إجازة المالك.

(٤) فيما لو ظهر مخالفا للوصف.

(٥) لدخوله في البيع فلا بد من تقسيط الثمن على أجزائه مع إثبات الفسخ للمشتري لمخالفة الوصف ، مع احتمال إلحاقه بتعذره فيصح بيعه مع الضميمة من دون إثبات الخيار وهو احتمال ضعيف.

(٦) لأن المدار في القدرة على التسليم هو تسلم المشتري فلو كان المشتري قادرا أو كانت العين في يده لكفى.

(٧) أي اشتراط الضميمة لو كان المشتري قادرا على تحصيله دون البائع.

(٨) مع القدرة على التسلم.

(٩) وهو صحيح رفاعة وموثق سماعة المتقدمان.

(١٠) أي حصول المبيع.

(١١) أي الغاية المقصودة.

(١٢) أي موجودة في المقام بحسب الفرض.

(١٣) أي والغاية الموجبة.

٣٧٥

(وعدم لحوق أحكامها (١) لو ضم) (٢) فيوزع الثمن عليهما لو لم يقدر على تحصيله ، أو تلف قبل القبض ، ولا يتخير لو لم يعلم بإباقه (٣) ، ولا يشترط في الضميمة صحة إفرادها بالبيع (٤) لأنه حينئذ بمنزلة المقبوض وغير ذلك من الأحكام ، ولا يلحق بالآبق غيره مما في معناه كالبعير الشارد ، والفرس العائر (٥) على الأقوى (٦) ، بل المملوك المتعذر تسليمه بغير الإباق ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص.

(أما الضال والمجحود) من غير إباق (فيصح البيع ، ويراعى بإمكان التسليم) ، فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شي‌ء من المنافع يعتد به ، أو رضي المشتري بالصبر إلى أن يسلّم لزم ، (وإن تعذر فسخ المشتري إن شاء) ، وإن شاء التزم وبقي على ملكه ينتفع به بالعتق ونحوه ، ويحتمل قويا بطلان البيع ، لفقد شرط الصحة ، وهو إمكان التسليم (٧). وكما يجوز جعل الآبق مثمنا يجوز جعله ثمنا (٨) ، سواء أكان

______________________________________________________

(١) أي أحكام الضميمة.

(٢) أي لو ضم العبد الآبق إلى الضميمة ، والمعنى أن العبد الآبق الذي يقدر المشتري على تحصيله دون البائع لو ضم إلى الضميمة فلا يلحقها أحكامها بحيث لو تعذر تحصيله كان الثمن في قبالها فقط ، بل يوزع الثمن عليه وعليها فلو تعذر تحصيله كان للمشتري حصة العبد من الثمن.

(٣) لأنه قادر على استلامه فالعبد بالنسبة إليه غير آبق.

(٤) بخلاف السابق بحيث يكون الثمن في قبالها لو تعذر استلام العبد الآبق.

(٥) من عار يعير أي هام على وجهه.

(٦) مقتضى القواعد عدم جواز بيع ما لم يقدر البائع على تسليمه ، لكن قام النص على جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة فيقتصر على مورده اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص ، ومورده العبد الآبق فلا يشمل البعير الشارد رد ولا الفرس العائر ، وكذا لا يشمل المملوك الذي يتعذر تسليمه من غير جهة الإباق كالمغصوب والضال والمجحود.

(٧) وهو مستلزم للغرر والسفاهة عرفا وعادة ، وهما المعيار في إثبات هذا الشرط من أصله ، نعم لو حصل العلم أو الظن المتاخم له بإمكان التسليم كان المصير إلى صحة البيع هو المتيقن.

(٨) قد عرفت أن مورد النص المخالف للقواعد هو : جعل العبد الآبق مع الضميمة مثمنا ، فهل يصح جعله كذلك ثمنا وجهان : من أنه على خلاف النص فيرجع فيه إلى القواعد ـ

٣٧٦

في مقابله (١) آبق آخر ، أم غيره ، لحصول معنى البيع في الثمن والمثمن.

(وفي احتياج العبد الآبق المجعول ثمنا إلى الضميمة احتمال) (٢) ، لصدق الإباق المقتضي لها (٣) (ولعله (٤) الأقرب) ، لاشتراكهما (٥) في العلة المقتضية لها (٦) ، (وحينئذ يجوز أن يكون أحدهما ثمنا ، والآخر مثمنا مع الضميمتين ، ولا يكفي) في الضميمة في الثمن والمثمن (ضم آبق آخر إليه) (٧) ، لأن الغرض من الضميمة أن تكون ثمنا (٨) إذا تعذر تحصيله فتكون (٩) جامعة لشرائطه (١٠) التي من جملتها إمكان التسليم ، والآبق الآخر ليس كذلك.

(ولو تعددت العبيد) (١١) في الثمن والمثمن (كفت ضميمة)

______________________________________________________

ـ فلا يصح ، ومن أن معنى البيع الذي هو انتقال كل من العوضين إلى الآخر بالشروط المعتبرة موجود فيه فيصح فيكون جعل العبد الآبق مع الضميمة مثمنا خصوصية يقطع بعدم مدخليتها في الحكم فتسقط وهو الأقوى.

(١) أي في المثمن.

(٢) بل هو المتعين للعلة التي اقتضت ضم الضميمة إلى العبد الآبق في المثمن ، بحيث إذا تعذر تسليمه تكون الضميمة واقعة في قبال العوض الآخر.

(٣) للضميمة.

(٤) أي ولعل الاحتياج.

(٥) أي اشتراك الثمن والمثمن إذا كانا عبدا آبقا.

(٦) للضميمة.

(٧) إلى الآبق الأول وذلك لعدم إمكان تسليمها معا فيتبين أن أحد العوضين لم يقع في قباله شي‌ء فيكون أكله أكلا للمال بالباطل.

(٨) أو مثمنا.

(٩) أي الضميمة.

(١٠) أي شرائط الثمن أو المثمن ولذا اشترط في الضميمة أن تكون مالا متمولا ومما يصح بيعها وشراؤها منفردة.

(١١) قد عرفت أن مورد النص جعل العبد الآبق مع الضميمة مثمنا ، وعديناه إلى الثمن لإسقاط خصوصية المثمن ، ونعديه إلى العبدين والثلاثة لإسقاط خصوصية الوحدة في العبد للقطع بعدم مدخلية هذه الخصوصية في الحكم ، ولازمه جواز بيع العبدين الآبقين مع الضميمة ، وجواز جعلهما كذلك ثمنا وهكذا في الثلاثة فما فوق ، ثم يشترط في ـ

٣٧٧

(واحدة) (١) لصدق الضميمة مع الآبق ، ولا يعتبر فيها كونها متمولة إذا وزعت على كل واحد لأن ذلك ، يصير بمنزلة ضمائم ، مع أن الواحدة كافية. وهذه الفروع من خواص هذا الكتاب ، ومثلها (٢) في تضاعيفه (٣) كثير ننبه عليه إن شاء الله تعالى في مواضعه.

(الثالثة. يشترط في المبيع أن يكون طلقا (٤) ، فلما يصح بيع الوقف) (٥)

______________________________________________________

ـ الضميمة أن تكون مالا متمولا بالنسبة لجميع العبيد الواقعة مع الضميمة في طرف ، ولا يجب أن تكون الضميمة ذات قيمة مالية لو قسمت على العبيد الموجودين في طرفها قضاء لحق الدليل الذي أوجب اشتراطها ، لأنه لو تعذر تسليم العبيد لكانت الضميمة صالحة أن تكون عوضا أو معوضا ، وهذا ما يوجب اشتراط ماليتها بالنسبة لجميع العبيد لا بالنسبة إلى كل عبد لو قسمت الضميمة عليهم.

(١) في كل طرف.

(٢) أي ومثل هذه الفروع.

(٣) أي في أثناء هذا الكتاب.

(٤) ذكره المحقق والعلامة وجماعة ممن تأخر عنهما ، وأبد له العلامة في القواعد بأن يكون تاما ، ومعناه أن يكون المالك غير ممنوع التصرف في ملكه بحيث لم يتعلق به حق الغير ، ودليل هذا الشرط واضح ، ولازمه عدم جواز بيع الوقف وعدم جواز بيع العين المرهونة إلا بإذن المرتهن وإجازته ، وعدم جواز بيع أم الولد ، وهذا ما اقتصر عليه الأصحاب وإلا فالفروع المترتبة على هذا الشرط كثيرة.

(٥) بلا خلاف فيه ، لأن الوقف على ما تقدم في بابه تحبيس الأصل ، والتحبيس في بيعه ، ولعموم قوله عليه‌السلام في مكاتبة الصغار (الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أصلها إن شاء الله تعالى) (١) ، ولخبر ابن راشد (سألت أبا الحسن عليه‌السلام قلت : جعلت فداك ، اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم ، فلما وفّرت المال خبّرت أن الأرض وقف ، فقال عليه‌السلام : لا يجوز شراء الوقوف ، ولا تدخل الغلة في ملك ، أدفعها إلى من أوقفت عليه ، قلت : لا أعرف لهاربا ، قال عليه‌السلام : تصدق بغلتها) (٢) ومثلها غيرها.

وقد وقع الخلاف بينهم في جواز بيعه في بعض الموارد ، وكلماتهم في هذا الاستثناء في ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ١.

٣٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ غاية التشويش والاضطراب بل قال الشارح في المسالك : (قد اضطرب فتوى الأصحاب في هذه المسألة اضطرابا عظيما ، حتى من الرجل الواحد في كتاب واحد) ، والعمدة على الدليل فتقول : إن الكلام تارة في الوقف المؤبد وأخرى في المنقطع ، أعني منقطع الآخر ، والأول على قسمين فتارة يكون ملكا للموقوف عليهم وأخرى لا يكون ملكا لأحد بل يكون فك ملك نظير تحرير الرقبة كالأوقاف العامة مثل المدارس والخانات والمساجد.

فالثاني لا يجوز بيعه بلا خلاف لعدم الملك لأحد ، بل هو ملك لله جل وعلا ، نعم للمسلمين حق الانتفاع في المساجد وكذا المسافرين في الخانات والطلاب في المدارس وهكذا ، إلا إذا ذهبت عينه فيبطل الوقف لانتفاء موضوعه إلا في المساجد فتبقى عرصته وأرضه محكومة بالمسجدية بحيث لا يجوز تنجيسها ويجب تطهيرها.

وأما لو خرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فعن الشيخ الأعظم وجماعة جواز البيع لانصراف أدلة منع بيع الوقف عنه ، وفيه : إنها غير مسموعة لأنه انصراف ناشئ من قلة الوجود لا من كثرة الاستعمال في غيره. واستدل لجواز البيع بأن العين الموقوفة هي محبوسة ما دام يمكن الانتفاع بها ، فإذا بطل الانتفاع بها فهي محبوسة بماليتها دون شخصها فتبدل بعين أخرى مكانها ، ولازمه أن البدل وقف لا يحتاج إلى صيغة لأن المال بحسب الفرض محبوس.

وفيه : إنه استحسان محض فلا بد من التمسك بإطلاق أدلة منع بيع الوقف ، ومنه تعرف الحكم بعدم جواز بيع الوقف الذي قلّ نفعه بحيث يلحق بالعدم عرفا.

والأول يجوز بيعه إذا وقع اختلاف بين أربابه الموقوف عليهم ، بحيث لا يؤمن مع هذا الاختلاف من إتلاف النفوس والأموال ، لمكاتبة ابن مهزيار (كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : إن فلانا ابتاع ضيعة وجعل لك من الوقف الخمس ـ إلى أن قال ـ كتبت إليه : أن الرجل ذكر أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا ، وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته ، فكتب إليه بخطه وأعلمه أن رأيي له : إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل ، فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس) (١).

ويجوز بيعه فيما لو شرط الواقف بيعه عند حدوث أمر من قلة نفعه أو احتياج الموقوف ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٦.

٣٧٩

العام (١) مطلقا (٢) ، إلا أن يتلاشى ويضمحل ، بحيث لا يمكن الانتفاع به في الجهة المقصودة مطلقا (٣) كحصير يبلى ، ولا يصلح للانتفاع به في محل الوقف ،

______________________________________________________

ـ عليه إلى ثمنه أو كان بيعه أنفع ، على حسب ما يذكره الواقف ، لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (بعث إليّ بهذه الوصية أبو إبراهيم عليه‌السلام : هذا ما أوصى به وقضى في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه الله ـ إلى أن قال ـ وإنه يقوم على ذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفقه حيث يريد الله في حل محلل لا حرج عليه فيه ، فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه ـ إلى أن قال ـ وإن كان دار الحسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء لا حرج عليه فيه) (١) وهو صريح في نفوذ شرط الواقف ، مهما كان الشرط إذ لا خصوصية للشرط المذكور.

هذا كله في الوقف المؤبد ، وأما الوقف المنقطع وهو ما إذا وقف على من ينقرض ، فقد تقدم في كتاب الوقف صحته ، ويجوز بيعه إذ كان البيع أصلح لهم لخبر جعفر بن حنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل وقف غلة له على قرابته من أبيه وقرابته من أمه ، وأوصى لرجل ولعقبه ليس بينه وبينه قرابة بثلاثمائة درهم في كل سنة ويقسّم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من أمه ـ إلى أن قال ـ قلت : فللورثة من قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إن احتاجوا ، ولم يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال : نعم إذا رضعوا كلهم ، وكان البيع خيرا لهم باعوا) (٢) ، وللتوقيع الشريف في مكاتبة الحميري عن صاحب الزمان عليه‌السلام (أنه كتب إليه : روى عن الصادق عليه‌السلام خبر مأثور : إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه ، وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه ، فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع ، أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن المسلمين فلا يجوز بيعه ، فأجاب عليه‌السلام : إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه وإذا كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله) (٣) ، والثاني صريح في عدم اشتراط رضا الجميع.

(١) لعدم ملكه لأحد ، بل هو فكّ ملك كما تقدم.

(٢) سواء كان في بيعه مصلحة أم لا ، وسواء كان بقاؤه مؤديا إلى خرابه أم لا ، وسواء كان للناظر أم لغيره.

(٣) بلا استثناء شي‌ء.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٨ و ٩.

٣٨٠