الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

وحفر قبورهم ، (ودفنهم ، والصلاة عليهم) ، وغيرها من الأفعال الواجبة كفاية ، ولو اشتملت هذه الأفعال على مندوب ، كتغسيلهم زيادة على الواجب ، وتنظيفهم ووضوئهم وتكفينهم بالقطع المندوبة ، وحفر القبر زيادة على الواجب الجامع لوصفي : كتم الريح ، وحراسة الجثة إلى أن يبلغ القامة ، وشق اللحد ، ونقله إلى ما يدفن فيه من مكان زائد على ما لا يمكن دفنه فيه لم يحرم التكسب به (١).

(والأجرة على الأفعال الخالية من غرض حكمتي كالعبث) (٢) مثل الذّهاب إلى مكان بعيد ، أو في الظلمة ، أو رفع صخرة ، ونحو ذلك ، مما لا يعتد بفائدته عند العقلاء.

(والأجرة على الزنا) واللواط وما شاكلهما (٣).

(ورشا القاضي) بضم أوله وكسره مقصورا جمع رشوة بهما (٤) ، وقد تقدم (٥).

______________________________________________________

ـ على إيجاده ويستوفى منه العمل من دون رضاه.

واستدل كاشف الغطاء بأن إيجاب الفعل يوجب صيرورته مملوكا لله تعالى فلا يجوز تمليكه للغير بالأجرة ، واستدل بأن بذل العوض على ما يجب على الأجير لغو فلذا يحرم أخذ الأجرة ، واستدل بأن الإجارة متقومة بدفع العوض في قبال عمل الأجير العائد للمستأجر ، والواجب على الأجير عمل يعود نفعه إليه لا للمستأجر فبذل المال بإزائه أكل له بالباطل.

ولهذه الأدلة أو لبعضها فلا يجوز أخذ الأجرة على الواجب سواء كان عينيا أو تعينيا أو كفائيا أو تخييريا ، عباديا كان أو توصليا إلا في الواجب النظامي ، وهو ما وجب لحفظ النظام كالحرف والصناعات المتوقف عليها النظام ، لأن النظام متوقف إيجاد هذه الصناعات والحرف لا بشرط ، فأخذ العوض عليها لا ينافي وجوبها ، بل تحريم أخذ العوض عليها مناف لنظام أهل الحرف والصناعات.

(١) أي بالمندوب ولكن بشرط أن لا يكون عباديا.

(٢) فإن بذل العوض في قباله سفهي فيكون أكل المال بإزائه أكلا له بالباطل.

(٣) من المحرمات ، فإنه لا يجوز أخذ الأجرة على المحرم بعد عدم عود نفع محلّل للمستأجر ، وبعد عدم كون الفعل مملوكا للعبد لتحريمه عليه.

(٤) أي بالضم والكسر.

(٥) في باب القضاء.

٣٢١

(والأجرة على الأذان والإقامة) على أشهر القولين (١) ، ولا بأس بالرزق من بيت المال ، والفرق بينهما (٢) أن الأجرة تفتقر إلى تقدير العمل ، والعوض ، والمدة ، والصيغة الخاصة ، والرزق منوط بنظر الحاكم ، ولا فرق في تحريم الأجرة بين كونها من معيّن ، ومن أهل البلد والمحلة ، وبيت المال ، ولا يلحق بها (٣) أخذ ما أعدّ للمؤذنين من أوقاف مصالح المسجد ، وإن كان مقدرا وباعثا على الأذان. نعم

______________________________________________________

(١) بل هو المشهور كما قيل لما تقدم من حرمة أخذ الأجرة على المستحب العبادي ولخصوص أخبار.

منها : خبر زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه‌السلام (أنه أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين والله إني أحبك لله ، فقال له : لكني أبغضك لله ، قال : ولم؟ قال : لأنك تبغي في الأذان ، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا ، وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة) (١) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام (آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال : يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ، ولا تتخذن مؤذنا يأخذ على آذانه أجرا) (٢) ، وخبر العلاء بن سيابة عن أبي جعفر عليه‌السلام (لا يصلى خلف من يبتغي على الأذان والصلاة أجرا ، ولا تقبل شهادته) (٣) ، وصحيح حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام في خبر (ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر ، ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف الله مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق إلى ـ أن قال ـ فكن على حذر واطلب إلى الله النجاة ، واعلم أن الناس في سخط الله عزوجل وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقبا) (٤) ، وخبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (من السحت أجر المؤذن ، يعني إذا استأجره القوم يؤذن لهم ، وقال : لا بأس بأن يجري عليه من بيت المال) (٥) ، ومنها تعرف ضعف ما ذهب إليه جماعة من الكراهة منهم علم الهدى والكاشاني ونقل عن الشهيد في الذكرى.

(٢) بين الأجرة والرزق ، وقد تقدم من تفصيله في باب القضاء.

(٣) أي بالأجرة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الشهادات حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ٦.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة حديث ٢.

٣٢٢

لا يثاب فاعله إلا مع تمحض الإخلاص به كغيره من العبادات.

(والقضاء) (١) بين الناس لوجوبه ، سواء احتاج إليها أم لا ، وسواء تعين عليه القضاء أم لا ، (ويجوز الرزق من بيت المال) وقد تقدم في القضاء أنه (٢) من جملة المرتزقة منه ، (والأجرة على تعليم الواجب من التكليف) (٣) سواء وجب عينا ، كالفاتحة والسورة ، وأحكام العبادات العينية ، أم كفاية كالتفقّه في الدين ، وما يتوقف (٤) عليه من المقدمات علما وعملا (٥) ، وتعليم المكلفين صيغ العقود والإيقاعات ونحو ذلك.

(وأما المكروه ـ فكالصرف) (٦) وعلل في بعض الأخبار بأنه لا يسلم فاعله

______________________________________________________

(١) على المشهور لوجوبه عليه وقد تقدم حرمة أخذ الأجرة على الواجب ، ولخصوص صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن قاض بين قريتين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق ، فقال : ذلك السحت) (١) ، وخبر عمار بن مروان المروي في الخصال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ـ إلى أن قال ـ والسحت أنواع كثيرة ، منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة ، ومنها أجور القضاة وأجور الفواجر ، وثمن الخمر والنبيذ والمسكر) (٢) الخبر.

ومما تقدم تعرف ضعف ما ذهب إليه العلامة في المختلف من جواز أخذ الأجرة مع عدم التعين ، وما ذهب إليه المفيد والقاضي من الجواز مطلقا.

(٢) أن القاضي.

(٣) وأحكام الدين سواء كان تكليفية أو وضعية لما تقدم من حرمة أخذ الأجرة على الواجبات مطلقا.

(٤) أي التفقه.

(٥) كالكتابة فيكون واجبا بالوجوب الغيري.

(٦) وكذا بيع الأكفان وبيع الطعام وبيع الرقيق واتخاذ الذبح والنحر صنعة بلا خلاف في كراهة المذكورات للأخبار.

منها : خبر إسحاق بن عمار (دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فخبرته أنه ولد لي غلام ، قال : ألا سميته محمدا؟ قلت : قد فعلت ، قال : فلا تضرب محمدا ولا تشتمه ، جعله الله ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب القاضي حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١٢.

٣٢٣

من الربا ، (وبيع الأكفان) ، لأنه يتمنى كثرة الموت والوباء ، (والرقيق) لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «شر الناس من باع الناس» (١) ، (واحتكار الطعام) (٢) وهو حبسه بتوقع زيادة السعر. والأقوى تحريمه مع استغنائه عنه ، وحاجة الناس إليه ، وهو اختياره في الدروس ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون» (٣) ، وسيأتي الكلام في بقية أحكامه ، (والذباحة) لإفضائها إلى قسوة القلب ، وسلب الرحمة ، وإنما تكره (٤) إذا اتخذها حرفة وصنعة (٥) ، لا مجرد فعلها ، كما لو احتاج إلى صرف دينار ، أو بيع كفن ، أو ذبح شاة ، ونحو ذلك ، والتعليل بما ذكرناه في الأخبار يرشد إليه ، (والنساجة) (٦) والمراد بها ما يعم الحياكة ، والأخبار متضافرة

______________________________________________________

ـ قرة عين لك في حياتك ، وخلف صدق بعدك ، قلت : جعلت فداك في أي الأعمال أضعه؟ قال عليه‌السلام : إذا عزلته عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت ، لا تسلمه صيرفيا فإن الصيرفي لا يسلم من الربا ، ولا تسلمه بيّاع أكفان فإن صاحب الأكفان يسره الوباء إذا كان ، ولا تسلمه بيّاع طعام فإنه لا يسلم من الاحتكار ، ولا تسلمه جزارا فإن الجزار تسلب منه الرحمة ، ولا تسلمه نخاسا ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : شر الناس من باع الناس (١).

(١) كما في خبر إسحاق المتقدم.

(٢) ما تقدم كراهة بيع الطعام لأنه مفضي إلى الاحتكار ، وأما الاحتكار فسيأتي الكلام فيه إنشاء الله تعالى.

(٣) كما في خبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الجالب مرزوق والمحتكر ملعون) (٢).

(٤) هذه المذكورات.

(٥) وهو الظاهر من الخبر حيث النهي عن التسليم إلى الصراف والجزار وبائع الأكفان والطعام والرقيق.

(٦) للأخبار.

منها : خبر أبي إسماعيل الصيقل الرازي (دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ومعي ثوبان فقال لي : يا أبا إسماعيل يجيئني من قبلكم أثواب كثيرة ، وليس يجيئني مثل هذين ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب آداب التجارة حديث ٣.

٣٢٤

بالنهي عنها ، والمبالغة في ضعتها ، ونقصان فاعلها ، حتى نهي عن الصلاة خلفه.

______________________________________________________

ـ الثوبين ، فقلت : جعلت فداك تغزلهما أم إسماعيل وأنسجهما أنا فقال لي : حائك؟ قلت : نعم ، فقال : لا تكن حائكا ، فقلت : فما أكون؟ قال : كن صيقلا ، وكانت معي مائتا درهم فاشتريت بها سيوفا ومرايا عتقا ، وقدمت بها الري فبعتها بربح كبير) (١) ، وما رواه الشارح في شرح النفلية عن جعفر بن أحمد القمي من كتابه الإمام والمأموم مسندا عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تصلوا خلف الحائك ولو كان عالما ، ولا تصلوا خلف الحجام ولو كان زاهدا ، ولا تصلوا خلف الدباغ ولو كان عابدا) (٢).

ثم هل النساجة والحياكة مترادفان كما في الصحاح (نسج الثوب وحاكه واحد) وهو الظاهر من الخبر ، أم أن النساجة تختص ببعض الأجناس وهو خصوص نسج الرقيق والحياكة لنسج غيره ، أو أن النساجة أعم من الحياكة مطلقا احتمالات ، والأظهر الأول ، نعم لا تشمل النساجة نسج الخوص لعدم الصدق عرفا ، وعلى فرض الشمول فلا بد من القول بخروجه عن الكراهة لأنه عمل بعض الأنبياء والأولياء عليهم‌السلام ، ففي نهج البلاغة في خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام قال (وإن شئت ثلّثت بداود صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ، ويقول لجلسائه : أيكم يكفيني بيعها؟ ويأكل قرص الشعير من ثمنها) (٣) وسف الخوص نسجه.

وفي الاحتجاج في كتاب سلمان إلى عمر بن الخطاب في جواب كتاب كتبه إليه (وأما ما ذكرت : إني أقبلت على سف الخوص وأكل الشعير ، فما هما مما يعيّر به مؤمن ويؤنب عليه ، وأيم الله ـ يا عمر ـ لأكل الشعير وسف الخوص والاستغناء عن رفيع المطعم والمشرب ، وعن غصب المؤمن حقه وادعاء ما ليس له بحق أفضل وأحب إلى الله عزوجل وأقرب للتقوى ، ولقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أصاب الشعير أكل وفرح به ولم يسخطه) (٤) ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد عن أبي عمر (كان سلمان يسف الخوص وهو أمير على المدائن ، ويبيعه ويأكل منه ، ويقول : لا أحب أن آكل إلا من عمل يدي ، وقد كان تعلم سف الخوص من المدينة) (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٥.

(٣) نهج البلاغة ج ٢ خطبة ١٥٣.

(٤) الاحتجاج ج ١ ص ١٨٦ ـ ١٨٧ ، طبع مطبعة النعمان ـ النجف الأشرف ١٣٨٦ ه‍ ـ ١٩٦٦ م.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات التجارة حديث ١.

٣٢٥
٣٢٦

اجتراء الصبي على ما لا يحل ، لجهله ، أو علمه بارتفاع القلم عنه ، ولو علم اكتسابه من محلل فلا كراهة ، وإن أطلق الأكثر ، كما أنه لو علم تحصيله ، أو بعضه من محرم وجب اجتنابه ، أو اجتناب ما علم منه ، أو اشتبه به ، ومحل الكراهة تكسب الولي به (١) ، أو أخذه (٢) منه ، أو الصبي (٣) بعد رفع الحجر عنه (و) كذا يكره كسب (من لا يجتنب المحرم) (٤) في كسبه. (والمباح ـ ما خلا عن وجه رجحان) من الطرفين بأن لا يكون راجحا ، ولا مرجوحا لتتحقق الإباحة (بالمعنى الأخص).

(ثم التجارة). وهي نفس التكسب (٥) (تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة) فالواجب منها ما توقف تحصيل مئونته ومئونة عياله الواجبي النفقة عليه ، ومطلق التجارة التي يتم بها نظام النوع الإنساني ، فإن ذلك من الواجبات الكفائية وإن زاد على المئونة ، والمستحب ما يحصل به المستحب ، وهو (٦) التوسعة على العيال ، ونفع المؤمنين ، ومطلق المحاويج غير المضطرين (٧) ، والمباح ما يحصل به الزيادة في المال من غير الجهات الراجحة والمرجوحة ، والمكروه والحرام التكسب بالأعيان المكروهة والمحرمة وقد تقدمت.

(الفصل الثان)

(في عقد البيع وآدابه وهو) أي عقد البيع (الإيجاب والقبول الدالان على نقل الملك بعوض معلوم) (٨) وهذا كما هو تعريف للعقد يصلح تعريفا للبيع

______________________________________________________

(١) بالصبي.

(٢) أي أخذ الولي الكسب من الصبي.

(٣) أي صرف الصبي للمال المكتسب بعد رفع الحجر عنه بالبلوغ والعقل ، وأما لو تصرف الصبي بما اكتسبه وكان تصرفه وتكسبه قبل البلوغ فلا كراهة في حقه لعدم التكليف.

(٤) لنفس المناط في كسب الصبي من الشبهة الناشئة من اجترائه على فعل المحرم.

(٥) بقرينة انقسامها إلى الأحكام الخمسة.

(٦) أي المستحب.

(٧) وإلا فلو كان مضطرا لوجب التكسب لرفع اضطراره إذا توقف الرفع على تكسب الغير.

(٨) اختلف في تعريف البيع فعن جماعة منهم الشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة والقواعد والتحرير والحلي في السرائر بأنه انتقال عين من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي ، وأشكل عليه بأن الانتقال أثر للبيع وليس هو نفس البيع ، وأن ـ

٣٢٧

لأنه (١) عند المصنف وجماعة عبارة عن العقد المذكور (٢) ، استنادا إلى أن ذلك (٣) هو المتبادر من معناه (٤) ، فيكون (٥) ، حقيقة فيه (٦) ، ويمكن أن يكون الضمير (٧) عائدا إلى البيع نفسه ، وأن يكون إضافة البيع (٨) بيانية ، ويؤيده أنه في الدروس عرف البيع بذلك (٩) ، مزيدا قيد التراضي ، وجعل جنس التعريف الإيجاب والقبول أولى من جعله اللفظ الدال (١٠) كما صنع غيره ، لأنهما (١١) جنس قريب واللفظ بعيد ، وباقي القيود خاصة مركبة ، يخرج بها (١٢) من العقود ما لا نقل فيه كالوديعة ،

______________________________________________________

ـ الانتقال انفعال والبيع فعل.

وعن جامع المقاصد أنه نقل الملك من مالك إلى آخر بصيغة مخصوصة ، وعن المحقق في النافع والشهيد بأنه اللفظ الدال على النقل المذكور ، وعن الوسيلة والمختلف أنه العقد الدال على الانتقال المذكور ، وعن الحلبي أنه عقد يقتضي استحقاق التصرف في المبيع والثمن وتسليمهما ، وعن الشيخ في المكاسب بأنه إنشاء تمليك عين بمال وعن بعضهم بأنه تمليك عين بعوض وعن المحقق النائيني بأنه تبديل مال بمال ، وعن المصباح المنير بأنه مبادلة مال بمال إلى غير ذلك من التعريفات التي يعثر عليها المتتبع في بطون الكتب.

وكل هذه التعاريف من قبيل شرح اسم فلا داعي للنقض عليها بالطرد أو العكس ، فإنه مضيعة للوقت.

(١) أي البيع.

(٢) أي العقد الدال على نقل الملك بعوض معلوم.

(٣) أي العقد المذكور.

(٤) أي من معنى البيع.

(٥) أي البيع.

(٦) أي في العقد.

(٧) في كلام الماتن حيث قال (وهو الإيجاب والقبول).

(٨) إلى العقد في كلام الماتن.

(٩) حيث قال في الدروس : (كتاب البيع ، قال الله جل جلاله : وأحل الله البيع وحرم الله الربا ، وهو الإيجاب والقبول من الكاملين الدالان على نقل العين بعوض مقدر مع التراضي).

(١٠) أي الدال على نقل الملك بعوض معلوم.

(١١) أي الإيجاب والقبول.

(١٢) بالخاصة المركبة.

٣٢٨

والمضاربة ، والوكالة ، وما تضمن نقل الملك بغير عوض كالهبة والوصية بالمال ، وشمل (١) ما كان ملكا للعاقد وغيره (٢) ، فدخل بيع الوكيل والولي ، وخرج بالعوض المعلوم الهبة المشروط فيها مطلق الثواب (٣) ، وبيع المكره (٤) حيث يقع صحيحا (٥) إذ لم يعتبر التراضي ، وهو (٦) وارد على تعريفه في الدروس (٧) ، وبيع الأخرس (٨) بالإشارة وشراؤه ، فإنه يصدق عليه الإيجاب والقبول ، ويرد على تعريف أخذ «اللفظ» جنسا كالشرائع (٩) ، وبقي فيه (١٠) دخول عقد الإجارة ، إذ الملك يشمل العين والمنفعة والهبة المشروطة فيها عوض معين ، والصلح المشتمل على نقل الملك بعوض معلوم ، فإنه (١١) ليس بيعا عند المصنف والمتأخرين.

وحيث كان البيع عبارة عن الإيجاب والقبول المذكورين (فلا يكفي المعاطاة) (١٢) وهي إعطاء كل واحد من المتبايعين ما يريده من المال عوضا عما

______________________________________________________

(١) أي تعريف البيع المذكور في كلام الماتن.

(٢) أي غير العاقد.

(٣) أي مطلق العوض.

(٤) عطف على بيع الوكيل والولي ، والمعنى أن التعريف المذكور يشمل بيع المكره حيث لم يقيد النقل بالتراضي ، فكان الأولى على الشارح إعادة الفعل بقوله وشمل أو دخل.

(٥) كما إذا أجبره الحاكم بالبيع لوفاء دينه ، أو أجبر الكافر على بيع عبد مسلم تحت يده.

(٦) أي بيع المكره حيث يقع صحيحا.

(٧) فيخرج بيع المكره عن تعريف البيع ، وفيه : إن المراد من التراضي الأعم من أن يكون رغبة في البيع من قبل البائع أو جبرا من قبل الشارع فلا نقض.

(٨) عطف على بيع المكره ، أي يدخل في تعريف البيع المتقدم ، لأنه لم يشترط في البيع لفظا بل إيجابا وقبولا ، وإشارة الأخرس البائع إيجاب وإشارته إذا كان مشتريا قبول.

(٩) فإن المحقق عرّف البيع في الشرائع بأنه اللفظ الدال على نقل الملك من مالك إلى آخر بعوض معلوم ، ويرد عليه خروج بيع الأخرس بالإشارة وشراؤه كما هو واضح.

(١٠) أي في تعريف المصنف للبيع ، ولكن الأمر سهل بعد ما عرفت أنه من قبيل شرح الاسم.

(١١) أي فإن الصلح ليس بيعا كما سيأتي بيانه في محله إنشاء الله تعالى.

(١٢) لم يرد اسم المعاطاة في آية أو رواية ، وإنما عبر الفقهاء بها عن البيع الفاقد للصيغة ، فالبيع العقدي هو إنشاء تمليك بعوض باللفظ ، والمعاطاة هي إنشاء تمليك بعوض بالفعل ، ـ

٣٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ والمناسب أن يبحث عنها تارة في صدق معنى البيع عليها وأخرى في شمول أدلة البيع ولزومه لها ولكن المشهور خصوصا المتقدمين لم يلتزموا بكونها بيعا فلذا بحثوا تارة في إفادتها الملك أو الإباحة ، وأخرى في أن الملك متزلزل أو لا ، وأن الإباحة موجبة للزوم أو لا ، وأن الإباحة تفيد جميع التصرفات أو بعضها إلى غير ذلك والحق أن المعاطاة بيع فتشمله أدلة البيع ولزومه وجريان جميع الخيارات فيه ، أما أنه بيع فللسيرة القطعية بين المتشرعة بل وللسيرة العقلائية القائمة على ترتيب أثار الملك من العتق والبيع والوطي والإيصاء والتوريث على المأخوذ بالمعاطاة ، وهذا كاشف عن أن المعاطاة عندهم بيع فيشملها قوله تعالى : (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) (١) ، وقوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ) (٢) ، وقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣).

ودعوى أن هذه السيرة كسائر سيرهم ناشئة من قلة مبالاتهم بالدين وتسامحهم بشريعة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدفوعة بأن المدار على السيرة العقلائية غير المتوقفة على تأسيس من الشارع بل يكفي فيها عدم الردع عنها مع أنك قد عرفت إمضاءها بالآيات المتقدمة.

وقد استدل على انحصار إنشاء البيع باللفظ بالأخبار.

منها : خبر القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أنه نهى عن المنابذة والملامسة وبيع الحصاة) (٤) بدعوى أنه نهى عن إنشاء البيع بهذه الأفعال ولازمه حصر الإنشاء باللفظ ، وفيه : أنه نهي عن تعيين المبيع بهذه الأفعال فيكون النهي من ناحية جهالة المبيع وليس النهي عن إنشاء البيع بالفعل.

وخبر يحيى بن الحجاج عن خالد بن نجيح (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجي‌ء فيقول : اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا ، قال : أليس إن شاء ترك وإن شاء أخذ؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس به ، إنما يحلّ الكلام ويحرّم الكلام) (٥) وهو ظاهر في انحصار البيع باللفظ إلا أنه ضعيف السند فلا يمكن التمسك به في قبال السيرة القائمة. ـ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٧٥.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٩.

(٣) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب عقد البيع حديث ١٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٤.

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ وصحيح الحلبي (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثا وللبقر ثلثا ، قال : لا ينبغي أن يسمى شيئا ، فإنما يحرم الكلام) (١) ومثلها خبر سليمان بن خالد (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزارع فيزرع أرض آخر فيشترط ثلثا للبذر وللبقر ثلثا ، قال : لا ينبغي أن يسمّى بذرا ولا بقرا فإنما يحرم الكلام) (٢).

ولكنها محمولة على أن جعل الثلث للبذر أو البقر محرم وإنما عليه أن يجعل الثلث أو غيره له ويدل عليه خبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن الرجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر وثلثا للبقر فقال : لا ينبغي أن يسمّى بذرا ولا بقرا ، ولكن يقول لصاحب الأرض : أزرع في أرضك ولك منها كذا وكذا ، نصف أو ثلث أو ما كان من شرط ، ولا يسمّى بذرا ولا بقرا فإنما يحرم الكلام) (٣) وهو ظاهر في كون الثلث للبقر أو البذر هو المحرم وهو أجنبي عن مدعى انحصار العقود بالألفاظ.

واستدل بخبر عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله (سمعته يقول : إن المصاحف لن تشترى ، فإذا اشتريت فقل : إنما اشتري منك الورق وما فيه من الأديم وحليته وما فيه من عمل يدك بكذا وكذا) (٤) ، وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن بيع المصاحف وشرائها فقال : لا تشتر كتاب الله ، ولكن اشتر الحديد والورق والدفتين وقل : اشتري منك هذا بكذا وكذا) (٥) ، وقريب منها خبر عثمان بن عيسى (٦) وخبر عبد الله بن سليمان (٧) واستدل بخبر حنان بن سدير (كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له جعفر بن حنان : ما تقول في العينة في رجل يبايع رجلا يقول : أبايعك بده دوازده ، وبده يازده ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هذا فاسد ، ولكن يقول : أربح عليك في جميع الدراهم كذا وكذا ، ويساومه على هذا فليس به بأس) (٨) وخبر العلاء (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يبيع البيع فيقول : أبيعك بده دوازده ، أو ده يازده ، فقال : لا بأس إنما هذه المراوضة ، فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة) (٩) ، وصحيح بريد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن قصب في أنبار بعضه على بعض في أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المزارعة حديث ٤ و ٦ و ١٠.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١ و ٢ و ٣ و ٦.

(٨ و ٩) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٣ و ٥.

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ عشرة آلاف طن فقال المشتري : قد قبلت واشتريت ورضيت) (١) ، وخبر سماعة (سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال : لا ، إلّا أن يشتري معها شيئا من غيرها رطبة أو بقلا ، فيقول : اشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فإن لم تخرج التمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل) (٢) إلى غير ذلك من الأخبار المبثوثة في أبواب الفقه.

غير أن الجميع لا يدل على حصر البيع باللفظ ، بل يدل على تحقق البيع باللفظ وهذا مما لا ينكر إذ البيع على قسمين عقدي وفعلي فإنشاء التمليك تارة يكون باللفظ وأخرى بالفعل.

ثم إن السيرة قائمة على اعتبار المعاطاة بيعا بلا فرق في الحقير والخطير ، فالتفصيل المنسوب لبعض العامة بين كونها بيعا في الحقير دون الخطير ليس في محله ، هذا هو تمام الكلام في المعاطاة بحسب معناها وشمول أدلة البيع اللازم لها إلا أن الفقهاء قد اختلفوا فيها على أقوال.

الأول : أنها تقيد اللزوم سواء كان الدال على التراضي لفظا أولا وهو المنسوب للمفيد ، على كلام في النسبة.

الثاني : اللزوم إذا كان الدال على التراضي لفظا وقد حكاه الشارح في المسالك عن بعض مشايخه ، ومال إليه نفس الشارح هناك لو لا مخالفة الإجماع ، وقد استقر به جماعة من المتأخرين كالأردبيلي والكاشاني والسبزواري.

الثالث : أنها تفيد الملكية المتزلزلة ، وهو الذي اختاره المحقق الثاني وحمل عليه كلمات القائلين بأن المعاطاة تفيد الإباحة.

الرابع : أنها تفيد الإباحة لجميع التصرفات حتى التصرفات المتوقفة على الملك ، وقال الشارح في المسالك (كل من قال بالإباحة قال بإباحة جميع التصرفات).

الخامس : أنها تفيد الإباحة للتصرفات غير المتوقفة على الملك ، وأما المتوقفة على الملك كالوطي والعتق والبيع فلا وهو المنسوب للشهيد في حواشيه على القواعد.

السادس : أنها معاملة فاسدة ، وهو المنسوب للعلامة في النهاية ولكنه رجع عن هذا القول في كتبه المتأخرة.

السابع : ما نسب للشيخ كاشف الغطاء أنها معاملة مستقلة مفيدة للملكية وليست بيعا. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب عقد البيع حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١.

٣٣٢

يأخذه من الآخر باتفاقهما على ذلك بغير العقد المخصوص (١) ، سواء في ذلك الجليل والحقير ، على المشهور بين أصحابنا ، بل كاد يكون إجماعا ، (نعم يباح) بالمعاطاة (التصرف) (٢) من كل منهما فيما صار إليه من العوض ، لاستلزام دفع مالكه له على هذا الوجه الإذن في التصرف فيه ، وهل هي إباحة ، أم عقد متزلزل ، ظاهر العبارة الأول ، لأن الإباحة ظاهرة فيها ولا ينافيه قوله (ويجوز الرجوع) فيها (مع بقاء العين) ، لأن ذلك لا ينافي الإباحة. وربما ظهر من بعض الأصحاب الثاني (٣) لتعبيره بجواز فسخها الدال على وقوع أمر يوجبه.

______________________________________________________

ـ ومما تقدم سابقا تعرف ضعف جميع هذه الأقوال ، فلا داعي حينئذ في البحث في أن الإباحة المترتبة على المعاطاة هل هي إباحة محضة بمعنى الاذن في التصرف أو أنها بمعنى الملك المتزلزل ، ولا داعي للبحث في أنها تلزم عند ذهاب العين المتحقق بتلف العينين أو إحداهما أو بعض كل واحدة منهما ، أو المتحقق بالنقل وبالتغيير إلى غير ذلك من أبحاثهم.

(١) وهذا ما فسره جماعة ولكن قد عرفت أن المعاطاة هي إنشاء تمليك بالفعل لا بالصيغة المخصوصة.

(٢) لما ذهب المشهور إلى اشتراط اللفظ في البيع فلا تكون المعاطاة حينئذ بيعا ، ولكن تفيد إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض لإذن كل منهما للآخر في التصرّف ، ولازمه جواز الرجوع ما دامت العين باقية ، فإذا ذهبت العين لزمت المعاوضة حينئذ لرضاهما بكون ما أخذه كل منهما عوضا عما دفعه ، فإذا تلف ما دفعه كان مضمونا على القابض إلا أن الدافع قد رضي بكون عوضه هو ما بيده ، فإن كان ناقصا فقد رضي به ، وإن كان زائدا فقد رضي الآخر ، ومن هذا البيان تعرف أن مقصود المتعاقدين إنما هو الملك ولكن لم يحصل لاشتراط اللفظ في البيع ولكن وقعت الإباحة لإعطاء كل منهما الآخر سلعته مسلّطا له عليها وهذا يقتضي الإذن في التصرف بوجوه التصرفات وهو معنى الإباحة ، ومنه تعرف ضعف ما عن المحقق الثاني من حمل الإباحة في كلماتهم على الملك المتزلزل ، ومنه تعرف ضعف ما عن صاحب الجواهر من الطعن على من جعل محل النزاع في المعاطاة ما يقصد بها التمليك ، إذ لو لم يقصد بها التمليك لما كانت بيعا جامعا لجميع الشرائط ما عدا الصيغة المخصوصة.

(٣) قال الشارح في المسالك : (وعبارة العلامة في التحرير كالصريحة في إفادة هذا المعنى ـ أي الملك المتزلزل ـ ، لأنه قال : الأقوى عندي أن المعاطاة غير لازمة ، بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية ومقتضى تجويز الفسخ ثبوت الملك في الجملة ، وكذا تسميتها معاوضة والحكم باللزوم بعد الذهاب).

٣٣٣

وتظهر الفائدة في النماء فعلى الثاني (١) هو للقابض مع تحقق اللزوم بعده (٢) ، وعلى الأول (٣) يحتمله (٤) وعدمه ، ويفهم من جواز الرجوع مع بقاء العين عدمه (٥) مع ذهابها ، وهو كذلك ، ويصدق (٦) بتلف العينين ، وإحداهما ، وبعض كل واحدة منهما ، ونقلها عن ملكه وبتغييرها كطحن الحنطة ، فإن عين المنتقل غير باقية (٧) مع احتمال العدم (٨) ، أما لبس الثوب مع عدم تغيره (٩) فلا أثر له ، وفي صبغه ، وقصره (١٠) ، وتفصيله ، وخياطته ، ونحو ذلك من التصرفات المغيّرة للصفة مع بقاء الحقيقة نظر (١١) ، وعلى تقدير الرجوع في العين وقد استعملها من انتقلت إليه يأخذها (١٢) بغير أجرة ، لإذنه في التصرف مجانا ، ولو نمت وتلف النماء فلا رجوع به كالأصل (١٣) ، وإلا (١٤) فالوجهان.

______________________________________________________

(١) أي الملك المتزلزل.

(٢) أي بعد النماء لأن النماء تابع للعين في الانتقال وعدمه بناء على تحقق الملك.

(٣) أي الإباحة.

(٤) أي يحتمل كون النماء للقابض تبعا لأصله ، ويحتمل كون النماء للدافع لأن الإباحة إنما تعلقت بأصله دونه. وهو الأقرب.

(٥) أي عدم جواز الرجوع مع ذهاب العين لما تقدم.

(٦) أي يصدق ذهاب العين.

(٧) مع التغيير.

(٨) لأن التغيير في صفة من صفات العين وما هو إلا كنسيج الغزل ، وأما العين فهي باقية والاصل حل بقاء الملك على مالكه وهو الأقوى.

(٩) أي عدم تغير الثوب باللبس.

(١٠) أي تبيضه وغسله.

(١١) من بقاء الذات فلا يصدق ذهاب العين ، ومن عدم بقاء الصفة فلا يصدق بقاء العين السابقة.

(١٢) مالكها الأول الذي رجع.

(١٣) لإذنه بالتصرف بوجوه التصرفات.

(١٤) أي وإن لم يتلف النماء فالوجهان السابقان من كون النماء للقابض على القول بالملكية المتزلزلة ، ومن كونه للدافع بناء على الإباحة مع احتمال كونه للقابض تبعا لأصله وهو ضعيف.

٣٣٤

وهل تصير مع ذهاب العين بيعا ، أو معاوضة خاصة وجهان من حصرهم المعاوضات وليست أحدها (١) ، ومن اتفاقهم (٢) على أنها ليست بيعا بالألفاظ الدالة على التراضي (٣) فكيف تصير بيعا بالتلف.

ومقتضى المعاطاة أنها مفاعلة من الجانبين ، فلو وقعت بقبض أحد العوضين خاصة مع ضبط الآخر على وجه يرفع الجهالة ففي لحوق أحكامها نظر ، من عدم تحققها (٤). وحصول (٥) التراضي ، وهو اختياره في الدروس على تقدير دفع السلعة دون الثمن ، (ويشترط وقوعهما) أي الإيجاب والقبول (بلفظ الماضي) (٦)

______________________________________________________

(١) أي وليست المعاطاة واحدة من هذه المعارضات المعروفة فلا بد من الالتزام من أنها بيع ، لأن جعلها معاوضة مستقلة محتاج إلى دليل وهو مفقود.

(٢) دليل أنها معاوضة خاصة لاتفاقهم على أنها ليست بيعا حال وقوعها فكيف تصير بيعا بعد التلف ، ولكن قد عرفت أنها بيع من حين وقوعها ولا أدعي لهذه الأبحاث.

(٣) فضلا عن المعاطاة المجردة عن هذه الألفاظ والمتحققة بالأفعال فقط.

(٤) دليل عدم لحوق أحكام المعاطاة لعدم صدق المعاطاة ، لأنها مفاعلة من الجانبين وهنا لم يتحقق العطاء إلا من جانب واحد.

(٥) ودليل لحوق أحكام المعاطاة لصدق التراضي من الطرفين الذي هو قوام المعاطاة.

وفيه : إن المعاطاة حقيقة وإن كانت لا تتم إلا بالعطاء من الجانبين إلا أنها لم ترد في آية أو رواية ، وإنما وردت في كلمات الفقهاء وأرادوا بها إنشاء التمليك بالأفعال لا بالألفاظ ، وعليه فهي متحققة فيما لو دفع البائع العين بداعي إنشاء تمليكها بعوض وأخذ المشتري بداعي القبول ، وكذا تتحقق المعاطاة بتسليم العوض من المشتري فقط ويكون تعاطي في بيع السلف ، ومنه تعرف جريان التعاطي والمعاطاة في بعض المعاملات غير البيع العقدي كالهبة والعارية والوديعة ، بل تجري المعاطاة في كل العقود إلا إذا قام الدليل على اعتبار اللفظ فيه كالنكاح والطلاق والتحليل والعتق.

(٦) كما هو المشهور لأن الماضي صريح في الإنشاء بخلاف غيره من الأمر والمضارع ، فالأول استدعاء والثاني أشبه شي‌ء بالوعد ، وأما الماضي فهو وإن احتمل الأخبار إلا أنه أقرب إلى الإنشاء حيث دل على وقوع مدلوله في الماضي ومع عدم قصد الأخبار به لا محالة يكون دالا على تحققه حاضرا.

وفيه : إن الماضي لا يكون صريحا في الإنشاء إلا مع القرينة كاحتياج المضارع إليها في مقام الإنشاء ، والفرق تحكم ومقتضى القواعد جواز الماضي والمضارع في إنشاء التمليك ـ

٣٣٥

العربي (١) (كبعت) من البائع (٢) ، (واشتريت) من المشتري ، (وشربت) منهما ،

______________________________________________________

ـ الذي هو معنى المبيع ما دام كل منها بحاجة إلى قرينة ولو حالية ، وغلبة الماضي في العقود والإيقاعات لا توجب عدم صحة إنشاءها بالمضارع ، بالإضافة إلى جملة من الأخبار قد دلت على جواز الإنشاء بالمضارع كموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله؟ قال : لا يصلح له إلا أن يشتري معه شيئا آخر ويقول : اشتري منك هذا الشي‌ء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه) (١) ، وصحيح رفاعة النخاس (سألت أبا الحسن ـ يعني موسى بن جعفر عليهما‌السلام ـ قلت له : يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن واطلبها أنا؟ قال : لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري معها منهم شيئا ، ثوبا أو متاعا ، فتقول لهم : اشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا أو كذا درهما ، فإن ذلك جائز) (٢) ، وخبر أبان بن تغلب (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أقول لها إذا خلوت بها ـ قال : تقول أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه لا وارثه ولا موروثة كذا وكذا يوما ، وإن شئت كذا وكذا سنة ، بكذا وكذا درهما ، وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا ، فإذا قالت : نعم فقد رضيت ، وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها) (٣) ومثلها غيرها وهو كثير.

ولذا ذهب القاضي في الكامل والمهذب وجماعة من المتأخرين إلى جواز إيقاع البيع بالمضارع بل ذهب بعضهم إلى جواز الإيقاع بالجملة الاسمية نحو : أنا بائع ، قاصدا بها الإنشاء ، وهو مبني على جواز الإنشاء بالمجاز والكتابة وسيأتي.

(١) وهو المحكي عن السيد عميد الدين والفاضل المقداد والمحقق الثاني فضلا عن الشارح وللتأسي بالنبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأن اعتبار الماضوية في العقود يستلزم اعتبار العربية بالأولى ، وفيه : أما الأول منها دليل على وجوب التأسي في كل ما صدر عن المعصوم عليه‌السلام ، بل في خصوص ما صدر منه على سبيل المولوية ، ولذا لم يتوهم أحد بوجوب النطق باللغة العربية في المحاورات والمخاطبات تأسيا بالمعصوم عليه‌السلام.

وأما الثاني فتمنع الملازمة بين اعتبار الماضوية واعتبار العربية ، لأن الماضوية ليست من خصائص اللغة العربية بل هي موجودة في كل اللغات ، على أنك قد عرفت عدم اشتراط الماضوية في العقد سابقا.

(٢) اعلم أن المشهور اشترط إيقاع العقد والإيقاعات اللازمة بالألفاظ الحقيقية الدالة على ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد البيع حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب عقد البيع حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة حديث ١.

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ المعاني بلا قرينة ، ولازمه عدم صحة إنشاء العقد والإيقاعات بالكنايات والمجازات والمشترك اللفظي والمعنوي ، لأنها غير صريحة في المراد بل ظاهرة ، ولاحتياجها إلى القرينة.

وفيه : عدم الدليل على هذا الاشتراط بعد كون الكناية والمجاز مما تستعملان في الإخبار ولازمه جواز استعمالها في الإنشاء.

وفصّل الشيخ الأعظم في مكاسبه في المجاز فجوّز الانعقاد في المجاز المعتمد على قرينة لفظية دون المعتمد على القرينة الحالية ، وذلك لرجوع إفادة المراد إلى الوضع في الأول دون الثاني ، وفيه : إن الدال على المعنى في الجميع هو اللفظ ولو بتوسط قرينة لفظية أو حالية ومنه تعرف صحة إنشاء بالمشترك اللفظي والمعنوى.

بل ذهب الشيخ الأعظم إلى منع الإنشاء بالمشترك اللفظي المعتمد على قرينة حالية ، ويظهر ضعفه مما تقدم.

وعلى المختار يصح الإنشاء بالحقيقة والمجاز والكنايات والمشترك اللفظي والمعنوي ما دام اللفظ دالا وظاهرا على المراد عرفا إلا إذا قام دليل خاص على اعتبار لفظ خاص كما في الطلاق وسيأتي بيانه.

وعلى المشهور من اشتراط الألفاظ الصريحة الحقيقة وقع النزاع بينهم في طائفة من الألفاظ من ناحية الصغرى ، أعني أنها كما يصح بها الإنشاء لأنها لفظ موضوع لذلك المعنى المراد أو لا.

ومن جملة هذه الألفاظ لفظ (بعث) فهو من الأضداد بالنسبة إلى البيع والشراء لأنه مشترك لفظي بينهما كما صرح به الكثير من أهل اللغة ، لكن كثرة استعماله في البيع فقط توجب انصرافه إليه عند الإطلاق بلا حاجة إلى قرينة لفظية أو حالية وهذا كاف في إنشاء البيع به ، بل حتى لو احتاج إلى القرينة فلا يضر وكذا اللفظ الاشتراء فإنه من الأضداد لكن كثرة استعماله في الشراء توجب انصرافه كذلك عند الإطلاق بها حاجة إلى قرينة.

وأما لفظ (الشراء) قال في القاموس : (شراه ويشتريه : ملكه بالبيع وباعه كاشتراه وهما ضدان) فهو من الأضداد موضوع للبيع تارة وللشراء أخرى ، بل قيل لم يستعمل في القرآن إلّا في البيع كقوله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) (١) وقوله تعالى : (الَّذِينَ ـ

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية : ٢٠.

٣٣٧

لأنه مشترك بين البيع والشراء ، (وملكت) (١) بالتشديد من البائع ، وبالتخفيف من المشتري وتملكت (٢) ، (وتكفي الإشارة) الدالة على الرضا على الوجه المعين (مع العجز) عن النطق لخرس وغيره (٣) ، ...

______________________________________________________

ـ يَشْرُونَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا بِالْآخِرَةِ) (١) وقوله تعالى : (وَمِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ) (٢).

ولازم كونه من الأضداد جواز إيقاع البيع والشراء به ، إلا أن الشيخ الأعظم استشكل في ذلك بقلة استعماله في البيع عرفا ، مع كونه محتاجا إلى القرينة المعنية وعدم نقل الإيجاب به في الأخبار وكلام القدماء.

وفيه : إن احتياجه إلى القرينة لا يضر ، وقلة استعماله في البيع عرفا لا تمنع بعد استعماله في البيع في القرآن.

(١) بالتشديد ، لإفادته إنشاء معنى البيع ، والإشكال بأنه أعم من إنشاء البيع والهبة ، لأنه يدل على إنشاء التمليك وهو شامل لهما مردود بأن القرينة اللفظية أو الحالية هي المعينة لإنشاء البيع ، وتوقفه على القرينة لا يضر.

(٢) وكذا لا خلاف في وقوع القبول بلفظ (قبلت ورضيت) وكل ما يدل على الرضا والقبول بالإيجاب.

(٣) كآفة في لسانه ، وقيام الإشارة مقام اللفظ للعاجز محل اتفاق ويدل عليه فحوى روايات طلاق الأخرس.

منها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها فيضعها على رأسها ويعتزلها) (٣) وخبر أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (مسألة عن طلاق الخرساء؟ قال : يلف قناعها على رأسها ويجذبه) (٤) وصحيح ابن أبي نصر البزنطي (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عنه الرجل تكون عنده امرأة ، ثم يصمت فلا يتكلم ، قال : يكون أخرس؟ قلت نعم فيعلم منه بغض لا مرأته وكراهته لها ، أيجوز أن يطلق عنه وليه؟قال : لا ، ولكن يكتب ويشهد على ذلك ، قلت : لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال : بالذي يعرف منه من فعاله ، مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه لها) (٥).

وإذا جاز طلاق الأخرس بالإشارة ، فيجوز غيره من العقود والإيقاعات كذلك ، وظاهر ـ

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٧٤.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٠٧ :.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق حديث ٣ و ٢ و ١.

٣٣٨

ولا تكفي مع القدرة (١). نعم تفيد (٢) المعاطاة مع الإفهام الصريح.

(ولا يشترط تقديم الإيجاب على القبول (٣) ، وإن كان) تقديمه (أحسن) ، بل قيل : بتعينه ، ووجه عدم الاشتراط أصالة الصحة ، وظهور كونه عقدا فيجب الوفاء به ، ولتساويهما في الدلالة على الرضا (٤) ، وتساوي المالكين في نقل ما يملكه إلى الآخر ، ووجه التعيين (٥) الشك في ترتب الحكم مع تأخره (٦) ومخالفته (٧) للأصل ولدلالة مفهوم القبول على ترتبه (٨) على الإيجاب لأنه رضي به ، ومنه يظهر وجه الحسن (٩) ، ومحل الخلاف ما لو وقع القبول بلفظ اشتريت

______________________________________________________

ـ الأخبار أن إشارته قائمة مقام اللفظ من القادر فهو عقد لازم ، بل الأخبار ظاهرة في جواز الكتابة وقيامها مقام الإشارة.

(١) على اللفظ بناء على انحصار العقد به.

(٢) أي إنشاء العقد بالإشارة مع القدرة على اللفظ يفيد المعاطاة الذي لا يوجب إلا الإباحة كما هو مختار الشارح في المعاطاة.

(٣) يشترط تقديم الإيجاب على القبول على الأشهر ، لأن القبول مبني على الإيجاب وتابع له إذ يستحيل قبول شي‌ء لم يحدث بعد.

وعنه جماعة التفصيل بين (قبلت ورضيت وأمضيت وأنفذت) فيعتبر فيها تقديم الإيجاب لما تقدم ، وبين (اشتريت وتملكت وملكت بالتخفيف) فلا يشترط التقديم لصدق العقد عليه بعد ضم الإيجاب إليه فيجب الوفاء به ، ولجواز تقديمه في النكاح بغير أشكال كما سيأتي ففي غيره أولى ، لأن النكاح فيه شائبة العبادة وهو مبني على الاحتياط زيادة على غيره ، ولأن المعتبر من المشتري الرضا بالإيجاب وإنشاء التملك للمبيع بإزاء تمليكه العوضي ، وكلاهما متحققان بما ذكر سواء تقدم الإيجاب أو تأخر بخلاف ألفاظ القبول ونحوه فإنها متوقفة على أمر قد وقع ، حتى يتحقق قبوله ورضاه به وإمضاءه وإنفاذه له.

(٤) مع عدم دخل الترتيب في هذه الدلالة.

(٥) أي تعيين تقديم الإيجاب.

(٦) أي مع تأخر الإيجاب.

(٧) أي ومخالفة تقديم القبول على الإيجاب للأصل ، وهو أصالة ألف وفي المعاملات ، بمعنى أصالة عدم ترتب الأثر عند الشك في السبب أنه مؤثر أولا ، وعدم ترتب الأثر هو أصالة الفساد في العقود.

(٨) أي ترتب القبول.

(٩) أي الحسن الزائد الذي أتى به الماتن بعد حكمه بجواز تقديم القبول.

٣٣٩

كما ذكره (١) أو ابتعت أو تملكت الخ لا بقبلت وشبهه ، وإن أضاف إليه (٢) باقي الأركان لأنه صريح في البناء على أمر (٣) لم يقع (٤).

(ويشترط في المتعاقدين الكمال) برفع الحجر الجامع للبلوغ (٥٠) والعقل (٦) والرشد (٧) ، (والاختيار (٨) ، إلا أن يرضى المكره بعد زوال إكراهه) ، لأنه بالغ

______________________________________________________

(١) سابقا عند التكلم في ألفاظ الإيجاب والقبول.

(٢) إلى لفظ القبول.

(٣) والأمر هو مضمون الإيجاب.

(٤) أي ومضمون الإيجاب لم يقع بعد فكيف يتحقق القبول به مع أنه غير واقع.

(٥) فلا يصح بيع الصبي ولا شراؤه بلا فرق بين كون المال له أو لغيره على المشهور للأخبار.

منها : خبر حمزة بن حمران عن أبي جعفر عليه‌السلام (الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع ، قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك) (١) وخبر هشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو أشده ، وإن احتلم ولم يونس من رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله) (٢) ، نعم قال الشيخ في المبسوط (وروي أنه إذا بلغ عشر سنين وكان رشيدا كان جائز التصرف) (٣) وهو لا يصلح لمعارضة ما تقدم من الأخبار.

(٦) بلا خلاف فيه ، فلا يجوز بيع المجنون وشراؤه لفقده القصد والتمييز المقومان لحقيقة العقد.

(٧) لقوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ) (٤).

(٨) فلا يصح بيع المكره ولا شراؤه بلا خلاف فيه ، لاعتبار الرضا في العقد لقوله تعالى : (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ) (٥) والرضا منتف في المكره ، ولاعتبار طيب النفس كما في مرسل تحف العقول عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال في خطبة الوداع (أيها ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب عقد البيع حديث ١ و ٢.

(٣) المبسوط ج ٢ ص ١٦٣.

(٤) سورة النساء ، الآية : ٦.

(٥) سورة النساء ، الآية : ٢٩.

٣٤٠