الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

كما لو لم يكن موقوفا ، (بطل الوقف) بالعتق ، (وسقطت النفقة) من حيث الملك (١) ، لأنها كانت تابعة له فإذا زال زالت.

الثانية.(لو وقف في سبيل الله انصرف إلى كل قربة) (٢) ، لأن المراد من السبيل الطريق إلى الله أي إلى ثوابه ورضوانه ، فيدخل فيه كل ما يوجب الثواب من نفع المحاويج ، وعمارة المساجد ، وإصلاح الطرقات ، وتكفين الموتى. وقيل : يختص بالجهاد ، وقيل : بإضافة الحج والعمرة إليه ، والأول أشهر ، (وكذا) لو وقف (في سبيل الخير ، وسبيل الثواب (٣) ، لاشتراك الثلاثة في هذا المعنى ، وقيل : سبيل الثواب الفقراء والمساكين ، ويبدأ بأقاربه ، وسبيل الخير الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمون ، الذين استدانوا لمصلحتهم ، والمكاتبون. والأول أقوى إلا أن يقصد الواقف غيره.

______________________________________________________

(١) ولكن قد تجب نفقته حينئذ على الموقوف عليه من ناحية عجزه مع عدم وجوب باذل لها من المسلمين وانحصر الباذل في الموقوف عليه.

(٢) لما كان السبيل هو الطريق فسبيل الله أي الطريق إلى ثوابه ورضوانه لاستحالة التحيز عليه ، فالموقوف في سبيل الله يصرف في كل مصلحة يتقرب بها إلى الله تعالى كما عليه المشهور منهم الشيخ في المبسوط وعن الشيخ في الخلاف أنه مختص بالغزاة المتطوعين دون العسكر المقاتل على باب السلطان وبالحج والعمرة اثلاثا ، وعن ابن حمزة في الوسيلة اختصاصه بالمجاهدين فقط ، والعرف حجة عليهما.

(٣) المشهور على أن سبيل الله وسبيل الخير وسبيل الثواب واحد ، واللغة والعرف يرشدان إليه ، فلو قال وقفت هذا في سبيل الله وسبيل الخير وسبيل الثواب لكان مصرفه ما تقدم في سبيل الله.

وذهب الشيخ إلى أنه يقسم اثلاثا ، ثلث للغزاة والحج والعمرة وهو سبيل الله ، وثلث للفقراء والمساكين مع البدء بالأقارب وهو سبيل الثواب ، وثلث إلى خمسة أصناف من الذين ذكرهم الله في آية الصدقة (١) ، وهم الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمون الذين استدانوا لمصلحة أنفسهم ، (وَفِي الرِّقٰابِ) وهم المكاتبون وهو سبيل الخير ، وهذا تحكم لأنه بلا دليل.

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ٦٠.

٢٤١

الثالثة.(إذا وقف على أولاده اشترك أولاد البنين والبنات (١) ، لاستعمال الأولاد فيما يشمل أولادهم شائعا لغة وشرعا كقوله تعالى : (يٰا بَنِي آدَمَ ، يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ ، و يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ) ، وللإجماع على تحريم حليلة ولد الولد ذكرا وأنثى من قوله تعالى : (وَحَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ) (٢) ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تزرموا ابني (٣)» يعني الحسن ، أي لا تقطعوا عليه بوله لمّا بال في حجره. والأصل في الاستعمال الحقيقة ، وهذا الاستعمال كما دل على دخول أولاد الأولاد في الأولاد ، دل على دخول أولاد الإناث أيضا ، وهذا أحد القولين في المسألة.

وقيل : لا يدخل أولاد الأولاد مطلقا (٤) في اسم الأولاد ، لعدم فهمه عند الاطلاق ، ولصحة السلب فيقال في ولد الولد : ليس ولدي بل ولد ولدي ،

______________________________________________________

(١) كما عن المفيد والقاضي وابن البراج والحلي بل والشيخ في النهاية والتحرير واللمعة هنا لصدق الولد على الولد وولد الولد لقوله تعالى في أكثر من آية (يٰا بَنِي آدَمَ) (١) ، وقوله تعالى : (يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ) (٢) ، وقوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ) (٣) ، وهو شامل لولد الولد ، ولتحريم حليلة ولد الولد من قوله تعالى : (وَحَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات والأخبار التي استعملت لفظ الولد ، في ولد الولد.

وعن المشهور أنه لو قال : وقفت على أولادي فهو مختص بأولاده الصلبيين ولم يدخل معهم أولاد الأولاد ، لأن ولد الولد لا يفهم حقيقة من إطلاق لفظ الولد ، وإن كان لا نمنع استعمال لفظ الولد في ولد الولد مجازا ، وأما هذه الآيات والأخبار التي استدل بها فدخول ولد الولد إنما كان لقرائن أخرى لا من ناحية شمول الولد لولد الولد مع كون الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز.

(٢) قد تقدم في شرحنا تخريجها.

(٣) مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٨٥.

(٤) سواء كان ولد ذكر أو ولد أنثى.

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآيات : ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٣١ ـ ٣٥٦.

(٢) سورة البقرة ، الآيات : ٤٠ ـ ٤٧ ـ ١٢٢.

(٣) سورة النساء ، الآية : ١١.

(٤) سورة النساء ، الآية : ٢٣.

٢٤٢

وأجاب المصنف في الشرح (١) عن الأدلة الدالة على الدخول بأنه (٢) ثمّ من دليل خارج (٣) ، وبأن اسم الولد لو كان شاملا للجميع لزم الاشتراك (٤) وإن عورض بلزوم المجاز (٥) فهو أولى ، وهذا (٦) أظهر. نعم لو دلت قرينة على دخولهم كقوله : الأعلى فالأعلى اتجه دخول من دلت عليه (٧) ، ومن خالف في دخولهم (٨) كالفاضلين فرضوا المسألة فيما لو وقف على أولاد أولاده ، فإنه حينئذ يدخل أولاد البنين والبنات بغير إشكال ، وعلى تقدير دخولهم بوجه (٩) فاشتراكهم (بالسوية) (١٠) ، لأن ذلك مقتضى الإطلاق ، والأصل عدم التفاضل ، (إلا أن يفضّل) بالتصريح (١١) ، أو قوله : على كتاب الله ونحوه ، (ولو قال : على من انتسب إليّ (١٢) لم يدخل أولاد البنات) على أشهر القولين ، عملا بدلالة اللغة والعرف والاستعمال.

______________________________________________________

(١) شرح الإرشاد المسمى بغاية المراد.

(٢) أي بأن الدخول.

(٣) لا من إطلاق لفظ الولد على ولد الولد.

(٤) لكونه موضوعا للولد فلو كان حقيقة في ولد الولد لكان مشتركا بينهما ، وهو على خلاف الأصل لتعدد الوضع فيه.

(٥) بناء على أنه للولد فقط فاستعماله في ولد الولد يكون مجازا وهو على خلاف الأصل إذ الأصل في الاستعمال الحقيقة ، فإذا دار الأمر بين الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى ، وقد حرر في محله أنه لا يصح التمسك بهذه الاستحسانات في مقام إثبات العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى.

(٦) أي القول الثاني من كون الولد مختصا بالصلبي عند الاطلاق.

(٧) أي من دلت القرينة على دخوله.

(٨) فلو قال : ومن خالف في عدم دخولهم وذهب إلى الدخول كالفاضلين لكان أولى.

(٩) من الوجوه السابقة.

(١٠) لمقتضى العدل ، وقاعدة التنصيف للأنثى مختصة بالإرث لورود دليل خاص عليها هناك.

(١١) فيجب التفضيل عملا بالشرط.

(١٢) أي لو قال وقفت هذا على من انتسب إليّ ، فلا يدخل أولاد البنات لأن ولد البنت لا ينتسب إلى أمه بل إلى أبيه ، وخالف السيد المرتضى اعتمادا على أن ولد البنت ولد ، وقد تقدم الكلام فيه.

٢٤٣

الرابعة.(إذا وقف مسجدا لم ينفك وقفه (١) بخراب القرية) ، للزوم الوقف ، وعدم صلاحية الخراب لزواله ، لجواز عودها ، أو انتفاع المارة به ، وكذا لو خرب المسجد (٢) ، خلافا لبعض العامة ، قياسا على عود الكفن إلى الورثة عند اليأس من الميت ، بجامع استغناء المسجد عن المصلين كاستغناء الميت عن الكفن ، والفرق واضح ، لأن الكفن ملك للوارث وإن وجب بذله في التكفين ، بخلاف المسجد لخروجه بالوقف على وجه فك الملك كالتحرير (٣) ، ولإمكان الحاجة إليه بعمارة القرية ، وصلاة المارة ، بخلاف الكفن.

(وإذا وقف على الفقراء ، أو العلوية انصرف إلى من في بلد الواقف منهم ومن حضره (٤) بمعنى جواز الاقتصار عليهم من غير أن يتتبع غيرهم ممن يشمله

______________________________________________________

(١) وإن خرجت القرية بلا خلاف فيه بيننا لعدم بطلان مسجديته مع إمكان الانتفاع به ولو بالمارة أو بعود الحياة إلى القرية ، خلافا لأحمد من العامة حيث جوّز بيعه في هذا الحال ، وخلافا لمحمد بن الحسن من العامة أيضا حيث حكم بعوده إلى ملك الواقف قياسا على الكفن فيما لو أخذ السيل ميتا ويئس منه فيرجع الكفن إلى الورثة فكذا في المسجد.

وفيه : إنه قياس مع وجود الفارق وهو : أن الكفن ملك للورثة لأن التركة تنتقل إلى الوارث بالموت ، وإن وجب عليهم صرفه في تكفين مورثهم ، ولما تعذر التكفين به بطل مورد صرفه فرجع إلى ملكهم مع جواز التصرف فيه بأي مورد وهذا يتم فيما لو كان الكفن من التركة ، أما لو كان من الزكاة أو من الوقف فيرجع إلى أصله ، وكذا لو كان من متبرع فيرجع إليه. وهذا بخلاف الوقف فإنه قد خرج عن ملك الواقف فكيف يعود إليه.

(٢) مع عدم خراب القرية.

(٣) أي العتق فالعتق فك ملك كما سيأتي.

(٤) إذا وقف الشي‌ء على الفقراء فهو وقف على هذه الجهة المخصوصة لا على أشخاصها ، ومصرفها كل من كان فقيرا ، ولكن هل يجب عليه استيفاؤهم ولو كان غائبا عن البلد الذي هو فيه ، لا خلاف في أنه لا يجب بل يجوز له أن يصرف نماء هذا الوقف في فقراء بلده ومن حضر من فقراء غيرها ولا يجب عليه تتبع الجميع لخبر النوفلي (كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أسأله عن أرض وقفها جدي على المحتاجين من ولد فلان بن فلان ، وهم كثير متفرقون في البلاد ، فأجاب : ذكرت الأرض التي وقفها جدك على فقراء ولد فلان ، وهي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف ، وليس لك أن تتبع من كان ـ

٢٤٤

الوصف ، فلو تتبع جاز. وكذا لا يجب انتظار من غاب منهم عند القسمة. وهل يجب استيعاب من حضر ظاهر العبارة ذلك بناء على أن الموقوف عليه يستحق على جهة الاشتراك ، لا على وجه بيان المصرف ، بخلاف الزكاة (١) ، وفي الرواية دليل عليه (٢) ، ويحتمل جواز الاقتصار على بعضهم (٣) ، نظرا إلى كون الجهة المعيّنة مصرفا ، وعلى القولين لا يجوز الاقتصار على أقل من ثلاثة ، مراعاة لصيغة الجمع. نعم لا تجب التسوية (٤) بينهم ، خصوصا مع اختلافهم في المزيّة بخلاف الوقف على المنحصرين فيجب التسوية بينهم بالاستيعاب. واعلم أن الموجود في نسخ الكتاب بلد الواقف ، والذي دلت عليه الرواية وذكره الأصحاب ومنهم المصنف في الدروس اعتبار بلد الوقف ، لا الواقف وهو أجود (٥).

______________________________________________________

ـ غائبا) (١) ، هذا هو تحرير المسألة مع أن السابق إلى الفهم من عبارة الماتن أن أصل الوقف منصرف إليهم ، وقد عرفت أن أصل الوقف لكل فقير ولذا جاز إعطاء من حضر من غيرهم ، ثم لو وقف على العلوية مثلا وكانوا منتشرين في أكثر من بلد فالحكم كذلك ، والخبر المتقدم صريح في ذلك ، ثم هل يجب استيعاب فقراء البلد أو لا ، وهو مبني على أن الوقف المذكور ظاهر في استحقاق الجميع للموقوف فالأول ، أو أنه ظاهر لبيان المصرف فالثاني ، وهو لا يخلو من قوة نظرا للعرف.

وعلى كل يجب إعطاء أقل الجمع تحقيقا لمعنى الفقراء ، وقيل : هو ثلاثة لأنه أقل الجمع عند المحققين كما في جامع المقاصد ، وقيل : اثنان بناء على أنهما أقل الجمع.

(١) فإن آية الزكاة (٢) لبيان المصرف.

(٢) على الاشتراك لعموم كلمة (من) في قوله عليه‌السلام في الرواية المتقدمة (وهي لمن حضر البلد) ، وفيه : إنها ظاهرة في بيان المصرف بدليل التقابل بين ما حضر وبين من هو غائب.

(٣) فلا يجب الاستيعاب.

(٤) سواء وجب الاستيعاب أو لا ، نعم لو كان الوقف على جماعة منحصرين قد ذكروا في متن العقد فتجب التسوية لعدم جواز الترجيح بلا مرجح ، بخلاف ما هنا فإن المذكور هو الجهة لا الأشخاص ، وترجيح البعض على البعض لا يخرج الصرف عن الجهة.

(٥) لعسر حمل نماء الموقوف من بلده إلى بلد الواقف عند التغاير.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ١.

(٢) سورة التوبة ، الآية : ٦٠.

٢٤٥

الخامسة.(إذا آجر البطن الأول الوقف (١) ثم انقرضوا تبين بطلان الإجارة في المدة الباقية) ، لانتقال الحق إلى غيرهم ، وحقهم وإن كان ثابتا عند الإجارة إلا أنه مقيد بحياتهم ، لا مطلقا (٢) ، فكانت الصحة في جميع المدة مراعاة باستحقاقهم لها ، حتى لو آجروها مدة يقطع فيها بعدم بقائهم إليها عادة فالزائد باطل من الابتداء ، ولا يباح لهم أخذ قسطه من الأجرة ، وإنما أبيح في الممكن ، استصحابا للاستحقاق بحسب الإمكان ، ولأصالة البقاء.

وحيث تبطل في بعض المدة (فيرجع المستأجر على ورثة الآجر) (٣) بقسط المدة الباقية (٤) (إن كان قد قبض الأجرة ، وخلّف تركة) فلو لم يخلّف مالا ، لم يجب

______________________________________________________

(١) إذا آجر البطن الأول الوقف إلى مدة معينة ثم انقرضوا أجمع في أثنائها ، فإن قلنا إن الموت يبطل الإجارة في الملك المطلق فهنا أولى ، وإن لم نقل بذلك ، فهل يبطل هنا كما عن الخلاف والمبسوط والعلامة في التذكرة والتحرير والإرشاد والشهيدين والكركي وغيرهم بل لا أجد فيه خلافا كما في الجواهر ، لأن الوقف هنا تسبيل المنفعة على الموقوف عليه مدة حياته فلو تبين أنه قد آجره أكثر من ذلك بطل في الزائد لعدم ملكيته لهذه المنفعة بعد موته.

وقد تردد المحقق في الشرائع لإطلاق ما دل على صحة الإجارة ولزومها ، ثم استظهر البطلان ، ولكن لقطع دابر احتمال التردد نقول : إن البطن الثاني يتلقى الملك من الواقف بأصل الصيغة كالبطن الأول بخلاف الوارث فالمورث ما قبل الموت هو مالك مسلّط على ماله كيف شاء فلو آجر ماله مدة معينة ثم مات في أثنائها فالإجارة نافذة ولا يجوز للوارث الفسخ لأنه يرث ما كان ملكا للمالك حين موته ، وكان الملك مسلوب المنفعة لأنه مؤجر بحسب الفرض ، فلو كان البطن الثاني يتلقى الملك من الأول ، كان تصرف الأول فيه نافذا في حق الثاني وليس للثاني فسخه ، ولكن الثاني يتلقى الملك من المالك بأصل الصيغة وليس للأول إلا التصرف فيه حال حياته فقط فلذا كان للبطن الثاني الخيار بين الفسخ وبين الإجازة في الباقي كما هو المشهور بينهم ، ولكن قد عرفت أن الإجازة في العقد الفضولي في الوقف غير نافعة فالأقوى هو البطلان فقط بحيث إذا أراد البطن الثاني الإجارة فعليه تجديد العقد من رأس.

(٢) وإن ماتوا.

(٣) وهو البطن الأول.

(٤) قال في المسالك (والمراد بمقابلة المتخلف أن ينسب أجرة مثله إلى أجره مثل مجموع المدة ـ

٢٤٦

على الوارث الوفاء من ماله (١) كغيرها من الديون ، هذا إذا كان قد آجرها (٢) لمصلحته ، أو لم يكن ناظرا ، فلو كان ناظرا وآجرها لمصلحة البطون لم تبطل الإجارة (٣) ، وكذا لو كان المؤجر هو الناظر في الوقف مع كونه غير مستحق.

______________________________________________________

ـ ويرجع من المسمى بمثل تلك النسبة ، فلو كان قد آجره سنة بمائة مثلا ، ومات بعد انقضاء نصفها ، وفرض أن أجرة مثل النصف المتخلف تساوي الستين ، وأجرة مثل النصف الماضي تساوي ثلاثين ، رجع بثلثي المائة المسماة وهكذا) انتهى.

(١) من مال الوارث.

(٢) أي البطن الأول.

(٣) لإطلاق دليلها ، بعد كون البطن الأول لهم من الأجرة ما يوازي أجرتها في زمن حياتهم فقط.

٢٤٧
٢٤٨

كتاب العطية

٢٤٩
٢٥٠

كتاب العطية

(وهي) أي العطية باعتبار الجنس (أربعة) :

(الأول. الصدقة (١): ...

______________________________________________________

(١) قد وردت الأخبار الكثيرة بالحث عليها وأنها تدفع ميتة السوء (١) ، وأنها تنفى الفقر وتزيد في العمر (٢) ، وأنها جنة من النار (٣) ، وقد ورد (إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة) (٤) ، و (الصدقة باليد تدفع ميتة السوء ، وتدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء ، ويفكّ عن لحى سبعين شيطانا كلهم يأمره أن لا تفعل) (٥) وفي الحديث (واتقوا النار ولو بشق تمرة) (٦) وفي أخر (بكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها) (٧) وفي ثالث (من تصدق بصدقة حين يصبح اذهب الله عنه نحس ذلك اليوم) (٨) وفي رابع (إن الله الذي لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة والحرق والفرق والهدم والجنون وعدّ سبعين بابا من السوء) (٩) وفي خامس (إن الصدقة لتدفع سبعين بليّة من بلايا الدنيا مع ميتة السوء ، إن صاحبها لا يموت ميتة السوء أبدا مع ما يدخر لصاحبها في الآخر) (١٠) وفي سادس (ليس شي‌ء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الصدقة حديث ٢ و ٤ و ١٧ و ١٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصدقة حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصدقة حديث ٢.

(٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصدقة حديث ١ و ٢.

(٩ و ١٠) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصدقة حديث ١ و ٤.

٢٥١

(وهي عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول (١) إطلاق العقد على نفس العطية لا يخلو من تساهل (٢) ، بل في إطلاقه على جميع المفهومات المشهورة من البيع والإجارة وغيرهما. وإنما هو دال عليها ، ويعتبر في إيجاب الصدقة وقبولها ما يعتبر في غيرها (٣) من العقود اللازمة ، (وقبض (٤) ...

______________________________________________________

ـ تقع في يد العبد) (١) ، وفي سابع (الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر ، وصلة الاخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربعة وعشرين) (٢) ، ومنه يستفاد أفضلية التصدق على الرحم بل في الخبر (لا صدقة وذو رحم محتاج) (٣) بل يستحب تقبيل الإنسان يده بعد الصدقة ففي الخبر (كان زين العابدين عليه‌السلام يقبّل يده عند الصدقة ، فقيل له في ذلك فقال : إنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل) (٤) وفي خبر آخر (ما من شي‌ء إلا وكّل به ملك إلا الصدقة فإنها تقع في يد الله تعالى) (٥).

(١) بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، بل عن المشهور اعتبار ما يشترط في العقود اللازمة باعتبار أن الصدقة لازمة لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض.

وفيه : إن اللزوم ناشئ من جهة القربة كما سيأتي لا من جهة العقدية هذا فضلا عن أن السيرة المستمرة إلى زمن المعصوم عليه‌السلام بل وظاهر النصوص الدالة على تحققها بالمعاطاة بل هذا هو الغالب فيها.

(٢) لأنه من باب إطلاق السبب على المسبب.

(٣) من كمال المتعاقدين ومقارنة القبول للايجاب عرفا وغير ذلك ، ولكن النصوص خالية عن ذلك كله.

(٤) بلا خلاف فيه لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (أنه قال في الرجل يتصدق على ولده وقد أدركوا : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث) (٦) ومثله خبر عبيد بن زرارة (٧) وغيرهما مما قد تقدم في كتاب الوقف ، والاستدلال مبني على أعمية الصدقة الواردة في النصوص من الوقف والصدقة ، ولما دل على اشتراط القبض في الهبة كما سيأتي ، والصدقة هي هبة مع زيادة نية القربة ، فالدليل الثاني متين وإن كان في ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصدقة حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الصدقة حديث ٢ و ٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الصدقة حديث ٢ و ٦.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات حديث ١ و ٥.

٢٥٢

(بإذن الموجب) (١) ، بل بإذن المالك ، فإنه لو وكّل في الإيجاب لم يكن للوكيل الإقباض.

(ومن شرطها القربة (٢) فلا تصح بدونها وإن حصل الإيجاب والقبول والقبض ، للروايات الصحيحة الدالة عليه ، (فلا يجوز الرجوع فيها بعد القبض) (٣) ، لتمام الملك ، وحصول العوض وهو القربة ، كما لا يصح الرجوع في

______________________________________________________

ـ الأول ضعف ظاهر لانصراف الأخبار المتقدمة إلى خصوص الوقف. ثم الصدقة لا توجب القبض على المتصدق فلذا كان متوقفا على إذنه وهو المسمى بالإقباض فلو قبضها المعطى له من غير رضا المالك لم ينتقل إليه ، لعدم حصول الإقباض.

(١) مبني على الغالب من كون المالك هو الموجب ولذا استدرك عليه الشارح بتخصيصه بالمالك ، إذ الوكيل في الايجاب قد لا يكون وكيلا في الاقباض.

(٢) بلا خلاف فيه كما في الجواهر لصحيح هشام وحماد وابن أذينة وابن بكير وغيرهم كلهم عن أبي عبد الله عليه

السّلام (لا صدقة ولا عتق إلا ما أريد به وجه الله عزوجل) (١) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (لا يرجع في الصدقة إذا أبتغى بها وجه الله عزوجل) (٢) ومثلها غيرها.

(٣) لأن المقصود بها الأجر وقد حصل فهي كالهبة المعوض عنها ، ولما ورد مثل صحيح محمد بن مسلم المتقدم ، ولصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنما مثل الذي يرجع في صدقته كالذي يرجع في قيئه) (٣) ، وخبر جراح المدائنيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يرتد في الصدقة قال : كالذي يرتد في قيئه) (٤) ، وخبر سماعة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تصدق بصدقة على حميم أيصلح له أن يرجع فيها؟ قال : لا ، ولكن إن احتاج فليأخذ من حميمه من غير ما تصدق به عليه) (٥) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا تصدق الرجل بصدقة لم يحلّ له أن يشتريها ولا يستوهبها ولا يستردها إلا في ميراث) (٦).

وعن الشيخ في المبسوط وابن البراج في مهذبه جواز الرجوع كما جاز له الرجوع في الهبة ، وردّ بالفرق بأن المقصود بالصدقة الأجر وقد حصل فهي كالهبة المعوض عنها.

وعن الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة عدم جواز عودها إليه بالبيع أو الهبة نعم لو ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات حديث ٣.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات حديث ٧ و ٤ و ٥ و ٩.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات حديث ١.

٢٥٣

الهبة مع التعويض. وفي تفريعه بالفاء إشارة إلى أن القربة عوض ، بل العوض الأخروي أقوى من العوض الدنيوي.

(ومفروضها محرم على بني هاشم (١) من غيرهم (٢) إلا مع قصور خمسهم (٣) لأن الله تعالى جعل لهم الخمس عوضا عنها ، وحرمها عليهم ، معللا بأنها أوساخ الناس (٤) ، والأقوى اختصاص التحريم بالزكاة المفروضة ، دون المنذورة

______________________________________________________

ـ عادت بالإرث جاز لصحيح منصور المتقدم ولكنه محمول على الكراهة لمعارضته لعموم جواز البيع الشامل لموردنا وكذا عموم جواز الهبة.

ثم مقتضى الأخبار عدم جواز الرجوع في الصدقة بعد القبض لرحم كانت أو لأجنبي.

(١) قد تقدم الكلام فيه مفصلا في باب الزكاة ، وقد تقدم صحيح جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : أتحل الصدقة لبني هاشم؟ قال : إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا ، فأما غير ذلك فليس به بأس ، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا من مكة ، لأن هذه المياه عامتها صدقة) (١) وخبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال : هي الزكاة) (٢) ، وظاهر هذه الأخبار عدم تحريم الكفارة والنذر والموصى به من الصدقات ما عدا الزكاة.

(٢) أما منهم فلا بلا خلاف فيه لموثق زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحلّ لهم؟ قال : نعم) (٣) ومثله غيره.

(٣) لموثق زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ، ثم قال : إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا ويكون فيمن تحل له الميتة) (٤) وبقية البحث قد تقدم في كتاب الزكاة.

(٤) كما في صحيح محمد بن مسلم وأبي بصير وزرارة كلهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الصدقة أوساخ أيدي الناس ، وإن الله قد حرّم عليّ ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مستحقي الزكاة حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مستحقي الزكاة حديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مستحقي الزكاة حديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مستحقي الزكاة حديث ١.

٢٥٤

والكفارة وغيرهما ، والتعليل بالأوساخ يرشد إليه ، (وتجوز الصدقة على الذمي (١)

______________________________________________________

ـ منها ومن غيرها ما قد حرمه ، وإن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب) (١) ، وقد روى الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الصدقة محرمة على بني هاشم ، وقال : هذه الصدقة أوساخ الناس فلا تحلّ لمحمد وآل محمد) (٢).

(١) على المشهور لعموم استحباب الصدقة وخصوص خبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (أن عليا عليه‌السلام كان يقول : لا يذبح نسككم إلا أصل ملتكم ، ولا تصدقوا بشي‌ء من نسككم إلا على المسلمين ، وتصدقوا بما سواه غير الزكاة على أهل الذمة) (٣).

ونقل الشهيد في الدروس عن الحسن بن أبي عقيل المنع من الصدقة على غير المؤمن مطلقا ، ولعله لمكاتبة علي بن بلال (كتب إليه يسأله عن الزكاة والصدقة ، هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي ، فكتب : لا تعط الزكاة والصدقة إلا أصحابك) (٤) وخبر سدير الصيرفي (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أطعم سائلا لا أعرفه مسلما؟ قال : نعم اعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحق ، إن الله عزوجل يقول : قولوا للناس حسنا ، ولا تطعم من نصب لشي‌ء من الحق أو دعا إلى شي‌ء من الباطل) (٥) والذمي يدعو إلى الباطل ، وهما محمولان على الكراهة جمعا بينهما وبين خبر إسحاق المتقدم وخبر عمرو بن أبي نصر (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أهل البوادي يقتحمون علينا وفيهم اليهود والنصارى والمجوس فنتصدق عليهم؟ قال : نعم) (٦) ، وخبر عبد الله بن الفضل النوفلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن السائل يسأل ولا يدرى ما هو؟ قال : اعط من وقعت له الرحمة في قلبك ، فقال : اعط دون الدرهم فقلت : أكثر ما يعطى؟ قال : أربعة دوانيق) (٧) وقال الشارح في المسالك : (ويظهر من بعض الأصحاب أن الخلاف في الصدقة على الذمي كالخلاف في الوقف عليه ، وقد تقدم أن فيه أقوالا) انتهى :. والأقوال هي : الجواز مطلقا ، وعدمه مطلقا ، والجواز إذا كان رحميا ، والجواز إذا كان أحد الوالدين ، وقد عرفت جواز الوقف عليه فكذا الصدقة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مستحقي الزكاة حديث ٢.

(٢) صحيح مسلم ج ٢ ص ٧٥٣ حديث ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصدقات حديث ٦.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصدقة حديث ١ و ٣ و ٧.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصدقة حديث ٤.

٢٥٥

رحما كان أم غيره ، وعلى المخالف للحق (١) ، (لا الحربي (٢) والناصب ، وقيل : بالمنع من غير المؤمن وإن كانت ندبا. وهو بعيد ، (وصدقة السر أفضل (٣) إذا كانت مندوبة (٤) ، للنص عليه في الكتاب والسنة ، (إلا أن يتّهم بالترك) فالإظهار أفضل ، دفعا لجعل عرضه عرضة للتهم ، فإن ذلك أمر مطلوب شرعا ، حتى للمعصوم ، كما ورد في الأخبار (٥) ، وكذا الأفضل إظهارها لو قصد به متابعة

______________________________________________________

(١) لخبر سدير المتقدم.

(٢) لجواز قتلهما بأي وسيلة فلا يجوز إعانتها بالصدقة ، ولخصوص خبر عمر بن يزيد (سألته عن الصدقة على النصاب وعلى الزيدية؟ فقال : لا تصدق عليهم بشي‌ء ولا تسقهم من الماء إن استطعت ، وقال : الزيدية هم النصاب) (١).

(٣) لقوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوهٰا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (٢) ، وفي الخبر عن أبي جعفر عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صدقة السر تطفي غضب الرب تبارك وتعالى) (٣) وفي خبر عمار الساباطي (قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا عمار الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية) (٤) ، ومرسل الطبرسي (صدقة السر تطفي غضب الرب وتطفي الخطيئة كما يطفي الماء النار ، وتدفع سبعين بابا من البلاء) (٥).

(٤) وأما إذا كانت واجبة فالأفضل إظهارها لما رواه في الغوالي عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إن صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا ، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا) (٦) ، ولخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كلما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من إسراره ، وكلما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه) (٧).

(٥) قال في المسالك : (لأنه لا ينبغي أن يجعل عرضه عرضة للتهم ، فقد تخرج من ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع بعده عنه فغيره أولى) وقال في الجواهر : (إلا أن يتهم في ترك المواساة فيظهرها دفعا للتهمة التي تجنب عنها سيد الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع بعده عنها) ، ولم أعثر في طرقنا على نص يدل على ذلك ولعله مما روته العامة والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصدقة حديث ٢.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٧١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الصدقة حديث ١ و ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الصدقة حديث ١٠.

(٦) مستدرك الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصدقة حديث ١٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب مستحقي الزكاة حديث ١.

٢٥٦

الناس له فيها ، لما فيه (١) من التحريض على نفع الفقراء (٢).

(الثاني ـ الهبة (٣) : وتسمى نحلة وعطية ، وتفتقر إلى الإيجاب) وهو كل لفظ دل على تمليك العين من غير عوض ، كوهبتك وملّكتك وأعطيتك ونحلتك وأهديت إليك وهذا لك مع نيتها (٤) ، ونحو ذلك ، (والقبول) وهو اللفظ الدال على الرضا ، (والقبض (٥) بإذن الواهب) إن لم يكن مقبوضا بيده من قبل ، (ولو)

______________________________________________________

(١) أي في الإظهار.

(٢) وحسن التحريض على ذلك واضح فلذا كان مستحبا.

(٣) وهي تمليك العين مجانا في قبال البيع الذي هو تمليك العين بعوض ، وهذا التقابل كالتقابل بين العارية التي هي التسليط على استيفاء المنفعة مجانا في قبال الإجارة التي هي التسليط على استيفاء المنفعة بعوض.

ويطلق على الهبة النحلة والعطية ، فالنحلة بالكسر اسم للعطية والمصدر النحل بالضم ، والعطية تطلق على مطلق الإعطاء المتبرع به فيشمل الوقف والصدقة والهبة ، واعلم أن الهدية أخص من الهبة لأن الهبة هي إعطاء شي‌ء مجانا مع تعظيم الموهوب ولا تطلق النحلة إلا على تمليك العقار للأولاد أو مطلق الرحم لإدرار معاشهم شفقة عليهم ، وتطلق الجائزة على إعطاء السلطان أو الوالي أو نحوهما بلحاظ خصوصية في المعطى إليه من عمل أو صنعة.

ثم إن الهبة عقد محتاج إلى الايجاب والقبول ، ويتحققان بكل لفظ يدل على على ذلك بل يتحققان بالفعل والمعاطاة على الأقوى على ما سيأتي تفصيله في كتاب البيع فيكفي تسليم العين وتسلمها بعنوان التمليك والتملك.

(٤) أي نية الهبة عند الإتيان بالجملة الاسمية كهذا لك ونحوه.

(٥) لا خلاف في أن القبض شرط في الهبة في الجملة ولكن اختلفوا في أنه شرط الصحة أو أنه شرط اللزوم ، ذهب إلى الأول معظم المتأخرين لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الهبة لا تكون أبدا هبة حتى يقبضها ، والصدقة جائزة عليه) (١) وموثق داود بن الحصين عنه عليه‌السلام (النحلة والهبة ما لم تقبض حتى يموت صاحبها قال عليه‌السلام : هي ميراث ، فإن كان لصبي في حجره فأشهد عليه فهو جائز) (٢) ، ومرسل أبان عنه عليه‌السلام (النحل والهبة ما لم يقبضا حتى يموت صاحبها هي بمنزلة الميراث ، وإن كان لصبي في حجره فهو جائز) (٣) والجائز بمعنى اللزوم في هذه الأخبار بمقتضى السياق. ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ٧ و ٥ و ١.

٢٥٧

(وهبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض جديد ، ولا إذن فيه (١) ولا مضيّ زمان) يمكن فيه قبضه ، لحصول القبض المشروط ، فأغنى عن قبض آخر ، وعن مضيّ زمان يسعه ، إذ لا مدخل للزمان في ذلك ، مع كونه مقبوضا ، وإنما كان (٢) معتبرا مع عدم القبض ، لضرورة امتناع حصوله بدونه (٣). وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين كونه بيده بإيداع ، أو عارية ، أو غصب ، أو غير ذلك ، والوجه واحد. وقيل :

______________________________________________________

ـ ونسب الثاني إلى جماعة منهم أبو الصلاح والعلامة في المختلف بل وإلى الشيخين وابني حمزة والبراج لصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض ، قسّمت أو لم تقسم ، والنحل لا تجوز حتى تقبض ، وإنما أراد الناس ذلك فأخطئوا) (١) وخبر عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا تصدق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها ، علمت أو لم تعلم فهي جائزة) (٢).

وفيه : إنهما لا يقاومان الأخبار المتقدمة المنجبرة بعمل المشهور ، هذا فضلا عن أن ظاهرهما عدم شرطية القبض أبدا لا كونه شرطا في اللزوم كما هو المدعى ، مع أن التفريق بين الهبة والنحلة كما في صحيح أبي بصير على خلاف المذهب من اتحاد الحكم فيها ، وأيضا لا معنى لجعل القبض شرطا في اللزوم مع أن الهبة جائزة غير لازمة حتى بعد القبض إلا في موارد كالهبة على ذي الرحم ونحو ذلك.

ثم إذا كان القبض شرطا في الصحة فالعقد لا يوجبه فيتوقف القبض على إذن المالك لأنه تصرف في ماله هذا كله إذا لم يكن مقبوضا من قبله قبل الهبة ، وإلا فلا داعي للإقباض بعد ذلك لأنه مقبوض على كل حال كما عليه المشهور ، وعن الشيخ ويحيى بن سعيد لو كان الموهوب في يد الموهوب له فيشترط إذن الواهب بالقبض ولو من اقراره له ويشترط مضي زمان يمكن فيه القبض ، وفيه : إنه مقبوض فلا داعي لتجديد القبض.

وعن العلامة في المختلف والتذكرة أنه لا فرق بين كونه في يد الموهوب له بإيداع أو عارية أو غصب ، وعن جماعة التفريق بين القبض بإذنه سابقا فلا يشترط تجديد القبض وبين الغصب فيشترط تجديد القبض حيث لا يد للغاصب عليه شرعا فيده يد عدوان وقبضه حالة الغصب كلا قبض.

(١) في القبض.

(٢) أي الزمان.

(٣) أي امتناع حصول القبض بدون الزمان.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ٤ و ٣.

٢٥٨

بالفرق بين القبض بإذنه وغيره وهو حسن ، إذ لا يد للغاصب شرعا ، (وكذا إذا وهب الولي الصبي) ، أو الصبية (ما في يد الولي كفى الإيجاب والقبول) من غير تجديد القبض ، لحصوله (١) بيده (٢) ، وهي بمنزلة يده (٣) ، ولا مضيّ زمان. وقيل : يعتبر قصد القبض عن الطفل لأن المال المقبوض بيد الولي له فلا ينصرف إلى الطفل إلا بصارف وهو القصد وكلام الأصحاب مطلق.

(ولا يشترط في الإبراء) وهو إسقاط ما في ذمة الغير من الحق (القبول) (٤) ،

______________________________________________________

(١) أي الموهوب.

(٢) بيد الولي.

(٣) أي بمنزلة يد الصبي وكذا الصبية بلا خلاف فيه لموثق داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام (النحلة والهبة ما لم تقبض حتى يموت صاحبها قال عليه‌السلام : هي ميراث ، فإن كان لصبي في حجره فأشهد عليه فهو جائز) (١) ومثله مرسل أبان المتقدم (٢).

قال الشارح في المسالك : (بقي في المسألة بحث آخر وهو : أنه هل يعتبر قصد القبض عن الطفل بعد الهبة ليتمحض القبول لها ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ ينبغي ذلك عند من يعتبر إيقاع القبض للهبة كالعلامة ره ، لأن المال المقبوض في يد الولي فلا ينصرف إلى الطفل إلا بصارف وهو القصد ، وعلى ما اخترناه من الاكتفاء بعدم قصد القبض لغيره يكفي هنا ، وينصرف الإطلاق إلى قبض الهبة ويلزم بذلك) انتهى ويدفع هذا الكلام من اعتبار قصد القبض عن الطفل إطلاق الخبرين المتقدمين.

(٤) لو وهب الدين لمن هو عليه فلا يحتاج إلى قبض لأن ما في الذمة مقبوض عليه ، ولكن هل تحتاج الهبة حينئذ إلى القبول فالظاهر الاحتياج لأنها عقد ، وهذه الهبة تفيد مفاد الابراء الذي هو اسقاط ما له في ذمة الغير ، وهل يحتاج الابراء إلى قبول فعن المشهور العدم ، لأنه إسقاط لا نقل شي‌ء إلى الملك ، فهو بمنزلة تحرير العبد ، ولقوله تعالى : (إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ) (٣) حيث اكتفى في سقوط الحق بمجرد العفو ، والقبول لا دخل له في مسماه. وعن الشيخ في المبسوط وابن زهرة في الغنية والحلي في سرائره اشتراط القبول في الابراء ، لاشتماله على المنة فلو لم يعتبر القبول لأجير على المنّة ، وأجيب بالفرق بين التمليك والاسقاط.

هذا واعلم أن الكثير منهم كالماتن والشارح هنا حرروا المسألة بلفظ الابراء ، وهو خارج ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ٥ و ١.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٧.

٢٥٩

لأنه إسقاط حق ، لا نقل ملك ، وقيل : يشترط لاشتماله على المنة ، ولا يجبر على قبولها كهبة العين والفرق واضح (١) ، (و) كذا (لا) يشترط (في الهبة القربة) للأصل (٢) ، لكن لا يثاب عليها بدونها (٣) ، ومعها (٤) تصير عوضا كالصدقة.

(ويكره تفضيل بعض الولد على بعض (٥) وإن اختلفوا في الذكورة

______________________________________________________

ـ من أبحاث الهبة ، فالأولى البحث أولا في الهبة ثم في الابراء ، نعم هبة ما في الذمة تفيد فائدة الابراء كما عرفت لا أنها نفسه كما قد يتوهم.

(١) أي الفرق بين هبة العين المفيدة للتمليك وبين الابراء الذي هو الاسقاط.

(٢) وللأخبار منها : خبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث (وما لم يعط لله وفي الله فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة ، حيزت أو لم تحز) (١) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (ولا يرجع في الصدقة إذا ابتغى وجه الله ، وقال : الهبة والنحلة يرجع فيها إن شاء ، حيزت أو لم تحز إلا لذي رحم فإنه لا يرجع فيه) (٢) وظاهره عدم اشتراط القربة في الهبة كما هو واضح.

(٣) إذ الثواب متوقف على التقرب.

(٤) ومع القربة فهي صدقة كما من العلامة في التذكرة ، وعلى فرض عدم الصدق فهي هبة معوضة لأن الثواب خير عوض.

(٥) يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية بلا خلاف فيه إلا من ابن الجنيد حيث حكي عنه الحرمة وكذا عدّى الحكم إلى باقي الأقارب مع التساوي في القرب ، وهو ضعيف لأن الناس مسلطون على أموالهم كما في النبوي (٣) ، ولما سيأتي من الأخبار.

والمشهور على أنه جائز على كراهة بلا فرق بين حالتي الصحة والمرض وبين حالتي العسر واليسر ، وعن العلامة في المختلف أن الكراهة عند المرض أو الاعسار لخبر سماعة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن عطية الوالد لولده فقال : أما إذا كان صحيحا فهو ماله يضع به ما شاء ، وأما في مرضه فلا يصلح) (٤) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يخص بعض ولده بالعطية فقال : إن كان موسرا فنعم ، وإن كان معسرا فلا) (٥) وخبر جراح المدائنيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن عطية الوالد لولده يبينه قال : إذا أعطاه في صحته جاز) (٦) وفيه : إن الأخير ليس ظاهرا في مدعاه بل هو ظاهر في ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ١ و ٢.

(٣) غوالي اللئالي ج ٢ ص ١٣٨ حديث ٣٨٣.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوصايا حديث ١١ و ١٢ و ١٤.

٢٦٠