الباب الحادي عشر

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الباب الحادي عشر

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الدكتور مهدي محقّق
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٩٢

الأنبياء ١٦ / ١٨

الائمة (ع) ٥٦ / ١٧

البراهمة ٣٤ / ١٩

بعض الاخوان ٢ / ٢

البلخى ١١ / ٢١ ، ١٤ / ١١

البهشميّة ٢٤ / ٨

التّابعين ٤٦ / ٨

الثّنويّة ١١ / ٢٠

جابر بن عبد الله الانصارى ٥١ / ٦ و ٩ و ١٠

الجبائيان ١١ / ٢٢

جعفر بن محمّد الصّادق (ع) ٥٠ / ١٧ ، ٥١ / ١١

الحسن (ع) ٥٠ / ١٦ ، ٥١ / ٩ و ١٦

حسن بن على العسكرىّ (ع) ٥٠ / ٢٠ ، ٥١ / ١٢

الحسين (ع) ٥٠ / ١٦ ، ٥١ / ٤ و ٥ و ١٠ و ١٦

الحكماء ١١ / ٢٠ ، ١٣ / ١٢ و ٢٢ ٢٠ / ١٨ ، ٢٢ / ١٢ ، ٢٣ / ١١ و ٢١ ، ٢٤ / ١٣

حكماء الهند ٢٥ / ١١ ، ٢٦ / ١٨

الحنابلة ١٧ / ١ و ٩ و ٢٠

الحشويّة ٣٧ / ١٨

الحلّى ، ابو منصور الحسن بن يوسف بن

على بن المطهّر ١ / ١٦ المصنّف

الخليل ٣٩ / ٣

الخوارج ٣٦ / ١٧ ، ٤٠ / ١٧

الرّاوندى ٥٢ / ٥

رسول الله (ص) ٤٣ / ١٠ ، ٤٤ / ١٧ ، ٤٥ / ٥ و ١٣ ، ٤٧ / ٦ ، ٤٩ / ٢ ، ٥٠ / ٩ ، ٥١ / ٧

رؤساء المجتهدين ٤٦ / ١٩

الزّيديّة ٢٧ / ٨ ، ٤٤ / ٨

سيبويه ٣٩ / ٣

الشّاعر ٤٧ / ٢٠

الشّيعة ٤٥ / ٦ و ٩

صاحب الارغفة ٤٦ / ٢١

صاحب الياقوت ٢٠ / ١٩

الصّحابة ٤٦ / ٨

الطّوسى (الشيخ ...) ٢ / ١٣ ، ٥٨ / ٥ و ٦ و ١٢

العارفين ٢١ / ١٠

العبّاس ، العبّاس بن عبد المطلب ٤٥ / ٥ ، ٤٦ / ١

العلماء ٤٦ / ٨

عليّ ، عليّ بن ابى طالب ٤٤ / ١٨ ، ٤٥ / ٢

٦١

و ٦ و ١٦ و ٢٢ ، ٤٦ / ١ و ٢٢ ، ٤٧ / ١٤ ، ٤٨ / ٨ و ١٤ و ٢١ و ٢٢ ، ٤٩ / ٢ و ٦ و ٢٢ و ٢٣ ، ٥١ / ٩ و ١٦ ، ٥٤ / ٤

عليّ بن الحسين (ع) ٥٠ / ١٧ ، ٥١ / ١٠

عليّ بن محمّد الهادى (ع) ٥٠ / ١٩ ، ٥١ / ١٢

عليّ بن موسى الرّضا (ع) ٥٠ / ١٨ ، ٥١ / ١١

عيسى ٢١ / ٩

الفضلاء (بعض ...) ٤٠ / ١٠

القاسطين ٥٤ / ٥

الكرّامية ١٤ / ١٥ و ١٦ ، ١٥ / ١٠ ، ١٧ / ١ و ٩ ، ٢٠ / ٤ ، ٢١ / ٢١ ، ٢٢ / ١٣

المارقين ٥٤ / ٥

المتكلّمين ١٠ / ١٩ ، ٢٠ / ٢١ ، ٢٣ / ١١ و ١٣ ، ٢٤ / ١٣ و ١٤ ، ٢٦ / ٦

المتصوّفة ٢٠ / ١ ، ٢١ / ١٠

المجسّمة ١٩ / ١٢ ، ٢٢ / ١٣

محمّد ، محمّد بن عبد الله ١ / ٥ ، ٣ / ٨ ، ٣٥ / ١٩ ، ٣٦ / ٧

محمّد بن الحسن صاحب الزّمان (عج) ٥٠ / ٢٠ ، ٥١ / ١٣

محمد بن الحنفيّة ٤٦ / ١٣

المرتضى (السيّد ... علم الهدى الموسوى) ٣٨ / ١٤ ، ٥٨ / ٦ و ١٢ و ١٤

محمّد بن عليّ الباقر (ع) ٥٠ / ١٧ ، ٥١ / ١٠

محمّد بن عليّ الجواد (ع) ٥٠ / ١٩ ، ٥١ / ١٢

المسلمون ، المسلمين ١٤ / ٨ ، ١٦ / ١٤ ، ٤٥ / ٥

المسيح ٢١ / ٨

مسيلمة الكذّاب ٣٦ / ١٥

المصنّف (ـ الحلّى ، الحسن بن يوسف) ٨ / ٤ ، ١٩ / ١ ، ٢٩ / ١ ، ٣٠ / ٥ ، ٣١ / ١٤ ، ٣٧ / ٢١ ، ٣٨ / ١٠ ، ٤٢ / ٤ ، ٤٥ / ٧ و

١٤ ، ٥٨ / ٦ و ١٧

المعتزلة ١٤ / ١٤ و ١٥ و ١٦ ، ١٥ / ١٢ ، ١٦ / ١٦ ، ١٧ / ١ و ٢٠ ، ٢٢ / ١٢ ، ٢٦ / ٨ ، ٢٧ / ٨ ، ٢٨ / ٨ و ١٩ ، ٢٩ / ٦ ، ٣١ / ٥ ، ٤٠ / ١٧ و ١٨ ، ٤٦ / ١٢ ، ٥٤ / ١٣ و ١٦

معتزلة البصرة ٥٤ / ١٥

٦٢

المفسّرين ٤٨ / ٨

الملاحدة ٢٥ / ١١ ، ٢٦ / ١٧

موسى (ع) ١٧ / ١١ ، ٢٣ / ١ و ٢ و ٥ ، ٤٨ / ٢٣

موسى بن جعفر الكاظم (ع) ٥٠ / ١٨ ، ٥١ / ١١

النبىّ (ص) ٣ / ١٨ ، ٤٤ / ١٨ ، ٤٥ / ٩ و ١٥ / و ١٩ ، ٤٨ / ١١ ، ٤٦ / ٢١ ،

٤٩/ ١٧ ، ٥٣ / ٨ ، ٥٤ / ١ و ١٢ ، ٥٥ / ٧ ، ٥٦ / ١٣

النّصارى ١٧ / ٢٢ ، ١٩ / ٢٢ ، ٢١ / ٨

النّصيريّة ٢١ / ٩

النّظام ١١ / ٢١

النّجار ١٤ / ١٠

نوح (ع) ١٨ / ٢

هارون ٤٨ / ٢٢

٦٣

فهرست نام كتابها

الألفين ٤٧ / ١٥

الباب الحادى عشر ١ / ١٣ ، ٢ / ١٢

الخطبة الشقشقيّة ٤٩ / ١٣

التّنزيل (ـ القرآن) ، ٨ / ٣

تنزيه الأنبياء ٣٨ / ١٣

الحادى عشر (الباب ...) ٢ / ١٢

خرائج الجرائح ٥٢ / ٥

القرآن الكريم ١٨ / ٥ ، ٣٥ / ٢٠ ، ٣٦ / ١٧ ، ٤٧ / ١٢

الكتاب العزيز (ـ القرآن) ٣٧ / ٤ ، ٣٨ / ١١

مصباح المتهجّد ٢ / ١٢

منهاج الصّلاح فى مختصر المصباح ٢ / ١٤

نهج البلاغة ٤٦ / ١٦ ، ٤٩ / ١٣

النّافع يوم الحشر فى شرح باب الحادى عشر ٢ / ٨

الياقوت ٢٠ / ١٩

٦٤

مفتاح الباب

از

ابو الفتح بن مخدوم الخادم الحسينىّ العربشاهى

٦٥
٦٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فاتحة كل باب عظيم ، وديباجة كل كتاب كريم

نحمدك يا من دلّ على ذاته بذاته ، وفتح من كلّ ذرّة من ذرّات مصنوعاته بابا إلى إثبات صفاته ، وشرح صدور عبّاد العباد بأنوار آياته ، وأوضح طريق المبدأ والمعاد بنصب راياته. ونشكرك يا من أنعمنا تهذيب أصول الأحكام وتحرير فروع الإسلام ، وألهمنا قواعد المنطق والكلام ، ليتوسّل بها إلى ذروة المقاصد ونهاية المرام. ونصلّى على نبيّك محمّد مدينة العلم وعلى بابها الفاتح لباب الشّرائع والشّارح لكتابها ، وآله خزّان خزائن المعارف والحكم وأبوابها ، سيّما الباب الحادى عشر الحجّة القائم المنتظر ، مظهر كنوز الرّحمة ومظهر رموز القضاء والقدر ، صلاة دائمة قائمة إلى يوم المحشر.

وبعد ، فهذا مفتاح للباب الملحق بمختصر المصباح ، بل مصباح يغنيك نوره عن الصّباح ، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، نور على نور ، وبه يشرح الصّدور ويجرى مجرى اصله فى الظّهور ، رتّبه المسكين المستعين باللّطف الرّبانى والعون الالهى ، ابو الفتح بن مخدوم الخادم الحسينى العربشاهى ـ فتح الله عليه أبواب حقايق الأشياء كما هى ـ ليتوسّل به الى تقبيل العتبة العليّة والسّدة السّنيّة ، لحضرة الخاقان الأعظم الأكرم ، مالك رقاب الأمم ، سلطان سلاطين العالم ، وبرهان خواقين بنى آدم وصناديد العرب والعجم ، حارس بلاد الإيمان فى الآفاق ، وجالس سرير الخلافة بالإرث والاستحقاق ، وفارس مضمار الشّجاعة والعدالة والسّخاوة بالاتّفاق ، حسامه كالسّحاب البارق على مفارق الأعداء ، وصمصامه كالهواء المحترق المحيط بأهل الأهواء ، وأعلامه كشجرة طيّبة

٦٧

أصلها ثابت وفرعها فى السماء ، مشيّد أركان الشّريعة المصطفويّة والطّريقة المرتضويّة ، ومجدّد قواعد الملّة الجليلة الاثنا عشريّة ، أحيى شعائر الشّرع المبين بعد اندراسها ، وأعلى معالم الدّين المبين غبّ انطماسها ، لم يظفر الدّوران بمثله من ذريّة خير البشر ، ولم تكتحل عين الزّمان بشبهه بعد الائمة الاثنا عشر. احمرّت الشّمس خجلة من غرّته الغرّاء ، فتلألأ عنها الانوار ، وغرق السّحاب فى عرق الحياء من راحته السّمحاء ، فتقاطر منه أقطار الأمطار.

له همم ، لا منتهى لكبارها

وهمّته الصغرى أجلّ من الدّهر

له راحة لو أنّ معشار جودها

على البرّ كان البرّ أندى من البحر

خلف الائمّة المعصومين ، وخليفة الله فى الأرضين ، ملجأ الفرقة النّاجية ، ومرجع الشّيعة الرّاجية ، تراهم فى ظلّ حمايته يتنعّمون فى عيشة راضية فى جنّة عالية ، ناصر بلاد الايمان وناشر آثار العدل والاحسان ، واسطة العيش لاهل الدّوران ، ومقدّمة الجيش لصاحب الزّمان ، المؤيّد من عند الله العلىّ القوىّ المنّان ، أبو المظفّر شاه طهماسب الحسينىّ الموسوى الصّفوىّ ، بهادر خان ، خلّد الله تعالى ظلال خلافته ومعدلته على العالمين ، وجعله من أنصار الدّين بحضرة صاحب الأمر وتحت لوائه من الشّاهدين. والمسئول من فضل أمير المؤمنين وعترته الطّيبين الطّاهرين ـ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ـ سيّما سميّه الامام الثّامن والهمام الضّامن ، الّذي وفّقت باستخراج هذا السّرّ الخفىّ من تحت نقابه أو ان استسعادى بخدمة عتبته وبابه ، أن يقع هذا المعمول فى معرض القبول ، وينتفع به الفحول من أرباب العقول ، فإن وقع من خدّام سدّته السنيّة موقع الرّضاء فهو ببركة العتبة العلميّة لحضرة الرّضاء ، والّا فمن قصور عامله فى الاستحقاق والاسترضاء.

وها أنا أفيض فى شرح المرام مستفيضا من المبدأ الفيّاض العلّام.

فاقول : قال استاد البشر ، العقل الحادى عشر ، العلّامة المعتبر ، الشّيخ جمال الملّة والدّين حسن بن يوسف بن على بن المطهّر ، قدّس الله تعالى روحه الأطهر وضريحه الأنور :

٦٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الباب الحادى عشر ، لمّا اختصر المصنّف كتاب مصباح المتهجد الّذي ألّفه الشّيخ ابو جعفر الطّوسى ـ قدّس سرّه ـ فى أعمال السّنة من العبادات ، ورتّب ذلك المختصر على عشرة أبواب ، ألحق به الباب الحادى عشر لبيان الاعتقادات ، بناء على ما انعقد عليه الإجماع من أنّ العبادة لا تصحّ إلّا بعد تصحيح الاعتقاد ، ولأنّ العبادة لا تتحقّق إلّا بعد معرفة المعبود.

وانّما أورد بيان الاعتقادات فى الباب الحادى عشر ولم يجعل بابها أوّل الأبواب ، مع أنّ الظّاهر تقديم الاعتقاد على العبادة ، إبقاء لترتيب المختصر المفروغ عنه على حاله ، ورعاية لتقديم ما هو المقصود الأهمّ فى هذا المقام ، أعنى اختصار ذلك المرام. ثمّ كلّ واحد من الأبواب المذكورة عبارة عن طائفة من ألفاظ مخصوصة دالّة على معان مخصوصة ، بناء على القول المختار فى أسماء الكتب وأجزائها. ووجه تسميتها بالباب ، أنّ المعانى إنّما تستفاد من الألفاظ ، كما انّ البيوت تؤتى من أبوابها.

واعلم أنّ المصنّف لم يجعل التحميد جزء لهذا الباب كالتّسمية اكتفاء بما تضمّنه البسملة ، او بمجرّد أداء الحمد لا على سبيل الجزئيّة هضما لنفسه. ولا يبعد أن يقال إنّه اكتفى فى التّسمية والتّحميد فى الملحق به على أن يكون إيراد البسملة هاهنا من تصرّف النّاسخين.

فيما يجب على عامّة المكلّفين ، أى فى مسائل يجب معرفتها على جميع المكلّفين ، أو فى تحصيل ما يجب عليهم من المعارف.

والوجوب من الأحكام الشّرعيّة الّتي ينقسم إليها فعل المكلّف. وحاصل التّقسيم

٦٩

أنّ فعل المكلّف إن كان بحيث يثاب على فعله ويعاقب على تركه فهو الواجب ، وإن كان بحيث يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه فهو المندوب ، وإن كان يثاب على تركه ويعاقب على فعله فهو الحرام ، وإن كان يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله فهو المكروه ، وإن كان بحيث لا يثاب ولا يعاقب على فعله ولا على تركه فهو المباح ، وسيجيء تفصيل ذلك فى فصل العدل إن شاء الله تعالى.

فالواجب فعل مكلّف يثاب على فعله ويعاقب على تركه ، وهو اعمّ من العينىّ والكفائىّ ، لكنّ المراد منه هاهنا هو العينىّ كما هو المتبادر ، ويدلّ عليه قوله : فلا بدّ من ذكر ما لا يمكن جهله على أحد من المسلمين. وينبغى أن يعلم أنّ المراد من فعل المكلّف أعمّ من فعل الجوارح والقلب على ما هو متعارف اللّغة ليشمل وجوب الإيمان ، ضرورة أنّه من الأحكام الشّرعية وان لم يكن عمليّا كما صرّح به فى التلويح. فعلى هذا لا حاجة الى صرف الواجب هاهنا عمّا هو المتعارف فى الأصول وحمله على ما يكون جهله سببا لاستحقاق العقاب ، ولعرفانه مدخل فى استحقاق الثواب كما فعله بعض الشّارحين ، على أنّ هذا المعنى غير صحيح فيما نحن فيه ، إذ المصنّف جعل الواجب معرفة اصول الدّين ، وذلك المعنى لا يصدق عليها بل إنّما يصدق على نفس أصول الدّين. فالاقرب إلى الصّواب أن يفسّر بمعرفة يكون تحصيلها سببا لاستحقاق الثّواب ، وترك تحصيلها سببا لاستحقاق العقاب. والمراد من المكلّفين العاقلون البالغون ، وستعرف معنى التّكليف لغة واصطلاحا عن قريب.

من معرفة أصول الدّين بيان لمعرفة ما يجب أو لنفسه.

والمعرفة يطلق فى المشهور على معان :

منها مطلق الإدراك على أن يكون مرادفا للعلم بمعنى حصول صورة الشّيء فى العقل.

ومنها إدراك البسائط ، وفى مقابلتها العلم بمعنى إدراك المركبات.

ومنها إدراك الجزئيّات ، وفى مقابلتها العلم بمعنى إدراك الكليّات.

ومنها التّصور ، وفى مقابلتها العلم بمعنى التّصديق ، ولعلّه بهذه المعانى يقال : عرفت الله دون علمته ، فاعرف.

٧٠

ومنها الادراك المسبوق بالجهل.

ومنها الأخبار من الاداراكين لشيء واحد تخلّل بينهما جهل ولا يعتبر شيء من هذين القيدين فى العلم ولهذا يقال : الله عالم لا عارف وأنت تعلم انّه يناسب حمل المعرفة هاهنا على أكثر هذه المعانى خصوصا ما قبل الاخير ، كما لا يخفى على من له أدنى معرفة.

والأصول جمع الاصل ، وهو فى اللّغة ما يبنى عليه الشّيء ، وفى الاصطلاح يطلق على الرّاجح والقاعدة والدليل والاستصحاب.

ثمّ الدين والشّريعة والملّة ألفاظ مترادفة باعتبار معناه العرفى يطلق كلّ منها على الطّريقة المأخوذة من النّبيّ (ص) ، الا انّها من حيث انّها يترتّب عليها الجزاء تسمّى دينا ، من قولهم : كما تدين تدان ، ومن حيث انّها محلّ الوصول إلى زلال الحياة الأبديّة وكمال السّعادة السرمديّة تسمّى شريعة ، من شريعة الماء بمعنى مورده ، ومن حيث انّها تملّ وتتعب النفوس او تملى وتكنب تسمّى ملّة من الاملال بمعنى الاتعاب او الاملاء.

والمراد باصول الدين هاهنا الأمور الخمسة المذكورة من التوحيد والعدل والنبوّة والامامة والمعاد. وتسميتها بأصول الدّين ، إما لانّ الدّين مأخوذ من الكتاب والسّنة ، وهما موقوفان على تلك الأمور باعتبار الحدوث أو البقاء على قياس تسمية علم الكلام بذلك ، وذلك لان ثبوتهما موقوف على ثبوت قادر حكيم منزل للكتب مرسل للرسل للدعوة إلى دار الجزاء ، وبقاءهما على وجود إمام معصوم حافظ لهما عن التغيير والتبديل ، كذا قيل. وفيه ما فيه ، اللهم الّا ان يبنى الكلام على التغليب ، وإمّا لانّ الأمور المذكورة عمدة علم الكلام فسمّيت باسمه تسمية لأشرف الأجزاء باسم الكلّ ، وإمّا لانّ صحّة الأعمال الدّينيّة موقوف على معرفة تلك الأمور إجماعا. وهذا وجيه يناسب المقام جدّا.

أجمع العلماء كافّة ، الاجماع فى اللّغة الاتّفاق ، وفى الاصطلاح اتّفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمّد (ص) على أمر من الأمور. ومدار اتّفاق أهل الحلّ والعقد عندنا على دخول المعصوم فى المتّفقين ، وهذا بأن يكون بعضهم مجهول النّسب بحيث يحتمل كونه معصوما ولا يخالفهم أحد مجهول النّسب ، كذلك على ما يستفاد من بعض الكتب

٧١

المعتبرة. فعلى هذا أهل الحلّ والعقد أعمّ من أن يكون جميع العلماء أو بعضهم. ولا يخفى أنّ المتبادر من الجمع المحلّى باللّام ومن قوله كافّة أى جميعا أنّ هذا الاجماع من القسم الأوّل ، وليس كذلك لأنّ جمهور المخالفين غير متّفقين فى الأصول المذكورة ، ضرورة انّهم لا يقولون بوجوب العدل على الله تعالى ولا بوجوب الامامة ، بل ينكرون الامامة بالمعنى المقصود ، وعلى الوجه المذكور هاهنا ، ولا بوجوب المعارف بالدّليل بل يعتبرون إيمان المقلّد ، فلا بدّ أن يحمل الاجماع على إجماع الفرقة النّاجية ، ويجعل تعميم اللّفظ مبنيّا على تنزيل المخالفين منزلة العدم فكان الاجماع عامّ.

ثمّ الظّاهر أنّ ذكر الاجماع هاهنا للاحتجاج به على وجوب المعارف الأصوليّة بالدليل ، ولا شكّ انّ إجماع الفرقة النّاجية حجّة عندنا وان كان منقولا بخبر الآحاد على ما تقرّر فى الأصول. ولذلك المطلب أدلّة أخرى سنتلوها عليك عن قريب.

على وجوب معرفة الله تعالى ، أى التّصديق بوجوده. واختلف فى انّ لفظة الله علم للذات المقدّسة المشخّصة ، أو موضوع لمفهوم كلّى ، هو مفهوم الواجب الوجود لذاته والمستحقّ للعبادة. والمختار عند المحقّقين هو الأوّل ، لكن المناسب لهذا المقام أن يحمل على مفهوم الواجب الوجود لذاته ، إذ المطلوب هاهنا إثبات أنّ فى الخارج موجودا واجبا لذاته متّصفا بالصّفات الثّبوتية والسّلبيّة وما يصحّ عليه وما يمتنع عليه على ما لا يخفى.

وعلى وجوب معرفة صفاته الثّبوتيّة ، كالعلم والقدرة ، وعلى وجوب صفاته السّلبيّة كعدم الجسميّة والعرضيّة بمعنى التّصديق باتّصافه بهما. وهذه الثّلاثة إشارة إلى باب التوحيد.

والثّبوتى قد يطلق على الموجود فى الخارج والسّلبى على ما يقابله ، وقد يطلق على ما لا يكون السّلب معتبرا فى مفهومه ، والسّلبى على ما يقابله ، والمراد بهما هاهنا المعنيان الأخيران. وليس المراد بالصّفة ما قام بالغير كما هو المتبادر ، لأنّ ذلك يستدعى كون الصّفات زايدة على الذّات كما هو مذهب الأشاعرة وهو باطل عندنا لما سيجيء فى الصّفات السّلبيّة من

٧٢

نفى المعانى والأحوال ، بل الصّفات الثّبوتية عندنا عين الذّات كما هو مذهب الحكماء ، يعنى أنّ ما يترتّب فى الممكنات على صفات زائدة يترتّب فى الواجب على الذّات على ما ستعرفه ، وحاصله نفى تلك الصفات. فامّا أن يكتفى فى الصفة هاهنا بالقيام المطلق الشّامل للحقيقى والمجازى كما قيل فى معنى الوجود ، او يراد بها ما يحمل على شيء مواطاة كما فى قولهم وصف الموضوع ووصف المحمول على ان يكون المراد من الصّفات المفهومات الكليّة المحمولة عليه تعالى كالعلم المطلق والندرة المطلقة وغيرهما ، فليتأمّل.

وعلى وجوب معرفة ما يصحّ عليه وما يمتنع عليه ، أى التّصديق باتّصافه بما يصحّ طريانه أو الحكم به عليه من الأفعال الحسنة وعدم اتّصافه بما يمتنع طريانه أو الحكم به عليه او اتّصافه بسلب ما يمتنع طريانه أو الحكم به عليه من الأفعال القبيحة ، وعلى التّقديرين عطف قوله يمتنع على قوله يصحّ ليس على ما ينبغى كما لا يخفى. وهذا إشارة إلى باب العدل بخلاف ما فى رسالة الالفية فانّه عبّر فيها عن الصّفات الثّبوتيّة والسلبيّة بما يصحّ عليه ويمتنع وعن باب العدل بالعدل والحكمة.

وعلى وجوب معرفة النّبوة والإمامة والمعاد ، اى التّصديق بنبوّة النّبيّ وإمامة الأئمّة الاثنى عشر ـ عليه وعليهم السّلام ـ وثبوت المعاد. وانت تعلم انّ هذه المعارف ليست متناسبة ولا مناسبة للمعارف السّابقة ، اللهم الا أن يفسّر النّبوة بإرسال النّبيّ ، والامامة بنصب الأئمّة ، والمعاد بإعادة الأرواح إلى الأجساد ، فيكون معرفتهما بمعنى التّصديق باتّصافه تعالى بها على وفق ساير المعارف.

بالدّليل ، لا بالتّقليد متعلّق بالمعرفة المضافة إلى الأصول المذكورة.

والدليل عند الأصوليّين ما يمكن التوصّل بصحيح النّظر فيه إلى مطلوب خبرىّ وعند المنطقيّين هو المركّب من قضيّتين للتّأدّى إلى مجهول نظرىّ. وقيل ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر.

والتّقليد اعتقاد غير ثابت بحيث يمكن زواله بتشكيك المشكّك. ولا يخفى عليك أنّ الدليل أعمّ من أن يكون يقينيّا مفيدا لليقين وهو الاعتقاد الجازم الثّابت المطابق

٧٣

للواقع ، أو ظنّيا مفيدا للظّنّ وهو الاعتقاد الغير الجازم ، أو جهليّا مفيدا للجهل وهو الاعتقاد الغير المطابق للواقع ، أو تقليديّا مفيدا للتّقليد كما عرفت.

فالمراد من الدليل ما عدا الدّليل التّقليدى ، أو المراد من التّقليد التّقليد المحض الخالى عن الدّليل ، ويؤيّده قولهم فى تفسيره أنّه قبول قول الغير من غير حجّة. ومعنى معرفة الأصول بالدّليل أن يحصل العلم بها منه ويطمئنّ القلب به فيها ، سواء كان علما تفصيليّا مقارنا بمعرفة أحوال الأدلّة وشرائطها بالتّفصيل حتّى يقدر بها على دفع الشّبهة والشّكوك ، أو علما اجماليّا غير مقارن بها لانّه الواجب العينىّ ، وأما العلم التفصيليّ على الوجه المذكور فهو واجب كفائىّ.

والحاصل أنّ معرفة الأصول على وجهين : أحدهما واجب عينا وهو حاصل لعوامّ المؤمنين ، والآخر واجب على الكفاية وهو الحاصل لعلماء الأعصار ، كلّ ذلك مصرّح به فى محلّه.

واعلم أنّ هاهنا مقامين :

أحدهما وجوب المعارف الاصوليّة على المكلّفين ، وثانيهما وجوب الاستدلال عليها ، والدليل على كلّ منهما عقلىّ ونقلىّ.

أمّا العقلى فهو أنّ شكر الله تعالى لكونه منعما على الاطلاق ولدفع الضّرر عن النفس وهو خوف العقوبة بسلب النعم للكفران واجب عقلا ، ولا شكّ انه موقوف على معرفته تعالى فيكون معرفته واجبة قطعا ، واذا كانت معرفته واجبة كان الاستدلال عليها واجبا أيضا ، لانّها نظريّة موقوفة على النّظر والدّليل ، والمقدور الّذي يتوقّف عليه الواجب المطلق واجب كوجوبه قطعا.

وأما النّقلى فكقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ). والأمر للوجوب واذا كان معرفة الله تعالى واجبة وهى لا تتمّ إلّا بالاستدلال لكونها نظريّة ، وما لا يتمّ الواجب المطلق الّا به فهو واجب ، فيكون الاستدلال عليها واجبا أيضا. وكقوله تعالى (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). والمراد من النّظر هو الاستدلال فى معرفة الله تعالى

٧٤

بالآفاق والأنفس على ما قالوا ، والامر للوجوب. وكقوله (ص) ـ حين نزل قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) إلى آخر الآية ـ : ويل لمن لاكها بين لحييه ولم يتفكّرها أى تلفّظ بهذه الآية من غير أن يتجاوز بين العظمين اللّذين فى طرف فمه إلى قلبه. وحاصله أن لا يتفكّر فى دلائل المعرفة المندرجة فى الآية كما فسّره آخر الحديث. والوعيد على ترك الفعل يدلّ على وجوبه ، فيكون معرفة الله تعالى والاستدلال عليها واجبين ، هذا خلاصة ما ذكروا فى المقام. وفيه نظر من وجوه :

الأوّل ، أنّه إنّما يدلّ على وجوب معرفة الله تعالى مطلقا لا على وجوب معرفة الأصول الخمسة المذكورة هاهنا ، نعم يكفى وجوب معرفته تعالى مطلقا فى إثبات وجوب النّظر فى معرفته عقلا أو شرعا على ما هو المتنازع فيه بين المعتزلة والاشاعرة ، لكن المدّعى هاهنا وجوب المعارف الأصولية على ما سيجيء تفصيله.

الثانى ، انّ الحكم بكون تلك المعارف نظريّة بالنّسبة إلى جميع المكلّفين ممنوع لجواز أن يكون بعضهم بحيث يحصل له جميع تلك المعارف أو بعضها بالبديهة لا بالدّليل كالنّبىّ والأئمة المعصومين ـ عليه وعليهم السّلام ـ ويؤيد ذلك ما نقل عن الغزالى والرّازى انّ وجود الواجب بديهىّ لا يحتاج الى نظر. وما قال بعض المحققين فى ردّه من أنّ دعوى البديهة بالنّسبة إلى جميع الأشخاص فى محلّ المنع ، ولان سلّم فلا ريب فى أنّ ساير صفاته تعالى نظريّة لا يجدى بطائل من وجوده كما لا يخفى. وغاية التوجيه أن يقال : المراد من المكلّفين أوساطهم الذين يحتاجون فى تلك المعارف إلى النّظر على قياس استثناء المؤيّدين من عند الله بالنّفوس القدسيّة من بيان الحاجة إلى المنطق فى كتبه ، لكن لو قال : بالتحقيق لا بالتقليد لكان أحسن. اذ الظّاهر انّ حصول المعارف الأصولية بالبديهة كاف فى الايمان بالطريق الاولى على ما يخفى.

الثالث ، ان النّبي (ص) والائمّة ـ عليهم السّلام ـ كانوا يكتفون من العوامّ بالاقرار باللّسان والانقياد لأحكام الشّرع ويقرّرونهم على الايمان بمجرّد ذلك من غير

٧٥

استفسار عن النّظر والاستدلال ، بل مع العلم بعدم حصولهما لهم ، ولو كانت المعارف بالدّليل واجبة لما جازت ذلك.

واجيب بانّهم كانوا عالمين بانّهم يعرفون الأدلّة كما قال الأعرابى : البعرة تدلّ على البعير وأثر الأقدام على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج أما يدلّان على الصّانع الخبير. غاية ما فى الباب أنّه لم يكن العلم التّفصيلى بأحوال الادلّة ، وذلك غير قادح فى المعرفة الواجبة على الأعيان كما عرفت.

وفى تلك الادلّة أبحاث اخر لا يليق ايرادها فى هذا المختصر.

فلا بدّ من ذكر ما لا يمكن ، أى لا يصحّ ولا يجوز شرعا جهله على أحد من المسلمين وهو الأصول المذكورة وادلّتها. ومن جهل شيئا منه عطف على قوله لا يمكن أى لا بدّ من ذكر الأصول وادلّتها الّتي من جهل شيئا منها خرج عن ربقة المؤمنين. الرّبقة فى اللغة الحبل الّذي يربط به البهم. والمراد هاهنا هو الايمان على سبيل الاستعارة المصرّحة تشبيها له بذلك الحبل لكونه جامعا للمؤمنين حافظا لهم عن الضّلال كالحبل للبهم. ويحتمل أن يكون لفظ المؤمنين استعارة بالكناية عن البهم والرّبقة استعارة تخييليّة ، وعلى التقديرين يكون ترشيحا.

والظاهر أنّ المقصود من هذا الكلام هو الاشارة إلى وجه إلحاق الباب الحادى عشر بمختصر المصباح ، والفاء للتفريع على ما سبق. وحاصله أنّه لما ثبت وجوب معرفة الاصول المذكورة بالدّليل ثبت أنّه لا بدّ من إيراد تلك الأصول مع أدلّتها حتى يحصل معرفتها ، لاستلزام جهلها الخروج عن ربقة المؤمنين. فوجب الحاق هذا الباب بذلك الكتاب حتى يكون مشتملا على ما يتوقّف عليه الانتفاع بأصله من العبادات ، فعلى هذا قوله ما لا يمكن ... من قبيل وضع المظهر موضع المضمر ، للتّنبيه على وجه التفرّع مع المبالغة وزيادة التّمكين. ويؤيّده اختيار ظاهر مشتمل على ما هو تكرار لما سبق بحسب المعنى مع التعبير عن عدم الصّحة بعدم الامكان. وإنّما خصّ وجوبها هنا بالمسلمين مع انّها واجبة على جميع المكلّفين كما صرّح به سابقا ، تعريضا على المخالفين بانّهم مع كونهم

٧٦

مسلمين خوارج عن ربقة المؤمنين ودواخل فى نار جهنّم خالدين.

ولهذا قال : واستحقّ العقاب الدّائم.

وتفصيل الكلام فى المقام أنّهم اختلفوا فى أن الايمان عين الاسلام او غيره ، فعند بعضهم هو عينه وعند المحقّقين غيره واخصّ منه ، إذ الاسلام هو تصديق النّبي (ص) فيما علم مجيئه به ضرورة بالقلب واللّسان. والايمان هو هنا التصديق مع المعارف الخمس الأصولية بالدّليل وهو المختار عند المصنّف.

أمّا القول بأنّ من لم يحصل له المعارف الأصولية بالدليل مخلّد فى النّار ومستحقّ للعقاب الدّائم فلظواهر النّصوص الدالّة على ذلك ، مثل حديث : ستفرق أمّتى على ثلاثة وسبعين فرقه كلّهم فى النّار إلّا واحدة وحديث : مثل أهل بيتى كمثل سفينة نوح كما هو المشهور.

أمّا القول بأنّه خارج عن الايمان فلاتّفاق الفرقة الناجية على انّ المؤمن بالمعنى الأخصّ لا يكون مخلّدا فى النّار ، ولا يخفى ان هذه الادلّة ظنّيّات لا تفيد اليقين بالمطلوب.

واستدلّ بعض الشّارحين على المدّعى الثّاني بأنّ الايمان هو التّصديق القلبى واللّسانى بكلّ ما جاء به النّبيّ وعلم مجيئه به بطريق تواترىّ ، والجاهل بالأصول الخمس ليس مصدّقا بذلك ، وعلى الأوّل بانّ استحقاق الثّواب موقوف على الايمان ، وقد ثبت انّه غير مؤمن فلا يكون مستحقّا للثّواب ، وكلّ من لا يستحقّ الثّواب يستحقّ العقاب الدائم ، ضرورة أنّ المكلف لا يخلوا عن أحد الاستحقاقين قطعا.

وفى كلا الدّليلين نظر :

أمّا فى الأوّل فلانّ ثبوت التّواتر فى جميع الأصول الخمس ممنوع.

وأمّا فى الثّاني فلانّا وإن سلّمنا انّ الجاهل بتلك الأصول ليس مؤمنا وانّ استحقاق الثّواب موقوف على الايمان ، لكن لا نسلّم انّ المكلّف لا يخلوا عن أحد الاستحقاقين دائما بل لا يخلو عن أحدهما فى الجملة ، وحينئذ لا يلزم من انتفاء استحقاق الثّواب استحقاق العقاب الدّائم بل استحقاقه فى الجملة على ما لا يخفى.

٧٧

وقد رتّبت هذا الباب ، الواو إمّا للعطف على ما يتضمّنه الكلام السّابق أى فالحقت الباب الحادى عشر لمختصر المصباح وقد رتّبته على سبعة فصول. وإمّا للحاليّة الاستيناف.

والتّرتيب فى اللغة جعل كل شيء فى مرتبته ، وفى الاصطلاح جعل الأشياء المتعدّدة بحيث يطلق عليها اسم الواحد ، ويكون لبعضها نسبة إلى بعض بالتقديم والتأخير.

والمتبادر هو المعنى الاصطلاحى ، لكن لاشتمال المعنى اللّغوى على المدح يستدعى حمل الترتيب عليه. وعلى التقديرين لا بدّ من اعتبار تضمين أو تقدير فى الكلام حتى يصحّ التعدية ب على كما هو مشهور بين المحصّلين. وحمل الترتيب على معنى آخر غير مشهور كالتفريع وان كان مصحّحا للتعدية بها لكنه لا يخلو عن بعد كما لا يخفى.

واسم الاشارة إشارة الى المرتّب الحاضر فى الذّهن على التحقيق سواء كان الباب عبارة عن الألفاظ المخصوصة الدّالّة على المعانى المخصوصة على ما هو المختار من المعانى المشهور. فى اسماء الكتب واجزائها ، أو غيرها. وذلك للتنبيه على كمال وضوح ذلك المرتّب حتى كانّه محسوس مبصر. وصيغة المضىّ محمولة على ظاهرها ان اريد التّرتيب الذّهنى ، وعلى التجوّز إن اريد التّرتيب الخارجى ، اللهم الا ان تكون الدّيباجة إلحاقيّة.

ثمّ وجه التّرتيب على الفصول السّبعة انّ الأولى تقديم إثبات الذّات على إثبات الصّفات والأفعال ، وتقديم الصّفات على الأفعال ، وتقديم الصّفات الثّبوتيّة على السّلبيّة ، وتقديم الأفعال العامّة الثابتة فى النشأتين اعنى أحكام العدل على الخاصّة بإحداهما أعنى أحكام النبوّة والإمامة والمعاد ، وتقديم الاوّلين على الثّالثة ، وتقديم الأولى على الثانية ، كلّ ذلك للتقدّم بالذّات أو بالشّرف او بالزّمان ، كما لا يخفى على من تأمّل وألقى السّمع وهو شهيد.

٧٨

الفصل الأوّل

من الفصول السبعة

فى

إثبات واجب الوجود

أى فى بيان ثبوت ما صدق عليه مفهوم الواجب الوجود ، بمعنى انّ ما صدق عليه هذا المفهوم موجود فى الخارج ، ولا يخفى انّ هذا التّصديق موقوف على معرفة مفهوم الواجب الوجود لكونه ظرفا له ، ومفهوم الممكن الوجود معتبر فى مقدّمات دليله ، وهما إنّما يتّضحان غاية الاتّضاح بعد معرفة مقابلهما اعنى مفهوم الممتنع الوجود ، إذ الأشياء إنّما تعرف بأضدادها ، فلذا بيّن المصنّف المفهومات الثلاثة قبل الشّروع فى المقصود. فقال : فنقول : كلّ معقول وهو فى الاصطلاح المشهور ما حصل صورته فى ذات العقل ، ويقابله المحسوس والمخيّل والموهوم ، وقد يطلق ويراد به ما يقابل المحسوس بإحدى الحواسّ الظّاهرة ، وقد يطلق ويراد به المعلوم مطلقا وهو ما حصل صورته عند الذّات المجرّدة وهو المراد هاهنا ، وتفسيره بالصّورة الحاصلة فى العقل كما وقع فى بعض الشروح ليس على ما ينبغى. ولا يخفى انّ لفظة كلّ هاهنا لم تقع موقعها لانّها لاحاطة الافراد والتقسيم إنّما يكون للمفهوم ، اللهم إلّا أن يقال ذكرها للتنبيه على كون التّقسيم حاصرا ، كما انّها قد يذكر فى التّعريفات للتّنبيه على كونها جامعة او مانعة. فلو قال : المفهوم إمّا أن يكون واجب الوجود فى الخارج لذاته ، وإمّا أن يكون ممكن الوجود

٧٩

فى الخارج لذاته ، وإمّا ان يكون ممتنع الوجود فى الخارج لذاته لكان أظهر وأولى ، كما لا يخفى.

وانّما قيّد الوجود بقوله فى الخارج مع انّ المتبادر من الوجود هو الوجود الخارجى ، تنبيها على انّ المقصود هاهنا تقسيم المعقول بالقياس إلى الوجود الخارجى إلى الأقسام الثّلاثة ، وإلّا فالوجوب والامكان والامتناع كيفيّات لنسبة المحمولات الى الموضوعات ، سواء كان المحمول نفس الوجود الخارجى أو غيره من المفهومات.

ثم المشهور فى تفصيل هذا التقسيم انّ المفهوم إن كان ذاته مقتضيا للوجود فهو الواجب لذاته ، وان كان ذاته مقتضيا للعدم فهو الممتنع لذاته ، وإن لم يكن ذاته مقتضيا لشيء منهما فهو الممكن لذاته.

وفيه بحثان :

الأوّل ، انّ هذا التّقسيم لا يتمّ على مذهب الحكماء من انّ الوجود الواجب عينه وهو المختار عند أهل الحق من الفرقة الناجية ضرورة انّ الاقتضاء يقتضي المغايرة بين المقتضى والمقتضى ، فالواجب على رأيهم يخرج عن قسم الواجب لذاته ويدخل فى قسم الممكن لذاته.

وقد يجاب عنه بأنّ هذا التّقسيم للشّيء بالقياس الى الوجود والعدم ، وذلك لا يتصوّر إلّا فيما له وجود أو عدم مغاير لذاته فالواجب على رأيهم خارج عن المقسم. وأمّا الواجب بمعنى ما يكون ذاته مقتضيا لوجوده فهو داخل فى المقسم فى بادى الرأى وان لم يكن متحقّقا فى نفس الأمر ، بل التحقيق يقتضي امتناعه. والتقسيم المذكور انما هو بحسب الاحتمال العقلى لا بحسب نفس الأمر.

ويرد عليه انّه لا يخفى على المنصف انّ الغرض من هذا التّقسيم تحصيل مفهوم الواجب لذاته المتفرّع عليه إثباته وخواصّه ، واذا كان الواجب خارجا عن المقسم يكون التّقسيم بالحقيقة لغير الواجب ويكون الواجب المذكور ممتنعا ، فكيف يثبت وكيف يتفرّع عليه خواصّه؟

٨٠