الباب الحادي عشر

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الباب الحادي عشر

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الدكتور مهدي محقّق
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٩٢

فقد بعد عن المقصود وهاهنا بحث من وجهين :

أحدهما انّا لا نسلّم أنّ كلّ واحد من أجزاء الجسم جوهر ، لجواز تقوّم الجوهر بالعرض كالسّرير المركّب من القطع الخشبيّة والهيئة الاجتماعية على التّحقيق.

وجوابه أنّ الكلام هاهنا مبنى على ما هو المشهور من امتناع تقوّم الجوهر بالعرض ، على انّه اذا ثبت حدوث الأجزاء الجوهريّة ثبت حدوث الأجزاء لما سيجيء من انّ حدوث الجوهر يستلزم حدوث الأعراض قطعا.

وثانيهما ان حصر التحيّز فى الحركة والسكون ممنوع ، لجواز أن يكون كونا أوّلا فى حيّز أوّل كما فى آن الحدوث فلا يكون حركة ولا سكونا.

وأجيب عنه بأنّ هذا المنع لا يضرّ لما فيه من تسليم المدّعى على أنّ الكلام فيما ثبت وجوده من العالم وهى الأعيان الّتي تعدّدت فيه الأكوان وتجدّدت عليه الأعصار والأزمان.

أقول فيه نظر ، لانّما إنّه إنّما يتم إذا أورد المنع المذكور على حصر التحيّز بالنّسبة إلى ذات المتحيّز مع قطع النّظر عن غيره فى الحركة والسّكون من حيث أنّه مقدّمة لدليل حدوث العالم. وأمّا إذا أورد على حصره فيهما من حيث أنّه من المقدّمات الكلاميّة ، فإنّ جمهور المتكلّمين حصروه فيهما فى بيان حصر مطلق التحيّز فى الأكوان الأربعة وهى الحركة والسّكون والاجتماع والافتراق فهو نافع موجّه ، ولهذا قال بعضهم انّه لا ينحصر فى الأربعة لمكان القسم الخامس وهو الكون الأوّل ، وغيّروا تعريف السّكون إلى عدم الحركة حتى يشتمل الكون الأوّل. وعلى هذا لا يقدح فى ذلك المنع تخصيص الكلام بالأعيان الّتي فيه يتعدّد الأكوان على أنّ تخصيص الكلام بتلك الأعيان لا يدفع ذلك المنع على تقدير ايراده على مقدّمة الدّليل أيضا إذ لا يثبت عدم انفكاك تلك الأعيان الحركة والسّكون فلا يتمّ التّقريب.

واعلم انّ المراد بأوّليّة الكون وثانويّته أعمّ من أن يكون بحسب ذاته او بحسب الآن الّذي يقارنه ، فلا اشكال فى تعريف الحركة والسّكون سواء بنى الكلام على القول

١٠١

بتجدّد الأكوان بحسب الآنات أولا ، كما توهّم بعضهم على ما لا يخفى وهما ، أى الحركة والسّكون حادثان لاستدعائهما المسبوقيّة بالغير ضرورة انّ الحركة مسبوقة بالكون فى الحيّز الأوّل سبقا زمانيّا ، والسّكون مسبوق بالكون الأوّل فى هذا الحيّز كذلك ، وما لا ينفكّ عن الحوادث فهو محدث بالضّرورة ، ضرورة انّه لو كان قديما يلزم قدم الحادث وهو محال قطعا.

وفيه بحث وهو ان عدم انفكاك الشّيء عن الحادث عبارة عن كونه بحيث لا يجرى عليه زمان إلّا ومعه حادث فيه ، ويجوز ان يكون القديم بحيث لا ينفكّ عن حادث بهذا المعنى بأن يتّصف فى كلّ زمان من الأزمنة الماضية بواحد من الحوادث على سبيل البدليّة لا إلى بداية ، وعلى هذا لا يلزم قدم الحادث لجواز أن يكون المطلق قديما والجزئيات بأسرها حادثة كما هو مذهب الحكماء فى الحركات الفلكيّة.

نعم لو ثبت انّ الحركة والسّكون المطلقتين حادثان يلزم أن يكون ما لا ينفكّ عنها محدثا ، لكنّ الدّليل المذكور لا يدلّ على ذلك لجواز أن يكون المسبوق بالغير منهما هو الأشخاص الغير المتناهية لا الماهية من حيث هى هى ولا الفرد المنتشر.

وأجيب عنه بأنّه إذا كان كلّ واحد من الجزئيّات حادثا يلزم أن يكون الماهيّة من حيث هى هى والفرد المنتشر حادثين ، ضرورة أنّه لا وجود للمطلق إلّا فى ضمن الجزئىّ فلا يتصوّر قدم المطلق مع حدوث كلّ واحد من الجزئيّات.

وردّ بأنّ المطلق كما يوجد فى ضمن كلّ جزئىّ له بداية ، كذلك يوجد فى ضمن مجموع الجزئيّات الّتي لا بداية لها ، فيجوز أن يكون قديما باعتبار وجوده فى ضمن المجموع وان كان حادثا باعتبار وجوده فى كلّ واحد منها ، لامكان اتّصاف المطلق بالمتقابلات بحسب الاعتبارات. فالصّواب أن يجاب بتناهى الجزئيّات بناء على برهان التّطبيق على رأى المتكلّمين.

اقول : فيه نظر ، لانّه إذا كان كلّ واحد من الجزئيّات حادثا كان المجموع من حيث هو مجموع أيضا حادثا ، ضرورة انّ حدوث الجزء يستلزم حدوث الكلّ ، ومن

١٠٢

البيّن انّه ليس للمطلق وجود غير وجود كلّ واحد من الجزئيّات ووجود المجموع فلا محالة يكون حادثا أيضا.

أما حدوث القسم الثالث فلانّه لما ثبت أنّ الأعيان محدثة ومن البيّن انّ وجود الأعراض يتوقّف على وجود الأعيان ، ثبت أنّ الأعراض محدثة أيضا ، فإنّ ما يتوقّف على الحادث حادث بالضّرورة ، فثبت أنّ العالم بجميع أجزائه محدث وهو المطلوب.

واعترض عليه بان حصر العالم فى الأقسام الثّلاثة ممنوع ، لجواز أن يكون منه ما لا يكون متحيّزا أصلا كالعقول والنّفوس المجرّدة الّتي قال بها الحكماء ، والبعد المجرّد الّذي قال به افلاطون ومن تابعه والأعراض القائمة بها.

وأجيب عنه بأنّ المدّعى حدوث ما ثبت وجوده من العالم وهو الأجسام وأجزائها والأعراض القائمة بها ، وأمّا المجرّدات والأعراض القائمة بها فلم يثبت وجودها كما لم يثبت عدمها على ما بيّن فى محلّه.

وأنّت تعلم انّه على هذا لا يتفرّع على حدوث العالم قوله فيكون المؤثّر فيه هو الله تعالى ، أى الواجب لذاته لوجوب انتهاء الممكنات إليه ، وإلّا لزم الدّور او التّسلسل قادرا مختارا ، وذلك لجواز أن ينتهى ما ثبت وجوده وحدوثه من الممكنات إلى ما لم يثبت وجوده وحدوثه منها كالمجرّدات ، فيكون ذلك المجرّد قديما فيؤثّر فى الممكنات الحادثة على سبيل الاختيار ، ويؤثّر فيه الواجب لذاته على سبيل الإيجاب ، فلا يثبت كونه تعالى قادرا مختارا.

ولمّا كان ذلك التفريع نظريّا محتاجا إلى البيان مع قطع النّظر عن ذلك الاحتمال ، بيّنه بقوله لانّه لو كان موجبا ، أى لو كان الله المؤثّر فى العالم موجبا فى إيجاده ، فإمّا أن يكون موجبا بالاستقلال ، أو بشرط قديم أو حادث وعلى كلّ تقدير لم يتخلّف أثره عنه بالضّرورة ،

أمّا على التّقديرين الأوّلين فظاهر ، ضرورة امتناع تخلّف المعلول عن علّته المستقلّة ، وأمّا على التقدير الثّالث فلانّ ذلك الشّرط الحادث أيضا اثر له تعالى ، فهو

١٠٣

إمّا ان يكون مؤثّرا فيه بالاستقلال أو بشرط قديم أو حادث فإن كان مؤثّرا فيه بالاستقلال أو بشرط قديم امتنع تخلّفه عنه قطعا ، وان كان مؤثّرا فيه بشرط حادث ننقل الكلام إليه وهلمّ جرّا.

فإمّا أن ينتهى إلى حادث يكون الله تعالى مؤثّرا فيه بالاستقلال أو بشرط قديم أو يدور أو يتسلسل ، والدّور والتّسلسل باطلان بناء على برهان التّطبيق على رأى المتكلّمين فتعيّن الأوّل فيلزم امتناع تخلّف أثره عنه ضرورة. واذا كان تخلّف اثره عنه ممتنعا فيلزم إمّا قدم العالم على تقدير أن يكون علّته المستقلّة قديمة أو حدوث الباري تعالى على تقدير أن يكون علّته المستقلّة حادثة ، اذ المفروض أنّ الشّرط قديم ، فلو كان الله تعالى قديما يلزم أن يكون العلّة المستقلة قديمة ، هذا خلف.

وهما ، أى قدم العالم ، وحدوث الله تعالى باطلان. أما الأوّل فلانّه قد ثبت حدوث العالم ، وأمّا الثّاني فلان الواجب لذاته لا بدّ أن يكون قديما بالضّرورة. فقد انشرح بما شرحنا الكلام انّه لا حاجة إلى تخصيص الكلام هاهنا بالتقديرين الأوّلين من التقادير الثّلاثة المذكورة فى كونه تعالى موجبا وإبطال التّقدير الثّالث بدليل آخر كما توهّمه بعض الشّارحين.

وهاهنا بحث وهو انّ الحصر فى تلك التقادير ممنوع ، لجواز ان يكون الله تعالى موجبا بشروط عدميّة متجدّدة إلى غير النّهاية ، والتّسلسل فى الأمور الاعتباريّة ليس بمحال اتّفاقا على ما مرّ.

لا يقال : التّسلسل فى الأمور العدميّة المتجدّدة يستلزم التّسلسل فى الأمور الموجودة فى الخارج ، ضرورة انّ العدم رفع الوجود وذلك محال مطلقا على رأى المتكلّمين كما عرفت.

لأنّا نقول : هذا إنّما يتم إذا كانت تلك الأمور عدميّة بمعنى رفع الوجود فى نفسه ، وامّا إذا كانت عدمية بمعنى رفع الوجود لغيره ، او كانت ثبوتية غير موجودة فى الخارج كمراتب العدد فلا كما لا يخفى.

١٠٤

فالجواب انّ تلك الأمور العدميّة لا بد أن يكون متحقّقة فى نفس الأمر وإن لم يكن موجودة فى الخارج ، وكذا الوجودات السّابقة عليها لو كانت ، وبرهان التّطبيق كما يدلّ على بطلان التّسلسل فى الأمور الموجودة فى الخارج كذلك يدلّ على بطلان الأمور الموجودة فى نفس الأمر بلا تفاوت على ما تقدّم.

اقول : بقى هنا انّ هذا الدّليل يمكن إجرائه فى نفى القدرة والاختيار بأن يقال : لو كان الله تعالى قادرا مختارا لم يتخلّف أثره عنه بالضّرورة ، لأنّ تاثيره فى العالم بالاختيار إمّا أن يكون على سبيل الاستقلال أو بشرط قديم أو حادث وعلى كلّ تقدير يمتنع تخلّف الأثر عنه قطعا لعين ما ذكر ، وما هو جوابنا فهو جوابكم. والفرق بأنّ الشرط على تقدير الاختيار هو تعلّق الإرادة وعلى تقدير الإيجاب غيره ليس بمؤثّر على ما لا يخفى. وسيأتى فى بحث الإرادة ما يتعلّق بهذا المقام ويفيد مزيد كشف للمرام.

ولمّا بيّن انّه تعالى قادر ردّا على الحكماء أراد أن يبين أنّ قدرته شاملة لجميع الممكنات ردّا على الثّنوية حيث زعموا أنّه تعالى لا يقدر على الشّر ، وعلى النّظام حيث ذهب الى أنّه تعالى لا يقدر على القبائح ، وعلى البلخى حيث ذهب الى أنه تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد ، وعلى اكثر المعتزلة حيث ذهبوا الى أنّه تعالى لا يقدر على نفس مقدور العبد ، فقال :

قدرته تعالى متعلّق بجميع المقدورات ، أى الممكنات بالإمكان الخاصّ ، وأمّا ما قيل فيه ردّا على الحكماء حيث زعموا أنّه تعالى لا يقدر على أكثر من واحد بناء على أنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد كما هو المشهور فهو مردود ، لأنّ سلب قدرته تعالى على أكثر من واحد بمعنى عدم إمكان ذلك عنه كما يدلّ عليه بيانهم ، وإلا فسلب القدرة بالمعنى المتنازع فيه غير مختصّ عندهم باكثر من واحد ، على انّ تحقيق مذهبهم أنّه لا مؤثر فى الحقيقة إلّا الله ، والوسائط شرائط وآلات كما حقّقه بعض المحققين وعلى هذا يلزم كونه تعالى قادرا عندهم على اكثر من واحد ، لكن لا من حيث انّه واحد بل من حيث تكثير الشّرائط والآلات كما لا يخفى.

١٠٥

لأنّ العلة المحوجة الى المؤثّر القادر هى الإمكان وهو مشترك بين جميع الممكنات. فبعد ما ثبت أنّ قدرته تعالى متعلّق ببعض الممكنات يلزم ان يكون شاملا لجميعها ، ضرورة انّ اشتراك العلّة يستلزم اشتراك المعلول.

اقول : فيه نظر ، لانّه مبنىّ على ما ذهب إليه الحكماء من أنّ علة الاحتياج إلى المؤثّر هى الإمكان وحده وهو ممنوع ، لجواز أن يكون علّة الاحتياج إليه هى الحدوث وحده أو الامكان مع الحدوث شرطا او شطرا ، كما هو عند المتكلّمين ، ولو سلّم انّ الإمكان وحده علّة الاحتياج فلا نسلّم انه علّة الاحتياج إلى المؤثّر القادر ، لانّ المؤثّر أعمّ من القادر والموجب ، وعلّة الاحتياج إلى الأعمّ لا يلزم أن يكون الاحتياج إلى الاخصّ ، ولو سلّم ذلك فلا نسلّم انّه علّة الاحتياج إلى القادر الّذي هو الله تعالى ، إذا القادر أعمّ من أن يكون هو الله تعالى أو غيره. ويجوز أن يكون لبعض الممكنات كالممكنات الموجودة خصوصيّة بالنسبة إليه تعالى يقتضي تلك الخصوصيّة كونه مقدورا له ، وللبعض الآخر كالممكنات المعدومة خصوصية بالنسبة إلى غيره يقتضي تلك الخصوصية كونه مقدورا لذلك الغير ، ولو سلّم ذلك فلا نسلّم انّ علّة الاحتياج إلى القادر الواجب بلا واسطة ، والظّاهر انّ المدّعى هاهنا شمول قدرته تعالى بجميع الممكنات بلا واسطة كما هو كذهب المتكلّمين فليتأمّل.

لا يقال : هذا التّعميم ينافى ما تقرّر عند اهل الحقّ من انّ الله تعالى ليس فاعلا للشّرور والقبائح ولا للافعال الاختيارية للعباد ، ولهذا يقول النّظام انّه لا يقدر على القبيح واكثر المعتزلة انّه لا يقدر على نفس مقدور العباد.

لأنّا نقول : فرق بين تعلّق القدرة بشيء وتأثيرها فى وقوعه ، لأنّ معنى تعلّق القدرة بشيء تأثيرها فى صحّة وقوعه من الفاعل ، وهو لا يستلزم تأثيرها فى وقوعه لجواز أن يمنع مانع عن وقوعه وهو عدم تعلق الإرادة به ، إمّا لقبحه أو لحكمة كما فى الممكنات المعدومة ولما لم يفرّق النّظام وجمهور المعتزلة بين التّأثير فى صحّة الوقوع والتأثير فى الوقوع منعوا من تعلّق القدرة بالقبائح ومقدورات العباد. وأنت تعلم أنّه يلزمهم أن يتّفقوا على

١٠٦

عدم تعلّق قدرته تعالى بالشّرور والقبائح ومقدورات العباد والمعدومات الممكنة جميعا على ما لا يخفى.

والظّاهر أنّ قوله ونسبة ذاته أى الله تعالى إلى الجميع اى المقدورات بالسّويّة إشارة إلى دليل آخر على عموم قدرته لجميع الممكنات وهو المشهور فى إثبات هذا المطلب. وتقريره أنّ المقتضى للقدرة هو الذّات لوجوب استناد صفاته إلى ذاته ، والمصحّح للمقدوريّة هو الإمكان ، فانّ الوجوب والامتناع يحيلان المقدوريّة ، ونسبة الذّات إلى جميع الممكنات على السّواء ، فاذا ثبت قدرته على بعضها ثبت على كلّها.

وحاصله أنّ الذّات علّة مقتضية لمقدوريّة الممكنات ، وإمكانها يستلزم ارتفاع الموانع عن مقدوريّتها ، فلا جرم ثبت مقدوريتها بناء على وجود المقتضى وارتفاع الموانع.

اقول : فيه نظر ، لأنّ القول باقتضاء الذّات القدرة لوجوب استناد الصّفات إلى ذاته مبنىّ على مذهب الأشاعرة من أنّ الصّفات زائدة على الذّات مترتّبة عليها. وأمّا على مذهب المحقّقين من أنّها عين الذّات فليس هناك اقتضاء واستناد قطعا ، ولو سلّم ذلك فلا نسلّم أنّ الذّات يقتضي مقدوريّة الممكنات وتعلّق القدرة بها ، ولو سلّم فاستواء نسبة الذّات إلى جميع الممكنات ممنوع ، لجواز ان يكون لبعضها خصوصيّة تقتضى الذّات مقدوريّته ، دون بعض آخر ، ولو سلّم فلا نسلّم كون الإمكان مصحّحا للمقدوريّة ، وما ذكره فى بيانه إنّما يدل على أن لا يكون نفس الإمكان مانعا لا على كونه مصحّحا ومستلزما لارتفاع موانعها ، لجواز أن يكون هناك امر آخر يمنع عن مقدوريّة بعض الممكنات ، سواء كان ذلك الأمر فى ذاته أو فى غيره. وعلى هذا فالقول بأن هذا الاستدلال مبنىّ على ما ذهب إليه اهل الحقّ من أن المعدوم ليس بشيء خلافا للمعتزلة ، وانّ المعدوم لا مادّة له ولا صورة خلافا للحكماء وإلّا فعلى قاعدة الاعتزال يجوز أن يكون لبعض المعدومات المتميّزة خصوصيّة مانعة من تعلّق القدرة به وعلى قانون الحكمة يجوز ان يكون لبعض المعدومات مادّة مستعدّة لتعلّق القدرة به دون بعض لا يجدى نفعا ، لانّه فى الحقيقة كلام على السّند الأخصّ كما لا يخفى.

١٠٧

وقد جعل بعض الشّارحين مجموع المقدّمتين إشارة إلى دليل واحد على المطلوب ، وهذا وان كان ملائما لسياق الكلام ويؤيده قوله فيكون قدرته عامّة لكنّه مخالف لما هو المشهور فيما بينهم فتأمّل تعرف.

الصّفة الثّانية من الصّفات الثّبوتية أنّه تعالى عالم.

قد يطلق العلم ويراد به مطلق الإدراك وهو الصّورة الحاصلة عن الشيء عند الذّات المجرّدة ، وهو بهذا المعنى يعمّ التّصورات والتّصديقات اليقينية وغير اليقينيّة ، وقد يطلق ويراد به التّصديق اليقينى ، وقد يطلق ويراد به ما يتناول التّصديقات اليقينيّة والتّصورات مطلقا ، وهو بهذا المعنى يفسّر بانه صفة توجب تميزا لا يحتمل النقيض ، بناء على ما زعموا من أنّه لا نقيض للتّصوّرات. والأولى حمله هاهنا على هذا المعنى لأنّه المتبادر من لفظ العلم شرعا ولغة على ما قالوا ، ولانّ علم الله منحصر فى اليقين والتّصوّر ، ويمكن حمله على المعنى الأوّل على أن يكون المراد بالصّورة أعمّ من الصّورة العقليّة والخارجيّة ليشتمل العلم الحصولىّ والحضورىّ ، ضرورة أنّ علمه تعالى حضورى على ما حقّق فى محله.

وإنّما قدّم العلم على الحياة لانّ إثباتها يتوقّف على إثباته كالقدرة على ما ستطلع عليه ، لأنّه تعالى فعل اى اوجد وخلق الأفعال اى الآثار ، على ان يكون المراد من الفعل الحاصل بالمصدر المحكمة المتقنة ، الإحكام والإتقان متقاربان فى اللّغة ، والمراد بهما هاهنا اشتمال الآثار على لطائف الصنع وبدائع التّرتيب وكمال الملايمة للمنافع والمصالح المطلوبة منها ، وكل من فعل ذلك فهو عالم بالضّرورة ، أمّا الصّغرى فلما ثبت من أنّه تعالى خالق للعالم الواقع على نمط بديع ونظام منيع ، مشتمل على ما فى الآفاق والأنفس من عجائب القدرة وغرائب الصّنعة بحيث يتحيّر فيها العقول والأفهام ولا يفى بتفاصيلها الدّفاتر والأقلام.

وأمّا الكبرى فبالبديهة كما يشير إليه قوله : بالضّرورة وقد نبّه عليه بأنّ من راى خطوطا مليحة وسمع الفاظا فصيحة موضحة عن معان صريحة واغراض صحيحة علم قطعا انّ فاعلها عالم.

١٠٨

واعترض عليه بأنّ بعض الحيوانات العجم قد يصدر عنها أفعال متقنة محكمة فى ترتيب مساكنها وتدبير معايشها ، كما للنّحل والعنكبوت وكثير من الوحوش والطّيور على ما فى الكتب مسطور وفيما بين النّاس مشهور مع أنّها ليست من أولى العلم.

وأجيب بأنّه لو سلّم أنّ موجد هذه الآثار هو هذه الحيوانات فلم لا يجوز أن يكو لها من العلم قدر ما تهتدى به إلى تلك الآثار ويؤيّده قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً).

اقول : هذا الجواب إنّما يتمّ إذا قرّر السؤال بطريق النقض ، وأمّا إذا قرّر بطريق المنع على بداهة الكبرى بأنّه لما جاز صدور تلك الآثار عن هذه الحيوانات من غير علم فلم لا يجوز أن يكون ما نحن فيه أيضا كذلك لا بد لنفى ذلك من دليل. فلا يتمّ ، لأنّ ملاحظة تلك الآثار يوجب دغدغة للناظر فى دعوى البداهة كما لا يخفى. ثمّ أقول هذا الدّليل منقوض بالنّائم او ممنوع بأنّه فاعل للأفعال الحكمة المتقنة اختيارا عند الجمهور وإن كانت قليلة مع أنّه ليس عالما عندهم ، فلم لا يجوز أن يكون صانع العالم أيضا كذلك. والفرق بكثرة الآثار المحكمة وقلّتها وإن كان نافعا فى رفع النقض لكنّه غير نافع فى رفع المنع. على أنّه إن أريد من العلم فى الكبرى المعنى المختص باليقين من التّصديقات فهى ممنوعة ، لجواز أن يكون التّصديق الغير اليقينيّ كافيا فى خلق تلك الآثار المحكمة المتقنة ، وإن اريد المعنى الشّامل للتّصديقات اليقينيّة وغير اليقينيّة فهى مسلمة لكن لا يتمّ التّقريب ، إذا الظّاهر أنّ المطلوب إثبات العلم بالمعنى المختصّ بالتّصديقات اليقينيّة ومطلق التّصورات إليه سابقا.

وعلمه تعالى يتعلّق بكلّ معلوم ، اى كلّ ما من شأنه أن يعلم بوجه ما ، سواء كان واجبا او ممكنا ممتنعا ، وسواء كان ذاته أو غيره ، وسواء كان جزئيّا او كليّا ، حادثا أو قديما قبل وقوعه ، أو بعده لتساوى نسبة جميع المعلومات اى جميع الاشياء إليه ، أى إلى الله فى صحّة كونها معلومة له ، أو إلى علمه تعالى فى صحّة تعلّقه بها. والحاصل أنّه تعالى يصحّ أن يعلم كلّ شيء لانّه حىّ وكلّ حي يصحّ

١٠٩

أن يعلم كلّ معلوم ، أى كل شيء. أمّا الصّغرى فلما سيجيء الدّليل ، وأمّا الكبرى فلأنّ الحياة إمّا نفس صحّة العلم والقدرة ، أو صفة توجب صحّة العلم والقدرة ، وأيّاما كان فصحّة العلم المعتبرة فى مفهومها مشتركة بين جميع الاشياء ، لا اختصاص لها بشيء دون شيء فثبت انّه تعالى يصحّ أن يعلم كل شيء.

اقول : فيه نظر ، لأنّا لا نسلّم انّ صحّة العلم المعتبرة فى مفهوم الحياة مشتركة بين جميع الأشياء لجواز أن يكون لبعض الأشياء خصوصيّة تقتضى امتناع تعلّق العلم به كالممتنعات بالنسبة إلى القدرة هذا ، وإذا صحّ أن يعلم كلّ شيء فيجب له ذلك اى العلم لكلّ شيء لأنّ العلم صفة الكمال.

وحينئذ لو لم يجب لذاته أن يعلم لافتقر فى علمه ببعض الأشياء إلى غيره ، والتّالى باطل لاستحالة افتقاره فى صفة كمال إلى غيره على ما سيأتى بيانه فالمقدّم مثله.

أقول : ذلك الدّليل لو تمّ بجميع مقدّماته لزم أن يكون قدرته تعالى أيضا متعلّقة بجميع الأشياء بعين ما ذكره ، مع أنّها لا تتعلّق إلّا بالممكنات. وأيضا يمكن أن يستدلّ على أنّ علمه تعالى لا يمكن أن يتعلّق بالمعدومات كالعنقاء وشريك البارى بأنّ العلم بالأشياء يكون على وجهين : أحدهما يسمّى حصوليّا وهو حصول صور الأشياء فى القوى المدركة. وثانيهما يسمّى حضوريّا وهو حضور الأشياء أنفسها عند العالم كعلمنا بذواتنا ، وبالأمور القائمة بها ، وهو أقوى من الأوّل ، ضرورة أنّ انكشاف الشّيء لاجل حضوره بنفسه أقوى من انكشافه لاجل حصول مثاله ، ولما زادهم قائم البرهان عن القول بحصول صور الأشياء فى ذاته تعالى حكم بعضهم بأنّ علمه تعالى بالأشياء بحضورها أنفسها عنده ، وبعضهم بأنّ علمه بها بحصول صورها فى مجرّد آخر ، وإذا ثبت أن علمه تعالى إما حضوريّ أو حصولىّ بحصول صور الأشياء فى مجرّد آخر ، فنقول الثّاني باطل لاستلزام قيام العلم بغير العالم كما لا يخفى فتعيّن الأوّل كما هو المشهور. ومن البيّن أن العلم الحضورى لا يمكن أن يتعلّق بالمعدومات خصوصا الممتنعات ، إذ لا حقايق لها ثابته حتى نتصوّر حضورها بنفسها فتدبّر جدّا.

١١٠

واعلم انّ المصنّف قد اشار فى هذا الكلام إلى ردّ أقوال المنكرين بعموم علمه تعالى.

منهم من قال انّه تعالى لا يعلم ذاته ، لأنّ العلم نسبة والنسبة تقتضى تغاير المنتسبين ولا تغاير بين الشيء وذاته.

وأجيب عنه ، بانا لا نسلّم كون العلم نسبة محضه ، بل هو صفة حقيقيّة ذات نسبة إلى المعلوم ، ونسبة الصفة الى الذات ممكنة.

أقول : فيه نظر ، لأنّ العلم وإن لم يكن نسبة محضة بين العالم والمعلوم ، لكنّه يستلزم نسبة بينهما ، سواء كان المعلوم عين العالم أو غيره وهو كون العالم عالما لذلك المعلوم ، ولا شكّ ان هذه النسبة معتبرة بينهما بالذّات لا بالعرض كما توهّم ، فلا يجوز ان يكونا متّحدين.

فالصّواب فى الجواب أن يقال : التّغاير الاعتباري بين المنتسبين كاف فى تحقّق النسبة كما بين الحدّ التّام والمحدود ، على أنّه لو صحّ ما ذكره لزم أن لا يكون النّفس الإنسانيّة أيضا عالمة بذاتها بعين ما ذكره ، مع انّ ذلك بديهىّ البطلان فتأمّل.

ومنهم من قال انّه تعالى لا يعلم غيره مع كونه عالما بذاته ، وذلك لأنّ العلم صورة مساوية للمعلوم ومرتسمة فى العالم ولا خفاء فى أنّ صور الأشياء المختلفة مختلفة فيلزم بحسب كثرة المعلومات كثرة الصّور فى الذّات الأحدىّ من كل وجه.

وأجيب عنه بما سبق من أنّ علمه تعالى بالأشياء ليس بار تسام صورها فيه بل بحضورها أنفسها عنده.

اقول : يمكن أن يجاب بمنع كون العلم صورة مساوية للمعلوم ، لجواز أن يكون صورة مشتركة بينه وبين غيره كما فى العلم بشيء بوجه أعمّ منه ، وبما ذكره بعض المحقّقين من الفرق بين حصول الصّورة فى الذّات المجرّدة وبين قيامها بها ، وبمنع كونه تعالى أحديّا من كلّ وجه فتوجّه ، على إنّه لو تمّ لدلّ على امتناع كونه تعالى عالما بذاته أيضا على ما لا يخفى.

ومنهم من قال انّه تعالى لا يعلم الجزئيات الماديّة من حيث هى جزئيات بل بوجوه

١١١

كليّة منحصرة فيها ، لأنّها متغيّرة والعلم بالمتغيّر متغيّر ، فلو كان عالما بها من حيث هى جزئيات يلزم التغيير فى ذاته تعالى وهو محال.

والجواب عنه بوجهين :

الأوّل ، أنّه تعالى لما لم يكن مكانيّا كان نسبته الى جميع الامكنة على سواء فليس فيها بالقياس إليه قريب وبعيد ومتوسّط ، كذلك لمّا لم يكن هو وصفاته زمانيّة لم يتّصف الزّمان مقيسا إليه بالمضىّ والحاليّة والاستقباليّة ، بل كان نسبته على جميع الأزمنة على سواء ، وهى من الأزل الى الأبد بالقياس إليه بمنزلة نقطة الحال ، والموجودات فيها معلومة له فى كلّ وقت ، وليس فى علمه تعالى كان وكائن وسيكون ، بل هى حاضرة عنده فى أوقاتها فهو عالم بخصوصيّات الجزئيّات وأحكامها ، لكن لا من حيث دخول الزّمان فيها بحسب أوصافها الثّلاثة ، إذ لا يتحقّق لها بالنسبة إليه ، ومثل هذا العلم يكون ثابتا مستمرّا لا يتغيّر أصلا ، وان كان معلومه متغيّرا كالعلم بالكليّات.

الثّاني ، أنّه إنّما يلزم التغيّر فى إمر اعتباري هو تعلّق العلم بتلك الجزئيّات المتغيّرة وهو ليس بمحال ، وإنّما المحال هو التغيّر فى صفة موجودة فيه وهو ليس بلازم.

ثمّ المشهور أنّ ذلك القول مذهب الفلاسفة وقد شنّع عليه المتاخّرون حتى العلّامة الطّوسى مع توغّله فى الانتصار لهم ، وربما ينقل عنه ان من نسب هذا القول إليهم لم يفهم معنى كلامهم ، وذلك لأنّ الجزئيات الماديّة معلولة له تعالى وهو عاقل لذاته عندهم ، ومذهبهم ان العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول فكيف يتصوّر منهم نفى كونه تعالى عالما بها.

وقال بعض المحقّقين نفى العلم بالجزئيّات من حيث هى جزئيّات لا يستلزم نفى العلم بها مطلقا ، بل هم قائلون بأنّه تعالى عالم بها بوجوه كلّية. فالاختلاف فى نحو الإدراك لا فى أصله وذلك لا ينافى مذهبهم.

أقول : فيه نظر ، لانّه إنّما يتمّ إذا كان العلم بالشّيء أعمّ من أن يكون بذاته أو بأمر صادق عليه ، كما هو المشهور بين الجمهور ، وأمّا إذا كان مختصّا بالصّورة الأولى فإنّ المعلوم

١١٢

حقيقة فى الصّورة الثّانية هو الوجه ، وإنّما يوصف ذو الوجه بالمعلوميّة بالعرض كما هو التحقيق عند المحقّقين ، فلا يتمّ هذا الكلام كما لا يخفى على ذوى الأفهام.

ومنهم من قال أنّه تعالى لا يعلم الحوادث قبل وقوعها ، وإلّا يلزم أن يكون تلك الحوادث ممكنة وواجبة معا ، والثانى باطل ، فالمقدّم مثله. أمّا الشرطية فلأنّها ممكنة لكونها حادثة وواجبة أيضا لأنّ علمه تعالى بها يقتضي وجوبها ، ضرورة أنّ إمكانها يستلزم إمكان انقلاب علمه جهلا وهو محال.

وأجيب بأن العلم تابع للمعلوم فلا يكون علّة موجبة له ، ولو سلّم فالإمكان الذّاتي لا ينافى الوجوب بالغير.

أقول : يمكن أن يقال لو صحّ ذلك الدّليل لزم أن لا يتعلّق علمه تعالى بالحوادث بعد وقوعها أيضا بعين ما ذكره ، بل يلزم أن لا يوجد ولا يعدم ممكن أصلا ، ضرورة أنّ كلّ ممكن موجود محفوف بوجوبين ، وكذا كلّ ممكن معدوم محفوف بامتناعين ، وكما انّ الوجوب ينافى الإمكان كذلك الامتناع ينافيه قطعا.

وقد يتمسّك فى كونه تعالى قادرا وعالما بالكتاب مثل قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وبالسّنّة وإجماع الأمّة على ذلك ، بل على كونه تعالى متّصفا بصفات الكمال مطلقا ، ومنزّها عن صفات النّقصان جميعا ، حتى انّ بعضهم استدلّ على وحدة الواجب بأنّ الوحدة أولى من الشّركة ، والواجب يجب أن يكون فى أعلى مراتب الكمال إجماعا.

وأورد عليه أنّ التّصديق بإرسال الرّسل وإنزال الكتب يتوقّف على التّصديق بالقدرة والعلم فيدور. وأجيب عنه بمنع التّوقف.

أقول : هذا المنع موجّه لدلالة المعجزة على صدق الرّسل فى كلّ ما أخبروا به ، وإن لم يخطر بالبال كون المرسل قادرا وعالما على ما حقّق فى محلّه ، فالقول بأنّ ذلك المنع مكابرة تقوّل ، نعم يتّجه أنّ تلك الأدلة لا يفيد اليقين والمطالب اليقينيّة فلا تغفل.

الصّفة الثّالثة من الصّفات الثبوتية أنّه تعالى حىّ.

١١٣

اتّفق جمهور العقلاء على أنّه تعالى حىّ ، واختلفوا فى معنى حياته ، فقال جمهور المتكلّمين إنّها صفة توجب صحّة العلم والقدرة ، وقال الحكماء وبعض المعتزلة إنّها كونه بحيث يصحّ أن يعلم ويقدر. وللحياة معنى آخر وهى بهذا المعنى من الكيفيّات النّفسانيّة الموجودة فى الحيوان ، وهى ما يقتضي الحسّ والحركة لأنّه تعالى قادر عالم وكلّ قادر عالم حىّ فيكون حيّا بالضّرورة.

أمّا الصّغرى ، فلما تقدّم من الدّليلين الدّالين على كونه قادرا عالما ، وأمّا الكبرى ، فلأنّ الحياة سواء كانت نفس صحّة العلم والقدرة أو مبدأ لها شرط للعلم والقدرة ، والشّرط لازم للمشروط قطعا.

واعلم انه قد يتوّهم أنّ إثبات الحياة بالعلم يستلزم الدّور ، لانه قد أثبت العلم سابقا بالحياة ، حيث قال : لأنّه حىّ يصحّ أن يعلم كلّ معلوم وليس بشيء ، لأنه إنّما أثبت الحياة بنفس العلم ، والّذي أثبت بالحياة هو شمول العلم لا نفسه فلا دور ، على أنّ فيه إشارة إلى أنّ لعلمه تعالى أدلّة أخرى لا يتوقّف على التّصديق بحياته ، كاستناد كلّ شيء إليه ، وغيره من الأدلّة السّمعية الدّالة على ما فصّل فى محله ، فيصحّ إثبات الحياة بالعلم الثّابت بهذه الأدلّة ، وإن كان الدّليل المذكور هاهنا موقوفا على التصديق بها فليتأمّل.

الصّفة الرّابعة أنّه تعالى مريد وكاره ، المراد من الإرادة هاهنا ما يخصّص الفعل المقدور بالوقوع ، ومن الكراهة ما يخصّص الترك المقدور به ، وربّما يطلق الإرادة على ما يخصّص أحد الطّرفين المقدورين بالوقوع ، سواء كان فعلا أو تركا ، وهذا هو المشهور بين الجمهور ، ولهذا يكتفى فى الأكثر بذكر الإرادة كما لا يخفى ، لأنّ الآثار تصدر عنه تعالى فى بعض الأوقات دون بعض ، كوجود زيد فى وقت كذا ، مع أنّ نسبة الذّات إلى جميع الأوقات على السّوية ، وتخصيص الأفعال ، اى الآثار بإيجادها فى وقت معيّن دون وقت معيّن آخر ، مع استواء نسبة الذّات إلى جميع الأوقات لا بدّ له ، اى لذلك التخصيص من مخصّص تخصيص تلك الآثار بايجادها فى

١١٤

أوقاتها المعيّنة وإلّا لزم الترجيح بلا مرجّح وهو محال بديهة واتفاقا.

وأيضا بعض الممكنات يوجد دون بعض آخر منها ، كما انّ العنقاء لا يوجد فى شيء من الأوقات مع انّ نسبة الذّات إلى جميع الممكنات على السّواء ، ولا شكّ انّ هذا التّخصيص أيضا لا بدّ له من مخصّص ، فلو قال تخصيص بعض الممكنات بالايجاد فى وقت كما وقع فى التجريد لكان أحسن وأولى كما لا يخفى. وهو ، أى ذلك المخصّص الّذي يخصّص تلك الآثار بالإيجاد فى أوقاتها المعيّة دون أوقات ، وكذا المخصّص الّذي يخصّص تلك الآثار بالإيجاد فى أوقاتها المعيّة دون أوقات ، وكذا المخصّص الّذي تخصّص بعض الممكنات بالايجاد دون بعض آخر منها مطلقا الإرادة يعنى بها المعنى الاخصّ المقابل للكراهة على وفق ما ذكره فى الدّعوى ، إلّا انّه على هذا يكون دليلا للكراهة متروكا بالمقايسة وهو أنّ تخصيص الأفعال بترك إيجادها فى وقت معيّن دون وقت معيّن آخر لا بدّ له من مخصّص وهو الكراهة.

ويمكن حمل المخصّص على ما يعمّ مخصّص الفعل والترك ، بناء على أنّ تخصيص الأفعال بالإيجاد فى وقت معيّن يستلزم تخصيصها بترك الإيجاد فى وقت معيّن آخر ، لا بدّ له من مخصّص يترتّب عليه كلا التخصيصين ، وحينئذ يحمل الإرادة على المعنى الأعمّ الشّامل لإرادة الفعل والتّرك كما هو المشهور على معنى أنّ المخصّص فى التّخصيص الأوّل إرادة الفعل وفى التخصيص الثّاني إرادة التّرك ، فيكون فى كلام المصنّف إشارة إلى أنّ الإرادة يطلق فيما بينهم على معنيين أحدهما خاصّ والآخر عامّ كما أشرنا إليه آنفا.

واعترض على هذا الدّليل بأنّه لو سلّم استواء نسبة الذّات إلى جميع الأوقات وإلى جميع الممكنات ، فلا نسلّم انّ المخصّص هو الإرادة ، ضرورة أنّها صفة له تعالى ، ومن الجائز أن لا يكون المخصّص ذاته ولا صفته ، بل امرا منفصلا من الحركات الفلكيّة أو الحوادث اليوميّة.

وأجيب عنه بأل المخصّص إن كان قديما لم يصلح أن يكون مخصّصا لأحد طرفى الممكن ببعض الأوقات وإن كان حادثا لا بدّ له من مخصّص آخر وهلمّ جرّا ، فإمّا أن ينتهى إلى الإرادة أو يلزم التّسلسل فى الأمور الموجودة فى نفس الأمر وهو محال على رأى المتكلّمين

١١٥

مطلقا على ما مرّ غير مرّة.

أقول : فيه نظر ، لأنّه يمكن إجراء الكلام فى الإرادة بأن يقال لو كان تعلّق الإرادة بأحد طرفى الممكن قديما لم يصلح لأن يكون مخصّصا له ببعض الأوقات ، ولو كان حادثا لا بدّ له من مخصّص كما فى القدرة ، فيلزم التسلسل فى الأمور الموجودة بحسب نفس الأمر وما هو جوابنا فهو جوابكم.

وأمّا قيل من أنّ الإرادة لو استوى نسبتها إلى الطّرفين فلا بدّ فى تعلّقها بأحدهما من مخصّص كما فى القدرة ويلزم التّسلسل وإلّا يلزم الإيجاب فهو مندفع بما قدّمنا فى تحقيق الفرق بين القدرة والإيجاب فلا تغفل. ولأنّه تعالى أمر المكلّفين بالطاعات والحسنات ونهى عن المعاصى والسيئات وهما اى الامر والنهى يستلزمان الإرادة والكراهة على طريق اللّف والنّشر المرتّب ، أى الأمر يستلزم الإرادة والنّهى الكراهة ، ضرورة أنّ الأمر بما لا يراد والنّهى عمّا يراد قبيحان ، والقبح من الله تعالى محال قطعا على ما سيأتى بيانه ، فيثبت أنّه مريد وكاره وهو المطلوب.

وأمّا الأشاعرة منعوا القول بأنّ الأمر بما لا يراد والنّهى عمّا يراد قبيحان ، مستندا بأنه ربّما لا يكون غرض الآمر الإتيان بالمأمور به ، كما إذا أمر السّيد عبده بفعل امتحانا هل يطيعه أولا؟ فإنّه لا يريد منه شيئا من الطاعة والعصيان او اعتذار عن ضربه بأنّه لا يطيعه فإنّه يريد منه العصيان ، وكما إذا أكره شخص بنهب أمواله فإنّه لا يريد بهذا الأمر نهب أمواله قطعا وكذا النّهى.

ويمكن أن يجاب عنه بأنّ الموجود فى الصّور المفروضة إنّما هو صورة الأمر والنّهى والكلام فى حقيقتها ، ولا شكّ أنّ حقيقة الأمر طلب الفعل وحقيقة النّهى طلب التّرك وطلب فعل ما لا يراد وطلب ترك ما يراد قبيحان بديهة. ولهم أنّ يناقشوا بأنّه يجوز أن يكون الأمر والنّهى الصّادر عن الله تعالى أيضا صورة الأمر لا حقيقتهما ، وبأنّ الأمر بما لا يراد والنّهى عما يراد إنّما قبيحان منّا لا من الله تعالى ، بناء على ما ذهبوا إليه من أنّه لا قبيح منه أصلا ، لكن لا يخفى ما فيهما من المكابرة والعناد على ما هو رأيهم.

١١٦

واعلم انّ العلماء بعد اتّفاقهم على القول بإرادة الله تعالى لوجود الممكن وعدمه اختلفوا فى أنّها ما هى؟ فقال الحكماء هى علمه تعالى لوجود النّظام الأكمل ويسمّونه عناية ، وقالت الأشاعرة هى صفة زايدة مغايرة للعلم والقدرة توجب تخصيص أحد المقدورين بالوقوع ، وقال بعض المعتزلة هى عدم كونه مكرها ولا مغلوبا ، وبعضهم هى فى فعله تعالى العلم بما فيه من المصلحة ، وفى فعل غيره الأمر به. وقال أهل الحق واختاره جمهور المعتزلة هى العلم بالنّفع والمصلحة الدّاعية إلى الإيجاد فى الفعل أو المفسدة الصّارفة عنه فى التّرك ، ويسمى الأوّل داعيا والثّاني صارفا ، واستدلّ عليه بعض المحققين بأنّها لو كانت أمرا آخر سوى الدّاعى والصّارف يلزم التّسلسل وتعدّد القدماء ، لأنّ ذلك لو كان قديما لزم تعدّد القدماء ولو كان حادثا احتاج إلى مخصّص آخر ويلزم التّسلسل.

وفيه نظر ، لأنّه إنّما يدلّ على كون الإرادة غير زايدة على الذّات وأمّا على كونها عين الدّاعى والصّارف فلا كما لا يخفى ، على أنّ تعدّد القدماء غير مسلّم عند الخصم ، إلّا أن ينتهى الكلام على التحقيق.

الصّفة الخامسة من الصفات الثبوتية أنّه تعالى مدرك أطبق المسلمون حتّى فلاسفة الإسلام على أنّه تعالى مدرك أى سميع بصير ، لكنّهم اختلفوا فى معناهما :

فقال جمهور المتكلّمين : انّهما صفتان زائدتان على العلم ، وقال بعضهم كالاشعرى والكعبى انّهما عبارتان من علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات وهو الحقّ المختار عند المحقّقين. أمّا كونه مدركا فلأنّه يصحّ أن يتّصف بالإدراك الّذي هو صفة الكمال ، وكلّما يصحّ أن يتّصف به من صفات الكمال فهو متّصف به بالفعل ، فيكون متصفا بالإدراك بالفعل وهو المطلوب.

أمّا الصّغرى فهى لأنّه تعالى حىّ لما تبيّن فيما تقدّم ، وكلّ حىّ يصحّ أن يدرك ، اذ الحياة مصحّحة للإدراك قطعا ، فيصحّ له تعالى أن يدرك.

وأمّا الكبرى فلأنّ الخلوّ عن صفة الكمال فى حق من يصحّ اتّصافه بها نقص ، وهو على الله تعالى محال. وفيه نظر :

١١٧

أمّا أوّلا ، فلأنا لا نسلّم انّ حياته تعالى مثل حياتنا مصحّحة للسّمع والبصر ، لأنّه قياس الغائب على الشّاهد ، مع المخالفة فى كثير من الصّفات ، على أن يكون حياتنا أيضا مصحّحة لهما أيضا محلّ النّظر لجواز أن يكون ما يصحّحهما لنا أمر آخر

وأمّا ثانيا فأنّا لا نسلّم انّ الخلوّ عن صفة الكمال نقص.

وأمّا ثالثا فلأنّ العمدة فى تنزيه الله تعالى عن صفات النقص هو الإجماع الّذي ثبت حجيّته بظواهر الآيات والأحاديث ، وقد انعقد الإجماع على كونه تعالى سميعا بصيرا ، ونطقت النّصوص به أيضا ، فليعوّل فى هذه المسألة على الإجماع ابتداء ، بل على النّصوص الدّالّة على ذلك ، لأنّ النّصوص الدّالّة على كونه سميعا بصيرا أقوى من الظّواهر الدّالة على حجّية الإجماع ، وإن ثبت حجّية الإجماع بالعلم الضّرورى الثّابت من الدّين ، فذلك العلم الضّرورى ثابت فى السمع والبصر سواء بسواء فلا حاجة فى إثباتهما إلى التّمسك بدليل بعض مقدّماته ، وقيل ثابت بالإجماع. ثمّ التّمسّك فى حجّية الإجماع بظواهر النّصوص أو العلم الضّرورى فإنّه تطويل بلا طائل بل الأولى أن يتمسّك فى ذلك ابتداء بالإجماع أو بالنّصوص أو العلم الضّرورى.

وكان المصنّف أشار إلى التّمسّك بالنّصوص الدّالة على كونه سميعا بصيرا بقوله : وقد ورد القرآن وكذا الحديث بثبوته أى الإدراك له تعالى بحيث لا يمكن إنكاره ولا تأويله مثل قوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). فيجب إثباته له قطعا وإلّا لزم كذبه تعالى وهو محال كما سيجيء.

ويحتمل أن يكون قوله : وقد ورد القرآن الخ مع ما قبله دليلا واحدا على الإدراك. وتقريره أنّه يصحّ اتّصافه تعالى بالإدراك ، وقد ورد القرآن بثبوته له ، وكلما ورد القرآن بثبوته له مع صحّته وامكانه عليه فهو ثابت له ، بخلاف ما ورد القرآن به ولم يكن ثبوته له تعالى كقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) إذ لا بدّ فيه من التأويل. وأمّا كونه تعالى سميعا بصيرا بمعنى علمه بالمسموعات والمبصرات. فللقطع بأنّه يمتنع السّمع والبصر بمعنى الإحساس بالسّامعة والباصرة عليه تعالى ، ضرورة أنّ القواطع

١١٨

العقليّة دلّت على كونه تعالى منزّها عن الآلات. وما أجاب به الجمهور عن ذلك من أنّ احتياجنا فى السّمع والبصر إلى آلاته إنّما هو بسبب عجزنا وقصورنا ، وذات الواجب لبراءته عن القصور يحصل له بلا آلة ما لا يحصل لنا إلّا بها ، وليس هذا إلّا قياس الغائب على الشّاهد مع الفرق الواضح بينهما ، فهو خروج عن المعقول كما هو فى دأبهم فى كثير من الأصول ، على أنّه قد وقع من بعضهم قياس الغائب على الشّاهد فى هذا المقام فى الدّليل المذكور لإثبات أصل الإدراك كما أشرنا إليه آنفا.

وما استدلّوا به على أنّ السّمع والبصر صفتان زائدتان على العلم من أنّا إذا علمنا شيئا علما تامّا جليّا ، ثمّ أبصرناه نجده بالبديهة بين حالتين فرقا ، ونعلم بالضّرورة أنّ الحالة الثّانية تشتمل على أمر زائد مع حصول العلم فيهما ، فذلك الزّائد هو الإبصار. وكذا الكلام فى السّمع وساير الإدراكات بالحواسّ ، فذلك على تقدير تمامه إنّما يدلّ على كون السّمع والبصر زائدين على العلم فى الإنسان ، وأمّا فى الواجب تعالى فكلّا ، إلّا أن يبنى الكلام على قياس الغائب على الشّاهد ، وفيه ما لا يخفى مع انّهم استبعدوا ذلك فى هذا المقام وغيره من المقامات.

الصّفة السّادسة من الصّفات الثّبوتية أنّه تعالى قديم أزليّ باق أبدىّ ،

القديم ما لا يكون وجوده مسبوقا بالعدم ويقابله الحادث. والأزلىّ ما لا بداية له سواء كان موجودا فى الخارج أولا ويقابله المتجدّد فهو أعمّ من القديم. والبقاء استمرار الوجود ، والأبدىّ ما لا نهاية له ، فالأزلىّ مؤكّد للقديم ، والأبدىّ مخصّص للباقى.

وإنّما عدّ هذه الصّفات الأربع صفة واحدة باعتبار أنّ مجموعها راجع الى السّرمدية وهى كون الشّيء لا بداية ولا نهاية له. وإنّما قلنا باتّصافه تعالى بتلك الصّفات لأنّه واجب الوجود لذاته كما برهن عليه فيما سبق ، والواجب الوجود لذاته يستحيل عليه العدم مطلقا ، ضرورة انّ مقتضى الذّات يمتنع أن ينفكّ عنه قطعا فيستحيل العدم السّابق واللّاحق عليه فيثبت اتّصافه بتلك الصّفات ، لأنّ استحالة العدم السّابق تستلزم القدم والأزليّة ، واستحالة العدم اللّاحق يستلزم البقاء والأبديّة.

١١٩

واعلم انّ البقاء يفسّر تارة باستمرار الوجود ، أى الوجود فى الزّمان الثّاني وتارة بصفة يعلّل بها الوجود فى الزّمان الثّاني. والوجوب الذّاتي كما يدلّ على نفس البقاء يدلّ على نفى كونه صفة وجوديّة زائدة على الذّات بكلا المعنيين ، وهو مذهب جمهور المعتزلة وبعض الأشاعرة ، وذلك لأنّ الواجب لذاته موجود لذاته ، وما هو موجود لذاته فهو باق لذاته ، ضرورة انّ ما بالذّات لا يزول أبدا. ولا شكّ انّ البقاء لو كان زائدا على الذّات لاحتاج الذّات فى بقائه الى غيره ، فلم يكن باقيا لذاته هذا خلف.

واذا فسّر البقاء بالمعنى الثّاني كان لزوم المحال أظهر ، إذ من البيّن انّه يلزم على هذا أن يكون الواجب لذاته محتاجا فى وجوده فى الزّمان الثّاني إلى غيره الّذي هو البقاء بهذا المعنى كما لا يخفى. وربما يستدل على ذلك بانّ البقاء هو استمرار الوجود وحقيقة الوجود فى الزّمان الثّاني ، والوجود ليس صفة زايدة ، فكذا البقاء.

واعترض صاحب الصّحائف على الدّليل الأوّل بأن اللّازم ممّا ذكر ليس إلّا افتقار صفة ، إلى صفة أخرى نشأت من الذّات ، ولا امتناع فيه كالإرادة فإنّها يتوقّف على العلم والعلم على الحياة.

وأجيب عنه بأنّ الافتقار فى الوجود إلى أمر سوى الذّات ينافى الوجوب الذّاتي.

وردّ بأنّ الدّليل الأوّل على هذا يعود إلى الدّليل الثّاني ، إذ لا بدّ فى إتمامه من أنّ البقاء وجود خاصّ فباقى المقدّمات مستدرك.

أقول : لا يخفى أن الدّليل الأوّل لا يكون مقدّمه واحدة ، بل لا يكون إلّا مقدّمتين.

فتقرير الدّليل الأوّل أنّ البقاء لو كان زائدا لزم افتقار الواجب فى وجوده إلى أمر سوى الذّات ، بناء على كون البقاء وجودا خاصا ، واللازم باطل فالملزوم مثله. وتقرير الدّليل الثّاني أنّ البقاء وجود خاصّ والوجود الخاصّ ليس زائدا فلا يكون البقاء زائدا. والتفاوت بين الدّليلين بيّن لا سترة به ، واشتراكهما فى بعض المقدّمات اعنى كون البقاء وجودا خاصّا لا يستلزم اتّحادهما ، فلا يلزم عود الأوّل إلى الثّاني ولا استدراك باقى المقدّمات.

نعم ، كون البقاء وجودا خاصّا يستلزم افتقار الواجب فى وجوده إلى غيره على تقدير

١٢٠