الزبدة الفقهيّة - ج ٣

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-34-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٨

المشروط للقاتل ، وهو (١) ثياب القتيل ، والخفّ ، وآلات الحرب ، كدرع ، وسلاح ، ومركوب ، وسرج ، ولجام ، وسوار ، ومنطقة ، وخاتم ، ونفقة معه ، وجنيبة (٢) تقاد معه ، لا حقيبة مشدودة على الفرس بما فيها من الأمتعة ، والدراهم ، فإذا أخرج جميع ذلك

(يقسّم) الفاضل (بين المقاتلة (٣) ومن حضر) القتال ليقاتل وإن لم يقاتل

______________________________________________________

ـ هذا فالسلب للمقاتل إن اشترط الإمام ذلك كما صدر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلا فيكون كباقي مال الغنيمة بلا خلاف فيه.

(١) أي السلب ، قال في الجواهر : (ثم لا خلاف بل ولا إشكال في اندراج الثياب والعمامة والقلنسوة والدرع والمغفرة والبيضة والجوشن والسلاح كالسيف والرمح والسكين ونحو ذلك ، ممّا يكون معه وله مدخل في القتال ، بل في المنتهى الإجماع عليه ، بل لعل الأقوى اندراج ما كان معه من التاج والسوار والطوق والخاتم ونحوها ممّا يتّخذها للزينة والهميان ونحوه ممّا يتّخذه للنفقة فيه أيضا ، وفاقا للفاضل ، بل عن الشيخ قوّاه أيضا للصدق عرفا خلافا للشافعي.

نعم لا يندرج فيه ما كان منفصلا عنه كالرجل والعبد والدواب التي عليها أحماله والسلاح الذي ليس معه فيبقى حينئذ غنيمة ، أما الدابة التي يركبها فهي منه سواء كان راكبا لها أو نازلا عنها وهي بيده للصدق عرفا ، خلافا لأحمد في الثاني ، بل يتبعها السرج واللجام وجميع آلاتها والحلية ونحو ذلك ، نعم لو لم تكن الدابة أو شي‌ء من آلاتها معه لم تدخل في السلب).

(٢) قال في مصباح المنير (الجنيبة : الفرس تقاد ولا تركب) ، والضابط في أمثلة الشارح أن كل ما أعدّ للحرب أو كان معه غير منفصل فهو من السلب ، أما المنفصل كالحقيبة المشدودة على الفرس فهو خارج عن السلب).

(٣) بلا خلاف للأخبار ، منها : صحيح معاوية بن وهب (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسم ، قال : إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول ، وقسّم بينهم أربعة أخماس) (١) ، ومرسل حماد بن عيسى عن أبي الحسن عليه‌السلام (يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن جعله الله له ، ويقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك) (٢)، وخبر حفص بن غياث (كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسائل من السيرة ، فسألته وكتبن بها إليه ، فكان فيما سألت أخبرني ، عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام ، ولم يلقوا عدوا حتى خرجوا ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١ و ٢.

٦٦١

حتى الطفل) (١) الذكر من أولاد المقاتلين ، دون غيرهم (٢) ممن حضر لصنعة ، أو حرفة كالبيطار ، والبقال ، والسائس ، والحافظ إذا لم يقاتلوا (٣) (المولود بعد الحيازة وقبل القسمة).

(وكذا المدد الواصل إليهم) ليقاتل معهم فلم يدرك القتال (٤) (حينئذ) أي حين إذ يكون وصوله بعد الحيازة وقبل القسمة (للفارس سهمان) في المشهور (٥).

______________________________________________________

ـ إلى دار الإسلام ، هل يشاركونهم فيها؟ قال : نعم) (١) ، وخبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (في الرجل يأتي القوم وقد غنموا أو لم يكن ممّن شهد القتال ، فقال : هؤلاء المحرمون ، فأمر أن يقسّم لهم) (٢) ، وهم محرمون من ثواب القتال بعد تقسيم الغنيمة عليهم وعلى غيرهم ، ومن هذه الأخبار يعرف حكم مقاسمة الغنيمة بين كل من حضر من المسلمين قبل التقسيم وإن لم يشارك في القتال وإن كان حاضرا ، أو لم يكن حاضرا وقت القتال.

(١) ولو ولد بعد الحيازة وقبل القسمة بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر مسعدة بن صدقة ، عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام (إن عليا عليه‌السلام قال : إذا ولد المولود في أرض الحرب قسّم له مما أفاء الله عليهم) (٣) ، وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (إذا ولد المولود في أرض الحرب أسهم له) (٤) ، ولما روي (أن النبي أسهم للصبيان بخيبر) (٥)

(٢) دون غيرهم : أي غير المقاتلين ممّن حصر الحرب لا للقتال كمن حضرها لصفة خاصة أو حزمة وكذا أطفالهم لانصراف الأخبار المتقدمة إلى خصوص المقاتلين بمعنى حضر الحرب للقتال وإن لم يقاتل.

(٣) فإذا قاتلوا أو حضروا بنيّة القتال كان لهم سهم المقاتل.

(٤) لخبر حفص وخبر أبي البختري المتقدمين.

(٥) للأخبار منها : خبر حفص بن غياث (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسائل في السير وفيها : كيف تقسم الغنيمة بينهم؟ فقال : للفارس سهمان وللراجل سهم) (٦) ، وما ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١ و ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٨ و ٩.

(٥) المنتقى من أخبار المصطفى ج ٢ ص ٧٨٩ حديث ٤٣٣٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.

٦٦٢

وقيل : ثلاثة ، (وللراجل) وهو من ليس له فرس سواء كان راجلا ، أم راكبا غير الفرس (سهم ، ولذي الأفراس) وإن كثرت (ثلاثة) أسهم (١) ، (ولو قاتلوا في السفن) (٢) ولم يحتاجوا إلى أفراسهم لصدق الأسهم ، وحصول الكلفة عليهم بها.

(ولا يسهم للمخذّل) وهو الذي يجبن عن القتال ، ويخوف عن لقاء الأبطال ، ولو بالشبهات الواضحة والقرائن اللائحة ، فإن مثل ذلك (٣) ينبغي إلقاؤه

______________________________________________________

ـ روته العامة عن المقداد رضي‌الله‌عنه (أعطاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهمين ، سهما لي وسهما لفرسي) (١) ، وعن الإسكافي وأكثر العامة أن للفارس ثلاثة أسهم ، لخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (أن عليا عليه‌السلام كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما) (٢) ، وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (أن عليا عليه‌السلام كان يسهم للفارس ثلاثة أسهم ، سهمين لفرسه وسهما له ، ويجعل للراجل سهما) (٣)، وهي محمولة على التقية.

(١) فيعطي لفرسين له دون ما زاد ، ويعطى ثلاثة أسهم ، سهمان لفرسيه وسهم له ، ولا يزاد وإن كان عنده عشرة أفراس ، بلا خلاف فيه لخبر الحسين بن عبد الله عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (إذا كان مع الرجل أفراس في الغزو لم يسهم له إلّا لفرسين منها) (٤) ، ولما روته العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (كان يسهم للخيل ، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس) (٥).

(٢) ولو وصلية ، والمعنى فللفارس سهمان وللراجل سهم ، ولذي الفرسين ثلاثة ولو استغنوا عن الخيل وقاتلوا في السفن ، لخبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن سرية كانوا في سفينة فقاتلوا وغنموا ، وفيهم من معه الفرس ، وإنما قاتلوهم في السفينة ولم يركب صاحب الفرس فرسه ، كيف تقسّم الغنيمة بينهم؟ فقال عليه‌السلام : للفارس سهمان وللراجل سهم ، قلت : ولم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم؟ قال : أرأيت لو كانوا في عسكر فتقدّم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف أقسم بينهم؟ ألم أجعل للفارس سهمين وللراجل سهما ، وهم الذين غنموا دون الفرسان) (٦).

(٣) من الشبهات والقرائن

__________________

(١) كتاب نصب الراية ج ٣ ص ٤١٧.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٢ و ٣ و ١.

(٥) سنن البيهقي ج ٦ ص ٣٢٨.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.

٦٦٣

إلى الإمام ، أو الأمير إن كان فيه صلاح ، لا إظهاره على الناس ، (ولا المرجب) (١) وهو الذي يذكر قوة المشركين وكثرتهم بحيث يؤدي إلى الخذلان والظاهر أنه أخص من المخذل ، وإذا لم يسهم له فأولى أن لا يسهم لفرسه ، (ولا للقحم) (٢) بفتح القاف وسكون الحاء وهو الكبير الهرم (والضرع) بفتح الضاد المعجمة والراء وهو الصغير (٣) الذي لا يصلح للركوب ، أو الضعيف (٤).

(والحطم) بفتح الحاء وكسر الطاء وهو الذي ينكث (٥) من الهزل (٦) (والرازح) بالراء المهملة ثم الزاء بعد الألف ثم الحاء المهملة قال الجوهري هو الهالك هزالا (٧) ، وفي مجمل ابن فارس رزح أعيى. والمراد هنا الذي لا يقوى بصاحبه على القتال ، لهزال على الأول ، وأعياء على الثاني ، الكائن في الأربعة (٨) (من الخيل) (٩). وقيل : يسهم للجميع ، لصدق الاسم. وليس ببعيد.

(الفصل الرابع ـ في أحكام البغاة)

(ومن خرج على المعصوم من الأئمة عليهم‌السلام

فهو باغ (١٠) ...

______________________________________________________

(١) أي المخوف ، لا ويسهم لهم لعدم صدق المقاتلة عليهما وعدم صدق حضور الحرب لأجل القتال.

(٢) وهو الكبير المسنّ الهرم الفاني كما في الجواهر.

(٣) كما عن المبسوط وفي المسالك نسبته إلى الفقهاء ، وهو الصغير الذي لا يركب.

(٤) كما عن المنتهى ويؤيده ما في الصحاح (الضرع بالتحريك الضعيف) ، وهو الضعيف الذي لا يملك القتال عليه.

(٥) أي ينكسر وينهزم.

(٦) وعن المصباح أنه المسنّ.

(٧) وقال في المنتهى (الذي لا حراك له من الهزال).

(٨) أي إن المتّصف بهذه الأوصاف من الأربعة يكون من الخيل.

(٩) فعن ابن الجنيد أنه لا يسهم لها لعدم الانتفاع بها في الحرب ، وعن الشيخ في المبسوط والخلاف والحلي واستحسنه المحقق والعلامة وجماعة أنه يسهم له مراعاة للاسم بعد صدق اسم الفرس عليه.

(١٠) البغي لغة مجاوزة الحد ، والظلم والاستعلاء ، وطلب الشي‌ء ، وفي عرف المتشرعة الخروج ـ

٦٦٤

واحدا كان) كابن ملجم ـ لعنه الله ـ ، (أو أكثر) (١) كأهل الجمل ، وصفين (ويجب قتاله) (٢) إذا ندب إليه الإمام (حتى يفي‌ء) (٣) أي يرجع إلى طاعة الإمام ، (أو يقتل) ، وقتاله (كقتال الكفار) (٤) في وجوبه على الكفاية ، ووجوب الثبات له ،

______________________________________________________

ـ عن طاعة الإمام العادل.

(١) ذهب إليه العلامة وغيره للإطلاق ، وذهب الشيخ وابن إدريس وابن حمزة إلى أنه يعتبر فيهم الكثرة والمنعة بحيث لا يمكن تفريقهم أي بتجهيز الجيوش والقتال ، ويؤيده أن الآية ـ التي سيأتي التعرّض لها ـ عبّرت عنهم بالطائفة ، والطائفة لا تنطبق على الواحدة ، نعم يجري على الواحد حكم المحارب لأنه من أهل البغي.

(٢) بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى (وَإِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا ، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي‌ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ ، فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (١) ، وللأخبار منها : خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (القتل قتلان : قتل كفارة وقتل درجة ، والقتال قتالان : قتال الفئة الباغية حتى يفيئوا ، وقتال الفئة الكافرة حتى يسلموا) (٢) ، وخبر ابن المغيرة عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (ذكرت الحرورية عند علي عليه فقال : إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم) (٣)، وخبر ابن شهرآشوب في مناقبه عن أبي جعفر عليه‌السلام (أنه ذكر الذين حاربهم علي عليه‌السلام فقال : أما إنهم أعظم جرما ممن حارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قيل له : وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال : أولئك كانوا أهل جاهلية ، وهؤلاء قرءوا القرآن وعرفوا أهل الفضل ، فأتوا ما أتوا بعد البصيرة) (٤).

(٣) لتقييده في آياته ، ولأن سبب قتاله بغيه ، فإن رجع عن بغيه ارتفع سبب قتاله.

(٤) للأخبار ، منها : خبر محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي ، إن الله تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي ، كما كتب عليهم الجهاد مع المشركين معي ، فقلت : يا رسول الله ، وما الفتنة التي كتب للنبإ فيها الجهاد؟ فقال : فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله وهم مخالفون لسنّتي وطاعنون في ديني ، فقلت : فعلام نقاتلهم يا رسول الله وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله؟ ـ

__________________

(١) الحجرات آية : ٩.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١١ و ٣.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٢.

٦٦٥

وباقي الأحكام السالفة ، (فذو الفئة) (١) كأصحاب الجمل ومعاوية (يجهز على جريحهم ، ويتبع مدبرهم ، ويقتل أسيرهم ، وغيرهم) (٢) كالخوارج (يفرّقون) من

______________________________________________________

ـ فقال : على إحداثهم في دينهم وفراقهم لأمري ، واستحلالهم دماء عترتي) (١).

وقال في الجواهر : (وكيف كان فقتال البغاة كقتال المشركين في الوجوب وكفائيته ، وكون تركه كبيرة وأن الفرار منه كالفرار منه ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، كما اعترف به في المنتهى ، والنصوص من الطرفين وافية به كعمل علي عليه‌السلام في قتال الفرق الثلاثة ، والمقتول مع العادل شهيد لا يغسل ولا يكفّن بل يصلّى عليه بلا خلاف أجده).

(١) من كان من أصل البغي له فئة يرجع إليها فيجوز الإجهاز على جريحهم وإتباع مدبرهم وقتل أسيرهم ، ومن لم يكن له فئة فالقصد من محاربتهم تفريق كلمتهم فلا يتبع لهم مدبر ولا يجهز على جريح ولا يقتل لهم مأسور بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر حفص بن غياث (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الطائفتين من المؤمنين ، إحداهما باغية والأخرى عادلة ، فهزمت العادلة الباغية ث ، قال : ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح ولا يقتلوا أسيرا ، وهذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد ولم يكن فئة يرجعون إليها ، فإذا كانت لهم فئة يرجعون إليها فإن أسيرهم يقتل ومدبرهم يتبع وجريحهم يجهز عليه) (٢) ، ومرسل تحف العقول عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام في جواب مسائل يحيى بن أكثم (وأما قولك : إن عليا عليه‌السلام قتل أهل صفين مقبلين ومدبرين ، وأجاز على جريحهم ، وأنه يوم الجمل لم يتّبع مولّيا ، ولم يجز على جريح ، ومن ألقى سلاحه آمنه ، ومن دخل داره آمنه ، فإن أهل الجمل قتل إمامهم ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين ، ورضوا بالكفّ عنهم ، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا ، وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة ، وإمام يجمع لهم السلاح والدروع والرماح والسيوف ويسنّى لهم العطاء ، ويهيئ لهم الإنزال ، ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم ، ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ، ويردّهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم ، فلم يساو بين الفريقين في الحكم) (٣) ، والخبر صريح بكون أهل الجمل مما لا فئة لهم مع أن الشارح قد صرّح أنهم من أهل الفئة إلّا أن يحمل كلامه على ما قبل قتل إمامهم وهو الزبير وطلحة فلا تنافي حينئذ.

(٢) أي غير ذي الفئة ممّن لا إمام لهم ولا رئيس.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٤.

٦٦٦

غير أن يتبع لهم مدبر ، أو يقتل لهم أسير ، أو يجهز على جريح.

ولا تسبى نساء الفريقين ، ولا ذراريهم في المشهور (١) ، ولا تملك أموالهم

______________________________________________________

(١) قال في الجواهر : (بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه بين أهل العلم ، وعن التذكرة بين الأمة ، لكن عن المختلف والمسالك نسبته إلى المشهور ، ولعلّه لما في الدروس قال : ونقل الحسن أن للإمام عليه‌السلام ذلك إن شاء ، لمفهوم قول علي عليه‌السلام : إني مننت على أهل البصرة كما منّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل مكة ، وقد كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسبي فكذا الإمام عليه‌السلام ، وهو شاذ ، قلت : بل لم نعرفه لأحد منّا) انتهى.

ويمكن حمل كلامه على أن ذلك للإمام لو أراد إلّا أن التقية جعلت الحكم عدم سبي النساء والذراري في زمن الهدنة ، وهي ما قبل ظهور صاحب الأمر عليه‌السلام وعجّل الله تعالى فرجه ، وهذا ما نطقت به الأخبار الكثيرة وليس فيه خلاف ، ومن جملة هذه الأخبار ، خبر عبد الله بن سليمان (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن الناس يروون أن عليا عليه‌السلام قتل أهل البصرة وترك أموالهم ، فقال : إن دار الشرك يحلّ ما فيها ، وإن دار الإسلام لا يحلّ ما فيها ، فقال : إن عليا عليه‌السلام إنما منّ عليهم كما منّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل مكة ، وإنما ترك علي عليه‌السلام لأنه كان يعلم أنه سيكون له شيعة وأن دولة الباطل ستظهر عليهم ، فأراد أن يقتدى به في شيعته ، وقد رأيتم آثار ذلك ، هو ذا يسار بسيرة علي عليه‌السلام ، ولو قتل عليّ عليه‌السلام أهل البصرة جميعا واتّخذ أموالهم لكان ذلك له حلالا ، لكنه منّ عليهم ليمنّ على شيعته من بعده) (١) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (لو لا أن عليا عليه‌السلام سار في أهل حربه بالكف عن السبي والغنيمة للقيت شيعته من الناس بلاء عظيما ، ثم قال : والله لسيرته كانت خيرا لكم ممّا طلعت عليه الشمس) (٢)، وخبر أبي بكر الحضري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لسيرة علي عليه‌السلام في أهل البصرة كانت خيرا لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس ، إنه علم أن للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته ، قلت : فأخبرني عن القائم عليه‌السلام يسير بسيرته؟ قال : لا ، إن عليا عليه‌السلام سار فيهم بالمنّ ، لما علم من دولتهم ، وإن القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة ، لأنه لا دولة لهم) (٣)، ومثلها كثير. هذا وقد ورد في خبر حفص عن جعفر عن أبيه عن جده عليهم‌السلام عن مروان ابن الحكم قال : (لما هزمنا عليّ بالبصرة ردّ على الناس أموالهم ، من أقام بيّنه أعطاه ، ومن لم يقم بيّنة أحلفه ، فقال له قائل : يا أمير المؤمنين أقسم الفي‌ء بيننا والسّبي قال : فلمّا أكثروا عليه قال : أيّكم يأخذ أم المؤمنين في سهمه؟ فكفلوا) (٤)، فهو محمول على إسكات الخصم لأن أكثر جيشه مخالفون كما هو المعلوم من كتب السير والتواريخ ،

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٦ و ٨ و ١ و ٥.

٦٦٧

التي لم يحوها العسكر (١) إجماعا وإن كانت مما ينقل ويحوّل ، ولا ما حواه العسكر إذا رجعوا إلى طاعة الإمام (٢). وإنما الخلاف في قسمة أموالهم التي حواها العسكر مع إصرارهم.

(والأصح عدم قسمة أموالهم مطلقا) (٣) عملا بسيرة علي عليه‌السلام في أهل

______________________________________________________

ـ وإلّا فالحكم ما تضمّنته النصوص السابقة الذي لا يملك البوح به إلا للشيعة فقط من أن السبي وتقسيم المال جائز لكن علم الأمير صلوات الله عليه أن لهم دولة بعده فمنّ عليهم حتى لا تسبى شيعته وهذا الحكم الثانوي تكليف كالأصلي إلى زمن خروج القائم عليه‌السلام ، بل الأجر في التعبّد به أعظم من الأجر بالعمل بالأول حال عدم التقية فلا تغفل.

(١) بلا خلاف فيه لحقن دمهم ومالهم على نحو التقية كما سمعته من النصوص السابقة.

(٢) لارتفاع حكم البغي عنهم حينئذ.

(٣) حتى التي حواها العسكر كالسلاح والدواب ، وهو المحكي عن المرتضى وابن ادريس والعلامة والشهيد لظاهر النصوص السابقة من أنه عليه‌السلام قد منّ عليهم كما منّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل مكة ، لخبر عبد الله بن سليمان المتقدّم (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن الناس يروون أن عليا عليه‌السلام قتل أهل البصرة وترك أموالهم ، فقال : إن دار الشرك يحلّ ما فيها ، وإن دار الإسلام لا يحلّ ما فيها) (١) ، وما رواه الشيخ في المبسوط (وروي أن عليا عليه‌السلام لما هزم الناس يوم الجمل قالوا له : يا أمير المؤمنين ألا تأخذ أموالهم ، قال : لا ، لأنهم تحرّموا بحرمة الإسلام ، فلا يحل أموالهم في دار الهجرة) (٢) ، وخبره الآخر (روى أبو قيس أن عليا عليه‌السلام نادى : من وجد ماله فليأخذه ، فمرّ بنا رجل فعرف قدرا نطبخ فيها ، فسألناه أن يصبر حتى ينضج فلم يفعل ، فرمى برجله فأخذها) (٣)، وخبر مروان بن الحكم المتقدم.

وعن العماني والإسكافي والشيخ والحلبي وابن حمزة والكركي أن ما حواه العسكر يؤخذ لما رواه الشيخ في المبسوط (روى أصحابنا أن ما يحويه العسكر من الأموال فإنه يغنم) (٤) ، وقد حمله الشيخ على عدم رجوعهم إلى طاعة الإمام فإن رجعوا إلى طاعته فهم أحق بأموالهم.

نعم عن الدروس وغيره أن ما حواه العسكر يقسم كما قسّمه أمير المؤمنين عليه‌السلام أولا ثم ردّه عليهم من باب المنّ ، ويشهد له خبر الدعائم (روينا عن أمير المؤمنين عليه ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٦.

(٢ و ٣ و ٤) المبسوط ج ٧ ص ٢٦٦.

٦٦٨

البصرة ، فإنه أمر برد أموالهم فأخذت حتى القدر كفاها صاحبها لمّا عرفها ولم يصبر على أربابها.

والأكثر ومنهم المصنف في خمس الدروس على قسمته ، كقسمة الغنيمة عملا بسيرة علي عليه‌السلام المذكورة ، فإنه قسّمها أولا بين المقاتلين ، ثم أمر بردها ، ولو لا جوازه لما فعله أولا.

وظاهر الحال وفحوى الأخبار أن ردّها على طريق المن ، لا الاستحقاق كما منّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كثير من المشركين ، بل ذهب بعض الأصحاب إلى جواز استرقاقهم لمفهوم قوله : مننت على أهل البصرة كما منّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل مكة (١) ، وقد كان له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسبي فكذا الإمام ، وهو شاذ.

(الفصل الخامس ـ في الأمر بالمعروف (٢)

وهو الحمل على الطاعة قولا ، أو فعلا (والنهي عن المنكر) وهو المنع من

______________________________________________________

ـ السّلام أنه لما هزم أهل الجمل جمع كل ما أصابه في عسكرهم ممّا أجلبوا به عليه فخمّسه وقسّم أربعة أخماسه على أصحابه ومضى ، فلمّا صار إلى البصرة قال أصحابه : يا أمير المؤمنين أقسم بيننا ذراريهم وأموالهم قال : ليس لكم ذلك ، قالوا : وكيف أحللت لنا دمائهم ولم تحلل لنا سبي ذراريهم؟ قال : حاربنا الرجال فقتلناهم ، فأما النساء الذراري فلا سبيل لنا بهن ، لأنهنّ مسلمات وفي دار هجرة فليس لكم عليهنّ من سبيل ، وما أجلبوا به واستعانوا به على حربكم وضمّه عسكرهم وحواه فهو لكم ، وما كان في دورهم فهو ميراث على فرائض الله لذراريهم) (١) ، وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (ما أجلب به أهل البغي من مال وسلاح وكراع ومتاع وحيوان وعبد وأمة وقليل وكثير فهو في‌ء يخمّس ويقسّم كما تقسم غنائم المشركين) (٢) ، وأما الرد عليهم من باب المنّ فهو الظاهر من خبر مروان بن الحكم المتقدّم.

(١) رواه المجلسي في بحاره (٣).

(٢) عرفه جماعة من الفقهاء بأنه كل فعل حسن اختص بوصف زائد على حسنه ، إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه ، والمراد بالحسن هو الجائز وهو يشمل الواجب والمندوب والمباح والمكروه ، وعليه فيكون المعروف هو فعل جائز اختص بوصف زائد على جوازه ، وهو ـ

__________________

(١ و ٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١ و ٢.

(٣) بحار الأنوار الجزء الثامن من الطبعة الحجرية ص ٤٢٧.

٦٦٩

فعل المعاصي قولا ، أو فعلا.(وهما (١) واجبان عقلا) في أصح القولين ، (ونقلا)

______________________________________________________

ـ يشمل المكروه فلا بدّ من إخراجه كما عن المسالك لأنه ليس بمعروف ، نعم المباح خارج بقيد زيادة الوصف على جوازه ولا يبقى تحت التعريف إلّا الواجب والمستحب.

وقيد : (إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه) لإدخال الأمر به ، فإن الأمر به متحقّق إما بفعله أو بالدلالة عليه بالقول وبغيره.

وفائدة الأمر بالمعروف حمل الآخرين على فعله ، وأما النهي عن المنكر فهو كل فعل قبيح عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه ، وهو شامل للمحرم والمكروه على إشكال سيأتي.

(١) أما نقلا ، فلقوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١) ، وقوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(٢) ، وقوله تعالى (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَآتَوُا الزَّكٰاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات ، وأما الأخبار فكثيرة منها : خبر أبي سعيد الزهري عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) (٤) ، وخبر محمد بن عرفة عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر ، أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) (٥) ، وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله) (٦) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له : ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال : نعم وشرّ من ذلك ، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ، قيل له : يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال : نعم وشرّ من ذلك ، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا) (٧)، وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عزوجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له ، فقيل : وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر) (٨)، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أمر بالمعروف أو نهى عن منكر أو دل على خير أو أشار به فهو شريك ، ومن أمر بسوء ـ

__________________

(١) آل عمران آية : ١٠٤.

(٢) آل عمران آية : ١١٠.

(٣) الحج آية : ٤٢.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١ و ٤ و ٥ و ١٢ و ١٣.

٦٧٠

إجماعا ، أما الأول فلأنهما لطف وهو واجب على مقتضى قواعد العدل ، ولا يلزم

______________________________________________________

ـ أو دلّ عليه أو أشار به فهو شريك) (١) ، وخبر بكر بن محمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أيها الناس : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقربا أجلا ولم يباعدا رزقا) (٢)، ومرسل الطوسي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البر ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء) (٣)، وخبر جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام (أوحى الله إلى شعيب النبي عليه‌السلام أني معذّب من قومك مائة ألف ، أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم ، فقال عليه‌السلام : يا رب هؤلاء الأشراء ، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزوجل إليه : داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي) (٤) ، وخبر جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام (يكون في آخر الزمان قوم ، يتبع فيهم قوم مراءون يتقرءون ويتنسّكون حدثاء وسفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلّا إذا أمنوا الضرر ، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير ، يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم ، يقبلون على الصلاة والصيام ، وما لا يكتمهم في نفس ولا مال ، ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها ، كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها ، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض ، هنالك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه ، فيهلك الأبرار في دار الفجار ، والصغار في دار الكبار ، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين ، فريضة عظيمة ، بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم ، وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ، ويستقيم الأمر ، فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة لائم ، فإن اتّعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم ، (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) ، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم ، وأبغضوهم بقلوبكم ، غير طالبين سلطانا ، ولا باغين مالا ، ولا مريدين بالظلم ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته) (٥) ، وأما عقلا فقد ذهب الشيخ والفاضل والشهيدان والمقداد إلى الوجوب العقلي لأن الأمر بالمعروف والنهي ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ٢١ و ٢٤ و ١٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١.

(٥) أورده الشيخ في التهذيب ج ٦ ص ١٨٠ حديث ٣٧٢ ، وأورده الوسائل مقطعا في الباب الأول والثاني والثالث من أبواب الأمر والنهي.

٦٧١

من ذلك وجوبهما على الله تعالى اللازم منه (١) خلاف (٢) الواقع إن قام به ، أو الإخلال بحكمه تعالى إن لم يقم ، لاستلزام القيام به على هذا الوجه الالجاء الممتنع في (٣) التكليف ، ويجوز اختلاف الواجب باختلاف محالّه (٤) خصوصا مع ظهور المانع (٥) فيكون الواجب في حقه تعالى الانذار والتخويف بالمخالفة ، لئلا يبطل التكليف وقد فعل.

وأما الثاني فكثير في الكتاب والسنة كقوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٦) ، وقوله عليه‌السلام : (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليسلطنّ الله شراركم على خياركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم) (٧) ، ومن طرق أهل البيت عليهم‌السلام فيه ما يقصم الظهور

______________________________________________________

ـ عن المنكر لطف ، واللطف واجب عقلا ، مع تسليم العدلية بصحة الكبرى ، ومعنى اللطف هو كل ما يقرّب إلى الطاعة ويبعّد عن المعصية من غير أن يصل إلى حد الإلجاء.

وذهب السيد والحلي والحلبي ونصير الدين الطوسي والكركي بل في السراء نسبته إلى جمهور المتكلّمين والمحصلين من الفقهاء أنه غير واجب عقلا نعم وجوبه سمعي وذلك : لو كانا واجبين عقلا من باب اللطف لوجبا على الله تعالى ، لأن كل واجب عقلي يكون واجبا على من جعل فيه وجه الوجوب ، ولو حرجيا على الله للزم عدم ارتفاع المعروف وعدم وقوع المنكر ، أو إخلاله تعالى بالواجب ، فلو فعلهما المولى للزم الأول ولو لم يفعلها للزم الثاني ، واللازم بقسميه ظاهر البطلان.

وردّ بأن الواجب يختلف ، باختلاف الآمرين والناهين ، فهو واجب علينا بالقلب واللسان واليد ، وعلى العاجز منا بالقلب فقط ، وهو واجب على الله تعالى بالإنذار والتخويف عند المخالفة ، وقد وقع ذلك منه تعالى في الكثير من الآيات القرآنية ، ولا دليل على وجوب اللطف عليه تعالى بأزيد من ذلك بعد بعث الرسل وإنزال الكتب وتبليغ الأحكام والإنذار والتخويف للعاصي والترغيب والتشويق للمطيع.

(١) أي من وجوبهما على الله تعالى.

(٢) وهو ارتفاع المنكر ووقوع المعروف.

(٣) وهو على خلاف معنى اللطف.

(٤) على الآمرين والناهين.

(٥) وهو عدم جواز الإلجاء المبطل للتكليف.

(٦) آل عمران آية : ١٠٤.

(٧) مستدرك الوسائل الباب ـ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١٧.

٦٧٢

فليقف عليه من أراده في الكافي ، وغيره.

ووجوبهما (على (١) الكفاية) في أجود القولين ، للآية (٢) السابقة ، ولأن الغرض شرعا وقوع المعروف ، وارتفاع المنكر من غير اعتبار مباشر معين فإذا حصلا ارتفع (٣) وهو معنى الكفائي ، والاستدلال على كونه عينيا بالعمومات غير

______________________________________________________

(١) عن الشيخ وابن حمزة وفخر المحققين والشهيد في غاية المراد وغيرهم أن الوجوب عيني لأصالة العينية في الأوامر ، وللعمومات في الآيات والأخبار التي تقدّم بعضها.

وعن السيد والحلبي والقاضي والعلامة والشهيدين أن وجوبه كفائي ، لقوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ، ولخبر مسعدة بن صدقة (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعا؟ فقال : لا ، فقيل له : ولم قال : إنما هو على القوي والمطاع العالم بالمعروف من المنكر ، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا إلى أيّ من أيّ ، يقول من الحق إلى الباطل ، والدليل على ذلك كتاب الله عزوجل (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١) فهذا خاص غير عام ، كما قال الله عزوجل (وَمِنْ قَوْمِ مُوسىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) ولم يقل : على أمة موسى ولا على كل قومه ، وهم يومئذ أمم مختلفة ، والأمة واحد فصاعدا ، كما قال الله عزوجل (إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً قٰانِتاً لِلّٰهِ) يقول : مطيعا الله عزوجل ، وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة) (٢) ، ولأن الفرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقق المعروف وارتفاع المنكر وإذا حصلا من البعض فلا بدّ أن يسقط الوجوب ، وليس بمرادين من كل شخص بعينه وعليه فالعمومات السابقة غير منافية لذلك لأن الوجوب الكفائي هو المخاطب به الجميع ويسقط بفعل بعضهم وهذا متحقق هنا فلا بدّ من القول بوجوبهما الكفائي.

نعم على القولين إذا ارتدع العاصي عن معصيته سقط النهي عن المنكر سواء قلنا بكفائيته أو عينيته.

(٢) (ولتكن منكم أمة) (٣).

(٣) أي الوجوب.

__________________

(١) آل عمران آية : ١٠٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١.

(٣) آل عمران آية : ١٠٤.

٦٧٣

كاف للتوفيق ، ولأن الواجب الكفائي يخاطب به جميع المكلفين كالعيني ، وإنما يسقط عن البعض بقيام البعض فجاز خطاب الجميع به ، ولا شبهة على القولين في سقوط الوجوب بعد حصول المطلوب لفقد شرطه الذي منه إصرار العاصي. وإنما تختلف فائدة القولين في وجوب قيام الكل به قبل حصول الغرض وإن قام به من فيه الكفاية وعدمه.(ويستحب الأمر بالمندوب والنهي (١) عن المكروه) ولا يدخلان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لأنهما واجبان في الجملة (٢) إجماعا ، وهذان غير واجبين فلذا أفردهما عنهما ، وإن أمكن تكلف دخول المندوب في المعروف ، لكونه الفعل الحسن المشتمل على وصف زائد على حسنه من غير اعتبار المنع من النقيض.

أما النهي عن المكروه فلا يدخل في أحدهما ، أما المعروف فظاهر ، وأما المنكر فلأنه (٣) الفعل القبيح الذي عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه ، والمكروه ليس بقبيح.

(وإنما يجبان مع علم) (٤) الآمر والناهي (المعروف والمنكر شرعا) لئلا يأمر بمنكر أو ينهى عن معروف ، والمراد بالعلم هنا المعنى الأعم ليشمل الدليل الظني المنصوب عليه شرعا ، (وإصرار الفاعل (٥) ، أو التارك) فلو علم منه الإقلاع والندم

______________________________________________________

(١) أما استحباب الأمر بالمندوب للنبوي (الدال على الخير كفاعله) (١) ، وخبر السكوني المتقدّم عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دلّ على خير أو أشار به فهو شريك ، ومن أمر بسوء أو دلّ عليه أو أشار به فهو شريك) (٢).

وأما استحباب النهي عن المكروه فكذلك لخبر السكوني المتقدم ، لكن صرح أكثر من واحد أن المنكر مختص بالحرام فالنهي عنه كله واجب ، وكأنه اصطلاح منه في ذلك وإلّا فالمنكر يشمل الحرام والمكروه. كما يشمل المعروف للواجب والمندوب.

(٢) سواء قلنا بالعينية أو الكفائية.

(٣) أي المنكر وقد عرفت أنه على نحو الاصطلاح بينهم.

(٤) بلا خلاف فيه ، لخبر مسعدة بن صدقة المتقدم.

(٥) أي إصرار الفاعل للمنكر وإصرار التارك للمعروف ، فلو علم منه الإصرار ولو من ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١٩ و ٢١.

٦٧٤

سقط الوجوب ، بل حرم ، واكتفى المصنف في الدروس وجماعة في السقوط بظهور أمارة الندم ، (والأمن من الضرر) (١) على المباشر ، أو على بعض المؤمنين نفسا ، أو مالا ، أو عرضا فبدونه يحرم أيضا على الأقوى (٢) ، (وتجويز (٣) التأثير)

______________________________________________________

ـ الأمارة وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حينئذ ، للأخبار منها : خبر جابر المتقدم (فانكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم ، وصكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم ، فإن اتّعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم ، (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) ، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وابغضوهم بقلوبكم) (١).

ومنه يعلم لو علم الإقلاع عن المعصية ولو من أمارة فيسقط الأمر بالمعروف والنهي لارتفاع موضوعهما ، بل حرم لما فيه من هتك المأمور كما صرّح بذلك غير واحد.

(١) فلو علم توجّه الضرر إليه أو إلى عرضه أو إلى ماله أو إلى غيره من المسلمين سقط الوجوب بلا خلاف فيه ، وكذا لو ظن ذلك لنفي الضرر والضرار والحرج في الدين ، ولخبر الأعمش عن جعفر بن محمد عليهم‌السلام (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك ، ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه) (٢) ، وخبر مسعدة بن صدقة المتقدّم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة) (٣) ، وخبر يحيى الطويل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ ، أو جاهل فيتعلّم ، فأما صاحب سوط أو سيف فلا) (٤) ، وخبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان إذا أمكن ولم يكن خيفة على النفس) (٥) ، وخبر مفضل بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من تعرض لسلطان جائر فأصابته بليّة لم يوجر عليها ، ولم يرزق الصبر عليها) (٦).

(٢) إذا استلزم الضرر على النفس أو العرض أو المال الذي يلزم من فواته الحرج وإلّا فالأخبار السابقة لا تدل على الحرمة مطلقا بل تدل على عدم الوجوب.

(٣) فلو علم أنه لا يؤثر لا يجب بلا خلاف فيه ، لخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ٢٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١ و ٢.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ٨ و ٣.

٦٧٥

بأن لا يكون التأثير ممتنعا ، بل ممكنا بحسب ما يظهر له من حاله.

وهذا يقتضي الوجوب ما لم يعلم عدم التأثير وإن ظن عدمه ، لأن التجويز (١) قائم مع الظن وهو حسن ، إذ لا يترتب على فعله ضرر فإن نجع ، وإلا فقد أدى فرضه ، إذ الفرض انتفاء الضرر ، واكتفى بعض الأصحاب في سقوطه بظن العدم (٢) ، وليس بجيد (٣) ، وهذا بخلاف الشرط (٤) السابق فإنه يكفي في سقوطه (٥) ظنه (٦) ، لأن الضرر المسوغ للتحرز منه يكفي فيه ظنه (٧). ومع ذلك (٨) فالمرتفع مع فقد هذا الشرط الوجوب ، دون الجواز ، بخلاف السابق (٩).

(ثم يتدرج) المباشر (في الإنكار) فيبتدئ (بإظهار الكراهة) (١٠) ، والإعراض

______________________________________________________

ـ عليه‌السلام (سئل عن الحديث الذي جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ، ما معناه؟ قال : هذا على أن يأمره بعد معرفته ، وهو مع ذلك يقبل منه وإلّا فلا) (١) ، وخبر يحيى الطويل المتقدّم (إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ أو جاهل فيتعلّم ، وأما صاحب سوط أو سيف فلا) (٢).

وعن الأكثر السقوط إذا غلب الظن بعدم التأثير لحمل الأخبار على هذه الصورة أيضا لتعذّر العلم غالبا بعدم التأثير.

(١) أي احتمال التأثير.

(٢) أي ظن عدم التأثير.

(٣) تمسك بعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(٤) وهو الأمن من الضرر.

(٥) أي سقوط وجوب الأمر بالمعروف.

(٦) أي ظن الضرر.

(٧) وقد عرفت أن الظن بعدم التأثير كاف إذ حمل الأخبار المتقدمة على صورة العلم بعدم التأثير حمل لها على الفرد النادر.

(٨) أي ومع هذا الفارق بين الشرطين.

(٩) فمع فقد الشرط السابق يحرم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما تقدم.

(١٠) مراتب الإنكار ثلاث : القلب ثم اللسان ثم اليد ، ويدل على الأول خبر جابر المتقدم ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١ و ٢.

٦٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ (فانكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة لائم) (١) ، وفي تفسير العسكري عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (من رأى منكم منكرا فلينكر بيده إن استطاع ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، فحسبه أن يعلم الله من قلبه أنه لذلك كاره) (٢) ، وما روي في النهج عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد ، الجهاد بأيديكم ثم بألسنتكم ، ثم بقلوبكم ، فمن لم يعرف بقلبه معروفا ولم ينكر منكرا قلب ، فجعل أعلاه أسفله) (٣) ، وخبر ابن أبي ليلى (سمعت عليا عليه‌السلام يقول يوم لقينا أهل الشام : أيها المؤمنون إنه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فانكره بقلبه فقد سلم وبرئ ، ومن أنكره بلسانه فقد أجر ، وهو أفضل من صاحبه ، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ، ونوّر في قلبه اليقين) (٤)ومثلها غيرها.

هذا ومعنى الإنكار القلبي اعتقاد الوجوب والحرمة كما عن النهاية ، أو الاعتقاد مع عدم الرضا بالمعصية كما عن القواعد ، أو ذلك مع الابتهال إلى الله في إهداء العاصي كما عن التنقيح ، وفي الكفاية عدم الرضا بالفعل لما ورد في النهج عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه ، وعلى كل داخل في باطل إثمان ، إثم العمل به وإثم الرضا به) (٥).

ولكنه عن المنتهى والشرائع وجماعة كثيرة أنه إظهار الكراهة ، لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة) (٦) ، ومرسل الشيخ عن الصادق عليه‌السلام (أنه قال لقوم من أصحابه : إنه قد حق لي أن آخذ البري‌ء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحق لي ذلك وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكروه عليه ولا تهجرونه ولا تؤذونه حتى يترك) (٧) ، وخبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لو أنكم إذا بلغكم عن الرجل شي‌ء تمشّيتم إليه فقلتم : يا هذا إما أن تعتزلنا وتجتنبنا ، وإما أن تكفّ عن هذا ، ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١ و ١٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١٠ و ٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ٤.

٦٧٧

عن المرتكب متدرجا فيه (١) أيضا ، فإن مراتبه كثيرة ، (ثم القول الليّن) أن لم ينجع الإعراض ، (ثم الغليظ) إن لم يؤثر الليّن متدرجا في الغليظ أيضا ، (ثم الضرب) إن لم يؤثر الكلام الغليظ مطلقا (٢) ، ويتدرج في الضرب أيضا على حسب ما تقتضيه المصلحة ويناسب مقام الفعل ، بحيث يكون الغرض تحصيل الغرض.

______________________________________________________

ـ فإن فعل وإلّا فاجتنبوه) (١) ، ومرسل درست عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الله بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها ، فلمّا انتهيا إلى المدينة فوجدا فيها رجلا يدعو ويتضرّع ـ إلى أن قال ـ فعاد أحدهما إلى الله ، فقال : يا رب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرّع إليك ، فقال : امض لما أمرتك به ، فإن ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا لي قط) (٢).

فهذه النصوص تدل على أن الإنكار القلبي هو إظهار الكراهة بحيث يبدو على الوجه مع الإعراض عن العاصي ، وأما بقية التفاسير المتقدمة فهي ضعيفة خصوصا الأول ، إذ اعتقاد وجوب المتروك وحرمة النهي المرتكب ليس من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل هو من أحكام الإيمان ، وأما عدم الرضا بالمعصية فهو من أحكام الإيمان أيضا ، وأما زيادة الابتهال لهداية العاصي فهو غريب.

هذا وقال الشارح في المسالك (واعلم أن الإنكار القلبي يطلق في كلامهم على معنيين ، أحدهما إيجاد كراهة المنكر في القلب بأن يعتقد وجوب المتروك وتحريم المفعول مع كراهته للواقع ، والثاني الإعراض عن فاعل المنكر وإظهار الكراهة له بسبب ارتكابه.

والمعنى الأول يجب على كل مكلّف لأنه من مقتضى الإيمان وأحكامه سواء كان هناك منكر واقع أم لا ، وسواء جوّز به التأثير أم لا ، إلّا أن هذا المعنى لا يكاد يدخل في معنى الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ، لاقتضائهما طلب الفعل أو الترك ، ولا طلب في هذا المعنى ، فلا يعدّ معتقده آمرا ولا ناهيا ، بخلاف المعنى الثاني ، فإن الإنكار والطلب يتحققان في ضمنه ، ووجوبه مشروط بالشرائط المذكورة ، لأنه يظهر على فاعله حتما ويجري فيه خوف ضرر وعدمه).

(١) في الإعراض بحيث تجب مراعاة الأيسر فالأيسر ، وكذا في اللسان ثم في اليد جمعا بين حرمة إيذاء المؤمن وإضراره وبين عموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو يقتضي التدرّج المذكور.

(٢) بجميع مراتبه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ٢.

٦٧٨

(وفي التدرج إلى الجرح والقتل) حيث لا يؤثر الضرب ولا غيره من المراتب (قولان) (١) أحدهما الجواز ، ذهب إليه المرتضى وتبعه العلامة في كثير من كتبه ، لعموم الأوامر ، وإطلاقها. وهو يتم في الجرح دون القتل ، لفوات معنى الأمر والنهي معه (٢) ، إذ الغرض ارتكاب المأمور ، وترك المنهي. وشرطه تجويز التأثير وهما منتفيان معه (٣) ، واستقرب في الدروس تفويضهما إلى الإمام ، وهو حسن في القتل خاصة.

(ويجب الإنكار بالقلب) وهو أن يوجد فيه إرادة المعروف وكراهة المنكر (على كل حال) سواء اجتمعت الشرائط أم لا ، وسواء أمر أو نهي بغيره من المراتب أم لا ، لأن الإنكار القلبي بهذا المعنى من مقتضى الإيمان ولا تلحقه مفسدة ، ومع ذلك لا يدخل في قسمي الأمر والنهي ، وإنما هو حكم يختص بمن اطلع على ما يخالف الشرع ، بإيجاد الواجب عليه (٤) من الاعتقاد في ذلك (٥) ، وقد تجوّز كثير

______________________________________________________

(١) قيل لا يجوز ، كما عن الشيخ والديلمي والقاضي وفخر المحققين والشهيد والمقداد والكركي إلّا بإذن الإمام ، بل في المسالك نسبته إلى الأشهر ، للأصل بعد انصراف الأخبار المتقدمة عن هذه الصورة ، ولاشتراط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجويز التأثير المشعر ببقاء المأمور والنهي ، ومع القتل لا يتحقّق بقاؤه ، ولأنه لو لم يشترط إذن المعصوم عليه‌السلام للزم الهرج والمرج والفساد المعلوم عدمها في الشريعة.

وقيل : نعم ، كما عن السيد والحلي والفاضل في جملة من كتبه ويحيى بن سعيد ، لإطلاق الآيات والأخبار التي تقدم بعضها ، بل في بعضها إشعار بالقتل والجرح مثل خبر جابر المتقدم (هنالك فجاهدوهم بأبدانكم) (١) ، وخبر ابن أبي ليلى المتقدم (ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى) (٢).

وذهب الشارح هنا إلى التفصيل بين الجرح فلا يشترط للعمومات ، وبين القتل فيشترط إذن الإمام لما تقدّم.

(٢) مع القتل.

(٣) مع القتل أيضا.

(٤) على المطلع.

(٥) أي في القلب.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأمر والنهي حديث ١ و ٨.

٦٧٩

من الأصحاب في جعلهم هذا القسم من مراتب الأمر والنهي.

(ويجوز للفقهاء حال الغيبة إقامة الحدود مع الأمن من (١) الضرر) على

______________________________________________________

(١) لا يجوز لأي إنسان أن يقيم الحدود لاستلزامه الهرج والمرج والفساد والمعلوم عدمها في الشريعة ، وإنما هي بإذن الإمام المعصوم عليه‌السلام أو من نصبه لذلك بلا خلاف في ذلك.

ولكن هل يجوز للفقيه إقامة الحدود في زمن الغيبة أو لا ، ذهب المشهور إلى ذلك لمقبولة عمر بن حنظلة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحلّ ذلك؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقا ثابتا له ـ إلى أن قال ـ فكيف يصنعان؟ قال عليه‌السلام : ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ، فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه ، فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا راد على الله ، وهو على الشرك بالله) (١) ، وخبر أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم ، فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه) (٢) ، وخبره الآخر المروي في التهذيب (بعثني أبو عبد الله عليه‌السلام إلى أصحابنا فقال : قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شي‌ء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق ، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإني قد جعلته قاضيا ، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر) (٣) ، وما ورد في التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) (٤) بدعوى أنه قد جعله حاكما وليس المراد منه الحكم من دون إنفاذ بل المراد منه إنفاذ الحد الذي يحكم به سيما في مثل حد القذف مع الترافع إليه وثبوته عنده وحكمه بالثبوت على القاذف.

وفيه : أما التوقيع فظاهر في الإفتاء بالنسبة للمسائل المستجدة ، وأما جعله حاكما أو قاضيا فظاهر في فصل التنازع بين المتخاصمين كما هو وظيفة كل قاض ، وأن إقامة الحدود فغير ظاهر من الأخبار ثبوتها خصوصا بعد ملاحظة خبر حفص بن غياث (سألت أبا عبد الله ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صفات القاضي حديث ٥.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي حديث ٦ و ٩.

٦٨٠