أو نائبه) الخاص (١) وهو المنصوب للجهاد ، أو لما هو أعم (٢) ، أما العام (٣) كالفقيه فلا يجوز له توليه حال الغيبة بالمعنى الأول ، ولا يشترط في جوازه (٤) بغيره من المعاني (أو هجوم عدوّ) على المسلمين (يخشى منه على بيضة الإسلام) (٥) وهي أصله ومجتمعه فيجب حينئذ (٦) بغير إذن الإمام أو نائبه.
ويفهم من القيد (٧) كونه (٨) كافرا ، إذ لا يخشى من المسلم على الإسلام نفسه وإن كان مبدعا ، نعم لو خافوا على أنفسهم وجب عليهم الدفاع (٩) ولو خيف على بعض المسلمين وجب عليه ، فإن عجز وجب على من يليه مساعدته ، فإن عجز الجميع وجب على من بعد. ويتأكد على الأقرب فالأقرب كفاية.
(ويشترط) في من يجب عليه الجهاد بالمعنى الأول (البلوغ والعقل (١٠)
______________________________________________________
(١) وهو الذي نصبه للجهاد ، لأن إطاعته إطاعة للمعصوم عليه عليهالسلام ، ولا يجب أن يكون منصوبا للجهاد فقط ، فلو كان منصوبا للجهاد وغيره كالوالي لجاز أيضا وهو المراد من نائبه العام وكلاهما منصوب من قبله بالتعيين.
وأما نائبه العام في زمن الغيبة وهو الفقيه الجامع للشرائط حيث نصبه من ناحية أوصافه ، فلا يجوز له توليه الجهاد حال الغيبة ، بل في الرياض نفي علم الخلاف فيه حاكيا له عن ظاهر المنتهى وصريح الغنية ـ إلى أن قال ـ وظاهرهما الاجماع ، مضافا إلى النصوص ـ التي تقوم بعضها ـ وهي معتبرة لوجود الإمام المعصوم ، بالإضافة إلى أن أدلة تنصيب الفقيه غير شاملة إلا للقضاء والفتيا كما ستسمعه في باب القضاء.
(٢) كالوالي المنصوب من قبله عليهالسلام ، فإنه منصوب للجهاد وغيره.
(٣) أي النائب العام.
(٤) أي ولا يشترط وجوب الإمام في جواز الجهاد بمعنى الدفاع وغيره من بقية أقسام الجهاد.
(٥) فلا يشترط إذن الإمام المعصوم للأصل ، ولأن الأخبار التي اشترطت إذنه ووجوده محمولة على الجهاد الابتدائي كما هو ظاهر بعضها ، وبيضة الإسلام : أصله.
(٦) أي حين الخوف على بيضة الإسلام.
(٧) وهو الخشية على بيضة الإسلام.
(٨) أي كون العدو.
(٩) من دون إذن المعصوم أو نائبه.
(١٠) فلا يجب على الصبي ولا على المجنون ، بلا خلاف فيه لحديث رفع القلم ، ففي خبر ـ
والحرية (١) والبصر (٢) والسلامة من المرض) (٣) المانع من الركوب والعدو ،
______________________________________________________
ـ الأعمش عن ابن ظبيان (أتى عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها ، فقال علي عليهالسلام : أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة ، عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ) (١).
(١) فلا يجب على المملوك بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، واستدل عليه العلامة في محكي المنتهى بقوله : (الحرية شرط فلا يجب على العبد إجماعا ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد ، والعبد على الإسلام دون الجهاد ، ولأنه عبادة يتعلق بها قطع المسافة فلا تجب على العبد).
ولكن في المختلف جعله مشهورا ، ونسب إلى الاسكافي الخلاف لما روي (أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ليبايعه ، فقال : يا أمير المؤمنين أبسط يدك أبايعك على أن ادعوا لك بلساني ، وأنصحك بقلبي ، وأجاهد معك بيدي ، فقال عليهالسلام : أحر أنت أم عبد؟ فقال : عبد ، فصفق يده فبايعه) (٢) ، وحمله العلامة على الجهاد معه على تقدير الحرية ، أو اذن المولى ، أو عموم الحاجة ، والأقوى عدم وجوبه على العبد ، لخبر الدعائم عن علي عليهالسلام (ليس على العبيد جهاد ما استغنوا عنهم ، ولا على النساء جهاد ، ولا على من لم يبلغ الحلم) (٣).
(٢) فلا يجب على الأعمى ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ وَلٰا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ) (٤) ، والعمى يتحقق بذهاب البصر من العينين معا ، وهو ساقط عنه وإن وجد قائدا لعموم الآية ، أما الأعور والأعشى فلا ، لعدم صدق الأعمى عليهما بعد إمكان الجهاد لهما.
(٣) فلا يجب الجهاد على المريض بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفٰاءِ وَلٰا عَلَى الْمَرْضىٰ وَلٰا عَلَى الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذٰا نَصَحُوا لِلّٰهِ وَرَسُولِهِ ، مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ، وَاللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥).
وقيّد المرض بكونه المانع عن الركوب والعدو ، لأن القتال مستلزم لهما دائما فإن عجز عنهما فقد عجز عن القتال.
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١٠.
(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٣.
(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.
(٤ و ٥) سورة النور الآية : ٦٠.
والعرج) (١) البالغ حد الإقعاد ، أو الموجب لمشقة في السعي لا تتحمل عادة ، وفي حكمه الشيخوخة (٢) المانعة من القيام به ، (والفقر) (٣) الموجب للعجز عن نفقته ونفقة عياله ، وطريقه (٤) ، وثمن سلاحه ، فلا يجب على الصبي والمجنون مطلقا (٥) ، ولا على العبد وإن كان مبعضا ، ولا على الأعمى وإن وجد قائدا ومطية ، وكذا الأعرج. وكان عليه أن يذكر الذكورية فإنها شرط فلا يجب على المرأة (٦).
______________________________________________________
(١) بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (وَلٰا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ) (١) ، وقيّد العرج بالبالغ حد الإقعاد الذي يسقط معه الجهاد ، بخلاف اليسير منه الذي يمكنه الركوب والمشي فإنه واجب عليه لعموم الأدلة.
(٢) أي وفي حكم العرج ، فلا يجب الجهاد على الشيخ الهمّ العاجز عنه بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفٰاءِ وَلٰا عَلَى الْمَرْضىٰ وَلٰا عَلَى الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) (٢) ، نعم لو فرض قوة الهمّ عليه ، فلا يسقط وإن كبر سنّه كما وقع من عمار بن ياسر في صفين ومسلم بن عوسجة ـ رضوان الله عليهما ـ في كربلاء.
(٣) فلا يجب الجهاد على الفقير غير القادر على نفقه عياله لو اشتغل بالجهاد ، وغير القادر على تأمين آلة الحرب التي يستعملها في القتال ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : (وَلٰا عَلَى الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ مٰا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) (٣).
ومن الواضح أن الفقر يختلف باختلاف الأشخاص وأحوالهم وازمنتهم فمنهم من يعتاد النفقة الواسعة ومنهم من عنده عيال كثيرة فتعتبر النفقة اللائقة والكافية في حقه ، ومنهم من يحسن الضرب بالهم خاصة فيعتبر في حقه بحيث لو وجد غيره من آلات الحرب ولم يجد القدرة على الهم فهو عاجز عن القتال وهكذا.
(٤) فيما لو توقف القتال على قطع مسافة ما ، وقطع المسافة متوقف على نفقة ، وهي مفقودة فيكون عاجزا عن القتال.
(٥) سواء كان الصبي مميزا أو لا ، وسواء كان المجنون أدواريا أو لا.
(٦) بلا خلاف فيه ، لخبر الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليهالسلام (كتب الله الجهاد على الرجال والنساء ، فجهاد الرجل بذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله ، وجهاد المرأة ـ
__________________
(١) سورة التوبة الآية : ٩٢.
(٢ و ٣) سورة التوبة الآية : ٩٢.
هذا في الجهاد بالمعنى الأول (١) ، أما الثاني (٢) فيجب الدفع على القادر سواء الذكر والأنثى ، والسليم والأعمى ، والمريض والعبد ، وغيرهم (٣).
(ويحرم المقام في بلد المشرك لمن لا يتمكن من إظهار شعائر الإسلام) (٤) من
______________________________________________________
ـ أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته) (١) ، وخبر الدعائم عن علي عليهالسلام (ولا على النساء جهاد) (٢).
(١) أي الجهاد الابتدائي.
(٢) أي الدفاع عن بيضة الاسلام بحيث يدهم المسلمين عدو يريد الاستيلاء على بلادهم.
(٣) كالخنثى والمبعّض والصبي ، بلا خلاف فيه لعموم الأدلة ، بل يجوز القتال حينئذ مع الإمام الجائر ، ففي موثق يونس عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام (قلت له : جعلت فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن رجلا يعطى السيف والفرس في سبيل الله ، فأتاه فأخذهما منه ، وهو جاهل بوجه السبيل ، ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز وأمروه بردهما ، فقال عليهالسلام : فليفعل ، قال الراوي : قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له : قد شخص الرجل ، قال عليهالسلام : فليرابط ولا يقاتل ، قال الراوي : ففي مثل قزوين والديلم وعسقلان وما أشبه هذه الثغور؟ فقال عليهالسلام : نعم ، فقال له الراوي : يجاهد؟ قال عليهالسلام : لا إلا أن يخاف على ذراري المسلمين.
فقال الراوي : أر أيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم؟ قال عليهالسلام : يرابط ولا يقاتل ، وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل ، فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطان.
قال الراوي : قلت فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال : يقاتل عن بيضة الإسلام لا عن هؤلاء ، لأن في دروس الإسلام دروس دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم) (٣).
وكذا يجب الدفاع عن النفس والعرض مطلقا ، وعن المال مع غلبة السلامة ، وهذه الأقسام الثلاثة تسمى دفاعا قال في الدروس : (وظاهر الأصحاب عدم تسمية ذلك كله جهادا بل دفاع ، وتظهر الفائدة في حكم الشهادة والفرار وقسمة الغنيمة وشبهها).
(٤) فتجب عليه الهجرة بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلٰائِكَةُ ظٰالِمِي ـ
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.
(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.
(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٨.
الأذان ، والصلاة ، والصوم ، وغيرها (١) ، وسمّي ذلك شعارا ، لأنه علامة عليه ، أو من الشعار الذي هو الثوب الملاصق للبدن فاستعير للأحكام اللاصقة اللازمة للدين (٢).
واحترز بغير المتمكن ممن يمكنه إقامتها لقوة ، أو عشيرة تمنعه فلا تجب عليه الهجرة (٣). نعم تستحب لئلا يكثر سوادهم (٤) ، وإنما يحرم المقام مع القدرة عليها (٥) ، فلو تعذرت لمرض ، أو فقر ، ونحوه فلا حرج ، وألحق المصنف فيما نقل عنه (٦) ببلاد الشرك بلاد الخلاف التي لا يتمكن فيها المؤمن من إقامة شعائر
______________________________________________________
ـ أَنْفُسِهِمْ قٰالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ، قٰالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا ، فَأُولٰئِكَ مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ وَسٰاءَتْ مَصِيراً* إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَالنِّسٰاءِ وَالْوِلْدٰانِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلٰا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً* فَأُولٰئِكَ عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ، وَكٰانَ اللّٰهُ عَفُوًّا غَفُوراً) (١).
(١) من الأحكام التي اختص الإسلام بها.
(٢) ففي الصحاح (شعار القوم في الحرب علامتهم ليعرف بعضهم بعضا) والشعار بمعنى العلامة هنا أولى فهي علامات الإسلام حيث يعرف فاعلها بأنه مسلم.
(٣) لانتفاء المانع من عدم التمكن من إظهار شعائر الإسلام.
(٤) أي الكفار.
(٥) أي على الهجرة ، قال في الجواهر وقد أجاد ، (ومن هنا كان الناس في الهجرة على أقسام ثلاثة ، كما صرح به في المنتهى ، أحدها : من تجب عليه ، وهو من أسلم من بلاد الشرك وكان مستضعفا فيهم لا يمكنه إظهار دينه ولا عذر له من مرض ونحوه ، والثاني : من تستحب له ، وهو من أسلم في بلاد الشرك ، أو كان فيها ويمكنه إظهار دينه لعشيرة تمنعه أو غير ذلك ، فإنها لا تجب عليه كما صرح به جماعة ، بل لا أجد فيه خلافا ، للأصل وظاهر الآية أيضا وغيره ، ولكن يستحب له كما صرح به جماعة تجنبا لهم عن تكثير عددهم وعن معاشرتهم ، اللهم إلا أن يكون في بقائه مصلحة للدين.
الثالث : من لا تجب عليه ولا تستحب له ، وهو من كان له عذر يمنعه عنها من مرض ونحوه ، مما أشير إليه بقوله تعالى : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَالنِّسٰاءِ) ، الآية ، نعم إذا تجددت له القدرة وجبت).
(٦) قال المحقق الثاني في جامع المقاصد : (وهل يجب الخروج من البلاد التي يعجز عن إظهار ـ
__________________
(١) سورة النساء الآية : ٩٧ ـ ٩٩.
الإيمان ، مع إمكان انتقاله إلى بلد يتمكن فيه منها.
(وللأبوين منع الولد من الجهاد) (١) بالمعنى الأول (مع عدم التعين) عليه بأمر
______________________________________________________
ـ شعائر الإيمان؟ ينقل عن شيخنا الشهيد ذلك ، وهو حسن ، لكن الظاهر أن هذا إنما يكون حيث يكون الإمام عليهالسلام موجودا ، وترتفع التقية بالكلية ، أما مع غيبته وبقاء التقية فهذا الحكم غير ظاهر ، لأن جميع البلاد لا تظهر بها شعائر الإسلام ، ولا يكون إنفاذها إلا بالمساترة وإن تفاوتت في ذلك) انتهى.
وما قاله المحقق متعين للنصوص الكثيرة الواردة في الحث على التقية (١) ، والترغيب فيها ، والنصوص الدالة على معاشرتهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم (٢) ، وهي دالة على عدم وجوب المهاجرة في زمن الغيبة وزمان الغيبة حتى ظهور صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه زمان تقية ، ففي موثق محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام (كلما تقارب هذا الأمر كان أشد للتقية) (٣) ، فلذا قال صاحب الجواهر : (فمن الغريب ما سمعته عن الشهيد ، ولم أعرف ذلك لغيره ، بل ولا له أيضا في كتاب من كتبه المعروفة).
(١) بلا خلاف فيه ، لخبر جابر عن أبي عبد الله عليهالسلام (جاء رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : يا رسول الله إني راغب في الجهاد نشيط ، قال : فجاهد في سبيل الله ، فإنك إن تقتل كنت حيا عند الله ترزق ، وإن تمت فقد وقع اجرك على الله ، وإن رجعت خرجت من الذنوب كما ولدت ، فقال : يا رسول الله إن لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أقم مع والديك ، فو الذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة) (٤) ، وهو ظاهر في حقهما في المنع ، بل في خبر أبي سعيد الخدري ـ المروي في غوالي اللئالي ـ أنه يشترط إذنهما ابتداء فضلا عن سلطنة المنع ، ففي الخبر (إن رجلا هاجر من اليمن إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : هل لك أحد باليمن؟ فقال : أبوان ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أذنا لك؟ قال : لا ، قال : ارجع فاستأذنهما ، فإن اذنا لك فجاهد ، وإلا فبرّهما) (٥).
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث ١١.
(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.
(٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٣.
الإمام له (١) ، أو بضعف المسلمين عن المقاومة بدونه إذ يجب عليه حينئذ عينا فلا يتوقف على إذنهما كغيره من الواجبات العينية (٢).
وفي الحاق الأجداد بهما قول قوي (٣) فلو اجتمعوا توقف على إذن الجميع ، ولا يشترط حريتهما على الأقوى (٤) ، وفي اشتراط إسلامهما قولان (٥) وظاهر المصنف عدمه ، وكما يعتبر إذنهما فيه يعتبر في سائر الأسفار المباحة والمندوبة والواجبة كفاية مع عدم تعينه عليه ، لعدم (٦) ...
______________________________________________________
(١) وإلا فلو أمره المعصوم فلا يعتبر اذنهما حينئذ بلا خلاف فيه ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، كما ورد في أكثر من خبر (١).
(٢) أي كما يسقط اذنهما في الصلاة والصوم وغيرهما من الواجبات العينية كذلك يسقط الاذن في الجهاد إذا كان واجبا عينيا.
(٣) ذهب إليه الفاضل في التذكرة وقواه الشارح في المسالك ، نظرا لإرادة الأب فصاعدا من لفظ الأب الوارد في الأخبار المتقدمة ، وكذا بالنسبة للأم ، وعن فخر المحققين والكركي وصاحب الجواهر وغيرهم عدم الالحاق لعموم أدلة الجهاد المخصّصة بإذن الوالدين فقط للقدر المتيقن بعد انسباق خصوص الوالدين من الأخبار المتقدمة ، ومنه تعرف الحكم بعدم إذن الجدين لو اجتمعوا مع الأبوين.
(٤) لعموم أدلة إذن الأبوين الشامل لهما وإن كانا مملوكين ، وهو ظاهر الشيخ وغيره ، وقال في الجواهر : (ولكن في المسالك حكاية قول بالعدم ، ولم أتحققه ، ولعله لكونهما مولى عليهما فلا ولاية لهما ، وفيه : إن الطاعة ونحوها غير الولاية).
(٥) يشترط اسلامهما فلو كان كافرين فلا يعتبر إذنهما في الجهاد ولا تحرم مخالفتهما فيه ، كما عن الشيخ والفاضل وغيرهما لما قاله العلامة في المنتهى (كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يخرج معه من الصحابة إلى الجهاد من كان له أبوان كافران من غير استئذان كأبي بكر وغيره ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر وأبوه كان رئيس المشركين يومئذ قتل ببدر ، وأبو عبيدة قتل أباه في الجهاد) ، وأيضا لو كان كافرين فلا ولاية لهما على المسلم ، ولأنه يسوغ قتلهما فترك قبول قولهما أولى.
وقيل : لا يشترط فيعتبر إذنهما ولو كانا كافرين لعموم أدلة الاستئذان ، وهو ضعيف للسيرة القطعية من حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وصحابته.
(٦) تعليل لتعينه عليه ، وكذا يتعين عليه بأمر المعصوم عليهالسلام هذا من جهة ومن جهة أخرى ـ
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث ٧ و ١٠.
من فيه الكفاية ، ومنه (١) السفر لطلب العلم ، فإن كان واجبا عينا أو كفاية كتحصيل الفقه ومقدماته مع عدم قيام من فيه الكفاية (٢) ، وعدم إمكان تحصيله في بلدهما ، وما قاربه مما لا يعدّ سفرا على الوجه الذي يحصّل مسافرا (٣) لم يتوقف على أذنهما ، وإلا توقف ، (والمدين) بضم أوله وهو مستحق الدين (يمنع) المديون (الموسر) القادر على الوفاء (مع الحلول) حال الخروج إلى الجهاد (٤) ، فلو كان
______________________________________________________
ـ قد دلت الأدلة من الآيات والأخبار (١) على حرمة عقوق الوالدين وأذيتهما ولو يقول اف وعليه فلا يشترط إذنهما في كل سفر أو فعل ، نعم إذا منعاه عن ذلك وكانت المخالفة موجبة للأذية فيحرم الفعل حينئذ نعم بعض الأسفار إذا لم يكن بإذنهما يكون موجبا للأذية كالأسفار الطويلة الأمد والوقت ، والأسفار المشتملة على الأخطار فيشترط إذنهما حينئذ وهذا يرجع في تشخيصه إلى العرف ، ومنه تعرف الضعف في كلام الشارح وغيره إلا أن يقال أن جميع الأسفار في زمانه كانت من القسم الثاني وإن تنوعت بين القسمين في زماننا.
(١) أي ومن سائر الأسفار غير سفر الجهاد.
(٢) فيجب عينا وإلا فيكون كفائيا.
(٣) أي على الوجه الكمالي أو الوجه اللائق واللازم الذي يحصّله في السفر ، ويعجبني قول الشارح في المسالك حيث قال : (وكما يعتبر إذنهما في الجهاد يعتبر في سائر الأسفار المباحة والمندوبة والواجبة الكفائية مع قيام من فيه الكفاية ، فالسفر إلى طلب العلم إن كان لمعرفة العلم العيني كإثبات الصانع وما يجب له ويمتنع عليه والنبوة والإمامة والمعاد لم يفتقر إلى إذنهما ، وإن كان لتحصيل الزائد منه على الفرض العيني كدفع الشبهات وإقامة البراهين المروّجة للدين زيادة على الواجب ، كان فرضه كفاية فحكمه وحكم السفر إلى أمثاله من العلوم الكفائية كطلب الفقه إنه إن كان هناك قائم بفرض الكفاية اشترط إذنهما ، وهذا في زماننا فرض بعيد ، فإن فرض الكفاية في التفقه لا يكاد يسقط مع وجود مائة فقيه مجتهد في العالم.
وإن كان السفر إلى غيره من العلوم الأدبية مع عدم وجوبها توقف على إذنهما).
(٤) للمرسل من طرق العامة (إن رجلا جاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله : إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا تكفر عنّي خطاياي ، قال : نعم إلا الدين ، فإن جبرئيل عليهالسلام قال في ـ
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب جهاد النفس.
معسرا (١) أو كان الدين مؤجلا وإن حلّ قبل رجوعه عادة لم يكن له المنع (٢) ، مع احتماله في الأخير.
(والرباط) (٣) وهو الارصاد في أطراف بلاد الإسلام للإعلام بأحوال
______________________________________________________
ـ ذلك) (١). فيجب إرجاع الدين قبل الجهاد وللدائن حق المنع منه حتى يستوفي دينه.
(١) فلا ، لأن الدائن ليس له حق المطالبة لقوله تعالى : (وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ) (٢).
(٢) لأن الدائن ليس له حق المطالبة حال الخروج إلى الجهاد ، وقال في الجواهر (واحتمل بعضهم جواز المنع إذا كان يحلّ قبل رجوعه لاستلزامه تعطيل حقه).
(٣) هو الإرصاد والإقامة والمراقبة لحفظ الثغر من هجوم المشركين ، الذي هو الحد المشترك بين دار الشرك ودار الإسلام كما في التنقيح ، أو هو كل موضع يخاف منه هجوم العدو ، وهو مستحب بلا خلاف فيه ، ولو كان المعصوم عليهالسلام غائبا لعدم تضمنه القتال حتى يكون منهيا عنه ، بل وإن استلزم القتال فهو من الدفاع عن بيضة الإسلام الذي قد عرفت جوازه وعدم توقفه على إذن المعصوم عليهالسلام لما تقدم من خبر يونس عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام (قلت له : جعلت فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن رجلا يعطي السيف والفرس في سبيل الله ، فأتاه فأخذهما منه ، وهو جاهل بوجه السبيل ، ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز ، وأمروه بردهما ، فقال عليهالسلام : فليفعل.
قال الراوي : قد طلب الرجل فلم يجده ، وقيل له : قد شخص الرجل ، قال عليهالسلام : فليرابط ولا يقاتل ، قال الراوي : ففي مثل قزوين والديلم وعسقلان وما أشبه هذه الثغور؟ فقال عليهالسلام : نعم ، فقال له الراوي : يجاهد؟ قال عليهالسلام : لا إلا أن يخاف على ذراري المسلمين.
قال الراوي : أر أيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم؟ قال عليهالسلام : يرابط ولا يقاتل ، وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطان.
وقال الراوي : قلت : فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال : يقاتل عن بيضة الإسلام ، لا عن هؤلاء ، لأن في دروس الإسلام دروس دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم) (٣) ، وهو دال على أن الرباط بحسب الأصل مجرد عن القتال ، وعلى استحبابه ـ
__________________
(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ٢٥.
(٢) سورة البقرة الآية : ٢٨٠.
(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٨.
المشركين على تقدير هجومهم (مستحب) استحبابا مؤكدا (دائما) مع حضور الإمام وغيبته ، ولو وطّن ساكن الثغر نفسه على الإعلام والمحافظة فهو مرابط (١) ، (وأقله ثلاثة أيام) (٢) فلا يستحق ثوابه ولا يدخل في النذر ، والوقف والوصية للمرابطين بإقامة دون ثلاثة ، ولو نذره وأطلق وجب ثلاثة بليلتين بينها ، كالاعتكاف (٣).
(وأكثره أربعون يوما) فإن زاد ألحق بالجهاد في الثواب ، لا أنه يخرج عن وصف الرباط ، (ولو أعان بفرسه ، أو غلامه) لينتفع بهما من يرابط (أثيب) (٤) ،
______________________________________________________
ـ حال قصور يد المعصوم فيشمل زمان الغيبة ، بالإضافة إلى إطلاق الأخبار الدالة على استحباب الرباط ، منها : خبر الغوالي عن سلمان الفارسي قال : (سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : رباط يوم في سبيل الله خير من قيام شهر وصيامه ، ومن مات مرابطا في سبيل الله كان له أجر مجاهد إلى يوم القيامة) (١) ، والمرسل عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (من لزم الرباط لم يترك من الخير مطلبا ، ولم يترك من الشر مهربا) (٢).
(١) لأنه أتى بغاية المرابطة.
(٢) وأكثره اربعون يوما ، متفق عليه كما عن التذكرة ، لصحيح محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهالسلام (الرباط ثلاثة أيام وأكثره اربعون يوما ، فإن جاوز ذلك فهو جهاد) (٣) ، أي أن ثوابه ثواب المجاهدين ، وإن بقي على وصف المرابط.
وعن الاسكافي أن أقله يوم ويؤيده النبوي المتقدم (رباط يوم في سبيل الله خير من قيام شهر وصيامه).
وفي بعض الأخبار أن رباط الشيعة انتظار أمرهم ، ففي خبر أبي عبد الله الجعفي (قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليهماالسلام : كم الرباط عندكم؟ قلت : اربعون ، قال : لكن رباطنا رباط الدهر ، ومن ارتبط فينا دابة كان له وزنها ، ووزن وزنها ما كانت عنده ، ومن ارتبط فينا سلاحا كان له وزنه ما كان عنده) (٤).
(٣) وفيه نظر ناشئ من إطلاق النبوي الدال على فضل الرباط ولو بيوم واحد ، ثم لا يحمل النبوي على المقيّد بثلاثة أيام لعدم حمل المطلق على المقيد في المندوب.
(٤) لإعانته على البر لخبر إبراهيم الجعفري (سمعت أبا الحسن عليهالسلام : من ربط فرسا ـ
__________________
(١ و ٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٦ و ٨.
(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.
(٤) الوسائل الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٢.
لإعانته على البر ، وهو في معنى الإباحة لهما (١) على هذا الوجه ، (ولو نذرها) (٢) أي نذر المرابطة التي هي الرباط المذكور في العبارة ، (أو نذر صرف مال (٣) إلى أهلها وجب الوفاء) بالنذر (وإن كان الإمام غائبا) ، لأنها لا تتضمن جهادا فلا يشترط فيها حضوره وقيل : يجوز صرف المنذور للمرابطين في البر حال الغيبة ، وإن لم يخف الشنعة بتركه ، لعلم المخالف بالنذر ، ونحوه. وهو ضعيف.
______________________________________________________
ـ عتيقا محيت عنه ثلاث سيئات في كل يوم ، وكتب له إحدى عشرة حسنة ، ومن ارتبط هجينا محيت عنه في كل يوم سيئتان وكتب له سبع حسنات ، ومن ارتبط برذونا يريد به جمالا أو قضاء حاجة أو دفع عدد محيت عنه في كل يوم سيئة وكتب له ست حسنات) (١).
(١) أي العون بالفرس والغلام وهو أن يبيح لغيره التصرف فيهما في هذا الوجه.
(٢) وجبت لوجوب الوفاء بالنذر ، مع وجود الإمام عليهالسلام أو غيبته بلا خلاف فيه ، لأنها مستحبة ذاتا كما تقدم فيتعلق بها النذر.
(٣) إلى أهل المرابطة فيجب الوفاء بالنذر أيضا لأن المرابطة مستحبة فالعون عليها مستحب ، وعن الشيخ في النهاية يحرم الوفاء بالنذر ويصرفه في وجوه البر إلا مع خوف الشنعة عليه فيفي بالنذر ، لخبر علي بن مهزيار (كتب رجل من بني هاشم إلى أبي جعفر الثاني عليهالسلام : إني كنت نذرت نذرا منذ سنين أن اخرج إلى ساحل من سواحل البحر إلى ناحيتنا مما يرابط فيه المقطوعة ، نحو مرابطتهم بجدّة وغيرها من سواحل البحر ، أفترى ـ جعلت فداك ـ أنه يلزمني الوفاء به ، أو لا يلزمني ، أو افتدي الخروج إلى ذلك بشيء من أبواب البر لأصير إليه إن شاء الله؟.
فكتب إليه بخطه وقرأته : إن كان سمع منك نذرك احد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنعته ، وإلا فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البر ، وفّقنا الله وإياك لما يجب ويرضى) (٢) ، والخبر يمنع انعقاد النذر على نفس المرابطة أيضا ، ولكنه محمول على نذر خصوص مرابطة غير مشروعة ولو باعتبار كونهم جندا للمخالفين.
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام الدواب حديث ٢.
(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.
وهنا فصول. الأول فيمن يجب قتاله
وكيفية القتال وأحكام الذمة
(يجب قتال الحربي) (١) وهو غير الكتابي من أصناف الكفار الذين لا ينتسبون
______________________________________________________
(١) اعلم أنه من يجب قتاله ثلاثة : البغاة على الإمام من المسلمين ، وأهل الذمة وهم اليهود والنصارى والمجوس إذا أخلوا بشرائط الذمة ، ومن عدا هؤلاء من أصناف الكفار.
فالباغي يجب قتاله حتى يفيء إلى أمر الله ، واليهود والنصارى يقاتلوا على الإسلام فإن دفعوا الجزية فهو وإلا فالقتل ، وكذا من له شبهة كتاب وهم المجوس ، والباقي من أصناف الكفار لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.
أما الأول فسيأتي الكلام فيه ، وأما الثالث فلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١) ، وقوله تعالى : (فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ) (٢) ، وهما مخصصتان بأهل الكتاب إذا دفعوا الجزية كما ستعرف ، وأما الثاني فلا خلاف فيه لقوله تعالى : (قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَلٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَرَسُولُهُ ، وَلٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صٰاغِرُونَ) (٣) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا بعث أميرا له على سرية أمره بتقوى الله عزوجل في خاصة نفسه ثم في أصحابه عامة ـ إلى أن قال ـ وإذا لقيتم عددا للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث ، فإن هم اجابوكم إليها فاقبلوا منهم وكفوا عنهم ، ادعوهم إلى الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم وكفوا عنهم ، وادعوهم إلى الهجرة بعد الإسلام فإن فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم ـ إلى أن قال ـ فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإن اعطوا الجزية فاقبل منهم وكف عنهم ، وإن أبوا فاستعن بالله عزوجل عليهم وجاهدهم في الله حق جهاده) (٤) ، المحمول على أهل الكتاب بشهادة الآية المتقدمة.
وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى بلا خلاف بين المسلمين ، وكذا المجوس على المشهور إلا من العماني حيث ألحقهم بعبادة الأوثان وغيرهم ممن لا يقبل منهم إلا الإسلام ولكن
__________________
(١) سورة التوبة الآية : ٥.
(٢) سورة محمد (ص) الآية : ٤.
(٣) سورة التوبة الآية : ٢٩.
(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٣.
إلى الإسلام فالكتابي لا يطلق عليه اسم الحربي ، وإن كان بحكمه على بعض الوجوه (١) ، وكذا فرق المسلمين (٢) وإن حكم بكفرهم كالخوارج ، إلا أن يبغوا على الإمام فيقاتلون من حيث البغي وسيأتي حكمهم ، أو على غيره (٣) فيدافعون كغيرهم (٤). وإنما يجب قتال الحربي بعد الدعاء إلى الإسلام (٥) بإظهار الشهادتين
______________________________________________________
ـ الأخبار على خلافه منها : مرسل الواسطي سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن المجوس أكان لهم نبي؟ فقال : نعم ، إن بلغك كتاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أهل مكة أسلموا وإلا نابذتكم بحرب ، فكتبوا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان ، فكتب إليهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه : زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر ، فكتب إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر الف جلد ثور) (١) ، ومرسل المفيد في المقنعة عن أمير المؤمنين عليهالسلام (المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات ، لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب) (٢).
(١) بحيث إذا أخلّ بشرائط الذمة فلا يقبل منه إلا الإسلام أو القتل كالحربي.
(٢) لا يطلق عليهم اسم الحربي.
(٣) أي غير الإمام.
(٤) ممن عمد إلى القتال ظلما.
(٥) يدعوه إلى الشهادتين وما يتبعهما من أصول الدين للنبوي (لا تقاتل الكفار إلا بعد الدعاء إلى الإسلام) (٣) ، والمقصود منه الشهادتان فقط كما يشهد بذلك سيرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين عليهالسلام وسيأتي بعض ما يدل عليه ، فإن امتنع فالقتل بلا خلاف فيه لخبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليهالسلام (قال أمير المؤمنين عليهالسلام : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليمن فقال : يا علي ، لا تقاتلنّ أحدا حتى تدعوه إلى الإسلام ، وأيم الله لئن يهدي الله عزوجل على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس ، ولك ولاؤه يا علي) (٤) ، وخبر أبي عمرة السلمي عن أبي عبد الله عليهالسلام (سأله رجل فقال : إني كنت أكثر الغزو ، وأبعد في طلب الأجر ، وأطيل في الغيبة ، فحجز ذلك عليّ فقالوا : لا غزو ـ
__________________
(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١ و ٨.
(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٣.
(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.
والتزام جميع أحكام الإسلام ، والداعي هو الإمام (١). أو نائبه ويسقط اعتباره في حق من عرفه (٢) بسبق دعائه في قتال آخر. أو بغيره. ومن ثم عزا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بني المصطلق ، من غير إعلام واستأصلهم نعم يستحب الدعاء (٣) حينئذ كما فعل علي عليهالسلام بعمرو (٤)، ...
______________________________________________________
ـ إلا مع إمام عادل ، فما ترى أصلحك الله؟.
فقال أبو عبد الله عليهالسلام : إن شئت أن أجمل لك أجملت ، وإن شئت أن ألخص لك لخّصت ، فقال : بل أجمل ، فقال عليهالسلام : إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة ـ إلى أن قال ـ فقال الرجل : غزوت فواقعت المشركين ، فينبغي قتالهم قبل أو ادعوهم؟ فقال عليهالسلام : إن كانوا غزوا وقوتلوا وقاتلوا فإنك تجتزي بذلك ، وإن كانوا قوما لم يغزوا ولم يقاتلوا فلا يسعك قتالهم حتى تدعوهم) (١).
(١) كما عن النافع والتحرير والتذكرة والتبصرة : والدروس لخبر مسمع المتقدم حيث خصّ الأمر بالدعاء بأمير المؤمنين عليهالسلام ، وفيه : إنه لا يدل على الاختصاص ولذا ذهب الشيخ في النهاية وابن إدريس إلى الاستحباب.
(٢) لما روي (أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم غزا بني المصطلق ، وهم آمنون ، وإبلهم تسقى على الماء واستأصلهم) (٢) ، المحمول على أنهم قد وصلتهم الدعوة ، ويؤيده خبر الدعائم عن عليّ عليهالسلام (إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا يغز قوم حتى يدعوا ، يعني إذا لم يكن بلغتهم الدعوة ، وإن بلغتهم الدعوة وأكدت الحجة عليهم بالدعاء فحسن ، وإن قوتلوا قبل أن يدعوا وكانت الدعوة قد بلغتهم فلا حرج ، وقد أغار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على نبي المصطلق وهم غارّون ـ يعني غافلون ـ فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم ، ولم يدعهم في الوقت) (٣) ومرسل الغوالي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (لا تقاتل الكفار إلا بعد الدعاء إلى الإسلام) (٤).
(٣) تأكيدا للحجة ولخبر الدعائم.
(٤) ففي كتب السير عند ما نزل أمير المؤمنين عليهالسلام لعمرو بن عبد ودّ وجرى ما جرى بينهما (فقال علي : دع هذا يا عمرو ، إني سمعت منك وأنت متعلق بأستار الكعبة تقول : لا يعرض عليّ أحد في الحرب ثلاث خصال إلا أجبته إلى واحدة منها ، وأنا اعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلى واحدة ، فقال : هات يا عليّ ، قال : تشهد أن لا إله إلا
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٢.
(٢) البحار ج ٢٠ ص ٢٨١.
(٣ و ٤) مستدرك الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب جهاد الدعوة حديث ٢ و ٣.
وغيره (١) مع علمهم بالحال ، (وامتناعه) من قبوله. فلو أظهر قبوله ولو باللسان (٢) كفّ عنه.
ويجب قتال هذا القسم (حتى يسلم أو يقتل) (٣) ، ولا يقبل منه غيره.
(والكتابي) وهو اليهودي والنصراني والمجوسي (كذلك) يقاتل حتى يسلم أو يقتل ، (إلا أن يلتزم بشرائط الذمة) فيقبل منه (٤) ...
______________________________________________________
ـ الله وأن محمدا رسول الله ، قال : نحّ عنّي هذا ، قال : فالثانية أن ترجع وتردّ هذا الجيش عن رسول الله ، فإن يك صادقا فأنتم أعلى به عينا ، وأن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره ، فقال : إذا تتحدث نساء قريش بذلك وينشد الشعراء في أشعارها أني جبنت ورجعت على عقبي من الحرب وخذلت قوما رأسوني عليهم ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : فالثالثة أن تنزل إليّ فإنك راكب وأنا راجل حتى أنابذك ، فوثب عن فرسه وعرقبه وقال : هذه خصلة ما ظننت أن أحدا من العرب يسومني عليها) (١).
(١) أي غير عمرو.
(٢) ففي تفسير علي بن إبراهيم في ذيل قوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَتَبَيَّنُوا وَلٰا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقىٰ إِلَيْكُمُ السَّلٰامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا)(٢) قال : (فإنها نزلت لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من غزوة خيبر ، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام ، وكان رجل من اليهود ويقال له : مرداس بن نهيك الفدكيّ في بعض القرى ، فلما أحسّ نجيل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فمرّ به أسامة بن زيد فطعنه وقتله ، فلما رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبره بذلك ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ فقال : يا رسول الله ، إنما قالها تعوذا من القتل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فلا شققت الغطاء عن قلبه ، لا ما قال بلسانه قبلت ، ولا ما كان في نفسه علمت) (٣).
(٣) قد تقدم الكلام فيه.
(٤) قد تقدم الكلام فيه أيضا.
__________________
(١) البحار ج ٢٠ ص ٢٢٧.
(٢) سورة النساء الآية : ٩٤.
(٣) البحار ج ٢١ ص ١١ حديث ٦.
(وهي (١) ...
______________________________________________________
(١) أي شرائط الذمة ، وهي ستة : الأول : بذل الجزية ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : (حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صٰاغِرُونَ) (١) ، وخبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليهالسلام (ولو امتنع الرجال أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد وحلّت دماؤهم وقتلهم) (٢).
الثاني : ألا يفعلوا ما ينافي الأمان ، مثل العزم على حرب المسلمين وإمداد المشركين بالمعاونة لهم على حرب المسلمين ، بلا خلاف فيه ، لأنه مقتضى الأمان الواقع بينهم وبين المسلمين فلو فعلوا ما ينافيه فقد نقضوا عهد الذمة سواء اشترط ذلك في العقد أو لا ، ولذا لم يذكر الكثير من الفقهاء واعتبروا الشرائط خمسة.
الثالث : أن لا يؤذوا المسلمين كالزنا بنسائهم واللواط بصبيانهم والسرقة لأموالهم ، وايواء عين المشركين والتجسس لهم ، فإن فعلوا شيئا من ذلك وكان تركه مشترطا في الهدنة كان نقضا لها ، وذهب البعض إلى أن فعله يوجب نقض العهد وإن لم يكن مشترطا ، وقال عنه في الجواهر : (إنه ليس في شيء من الأدلة اعتبار ذلك في عقد الذمة ، بل مقتضى الاطلاق خلافه).
وعلى كل إن لم يكن مشتركا كانوا على عهدهم وفعل بهم ما تقتضيه جنايتهم من حد أو تعزير ، بل لو أن أحدا منهم سبّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قتل كغيره من الناس بلا خلاف فيه لعموم الأدلة التي ترد في كتاب الحدود.
الرابع : أن لا يتظاهروا بالمناكير كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرمات ، وإن لم يشترط تركه في عهد الذمة ، فلو فعلوا ذلك انتقض العهد ، لصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام (إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل الجزية من أهل الجزية على أن لا يأكلوا الربا ولا يأكلوا لحم الخنزير ولا ينكحوا الأخوات ، ولا بنات الأخ ، فمن فعل ذلك منهم برئت ذمة الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم منه ، وقال : وليست لهم اليوم ذمة) (٣) ، ومنه تعرف ضعف ما عن الشيخ في المبسوط والخلاف من أن فعل ذلك لا يوجب نقض العهد وإن اشترط عليهم ، بل يفعل معهم ما يوجبه شرع الإسلام من حد أو تعزير ، وتعرف ضعف ما ذهب إليه العلامة في التحرير والتذكرة والمنتهى من التفصيل بين الاشتراط فينقض العهد وبين عدمه فلا نقض.
__________________
(١) سورة التوبة الآية : ٢٩.
(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.
(٣) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.
بذل الجزية (١) ، والتزام أحكامنا (٢) ، وترك التعرض للمسلمات بالنكاح) (٣) وفي حكمهن الصبيان ، (وللمسلمين مطلقا) ذكورا وإناثا (بالفتنة عن دينهم وقطع الطريق) عليهم ، وسرقة أموالهم ، (وإيواء عين المشركين) ، وجاسوسهم ، (والدلالة على عورات المسلمين) وهو ما فيه ضرر عليهم كطريق أخذهم وغيلتهم ولو بالمكاتبة (وإظهار المنكرات (٤) في) شريعة (الإسلام) كأكل لحم الخنزير ، وشرب الخمر ، وأكل الربا ونكاح المحارم (في دار الإسلام).
والأولان لا بد منهما في عقد الذمة ، ويخرجون بمخالفتهما عنها مطلقا (٥) وأما باقي الشروط فظاهر العبارة أنها كذلك وبه صرح في الدروس. وقيل : لا يخرجون بمخالفتها إلا مع اشتراطها عليهم ، وهو الأظهر.
(وتقدير الجزية إلى الإمام) (٦) ، ويتخير بين وضعها على رءوسهم ،
______________________________________________________
الخامس : أن لا يحدثوا كنيسة ولا يضربوا ناقوسا ولا يطيلوا بناء ، فعن الغنية النقض به وإن لم يشترط مدعيا الاجماع ، وعن غير واحد أنه لا ينقض العهد إلا مع الاشتراط وإلا فمقتضى الأصل وإطلاق الأخبار جواز ما كان جائزا في شرعهم الذي أمرنا بإقرارهم عليه.
السادس : أن تجري عليهم أحكام المسلمين بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم عليهم المسلمون به من أداء حق أو ترك حرام بلا خلاف فيه كما عن المنتهى ، وصرح أكثر من واحد كما في الجواهر أن عدمه موجب لنقض العهد وإن لم يشترط ، وهو مشكل إذ لا دليل صالح يدل عليه ، نعم ينبغي أن يشترط عليهم كل ما فيه نفع ورفعة للإسلام والمسلمين ، وما كان فيه ضعة وصغار عليهم في اللباس والمساكن والكنى والشعور ، وينبغي الاشتراط بما يقتضي رغبتهم في الإسلام أو رهبتهم وأن لا يمارسوا شعائرهم علانية ولا ما يؤيد دينهم.
(١) الأمر الأول المتقدم في الشرح.
(٢) الأمر السادس المتقدم في الشرح أيضا.
(٣) الأمر الثالث المتقدم في الشرح.
(٤) الأمر الرابع المتقدم في الشرح.
(٥) أي عن الذمة وإن لم يشترطا في عقد الذمة.
(٦) على المشهور شهرة عظيمة (قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما حدّ الجزية على أهل الكتاب ، وهل عليهم في ذلك شيء موظف ، ولا ينبغي أن يجوز إلى غيره؟ فقال : ذلك إلى الإمام ـ
وأراضيهم ، وعليهما على الأقوى (١) ، ولا تتقدّر بما قدره علي عليه الصلاة والسلام ، فإنه منزّل على اقتضاء المصلحة في ذلك الوقت.
______________________________________________________
ـ يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق ، إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا ، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتى يسلموا ، فإن الله عزوجل قال : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وكيف يكون صاغرا ولا يكترث بما يؤخذ منه حتى يجد ذلّا لما أخذ منه ، فيألم بذلك فيسلم) (١) ، وعن الاسكافي تقديرها من جانب القلة بالدينار بحيث لا يجوز الأقل منه ، وأما جانب الكثرة فأمره إلى الإمام عليهالسلام لما روته العامة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (خذ من كل حالم دينارا) (٢) ، وهو محمول على اقتضاء المصلحة ذلك في تلك الحال ، وكذلك ما أرسله المفيد في المقنعة عن أمير المؤمنين عليهالسلام (أنه جعل على اغنيائهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى أوساطهم أربعة وعشرين درهما ، وجعل على فقرائهم اثنى عشر درهما) (٣).
(١) يتخير الإمام في وضع الجزية على الرءوس أو الأراضي ولا يجوز الجمع بينهما ، فعن الشيخين وابن إدريس وابن زهرة أنه لا يجوز لصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام (وليس للإمام أكثر من الجزية ، إن شاء الإمام وضع ذلك على رءوسهم وليس على أموالهم شيء ، وإن شاء فعلى أموالهم وليس على رءوسهم شيء) (٤) ، وخبره الآخر (سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دمائهم وأموالهم؟ قال : فإن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم ، وأن أخذ من أرضهم فلا سبيل على رءوسهم) (٥).
وذهب أبو الصلاح الحلبي تبعا للاسكافي ، وتبعهما أكثر من تأخر إلى الجواز ، بحمل الخبرين على أن الإمام إذا قرر الجزية ووضعها على أحدهما فلا يجوز الزيادة فيما بعد بوضعها على الآخر ، وأما إذا أراد أن يقرر أولا مقدار الجزية ، وهذا له كما تقدم فقسّط الجزية على الرءوس والأراضي كان له ذلك بعد كون الجزية غير مقدرة وأمرها بيد الإمام ويؤيده خبر مصعب بن يزيد الأنصاري (استعملني أمير المؤمنين عليهالسلام على أربعة رساتيق : المدائن ـ إلى أن قال ـ وأمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهما ونصفا ، وعلى جريب وسط درهما ، وعلى كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم ، وعلى كل جريب ـ
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١.
(٢) سنن البيهقي ج ٩ ص ١٩٣.
(٣) الوسائل الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٧.
(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٢ و ٣.
(وليكن) التقدير (يوم الجباية) (١) لا قبله ، لأنه أنسب بالصغار ، (ويؤخذ منه صاغرا) فيه إشارة إلى أن الصغار أمر آخر غير إبهام قدرها عليه فقيل : هو عدم تقديرها حال القبض أيضا ، بل يؤخذ منه إلى أن ينتهي إلى ما يراه صلاحا. وقيل : التزام أحكامنا عليهم مع ذلك (٢) أو بدونه (٣) وقيل : أخذها منه قائما والمسلم جالس ، وزاد في التذكرة أن يخرج الذمي يده من جيبه ويحني ظهره ، ويطاطئ رأسه ، ويصب ما معه في كفة الميزان ، ويأخذ المستوفي بلحيته ويضربه
______________________________________________________
ـ كرم عشرة دراهم ، وعلى كل جريب نخل عشرة دراهم ، وعلى كل جريب البساتين التي تجمع النخل والشجر عشرة دراهم ، وأمرني أن ألقي كل نخل شاذ عن القرى لمارّة الطريق وأبناء السبيل ، ولا آخذ منه شيئا ، وأمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البزازين ويتختمون بالذهب على كل رجل منهم ثمانية واربعين درهما ، وعلى أوساطهم والتجار منهم على كل واحد منهم أربعة وعشرين درهما ، وعلى سفلتهم وفقرائهم اثنى عشر درهما ، على كل إنسان منهم) (١) ، بناء على إرادة الجزية في الموضوع على الأراضي والرءوس معا.
(١) لأنه أنسب بالصغار كما عن الشيخ وابن إدريس بل قيل إنه المشهور ، هذا وعن الاسكافي الصغار هو أن يشترط عليهم وقت العقد جريان أحكام المسلمين عليهم في الخصومات بينهم إذا تحاكموا إلينا ، وفي الخصومات بينهم وبين المسلمين ، وأن تؤخذ ـ أي الجزية ـ منهم وهم قيام ، وفي التذكرة أن تؤخذ ـ أي الجزية ـ منه قائما والمسلم جالس ، وأن يخرج الذمي يده من جيبه ويحني ظهره ، ويطأطئ رأسه ، ويصب ما معه في كفه الميزان ، ويأخذ المستوفي بلحيته ويضرب في لهزمته ، واللهزمتان في اللحيين مجمع اللحم بين الماضغ والاذن ، وزاد في كنز العرفان أنه يقال له : أد الجزية وأنت صاغر ويصفع على قفاه صفعة ، إلى غير ذلك من الاشياء التي أتى بها الفقهاء هنا تحقيقا لمعنى الصغار الموجب لإذلال الذمي وإهانته.
هذا والمراد بقوله تعالى : (عَنْ يَدٍ) (٢) أن يدفعها الذمي بنفسه لا بنائبه فإنه أنسب بالذلة.
(٢) أي مع إبهام قدرها كما عن الشيخ في الخلاف بل قيل : هو المشهور.
(٣) أي إن الصغار هو الالتزام بأحكامنا فقط كما عن الشيخ في المبسوط.
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٥.
(٢) سورة التوبة الآية : ٢٩.
في لهزمتيه وهما مجتمع اللحم بين الماضغ والأذن.
(ويبدأ بقتال الأقرب) (١) إلى الإمام ، أو من نصبه ، (إلا مع الخطر في البعيد) فيبدأ به كما فعل النبي (ص) بالحارث بن أبي ضرار لما بلغه أنه يجمع له وكان بينه وبينه عدو أقرب ، وكذا فعل بخالد بن سفيان الهزلي. ومثله (٢) ما لو كان القريب مهادنا.
(ولا يجوز الفرار) من الحرب (إذا كان العدو ضعفا) (٣) للمسلم المأمور
______________________________________________________
(١) لقوله تعالى : (قٰاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّٰارِ) (١) ، إلا إذا كان الأبعد أشد خطرا وأكثر ضررا بدء به بلا خلاف فيه لله ، كما في الجواهر ، ولذا أغار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على الحارث بن أبي ضرار مع أنه كان هناك عدو أقرب (٢) ، وكذلك فعل بخالد بن سفيان الهذلي (٣)، ومنه يعلم الحال في قتال الأقرب فالأقرب التابع لمراعاة المصلحة في ذلك وهي تختلف باختلاف الأحوال ، وعلى كل فهي ترجع إلى نظر المعصوم عليهالسلام وهو أدرى بما يراه.
(٢) أي وقل الخطر في البعيد.
(٣) أو أقل ، بلا خلاف فيه ، بل الفرار من الزحف من جملة الكبائر لقوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلٰا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبٰارَ ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّٰا مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ ، وَمَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٤) ،
وللأخبار الكثيرة ، منها : صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام (عن الكبائر فقال : هنّ في كتاب علي عليهالسلام سبع : الكفر بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وأكل الربا بعد البينة وأكل مال اليتيم ظلما والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة ، فقلت : هذه أكبر المعاصي فقال : نعم) (٥) ، وخبر محمد بن سنان عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام في جواب مسائله (حرّم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين ، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة ، وترك نصرتهم على الأعداء والعقوبة لهم على ترك ما دعوا إليه من الإقرار بالربوبية وإظهار العدل ، وترك الجور وإماتة الفساد ، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين ، وما يكون في ذلك من السّبي والقتل وإبطال دين الله عزوجل ـ
__________________
(١) سورة التوبة الآية : ١٢٤.
(٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٩ ص ٣٨.
(٤) سورة الأنفال الآية : ١٥ ـ ١٦.
(٥) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب جهاد النفس حديث ٤.