الزبدة الفقهيّة - ج ٣

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-34-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٨

ولبس الثوبين ليحرم عقيب الصلاة بغير فصل (١).

(ويجب (٢) فيه النية المشتملة على مشخصاته) من كونه إحرام حج ، أو عمرة

______________________________________________________

(١) كما هو المستفاد من الأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة ، فصله ركعتين ثم أحرم في دبرها) (١).

(٢) أي في الإحرام ، اعلم أن واجبات الإحرام ثلاثة : النية ، والتلبيات الأربع ولبس ثوبي الإحرام ، أما النية فقد تقدم منا أكثر من مرة أنها تشتمل على القصد مع القربة ، وهي واجب في الإحرام بلا خلاف فيه كما صرح بذلك جماعة من الأصحاب ، ويقتضيه ارتكاز المتشرعة من كون الإحرام عبادة ، والعبادة لا تصح بدون نية ، فضلا عن النصوص وسيأتي التعرض لها.

هذا ويشترط في النية هنا أمور أربعة ، من القصد إلى ما يحرم به من حج أو عمرة ، ومن نوعه من تمتع أو إفراد أو قران ، ومن صفته من وجوب أو ندب ، ومن كون الوجوب حجة الإسلام أو حجة منذورة ، وهذه الأمور الأربعة لا دخل لها في حقيقة النية ، وإنما هي مشخصات المنوي ، هذا ما عليه المشهور ، وقد عرفت في الأبواب السابقة عدم اعتبار نية الوجه من وجوب أو ندب إلا إذا توقف التعيين عليها ، وعرفت عدم اعتبار التلفظ ولا الإخطار بالبال ، بل يكفي الداعي ، نعم يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفظ بنية الإحرام.

منها : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج كيف أقول؟ قال : تقول اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك ، وإن شئت أضمرت الذي تريد) (٢) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسّر لي ذلك وتقبله مني وأعني عليه وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ ، أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب) (٣) ، هذا وقد رود في جملة من الأخبار أفضلية الإضمار كخبر منصور بن حازم (أمرنا أبو عبد الله عليه‌السلام أن نلبي ولا نسمي ، وقال : أصحاب الإضمار أحبّ إليّ) (٤) ، وخبر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الإحرام حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام حديث ٥.

٣٤١

تمتع ، أو غيره ، إسلامي أو منذور ، أو غيرهما ، كل ذلك (مع القربة) التي هي غاية الفعل المتعبد به ، (ويقارن بها) (١) قوله (لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك لبّيك) (٢) ...

______________________________________________________

ـ إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام (الإضمار أحب إلي ، ولم يسمّ) (١) ، لكنها محمولة عند الأصحاب على التقية.

(١) أي بالنية ، فالمشهور على جواز تأخير التلبية عن النية ، وفي اللمعة هنا اعتبار المقارنة بينهما ، وهو المحكي عن ابن إدريس وابن حمزة وابن سعيد ، والأقوى الأول للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة ـ إلى أن قال ـ اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى أن قال ـ ويجزيك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم ، ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ) (٢) ، وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء) (٣)

(٢) التلبيات أربعة مما لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في صورتها على أقوال : القول الأول : أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، وهو مختار المحقق في الشرائع وسيد المدارك ، والعلامة في التحرير والمنتهى ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقم وامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ ، والتلبية أن تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك ، لبيك غفار الذنوب لبيك ، لبيك أهل التلبية لبيك ، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك ، لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك ، لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك ، لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك ، لبيك إله الحق لبيك ، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك ، لبيك كشّاف الكرب العظام لبيك ، لبيك عبدك وابن عبديك لبيك ، لبيك يا كريم لبيك ، تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة ونافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفا أو هبطت واديا ، أو لقيت راكبا ، أو استيقظت من ـ

__________________

(١) المصدر السابق حديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ منامك وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت منها واجهر بها ، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أن تمامها أفضل.

واعلم أنه لا بد لك من التلبيات الأربع التي كنّ أول الكلام ، وهي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبّى المرسلون ، وأكثر من ذي المعارج فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكثر منها) (١).

ووجه الدلالة أن قوله عليه‌السلام (لا بد لك من التلبيات الأربع التي كن أول الكلام) هو ما يتم بلفظ لبيك الرابع ، وأن قوله ـ إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ـ يكون خارجا عن التلبية الواجبة ، ويؤيده صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيّت من مكانك من المسجد تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك بحجة تمامها عليك) (٢) ، حيث دل هذا الصحيح على أن قوله ـ إن الحمد والنعمة لك ـ إلى آخره ليس بواجب في التلبية الواجبة ، هذا ويمكن القول أن قوله عليه‌السلام في صحيح معاوية المتقدم (وأكثر من ذي المعارج فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكثر منها) ظاهر في أن ما قبله هو الواجب وأن من ذي المعارج وما بعده هو المستحب وعلى هذا فيكون الخبر من جملة أدلة القول الثاني.

القول الثاني : أن يقول : ـ بعد العبارة المذكورة في القول الأول ـ : إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) كما عن الصدوق في الفقيه والمقنع والهداية والأمالي ، والمفيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلار بل ونسب إلى والد الصدوق ، لصحيح معاوية على ما تقدم شرحه ، ولصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لما لبّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، وكان عليه‌السلام يكثر من ذي المعارج ، وكان يلبّى كلما لقي راكبا ، أو علا أكمة ، أو هبط واديا ، ومن آخر الليل وفي أدبار الصلوات) (٣) ، وصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأل عن التهيؤ للإحرام فقال : في مسجد الشجرة ، فقد صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢ ، وأورد صوره في ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢.)

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام حديث ٣.)

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام حديث ٤.)

٣٤٣

وقد أوجب المصنف وغيره (١) النية للتلبية أيضا وجعلوها مقدّمة على التقرب بنية الإحرام بحيث يجمع النيتين جملة ، لتحقق المقارنة بينهما (٢) كتكبيرة الإحرام لنية الصلاة ، وإنما وجبت النية للتلبية دون التحريمة لأن أفعال الصلاة متصلة حسا وشرعا فيكفي نية واحدة للجملة كغير التحريمة من الأجزاء ، بخلاف التلبية فإنها من حملة أفعال الحج وهي منفصلة شرعا وحسا ، فلا بد لكل واحد من نية. وعلى

______________________________________________________

ـ البيداء وحيث الميل ، فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك عبقة بعمرة إلى الحج) (١) ، وخبر الأعمش عن الصادق عليه‌السلام (وفرائض الحج : الإحرام والتلبيات الأربع وهي : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) (٢) ، ومثله غيره ، وهذا القول هو المتعين.

القول الثالث : أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، كما عن السيد في الجمل والشيخ في المبسوط وابن إدريس في السرائر وابن حمزة وابن زهرة وابن البراج ، بل جعله في المدارك هو المشهور بين الأصحاب ، وقال : (فلم أقف له على مستند مع شهرته بين الأصحاب ، وقد ذكره العلامة في المنتهى مجردا عن الدليل) ، وكذلك اعترف بذلك غيره.

القول الرابع : أن تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك) ، وهو الذي صرح به الماتن هنا واختاره العلامة في القواعد وابن سعيد في جامعه ، واعترف غير واحد بعدم الشاهد عليه.

(١) لم أعثر على هذا الفرع في كتب القوم ، نعم اشترط الشهيد في الدروس مقارنة التلبية لنية الإحرام وهو المنسوب إلى ابن إدريس والمحقق الثاني ، وأما اشتراط نية للتلبية غير نية الإحرام ، وأن تكون مقارنة للتلبية بجمعها مع نية الإحرام فلا أثر له في كتب القوم ، ولذا قال صاحب الجواهر بعد ما نقل كلام الشارح هنا : (ولا يخفى عليك خلو هذا الكلام من التحصيل ، بل هو خلاف ظاهر النص والفتوى ، ضرورة اقتصارهما في بيان كيفية الإحرام على ذكر نيته وأن يقول : لبيك ، ولبس الثوبين). انتهى.

(٢) أي بين التلبية ونية الإحرام.

__________________

(١) الوسائل أورد صوره في ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام حديث ٣ ، وذيله في ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢٩.

٣٤٤

هذا (١) فكان إفراد التلبية عن الإحرام وجعلها من جملة أفعال الحج أولى كما صنع في غيره (٢) ، وبعض الأصحاب جعل نية التلبية بعد نية الإحرام وإن حصل بها فصل (٣) ، وكثير منهم لم يعتبروا المقارنة بينهما مطلقا (٤). والنصوص خالية عن اعتبار المقارنة ، بل بعضها صريح في عدمها (٥).

ولبيك نصب على المصدر (٦) ، وأصله لبّا لك (٧) أي إقامة (٨) ، أو إخلاصا (٩) من لب بالمكان إذا أقام (١٠) به ، أو من لبّ الشي‌ء وهو خالصه (١١). وثنيّ تأكيدا (١٢) أي إقامة بعد إقامة وإخلاصا بعد إخلاص ، هذا بحسب الأصل. وقد

______________________________________________________

(١) من توقف التلبية على نية غير نية الإحرام.

(٢) أي في الدروس ، ولكن في الدروس جعل الإحرام مشتملا على لبس الثوبين والنية والتلبيات الأربع والمقارنة ، ولم يفصل التلبية عن النية ويجعلها من أفعال الحج فراجع.

(٣) قد عرفت أن المشهور على الفصل بين نية الإحرام والتلبية وقد تقدم دليله ، وأن الذي اشترط المقارنة هو الشهيد في الدروس وابن إدريس والمحقق الثاني ، وأما الفصل بين نية الإحرام ونية التلبية فلا ذكر له في كلام الأصحاب.

(٤) سواء كانت المقارنة حقيقية أو عرفية ، والمراد هنا بين التلبية وبين نية الإحرام.

(٥) كصحيح معاوية بن عمار ، وقد تقدم.

(٦) قال سيبويه : (انتصب لبيك على الفعل ، كما انتصب سبحان الله) ، وفي الصحاح : (نصب على المصدر كقولك : حمدا لله وشكرا ، وكان حقه أن يقال : لبا لك).

(٧) قال في القاموس : (ألبّ أقام كلبّ ، ومنه لبيك ، أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة ، أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري ، تلبّ داره أي تواجهها ، أو معناه محبتي لك من امرأة لبّة ، محبّة لزوجها ، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص).

(٨) حكي عن الخليل وأنشد له : لبّ بارض ما تخطاها الغنم ، ومنه قول طفيل :

رددن حصينا من عدي ورهطه

وتيم تلبي في العروج وتحلب

(٩) فيكون معنى لبيك : إخلاصي لك ، وهو الذي نقل في القاموس ، واحتمله جماعة وأنشدله:

وكنتم كأم لبّة طعن ابنها

إليها فما ردت عليه بساعد

(١٠) على المعنى الأوّل.

(١١) على المعنى الثاني.

(١٢) إي البابا لك بعد الباب والإلباب هو الإقامة ، أي إقامة على طاعتك بعد إقامة ، هذا وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وأول من لبّى إبراهيم عليه‌السلام قال : إن

٣٤٥

صار موضوعا للإجابة وهي هنا جواب عن النداء الذي أمر الله تعالى به إبراهيم بأن يؤذن في الناس بالحج ففعل ، ويجوز كسر إن (١) على الاستئناف ، وفتحها بنزع الخافض وهو لام التعليل ، وفي الأول تعميم فكان أولى.

(ولبس ثوبي الإحرام) (٢) الكائنين (من جنس ما يصلّي فيه) (٣) المحرم فلا

______________________________________________________

ـ الله عزوجل يدعوكم أن تحجوا بيته ، فأجابوه بالتلبية ، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلا أجاب بالتلبية) (١) ، وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته لم جعلت التلبية؟ فقال : إن الله عزوجل أوصى إلى إبراهيم عليه‌السلام : (وَأَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالاً) ، فنادى فأجيب من كل فجّ يلبّون) (٢).

(١) قال في المدارك (يجوز كسر الهمزة من ـ إن الحمد ـ وفتحها ، وحكى العلامة في المنتهى عن بعض أهل العربية أنه قال : من قال ـ أن ـ بفتحها فقد خصّ ، ومن قال بالكسر فقد عمّ ، وهو واضح لأن الكسر يقتضي تعميم التلبية وإنشاء الحمد مطلقا ، والفتح يقتضي تخصيص التلبية ، أي لبيك بسبب أن الحمد لك).

(٢) فهو من واجبات الإحرام بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام إن شاء الله ـ إلى أن قال ـ والبس ثوبيك) (٣).

(٣) بلا خلاف فيه كما عن المفاتيح ، لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه) (٤) ، ومفهومه دال على أنه لا يجوز الإحرام في ثوب لا تصح الصلاة فيه ، فيشمل ما لا يؤكل لحمه وجلد المأكول مع عدم التذكية ، والحرير للرجل ، والثوب المتنجس بنجاسة لا يعفى عنها في الصلاة ، ويشمل الحاكي للصورة ، ويؤيده صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها ، قال : لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة) (٥) ، وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (سألته عن المحرم تصيب ثوبه الجنابة قال : لا يلبسه حتى يغسله ، وإحرامه تام) (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الإحرام حديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١.

٣٤٦

يجوز أن يكون من جلد ، وصوف ، وشعر ، ووبر ما لا يؤكل لحمه ولا من جلد المأكول مع عدم التذكية ، ولا في الحرير للرجال (١) ، ولا في الشاف (٢) مطلقا (٣) ، ولا في النجس غير المعفو عنها في الصلاة ، ويعتبر كونهما غير مخيطين (٤) ، ...

______________________________________________________

(١) لأنه مندرج تحت مفهوم صحيح حريز المتقدم ، نعم وقع الخلاف في جواز الإحرام في الحرير للنساء ، فقال المفيد وابن إدريس والفاضل ، بل نسب إلى أكثر المتأخرين الجواز ، لجواز لبسهن له في الصلاة ، وللأخبار ،

منها : صحيح يعقوب بن شعيب (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها ، وتلبس الحرير والخزّ والديباج؟ قال : نعم لا بأس به) (١) ، وعن الشيخ والصدوق العدم ، لصحيح العيص. عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين) (٢) ، وهو محمول على الكراهة جمعا بينه وبين صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلا الحرير المحض) (٣).

(٢) أي الحاكي.

(٣) قال الشارح في المسالك (فإطلاق عبارات الأصحاب يقتضي عدم جواز الإحرام فيه مطلقا من غير فرق بين الإزار والرداء ، وجزم الشهيد في الدروس بالمنع من الإزار الحاكي ، وجعل اعتبار ذلك في الرداء أحوط ، ولا يبعد عدم اعتباره فيه للأصل ، وجواز الصلاة فيه على هذا الوجه).

(٤) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوبا تزره ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخفين إلا أن لا يكون لك نعلان) (٤) ، وصحيح زرارة عن أحدهما عليهم‌السلام (سألته عما يكره للمحرم أن يلبسه ، فقال : يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه) (٥) ، قال سيد المدارك (إن هذه الروايات إنما تدل على تحريم القميص والقباء والسراويل والثوب المزرّر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام حديث ٩ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٥.

٣٤٧

ولا ما أشبه (١) المخيط كالمخيط من اللبد ، والدرع المنسوج كذلك ، والمعقود ، واكتفى المصنف عن هذا الشرط (٢) بمفهوم جوازه للنساء.

(يأتزر بأحدهما (٣) ، ويرتدي بالآخر) (٤) بأن يغطي به منكبيه ، أو يتوشح به بأن يغطّي به أحدهما ، وتجوز الزيادة عليهما (٥) ، لا النقصان (٦) ، والأقوى أن

______________________________________________________

ـ والمدرّع ، لا على تحريم مطلق المخيط ، وقد اعترف بذلك الشهيد في الدروس ـ إلى أن قال ـ ولا ريب أن اجتناب مطلق المخيط كما ذكره المتأخرون أحوط).

(١) قال في المدارك : ألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه ، كالدرع المنسوخ وجبة اللبد ، والملصق بعضه ببعض ، واحتج عليه في التذكرة بالحمل على المخيط لمشابهته إياه في المعنى من الترفّه والتنعم ، وهو استدلال ضعيف ، والأجود الاستدلال عليه بالنصوص المتضمنة لتحريم الثياب على المحرم ، فإنها متناولة بإطلاقها لهذا النوع ، وليس فيها تقييد بالمخيط حتى يكون إلحاق غيره به خروجا عن المنصوص).

(٢) أي اشتراط عدم المخيط للرجال بما يصرح به من جوازه للنساء.

(٣) ففي الجواهر (ظاهر الأصحاب الاتفاق على الاتزار بأحدهما كيف شاء).

(٤) فعن جماعة منهم العلامة في المنتهى والتذكرة أنه يرتدي به ، بأن يلقيه على عاتقيه جميعا ويسترحما به ، وعن ابن حمزة في الوسيلة أنه يتوشح به بأن يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن ويلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشح بالسيف وهو المنقول عن الأزهري وجماعة من أهل اللغة ، وعن العلامة في القواعد والشارح في المسالك وعن الشيخ أيضا التخيير بين التوشح والارتداء المذكور ، إلا أنه في كشف اللثام وغيره عدم وجوب شي‌ء من الهيئتين للأصل بل يجوز التوشح بالعكس بأن يدخل طرفه تحت إبطه الأيسر وإلقاؤه على الأيمن ، وإن كان الأولى كون التردي المذكور أولى الهيئات للتعبير في النصوص بالرداء ، والمنساق منه هو التردي به على النحو المذكور ، ففي صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (والتجرد في إزار ورداء) (١).

(٥) بلا خلاف للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن المحرم يتردّى بالثوبين قال : نعم ، والثلاثة إن شاء يتقي بها الحر والبرد) (٢).

(٦) بلا خلاف للأمر بلبس ثوبين في جملة من الأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

٣٤٨

لبسهما واجب ، لا شرط في صحته (١) ، فلو أخل به اختيارا أثم وصح الإحرام.

(والقارن يعقد إحرامه بالتلبية) بعد نية الإحرام ، (أو بالإشعار ، أو التقليد) (٢) المتقدمين ، وبأيهما بدأ استحب الآخر (٣) ومعنى عقده بهما (٤) على تقدير المقارنة (٥) واضح فبدونهما لا يصح أصلا ، وعلى المشهور (٦) يقع (٧) ولكن لا يحرم محرمات الإحرام بدون أحدهما (٨).

______________________________________________________

ـ المتقدم (والبس ثوبيك) (١) ، وصحيح ابن سنان المتقدم (والتجرد في إزار ورداء) (٢).

(١) أما عدم اشتراط صحة الإحرام بلبس الثوبين لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والأشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم) (٣) ، وإطلاقه ينفي شرطية لبس الثوبين في صحة الإحرام ، نعم لبسهما واجب لما تقدم من الاخبار وعليه فلو خالف فيجب نزع القميص وعليه اثم وقد صح إحرامه وقال في الجواهر (لا أجد فيه خلافا صريحا إلا من الاسكافي ولا ريب في ضعفه).

(٢) على المشهور ، لأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار المتقدمة ، وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير) (٤) ، وصحيح معاوية الآخر عنه عليه‌السلام (تقلدها فعلا خلقا قد صلّيت فيه ، والاشعار والتقليد بمنزلة التلبية) (٥) ، وعن السيد والمرتضى عدم جواز الإحرام إلا بالتلبية بناء على أصلهما من عدم حجية خبر الواحد ، ولا ريب في ضعفه.

(٣) فقد اعترف غير واحد بعدم العثور له على مستند ، وقال سيد المدارك (ولعل إطلاق الأمر بكل من الثلاثة كاف في ذلك) ، وردّه في الجواهر (أنه لا يقتضي استحباب الآخر).

(٤) أي بالتلبية وسياق الهدي الذي هو الاشعار أو التقليد.

(٥) بين نية الإحرام والتلبية.

(٦) من عدم اعتبار المقارنة بين التلبية ونية الإحرام كما تقدم الكلام فيه.

(٧) أي الإحرام.

(٨) إما التلبية وإما سياق الهدي.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحرام حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢٠.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢١ و ١١.

٣٤٩

(ويجوز) الإحرام (في الحرير (١) والمخيط (٢) للنساء) في أصح القولين على كراهة ، دون الرجال والخناثى (٣) ، (ويجزئ) لبس (القباء) ، أو القميص (مقلوبا) (٤) بجعل ذيله على الكتفين ، أو باطنه ظاهرة من غير أن يخرج يديه من

______________________________________________________

(١) قد تقدم الكلام فيه.

(٢) القول بالجواز هو المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك ، للأخبار منها : صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين) (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن المرأة إذا أحرمت أتلبس السراويل؟ فقال : نعم إنما تريد بذلك الستر) (٢) ، ولم يخالف إلا الشيخ في النهاية حيث قال : (ويحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل ويحل لها ما يحل له ـ إلى أن قال ـ وقد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء) ، وهو غير ظاهر في الخلاف ، وإلا فقد عرفت أنه محجوج ، ثم لم يقل أحد هنا بالكراهة ، نعم قيل بالكراهة في لبس الحرير دونه. هذا وهل لبس ثوبي الإحرام مختص بالرجل أو يعم المرأة ، فقد حكى في الجواهر عن بعض الفضلاء الثاني ، ولا ريب في ضعفه لأن ثوبي الإحرام مشروطة بكونها من جنس ما يصلي فيه ، وقد عرفت جواز لبس المخيط والحرير للنساء الكاشف عن أن ثوبي الإحرام المشروطة بما ذكر مختصان بالرجل ، فضلا عن الارتكاز الشرعي والسيرة العملية بين المسلمين المأخوذة يدا بيد إلى زمن المعصومين عليهم‌السلام.

(٣) فعدم الجواز لأن ما خرج من النصوص هو المرأة ، وكون الخنثى امرأة مشكوك.

(٤) عند فقد الرداء ، وهذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا اضطر المحرم إلى القباء ولم يجد ثوبا غيره فيلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القباء) (٣) ، وخبر مثنى الحناط عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من اضطرّ إلى ثوب وهو محرم وليس معه إلا قباء فلينكسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه) (٤) ، وذهب ابن إدريس والفاضل والشهيد في كون المقلوب هو جعل الأعلى أسفل ، وهذا ما صرحت به رواية الحناط ، وعن جماعة تفسير المقلوب بجعل الباطن ظاهرا ، ويشهد له خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ويقلب ظهره لباطنه) (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام حديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٠ من أبواب تروك الإحرام حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٣ و ٧.

٣٥٠

كميه ، والأول أولى وفاقا للدروس والجمع أكمل. وإنما يجوز لبس القباء كذلك (لو فقد الرداء) ليكون بدلا منه ، ولو أخل بالقلب ، أو أدخل يده في كمه فكلبس المخيط (١) ، (وكذا) يجزئ (السراويل لو فقد الإزار) (٢) من غير اعتبار قلبه ولا فدية في الموضعين (٣).

(ويستحب للرجل) ، بل لمطلق الذكر (٤) (رفع الصوت بالتلبية) (٥) حيث يحرم إن كان راجلا بطريق المدينة (٦) ، أو مطلقا بغيرها (٧) ، وإذا علت راحلته البيداء راكبا بطريق المدينة ، وإذا أشرف على الأبطح متمتعا (٨) ، ...

______________________________________________________

ـ واجتزأ العلامة في المختلف ويحيى بن سعيد بأحد الوجهين أخذا بالأخبار ، وقال جماعة الأولى منه الجمع بين الوجهين بقلب ظاهره مع قلب أعلاه لأسفله.

(١) للنهي عنه في صحيح الحلبي المتقدم ، ولو خالف فعليه كفارة وإن صح إحرامه.

(٢) بلا خلاف فيه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراويل إلا أن لا يكون لك إزار) (١).

(٣) عند لبس القباء والسراويل عند فقد الرداء والإزار.

(٤) لإطلاق الأدلة الآتية.

(٥) لصحيح حريز عن الصادقين (عما) (لما أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه جبرائيل عليه‌السلام فقال : مر أصحابك بالعج والثج ، فالعج رفع الصوت بالتلبية ، والثج نحر البدن) (٢) ، ومرسلة فضالة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الله وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية والسعي بين الصفا والمروة دخول الكعبة واستلام الحجر) (٣) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ليس على النساء جهر بالتلبية) (٤).

(٦) لصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكبا فإذا علت راحلتك البيداء) (٥).

(٧) أي بغير طريق المدينة ، والإطلاق سواء كان راجلا أو راكبا لعموم صحيح حريز المتقدم.

(٨) أي إذا كان محرما بحج التمتع لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا كان ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الإحرام حديث ١ و ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

٣٥١

وتسر المرأة والخنثى (١) ، ويجوز الجهر حيث لا يسمع الأجنبي وهذه التلبية غير ما يعقد به الإحرام إن اعتبرنا المقارنة ، وإلا جاز العقد بها ، وهو ظاهر الأخبار (٢).

(وليجدد عند مختلف الأحوال) بركوب ونزول ، وعلوّ وهبوط ، وملاقاة أحد ويقظة ، وخصوصا بالأسحار ، وأدبار الصلوات (٣) ، (ويضاف إليها التلبيات المستحبة) وهي لبيك ذا المعارج إلخ.

(ويقطعها المتمتع إذا شاهد بيوت مكة) (٤) وحدّها عقبة المدنيين إن دخلها من

______________________________________________________

ـ يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ، ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فاحرم بالحج ، ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت إلى الرقطاء دون الردم فلبّ ، فإذا انتهيت إلى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى) (١).

(١) لأن الجهر موضوع للرجل وهي مشكوك في رجوليتها فلا يعمها الحكم.

(٢) كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يلبّ حتى يأتي البيداء) (٢).

(٣) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال : التلبية أن تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك ، لبيك غفار الذنوب لبيك ، لبيك أهل التلبية لبيك ، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك ، لبيك تبدي والمعاد إليك لبيك ، لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك ، لبّيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك ، لبيك إله الحق لبيك ، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك ، لبيك كشّاف الكرب العظام لبيك ، لبيك عبدك وابن عبديك لبيك ، لبيك يا كريم لبيك ، تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة ونافلة ، وحين ينهض بك بعيرك وإذا علوت شرفا أو هبطت واديا ، أو لقيت راكبا ، أو استيقظت من منامك ، وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت وأجهر بها ، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أن تمامها أفضل) (٣).

(٤) لأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا دخلت مكة وأنت

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام حديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢.

٣٥٢

أعلاها ، وعقبة ذي طوى إن دخلها من أسفلها (والحاج إلى زوال عرفة (١) ، والمعتمر مفردة إذا دخل الحرم) (٢) إن كان أحرم بها من أحد المواقيت ، وإن كان قد

______________________________________________________

ـ متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكة التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيين ـ إلى أن قال ـ فاقطع التلبية) (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المتمتع إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية) (٢) ، وخبر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال : إذا نظر إلى عراش مكة ، عقبة ذي طوى ، قلت : بيوت مكة؟ قال : نعم) (٣) ، هذا وقد جمع الشهيد بين الأول والثالث بحمل الأول على من أدخلها من أعلاها ، وبالثاني على من دخلها من أسفلها ، وعن السيد والشيخ بحمل الأول على من أتاها من طريق المدينة ، وبحمل الثاني على من أتاها من طريق العراق.

(١) للأخبار منها : صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس) (٤) وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية) (٥).

(٢) قيل والقائل الصدوق والمحقق في النافع كان مخيّرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة للأخبار ، منها : صحيح عمر بن يزيد من أبي عبد الله عليه‌السلام (ومن خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة) (٦) ، وموثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال : إذا رأيت بيوت مكة ذي طوى فاقطع التلبية) (٧) ، وخبر مرازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل اخفافها في الحرم) (٨) ، وعليه فيكون مخيرا في هذه المواضع ، وذهب المشهور إلى أنه إذا خرج من مكة لإحرام العمرة المفردة فيقطع إذا شاهد الكعبة كما هو صريح صحيح عمر بن يزيد المتقدم ، وصحيح معاوية بن عمار عن عبد الله عليه‌السلام (من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى المسجد) (٩) ، وأما إذا كان إحرامه من أحد المواقيت فإذا دخل الحرم بحمل بقية الأخبار على ذلك جمعا بينها.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الإحرام حديث ١ و ٢ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة حديث ٤.

(٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام حديث ٨ و ٣ و ٦.

(٩) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام حديث ٤.

٣٥٣

خرج لها من مكة إلى خارج الحرم ، فإذا شاهد بيوت مكة (١) إذا لا يكون حينئذ بين أول الحرم وموضع الإحرام مسافة.

(والاشتراط قبل نية الإحرام) (٢) متصلا بها بأن يحله حيث حبسه. ولفظه المروي : «اللهمّ إنّي أريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك (ص) ، فإن عرض لي شي‌ء يحبسني فحلّني حيث حبسني لقدرك الذي قدّرت عليّ اللهمّ إن لم تكن حجّة فعمرة ، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطّيب أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة».

(ويكره الإحرام في) الثياب (السود) (٣) ، بل مطلق الملوّنة بغير البياض كالحمراء (والمعصفرة وشبهها) (٤) ، ...

______________________________________________________

(١) كما في خبر يونس المتقدم ، أو إذا شاهد الكعبة كما في صحيح عمر بن يزيد ، ولا تنافي لأن مشاهدة بيوت مكة تستدعي مشاهدة الكعبة لعلوها.

(٢) بأن يشترط أن يحلّه حيث حبسه سواء أحرم بعمرة أو حج ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام الواردة في كيفية الإحرام حيث قال فيها : (اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنّة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن عرض لي عارض يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ ، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة ، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب ، ابتغي بذلك وجهك والدار الآخرة) (١) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسّر لي ذلك وتقبله مني ، وأعني عليه ، وحلّني حيث حبستني بقدرك الذي قدّرت عليّ) (٢) ، وخبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه) (٣).

(٣) لموثق الحسين بن مختار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يحرم الرجل في الثوب الأسود؟ قال : لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به الميت) (٤) ، وهو محمول على الكراهة عند الأصحاب.

(٤) المعصفر ـ كما في مصباح المنير ـ نبت معروف ، وعصفرت الثوب صبغته بالعصفر فهو

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

٣٥٤

وقيدها في الدروس بالمشبعة (١) ، فلا يكره بغيره ، والفضل في البيض (٢) من القطن (٣) ، (والنوم عليها) (٤) أي نوم المحرم على الفرش المصبوغة بالسواد ، والعصفر وشبهها من الألوان ، (والوسخة) (٥) إذا كان الوسخ ابتداء ، أما لو عرض

______________________________________________________

ـ معصفر ، وهو صبغ أحمر كما هو المعروف ، والكراهة لخبر أبان بن تغلب (سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أخي وأنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ، ألبسه وأنا محرم؟ فقال : نعم ليس في العصفر من الطيب ، ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس) (١) ، وللتعليل في الخبر جعل صاحب الجواهر ـ وشبهه ـ أي ما يفيد الشهرة ولو زعفرانا أو ورسا بعد زوال ريحهما ، ثم إن التعليل في الخبر لا يدل على كراهة مطلق الصبغ به بناء على عدم الشهرة به إلا بالمشبع منه ، ولذا قال العلامة في المنتهى (لا بأس بالمعصفر في الثياب ويكره إذا كان مشبعا وعليه علماؤنا) ، وقريب منه ما عن التذكرة.

(١) أي ذات اللون الشديد.

(٢) لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال (خير ثيابكم البيض ، فالبسوها أحياءكم ، وكفنوا بها موتاكم) (٢) ، ويؤيده صحيح معاوية بن عمار عن عبد الله عليه‌السلام (كان ثوبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار ، وفيهما كفّن) (٣) ، والظاهر أنهما من اللون الأبيض للقطع باستحباب ذلك في الكفن.

(٣) لما رواه الكليني مرسلا (أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثوبي كرسف) (٤) والكرسف هو القطن كما في مصباح المنير.

(٤) لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يكره للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر والمرفقة الصفراء) (٥) ، والمرفقة هي المخدة ، وقال في المدارك (وكراهة الأصفر يقتضي كراهة الأسود بطريق أولى) لأن فيه إشباع لون أكثر.

(٥) لصحيح العلاء بن رزين عن أحدهما (عما) (عن الثوب الوسخ أيحرم فيه المحرم؟ فقال : لا ، ولا أقول إنه حرام ولكن يطهره أحبّ إلي وطهره غسله) (٦) ، ولو عرض له الوسخ في أثناء الإحرام لم يغسل ما دام طاهرا ، لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام (لا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أحكام الملابس حديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الإحرام حديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٣.

٣٥٥

في أثناء الإحرام كره غسلها ، إلا لنجاسة ، (والمعلمة) (١) بالبناء للمجهول ، وهي المشتملة على لون آخر يخالف لونها حال عملها كالثوب المحوك من لونين ، أو بعده بالطرز والصبغ.

(ودخول الحمام) (٢) حالة الإحرام ، (وتلبية المنادي) (٣) بأن يقول له : «لبيك» ، لأنه في مقام التلبية لله ، فلا يشرك غيره فيها بل يجيبه بغيرها من الألفاظ كقوله يا سعد ، أو يا سعديك.

______________________________________________________

ـ يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحلّ وإن توسخ ، إلا أن تصيبه جنابة أو شي‌ء فيغسله) (١).

(١) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم ، وتركه أحبّ إليّ إذا قدر على غيره) (٢) ، والمعلم هو المشتمل على لون يخالف لونه ليعرف به ، وهو يشمل ما لو كان معمولا كذلك من رأس كالمحوك من لونين ، وما لو كان بعد الحياكة بالطرز والصبغ.

(٢) بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لخبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن المحرم يدخل الحمام؟ قال : لا يدخل) (٣) ، وقد حمل النهي على الكراهة جمعا بينه وبين صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس أن يدخل المحرم الحمام ، ولكن لا يتدلك) (٤) ، وأما التدليك فقد ورد النهي عنه في الصحيح المتقدم وفي صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن المحرم يغتسل؟ قال : نعم ، يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه) (٥) ، ولكن محمول على الكراهة للإجماع ـ كما في الجواهر ـ على جوازه ، بحيث لا يدمي ولا يسقط شعرا.

(٣) بأن يقول له لبيك ، لأنه في مقام التلبية لله فلا يشرك غيره فيها ، ولصحيح حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ليس للمحرم أن يلبي من دعاه حتى ينقضي إحرامه ، قلت : كيف يقول؟ قال : يقول يا سعد) (٦) ، وهو محمول على الكراهة للمرسل عن ابن عبد الله عليه‌السلام (يكره للرجل أن يجيب بالتلبية إذا نودي وهو محرم) (٧).

__________________

(١) المصدر السابق حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٣.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٢ و ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٩١ ـ من أبواب الإحرام حديث ١ و ٢.

٣٥٦

(وأما التروك المحرّمة فثلاثون ـ صيد البر) (١) ، وضابطه (٢) الحيوان المحلل

______________________________________________________

(١) يحرم على المحرم الاصطياد والإثارة والدلالة والإغلاق والذبح والأكل منه سواء صاده محرم أو محل ، وقال في المدارك : (وهذا الحكم مجمع عليه بني الأصحاب) لقوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) (١) وقوله تعالى : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً) (٢) ، الدالان على حرمة اصطياده وأكله ، وللأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا أنت حلال في الحرم ، ولا تدل عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر إليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه الفداء لمن تعمده) (٣) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تأكل من الصيد وأنت حرام وإن كان أصابه محل) (٤) وصحيح الحلبي الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن لحوم الوحش تهدى للرجل وهو محرم لم يعلم بصيده ولم يأمر به ، أيأكله؟ قال : لا) (٥).

وأما الدلالة والاغلاق عليه والإثارة فيستدل له بصحيح الحلبي الأول ، كما أن صريحه لا يجوز الدلالة وأقسامها سواء كان لمحل أو محرم.

وأما الذبح فلموثق اسحاق عن جعفر عليه‌السلام (إن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكل محل ولا محرم ، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم) (٦).

(٢) المراد من صيد البر هو صيد كل حيوان ممتنع بالأصالة ، وهذا ما ذهب إليه المسالك والجواهر وغيرهما ، وذهب المحقق إلى أنه الحيوان الممتنع وأشكل عليه بأنه يدخل فيه ما توحش من الأهلي وامتنع كالابل والبقر مع أن قتله جائز إجماعا كما عن المسالك ، ويخرج منه ما استأنس من الحيوان البري كالظبي مع أنه لا يجوز قتله ، وذهب الأكثر إلى أنه الحيوان الممتنع المحلّل الأكل ، ويرد عليه أنه لا يحرم قتل غير المأكول غير الثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ والزنبور ، ونقل عن أبي الصلاح تحريم قتل جميع الحيوانات ما لم يخف منه أو يكن حية أو عقربا أو فأرة ، والاختلاف في التعريف مسبّب من أنه إذا قتل شيئا هل عليه جزاء أو لا ، فما عليه في قتله الجزاء فهو داخل في صيد البر ، وإلا فلا ، وهذا سيأتي تفصيله في أحكام الصيد.

__________________

(١) سورة المائدة الآية : ٩٥.

(٢) سورة المائدة الآية : ٩٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كفارات الصيد حديث ١.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام حديث ٣ و ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٥.

٣٥٧

الممتنع بالأصالة. ومن المحرّم : الثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ والقمّل والزنبور والعظاءة ، فلا يحرم قتل الأنعام وإن توحشت ، ولا صيد الضبع والنمر والصقر وشبهها من حيوان البر ، ولا الفأرة والحية ونحوهما ولا يختص التحريم بمباشرة قتلها ، بل يحرم الإعانة عليه ، (ولو دلالة) عليها ، (وإشارة) إليها بأحد الأعضاء وهي أخص من الدلالة.

ولا فرق في تحريمها على المحرم بين كون المدلول محرما ومحلا ، ولا بين الخفية والواضحة ، نعم لو كان المدلول عالما به بحيث لم يفده (١) زيادة انبعاث عليها فلا حكم لها (٢) ، وإنما أطلق المصنف صيد البر مع كونه مخصوصا بما ذكر تبعا للآية ، واعتمادا على ما اشتهر من التخصيص.

(ولا يحرم صيد البحر (٣) ، وهو ما يبيض ويفرخ) معا (فيه) (٤) ، لا إذا تخلف أحدهما وإن لازم الماء كالبط ، والمتولد بين الصيد وغيره يتبع الاسم ، فإن

______________________________________________________

(١) أي ذلك الصادر من المحرم لم يفد المدلول شيئا عن الصيد لأنه عالم به.

(٢) قال في الجواهر (الظاهر اختصاص الحكم بما هو المنساق من النص والفتوى من كون الإشارة والدلالة مسبّبة للصيد ، فلا تحرم دلالة من يرى الصيد بحيث لا يفيده ذلك شيئا ، ولا دلالة من لا يريد الصيد ، كما صرح به غير واحد).

(٣) بلا خلاف فيه ، لصحيح حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس بأن يصيد المحرم السمك ، ويأكل مالحه وطريّه ويتزود ، قال الله (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ) قال : مالحه الذي تأكلون وفصّل ما بينهما ، كل طير يكون في الآجام يبيض في البرّ ويفرخ في البرّ فهو من صيد البحر) (١) ، وصحيح معاوية عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ـ إلى أن قال ـ كل طير يكون في الآجام يبيض في البرّ ويفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ ، وما كان من الطير يكون في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر) (٢).

(٤) قال الشارح في المسالك (كون الماء محلا للفرخ والبيض ، فما يبيض ويفرّخ في البرّ صيد البرّ وإن لازم الماء كالبط ، فمحل البيض هو المعيار لمن يتردد إليهما) وهو مما لا خلاف فيه ـ كما في الجواهر ـ للنصوص السابقة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٣ و ١.

٣٥٨

انتفيا عنه (١) وكان ممتنعا فهو صيد إن لحق بأحد أفراده ، (والنساء بكل استمتاع) من الجماع ومقدماته (٢) (حتى العقد) (٣) ، (ولا) الشهادة عليه (٤) وإقامتها وإن

______________________________________________________

(١) أي فإذا انتفى الاسمان عن المتولد وكان ممتنعا بحسب الأصل فهو صيد لانطباق صيد البر عليه.

(٢) أما الوطء فبلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (فَلٰا رَفَثَ وَلٰا فُسُوقَ وَلٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ)(١) والرفث هو الجماع ، ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله ، وقلة الكلام إلا بخير ، فإن إتمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير كما قال الله عزوجل ، فإن الله يقول (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَلٰا فُسُوقَ وَلٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ) ، فالرفث الجماع والفسوق الكذب والسباب ، والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله) (٢).

وأما مقدمات الجماع فلخبر أبي سيّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يا أبا سيار إن حال المحرم ضيقة ، إن قبّل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، وإن قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر الله ، ومن مسّ امرأته وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ، وإن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي‌ء عليه) (٣) ، ويستفاد منه حرمة التلذذ بالنساء مطلقا ولذا حرم النظر بشهوة وإن لم يمنى.

(٣) لنفسه أو لغير بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج ، فإن تزوج أو زوّج محلا فتزويجه باطل) (٤).

(٤) سواء كان العقد بين محلّين أو محرمين ، أو مختلفين ، بلا خلاف فيه ، لمرسل ابن فضال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يشهد ، فإن نكح فنكاحه بطل) (٥) ، ومرسل ابن أبي شجرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في المحرم يشهد على نكاح محلّين ، قال : لا يشهد) (٦) ، نعم إذا كان العقد بين محلّين فلا يبطل بشهادة المحرم عليه لأنه لا يعتبر فيه الشهادة.

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٩٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٧ و ٥.

٣٥٩

تحملها محلا (١) ، أو كان العقد بين محلين (٢) ، (والاستمناء) (٣) وهو استدعاء المني بغير الجماع ، (ولبس المخيط) (٤) وإن قلّت الخياطة ، (وشبهه) مما أحاط (٥) كالدرع (٦) المنسوج واللبد المعمول كذلك (٧) ، (وعقد الرداء) (٨) ...

______________________________________________________

(١) أي يحرم عليه الشهادة على العقد لو تنازع الزوجان في وقوع العقد وعدمه ، فلا يجوز له الشهادة وإن تحملها وهو محلّ ، وقال في المدارك (والمشهور عموم المنع لكن دليله غير واضح).

(٢) استوجه العلامة في التذكرة اختصاص التحريم هنا بعقد وقع بين محرمين أو محرم ومحل ، وحكى عنه ولده في شرح القواعد (إن ذلك هو المقصود من كلام الأصحاب) ، ونفى عنه البأس في المدارك قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تم ، وإلا اتجه عدم التحريم مطلقا.

(٣) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني وهو محرم من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ، فقال : عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع) (١) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام (ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال : أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم ، بدنة والحج من قابل) (٢).

(٤) قد تقدم الكلام فيه.

(٥) بالبدن ، نقل الشهيد في الدروس عن ابن الجنيد أن حرمة المخيط من حيث كونه ضاما بالبدن ، وقد عرفت سابقا أنه لا نهي عن المخيط حتى يكون من باب الضام بالبدن أو لا ، وإنما وردت النصوص بالنهي عن الثوب والسراويل ونحوه مما تقدم ذكره.

(٦) وهو كل ثوب يمكن أن تدخل فيه اليدان وكذا المدرعة ، وهو ثوب يلبس فوق القميص وفوق جميع الثياب ، ولا يبعد صدقه على العباء المتعارف الآن كما عن البعض.

(٧) أي مما أحاط ، والملبد هو الملحق بعضه ببعضه لا على نحو النسج ولا على نحو الخياطة.

(٨) لموثق سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال : لا) (٣) ، وحملها سيد المدارك على الكراهة لقصورها من حيث السند عن إثبات التحريم ، وضعفه ظاهر إذ الحجية لموثوق الصدور.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١.

٣٦٠