الزبدة الفقهيّة - ج ٣

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-34-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٨

العمرة ، بحيث يفوت اختياري عرفة قبل إتمامها (١) ، أو التخلف عن الرفقة إلى عرفة حيث يحتاج إليها ، وخوفه من دخول مكة (٢) قبل الوقوف لا بعده ونحوه (٣) ، وضرورة المكي (٤) بخوف الحيض المتأخر ...

______________________________________________________

ـ وفي بعض الأخبار أنه يعتبر في صحة المتمتع إدراك الناس بمنى كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المتمتع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى) (١) ، وفي بعض آخر أن وقت المتعة سحر يوم عرفة كصحيح محمد بن مسلم (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إلى متى يكون للحاج عمرة؟ فقال : إلى السحر من ليلة عرفة) (٢).

وهذه الأخبار على كثرتها واختلافها محمولة على صورة عدم إمكان إدراك عرفة إلا قبل هذه الأوقات ، لأن الإدراك المذكور مختلف باختلاف الأحوال والأوقات والأشخاص ، ولذا قال الشيخ في التهذيب : والمتمتع بالعمرة إلى الحج تكون عمرته تامة ما أدرك الموقفين ، سواء كان ذلك يوم التروية أو ليلة عرفة أو يوم العرفة إلى بعد زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس من يوم عرفة فقد فاتت المتعة ، لأنه لا يمكنه أن يلحق الناس بعرفات والحال كما وصفناه).

وهذا الجمع يؤيده أن الواجب عليه هو التمتع ، وما دام ممكنا له فلا يجوز العدول عنه ، ومع إمكان إدراك الحج بإدراك عرفة فلا يجوز العدول إلا أن الكلام هل اللازم إدراك الاختياري من عرفة كما هو مفاد القول الأول أو يكفي إدراك المسمى منه كما هو مفاد القول الثاني ، ومقتضى الجمع بين الأخبار يقتضي اقوائية القول الثاني ، ويشهد له أن جملة من النصوص المتقدمة قد جوزت العدول إذا خاف فوات الموقف ، وفواته يكون بفوات تمامه ، وقد تقدم الكلام في بعضها ، هذا وخوف فوات الموقف إما من جهة الحيض وإما من جهة فوات الرفقة ، وإما من جهة عدو يمنعه من إتمام العمرة ، وقد يكون له أسباب أخرى.

(١) أي قبل إتمام العمرة.

(٢) فهو خائف من عدو يمنعه من دخول مكة حتى يكمل العمرة.

(٣) كضيق الوقت لاتمام العمرة ثم التلبس بالحج والذهاب إلى عرفة.

(٤) أي من كانت وظيفته الإفراد أو الأقران فيجوز له العدول إلى التمتع عند الضرورة ـ كما هو مذهب الأصحاب لا اعلم فيه مخالفا ـ كما في المدارك ، لأن الضرورة إذا كانت مسوّغة للعدول من الأفضل إلى المفضول كانت مسوّغة للعكس بطريق أولى هذا من جهة ومن جهة أخرى تتحقق الضرورة المسوغة للعدول بخوف الحيض المتأخر عن النفر مع ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٨ و ٩.

٣٠١

عن النفر (١) مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر وخوف عدو بعده ، وفوت الصحبة كذلك (ولا يقع) وفي نسخة لا يصح (الإحرام بالحج) بجميع أنواعه (أو عمرة التمتع إلا في) أشهر الحج (٢) (شوال وذي القعدة وذي الحجة) (٣) على وجه يدرك

______________________________________________________

ـ عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر ، أو خوف عدو بعد النفر بحيث يمنع من الإتيان بالعمرة ، أو خوف الرفقة والصحبة بعد النفر بحيث يكون الإتيان بالعمرة موجبا للعسر والحرج الشديدين ففي هذه الموارد يجوز العدول إلى المتمتع ابتداء.

(١) أي النفر من منى.

(٢) فهو مما لا خلاف فيه ، أما بالنسبة للحج : للأخبار :

منها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ) : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، ليس لأحد أن يحرم بالحج فيما سواهن) (١) ، وأما بالنسبة لعمرة التمتع فللأخبار أيضا :

منها : صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج) (٢).

(٣) اختلف الأصحاب في أشهر الحج فعن الشيخ في النهاية وابن الجنيد أنها هي شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وعن المرتضى وسلار وابن أبي عقيل أنها شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، وعن الشيخ في الجمل وابن البراج إلى تسعة من ذي الحجة ، وعن الشيخ في المبسوط والخلاف إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، وعن ابن إدريس إلى طلوع الشمس من يوم النحر فدليل الأول ظاهر الآية (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ) (٣) فإن الشهر طاهر في تمامه ، وللأخبار :

منها : خبر زرارة المتقدم ، ودليل بقية الأقوال أنه لإدراك أركان الحج ولو اضطرارا ، ولذا يكون النزاع بينهم لفظيا ، وقال العلامة في المنتهى : (وليس يتعلق بهذا الاختلاف حكم) ، وقال في المختلف : (التحقيق أن هذا نزاع لفظي ، فإنهم إن أرادوا بأشهر الحج ما يفوت الحج بفواته فليس كمال ذي الحجة من أشهره ، لما يأتي من فوات الحج دونه على ما يأتي تحقيقه ، وإن أرادوا ما يقع فيه أفعال الحج فهي ثلاثة كملا ، لأن باقي المناسك يقع في كمال ذي الحجة فقد ظهر أن النزاع لفظي). ومعناه : أنه لا خلاف في وقوع بعض أفعال الحج كالطوافين والسعي والرمي في ذي الحجة بأسره ، ولا خلاف في أن الحج يفوت إن شاء احرام الحج لو لم يتمكن من إدراك المشعر قبل زوال يوم النحر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١.

(٣) سورة البقرة الآية : ١٩٧.

٣٠٢

باقي المناسك في وقتها ، ومن ثمّ ذهب بعضهم إلى أن أشهر الحج الشهران وتسع من ذي الحجة لفوات اختياري عرفة اختيارا بعدها. وقيل : عشر لإمكان إدراك الحج في العاشر بإدراك المشعر وحده ، حيث لا يكون فوات عرفة اختياريا ، ومن جعلها الثلاثة نظر إلى كونها ظرفا زمانيا لوقوع أفعاله في الجملة ، وفي جعل الحج أشهرا بصيغة الجمع في الآية إرشاد إلى ترجيحه. وبذلك يظهر أن النزاع لفظي.

وبقي العمرة المفردة ووقتها مجموع أيام السنة (١) (ويشترط في التمتع جمع الحج والعمرة لعام واحد) (٢) فلو أخر الحج عن سنتها صارت مفردة ، فيتبعها

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه كما في المنتهى للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان علي عليه‌السلام يقول : لكل شهر عمرة ، أما إن أفضلها ما وقع في رجب) (١) وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء ، وأفضل العمرة عمرة رجب) (٢).

(٢) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج) (٣) ، وأما الإفراد فلا يشترط إيقاع عمرته في سنته بلا خلاف كما في الجواهر ، ويدل عليه إطلاق الأمر بالعمرة في الكتاب والسنة الخالي من التقييد ، أما الكتاب فقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّٰهِ) (٤) ، وأما السنة فهي أخبار منها : خبر عمر بن أذينة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، يعني به الحج دون العمرة ، قال عليه‌السلام : لا ، ولكنه يعني الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضا) (٥) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج ، فإن الله تعالى يقول : وأتموا الحج والعمرة لله) (٦).

وأما حج القران فقد نقل المحقق في المعتبر عن الشيخ في الخلاف (إذا أتم المستمتع أفعال عمرته وقصّر فقد صار محلا ، فإن كان ساق هديا لم يجز له التحلل وكان قارنا ثم قال : وبه قال ابن أبي عقيل) وعن المدارك : (ومقتضاه أن المتمتع السائق قارن) ، وفيه : حينئذ الخلاف السابق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العمرة حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العمرة حديث ١٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٦.

(٤) سورة البقرة الآية : ١٩٦.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العمرة حديث ٧ و ٢.

٣٠٣

بطواف النساء (١). أما قسيماه فلا يشترط إيقاعهما في سنة في المشهور ، خلافا للشيخ حيث اعتبرها في القرآن كالتمتع (والإحرام بالحج له) أي للتمتع (من مكة) (٢) من أي موضع شاء منها (وأفضلها المسجد) (٣) الحرام (ثم) الأفضل منه (المقام) (٤) ، أو تحت الميزاب) مخيرا بينهما وظاهره تساويهما في الفضل. وفي

______________________________________________________

(١) لأن العمرة المفردة مشتملة عليه كما سيأتي.

(٢) بلا خلاف ، للأخبار منها : صحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : لأهل مكة أن يتمتعوا؟ قال عليه‌السلام : لا ، قلت : فالقاطنين بها ، قال عليه‌السلام : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما صنع أهل مكة ، فإذا أقاموا شهرا فإن لهم أن يتمتعوا ، قلت : من أين؟ قال عليه‌السلام : يخرجون من الحرم ، قلت : من أين يهلون بالحج؟ فقال عليه‌السلام : من مكة نحوا مما يقول الناس) (١).

(٣) اتفاقا كما في المدارك ، لاستحباب الإحرام عقيب الصلاة التي هي في المسجد أفضل ، وللأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم ـ إلى أن قال ـ ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل أن تحرم) (٢).

(٤) قيل بالتخيير بين المقام والحجر كما عن الهداية والفقيه والنافع والمدارك ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ، ثم البس ثوبيك ، وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فاحرم بالحج) (٣). وعن الغنية والجامع والتحرير والمنتهى والتذكرة والدروس وموضع من القواعد التخيير بين المقام وتحت الميزاب ، وفيه : إن ما تحت الميزاب بعض من الحجر فلا معنى للتخيير بينه وبين المقام ، بل يكون التخيير راجعا إلى المقام أو الحجر ، وأما خصوص تحت الميزاب فقد قال في الجواهر (لم نعثر له على شاهد) ، وعن الشرائع الاقتصار على المقام ، لخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ، ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهلّ بالحج ، فإن كنت ماشيا فلبّ عند المقام ، وإن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك) (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت حديث ٤ و ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢.

٣٠٤

الدروس الأقرب أن فعله في المقام أفضل من الحجر تحت الميزاب ، وكلاهما مروي (ولو أحرم) المتمتع بحجة (بغيرها) أي غير مكة (لم يجز (١) إلا مع التعذر المتحقق) يتعذر الوصول إليها ابتداء ، أو تعذر العود إليها مع تركه بها (٢) نسيانا أو جهلا (٣) لا عمدا (٤) ولا فرق بين مروره على حد المواقيت وعدمه (٥) (ولو تلبس) بعمرة التمتع (وضاق الوقت عن إتمام العمرة) قبل الإكمال وإدراك الحج (بحيض أو نفاس أو عذر) مانع عن الإكمال بنحو ما مر (عدل) بالنية من العمرة المتمتع بها (إلى) حج (الإفراد) وأكمل الحج (٦) بانيا على ذلك الإحرام (وأتى بالعمرة) المفردة

______________________________________________________

(١) قال في الجواهر (على الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي فيها اعتبار موافقة الأمر في صحة العبادة وإجزائها).

(٢) أي مع تركه الإحرام بمكة.

(٣) لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره وهو بعرفات ، ما حاله؟ قال : يقول اللهم على كتابك وسنة نبيك فقد تم إحرامه) (١) ، ومورده خصوص الناسي لكن المفهوم منه مطلق العذر فيشمل الجاهل.

(٤) بل يجب عليه أن يستأنف الإحرام من مكة وإلا بطل حجه لأن الإحرام من غير مكة من دون عذر كالعدم لعدم الاجزاء.

(٥) قال سيد المدارك بعد قول المحقق والإحرام من الميقات مع الاختيار ، ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه ، ولو دخل مكة بإحرامه على الأشبه ، ووجب استئنافه منها ، فقال سيد المدارك : (هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وبه قطع في المعتبر من غير نقل خلاف ، وأسنده العلامة في التذكرة والمنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وربما اشعرت عبارة المصنف بوقوع الخلاف فيه ، ونقل الشارح (قدس‌سره) عن شارح ترددات الكتاب أنه أنكر ذلك ، ونقل عن شيخه أن المصنف قد يشير في كتابه إلى خلاف الجمهور ، أو إلى ما يختاره من غير أن يكون خلافه مذهبا لأحد من الأصحاب ، فيظن أن فيه خلافا ، وكيف كان فالخلاف في هذه المسألة إن تحقق فهو ضعيف جدا ، لأن الإحرام بحج التمتع من غير مكة يقع فاسدا ، فلا يكون المرور على الميقات كافيا ما لم يجدد الإحرام منه ، لأن الإحرام الأول غير منعقد فيكون مروره بالميقات جاريا مجرى مرور المحلّ به كما هو ظاهر) هذا وقد ذكر الشارح في المسالك أن المخالف هنا هو الشافعي.

(٦) جواز العدول من عمرة المتمتع بها إلى الأفراد لضيق الوقت في غير الحائض والنفساء بلا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت حديث ٨.

٣٠٥

(من بعد) إكمال الحج ، وأجزأه عن فرضه كما يجزئ لو انتقل ابتداء للعذر (١). وكذا يعدل عن الإفراد وقسيمه إلى التمتع للضرورة (٢). أما اختيارا فسيأتي الكلام فيه (٣). ونية العدول عند إرادته قصد الانتقال إلى النسك المخصوص متقربا (٤).

(ويشترط في) حج (الإفراد النية) (٥) والمراد بها نية الإحرام بالنسك

______________________________________________________

ـ خلاف فيه ، وقد تقدم الكلام فيه ، وإنما الخلاف في الحيض والنفاس ، فعلى المشهور أنه كذلك ، للأخبار منها : خبر جميل بن دراج (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ، قال : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر وتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة) (١).

وعن والد الصدوق والحلبي وابن الجنيد أنها مع ضيق الوقت تسعى ثم تحرم بالحج ، وتقضى طواف العمرة مع طواف الحج ، للأخبار منها : خبر عجلان أبي صالح (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة متمتعة قدمت مكة فحاضت ، قال : تطوف بين الصفا والمروة ، ثم تجلس في بيتها فإن طهرت طافت بالبيت ، وإن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء ، وأهلّت بالحج من بيتها وخرجت إلى منى وقضت المناسك كلها ، فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ، ثم سعت بين الصفا والمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شي‌ء ما خلا فراش زوجها) (٢) ، وعن الإسكافي والمدارك التخيير للجمع بين الأخبار.

(١) لأن العذر المانع من إتمام العمرة مانع قبل العمرة لأن الحكم تابع للعذر.

(٢) وقد تقدم أنه لا خلاف فيه.

(٣) وقد تقدم الكلام فيه بحسب هذا الشرح.

(٤) فلا ينتقل إلى الفرض الثاني بمجرد العذر ، بل لا بد من نية العدول لأنها عبادات ، وهي بحاجة إلى النية.

(٥) لأن الحج بأقسامه الثلاثة عبادة ، وكل عبادة متوقف على النية ، إلا أن الكلام هنا نفس الكلام في نية التمتع من أنه هل يشترط فيه المجموع أم نية الإحرام ، وقد تقدم كلام الشارح في المسالك بقوله (قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم ، وظاهرهم أن المراد بها نية الحج بجملته ، وفي وجوبها كذلك نظر) ووجه النظر ما أشار إليه سيد المدارك (ومقتضاه أنه يجب الجمع بين هذه النية وبين نية كل فعل من أفعال الحج على حدة ، وهو غير واضح ، والأخبار خالية عن ذلك كله). ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف حديث ٢.

٣٠٦

المخصوص. وعلى هذا يمكن الغنى عنها بذكر الإكرام ، كما يستغنى عن باقي النيات بأفعالها. ووجه تخصيصه (١) أنه الركن الأعظم باستمراره ومصاحبته لأكثر الأفعال وكثرة أحكامه. بل هو في الحقيقة عبارة عن النية لأن توطين النفس على ترك المحرمات المذكورة لا يخرج عنها ، إذ لا يعتبر استدامته (٢) ، ويمكن أن يريد به نية الحج جملة ، ونية الخروج من المنزل كما ذكره بعض الأصحاب. وفي وجوبها نظر (٣) أقربه العدم. والذي اختاره المصنف في الدروس الأول (وإحرامه) به (من الميقات) وهو أحد الستة الآتية وما في حكمها (٤) ...

______________________________________________________

ـ وعن الدروس أن المراد بها نية الإحرام ، وقال عنه في المسالك : (وهو حسن إلا أنه كالمستغنى عنه ، فإنه من جملة الأفعال ، وكما تجب النية له تجب لغيره ، ولم يتعرفوا لها في غيره على الخصوص) ، ويظهر من سلار أنها نية الخروج إلى مكة ، وظاهر الأصحاب وهو المنسوب إليهم أنها نية الحج بجملته ويؤيده جملة من الأخبار :

منها : صحيح البزنطي (قلت لأبي الحسن علي بن موسى عليه‌السلام : كيف أصنع إذا أردت التمتع؟ فقال عليه‌السلام : لبّ بالحج وانو المتعة) (١) ، وصحيحه الآخر عن أبي الحسن عليه‌السلام (سألته عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال عليه‌السلام : ينوي العمرة ويحرم بالحج) (٢) ، وهي وإن كانت حج التمتع لكن يجري الحكم في القران والإفراد لوحدة المناط.

(١) لدفع إشكال آت وهو أن الإحرام من جملة أفعال الحج فلا معنى لتخصيصه بالنية مع أن جميع الأفعال بحاجة إليها ، ورده أولا : إن الإحرام لما كان أعظم أفعال الحج فقد ذكرت نيته بخلاف باقي الأفعال ، لا لكون الإحرام ركنا كالموقفين بل لاستمراره ومصاحبته لأكثر أفعال الحج ، وثانيا : إن الإحرام لما لم يزد على النية اكتفى بذكر النية عن ذكر الإحرام ، فالنية هي الإحرام ، إن قلت : إن الإحرام يحصل بأول أفعال الحج والنية لا بد من استمرارها حتى أواخر أفعال الحج قلت : الاستدامة والاستمرار ليست معتبرة في النية بل يكفي توطين النفس ابتداء.

(٢) أي استدامة التوطين.

(٣) أي نية الحج بجملته ، ونية الخروج من المنزل ، أما الأول : فلما تقدم لأنه يلزم منه الجمع بين نية الحج ونية أفعاله وهو مما لا دليل عليه كما تقدم عن المدارك.

وأما الثاني فلأن الخروج من باب المقدمة ، والمقدمة على تقدير وجوبها لا تحتاج إلى النية.

(٤) وهو المحاذاة لواحد من هذه المواقيت.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الإحرام حديث ٤ و ١.

٣٠٧

(أو من دويرة أهله (١) ، إن كانت أقرب) من الميقات (إلى عرفات) اعتبر القرب إلى عرفات لأن الحج بعد الإهلال به من الميقات لا يتعلق الغرض فيه بغير عرفات بخلاف العمرة فإن مقصدها بعد الإحرام مكة. فينبغي اعتبار القرب فيها إلى مكة ، ولكن لم يذكره هنا ، وفي الدروس أطلق القرب ، وكذا أطلق جماعة. والمصرح به في الأخبار الكثيرة هو القرب إلى مكة مطلقا (٢) فالعمل به متعين ، وإن كان ما ذكره هنا متوجها (٣). وعلى ما اعتبره المصنف من مراعاة القرب إلى عرفات فأهل مكة يحرمون من منزلهم (٤) ، لأن دويرتهم أقرب من الميقات إليها ، وعلى اعتبار مكة فالحكم كذلك (٥) ، إلا أن الأقربية لا تتم لاقتضائها المغايرة

______________________________________________________

(١) فمن كان منزله دون الميقات فميقاته دويرة أهله ، بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله) (١) وقال الشيخ في التهذيب وفي حديث آخر (إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة أهله) (٢) ، وقال في المدارك (ويستفاد من هذه الروايات أن المعتبر القرب إلى مكة ، واعتبر المصنف في المعتبر القرب إلى عرفات ، والأخبار تدفعه) ، ولذا قال الشارح في المسالك (لو لا النصوص أمكن اختصاص القرب في العمرة بمكة ، وفي الحج بعرفة ، إذ لا يجب المرور على مكة في إحرام الحج من المواقيت) ، هذا وكما قال السيد الحكيم في المستمسك (لعل في القرب إلى مكة خصوصية في صحة إنشاء الإحرام).

(٢) في إحرام الحج أو العمرة.

(٣) لو لا النصوص كما اعترف به في المسالك.

(٤) لأن منزلهم أقرب إلى عرفات من أقربية الميقات إلى عرفات ، وأما بناء على كون القرب لمكة فكذلك فميقاته منزله ، لأن النصوص السابقة وإن كان موردها غير أهل مكة بل من كان منزله بين مكة والميقات ، لكن مناسبة الحكم والموضوع فيها يفهم منها أن المدار على من كان دون الميقات فمنزله ميقاته ، ويؤيده مرسل الفقيه (سئل الصادق عليه‌السلام عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال : من منزله) (٣).

(٥) أي ميقاته منزله.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت حديث ٦.

٣٠٨

بينهما (١) ، ولو كان المنزل مساويا للميقات أحرم منه (٢) ، ولو كان مجاورا بمكة قبل مضي سنتين خرج إلى أحد المواقيت ، وبعدهما يساوي أهلها (٣) (و) يشترط (في القران ذلك) المذكور (٤) في حج الإفراد (و) يزيد (عقده) لإحرامه (بسياق الهدي (٥) ، وإشعاره) (٦) بشق سنامه من الجانب الأيمن ، ولطخه بدمه (إن كان)

______________________________________________________

(١) أي لاقتضاء الأقربية للمغايرة بين دويرة أهله وبين مكة ، فإذا كانت الدويرة في مكة فلا أقربية.

(٢) أي من الميقات لأن النصوص السابقة لا تشمله ، لأنها ظاهرة في كون المنزل أقرب إلى مكة من الميقات.

(٣) على المشهور ، للأخبار منها : صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين ، فإذا جاوز سنتين كان قاطنا وليس له أن يتمتع) (١)

خلافا للإسكافي والشيخ والحلبي فاشترطوا ثلاث سنين ، وقال في الجواهر : (وقد اعترف غير واحد بعدم الوقوف لهم على مستند).

(٤) من النية والإحرام من أحد المواقيت أو من دويرة أهله إذا كانت أقرب.

(٥) قد تقدم أن القارن يمتاز عن المفرد بسياق الهدي ، وفي صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يكون القارن قارنا إلا بسياق الهدي) (٢).

(٦) قد تقدم أن القارن مخيّر بين الاشعار والتقليد والتلبية لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم) (٣) ، هذا وإذا لبّى يستحب له اشعار ما يسوقه من البدن بشق سنامه من الجانب الأيمن ويلطخ صفحته بدمه ، أو التقليد بأن يعلق في رقبة المسوق نعلا قد صلى فيه ، وأما استحباب الاشعار أو التقليد بعد التلبية فهو مما لا نص عليه كما في المدارك ، نعم قد ورد ما يدل على ماهية الاشعار اخبار منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن البدن كيف تشعر؟ قال : تشعر وهي معقولة وتنحر وهي قائمة ، تشعر من جانبها الأيمن ، ويحرم صاحبها إذا قلّدت أو اشعرت) (٤) وخبر يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت : إني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال : ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١.

٣٠٩

(بدنة ، وتقليده إن كان) الهدي (غيرها) غير البدنة (بأن يعلّق في رقبته نعلا قد صلى) السائق (فيه ولو نافلة ، ولو قلد الإبل) بدل إشعارها (جاز).

(مسائل) :

الأولى.(يجوز لمن حج ندبا مفردا العدول إلى) عمرة (التمتع) (١) اختيارا

______________________________________________________

ـ انطلق حتى تأتى مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء ، والبس ثوبك ثم أنخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصل ـ إلى أن قال ـ ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها) (١). وأما تلطيخ صفحة السنام بالدم فقد ذكره الأصحاب ، وفي الحدائق (أن الأخبار لا تساعد على ما ذكروه من اللطخ) وفي التذكرة علّله بأنه يعرف به أنه صدقة. وقد ورد ما يدل على ماهية التقليد كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيه ، والاشعار والتقليد بمنزلة التلبية) (٢) ، ويكفي مسمى الصلاة ولو نافلة.

بقي أن الاشعار مختص بالبدن والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي كالبقر والغنم ، وهو مما لا إشكال فيه ، وقال في الحدائق أنه متفق عليه لا أعلم فيه مخالفا ، وقال السيد الحكيم في المستمسك (ولكن دليله غير ظاهر ، نعم كل ما ورد في كيفية الاشعار لم يذكر فيه إلا البدن ، والتقليد ورد في جميعها ، وعلّل اختصاص الاشعار بضعف البقر والغنم عن الإشعار) ، نعم استدل له في المدارك بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (كان الناس يقلدون الغنم والبقر ، وإنما تركه الناس حديثا ، ويقلّدون بخيط أو مسير) (٣).

(١) يجوز للمفرد إذا دخل مكة أن يعدل إلى التمتع بلا خلاف فيه ، للأخبار المتظافرة بل المتواترة كما في الجواهر منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل لبّى بالحج مفردا ثم دخل مكة وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : فليحل وليجعلها متعة ، إلا أن يكون قد ساق الهدي فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه) (٤) ، وقد تقدم صحيح الحلبي (٥) عند أقسام الحج المتضمن لأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه حين دخلوا مكة محرمين بالحج بأن يحلّوا ويجعلوها عمرة ، ولم يحلّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمكان الهدي الذي معه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث ١١ و ٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الإحرام حديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٤.

٣١٠

وهذه هي المتعة التي أنكرها الثاني (١) (لكن لا يلبي بعد طوافه وسعيه) (٢) لأنهما محللان من العمرة في الجملة والتلبية عاقدة للإحرام فيتنافيان ، ولأن عمرة التمتع لا تلبية فيها بعد دخول مكة (فلو لبّى) بعدهما (بطلت متعته) التي نقل إليها (وبقي على حجه) السابق لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق (ع) ، ولأن العدول كان مشروطا بعدم التلبية ولا ينافي ذلك (٣) الطواف والسعي ، لجواز تقديمهما للمفرد على الوقوف ، والحكم بذلك هو المشهور ، وإن كان مستنده لا يخلو من شي‌ء (٤) (وقيل) والقائل ابن إدريس (لا اعتبار إلا بالنية) (٥) اطراحا للرواية وعملا بالحكم الثابت من جواز النقل بالنية ، والتلبية ذكر لا أثر له في المنع (ولا يجوز العدول للقارن) (٦) تأسيا بالنبي (ص) حيث بقي على حجة لكونه قارنا ، وأمر من لم يسق

______________________________________________________

(١) فعمر إن أنكر العدول من الإفراد إلى التمتع في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما تدل عليه جملة من النصوص قد أوردها الشيخ الحر العاملي في الباب الثاني من أبواب أقسام الحج ، إلا أنه في زمن غصبه الخلافة قد حرم عمرة التمتع مطلقا كما تشهد بذلك كتب التواريخ ، بل إن اعتراضه على النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العدول من أجل أن لا تقطر رءوسهم ماء بعد ما خرجوا حجاجا كما يشهد بذلك قوله في صحيح الحلبي المتقدم ، وهو جار بنفسه في عمرة التمتع ولو ابتداء ، ولذا نهى عنها فيما بعد ، ومن معاجز النبوة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في صحيح الحلبي المتقدم : (إنك لن تؤمن بهذا ابدا).

(٢) اللذان أوقعهما قبل العدول إلى عمرة التمتع ، لأن المفرد والقارن يجوز لهما تقديم الطواف والسعي قبل الوقوف بعرفة بخلاف المتمتع فلا يجوز كما سيأتي بيانه في المسألة الثانية.

والأصل في حكم مسألتنا موثق إسحاق بن عمار عن أبي بصير (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، ثم يبدو له أن يجعلها عمرة ، فقال : إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له) (١).

(٣) أي العدول.

(٤) فإسحاق بن عمار فطحي المذهب وأبو بصير مشترك بين الثقة وغيره.

(٥) بمعنى أن المفرد لا يتحلل قبل إكمال الحج إلا بنية العدول إلى العمرة فيتحلل مع العدول بتمام أفعال العمرة ، وعلى هذا يتحقق التحلل بالنية.

(٦) بلا خلاف ، للأخبار التي تقدم بعضها في جواز العدول للمفرد.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٩.

٣١١

الهدي بالعدول (وقيل) لا يختص جواز العدول بالإفراد المندوب (بل يجوز العدول عن الحج الواجب أيضا) (١) سواء كان متعينا أم مخيّرا بينه وبين غيره كالناذر مطلقا (٢) ، وذي المنزلين المتساويين ، لعموم الأخبار الدالة على الجواز (٣) (كما أمر به النبي (ص) من لم يسق من الصحابة) من غير تقييد بكون المعدول عنه مندوبا أو غير مندوب (وهو قوي) لكن فيه سؤال الفرق بين جواز العدول عن المعين اختيارا وعدم جوازه (٤) ابتداء ، بل ربما كان الابتداء أولى (٥) للأمر بإتمام الحج والعمرة لله ، ومن ثم خصه (٦) بعض الأصحاب بما إذا لم يتعين عليه الإفراد وقسيمه (٧) كالمندوب والواجب المخير جمعا بين ما دل على الجواز مطلقا (٨) ، وما دل على اختصاص كل قوم بنوع ، وهو أولى (٩) ...

______________________________________________________

(١) خصّ بالمندوب وقد نسبه الشارح في المسالك إلى المتأخرين ، لأن الإفراد المتعين على المكلف إما بأصل الشرع كأهل مكة وإما بالعارض كالنذر ، فالجمع بينها وبين أخبار جواز العدول بمقتضى اختصاص العدول بالمستحب ، بل إن أخبار العدول لا عموم فيها لتشمل الإفراد الواجب أما صحيح معاوية بن عمار المتقدم فلانتفاء العموم فيه على وجه يتناول من تعين عليه الافراد ، وأما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه بالعدول ، فلأنه لم يتعلق بالحاضر وإنما تعلق بالبعيد من المهاجرين والأنصار الذين حكمهم التمتع ، وإنما لم يحرموا عمرة تمتع لأن التمتع لم يكن مشروعا وإنما نزل به جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره أن يأمر الناس بالاحلال كما تقدم توضيحه سابقا.

ومنه تعرف ضعف قول الشارح في المسالك (من أن تخصيص الحكم بمن لم يتعين عليه الافراد بعيد عن ظاهر النص).

(٢) من غير تعيين بالإفراد.

(٣) أي جواز العدول ، وقد عرفت عدم العموم.

(٤) أي عدم جواز العدول من الافراد إلى عمرة التمتع ابتداء.

(٥) لأن العدول في الاثناء جائز مع أن الأمر بالاتمام ثابت بقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّٰهِ) (١).

(٦) أي خص العدول.

(٧) وهو القران.

(٨) أي على جواز العدول من غير تقييد بالمندوب.

(٩) بل متعين.

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٩٦.

٣١٢

إن (١) لم نقل بجواز العدول عن الإفراد إلى التمتع ابتداء.

(الثانية. يجوز للقارن والمفرد إذا دخلا مكة الطواف والسعي) (٢) ، للنص على جوازه مطلقا (٣) ، (إما الواجب أو الندب) يمكن كون ذلك على وجه التخيير (٤) ،

______________________________________________________

(١) وصلية.

(٢) أما المندوب منهما فلا خلاف فيه كما في الجواهر ، للأصل مع عدم المعارض ، وأما الواجب منهما فيجوز عند الأكثر للأخبار منها : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن مفرد الحج ، أيعجل طوافه أو يؤخره؟ قال : هو والله سواء ، عجّله أو اخّره) (١) ، وموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن المفرد للحج يدخل مكة ، أيقدم طوافه أو يؤخره؟ قال : سواء) (٢).

وعن ابن إدريس المنع من التقديم محتجا بإجماع علمائنا على وجوب الترتيب ، وأجابه العلامة في المنتهى (إن شيخنا ـ رحمه‌الله ـ قد ادعى إجماع الطائفة على جواز التقديم ، فكيف يصح له حينئذ دعوى الإجماع على خلافه ، والشيخ أعرف بمواضع الوفاق والخلاف).

وأما المتمتع فلا يجوز له تقديم طواف الحج والسعي على الوقوف لخبر أبي بصير (قلت : رجل كان متمتعا فأحلّ بالحج ، قال : لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتد بذلك الطواف) (٣) ، وعن سيد المدارك جواز التقديم لأخبار :

منها : صحيح جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج ، فقال : هما سيّان ، قدّمت أو أخّرت) (٤) وقد حملت على صورة الضرورة لمن كان كبيرا أو مريضا أو امرأة تخاف الحيض ، ويشهد كذلك جملة من الأخبار.

منها : خبر إسحاق بن عمار (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتمتع إن كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض تعجل طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ قال : نعم هكذا تعجل) (٥).

(٣) واجبا كان أو مندوبا ، اختيارا واضطرارا.

(٤) بمعنى الاتيان بالتقديم سواء كان الطواف والسعي واجبا أو مندوبا لإطلاق الأخبار ، ويمكن أن يكون ذلك على وجه الترديد بين تقديم الواجب كما عليه المشهور أو خصوص الندب كما عليه ابن إدريس.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١ و ٢.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٥ و ١ و ٧.

٣١٣

للإطلاق ، والترديد ، لمنع بعضهم من تقديم الواجب ، والأول مختاره في الدروس ، وعليه فالحكم مختص بطواف الحج ، دون طواف النساء (١) ، فلا يجوز تقديمه إلا لضرورة (٢) كخوف الحيض المتأخر. وكذا يجوز لهما (٣) تقديم صلاة لطواف يجوز تقديمه كما يدل عليه قوله (لكن يجددان التلبية (٤) عقيب صلاة)

______________________________________________________

(١) للأخبار منها : خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام (عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، أيعجل طواف النساء؟ قال : لا ، إنما طواف النساء بعد ما يأتي من منى) (١).

(٢) لصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام (لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة ، أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من حين إذا كان خائفا) (٢) ، ومثله غيره.

(٣) للقارن والمفرد.

(٤) اختلف الأصحاب ، فذهب الشيخ في النهاية إلى أن القارن والمفرد إذا طافا قبل عرفات لا بد أن يجدد التلبية وإلا انقلب حجهما إلى عمرة للأخبار منها : موثق زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحلّ أو كره) (٣) ، وحسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة قال : نعم ، ما شاء ويجدد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلّا من الطواف بالتلبية) (٤).

وذهب الشيخ في التهذيب إلى أنه يحلّ المفرد دون القارن للجمع بين الأخبار المتقدمة الدالة على كون الطواف والسعي موجبتين للتحلل وبين ما دل على أن السائق لا يحلّ وإن كان قد طاف ، ويشهد لهذا الجمع خبر يونس بن يعقوب عمن أخبره عن أبي الحسن عليه‌السلام (ما طاف بين هذين الحجرين الصفا والمروة أحد إلا أجلّ ، إلا السائق للهدي) (٥) ، ولكن ضعفه وإرساله يمنع من العمل به بعد تعارضه لحسنة معاوية بن عمار المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٦.

٣١٤

الطواف) يعقدان بها الإحرام لئلا يحلا.

(فو تركاها أحلا على الأشهر) ، للنصوص الدالة عليه. وقيل لا يحلان إلا بالنية ، وفي الدروس جعلها أولى ، وعلى المشهور ينبغي الفورية بها عقيبها (١) ، ولا يفتقر إلى إعادة نية الإحرام (٢) ، بناء على ما ذكره المصنف من أن التلبية كتكبيرة الإحرام لا تعتبر بدونها ، لعدم الدليل على ذلك ، بل إطلاق هذا دليل على ضعف ذاك. ولو أخلّا بالتلبية صار حجهما عمرة (٣) وانقلب تمتعا ولا يجزئ عن فرضهما (٤) ، لأنه

______________________________________________________

ـ وقال ابن إدريس في سرائره (إن التحلل إنما يحصل بالنية لا بالطواف والسعي ، وليس تجديد التلبية بواجب ولا تركها مؤثرا في انقلاب الحج عمرة) ، واختاره المحقق في المعتبر والنافع والعلامة في المختلف وجماعة ، ودليلهم كما عن العلامة في المختلف بأنه دخل في الحج دخولا مشروعا فلا يجوز الخروج عنه إلا بدليل شرعي ، وفيه : إن الأخبار المتقدمة هي الدليل ، ولذا قال الشهيد في الشرح (وبالجملة فدليل التحلل ظاهر ، والفتوى مشهورة والمعارض منتف) ، نعم ليس في الروايات دلالة على صيرورة الحجة مع التحلل عمرة كما ذهب إليه الشيخ واتباعه ، نعم ورد في روايات العامة ما يدل عليه ، فقد رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال ؛ إذا أحلّ الرجل بالحج ثم قدم إلى مكة وطاف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد أحلّ وهي عمرة) (١).

هذا والمراد بالنية في قول ابن إدريس واتباعه ما تقدم من أن المفرد لا يتحلل قبل إكمال أفعال الحج إلا بنية العدول إلى العمرة ، فيتحلل مع العدول بإتمام أفعالها.

(١) أي بالتلبية عقيب صلاة الطواف بناء على أن التلبية لو لم تقع سيقع التحلل ، وليست الفورية لأن الأمر يقتضي ذلك.

(٢) والمعنى أن التلبية ليست بحاجة إلى نية الإحرام ، لأن التلبية كتكبيرة الإحرام ، ولا تقع التكبيرة إلا بنية فكذلك هنا ، وعليه فلا حاجة إلى تقييدها ، وأشكل الشارح بأن إطلاق دليل التلبية كاشف عن عدم اعتبار النية في التلبية ، وهذا الإطلاق كاشف عن ضعف المبنى السابق من أن تكبيرة الإحرام لا تعتبر بدون النية ، وفي العبارة سقط لا يساعد على مراده.

(٣) كما تقدم وقد أتى بالطواف والسعي فلم يبق إلا التقصير.

(٤) لأن فرضهما الافراد أو القران ، ومع التعين لا يجوز العدول إلى التمتع اختيارا كما تقدم ، وهنا عدول اختياري.

__________________

(١) سنن أبي داود ج ٢ حديث ١٧٩١.

٣١٥

عدول اختياري واحترز بهما عن المتمتع فلا يجوز له تقديمهما على الوقوف اختيارا (١) ، ويجوز له تقديم الطواف وركعتيه خاصة مع الاضطرار (٢) كخوف الحيض المتأخر وحينئذ فيجب عليه التلبية ، لإطلاق النص (٣) ، وفي جواز طوافه ندبا وجهان (٤) فإن فعل جدد التلبية (٥) كغيره.

(الثالثة. لو بعد المكي) عن الميقات (ثم حج على ميقات أحرم منه وجوبا) (٦) ، لأنه قد صار ميقاته بسبب مروره كغيره من أهل المواقيت إذا مر بغير

______________________________________________________

(١) وقد تقدم دليله.

(٢) قد تقدم دليله.

(٣) وهو صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه‌السلام (فقلت : أليس كل من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل؟ فقال : إنك تعقد بالتلبية ، ثم قال : كلما طفت طوافا وصليت ركعتين فاعقد بالتلبية) (١).

(٤) المشهور على المنع لخبر الحلبي (سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام وقد أزمع بالحج أيطوف بالبيت؟ قال : نعم ، ما لم يحرم) (٢) وظاهره المنع من الطواف حتى المندوب ، وعن بعضهم تخصيص المنع بالطواف الواجب لانصراف ما ورد إلى خصوص الواجب والانصراف بعيد.

(٥) لإطلاق صحيح عبد الرحمن المتقدم.

(٦) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، للأخبار منها : صحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقّت المواقيت لأهلها ، ومن أتى عليها من غير أهلها ، وفيها رخصة لمن كانت به علة ، فلا يجاوز الميقات إلا من علة) (٣).

نعم اختلف الأصحاب في جواز التمتع له والحال هذه ، فالأكثر على الجواز لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج وعبد الرحمن بن أعين (سألنا أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع ، فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أله أن يتمتع؟ فقال : ما أزعم أن ذلك ليس له ، والإهلال بالحج أحب إليّ) (٤) ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب الطواف حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١.

٣١٦

ميقاته ، وإن كان ميقاته دويرة أهله ، (ولو كان له منزلان بمكة) ، أو ما في حكمها (١) ، (وبالآفاق) الموجبة للتمتع (وغلبت إقامته في الآفاق تمتع) ، وإن غلبت بمكة ، أو ما في حكمها قرن ، أو أفرد (٢) ، (ولو تساويا) في الإقامة (تخير) (٣) في الأنواع الثلاث.

هذا إذا لم يحصل من إقامته بمكة ما يوجب انتقال حكمه كما لو أقام بمنزله الآفاقي ثلاث سنين ، وبمكة سنتين متواليتين ، وحصلت الاستطاعة فيها فإنه حينئذ يلزمه حكم مكة (٤) ، وإن كانت إقامته في الآفاق أكثر لما سيأتي ، ولا فرق في الإقامة (٥) بين ما وقع منها حال التكليف وغيره ولا بين ما أتم الصلاة فيها ، وغيره (٦) ، ولا بين الاختيارية والاضطرارية ولا المنزل المملوك عينا ومنفعة ، والمغصوب ، ولا بين أن يكون بين المنزلين (٧) مسافة القصر ، وعدمه ، لإطلاق النص (٨) في ذلك كله ، ومسافة السفر إلى كل منهما لا يحتسب عليهما (٩). ومتى حكم باللحوق بأحد المنزلين اعتبرت الاستطاعة منه (١٠) ، ولو اشتبه الأغلب

______________________________________________________

ـ وذهب ابن أبي عقيل إلى العدم ، لأنه لا متعة لأهل مكة ، والخبر حجة عليه.

(١) من النواحي الملحقة بها.

(٢) فيلزمه فرض أغلبهما عليه ، ويقتضيه الاعتبار ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (فقلت : أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة؟ قال : فلينظر أيهما الغالب عليه فهو من أهله) (١).

(٣) لأنه مع التساوي لا يكون حكم أحدهما أرجح عن الآخر فيتحقق التخيير.

(٤) قد تقدم منا الدليل على أن من أقام في مكة سنتين يلزمه حكم أهلها.

(٥) أي الاقامة في مكة بحيث يصدق أنه من أهلها وإن كان له منزل آفاقي آخر.

(٦) كمن يبقى مترددا في الإقامة شهرا ثم يسافر ثم يرجع حتى صدق عليه الإقامة في مكة على نحو أغلب من الإقامة في غيرها.

(٧) منزله في مكة ومنزله في الآفاق.

(٨) وهو صحيح زرارة المتقدم.

(٩) بل يكون كالاقامة والسفر في غيرهما.

(١٠) لأنه محكوم بحكمه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١.

٣١٧

منه (١) تمتع (٢).

(والمجاور بمكة) بنية الإقامة على الدوام ، أو لا معها من أهل الآفاق (سنتين ينتقل) فرضه (في الثالثة إلى الإفراد والقران ، وقبلها) أي قبل الثالثة (يتمتع) (٣) هذا إذا تجددت الاستطاعة في زمن الإقامة ، وإلا لم ينتقل ما وجب من الفرض (٤) والاستطاعة تابعة للفرض فيهما (٥) إن كانت الإقامة بنية الدوام ، وإلا (٦) اعتبرت من بلده ، ولو انعكس الفرض بأن أقام المكي في الآفاق اعتبرت نية الدوام وعدمه (٧) في الفرض والاستطاعة ، إن لم تسبق الاستطاعة بمكة كما مر (٨) ، كما يعتبر ذلك في الآفاقي لو انتقل من بلد إلى آخر يشاركه في الفرض (٩) ، ولا فرق أيضا بين الإقامة زمن التكليف وغيره ، ولا بين الاختيارية والاضطرارية للإطلاق.

(ولا يجب الهدي على غير المتمتع) (١٠) وإن كان قارنا ، لأن هدي القران غير

______________________________________________________

(١) من أحد المنزلين.

(٢) بناء على جواز التمتع لأهل مكة ابتداء كما صرح بذلك في المسالك ، وأما بناء على العدم فالظاهر التخيير لانتفاء شرط التعيين مع عدم وجوب حجين عليه.

(٣) قد تقدم منا الدليل على ذلك.

(٤) لاستقراره في الذمة فلا بد من امتثاله.

(٥) بحيث إذا ثبت عليه فرض البعيد سابقا قبل المجاورة وأراد الحج فلا بد أن تكون استطاعة هذا الفرض باقية ، وإذا ثبت عليه فرض أهل مكة لأنه قد جاور سنتين فالاستطاعة من مكة.

(٦) أي وإن لم تكن مجاورته لمكة بقصد الدوام ، اعتبرت الاستطاعة من بلده حتى لو ثبت عليه فرض أهل مكة لأنه قد جاور سنتين ، وفيه : إنه على خلاف النصوص الدالة على حكم المجاور.

(٧) فإذا نوى الدوام وصدق خروجه عن حاضري مكة عرفا فعليه فرض الآفاقي ولو من أول سنة لصدق النائي عليه ، وإلا فلا ، واحتمل الشارح في المسالك إلحاقه بالمقيم في مكة في انتقال الفرض إذا قام سنتين في الآفاق ، وفيه : إنه قياس لا نقول به.

(٨) فإن سبقت فيلزمه فرض أهل مكة لاستقراره في ذمته وإن نوى الدوام في الآفاق.

(٩) أي فرض التمتع بحيث لو فرض انتقال النائي من بعد إلى أخرى ، فيعتبر في استطاعته من الثانية نية الإقامة بها على الدوام وإلا فالاعتبار بالأولى.

(١٠) أما وجوب الهدي على المتمتع فبلا خلاف فيه لقوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ

٣١٨

واجب ابتداء (١) وإن تعين بعد الإشعار أو التقليد للذبح ، (وهو) أي هدي التمتع (نسك) (٢) كغيره من مناسك الحج ، وهي أجزاؤه من الطواف ، والسعي ، وغيرهما ، (لا جبران) لما فات من الإحرام له (٣) من الميقات على المشهور بين أصحابنا ، و (للشيخ رحمه‌الله) قول : بأنه جبران ، وجعله تعالى من الشعائر ، وأمره بالأكل منه يدل على الأول.

______________________________________________________

ـ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (١) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام الوارد في المتمتع (وعليه الهدي فقلت : وما الهدي؟ قال : أفضله بدنة وأوسطه بقرة ، وأخسّه شاة) (٢) ، ولا يجب الهدي على غير المتمتع قارنا كان أو مفردا بلا خلاف فيه ، وسيأتي دليله في أعمال منى ، وإن كان القارن بعد إحرامه بسياق الهدي يتعين عليه الذبح.

(١) لأنه مخيّر بين الاشعار والتقليد والتلبية.

(٢) وقع البحث بينهم في أن هدي التمتع هل وجب على المتمتع لأنه نسك من المناسك ، أي عبادة خاصة كالطواف والسعي وغيرهما من المناسك الواجبة ، أو أنه وجب جبرانا للإحرام حيث لم يقع من أحد المواقيت الستة الخارجة من مكة ، لأن المتمتع قد أحرم للحج من مكة ، فالمشهور على الأول وادعى عليه الشيخ في الخلاف الاجماع ، لقوله تعالى : (وَالْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ ، لَكُمْ فِيهٰا خَيْرٌ ، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ ، فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا فَكُلُوا مِنْهٰا وَأَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) (٣) ، فجعلها من الشعائر أي من العبادات التي يعبد الله بها ، والأمر بالأكل بها دليل على أنها ليست جبرانا ، وإلا لما جاز الأكل منها كما في كفارات الصيد التي وجبت جبرا للإحرام مما وقع فيه من النقص.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه جبران ، وهو مذهب الشافعي ، وتظهر فائدة الخلاف فيما لو خرج إلى الميقات وهو محرم من مكة ، أو إذا اتفق حصول الإحرام من الميقات اضطرارا فيما لو خرج من مكة وتعذر عليه الرجوع إلى مكة للإحرام فأحرم من الميقات ، فعلى الجبران يسقط الهدي لتحقق الإحرام من الميقات ، وعلى النسك لا يسقط ، ويتفق القولان فيما لو أحرم من مكة وقصد عرفة من غير الميقات فعليه الهدي على القولين.

(٣) لحج التمتع.

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٩٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٣.

(٣) سورة الحج الآية : ٣٦.

٣١٩

وتظهر الفائدة فيما لو أحرم به من الميقات ، أو مر به بعد أن أحرم من مكة ، فيسقط الهدي على الجبران ، لحصول الغرض ، ويبقى على النسك ، أما لو أحرم من مكة وخرج إلى عرفات من غير أن يمر بالميقات وجب الهدي على القولين وهو موضع وفاق.

(الرابعة. لا يجوز الجمع بين النسكين) الحج والعمرة (بنية واحدة) سواء في ذلك القران ، وغيره على المشهور (١) (فيبطل كل منهما) للنهي المفسد للعبادة كما لو نوى صلاتين ، خلافا للخلاف حيث قال : ينعقد الحج خاصة ، وللحسن حيث جوز ذلك وجعله تفسيرا للقران مع سياق الهدي.

______________________________________________________

(١) للأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يكون قران إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف البيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج وهو طواف النساء) (١) ووجه الدلالة أنه عليه‌السلام حصر أفعال القارن بما ذكر فتكون أفعال العمرة خارجة عنه ، وعن الشيخ في الخلاف أنه القارن هو من ساق وجمع بين الحج والعمرة ، ونسب إلى ابن أبي عقيل ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ايّما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا أن يسوق الهدي قد أشعره وقلّده) (٢) ، ولصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (إن عثمان خرج حاجا فلما صار إلى الأبواء أمر مناديا ينادي بالناس : اجعلوها حجة ولا تمتعوا فنادى المنادي ـ إلى أن قال ـ بعد أن استنكر أمير المؤمنين عليه‌السلام على عثمان ذلك فقال له : والله لقد أمرت بخلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم أدبر موليا رافعا صوته لبيك بحجة وعمرة معا لبيك) (٣) ، ولا يمكن الأخذ بهذين الخبرين في قبال الاخبار الكثيرة الدالة على الفصل ، نعم يمكن حملهما على أن من لبّى بالعمرة المتمتّع بها إلى الحج فيكون قد نوى العمرة والحج معا لشدة ارتباطهما ، واستدل ابن أبي عقيل أن القران سمي بذلك لأنه قرن بين العمرة والحج وردّ بأن سبب التسمية لكونه قرن إحرامه بسياق الهدي.

ثم إن المشهور قد حكم ببطلان كل من العمرة والحج لو قرن بينهما بالنية ، وذهب الشيخ إلى أنه لو قرن بينهما صح حجه خاصة ، وذهب ابن أبي عقيل إلى صحة العمرة والحج معا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الإحرام حديث ٧.

٣٢٠