الزبدة الفقهيّة - ج ٣

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-34-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٨

يستأجره للحمل لا في طوافه ، أو مطلقا (١) ، فلا يحتسب للحامل ، لأن الحركة ، مع الإطلاق قد صارت مستحقة عليه لغيره ، فلا يجوز صرفها إلى نفسه ، واقتصر في الدروس على الشرط الأول (٢).

(وكفارة الإحرام) اللازمة بسبب فعل الأجير موجبها (في مال الأجير) (٣) ، لا المستنيب ، لأنه فاعل السبب ، وهي كفارة للذنب اللاحق به (ولو أفسد حجّه قضى في) العام (القابل) (٤) ، لوجوبه بسبب الإفساد ، وإن كانت معينة بذلك العام ، (والأقرب الإجزاء) عن فرضه المستأجر عليه ، بناء على أن الأولى فرضه ،

______________________________________________________

ـ فعل طوافا عنه ، لأنه بالإجارة يصير الفعل مستحقا عليه لغيره فلا يجوز له صرفه إلى نفسه ، ثم إن العلامة قال في المختلف (والتحقيق أنه إن استؤجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما ، وإن استؤجر للطواف لم يجز عن الحامل) واستحسنه في المدارك ، وعلّله في الجواهر بقوله (ولعله لأنه على الثاني كالاستئجار للحج) ،

غير أن الشارح في المسالك ذهب إلى أنه لو استأجره للحمل مطلقا لم يحتسب للحامل لأن الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة لغيره فلا يجوز صرفها إلى نفسه ، وهو أحوط.

(١) أي قد وقع عقد الإجارة على الحمل من غير تقييد في الطواف.

(٢) وهو قوله (لا في طوافه) ، وليس في الدروس (أو مطلقا).

(٣) دون المنوب عنه بلا خلاف فيه ، لأن ذلك عقوبة على فعل صدر منه ، فهو كما لو قتل نفسا أو أتلف مالا لأحد.

(٤) بلا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في أنه هل يستحق الأجرة على الأول أو لا ، قولان مبنيان على أن الواجب هو الأول والثاني عقوبة ، أو هو الثاني والأول عقوبة ، وكلا القولين مشهوران ، ويدل على الأول حسنة زرارة (سألته عن محرم غشي امرأته ، قال : جاهلين أم عالمين؟ قلت : أجبني على الوجهين جميعا ، قال : إن كانا جاهلين استغفرا ربهما ومضيا على حجهما ، وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما ، حتى يقضيا نسكهما ، ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، قلت : فأي الحجتين لهما؟ قال : الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى عليهما عقوبة) (١) ، ويظهر من ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع حديث ٩.

٢٨١

والقضاء عقوبة ، (ويملك الأجرة) حينئذ ، لعدم الإخلال بالمعين ، والتأخير في المطلق. ووجه عدم الإجزاء في المعينة ، بناء على أن الثانية فرضه ظاهر للإخلال

______________________________________________________

ـ هذه الرواية أن هذا من أحكام الحج من دون دخل لكونه عن نفسه فيشمل النائب الأجير ، ولخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجة شيئا ، يلزم فيه الحج من قابل أو كفارة ، قال عليه‌السلام هي للأول تامة ، وعلى هذا ما اجترح) (١) وخبره الآخر (قلت : فإن ابتلي بشي‌ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل ، أيجزي عن الأول؟ قال : نعم ، قلت : لأن الأجير ضامن للحج؟ قال : نعم) (٢) ، وعلى هذا القول يستحق الأجرة عن الأول سواء كانت الاجارة مطلقة أو معينة في هذه السنة ، وعليه الحج من قابل وإن أخره عصيانا أو لعذر.

وأما القول الثاني فقد قال في الجواهر (والتحقيق أن الفرض الثاني لا الأول ، الذي أطلق عليه اسم الفاسد في النص والفتوى ، واحتمال أن هذا الإطلاق مجاز لا داعي إليه) وأما النصوص التي أشار إليها منها : خبر سليمان بن خالد (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في حديث : والرفث فساد الحج) (٣) ، وإلى هذا القول ذهب ابن إدريس في السرائر أيضا.

وعلى هذا القول الثاني فإذا كانت الاجارة معينة في هذا العام فتنفسخ ولا يستحق الأجرة ، ويجب على الأجير الإتيان من قابل بلا أجرة ، لأنه بحكم الشارع ، وأما إذا كانت الاجارة مطلقة فتبقى ذمته مشغولة ويستحق الأجرة على ما يأتي من قابل إلا إذا قلنا بأن الإطلاق يقتضي التعجيل ـ كما عن الدروس ـ فهي كالمعينة فلا أجرة له.

ثم اعلم أنه على القول الأول فالحج الأول قد وقع بنية المنوب عنه ، والحج الثاني يقع بنية نفس النائب من باب العقوبة ، وعلى القول الثاني فالحج الأول قد وقع عقوبة وإن صدر من الأجير نية المنوب عنه ، والحج الثاني لا بدّ أن يقع بنية المنوب عنه إذا كانت الإجارة مطلقة ، وخالف العلامة في القواعد والمنتهى تبعا للشيخ في المبسوط والخلاف إلى أن الحج الأول فاسد فيجب إكماله عقوبة ، والحج الثاني قد وقع قضاء عن نفسه فيجب الثالث لتفريغ ذمة المنوب عنه ، وإما إذا كانت الاجارة معينة فلا بد أن يستأجر الأجير مرة أخرى ، وفيه : إنه على القول الثاني وكانت الإجارة مطلقة فظاهر الأخبار المتقدمة أن الحج الأول قد وجب إكماله عقوبة وأن الثاني قضاء عن الحجة الفاسدة ، والقضاء كما يجزي الحاج عن نفسه فيجزي عن غيره.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٢ و ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع حديث ٨.

٢٨٢

بالمشروط وكذا في المطلق على ما اختاره المصنف في الدروس ، من أن تأخيرها عن السنة الأولى لا لعذر يوجب عدم الأجرة ، بناء على أن الإطلاق يقتضي التعجيل فيكون كالمعينة. فإذا جعلنا الثانية فرضه كان كتأخير المطلق ، فلا يجزئ ولا يستحق أجرة ، والمروي في حسنة زرارة أن الأولى فرضه ، والثانية عقوبة ، وتسميتها حينئذ فاسدة مجاز ، وهو الذي مال إليه المصنف. لكن الرواية مقطوعة ، ولو لم نعتبرها لكان القول بأن الثانية فرضه أوضح ، كما ذهب إليه ابن إدريس.

وفصّل العلامة في القواعد غريبا ، فأوجب في المطلقة قضاء الفاسدة في السنة الثانية ، والحج عن النيابة بعد ذلك ، وهو خارج عن الاعتبارين ، لأن غايته أن تكون العقوبة هي الأولى ، فتكون الثانية فرضه ، فلا وجه للثالثة ، ولكنه بنى على أن الإفساد يوجب الحج ثانيا ، فهو سبب فيه كالاستئجار ، فإذا جعلنا الأولى هي الفاسدة لم تقع عن المنوب ، والثانية وجبت بسبب الإفساد ، وهو خارج عن الإجارة فتجب الثالثة ، فعلى هذا ينوي الثانية عن نفسه ، وعلى جعلها الفرض ينويها عن المنوب ، وعلى الرواية ينبغي أن يكون عنه (١) ، مع احتمال كونها عن المنوب أيضا (٢).

(ويستحب) للأجير (إعادة فاضل الأجرة) (٣) عما أنفقه في الحج ذهابا وعودا ، (والإتمام له) من المستأجر عن نفسه ، أو من الوصي مع النص ، لا بدونه (٤) (لو أعوز) ، وهل يستحب لكل منهما إجابة الآخر إلى ذلك تنظر المصنف

______________________________________________________

(١) عن الأجير كما في خبري إسحاق المتقدمين ، وهما ظاهران في أن الأولى فرضه والثانية عقوبة.

(٢) إذا قلنا أن الأولى فرضه والثانية عقوبة ، لأن الثانية متممة للأولى ، وهو على خلاف ظاهر النصوص ، وأما إذا قلنا إن الأولى عقوبة والثانية فرضه فيتعين كونه عن المنوب.

(٣) قال في المدارك : (هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، ولم أقف على مستنده ، واستدل عليه في المعتبر بأنه مع الإعادة يكون قصده بالنيابة القربة لا العوض ، وكأن مراده أنه مع قصد الإعادة ابتداء يكون قصده بالنيابة القربة وهو حسن ، وذكر الأصحاب أنه يستحب للمستأجر أن يتمم للأجير لو أعوزته الأجرة ، وهو كذلك لما فيه من المساعدة للمؤمن ، والرفق به والتعاون على البرّ والتقوى).

(٤) لأن الوصي مع عدم النص يجب عليه العمل بالواجب ، وأما مع النص فيعمل بالمستحب المنصوص على قدر الثلث.

٢٨٣

في الدروس (١) ، من أصالة البراءة ومن أنه معاونة على البر والتقوى (وترك نيابة المرأة الصرورة) (٢) وهي التي لم تحج ، للنهي عنه في أخبار ، حتى ذهب بعضهم إلى المنع لذلك ، وحملها على الكراهة طريق الجمع بينها وبين ما دل على الجواز ، (وكذا الخنثى الصرورة) ، إلحاقا لها بالأنثى ، للشك في الذكورية ، ويحتمل عدم الكراهة ، لعدم تناول المرأة التي هي مورد النهي لها.

(ويشترط علم الأجير (٣) بالمناسك) ولو إجمالا ، ليتمكن من تعلمها تفصيلا (٤) ولو حج مع مرشد عدل أجزأ ، (وقدرته عليها) (٥) على الوجه الذي

______________________________________________________

(١) فأصالة البراءة تنفي هذا الحكم في الموردين ، والتعليل الموجود في كلام الأصحاب وهو المعاونة على البر والتقوى ينطبق على الموردين.

(٢) ذهب الشيخ في التهذيب إلى عدم جواز نيابة المرأة الصرورة مطلقا ، وفي الاستبصار منع من نيابتها إذا كان المنوب عنه رجلا ، ودليل الأول خبر سليمان بن جعفر عن الإمام الرضا عليه‌السلام (عن المرأة الصرورة حجت عن امرأة صرورة ، فقال عليه‌السلام : لا ينبغي) (١) ، ودليل الثاني خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سمعته يقول : يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ، ولا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة) (٢) ، وذهب الأصحاب إلى الكراهة للجمع بين ما تقدم وبين أخبار ،

منها : صحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحج عن المرأة والمرأة تحج عن الرجل ، قال : لا بأس) (٣) ، وصحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال : تحج المرأة عن أختها وعن أخيها ، وقال : تحج المرأة عن أبيها) (٤).

(٣) هذا الشرط راجع إلى صحة فعل المستأجر عليه ، فكل ما تتوقف صحته عليه يجب تحصيله على الأجير.

(٤) ففي بعض النسخ (ليتمكن من فعلها تفصيلا) وهو أولى ، لأن التمكن من تعلمها تفصيلا غير متوقف على العلم الإجمالي.

(٥) مقتضى القواعد والأصول أن يكتفى بالبدل الاضطراري في الأجير عند العجز عن الاختياري في المنوب عنه ، وما دام يمكن الواجب الاختياري من المنوب عنه ولو

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٣ و ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٥.

٢٨٤

عين ، فلو كان عاجزا عن الطواف بنفسه ، واستؤجر على المباشرة لم يصح ، وكذا لو كان لا يستطيع القيام في صلاة الطواف. نعم لو رضي المستأجر بذلك حيث يصح منه الرضا (١) جاز ، (وعدالته) (٢) حيث تكون الإجارة عن ميت ، أو من يجب عليه الحج ، (فلا يستأجر فاسق) ، أما لو استأجره ليحج عنه تبرعا لم تعتبر العدالة ، لصحة حج الفاسق ، وإنما المانع عدم قبول خبره ، (ولو حج) الفاسق عن غيره (أجزأ) عن المنوب عنه في نفس الأمر (٣) ، وإن وجب عليه استنابة غيره لو كان واجبا ، وكذا القول في غيره من العبادات كالصلاة والصوم والزيارة المتوقفة على النية (٤).

(والوصية بالحج) مطلقا من غير تعيين مال (ينصرف إلى أجرة المثل) (٥) وهو

______________________________________________________

ـ باستنابة غيره فلا يكتفي البدل الاضطراري من الأجير.

(١) وذلك فيما لم يكن الحج متعينا عليه بأن كان مندوبا فيجوز حينئذ.

(٢) قد تقدم أن العدالة ليست شرطا في صحة الفعل ، بل لأن الإتيان بالحج الصحيح لا يعرف إلا من إخباره ، والفاسق لا يقبل إخباره بذلك ، هذا إذا كان الحج متعينا ، وأما إذا كان مندوبا فلا يشترط العلم بالصحة لتفريغ الذمة ، وقال في المدارك : (واكتفى بعض الأصحاب فيه ـ أي في الحج الواجب ـ بكونه ممن يظن صدقه ، ويحصل الوثوق باخباره ، وهو حسن).

(٣) على ما تقدم ، فلو أتى الفاسق بالحج الصحيح واقعا فيحصل الاجزاء واقعا ، ولكن لا يعرف ذلك إلا من إخباره ، والنهي يمنع من قبول قوله لقوله تعالى (إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (١) ، وبما أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فعلى المستأجر أن يستأجر غيره العادل لتفريغ الذمة.

(٤) حين ينحصر العلم بصحة الواقع من إخباره ، بخلاف غيرها التي يعلم صحتها من غير إخباره.

(٥) علل ـ كما في المدارك ـ : (أما انصراف الأجرة مع عدم التعيين إلى أجرة المثل فواضح ، لأن الواجب العمل بالوصية مع الاحتياط للوارث ، فيكون ما جرت به العادة كالمنطوق به ، وهو المراد من أجرة المثل ، ولو وجد من يأخذ أقل من أجرة المثل اتفاقا وجب الاقتصار عليه ، احتياطا للوارث).

__________________

(١) سورة الحجرات آية : ٦.

٢٨٥

ما يبذل غالبا للفعل المخصوص ، لمن استجمع شرائط النيابة في أقل مراتبها (١) ويحتمل اعتبار الأوسط (٢) هذا إذا لم يوجد من يأخذ أقل منها ، وإلا اقتصر عليه ، ولا يجب تكلف تحصيله (٣) ، ويعتبر ذلك من البلد ، أو الميقات على الخلاف (٤) ، (ويكفي) مع الإطلاق (المرة (٥) إلا مع إرادة التكرار) فيكرر حسب ما دل عليه اللفظ ، فإن زاد عن الثلث (٦) اقتصر عليه ، إن لم يجز الوارث ، ولو كان بعضه ، أو جميعه واجبا فمن الأصل (٧).

(ولو عين القدر والنائب تعينا) (٨) إن لم يزد القدر عن الثلث في المندوب

______________________________________________________

(١) أي مراتب النيابة.

(٢) أي فأجرة المثل تحمل على أدنى مراتب النيابة احتياطا للوارث ، ويحتمل أن تحمل على المرتبة الوسطى ، لأن الأمور الوسطى أمور عرفية أيضا.

(٣) أي لا يجب البحث عن الأقل عن أجرة المثل توفيرا للورثة إلا إذا حصل ذلك اتفاقا.

(٤) وقد تقدم.

(٥) لتحقق الامتثال بها.

(٦) فمع التكرار يحج عنه حتى يستوفى الثلث من التركة ، وهو مما لا خلاف فيه ـ كما في الجواهر ـ لأن الثلث للميت وما زاد فهو محتاج إلى إذن الورثة.

(٧) إن كان حجة الإسلام فمن الأصل بالاتفاق ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل مات فأوصى أن يحج عنه ، قال : إن كان صرورة فمن جميع المال ، وإن كان تطوعا فمن الثلث) (١) ، وإن كان الواجب حجا قد وجب بالنذر ، فعن الشيخ ويحيى بن سعيد والمحقق في المعتبر أنها تخرج من الثلث ، لصحيح ضريس بن أعين (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل عليه حجة الإسلام ، ونذر في شكر ليحجن رجلا ، فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام وقبل أن يفي لله بنذره ، فقال عليه‌السلام : إن كان ترك مالا حج عنه حجة الإسلام من جميع ماله ، ويخرج من ثلثه ما يحج به عنه للنذر ، وإن لم يكن ترك مالا إلا بقدر حجة الإسلام حجّ عنه حجة الإسلام مما ترك ، وحج عنه وليّه للنذر ، فإنما هو مثل دين عليه) (٢) ، وذهب ابن ادريس والمحقق ومن تأخر عنه إلى وجوب إخراجها من الأصل أيضا كحجة الإسلام ، لتساويهما في كونهما دينا ، فيجب إخراجهما من الأصل.

(٨) سواء كان الحج واجبا أو ندبا لعموم الأمر بالعمل بالوصية ، وهنا صورتان ، الأولى : أن

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

٢٨٦

وعن أجرة المثل في الواجب ، وإلا اعتبرت الزيادة من الثلث مع عدم إجازة الوارث ، ولا يجب على النائب القبول (١) ، فإن امتنع طلبا للزيادة لم يجب إجابته ، ثم يستأجر غيره بالقدر (٢) إن لم يعلم إرادة تخصيصه به (٣) ، وإلا فبأجرة المثل إن لم يزد عنه ، أو يعلم إرادته خاصة فيسقط بامتناعه بالقدر ، أو مطلقا (٤) ، ولو عين النائب خاصة أعطي أجرة مثل (٥) من يحج مجزيا ، ويحتمل أجرة مثله ، فإن امتنع منه (٦) ، أو مطلقا استؤجر غيره (٧) إن لم يعلم إرادة التخصيص ، وإلا سقط (٨).

______________________________________________________

ـ يكون الحج واجبا ، والأجرة إما بقدر أجرة المثل وإما أزيد أو أقل ، فإن كانت الأجرة المعينة بقدر أجرة المثل أو أقل نفذت من أصل المال ، لما تقدم من أن الحج الواجب يخرج من أصل المال ، وإن كانت الأجرة المعينة أزيد من أجرة المثل ولم يرض الورثة ، فالشارع وإن حكم بإخراج الحج الواجب من أصل المال إلا أنه منصرف إلى أجرة المثل لأنه المعتاد ، وعليه فما زاد يخرج من الثلث ، لأن الثلث مال للميت يجوز له أن يتصرف فيه وإن لم يرض الورثة.

الثانية : أن يكون الحج مندوبا فالأجرة المعينة إما بقدر أجرة المثل وإما أقل أو أزيد ، فإن أجاز الورثة فمن أصل المال ، وإن لم يجز الورثة فمن الثلث ، وهذا ما دلت عليه صحيح معاوية بن عمار المتقدم ، وما زاد فهو بحاجة إلى إذن الورثة.

(١) بالأجرة المعينة ، للأصل وعدم الدليل على الوجوب ، ومع الامتناع قال في المدارك : (تبطل الوصية) ، وقال غيره : لا وجه لبطلان الوصية إذ لم يظهر منها تقييد المبلغ المعين بالأجير المخصوص ، بل تنفّذ وصيته بالمبلغ المعين لغيره المساوي له.

(٢) أي القدر المعيّن في الوصية.

(٣) أي يعلم إرادة الموصي تخصيص القدر المعين بالنائب المعين ، وإلا إن لم يعلم ذلك فيعطي لغير أجرة المثل وهو مشروط بعدم زيادة المثل عن المعين في الوصية ، فلو زادت أجرة المثل لم يجب إلا ما عيّن وينتظر به لو احتمل حصول من يرضى به ، ولو علم إرادة خصوص ذلك النائب على كل حال فيسقط الاستئجار.

(٤) وإن بذل له ما بذل.

(٥) تحكيما للعادة ، ويحتمل أجرة مثله وهو ما استحسنه في المدارك تحكيما للعادة أيضا.

(٦) من أجر المثل أو امتنع من بذل ما بذل له وهو المراد من الإطلاق.

(٧) وبعضهم قال بوجوب إجابته إذا امتنع عن أجرة المثل إذا وسع الثلث وهو الأقوى.

(٨) لتعذر القيد الموجب لتعذر المقيد ، وهذا جار في المندوب والواجب ، غايته في الواجب يجب على وليّه حينئذ القضاء.

٢٨٧

(ولو عين لكل سنة قدرا) مفصلا كألف ، أو مجملا كغلة بستان ، (وقصر كمّل من الثانية فإن لم تسع) الثانية ، (فالثالثة) ، فصاعدا ما يتمم أجرة المثل (١) ، ولو بجزء وصرف الباقي مع ما بعده كذلك ولو كانت السنون معينة ففضل منها فضلة لا تفي بالحج أصلا ففي عودها إلى الورثة ، أو صرفها في وجوه البر وجهان (٢) ، أجودهما الأول إن كان القصور ابتداء ، والثاني إن كان طارئا ، والوجهان آتيان فيما لو قصر المعين لحجة واحدة ، أو قصر ماله أجمع عن الحجة الواجبة ، ولو أمكن استنمائه (٣) ،

______________________________________________________

(١) هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ـ كما في المدارك ـ ، لأن القدر المعين قد انتقل بالوصية عن ملك الورثة ، ووجب صرفه فيما عينه الموصي بقدر الإمكان ، ولا طريق إلى إخراجه إلا بجمعه على هذا الوجه فيتعين ، ولخبر إبراهيم بن مهزيار (كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام : إن مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحج عنه من ضيعة صيّر ربعها لك ، في كل سنة حجة بعشرين دينارا ، وأنه منذ انقطع طريق البصرة تضاعفت المؤن على الناس ، فليس يكتفون بعشرين دينارا ، وكذلك أوصى عدة من مواليك في حجّهم ، فكتب عليه‌السلام : تجعل ثلاث حجج حجتين إن شاء الله) (١) ، وخبر إبراهيم الآخر (كتب إليه علي بن محمد الحصيني : أن ابن عمي أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر دينارا في كل سنة ، وليس يكفي ، ما تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام : يجعل حجتين في حجة ، فإن الله تعالى عالم بذلك) (٢).

(٢) الأول : أن ترجع ميراثا ، لأن المال خرج عن ملك الورثة بالوصية ، وهي مع فرض تعذرها فيرجع المال إلى أصله ، الثاني : أن تصرف في وجوه البر ، لأن الوصية أخرجته عن ملك الوارث ، وقد ذكرت الحج مصرفا له ، ومع تعذر هذا المصرف فيصرف إلى غيره من الطاعات.

هذا وقد فصّل المحقق الثاني في جامعه فقال (إن كان قصوره حصل ابتداء بحيث لم يمكن صرفه في الحج في وقت ما كان ميراثا ، وإن كان ممكنا ثم طرأ القصور بعد ذلك لطرو زيادة الأجرة ونحوه ، فإنه لا يعود ميراثا ، لصحة الوصية ابتداء فخرج بالموت عن الوارث فلا يعود إليه إلا بدليل ، ولم يثبت ، غاية الأمر أنه قد تعذر صرفه في الوجه المعيّن فيصرف في وجوه البرّ كما في المجهول المالك) ، واستوجهه الشارح في المسالك وكذا في الروضة هنا ، واعلم أن الصرف في وجوه البر هو المشهور بين الأصحاب كما في المدارك.

(٣) وجب ، لأن طريق تنفيذ الوصية منحصر بذلك ، وإذا وجب تنفيذها وجبت مقدمته.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٢ و ١.

٢٨٨

أو رجي إخراجه في وقت آخر وجب مقدما (١) على الأمرين.

(ولو زاد) المعين للسنة عن أجرة حجة ولم يكن مقيدا بواحدة (حجّ) عنه به (مرتين) (٢) فصاعدا إن وسع (في عام) واحد من اثنين فصاعدا ، ولا يضر اجتماعهما معا في الفعل في وقت واحد ، لعدم وجوب الترتيب (٣) هنا كالصوم (٤) بخلاف الصلاة (٥). ولو فضل عن واحدة جزء أضيف إلى ما بعده إن كان ، وإلا ففيه ما مر (٦)

(والودعيّ) لمال إنسان (العالم بامتناع الوارث) من إخراج الحج الواجب عليه عنه (يستأجر عنه من يحج أو يحج) عنه (٧) (وهو بنفسه) وغير

______________________________________________________

(١) فيجب الانتظار فيما لو رجي إخراجه ، لأن الوجهين السابقين مبنيان على تعذر الوصية ، ومع رجاء إخراجه لا يتحقق التعذر.

(٢) للأمر بالعمل بالوصية ، ما دام قد عيّن مبلغا معينا ، وهو يسع حجتين.

(٣) أي في الحج للأصل.

(٤) قد مر دليله في بابه.

(٥) فقد مرّ أنه لا يجب الترتيب إلا بين الظهرين والعشاءين من اليوم الواحد فراجع.

(٦) من صرفه في وجوه البر ، أو رجوعه إلى الورثة ، ولا يأتي التفصيل المبني على القصور الابتدائي والعارضي.

(٧) بلا خلاف في الجملة كما في المستند ، لصحيح بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن رجل استودعني مالا فهلك وليس لوارثه شي‌ء ، ولم يحج حجة الإسلام ، قال : حج عنه وما فضل فاعطهم) (١) والخبر وإن كان مطلقا إلا أن الأصحاب قيدوه بما إذا علم أو ظن بعدم تأدية الورثة للحج لو دفع الوديعة إليهم ، وذلك لأن مقدار أجرة الحج وإن كان خارجا عن ملك الورثة ، إلا أن الوارث مخيّر في جهات القضاء ، وله الحج بنفسه مع الاستقلال بالتركة ، وله الاستئجار بدون أجرة المثل ، وفي الشرائع والقواعد والإرشاد الاقتصار على مورد العلم بعدم التأدية ، والأولى إلحاق الظن الغالب به.

ثم لا خصوصية للأمر بالرواية للودعي بأن يحج إلا تفريغ الذمة ، وعليه فيجوز له أن يستأجر لذلك.

واعتبر في التذكرة مع ذلك أمن الضرر ، فلو خاف على نفسه أو ماله لم يجز له ذلك ، واستحسنه في المدارك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ١.

٢٨٩

الوديعة من الحقوق المالية حتى الغصب (١) بحكمها. وحكم غيره (٢) من الحقوق التي تخرج من أصل المال ، كالزكاة والخمس والكفارة والنذر حكمه. والخبر هنا (٣) معناه الأمر ، فإن ذلك واجب عليه حتى لو دفعه إلى الوارث اختيارا ضمن (٤) ولو علم أن البعض يؤدي فإن كان نصيبه يفي به بحيث يحصل الغرض منه وجب الدفع إليهم (٥) ، وإلا (٦) استأذن من يؤدي مع الإمكان وإلا سقط (٧). والمراد بالعلم هنا ما يشمل الظن الغالب المستند إلى القرائن. وفي اعتبار الحج من البلد أو الميقات ما مر (ولو كان عليه حجتان إحداهما نذر فكذلك) (٨) يجب إخراجهما فما زاد (إذ الأصح أنهما من الأصل) (٩) لاشتراكهما في كونهما حقا واجبا ماليا

______________________________________________________

(١) قد عرفت أن مورد الخبر الوديعة ، وطردوا الحكم في غير الوديعة من الحقوق المالية كالغصب والدين والأمانة الشرعية لاشتراك الجميع في كونه مال الميت الذي يجب إخراج الحج منه قبل الإرث.

(٢) أي وحكم غير الحج ، بل كل واجب مالي يخرج من أصل التركة ، قيل : نعم لاشتراك الجميع في المعنى المجوّز كما عن الشارح في المسالك ، وقيل : لا ، قصرا للرواية المخالفة للأصل على موردها كما في جامع المقاصد ، ولو قيل بالجواز في الجميع فهو حسن.

(٣) أي في قول المصنف (والودعي يستأجر عنه أو يحج هو بنفسه).

(٤) لظاهر الأمر في الرواية ، فلو لم يفعل يضمن لأنه فوّت على الميت تفريغ ذمته.

(٥) لأن المانع هو عدم تفريغهم ذمة مورثهم ، فإذا انتفى المانع فلا بد من دفع المال إليهم.

(٦) أي وإن لم يف نصيبه فلا بد من دفع حصته إليه لقاعدة (الناس مسلطون على أموالهم) ولما كان تفريغ ذمة الميت متوقفا على حصته وحصة غيره ، فيسقط إذن الغير لما مرّ فيبقى إذنه غير ساقط لعدم الدليل على سقوطه.

(٧) أي وإن تعذر الاستئذان لبعده أو لسبب آخر فيسقط كذلك.

(٨) فما دام الواجب على الودعي تفريغ ذمة الميت من حجة الإسلام لكونها واجبة وتخرج من الأصل ، فكذلك يجب تفريغ ذمته من الحج الواجب بالنذر لأنه يخرج من الأصل كذلك.

(٩) أما حج الإسلام فقد تقدم الكلام فيه وأنه محل خلاف ، وأما الحج النذري فقد تقدم الكلام فيه وأنه محل الخلاف ، حيث ذهب الشيخ ويحيى بن سعيد والمحقق أنه من الثلث لصحيح ضريس بن أعين المتقدم ، وذهب ابن إدريس ومن تأخر أنه من الأصل لأنه دين كحجة الإسلام ، وأما الخبر فمحمول ـ كما عن العلامة في المختلف ـ على من نذر في مرض الموت.

٢٩٠

ومقابل الأصح إخراج المنذورة من الثلث ، استنادا إلى رواية محمولة على نذر غير لازم كالواقع في المرض ولو قصر المال عنهما تحاصتا فيه (١) ، فإن قصرت الحجة عن إخراج الحجة (٢) بأقل ما يمكن ووسع الحج خاصة أو العمرة صرف فيه (٣) ، فإن قصر عنهما (٤) ، ووسع أحدهما ، ففي تركهما والرجوع إلى الوارث ، أو البر على ما تقدم ، أو تقديم حجة الإسلام ، أو القرعة أوجه ولو وسع الحج خاصة (٥) ، أو العمرة فكذلك ، ولو لم يسع أحدهما فالقولان (٦) ، والتفصيل آت (٧)

______________________________________________________

(١) وفيه ـ كما في المدارك ـ : إن قسمة التركة بينهما مع القصور مشكل ، لأن التركة إذا كانت قاصرة عن أجرة المثل للحجتين ، كانت القسمة مقتضية لعدم الإتيان بواحدة منهما ، إلا أن يتفق من يحج بدون أجرة المثل.

نعم فالمتجه تقديم حجة الإسلام لصحيح ضريس بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام (وإن لم يكن ترك مالا إلا بقدر حجة الإسلام ، حج عنه حجة الإسلام مما ترك ، وحجّ عنه وليّه النذر ، فإنما هو دين عليه) (١) ومنه تعرف أن الفروع التي فرضها الشارح لا أساس لها حينئذ.

(٢) المشتملة على الحج والعمرة.

(٣) أي في الحج لأهميته على العمرة.

(٤) أي أن الحصة قاصرة عن إخراج حجة أو عمرة لكل منهما ، ولكن تمام المال وسع إخراج حجة كاملة مشتملة على العمرة لأحدهما فقط ففيه وجوه أربعة : القرعة لأنها لكل إمر مشكل ، أو تقديم حجة الإسلام لأنها واجبة بأصل الشرع بخلاف المنذورة ، أو صرف تمام المال في وجوه البر أو إرجاعه إلى الوارث ، لأن المال بتمامه لا يفي بما وجب على الميت من حجة الإسلام والحج المنذور فيندرج في التفصيل السابق.

وفيه : قد عرفت لا بدية تقديم حجة الإسلام لصحيح ضريس المتقدم.

(٥) أي أن تمام المال قاصر عن حجة كاملة مشتملة على العمرة ، بل يكفي إما للحج المجرد عن العمرة لأحدهما ، أو يكفي لإحدى العمرتين خاصة ففيه الأوجه المتقدمة ، ولكن عرفت تقديم الحج المجرد عن العمرة في حجة الإسلام أو عمرتها لصحيح ضريس المتقدم.

(٦) أي أن تمام المال لا يكفي لواحد من الحجين المجردين ولا لإحدى العمرتين فيأتي فيه القولان ، إما إرجاعه إلى الواث وإما صرفه في وجوه البر.

(٧) ما تقدم إنما هو في الودعي مع كون الميت قد وصى بالحج ، وكذلك يأتي التفصيل فيما ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

٢٩١

فيما لو أقر بالحجتين. أو علم الوارث أو الوصي كونهما عليه (ولو تعددوا) من عنده الوديعة أو الحق ، وعلموا بالحق وبعضهم ببعض (وزّعت) (١) أجرة الحجة ، وما في حكمها (٢) عليهم بنسبة ما بأيديهم من المال ، ولو أخرجها بعضهم بإذن الباقين ، فالظاهر الإجزاء (٣) ، لاشتراكهم في كونه مال الميت الذين يقدّم إخراج ذلك منه على الإرث ولو لم يعلم بعضهم بالحق تعين على العالم (٤) بالتفصيل (٥) ، ولو علموا به ولم يعلم بعضهم ببعض فأخرجوا جميعا (٦) ، أو حجوا فلا ضمان مع الاجتهاد على الأقوى (٧) ولا معه (٨) ضمنوا (٩) ما زاد على الواحدة. ولو علموا في الأثناء سقط من وديعة كل منهم ما يخصه من الأجرة (١٠) ، وتحللوا ما عدا

______________________________________________________

ـ لو أقرّ الميت أمام الودعي ، وكذلك يأتي التفصيل في غير الودعي فيما لو علم الوارث أو الوصي بكون حج الإسلام أو هو والحج المنذور عليه.

(١) لأن تعيين الحجة على أحدهم دون الباقين ترجيح بلا مرجح ، فالعدل يقتضي التوزيع بحسب ما عندهم من مال.

(٢) من الحقوق المالية كالخمس والزكاة والدين.

(٣) لأن تفريغ ذمة الميت واجب كفائي عليهم ، فإن اتفقوا على أن يخرجها بعضهم فلا مانع ، ما دام جميع المال ماله الذي تعلق به حق الحج قبل حق الوارث.

(٤) لأن العلم نجّز عليه التكليف دون غيره.

(٥) فهو ليس متعلقا بالعالم في قبال العالم بالإجمال ، لأن العلم منجز على كل حال ، ولكن الجار والمجرور متعلق بالمحذوف ، أي يتعين على العالم الإخراج ، والإخراج على التفصيل المتقدم.

(٦) أي كل واحد منهم استأجر أجيرا من مال الميت.

(٧) لأن العلم منجز على كل واحد بتفريغ ذمة الميت ، وعدم علمهم ببعضهم لا يوجب الضمان على من خرج ، وإن خرج غيره لتفريغ ذمة الميت ، لأنه جاهل إذا لم يكن مقصرا ، ولا يكون مقصرا مع الاجتهاد.

(٨) أي ولا مع الاجتهاد.

(٩) لانطباق الجاهل المقصر على كل واحد منهم ، فيضمنون جميعا كل ما أتلف من مال الميت ما عدا ما أتلف في حجة واحدة ، والضمان على الجميع لأن تخصيصه بالبعض ترجيح بلا مرجح ، ولا يضمنون حجة واحدة لأن تفريغ ذمة الميت تستدعي ذلك.

(١٠) بمقدار ما أتى به من الأفعال ، وفيه : إن السقوط مطلقا لا معنى له بل لا بد من التقييد مع الاجتهاد.

٢٩٢

واحد بالقرعة (١) ، إن كان بعد الإحرام ، ولو حجوا عالمين بعضهم ببعض صح السابق (٢) خاصة ، وضمن اللاحق ، فإن أحرموا دفعة وقع الجميع عن المنوب (٣) وسقط من وديعة كل واحد ما يخصه من الأجرة الموزعة (٤) ، وغرم الباقي ، وهل يتوقف تصرفهم على إذن الحاكم؟ الأقوى ذلك (٥) مع القدرة على إثبات الحق عنده ، لأن ولاية إخراج ذلك قهرا على الوارث إليه ، ولو لم يمكن فالعدم أقوى حذرا من تعطيل الحق الذي يعلم من بيده المال ثبوته ، وإطلاق النص إذن له (وقيل : يفتقر إلى إذن الحاكم) مطلقا (٦) ، بناء على ما سبق (وهو بعيد) لإطلاق النص وإفضائه إلى مخالفته حيث يتعذر (٧).

(الفصل الثاني : في أنواع الحج. وهي ثلاثة (٨) (: تمتع) ...

______________________________________________________

(١) أما التحلل من أجل الاحتياط للوارث ، وتفريغ ذمة الميت يوجب الاقتصار على واحد ، وتعينه بالقرعة لأنها لكل أمر مشكل.

(٢) فسبقه يعيّنه أنه هو المفرّغ لذمة الميت ، وغيره ضامن لما أتلف لأنه عالم فيعدّ مفرّطا لمال الميت والوارث.

(٣) ظاهره بعد المفروغية عن إتمام الحج ، وإلا فلو كان حين الإحرام فيجب التحلل على الجميع ما عدا واحد بالقرعة.

(٤) وظاهره أيضا مع صورة العلم فتحسب أجرة شخص واحد توزع عليهم بحسب ما بأيديهم من المال ، والباقي من المصروف لكل واحد في حجه يضمنه لأنه مفرّط.

(٥) كما عليه جماعة لأن الحاكم هو من له إخراج المال قهرا على الوارث دون غيره من المكلفين ، هذا إذا تمكن الودعي من أخذ الإذن من الحاكم وتمكن من إثبات أن الميت مشغول الذمة ، وإلا فلا يعتبر الإذن لئلا يتعطل تفريغ ذمة الميت ، وعن بعضهم اشتراط إذن الحاكم مطلقا ولم يعرف قائله ، ويدفع كلا القولين إطلاق صحيح بريد المتقدم.

(٦) تمكن من إثبات الحق أو لا.

(٧) أي اشتراط إذن الحاكم مطلقا يفضي إلى مخالفة النص في صورة تعذر الاستئذان.

(٨) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الحج ثلاثة أصناف : حج مفرد ، وقران ، وتمتع بالعمرة إلى الحج ، وبها أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والفضل فيها ، ولا نأمر الناس إلا بها) (١) ، وخبر منصور الصيقلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الحج عندنا على ثلاثة أوجه : حاج متمتع ، وحاج مفرد سائق للهدي ، وحاج مفرد للحج) (٢). ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١ و ٢.

٢٩٣

وأصله التلذذ (١) سمّي هذا النوع به ، لما يتخلل بين عمرته وحجه من التحلل الموجب لجواز الانتفاع والتلذذ بما كان قد حرّمه الإحرام ، مع ارتباط عمرته بحجه حتى أنهما كالشي‌ء الواحد شرعا ، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنه حصل في الحج (وهو فرض من نأى) (٢) أي بعد (عن مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل)

______________________________________________________

ـ والذي يظهر من النصوص أن المشروع في صدر الإسلام هو القران والإفراد ، وأن التمتع قد شرع في حجة الوداع ، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين حج حجة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة ، حتى أتى الشجرة فصلّى بها ، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها ، وأهلّ بالحج وساق مائة بدنة ، وأحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ، ولا يدرون ما المتعة ، حتى إذا قدم رسول لله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة طاف بالبيت وطاف الناس معه ، ثم صلّى ركعتين عند المقام واستلم الحجر ، ثم قال : ابدأ بما بدأ الله عزوجل ، فأتى الصفا فبدأ بها ، ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا ، فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا فأمرهم أن يحلّوا ويجعلوها عمرة ، وهو شي‌ء أمر الله عزوجل به ، فأحلّ الناس ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ، ولم يكن يستطيع أن يحلّ من أجل الهدي الذي معه ، إن الله عزوجل يقول (وَلٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ، وقال سراقة بن مالك بن خثعم الكناني : يا رسول الله ، علمنا كأننا خلقنا اليوم ، أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكل عام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا بل للأبد ، وأن رجلا قام فقال : يا رسول الله نخرج حجاجا ورءوسنا تقطر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنك لن تؤمن بهذا أبدا) (١) ، وكما عن الجواهر أنه عمر.

(١) وجه التسمية في الإفراد لانفصال الحج عن العمرة وعدم ارتباطه بها ، وأما القران فلاقتران الإحرام بسياق الهدي ، وأما التمتع فهو لغة التلذذ والانتفاع ، وإنما سمي هذا النوع بذلك لما يتخلل بين عمرته وحجه من التحلل المفضي لجواز الانتفاع والتلذذ بما كان قد حرّمه الإحرام قبله ، مع الارتباط بين الحج والعمرة وكونهما كالشي‌ء الواحد فيكون التمتع الواقع بينهما كأنه حاصل في أثناء الحج.

(٢) بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ ، ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٤.

٢٩٤

جانب على الأصح) (١) للأخبار الصحيحة الدالة عليه. والقول المقابل للأصح اعتبار بعده باثني عشر ميلا. حملا للثمانية والأربعين على كونها موزعة على الجهات الأربع ، فيخص كل واحدة اثنى عشر. ومبدأ التقدير منتهى عمارة مكة (٢)

______________________________________________________

ـ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَاتَّقُوا اللّٰهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعِقٰابِ) (١) ، وللأخبار المستفيضة ،

منها : بل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، لأن الله تعالى يقول : فمن تمتع ، الآية ، فليس لأحد إلا أن يتمتع ، لأن الله تعالى أنزل ذلك في كتابه ، وجرت به السنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (٢) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (قلت له : قول الله عزوجل في كتابه : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، قال : يعني أهل مكة ليس عليهم متعة ، كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان ، كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية ، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة) (٣).

(١) نسب إلى أكثر الأصحاب ، بل المشهور وعليه أخبار ، منها : صحيح زرارة المتقدم ، وخبره الآخر عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن قول الله : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، قال : ذاك أهل مكة ليس عليهم متعة ولا عليهم عمرة ، قلت : فما حدّ ذلك؟ قال : ثمانية وأربعين ميلا من جميع نواحي مكة ، دون عسفان ودون ذات عرق) (٤).

وذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر والمحقق في الشرائع مع أنه رجع عنه في المعتبر وقال (إنه قول نادر لا عبرة به) بأن حده اثنا عشر ميلا من كل جانب ، ودليلهم الأصل ، بمعنى أن التمتع واجب على كل واحد والقدر المتيقن الخارج منه من كان دون الحد المذكور ، والباقي يبقى تحت العموم ، ولذا قيل : إن المراد بالأصل هو أصالة العموم لا الأصل العملي ، حملا لتلك الأخبار على كون الثمانية والأربعين من جميع الجوانب لا من كل جانب ، وفيه : إنه يرده ظاهر خبري زرارة المتقدمين في أن الثمانية والأربعين من كل جانب.

(٢) كما نسب إلى جماعة كما هو ظاهر خبر زرارة المتقدم (من جميع نواحي مكة) ، ونسب إلى ـ

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٩٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٧.

٢٩٥

إلى منزله (١) ، ويحتمل إلى بلده مع عدم سعتها جدا ، وإلا فمحلته. ويمتاز هذا النوع عن قسيميه (أنه يقدم عمرته على حجه ناويا بها التمتع) (٢) ، بخلاف عمرتيهما فإنها مفردة بنيّة (٣).

(وقران وإفراد) ويشتركان في تأخير العمرة عن الحج وجملة الأفعال (٤) وينفرد القران (٥) بالتخيير في عقد إحرامه بين الهدي والتلبية ، والإفراد بها وقيل القران : أن يقرن بين الحج والعمرة بنية واحدة ، فلا يحل إلا بتمام أفعالهما مع

______________________________________________________

ـ بعض الأصحاب كالشيخ في المبسوط والعلامة في التحرير التقدير من المسجد ، لأن السؤال في خبري زرارة عن المراد من حاضري المسجد الحرام ، فلا بد أن يكون التقدير منه ، وفيه : إن الجواب صريح في كون التحديد من مكة لا من المسجد.

(١) لانصراف اخبار التقدير ، مع أن دعوى انصرافها إلى المحلة أو البلد مع عدم اتساعها ليس ببعيد ، لأن المدار على الفهم العرفي الذي يعتبر التحديد من آخر البلد ذهابا وعودا.

(٢) قال في المسالك : (قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم ، وظاهرهم أن المراد بها فيه الحج بجملته ، وفي وجوبها نظر) ووجه النظر ما أشار إليه في المدارك (ومقتضاه أنه يجب الجمع بين هذه النية وبين نية كل فعل من أفعال الحج على حدة ، وهو غير واضح).

ولكن يشهد لاعتبار نية عمرة التمتع المتوقفة على نية حج التمتع صحيح البزنطي (قلت لأبي الحسن علي بن موسى عليه‌السلام : كيف أصنع إذا أردت التمتع ، فقال عليه‌السلام : لبّ بالحج وانو المتعة) (١) ، وصحيحه الآخر عن أبي الحسن عليه‌السلام (سألته عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال : ينوي العمرة ، ويحرم بالحج) (٢) ومثلهما غيرهما.

(٣) أي بنية لا يضاف إليها الحج ، وتقديم العمرة على حج التمتع بلا خلاف فيه للأخبار الكثيرة.

منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (قلت له : كيف أتمتع؟ قال : تأتي الوقت فتلبي ـ إلى أن قال ـ وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج) (٣) وظهوره في كون العمرة قبل الحج واضح ، وأما عمرة القارن والمفرد فهي بنية العمرة فقط كما تقدم وهي متأخرة عن حجهما كما سيأتي.

(٤) أي جملة من أفعال الحج كما سيأتي ، ويمكن أن يكون المراد من العبارة ومجموع أفعال الحج بالجملة.

(٥) اعلم أن أفعال القارن وشروطه كالمفرد إلا أن القارن يتخير في إحرامه بين التلبية وبين ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الإحرام حديث ٤ و ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١.

٢٩٦

سوق الهدي. والمشهور الأول (وهو) أي كل واحد منهما (فرض من نقص عن ذلك المقدار) (١) من المسافة مخيرا بين النوعين ، والقران أفضل (٢) (ولو أطلق الناذر) (٣) وشبهه للحج (تخير في الثلاثة) مكيا كان افقيا (وكذا يتخير من حج ندبا) والتمتع أفضل مطلقا وإن حج ألفا وألفا (وليس لمن تعين عليه نوع)

______________________________________________________

ـ الإشعار والتقليد على المشهور للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم) (١) ، مع ضميمة غيره من الأخبار نعرف أنه القارن ، مثل صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يكون القارن قارنا إلا بسياق الهدي) (٢) وعن ابن أبي عقيل والشيخ أن القارن معتمر أولا ، ولا يحلّ من العمرة حتى يفرغ من الحج ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أيّما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا أن يسوق الهدي قد أشعره وقلّده ، وإن لم يسق الهدي فليجعلها متعة) (٣) وهو محمول عند الأصحاب بما إذا نوى الحج فقط ، فإن لم يتم له الحج فليجعله عمرة مبتولة.

(١) على المشهور شهرة عظيمة وقد تقدم جملة من الأخبار على ذلك ، وعن الشيخ في المبسوط أن أهل مكة يجوز لهم التمتع لأن المتمتع يأتي بصورة الإفراد وزيادة غير منافية ، فوجب أن يجزيه ، ورده في المعتبر بعدم التسليم بأنه أتى بصورة الإفراد ، وذلك لأنه أخلّ بالإحرام بالحج من ميقاته وأوقع مكانه العمرة وليس مأمورا بها.

(٢) لخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن الحج مفردا هو أفضل أو الاقران ، قال : إقران الحج أفضل من الأفراد ، وسألته عن المتعة والحج مفردا وعن الأقران أية أفضل؟ قال : المتمتع أفضل من المفرد ومن القارن السائق) (٤) ومثله غيره كثير.

(٣) كان مخيرا بين الثلاثة لكن التمتع أفضل إلا إذا كان النذر متعينا فلا ريب في المعين المنذور ولا يجزي غيره ، ولكن إذا أطلق النذر كان مخيرا لأن الأنواع الثلاثة مشروعة ، وتقييد القارن والإفراد بحاضري المسجد الحرام والتمتع بغيرهم إنما هو في حجة ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢٤.

٢٩٧

بالأصالة أو العارض (١) (والعدول إلى غيره (٢) ، على الأصح) عملا بظاهر الآية ، وصريح الرواية ، وعليه الأكثر. والقول الآخر جواز التمتع للمكي ، وبه روايات حملها على الضرورة طريق الجمع.

أما الثاني فلا يجزئه غير التمتع اتفاقا (إلا لضرورة) استثناء من عدم جواز

______________________________________________________

ـ الإسلام ، وأما في غيره فلا ، ويدل عليه اخبار :

منها : صحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ونحن بالمدينة : إني اعتمرت عمرة في رجب وأنا أريد الحج ، فأسوق الهدي أو أفرد أو أتمتع؟ فقال : في كل فضل وكل حسن ، قلت : وأي ذلك أفضل؟ فقال : إن عليا عليه‌السلام كان يقول : لكل شهر عمرة ، تمتع فهو والله أفضل) (١). وخبر عبد الصمد بن بشير (قال لي عطية : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أفرد الحج ـ جعلت فداك ـ سنة ، فقال لي : لو حججت الفا وألفا لتمتعت ، فلا تفرد) (٢) وخبر جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ما دخلت قط إلا متمتعا إلا في هذه السنة ، فإني والله ما أفرغ من السعي حتى تتقلقل أضراسي ، والذي صنعتم أفضل) (٣) ، وخبر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام (كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : المتمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي ، وكان يقول : ليس يدخل الحاج بشي‌ء أفضل من المتعة) (٤).

وهذه الأخبار كما تدل على أفضلية التمتع ، تدل على كون الأقسام الثلاثة جائزة للمكي والمدني ، سواء تكرر منه الحج أو لا ، نعم خرجت حجة الإسلام بدليل فيبقى الباقي.

(١) كالنذر.

(٢) أما من تعين عليه التمتع لا يجوز له العدول إلى الإفراد والقران إلا مضطرا بلا خلاف في ذلك وسيأتي دليله ، وأما من تعين عليه الإفراد والقران فلا يجوز العدول إلى التمتع إلا اضطرارا ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى الجواز اختيارا وقد تقدم دليله مع تضعيفه ، نعم احتج للشيخ بأخبار :

منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟ قال : ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل) (٥) وعند الأكثر محمولة على الضرورة جمعا بينها وبين قوله ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٨ و ٢١ و ٢٢ و ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢.

٢٩٨

العدول مطلقا (١) ويتحقق ضرورة المتمتع (٢) بخوف الحيض المتقدم على طواف

______________________________________________________

ـ تعالى : (ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ) (١) ومنطوقها تعني التمتع على غير الحاضر ، ومفهومها على أن الحاضر ليس له ذلك ، ولأخبار :

منها : صحيح علي بن جعفر (قلت لأخي موسى بن جعفر عليه‌السلام : لأهل مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج؟ فقال : لا يصلح أن يتمتعوا لقول الله عزوجل : ذلك لمن يكن أهله ...) (٢) الخبر.

(١) سواء كان فرضه التمتع أو لا.

(٢) لا خلاف في جواز العدول من التمتع إلى الإفراد مع الضرورة ، وذلك إذا ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحج ، وإنما الكلام في حد الضيق المسوّغ لذلك على أقوال :

قيل : حده خوف اختياري عرفة ، كما استقربه العلامة في المختلف ، وقواه في الدروس ، وقيل : فوات الركن الاختياري بعرفة ، وهو المسمى منه ، كما اختاره العلامة في القواعد وابنا سعيد وإدريس ، وقال في الجواهر : (لعله يرجع إليه ما عن المبسوط والنهاية والوسيلة والمهذب من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة ، بناء على تعذر الوصول غالبا إلى عرفة بعد هذا الوقت لمضي الناس عنه).

وقيل : فوات الاضطراري منه ، وهو ظاهر ابن إدريس ، وقيل : زوال يوم التروية كما عن الصدوق ، وقيل : غروب يوم التروية كما نقل عن المفيد ، وقيل : زوال يوم عرفة كما تقدم عن الشيخ في المبسوط والنهاية وابن البراج وابن حمزة ونقل عن ابن الجنيد ، واختاره سيد المدارك وصاحب الذخيرة وكشف اللثام ، وقيل : أنه مخيّر بين العدول والاتمام إذا فات زوال يوم التروية أو تمامه ، ونقله صاحب الجواهر عن بعض متأخري المتأخرين ، فالأقوال سبعة ، وسببها اختلاف الأخبار ، ففي جملة منها أن المدار على خوف الوقت بعرفة : منها : خبر يعقوب بن شعيب الميثمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس للمتمتع ـ إن لم يحرم من ليلة التروية ـ متى ما تيسر له ، ما لم يخف فوت الموقفين) (٣) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل أهلّ بالحج والعمرة جميعا ، ثم قدم مكة والناس بعرفات ، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف ، قال عليه‌السلام : ـ

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٩٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٥.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يدع العمرة ، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة ، ولا هدي عليه) (١) ، وما صنعته عائشة قد وضح في صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ، قال : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقيم حتى تطهر وتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة ، قال ابن أبي عمير : كما صنعت عائشة) (٢). وفي جملة من الأخبار أن المدار على زوال يوم التروية : منها : صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحلّ ، متى تذهب متعتها؟ قال عليه‌السلام : كان جعفر عليه‌السلام يقول : زوال الشمس من يوم التروية ، وكان موسى عليه‌السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية ، فقلت : جعلت فداك ، عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحج ، فقال عليه‌السلام : زوال الشمس ، فذكرت له رواية عجلان أبي صالح ، فقال عليه‌السلام : إذا زالت الشمس ذهبت المتعة ، فقلت : فهي على إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال عليه‌السلام : لا ، إلا أن تحب أن تتطوع ، ثم قال : أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة) (٣).

وفي جملة من النصوص أن المدار على غروب يوم التروية منها : صحيح العيص بن القاسم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتمتع يقوم مكة يوم التروية صلاة العصر ، تفوته المتعة؟ قال عليه‌السلام : لا ، ما بينه وبين غروب الشمس قال : وقد صنع ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (٤) ، وخبر إسحاق بن عبد الله عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام (عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية قال : ليتمتع ما بينه وبين الليل) (٥) ، وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا قدمت مكة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة ، امض كما أنت بحجك) (٦).

وفي جملة منها أن المدار على زوال الشمس من يوم عرفة منها : صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر) (٧) ومرفوع سهل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في متمتع دخل يوم عرفة قال : متعته تامة إلى أن يقطع الناس تلبيتهم) (٨) وقطع التلبية عند زوال يوم عرفة.

__________________

(١) (١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٦ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٠ و ١١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١٢.

(٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٨ و ٩.

٣٠٠