الزبدة الفقهيّة - ج ٣

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-34-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٨

نذر حجة الإسلام ، (ولو قيد نذره بحجة الإسلام فهي واحدة) (١) وهي حجة الإسلام ، وتتأكد بالنذر بناء على جواز نذر الواجب ، وتظهر الفائدة في وجوب الكفارة مع تأخيرها (٢) عن العامد المعين أو موته قبل فعلها (٣) مع الإطلاق متهاونا. هذا إذا كان عليه حجة الإسلام حال النذر ، وإلا كان مراعى بالاستطاعة (٤) ، فإن حصلت وجب بالنذر أيضا ولا يجب تحصيلها هنا على الأقوى (٥). ولو قيده بمدة معينة فتخلفت الاستطاعة عنها بطل النذر.

(ولو قيد غيرها) أي غير حجة الإسلام (فهما اثنتان) (٦) قطعا ، ثم إن كان

______________________________________________________

(١) هذه هي الصورة الأولى من التقسيم السابق ، فالنذر منعقد لرجحانه ، وفائدة النذر. ما دام متعلقه واجبا زيادة الانبعاث على الفعل ، ووجوب الكفارة مع تأخيره عن الوقت المعين ، ويجب عليه حج الإسلام فقط بعد التأخير ، وهذا مما لا خلاف فيه.

(٢) أي تأخير حجة الإسلام.

(٣) أي فعل حجة الإسلام ، فالكفارة مع القضاء هنا على الورثة ، بخلاف ما لو كانت حجة الإسلام غير منذورة فلا يثبت على الورثة إلا القضاء ، وبخلاف ما لو كان النذر معينا في عام فلم تتحقق الاستطاعة فلا تجب الكفارة ولا يجب تحصيل الاستطاعة إلا أن تكون منذورة ، وبخلاف ما لو كان النذر معينا في عام ومات قبل التمكن فينحل النذر لعدم قدرته على الوفاء به مع عدم وجوب القضاء على الورثة لأنه قد انكشف أنه غير مستطيع.

(٤) لأن المنذور ليس أمرا زائدا على حج الإسلام ، وهو مشروط بالاستطاعة.

(٥) لم تذكر كتب القوم اختلافا في ذلك ، هذا وقد عرفت أن الوجه هو كون النذر قد تعلق بالواجب المشروط ولا يجب تحصل مقدمته لأنها شرط للوجوب.

(٦) هذه هي الصورة الثانية من التقسيم السابق ، وهما اثنتان بلا خلاف لتعدد السبب الموجب لتعدد المسبب المسمى بعدم التداخل.

غير أن النذر إما أن يكون مطلقا وإما مقيدا ، وأن حجة الإسلام تارة تكون ثابتة لوجود الاستطاعة وأخرى غير ثابتة فهنا صور أربع.

الصورة الأولى : فيما لو كانت حجة الإسلام ثابتة لوجود الاستطاعة ، والنذر مطلق ، فمع عدم التداخل كما مرّ لا بد أن يقدم المضيّق ، وهو حجة الإسلام ، وتؤخر حجة النذر لأنها مطلقة ، وهذا مما لا خلاف فيه.

الصورة الثانية : فيما لو كانت حجة الإسلام ثابتة والنذر مقيد ، وعليه فإن كان مقيدا في سنة متأخرة عن سنة الاستطاعة ، فلا إشكال في تقديم حجة الإسلام لأنها متقدمة من ـ

٢٦١

مستطيعا حال النذر ، وكانت حجة النذر مطلقة (١) ، أو مقيدة (٢) بزمان متأخر عن

______________________________________________________

ـ دون أن يزاحمها المنذور لأنه متأخر ، وإن كان النذر مقيّدا بسنة الاستطاعة ، فأرسل صاحب الجواهر بطلان النذر ، إلا أن يقصد حال النذر أنه إذا زالت الاستطاعة فيحج حج النذر فإنه يصح ، ونسب إلى المدارك صحة النذر وإن لم يقصد بشرط عدم تحقق الاستطاعة ، وهو ظاهر الروضة هنا ، حملا للنذر على الوجه المصحح ، ودليل البطلان أنه نذر في عام الاستطاعة غير حجة الإسلام فيبطل لأنه منهي عنه بسبب الأمر بامتثال حجة الإسلام ، نعم اتفق الجميع على أن الاستطاعة لو استمرت فالنذر باطل لأنه نذر ما لا يصح شرعا بعد الأمر بالتوجه لحجة الاسلام.

الصورة الثالثة : فيما لم تكن الاستطاعة موجودة والنذر مطلق ، ثم حصلت الاستطاعة فتقدم حجة الإسلام ، لأن وجوبها فوري بخلاف حجة النذر فإنه يجوز تأخيرها ما لم تصل إلى حد التهاون ، وكذا لو كان النذر مقيدا بعد ثلاث سنين مثلا ثم حصلت الاستطاعة في سنته أو في السنة الأولى أو الثانية فتجب حجة الإسلام وتقدم لفوريتها ، والنذر إنما يكون في سنته.

الصورة الرابعة : فيما لم تكن الاستطاعة والنذر مقيد بهذه السنة ثم حصلت الاستطاعة قبل فعل النذر ، قدمت حجة النذر على حجة الإسلام لأن استطاعة حج الإسلام غير تامة ، لأنه ممنوع بالنذر ، والنذر مانع شرعي ، والمانع الشرعي كالعقلي ، نعم إذا امتثل حجة النذر وبقيت الاستطاعة البدنية والمالية إلى العام المقبل فتجب حجة الإسلام وإلا فلا.

والحكم في هذه الصور الأربع منسوب إلى ظاهر الأصحاب كما في الجواهر. ولم يخالف إلا الشهيد في الدروس فقد اعتبر في حج النذر الاستطاعة الشرعية لا العقلية ، وعليه فلو نذر الحج ثم استطاع صرف ذلك إلى النذر وإن كان مطلقا ولا تكون حجة الإسلام ثابتة أصلا ، ويظهر الفرق بين قوله وقول المشهور في الصورة الثالثة فعلى المشهور تقدم حجة الإسلام وعلى قوله تقدم حجة النذر.

ويرده : أن الاستطاعة في الحج المنذور وفي غيره من الواجبات هي مراعاة التمكن من الفعل وهذا ما يسمى بالاستطاعة العقلية ، والاستطاعة الشرعية لم تثبت إلا للحج وعليه ففي الصورة الثالثة يكفي مراعاة التمكن من الفعل ليصح النذر وبعد ثبوت الاستطاعة الشرعية فيثبت حج الإسلام ويقع التزاحم بين المضيق وهو حجة الإسلام وبين الموسع وهو حج النذر فلا بد من تقديم المضيق.

(١) الصورة الأولى.

(٢) الصورة الثالثة.

٢٦٢

السنة الأولى (١) قدّم حجة الإسلام ، وإن قيده (٢) بسنة الاستطاعة كان انعقاده (٣) مراعى بزوالها (٤) قبل خروج القافلة ، فإن بقيت بطل ، لعدم القدرة على المنذور شرعا ، وإن زالت انعقد ، ولو تقدم النذر (٥) على الاستطاعة ثم حصلت قبل فعله قدّمت حجة الإسلام ، إن كان النذر مطلقا ، أو مقيدا بما يزيد عن تلك السنة ، أو بمغايرها ، وإلا (٦) قدّم النذر ، وروعي في وجوب حجة الإسلام بقاء الاستطاعة إلى الثانية (٧).

واعتبر المصنف في الدروس في حج النذر الاستطاعة الشرعية ، وحينئذ فتقدّم حجة النذر مع حصول الاستطاعة بعده وإن كان مطلقا (٨) ويراعى في وجوب حجة الإسلام الاستطاعة بعدها ، وظاهر النص (٩) والفتوى كون استطاعة النذر عقلية ، فيتفرع عليه ما سبق (١٠). ولو أهمل حجة النذر في العام الأول ، قال المصنف

______________________________________________________

(١) الشق الأول في الصورة الثانية.

(٢) أي النذر وهذا هو الشق الثاني في الصورة الثانية.

(٣) أي النذر.

(٤) أي بزوال الاستطاعة الشرعية.

(٥) الصورة الثالثة.

(٦) أي وإن لم يكن مقيدا بما يزيد عن تلك السنة أو بمغايرها ، بل كان مقيدا في هذه السنة ، وهذه هي الصورة الرابعة.

(٧) أي السنة الثانية.

(٨) أي النذر كما في الصورة الثالثة.

(٩) والأخبار كثيرة منها : خبر ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا ، فعجز عن ذلك فلم يطقه قال : فليركب وليسق الهدي) (١) ، وخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (سألته عن رجل جعل عليه مشيا إلى بيت الله فلم يستطع ، قال : يحج راكبا) (٢).

بناء على أن التمكن من الفعل وهو المشي ممكن عقلا فيلزم النذر ، وإلا لو اشترطت الاستطاعة الشرعية فيجب أن لا ينعقد النذر ، لأن المشي ليس منها ، ولذا اشترط الراحلة في الاستطاعة.

(١٠) من أنه إذا كان مطلقا أو مقيدا بما يزيد عن تلك السنة فتقدم حجة الإسلام ، ومن أنه ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢ و ٩.

٢٦٣

فيها (١) تفريعا على مذهبه : وجبت حجة الإسلام أيضا. ويشكل بصيرورته (٢) حينئذ (٣) كالدين (٤) ، فيكون من المئونة ، (وكذا) حكم (العهد واليمين ،) (ولو نذر الحج ماشيا (٥) وجب) مع إمكانه ، سواء جعلناه أرجح من الركوب ، أم لا على الأقوى (٦) ، وكذا لو نذره راكبا. وقيل : لا ينعقد غير الراجح منهما ، ومبدؤه بلد الناذر على الأقوى (٧) ، عملا بالعرف ، ...

______________________________________________________

ـ إذا كان مقيدا بهذه السنة قدمت حجة النذر.

(١) أي في الدروس حيث قال (والظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية ، فلو نذر الحج ثم استطاع صرف ذلك إلى النذر ، فإن أهمل واستمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة الإسلام أيضا) ويشكل عليه بأنه ما دام النذر مطلقا ، وعلى مبناه أن استطاعته شرعية فيجب في العام المقبل حج النذر ، ولا تجب حجة الإسلام إلا بعد تحقق النذر وبعد بقاء استطاعة لها.

(٢) أي النذر.

(٣) أي حين كون استطاعته شرعية.

(٤) لأن النذر مطلق ، فاستطاعته لا بد من استثنائها من استطاعة حجة الإسلام كالدين.

(٥) وجب في الجملة ، بلا خلاف فيه ، لعموم دليل وفاء النذر ، وللأخبار ، منها : صحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله قال : فليمش) (١).

(٦) قال العلامة في القواعد : (لو نذر الحج ماشيا وقلنا المشي أفضل انعقد الوصف ، وإلا فلا) ، وتبعه عليه كاشف اللثام ، وأشكل عليهما بأن رجحان متعلق النذر لا يوجب رجحانه على غيره من جميع الجهات ، أو من بعضها ، بل ما دام كونه راجحا فالنذر منعقد وإن كان غيره أرجح لأنه من ترجيح المندوبات بعضها على بعض.

(٧) قيل : بلد النذر ، كما عن الشرائع والتحرير والمبسوط ، وقيل : بلد الناذر كما عن القواعد والدروس والحدائق ، وقيل ولم يعرف قائله : من أقرب البلدين بلد النذر والناذر إلى الميقات ، وقيل : مبدؤه من حين الشروع في أفعال الحج كما عن سيد المدارك وصاحب الجواهر ، لأن (ماشيا) قد وقع حالا من فاعل أحج في صيغة النذر (لله علي أن أحج ماشيا) ، فيكون وصفا للفاعل ـ أي الحاج ـ ، وهو مشتق لا يصدق حقيقة إلا بتلبسه به ، ومنه تعرف ضعف دليل بلد النذر ، لأنه بلد الالتزام فهو كبلد الاستطاعة ، وتعرف ضعف دليل بلد الناذر للتبادر ، وتعرف ضعف دليل القول الثالث لكون المراد ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

٢٦٤

إلا أن يدل (١) على غيره فيتبع. ويحتمل أوّل الأفعال ، لدلالة الحال عليه ، وآخره (٢) منتهى أفعاله الواجبة ، وهي رمي الجمار ، لأن المشي وصف في الحج المركب من الأفعال الواجبة ، فلا يتم إلا بآخرها. والمشهور وهو الذي قطع به المصنف في الدروس أن آخره طواف النساء.

(ويقوم في المعبر) (٣) لو اضطر إلى عبوره ، وجوبا على ما يظهر من العبارة

______________________________________________________

ـ المشي في الجملة إلى الحج ، وهو يصدق بذلك ، وفيه : إن الصدق يتحقق بالمشي بأقل من ذلك إلى الميقات.

(١) أي العرف.

(٢) قيل : آخره رمي الجمار كما عن سيد المدارك وصاحب الجواهر ، للأخبار ، منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الماشي متى ينقضي مشيه؟ قال عليه‌السلام : إذا رمى الحجار وأراد الرجوع ، فليرجع راكبا فقد انقضى مشيّه ، وإن مشى فلا بأس) (١) ، وصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا حججت ماشيا ورميت الجمرة فقد انقطع المشي) (٢).

وقيل : آخره طواف النساء ، وهو المنسوب إلى المشهور ، وكأن الوجه فيه الأخذ بمفهوم الحج ، ولا يختص بجزء دون جزء ، وفيه : إن طواف النساء ليس من أجزاء الحج ، ولا مجال له بعد هذه النصوص ، نعم ورد في خبر يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (متى ينقطع مشي الماشي؟ قال : إذا أفضت من عرفات) (٣) ، ولكن لم يعرف القائل به وحينئذ لا مجل للاعتماد عليه.

(٣) على المشهور كما في الحدائق ، لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام (إن عليا عليه‌السلام سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت فعبر في المعبر ، قال : فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه) ، ولقاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور فقد وجب عليه القيام والحركة ، وفي المعبر تنتفى الحركة فيبقى القيام.

وعن المعتبر والمنتهى والتحرير والقواعد الاستحباب ، لضعف الخبر بالسكوني ـ لأنه عامي ـ عن إثبات الوجوب فيؤخذ به بناء على التسامح في أدلة السنن ، فلا يفيد إلا الاستحباب خروجا عن شبهة الخلاف لمن قال بوجوبه ، وعدم تأتي قاعدة الميسور والمعسور لأن القيام هنا لا فائدة فيه ، ولأن نذر المشي منصرف إلى ما يصح المشي فيه فيكون مواضع العبور مستثناة بالعادة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٥ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٦.

٢٦٥

وبه صرح جماعة ، استنادا إلى رواية تقصر ، لضعف سندها عنه ، وفي الدروس جعله أولى ، وهو أولى خروجا من خلاف من أوجبه ، وتساهلا في أدلة الاستحباب. وتوجيهه (١) بأن الماشي يجب عليه القيام وحركة الرجلين ، فإذا تعذر أحدهما لانتفاء فائدته بقي الآخر مشترك (٢) ، لانتفاء الفائدة فيهما (٣) ، وإمكان فعلهما (٤) بغير الفائدة.

(فلو ركب (٥) طريقه) أجمع ، (أو بعضه قضى ماشيا) (٦) للإخلال بالصفة فلم يجز. ثم إن كانت السنة معينة فالقضاء بمعناه المتعارف ، ويلزمه مع ذلك كفارة بسببه ، وإن كانت مطلقة فالقضاء بمعنى الفعل ثانيا ولا كفارة ، وفي الدروس لو ركب بعضه قضى ملفقا ، فيمشي ما ركب ويتخير فيما مشى منه ، ولو اشتبهت

______________________________________________________

(١) أي توجيه الوجوب.

(٢) أي القيام وهو مشترك في حالتي الميسور والمعسور.

(٣) هذا ردّ على قاعدة الميسور الموجبة لوجوب القيام ، إذ القيام كحركة الرجلين لا فائدة فيهما في تحقق السير.

(٤) ردّ ثان على قاعدة الميسور ، من أن حركة الرجلين كالقيام أمر ممكن غير متعذر إلا أنه لا فائدة فيه ، فلذا حملت الرواية على الاستحباب.

(٥) فإذا كان النذر مطلقا فالإعادة لعدم إتيانه بالمنذور ، ولا كفارة لعدم الموجب لانتفاء المخالفة بعد كون المنذور موسعا ومطلقا ، وإذا كان النذر مقيدا في سنة معينة ، فالقضاء لعدم إتيانه بالمنذور ، لأن الذمة ما زالت مشغولة فلا بدّ من قضاء ما فات بعد فوات وقته ، والكفارة لحنث النذر.

وخالف المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى وبه قال صاحب الجواهر من أن الإخلال بالمشي ليس مؤثرا في الحج ، لأنه ليس من اجزائه ولا من صفاته وشروطه ، وقد أتى بالحج غايته عليه الكفارة لإخلاله بالمشي ، وفيه : إنما يتوجه ذلك إذا كان المنذور شيئين : الحج والمشي ، غير مقيد أحدهما بالآخر ، والمفهوم من نذر الحج ماشيا خلاف ذلك.

(٦) فلو ركب بعضه فقيل : يقضي مع مشي مواضع الركوب كما عن جماعة منهم الشيخان والعلامة والشهيد في الدروس ، واستدل له كما عن المختلف بأن الواجب قطع المسافة ماشيا ، وقد حصل بالتلفيق ، فيخرج عن العهدة ، وعن جماعة كما هو قول الماتن يقضي ماشيا في جميع الطريق لأن المشي منذور في جميع طريق الحج ولم يحصل في الحج الأول فلا بدّ من إعادته.

٢٦٦

الأماكن احتاط بالمشي في كل ما يجوز فيه أن يكون قد ركب. وما اختاره هنا أجود (١) ، (ولو عجز عن المشي ركب) (٢) مع تعيين السنة ، أو الإطلاق واليأس من القدرة ولو بضيق وقته لظن الوفاة ، وإلا توقع المكنة.

(و) حيث جاز الركوب (ساق بدنة) ، جبرا للوصف الفائت ، وجوبا على ظاهر العبارة ، ومذهب جماعة ، واستحبابا على الأقوى ، جمعا بين الأدلة ، وتردد في الدروس. هذا كله مع إطلاق نذر الحج ماشيا ، أو نذرهما لا على معنى جعل المشي قيدا لازما في الحج بحيث لا يريد إلا جمعهما ، وإلا (٣) سقط الحج أيضا مع العجز عن المشي.

______________________________________________________

(١) لأن الحج ماشيا غير صادق على أيّ من الحجين من الأول وقضائه.

(٢) وساق بدنة ، ونسب هذا القول للشيخ وجماعة ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله وعجز أن يمشي ، قال عليه‌السلام : فليركب وليسق بدنة ، فإن ذلك يجزي عنه إذا عرف الله تعالى منه الجهد) (١) وصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا ، فعجز عن ذلك فلم يطقه ، قال عليه‌السلام : فليركب وليسق الهدي) (٢).

وعن المفيد وابني جنيد وسعيد يركب ولا يسوق ، لصحيح رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى ، قال عليه‌السلام : فليمش ، قلت : فإنه تعب ، قال عليه‌السلام : إذا تعب ركب) (٣) ، وطريق الجمع حمل سوق البدنة على الاستحباب ، بل بعض الأخبار صرح في الاستحباب كما في خبر عنبسة بن مصعب (قال : نذرت في ابن لي إن عافاه الله تعالى أن أحج ماشيا ، فمشيت حتى بلغت العقبة ، فاشتكيت فركبت ، ثم وجدت راحة فمشيت ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة ، فقلت : معي نفقة ، ولو شئت أن أذبح لفعلت ، وعليّ دين ، فقال : إني أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة ، فقلت : شي‌ء واجب أفعله؟ فقال : لا ، من جعل لله عليه شيئا فبلغ جهده فليس عليه شي‌ء) (٤).

(٣) فالصور ثلاث ، إما أن ينذر الحج وينذر نذرا ثانيا بالمشي في الحج المنذور ، وإما أن ينذر الحج الموصوف بالمشي فيه ، وإما أن ينذر الحج بجعل المشي قيدا لازما له بحيث لا يريد ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٣ و ٢ و ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٦.

٢٦٧

(ويشترط في النائب) في الحج (البلوغ (١) والعقل (٢) والخلو) أي خلو ذمته (من حج واجب) في ذلك العام (٣) ، (مع التمكن منه ولو مشيا) حيث لا يشترط فيه (٤) الاستطاعة كالمستقر من حج الإسلام ثم يذهب المال (٥) ، فلا تصح نيابة الصبي ، ولا المجنون مطلقا (٦) ، ولا مشغول الذمة به في عام النيابة ، للتنافي ، ولو كان في عام بعده (٧) كمن نذره كذلك أو استؤجر له صحت نيابته قبله ، وكذا المعين (٨) حيث يعجز عنه ولو مشيا لسقوط الوجوب في ذلك العام ، للعجز

______________________________________________________

ـ من الحج المنذور إلا جعل المشي قيدا له ، فعلى الأول إذا سقط المشي فيبقى النذر بالحج على حاله ، وعلى الثاني إذا سقط الوصف وهو المشي فيبقى الحج الموصوف والمنذور على حاله ، وعلى الثالث إذا تعذر المشي وهو جزء من المنذور فيتعذر المركب وهو المنذور فيسقط.

(١) فإن كان غير مميز فلا تصح النيابة ، وهو واضح لأنها بحاجة إلى القصد ، وهو منتف في حقه ، وأما المميز فقيل : لا تصح ، لاتصافه بما يوجب رفع القلم فعبادته تمرينية فلا تقع لنفسه فكيف لغيره ، وقيل : تصح ، لأنه قادر على استقلال الحج ندبا بناء على شرعية عباداته.

(٢) فالمجنون لا تصح منه النيابة لفقد عقله الموجب لفقد القصد المعتبر في الحج.

(٣) فلا تصح منه النيابة لأنه إذا كان مخاطبا بالحج في ذلك العام فلا يصح أن يشغل ذمته بغيره ، بل يقع باطلا لأن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده ولو عقلا.

نعم لو كان مشغول الذمة في عام بعد عام النيابة كمن نذر إن استؤجر في هذه السنة بأن يحج في السنة المقبلة ، أو كان مستوجرا للعام المقبل فتصح النيابة حينئذ لعدم النهي عنها.

(٤) أي في الحج الواجب في هذا العام.

(٥) بعد التسويق من عام إلى عام.

(٦) سواء كان من ذوي الأدوار أو لا لعدم الوثوق بصحة العمل المستأجر عليه.

(٧) أي كان مشغول الذمة بالحج بعد عام النيابة.

(٨) أي نذر بأن يحج في هذه السنة ، وقد انتفت الاستطاعة العقلية حتى المشي فيسقط الوجوب لهذا العام ، وإن كانت ذمته مشغولة بأصل الحج النذري ، إلا أنه تصح منه النيابة حينئذ مع قطعه بعدم تجدد الاستطاعة ، لعدم الأمر بالحج النذري الموجب للنهي عن النيابة ، ثم لو حصلت النيابة ثم اتفق تجدد الاستطاعة فتقدم النيابة ، لأن حج النذر ممنوع منه شرعا بالنيابة لوجوب الوفاء بها فهو غير مستطيع له ، وكذا لو وقعت النيابة ثم تحققت استطاعة حج الإسلام.

٢٦٨

وإن كان باقيا في الذمة ، لكن يراعى في جواز استنابته ضيق الوقت ، بحيث لا يحتمل تجدد الاستطاعة عادة. فلو استؤجر كذلك ، ثم اتفقت الاستطاعة على خلاف العادة لم ينفسخ ، كما لو تجددت الاستطاعة لحج الإسلام بعده ، فيقدّم حج النيابة ، ويراعى في وجوب حج الإسلام بقاؤها إلى القابل.

(والإسلام) (١) إن صححنا عبادة المخالف ، وإلا اعتبر الإيمان أيضا ، وهو الأقوى. وفي الدروس حكى صحة نيابة غير المؤمن عنه قولا مشعرا بتمريضه ، ولم يرجح شيئا ، (وإسلام (٢) المنوب عنه ، واعتقاده الحق (٣) فلا يصح الحج عن

______________________________________________________

(١) لأن الكافر لا يصح منه الفعل عن نفسه فعن غيره بطريق أولى ، ثم هل يجب أن يكون مؤمنا أو لا ، قيل : باشتراط الإيمان كما عن جماعة منهم سيد المدارك ، وقيل : بعدم اعتباره ، ولعله ظاهر الأكثر ، حيث لم يتعرضوا لذكر الشرط المذكور ، وإنما اقتصروا على اعتبار الإسلام ، وسبب الخلاف أن المخالف عبادته صحيحة أو لا ، فإذا قلنا بعدم صحة عبادته كما ذهب إليه البعض وقد تقدم الكلام فيه ، فلا تصح نيابته عن غيره ، وقيل أن ذلك في العمل لنفسه دون غيره أو أن عبادته صحيحة لكنها غير مقبولة كما حرر سابقا ، وعليه فتصح نيابته ، نعم ورد في خبر عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم ، هل يجوز أن يقضيه غير عارف؟ قال عليه‌السلام : لا يقضيه إلا مسلم عارف) (١) إلا أن يحمل على أن المنع فيه من ناحية أن غير عارف سيأتي بأفعال النيابة بناء على مذهبه ، وليس المنع فيه من ناحية عدم إيمانه.

(٢) فلا تصح النيابة عن الكافر ، لأنه مستحق في الآخرة الخزي والعقاب ، لا الأجر والثواب ، وهما من لوازم صحة الفعل ، فيلزم من انتفائها انتفاء الملزوم ، ولقوله تعالى : (مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ، وَلَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبىٰ) (٢) ، بناء على أن النيابة تفيد التخفيف من عقابه ، كالاستغفار ، بل هي نوع منه.

(٣) فلا تصح النيابة عن المخالف ناصبيا أو لا ، قريبا أو لا إلا الأب فتصح ـ كما عليه الأكثر ـ لخبر وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أيحج الرجل عن الناصب؟ قال :لا ، قلت : فإن كان أبي؟ قال : إن كان أباك فنعم) (٣) ، وذهب الشهيد في الدروس ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قضاء الصلوات حديث ٥.

(٢) سورة التوبة الآية : ١١٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ١.

٢٦٩

المخالف مطلقا ، (إلا أن يكون أبا للنائب) وإن علا (١) للأب ، لا للأم (٢) ، فيصح وإن كان ناصبيا. واستقرب في الدروس اختصاص المنع بالناصب ، ويستثنى منه الأب. والأجود الأول ، للرواية ، والشهرة ، ومنعه بعض الأصحاب مطلقا. وفي إلحاق باقي العبادات به وجه (٣) ، خصوصا إذا لم يكن ناصبيا.

(ويشترط نية النيابة) (٤) بإن يقصد كونه نائبا ، ولما كان ذلك أعم من تعيين من ينوب عنه نبّه على اعتباره أيضا بقوله ، (وتعيين المنوب عنه قصدا) في نية كل فعل يفتقر إليها. ولو اقتصر في النية على تعيين المنوب عنه ، بأن ينوي أنه عن فلان أجزأ ، لأن ذلك يستلزم النيابة عنه (٥) ، ولا يستحب التلفظ بمدلول هذا القصد (٦) ، (و) إنما (يستحب) تعيينه (لفظا عند باقي الأفعال) ، وفي المواطن كلها بقوله : «اللهم ما أصابني من تعب ، أو لغوب ، أو نصب ، فأجر فلان بن فلان ،

______________________________________________________

ـ والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى إلى جواز النيابة عن المخالف غير الناصبي لأنه مسلم ، وأما الناصبي فلا تصح النيابة عنه إلا إذا كان أبا للنائب للخبر المتقدم ، لأن النيابة تخفيف عن عذابه ولا مانع من صدورها من الابن بالنسبة لأبيه.

وذهب صاحب الجواهر وابن إدريس إلى المنع مطلقا ، ناصبيا أو لا ، أبا أو لا ، لأن المخالف كافر في الآخرة فيجري فيه ما تقدم في الكافر ، ولم يعملا في هذه الرواية.

(١) ألحق الجد بالأب ، لأنه أب ولأنه له الولاية كولاية الأب ، وعن الشهيد في الدروس عدم الإلحاق لأنه ليس أبا حقيقة مع أنه يجب الاقتصار في موطن النص على القدر المتيقن.

(٢) فأبو الأم لا يقال له أب قطعا كما عن المسالك.

(٣) أي بالحج ، ووجه الإلحاق أن المخالف مكلف بجميع الواجبات حجا كان أو غيره ، وفعله صحيح لنفسه إذا لم يخل بشي‌ء من أركانه فتكون النيابة عنه صحيحة في هذه الموارد لفائدة سقوط العقاب.

(٤) بلا خلاف فيه حتى يقع الفعل عن الغير ، ولما كانت النيابة لا تصح إلا بملاحظة النائب والمنوب عنه والمنوب فيه ، لأنها إضافة قائمة بين الأركان الثلاثة ، فلا بد من ملاحظة الثلاثة.

(٥) لأنه لا معنى لتعيين المنوب عنه إلا أن ينوي أنه عنه.

(٦) ومراده من المدلول هو الدال كما هو واضح ، وقال الشارح في المسالك (ولا يفتقر في التعيين لفظا إجماعا ، وجوبا ولا استحبابا ، وإنما المستحب ذكر المنوب عنه لفظا في المواطن وعند الأفعال بلفظ خاص كما سيأتى ، وهو أمر آخر غير النية ، فقول بعضهم هاهنا أن تعيينه لفظا مستحب غير واضح).

٢٧٠

وأجرني في نيابتي عنه (١). وهذا أمر خارج عن النية متقدم عليها ، أو بعدها ، (وتبرأ ذمته) (٢) أي ذمة النائب من الحج ، وكذلك ذمة المنوب عنه. إن كانت

______________________________________________________

(١) كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الذي يقضي عن أبيه أو أمه ، أو أخيه ، أو غيرهم ، يتكلم بشي‌ء؟ قال عليه‌السلام : نعم يقول بعد ما يحرم : اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو بلاء أو شعث فآجر فلانا فيه ، وأجزني في قضائي عنه) (١) ،وفي كل المواقف فهو مفاد صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (قلت له : ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال عليه‌السلام : يسميه في المواطن والواقف) (٢) ، وهو محمول على الاستحباب لخبر المثنى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يحج عن الإنسان ، يذكره في جميع المواطن كلها؟ قال : إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل) (٣) ، وبالجمع بين هذه الأخبار يتبين أنه يستحب ذكر المنوب عنه بتلك الصيغة في جميع المواطن ، وهذا بخلاف نية النيابة في أصل الحج فلا دليل على استحباب التلفظ بها أو وجوبها.

(٢) لو مات بعد دخول الحرم محرما ، بلا خلاف فيه لصحيح بريد العجلي عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن رجل خرج حاجا ومعه جمل وله نفقة وزاد ، فمات في الطريق ، فقال : إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام) (٤) وصحيح ضريس عن أبي جعفر عليه‌السلام (في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق ، فقال : إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجة الإسلام) (٥) ، وهذه الأخبار وإن كانت واردة في الحج عن نفسه إلا أن الأصحاب ـ كما في الجواهر ـ فهموا أن هذه الكيفية التي تليها الموت تكفي عن الحج سواء كان عن نفسه أو عن غيره ، مع أن موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام صريحة في ذلك قال : (سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة ، فيعطى دراهم ليحج بها عنه ، فيموت قبل أن يحج ، قال : إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول) (٦) المحمول عند الأصحاب بشهادة ما تقدم على أنه أحرم وقد دخل الحرم.

وخالف الشيخ وابن إدريس واكتفيا بالموت بعد الإحرام وإن لم يدخل الحرم ، ويأتى فيه النزاع المتقدم فيما لو كان حجه عن نفسه.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٢ و ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢ و ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ١.

٢٧١

مشغولة (لو مات) النائب (محرما بعد دخول الحرم) ظرف للموت لا للإحرام ، (وإن خرج منه) من الحرم (بعده) أي بعد دخوله ومثله ما لو خرج من الإحرام أيضا كما لو مات بين الإحرامين ، إلا أنه لا يدخل في العبارة ، لفرضه الموت في حال كونه محرما ولو قال بعد الإحرام ، ودخول الحرم شملهما ، لصدق البعدية بعدهما ، وأولوية (١) الموت بعده (٢) منه حالته (٣) ممنوعة ، (ولو مات قبل ذلك) (٤) سواء كان قد أحرم ، أم لا لم يصح الحج عنهما ، وإن كان النائب (٥) أجيرا وقد قبض الأجرة (استعيد من الأجرة بالنسبة) (٦) أي بنسبة ما بقي من العمل المستأجر

______________________________________________________

(١) جواب عن سؤال مقدر ، وتقديره أنه إذا كان الموت في أثناء الإحرام مجزيا عن الحج فالموت بعد الإحرام أولى بالأجزاء ، والجواب إن الأولوية قياس محض إذ لعل الاجزاء في أثناء الإحرام تعظيما له ، وجره إلى ما بعد الإحرام يكون قياسا فلا بد من الاقتصار على مورد النص ، وفيه : إن النصوص ظاهرة في أن الاجزاء يتحقق بالتلبس بالإحرام وبدخول الحرم سواء شرع في بقية الأفعال أو لا ، وعليه فالأولوية محكمة ، على أن عبارة الشارح مدخولة لأن من دخل الحرم محلا ثم خرج منه ثم أحرم ومات في الطريق لكان مشمولا لعبارة الشارح حيث قال (ولو قال بعد الإحرام ودخول الحرم) بناء على أن الواو لمطلق الجمع مع أنه لو مات والحال هذه فلا يجزيه عن حجة الإسلام.

(٢) أي بعد الإحرام.

(٣) أي من الموت حالة الإحرام.

(٤) قبل دخول الحرم.

(٥) تمهيد للمتن الآتي.

(٦) هاهنا صور ، الأولى : أن تقع الإجارة على تفريغ ذمة المنوب عنه ، فيستحق الأجير تمام الأجرة لو مات بعد الإحرام ودخول الحرم ، لتحقق فراغ ذمة المنوب عنه بذلك ، وهذا مما لا ينبغي الإشكال فيه. الثانية : أن تقع الإجارة على أفعال الحج خاصة ، فيستحق الأجير أجرة ما أتى منها دون البقية ، وذلك لعدم تمام المستأجر عليه ، بل الحاصل بعضه ، والبعض الآخر غير حاصل ، فتوزع الأجرة على الجميع ويستحق من الأجرة بالنسبة ، لكن عن الحدائق دعوى الإجماع على استحقاق الجميع ، وفي المسالك : (مقتضى الأصل أن لا يستحق إلا بالنسبة لكن وردت النصوص بإجزاء الحج عن المنوب ، وبراءة ذمة الأجير ، واتفق الأصحاب على استحقاقه جميع الأجرة ، فهذا الحكم ثبت على خلاف الأصل) وفي المعتبر (إنه المشهور بينهم) ، ولكن إذا ثبت النص فهو ولكن النص وارد في إجزائه عن حجة الإسلام لو مات بعد الإحرام ودخول الحرم وقد تقدمت ، وإلا فلا ـ

٢٧٢

عليه ، فإن كان الاستئجار على فعل الحج خاصة ، أو مطلقا ، وكان موته بعد الإحرام استحق بنسبته إلى بقية أفعال الحج ، وإن كان (١) عليه وعلى الذهاب استحق أجرة الذهاب والإحرام ، واستعيد الباقي ، وإن كان عليهما (٢) وعلى العود فبنسبته إلى الجميع ، وإن كان موته قبل الإحرام (٣) ، ففي الأولين (٤) لا يستحق

______________________________________________________

ـ يستحق الأجير إلا بنسبة ما فعل كما هو مقتضى القواعد. الثالثة : فيما لو كانت الإجارة مطلقة بحيث لم تقيد أنها لخصوص الحج أو له ولمقدمات الذهاب والرجوع ، فقال صاحب الجواهر (وإنما الإشكال فيما لو أطلق الإجارة على الحج فهل يدخل فيها قطع المسافة ذهابا وإيابا على وجه يقتضي التوزيع والتقسيط ، أو لا يدخل وإنما يراد نفس العمل فلا تستحق المقدمات حينئذ شيئا ـ إلى أن قال ـ خيرة جماعة منهم الأول ، وآخرين الثاني) ، هذا وقد ذهب القاضي أبو الصلاح الحلبي إلى أن إطلاق الاجارة على الحج يقتضي دخول الذهاب والإياب به على نحو الجزئية ، وعليه فلا بد من التوزيع والتقسيط عليهما وعلى أفعال الحج ، وقواه في كشف اللثام.

وفيه : إن المستأجر عليه هو الحج وهو منصرف إلى أفعاله الخاصة دون الذهاب والإياب ، وإن كان الذهاب مقدمة للواجب ، وكان الإياب لا بد منه لعود النائب إلى بلده إلا أنه لا دخل له في حقيقته كما هو واضح ، فالتوزيع والتقسيط إنما لأفعال الحج فقط ، فيستحق الأجير منها بنسبة ما فعله منها. الرابعة : فيما لو كانت الأجرة على الذهاب مع أفعال الحج. الخامسة : فيما لو كانت الأجرة على الذهاب والعود مع أفعال الحج ، وفي هاتين الصورتين فالأجير يستحق ما فعله ، وهو الذهاب والإحرام ودخول الحرم فيستحق ما فعل بعد التوزيع ، والباقي لا بدّ من رده إلى المنوب عنه أو ورثته.

(١) أي الاستئجار.

(٢) أي على الحج والذهاب.

(٣) ففي الصورة الرابعة والخامسة يستحق الأجير بنسبة ما فعل ، وهو الذهاب ، لأن المسافة لها دخل في الأجرة ، ولا شي‌ء له في الصورة الأولى لأنها لم تفرغ ذمة المنوب عنه ، وأما في الصورة الثانية والثالثة فقد قال الشارح في المسالك (إن من استؤجر على فعل الحج عن غيره فسعى إليه ، فمات في الطريق قبل الشروع فيه لا يستحق شيئا ، لأن الحج عبارة عن الأفعال المخصوصة ، ولم يفعل منها شيئا ، وإنما أخذ في المقدمات التي لا يمكن الفعل بدونها ، فتكون بمنزلة من استؤجر على عمل سرير في مكان بعيد عن بيت الأجير ، فأخذ آلات العمل وخرج إليه فمات في الطريق ، فإنه لا يستحق شيئا قطعا).

(٤) أي في صورة الإجارة على فعل الحج فقط ، أو كان عقد الإجارة مطلقا فإنه منصرف إلى أفعال الحج فقط.

٢٧٣

شيئا ، وفي الأخيرين (١) بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بقي من المستأجر عليه.

وأما القول بأنه يستحق مع الإطلاق بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه ومن أفعال الحج والعود كما ذهب إليه جماعة ، ففي غاية الضعف ، لأن مفهوم الحج لا يتناول غير المجموع المركب من أفعاله الخاصة ، دون الذهاب إليه ، وإن جعلناه مقدمة للواجب ، والعود (٢) الذي لا مدخل له في الحقيقة ، ولا ما يتوقف عليها (٣) بوجه. (ويجب على الأجير الإتيان بما شرط عليه) (٤) من نوع الحج

______________________________________________________

(١) أي في صورة الإجارة على الذهاب وفعل الحج ، وفي صورة الاجارة على الذهاب والعود وفعل الحج.

(٢) أي ودون العود ، فهو معطوف على الذهاب إليه.

(٣) هكذا في النسخة الحجرية وغيرها ، والأولى جعله (عليه) باعتبار عوده إلى ما الموصولة ، ويمكن تصحيح التأنيث باعتبار أن المراد من (ما الموصولة) هو المقدمة فلذا صح التأنيث حينئذ.

(٤) من نوع الحج من إفراد أو قران ، أو تمتع ، لقاعدة (المؤمنون عند شروطهم) ، فلا يجزي غير المعين منه وإن كان أفضل لخبر علي ؛ وقد استظهر في المدارك أنه ابن رئاب (في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة ، قال : ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج ، لا يخالف صاحب الدراهم) (١).

وعن الشيخ وجماعة يجوز العدول مطلقا إلى الأفضل إن شرط عليه غيره ، لخبر أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام (في رجل أعطى رجلا دراهم يحج عنه حجة مفردة ، أيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : نعم ، إنما خالف إلى الفضل) (٢).

وحملت هذه الرواية على ما لو كان الحج مندوبا عن المنوب عنه ، أو كان على المنوب عنه مطلق الحج بالنذر ، أو كان المنوب عنه له منزلان أحدهما داخل مكة والآخر في خارجه فيجوز للنائب العدول عما استؤجر إلى الأفضل للخبر المتقدم ، وأما إذا كان غير الأفضل متعينا ، أو علم من شرط غير الأفضل أن المنوب عنه لا يرضى بغيره فلا يجوز العدول ، وكذا لا يجوز العدول في وصف الحج كالمشي وغيره ، لأنه لا يرضى بغيره بدليل ذكره ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ١.

٢٧٤

ووصفه (حتى الطريق مع الغرض) (١) قيد في تعيّن الطريق بالتعيين ، بمعنى أنه لا يتعين به إلا مع الغرض المقتضي لتخصيصه ، كمشقته وبعده ، حيث يكون داخلا في الإجارة ، لاستلزامها زيادة الثواب ، أو بعد مسافة الإحرام ، ويمكن كونه (٢) قيدا في وجوب الوفاء بما شرط مطلقا (٣) ، فلا يتعين النوع كذلك إلا مع الغرض كتعيين الأفضل (٤) ، أو تعينه (٥) على المنوب عنه ، فمع انتفائه (٦) كالمندوب والواجب المخير كنذر مطلق ، أو تساوي منزلي المنوب عنه في الإقامة يجوز العدول عن المعين إلى الأفضل ، كالعدول من الإفراد إلى القران ، ومنهما إلى التمتع ، لا منه إليهما (٧) ، ولا من القران إلى الإفراد (٨).

ولكن يشكل ذلك في الميقات ، فإن المصنف وغيره أطلقوا تعينه بالتعيين (٩)

______________________________________________________

ـ في متن عقد الاجارة.

(١) فلو كان الطريق متعينا بنذر على المنوب عنه ، أو علم عدم رضا المنوب عنه بغيره فلا يجوز العدول ، أما إذا لم يعينه غرض وإن ذكر في عقد الاجارة فيجوز العدول إلى غيره كما نسب إلى المشهور ـ كما في الجواهر ـ لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل أعطى رجلا حجة ، يحج عنه من الكوفة ، فحج عنه من البصرة ، فقال عليه‌السلام : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه) (١) وذهب الشيخ في المبسوط إلى جواز العدول مطلقا لهذه الرواية.

(٢) أي قول المصنف (مع الفرض).

(٣) من الطريق والوصف والنوع ، وليس كونه قيدا في الطريق فقط ، كما هو مقتضى الكلام السابق.

(٤) بحيث لا يرضى بغيره.

(٥) بنذر أو غيره.

(٦) أي انتفاء التعيين والتعين.

(٧) لأن التمتع أفضل.

(٨) لأن القران أفضل.

(٩) كما هو مقتضى قاعدة (المؤمنون عند شروطهم).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ١.

٢٧٥

من غير تفصيل بالعدول إلى الأفضل وغيره ، وإنما جوزوا ذلك (١) في الطريق النوع بالنص ، ولما انتفى في الميقات أطلقوا تعينه به ، وإن كان التفصيل فيه متوجها أيضا ، إلا أنه لا قائل به. وحيث يعدل إلى غير المعين مع جوازه (٢) يستحق جميع الأجرة (٣) ، ولا معه (٤) لا يستحق في النوع شيئا ، وفي الطريق (٥) يستحق بنسبة الحج إلى المسمى للجميع (٦) ، وتسقط أجرة ما تركه من الطريق ، ولا يوزع للطريق المسلوكة ، لأنه غير ما استؤجر عليه وأطلق المصنف وجماعة الرجوع عليه (٧) بالتفاوت بينهما (٨) ، وكذا القول في الميقات (٩) ، ويقع الحج عن المنوب عنه في الجميع وإن لم يستحق في الأول (١٠) أجرة.

______________________________________________________

(١) أي العدول إلى الأفضل.

(٢) أي جواز العدول.

(٣) لأنه أفرغ ذمة المنوب عنه ، نعم مع عدم جواز العدول فالفعل يقع عن المنوب عنه ولا يستحق الاجير أجرة لكونه متبرعا كما صرح بذلك في المعتبر والمدارك وغيرهما.

(٤) أي وحيث يعدل لا مع الجواز.

(٥) أما مع جواز العدول فيستحق من المسمى بالنسبة ، ويسقط منه مقدار المخالفة في الطريق كما نسب إلى جماعة ، وأشكل عليهم الشارح في المسالك بأن الطريق التي استؤجر لسلوكها وحصل لها حصة من الأجرة لم يفعل منه شيئا ، والذي فعله من السلوك غير مستأجر عليه فإدخاله في التقدير وتقسيط الأجرة عليه غير واضح.

وأما مع عدم جواز العدول فقال العلامة في التذكرة : (إنه مع المخالفة فيما تعلق به الفرض الرجوع إلى أجرة المثل وفساد المسمى) وأشكل عليه الشارح في المسالك بأن الحج مستأجر عليه على التقديرين لأنه هو الركن الأعظم والفرض الأقصى من عقد الاجارة وقد فعله ، وذلك يقتضي حصة من أجرة المسمى لا أجرة المثل سواء تعلق الفرض بذلك الطريق المتروك أو لا ، فالقول بثبوت ما يخص الحج من المسمى خاصة أوجه.

(٦) أي يستحق اجرة نفس فعل الحج فيؤخذ من المسمى ما يقابل الحج ويترك ما قابل الطريق.

(٧) على الطريق المسلوكة.

(٨) بين الطريق المتروكة والمسلوكة.

(٩) فلا يستحق ما قابل الميقات من أجرة المسمى.

(١٠) وهو المخالفة في النوع المعين له.

٢٧٦

(وليس له الاستنابة (١) إلا مع الإذن) له فيها (صريحا) ممن يجوز له الإذن فيها كالمستأجر عن نفسه ، أو الوصي ، لا الوكيل ، إلا مع إذن الموكل له في ذلك ، (أو إيقاع العقد مقيدا بالإطلاق) (٢) ، لا إيقاعه مطلقا (٣) فإنه يقتضي المباشرة بنفسه ، والمراد بتقييده بالإطلاق أن يستأجره ليحج مطلقا بنفسه ، أو بغيره ، أو بما يدل عليه (٤) ، كأن يستأجره لتحصيل الحج عن المنوب. وبإيقاعه مطلقا (٥) أن يستأجره ليحج عنه ، فإن هذا الإطلاق يقتضي مباشرته ، لا استنابته فيه. وحيث يجوز له الاستنابة يشترط في نائبه العدالة (٦) ، وإن لم يكن هو عدلا.

(ولا يحج عن اثنين في عام) (٧) واحد ، لأن الحج وإن تعددت أفعاله عبادة

______________________________________________________

(١) اعلم أن القيام بالحج عن الغير تبرعا مما لا خلاف فيه ، كما في الجواهر ، وسيأتي بعض النصوص الدالة عليه ، وأما الاستنابة فهي القيام بالحج عن الغير في قبال الأجرة ، وعقد الاجارة مما يقتضي مباشرة الأجير بأفعال الحج ، فالاستنابة عن الأجير مما يحتاج إلى إذن المستأجر أو إذن وصيه بعد وفاته ، أو وكيله الذي وكلّه بذلك.

(٢) أي وقع عقد الإجارة مقيّدا بأن للأجير حق الاستئجار أيضا عن المستأجر الأول.

(٣) بحيث وقع عقد الإجارة مطلقا غير مقيد بأنه يجوز للأجير أن يستأجر غيره ، فينصرف إلى لا بدية مباشرة الأجير بنفسه فعل المنوب فيه.

(٤) من القرائن الحالية ، بخلاف السابق فإن الدال لفظي.

(٥) أي والمراد بإيقاع عقد الإجارة مطلقا وهو العقد المجرد عن الاشتراط.

(٦) قد اعتبر المتأخرون الإيمان في النائب كما في المسالك والمدارك وغيرهما ، لكن اشتراط عدالته لا بمعنى أن الفاسق لا يصح حجه عن الغير ، بل لا يقبل إخباره بالصحة إلا إذا كان عدلا مع أنها لا تعرف إلا منه.

(٧) بلا خلاف ، وعلّل في الجواهر (لعدم ثبوت مشروعية ذلك ، بل الثابت خلافه ، فلو وقع الحج كذلك بطل ، لامتناعه لهما ، لعدم قابلية التوزيع ، ولا لواحد بخصوصه لعدم الترجيح ، ولا له لعدم نيته له فليس حينئذ إلا البطلان).

وأما الحج المندوب فقد قال في المدارك : (فقد دلت الأخبار على أنه يجوز الاشتراك به ، وإذا جاز ذلك جازت الاستنابة فيه على هذا الوجه) ، ومن هذه الأخبار صحيح محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه‌السلام (كم أشرك في حجتي ، قال عليه‌السلام : كم شئت) (١) ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ١.

٢٧٧

واحدة فلا يقع عن اثنين. هذا إذا كان الحج واجبا على كل واحد منهما ، أو أريد إيقاعه (١) عن كل واحد منهما. أما لو كان مندوبا وأريد إيقاعه عنهما ، ليشتركا في ثوابه ، أو واجبا عليهما كذلك (٢) ، بأن ينذرا الاشتراك في حج يستنيبان فيه كذلك (٣). فالظاهر الصحة فيقع في العام الواحد عنهما ، وفاقا للمصنف في الدروس ، وعلى تقدير المنع (٤) لو فعله عنهما لم يقع عنهما ، ولا عنه ، أما استئجاره لعمرتين ، أو حجة مفردة ، وعمرة مفردة فجائز (٥) ، لعدم المنافاة.

(ولو استأجراه لعام) واحد (فإن سبق أحدهما) بالإجارة (صح السابق) وبطل اللاحق (٦) ، ...

______________________________________________________

ـ وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل يشرك أباه أو أخاه ، أو قرابته في حجه ، قال عليه‌السلام : إذن يكتب لك حجا مثل حجهم ، وتزداد خيرا بما وصلت) (١) ، وهذه الأخبار محمولة على الاستحباب لأن حج الإسلام يجب أن يوقعه عن نفسه كما هو واضح.

(١) أي أريد الحج بتمامه ـ ولو كان ندبا ـ أن يقع عن كل واحد مستقلا ، فلا يجوز أن يحج عنهما في عام واحد ، لاستحالة إيقاعه في عام واحد عن اثنين بحيث يكون الحج الصادر عن كل واحد بمفرده.

(٢) بحيث لو نذر كل واحد من الجماعة أن يشرك البقية في حج واحد ، وبعبارة أخرى قد نذر كل واحد أن يحج عن نفسه وعن الآخرين على نحو الاشتراك ، من دون خلاف ظاهر بين من تعرض لهذا الفرع.

(٣) أي بالاشتراك.

(٤) قال الشارح في المسالك (ثم على تقدير بطلان الإيقاع عن اثنين ، لو نوى عنهما لم يقع عنهما ، وفي وقوعه عنه وجه ضعيف لعدم النية).

(٥) لجواز وقوع العمرتين في سنة واحدة ، وجواز وقوع العمرة المفردة مع الحج المفرد كما سيأتي.

(٦) بطلت الاجارة الثانية لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأولى ، وفي الجواهر (وظاهره المفروغية عن ذلك لوضوح وجهه).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٣.

٢٧٨

(وإن اقترنا) (١) بأن أوجباه معا فقبلهما ، أو وكل أحدهما الآخر (٢) ، أو وكلا ثالثا فأوقع (٣) صيغة واحدة عنهما (بطلا) لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، ومثله ما لو استأجراه مطلقا (٤) لاقتضائه التعجيل ، أما لو اختلف زمان الإيقاع (٥) صح ، وإن اتفق العقدان (٦) ، إلا مع فوريّة المتأخر (٧) ، وإمكان استنابة من يعجله فيبطل.

(وتجوز النيابة في أبعاض الحج) (٨) التي تقبل النيابة (كالطواف) وركعتيه ، (والسعي والرمي) ، لا الإحرام ، والوقوف ، والحلق ، والمبيت بمنى (مع العجز)

______________________________________________________

(١) بطلا لتنافيها ، فلا يمكن صحتها ، وصحة إحداهما المعينة دون الأخرى ترجيح بلا مرجح ، وصحة إحداهما بلا تعيين لا يترتب عليه أثر فتلغى ، غير أن الاقتران بعيد عادة ، لكن يمكن فرضه في صور منها : ما لو آجر نفسه لهذه السنة ، وآجره وكيله من آخر في نفس السنة واتفق عقد الإجارة في زمن واحد ، ومنها : ما ذكره الشارح في الروضة.

(٢) فقام هذا وأوقع عقد إجارة واحد عنهما معا.

(٣) أي الثالث.

(٤) من غير تقييد في هذه السنة أو غيره ، فعن الدروس (ولو أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ، فلو خالف الأجير فلا أجرة له) ، وظاهره أن الإطلاق يقتضي التعجيل ، وإن قال في المدارك (ومستنده ، غير واضح) بناء على أن الأمر لا يقتضي الفورية ، وقال في الجواهر (إلا أن يفرض التعارف فيه كذلك) ، وعلى كل فلو اقتضى التعجيل والفورية لبطلا لتنافي متعلقهما.

(٥) بأن كانت إحدى الاجارتين قد صرحت بالتأخير ، والأولى مطلقة ، أو كانت كلاهما مقيدتين بسنة معينة ، بحيث كانت السنة المعينة في إحداهما مختلفة عن الأخرى.

(٦) لأن التنافي لمتعلقها.

(٧) بحيث لو صحت الإجارتان لاختلاف زمان الإيقاع ، وإن اتفق العقدان ، لكن إذا أتى عارض مبطل لإحداهما فتبطل ، وذلك فيما لو كان الحج المتأخر فوريا كالمنذور في أول سنوات الإمكان ، أو حج الإسلام على تقدير فورية الاستنابة فيه على تقدير عدم إمكان ذهابه ، وكان يوجد من يستأجره ليقوم به فورا فلا يجوز تأخيره إلى العام المقبل ، فالاستئجار عليه في العام المقبل باطل من هذه الناحية.

(٨) أفعال الحج مشروطة بمباشرتها بدنيا ، ومع العجز فقد ورد النص بالنيابة في الطواف وركعتيه والسعي والرمي ، ووقع الخلاف بينهم في الإحرام ، مع اتفاقهم على عدم النيابة في الوقوف والحلق والمبيت بمنى ، وسيأتي كلّ في بابه.

٢٧٩

عن مباشرتها بنفسه ، لغيبة (١) ، أو مرض (٢) يعجز معه ولو عن أن يطاف أو يسعى به (٣). وفي إلحاق الحيض به فيما يفتقر إلى الطهارة وجه (٤) ، وحكم الأكثر بعدولها إلى غير النوع لو تعذر إكماله لذلك (٥) ، (ولو أمكن حمله في الطواف والسعي وجب) (٦) مقدما على الاستنابة ، (ويحتسب لهما) (٧) لو نوياه ، إلا أن

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر عبد الرحمن بن أبي نجران عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : الرجل يطوف عن الرجل وهما مقيمان بمكة؟ قال : لا ، ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب عن مكة) (١).

(٢) للأخبار ، منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المريض المغلوب والمغمى عليه يطاف عنه ويرمى عنه) (٢).

(٣) كما سيأتي.

(٤) فقد جعل الحيض من الأسباب المسوغة للاستنابة في طواف العمرة إذا ضاق الوقت ، ولا يمكنها العدول إلى ما يتأخر طوافه ، أو لم يمكنها المقام في طواف الحج كما عن كشف اللثام ، وعن الشارح في المسالك جواز الاستنابة مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها عن أهلها في البلاد البعيدة ، وتردد الشهيد في الدروس لبطلان متعتها ، وعدولها إلى حج الإفراد لو قدمت مكة حائضا وقد ضاق وقت الوقوف ، وهذا ما عليه الأكثر ، وسيأتي تفصيل ذلك إنشاء الله تعالى.

(٥) أي تعذر ما يتوقف على الطهارة كالطواف بسبب الحيض.

(٦) كما سيأتي.

(٧) لأنه يصح من كل منهما أن ينوي بفعله طوافا عن نفسه ، أما الحامل فواضح لأنه يأتي بطواف غير ناقص ، وأما المحمول ففرضه كذلك فتصح النية ويقع طوافا عنه ويدل عليه صحيح حفص البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في المرأة تطوف بالصبي وتسعى ، هل يجوز ذلك عنها وعن الصبي؟ فقال : نعم) (٣) ، وصحيح الهيثم بن عروة التميمي (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : حملت امرأتي ثم طفت بها وكانت مريضة ، وقلت له : إني طفت بها بالبيت في طواف الفريضة وبالصفا والمروة ، واحتسبت بذلك لنفسي ، فهل يجزي؟ فقال : نعم) (٤) ، وقال في المدارك (وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحمل بين أن يكون تبرعا أو بأجرة) ، وخالف ابن الجنيد والعلامة من أنه إذا كان أجيرا لا يجزيه احتساب ما

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الطواف حديث ٣ و ٢.

٢٨٠