الزبدة الفقهيّة - ج ٣

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-34-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٨

ولو أمره بصورة الصلاة فحسن ، وكذا القول في سائر الأفعال (١) ، فإذا فعل به ذلك فله أجر حجة (٢) (وشرط صحته من العبد إذن المولى (٣) وإن تشبث بالحرية كالمدبر والمبعض (٤) فلو فعله بدون إذنه لغا ، ولو أذن له فله الرجوع قبل التلبس (٥) ، لا بعده.

(وشرطه صحة الندب من المرأة إذن الزوج) (٦) ، أما الواجب فلا (٧) ، ويظهر

______________________________________________________

ـ مخالفة لصحيح زرارة الدال على أن الولي يصلي عنه ، فتقييده بما دون الست ليس في محله بل المدار على التمييز وعدمه ، وكذلك أمره بالإتيان بصورة الصلاة اجتهاد في قبال الصحيح المتقدم.

(١) بل النظر في فقرات صحيح زرارة المتقدم يعطي بأن كل ما يمكن إيقاعه من الطفل فيؤمر به ، وإلا فيجتزئ بفعل الولي عنه.

(٢) كما في خبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن امرأة قامت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيحج بمثل هذا؟ قال : نعم ولك أجره) (١).

(٣) لأن منافعه مستحقة للسيد فصرفها فيما لم يأذن به يكون منهيا عنه.

(٤) لأن وجوب الحج مشروط بالحرية كما تقدم ، وهي مفقودة هنا.

(٥) بالإحرام ، لا بعده لأن الإحرام إذا انعقد صحيحا فلا ينحل إلا بمحلل شرعي ، وهو لا يكون إلا بإتمام الحج.

(٦) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : موثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام ، تقول لزوجها : أحجني مرة أخرى ، أله أن يمنعها؟ قال : نعم ، يقول لها حقي عليك أعظم من حقك عليّ في ذا) (٢).

(٧) بلا خلاف ، للأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن امرأة لها زوج ، وهي صرورة ، ولا يأذن لها في الحج ، قال : تحج وإن لم يأذن لها) (٣) ، وفي خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام (تحج وإن رغم أنفه) (٤) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن امرأة لم تحج ولها زوج ، وأبى أن يأذن لها في الحج فغاب زوجها ، فهل لها أن تحج؟ قال : لا إطاعة له عليها في حجة الإسلام) (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٤ و ٥ و ١.

٢٤١

من إطلاقه (١) ، أن الولد لا يتوقف حجه مندوبا على إذن الأب أو الأبوين (٢) وهو قول الشيخ (رحمه‌الله) ومال إليه المصنف في الدروس وهو حسن إن لم يستلزم السفر المشتمل على الخطر وإلا فاشتراط إذنهما أحسن (ولو أعتق العبد) المتلبس بالحج بإذن المولى ، (أو بلغ الصبي ، أو أفاق المجنون) بعد تلبسهما به صحيحا (٣) (قبل أحد الموقفين صح وأجزأ عن حجة الإسلام) على المشهور (٤) ويجددان نية الوجوب (٥) بعد ذلك أما العبد المكلف فبتلبسه به ينوي الوجوب بباقي أفعاله ،

______________________________________________________

(١) أي إطلاق المصنف حيث لم يشترط في صحة الحج سوى الإسلام والتمييز وإذن المولى والزوج.

(٢) اختلف الأصحاب في توقف الحج المندوب من الولد البالغ على إذن الأب أو الأبوين ، فعن الشيخ في الخلاف عدم اعتبار إذنهما ، وهو اختيار الشهيد في الدروس ، وعن العلامة في القواعد إذن الأب خاصة ، وعن الشارح اعتبار إذنهما ، وليس في المسألة نص بالخصوص كما اعترف بذلك سيد المدارك ، ومقتضى الأصل عدم الاشتراط إلا إذا استلزم سفره إلى الحج بدون إذنهما أو إذن أحدهما عقوقا فيجب الاستئذان حينئذ ، ولعل تقييد الشارح إذنهما بما إذا كان مشتملا على السفر المشتمل على الخطر من هذا الباب ، لأن سفره على هذا النحو موجب لأذيتهما ، وإيذاؤهما حرام لأنه من أبرز مصاديق العقوق.

(٣) قيد للحج وقال الشارح في الهامش (أما الصبي فصحته باعتبار إذن وليه ، وأما المجنون فبأن يحرم ثم يجنّ ثم يفيق قبل أحد الموقفين).

(٤) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (مملوك اعتق يوم عرفة ، فقال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج) (١) ، وخبر شهاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل اعتق عشية عرفة عبدا له ، أيجزي عن العبد حجة الإسلام؟ قال عليه‌السلام : نعم) (٢) ، ومنها يستفاد عموم الحكم لكل من أدركهما من غير فرق بين الإدراك بالكمال من بلوغ وعقل أو بالحرية ، ولذا استدل الأصحاب بنصوص العبد على الصبي والمجنون.

وعن العلامة والمحقق التردد فيه أما في العبد فلمنع الأخبار لحملها على إدراك الحج الذي نواه لا حجة الإسلام وأما في غيره فلأنه قياس ، وفيه : إن خبر شهاب صريح في حجة الإسلام وقد عدي الحكم لفهم الأصحاب عدم خصوصية العبور.

(٥) أي الصبي والمجنون ، وذلك لأن النية كانت مستحبة وهذا مبني على كون الحج الذي

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢ و ١.

٢٤٢

فالإجزاء فيه أوضح (١).

ويشترط استطاعتهم (٢) له سابقا ولاحقا ، لأن الكمال الحاصل أحد الشرائط فالإجزاء من جهته (٣). ويشكل ذلك في العبد إن أحلنا ملكه (٤) وربما قيل : بعدم اشتراطها فيه للسابق (٥) ، أما اللاحق فيعتبر قطعا ،

(ويكفي البذل) للزاد والراحلة (في تحقق الوجوب) (٦) على المبذول له.

______________________________________________________

ـ وقع هل هو حجة الإسلام من حين وقوعه ، أو إنه حجة الإسلام من حين حصول الشرط ، أو أنه وقع حجا مستحبا ، غير أنه مجز عن الواجب ، وعلى الأخير لا مجال لتجديد النية أبدا وهذا ما ذهب إليه صاحب الجواهر ويؤيده قوله عليه‌السلام في خبر شهاب المتقدم (أيجزي عن العبد حجة الإسلام؟ قال : نعم) ، وعلى الأول يجب تجديد نية الوجوب كما عن المعتبر والمنتهى والروضة ، وعلى الثاني يأتي بباقي الأفعال بنية الوجوب فقط.

(١) لأنه إذا تلبس بالحج بإذن وليه فيجب عليه الإكمال ، بخلاف الصبي والمجنون فلا يجب عليهما الإكمال ، لذا لم يوجب على العبد تجديد النية ، بل قال أنه ينوي الوجوب بباقي أفعال الحج.

(٢) سابقا ولاحقا كما عن الدروس تحكيما لأدلة الاستطاعة ، وعن الجواهر وسيد المدارك عدم اعتبار الاستطاعة لاحقا ولا سابقا لأن أدلة الاستطاعة منصرفة عن هذا الغرض ، وربما قيل باشتراط استطاعهم في اللاحق فقط تحكيما لأدلة الاستطاعة بما بقي من حجة الواجب فقط.

(٣) مع أنه تشترط الاستطاعة المالية والبدنية أيضا ، وما عليه الشهيد في الدروس فهو الأقوى.

(٤) لأنه قبل العتق لم يملك شيئا فكيف يمكن فرض استطاعته لمجموع الحج الذي قد فعل بعضه مع أن النصوص قد صرحت باجزائه عن حج الإسلام الكاشفة عن عدم اعتبار استطاعته.

(٥) من أفعال الحج المتقدمة.

(٦) بلا خلاف ، لصدق الاستطاعة على ذلك وهي شرط وجوب الحج ، وللأخبار منها : صحيح ابن مسلم (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فإن عرض عليه الحج فاستحى قال : هو ممن يستطيع الحج ، ولم يستحي ولو على حمار أجدع أبتر) (١) وصحيح هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع الحج) (٢) ومرسل المفيد (قال عليه‌السلام : من عرضت عليه نفقة ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١ و ٧.

٢٤٣

(ولا يشترط صيغة خاصة) للبذل من هبة ، وغيرها من الأمور اللازمة (١) ، بل يكفي مجرده (٢) بأي صيغة اتفقت ، سواء وثق بالباذل أم لا ، لإطلاق النص ، ولزوم تعليق الواجب بالجائز (٣) يندفع ، بأن الممتنع منه (٤) إنما هو الواجب المطلق ، لا المشروط (٥) كما لو ذهب المال قبل الإكمال ، أو منع من السير ونحوه (٦) من الأمور الجائزة (٧) المسقطة للوجوب الثابت إجماعا ، واشترط في الدروس التمليك ، أو الوثوق به ، وآخرون (٨) التمليك ، أو وجوب (٩) بذله بنذر وشبهه ، والإطلاق

______________________________________________________

ـ الحج فاستحى فهو ممن ترك الحج مستطيعا إليه السبيل) (١).

وظاهر النصوص تحقق الوجوب بمجرد البذل من غير فرق بين كونه على وجه التمليك أو لا ، ولا بين كونه واجبا بنذر وشبهه أو لا ، ولا بين كون الباذل موقوفا أو لا ، ولا بين بذل عين الزاد والراحلة وبين أثمانها كل ذلك للإطلاق ، ومنه تعرف ضعف ما عن ابن إدريس من اشتراط التمليك ، وتعرف ضعف ما عن العلامة في التذكرة من وجوب البذل بنذر وشبهه ، ومنه تعرف ضعف ما عن الشارح في المسالك من وجوب بذل عين الزاد والراحلة فلو بذل أثمانها لم يجب القبول ، وما عن الشهيد في الدروس من بذل الزاد والراحلة وأما هبتهما فلا يجب القبول.

(١) كالصلح المشترط في عقد لازم.

(٢) أي مجرد البذل.

(٣) وهذا ما استدل به العلامة في التذكرة من أن الحج واجب فلو علق على البذل الجائز فيمكن للباذل الرجوع في ثاني الحال وهذا لا يمكن تعليق وجوب الحج عليه لأن من جملة شرائطه استمرار الاستطاعة فلذا اشترط في البذل أن يكون بنذر وشبهه حتى يستمر البذل ليحقق استمرار الاستطاعة.

(٤) من التعليق.

(٥) كما في مقامنا فوجوب الحج مشروط باستمرار الاستطاعة إلى آخر الحج ، فلو تلف المال أو منع من السير فيسقط الوجوب ويتبين عدم ثبوته من رأس فكذا مع الرجوع عن البذل.

(٦) كالمرض المانع من السير.

(٧) أي ممكنة الوقوع.

(٨) كابن إدريس.

(٩) كالعلامة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٤.

٢٤٤

يدفعه. نعم يشترط بذل عين الزاد والراحلة. فلو بذل له أثمانها لم يجب القبول وقوفا فيما خالف الأصل (١) على موضع اليقين ، ولا يمنع الدين وعدم المستثنيات الوجوب بالبذل (٢) نعم لو بذل له ما يكمل الاستطاعة اشترط زيادة الجميع عن ذلك (٣) ، وكذا لو وهب مالا مطلقا (٤) ، أما لو شرط الحج به فكالمبذول فيجب عليه القبول ، إن كان عين الزاد والراحلة ، خلافا للدروس ، ولا يجب لو كان مالا غيرهما (٥) ، لأن قبول الهبة اكتساب وهو غير واجب له (٦) ، وبذلك يظهر الفرق بين البذل والهبة ، فإنه إباحة يكفي فيها الإيقاع. ولا فرق بين بذل الواجب (٧) ليحج بنفسه ، أو ليصحبه فيه فينفق عليه ، (فلو حج به بعض إخوانه أجزأه عن الفرض) (٨) ، لتحقق شرط الوجوب.

______________________________________________________

(١) وإطلاق النصوص يدفعه أيضا.

(٢) لإطلاق النصوص ، ومعناه أن البذل يوجب الحج عليه وإن كان عليه دين وكان بحاجة إلى ما هو ضروري من مأكل ومشرب وملبس ، وبهذا يفترق البذل عن الاستطاعة ، إذ هي لا تتحقق إلا مع عدم الدين وعدم المستثنيات الضرورية.

(٣) أي عن الدين والمستثنيات الضرورية ، لأن نصوص البذل منصرفة عن هذا الغرض ، فلا بدّ من تحكيم أدلة الاستطاعة فيه ، وقد عرفت عدم تحققها إلا بعد الدين والمستثنيات.

(٤) أي وهب مالا ولم يقيد بصرفه في نفقة الحج ، بخلاف السابق فإنه وهب مالا ليصرفه في الحج ، ففي السابق خالف الشهيد في الدروس وحكم بعدم الوجوب لعدم وجوب قبوله ، وهنا خالف المحقق لذلك لأن قبول الهبة نوع من الاكتساب وهو ليس بواجب بخلاف البذل فإنه من الايقاعات التي لا تحتاج إلى قبول ، وعن كشف اللثام والحدائق وغيرهما الوجوب لإطلاق نصوص البذل.

(٥) أي غير الزاد والراحلة وقد عرفت ضعفه للإطلاق.

(٦) أي للحج.

(٧) أي بذل الزاد والراحلة الواجب قبوله.

(٨) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه ، هل يجزي ذلك عنه من حجة الإسلام أو هي ناقصة؟ ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢.

٢٤٥

(ويشترط) مع ذلك كله (١) (وجود ما يمون به عياله الواجبي النفقة ، إلى حين رجوعه) (٢) والمراد بها هنا ما يعم الكسوة ونحوها ، حيث يحتاجون إليها (٣) ، ويعتبر فيها القصد بحسب حالهم ،

(وفي) وجوب (استنابة الممنوع) من مباشرته بنفسه (بكبر ، أو مرض ، أو عدو قولان (٤) والمروي) صحيحا (عن علي (ع) ذلك) ، حيث

______________________________________________________

ـ قال عليه‌السلام : بل هي حجة تامة) (١) وعن الشيخ في الاستبصار أنه تجب عليه الإعادة لرواية الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه ، أقضى حجة الإسلام؟ قال : نعم ، فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج) (١) وفيه : إنها صريحة في الاجزاء عن حجة الإسلام ، والأمر بإعادة الحج محمول على الاستحباب جمعا بين صدر الجواب وذيله ، وبينها وبين غيرها من الأخبار.

(١) في صورتي الاستطاعة والبذل.

(٢) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر الأعمش عن الإمام الصادق عليه‌السلام (وحج البيت واجب على من استطاع إليه سبيلا ، وهو الزاد والراحلة مع صحة البدن ، وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله ، وما يرجع إليه بعد حجة) (٢).

(٣) كما عن المنتهى والمدارك ، أما ما يستحب فلا لأن الحج فرض فلا يسقط بالنفل ، وعن الأكثر مطلق مئونة العيال ولو كانت كسوة مستحبة للإطلاق ، والأحوط الأول.

(٤) لو منع قبل الاستقرار سقط الفرض بلا خلاف ، ولو ثبت الوجوب في ذمته ثم سوف حتى منع فتجب الاستنابة قولا واحدا ، وإنما الكلام فيما لو حصلت الاستطاعة غير أنه ممنوع من عدو أو مرض ، فقيل : تجب الاستنابة ، كما عن الإسكافي والشيخ وأبي الصلاح وابن البراج والفاضل للأخبار ،

منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أمر شيخا كبيرا لم يحج قط ، ولم يطق الحج لكبره أن يجهّز رجلا يحج عنه) (٣).

وقيل : لا تجب الاستنابة ، كما عن ابن إدريس والعلامة في المختلف وابن سعيد والمفيد لأن الاستطاعة تشمل الاستطاعة البدنية والمتمكن من المسير وهما أو أحدهما غير حاصل ، والأخبار محمولة على الاستحباب بشهادة رواية ابن ميمون القداح عن أبي جعفر عن أبيه عليه‌السلام (أن عليا عليه‌السلام قال : لرجل كبير لم يحج قطّ ، إن شئت أن تجهز رجلا ثم

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٦.

٢٤٦

أمر شيخا لم يحج ، ولم يطقه من كبره أن يجهز رجلا فيحج عنه ، وغيره من الأخبار والقول الآخر عدم الوجوب ، لفقد شرطه الذي هو الاستطاعة ، وهو ممنوع (١) ، وموضع الخلاف ما إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب ، وإلا وجبت قولا واحدا ، وهل يشترط في وجوب الاستنابة اليأس من البرء (٢) أم يجب مطلقا وإن لم يكن مع عدم اليأس فوريا ، ظاهر الدروس الثاني ، وفي الأول قوة. فيجب الفورية (٣) كالأصل حيث يجب ، ثم إن استمر العذر أجزأ.

(ولو زال العذر) ، وأمكنه الحج بنفسه (حج ثانيا) (٤) وإن كان قد يئس منه ، لتحقق الاستطاعة حينئذ ، وما وقع نيابة إنما وجب للنص وإلا لم يجب لوقوعه قبل شرط الوجوب ، (ولا يشترط) في الوجوب بالاستطاعة زيادة على ما تقدم (الرجوع إلى كفاية) (٥) من صناعة ، أو حرفة أو بضاعة ، أو ضيعة ، ...

______________________________________________________

ـ ابعثه يحج عنك) (١) ، والإنصاف أن الأخبار ظاهرة في من ثبت في ذمته الحج ثم عرض له مرض أو خالطه سقم كما في صحيح ابن مسلم (٢) ، أو أنه فرّط في الحج وسوف حتى كبر سنة كما في خبر سلمة أبي حفص (٣) ، وعليه فالاستنابة لمن ثبت في ذمته الوجوب ثم عرض له المانع الذي لا يرجى زواله.

(١) أي وفقد الشرط ممنوع لأن الاستطاعة أعم من المباشرة والاستنابة وهو قادر على الثانية.

(٢) بحيث إذا رجا الزوال فلا تجب الاستنابة كما هو مفاد صحيح ابن سنان المتقدم حيث أمره بالحج لكبره الذي لا يرجى زواله ، وهذا ما عليه الأكثر ، وعن الدروس أنه يجب مطلقا لإطلاق الأخبار ، وقد عرفت انصرافها.

(٣) لأن دليل النيابة تقتضي تنزيل عمل النائب منزلة عمل المنوب عنه ، فإذا وجب على الثاني فورا فيجب على الأول كذلك.

(٤) وعن التذكرة : بلا خلاف فيه بين علمائنا امتثالا للأمر بالحج بالمباشرة كما هو مفاد أدلة وجوبه ، وما أتى به إنما كان امتثالا للأمر بالحج بالاستنابة ، وأحدهما لا يغني عن الآخر إذا ارتفع العذر ، وعن صاحب الجواهر وغيره أن ظاهر الأخبار وجوب الحج بالاستنابة بحيث إذا أتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه ولا دليل على وجوبه مرة أخرى.

(٥) كما عن الشيخين وابني حمزة وسعيد بل نسب إلى أكثر القدماء لخبر أبي الربيع الشامي (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٨ و ٥ و ٣.

٢٤٧

ونحوها (١) (على الأقوى) ، عملا بعموم النص وقيل : يشترط وهو المشهور بين المتقدمين لرواية أبي الربيع الشامي ، وهي لا تدل على مطلوبهم ، وإنما تدل على اعتبار المئونة ذاهبا ، وعائدا ، ومئونة عياله كذلك ، ولا شبهة فيه.

(وكذا) لا يشترط (في المرأة) مصاحبة (المحرم) (٢) وهو هنا (٣) الزوج ، أو

______________________________________________________

ـ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، فقال : ما يقول الناس؟ فقلت له : الزاد والراحلة ، فقال عليه‌السلام : قد سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن هذا فقال : هلك الناس إذا ، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوّت عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا ، فقيل له : في السبيل؟ قال : السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا لقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم) (١) ورواه المفيد في المقنعة وزاد بعد قوله : ويستغني به عن الناس (يجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا) (٢).

وعن ابن إدريس والمحقق والعلامة بل نسب إلى الأكثر : عدم اعتبار الرجوع إلى الكفاية ، إذ غاية ما يدل عليه الخبر أنه لا بد من استطاعة مالية لقوت عياله إلى حين رجوعه وهذا مما لا شبهة فيه ، وإطلاق أدلة وجوب الحج ينفي الرجوع إلى الكفاية.

(١) كعقار متخذ للنماء ، والفرق بين الصناعة والحرفة أن الصناعة هي المسلكة الحاصلة من التمرن على العمل كالخياطة والكتابة ، والحرفة ما يكتسب به مما لا يفتقر إلى ذلك كالاحتطاب والاحتشاش.

(٢) لا خلاف فيه ، بل يكفي غلبة ظنها بالسلامة على نفسها وبضعها بالخروج مع ثقات ، للأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن المرأة تخرج إلى مكة بغير ولي ، فقال : لا بأس ، تخرج مع قوم ثقات) (٣) وصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج؟ قال : نعم إذا كانت مأمونة) (٤) وصحيح صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قد عرفتني بعملي ، تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها ، وحبها إياكم وولايتها لكم ، ليس لها محرم قال : إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها ، فإن المؤمن محرم المؤمنة ، ثم تلا هذه الآية : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ)) (٥).

(٣) أي في كتاب الحج بخلاف المراد منه في كتاب النكاح وهو من يحرم نكاحه ، وأما هنا فالمراد ذلك مع إضافة الزوج.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١ وملحقه.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٣ و ٢ و ١.

٢٤٨

من يحرم نكاحه عليها مؤبدا بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة وإن لم يكن مسلما إن لم يستحل المحارم كالمجوسي (١).

(ويكفي ظن السلامة) ، بل عدم الخوف على البضع ، أو العرض بتركه (٢) ، وإن لم يحصل الظن بها (٣) ، عملا بظاهر النص ، وفاقا للمصنف في الدروس ، ومع الحاجة إليه (٤) يشترط في الوجوب عليها (٥) سفره معها ، ولا يجب عليه إجابتها إليه (٦) تبرعا ، ولا بأجرة ، وله طلبها (٧) فتكون جزءا من استطاعتها ، ولو ادعى الزوج الخوف عليها أو عدم أمانتها وأنكرته عمل يشاهد الحال مع انتفاء البينة (٨) ، ومع فقدهما (٩) يقدم قولها (١٠) ، وفي اليمين نظر ، من أنها (١١) لو اعترفت نفعه ، وقرّب في الدروس عدمه (١٢) ، وله حينئذ منعها باطنا (١٣) لأنه محق عند نفسه ، والحكم مبني على الظاهر.

______________________________________________________

(١) فلا محرمية له.

(٢) أي بترك المحرم.

(٣) بالسلامة.

(٤) أي إلى المحرم.

(٥) أي في وجوب الحج على المرأة.

(٦) أي إلى السفر ، ولا يجب لأن استطاعتها من شرائط الوجوب ولا يجب عليه تحصيلها ، فيجوز له أن يطالب بالأجرة ويجوز له أن لا يستجيب لطلبها ولو بالأجرة.

(٧) أي وللمحرم طلب الأجرة.

(٨) من باب العمل بالظاهر عند فقد البينة.

(٩) أي الظاهر والبينة.

(١٠) لأنها منكرة ، لكن الكلام في توجه اليمين عليها كما هو شأن كل منكر ، ويمكن أن يقال : إنه لا يمين له عليها لعدم الحق له في هذا الحال باعتبار أنها مكلفة وقد رفع الشارع سلطنته عنها مع حصول شرائط الاستطاعة بالنسبة إليها.

(١١) وجه ثبوت اليمين عليها لأنها لو اعترفت بقول الزوج لنفعه هذا الاعتراف ، وهذا شأن كل منكر ، مع أن اليمين على كل منكر كما سيأتي في باب القضاء.

(١٢) قد عرفت وجهه.

(١٣) فيما لو اعتقد الزوج عليها الخوف واقعا وقد حكمنا بتقديم قولها مع عدم يمين فله منعها باطنا بحسب الواقع ولا ينافي ذلك الحكم بتقديم قولها لأنه حكم ظاهري.

٢٤٩

(والمستطيع يجزيه الحج متسكعا) (١) أي متكلفا له بغير زاد ، ولا راحلة لوجود شرط الوجوب وهو الاستطاعة ، بخلاف ما لو تكلفه غير المستطيع (والحج مشيا أفضل) منه ركوبا (٢) ، (إلا مع الضعف عن العبادة ، فالركوب أفضل (٣) ، فقد حج الحسن (ع) ماشيا مرارا ، قيل : إنها خمس وعشرون حجة) (٤) ، وقيل : عشرون (٥) رواه الشيخ في التهذيب ، ولم يذكر في الدروس غيره (٦) ، (والمحامل)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ، لأنه بعد حصول الاستطاعة يثبت الوجوب ، فلو حج متسكعا حينئذ لصدق الامتثال أعني مطابقة المأتي به للمأمور به ، وهذا بخلاف ما لو حج متسكعا ثم استطاع فلا يسقط الفرض لعدم الأمر حين الإتيان.

(٢) للأخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ما عبد الله بشي‌ء أشدّ من المشي ولا أفضل) (١) وصحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فضل المشي ، فقال : إن الحسن بن علي عليه‌السلام قاسم ربه ثلاث مرات ، حتى نفلا ونفلا ، وثوبا وثوبا ، ودينارا ودينارا ، وحج عشرين حجة ماشيا على قدميه) (٢) ، وخبر هشام بن سالم (دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام أنا وعنبسة بن مصعب وبضعة عشر رجلا من أصحابنا فقلنا : جعلنا الله فداك ، أيهما أفضل المشي أو الركوب؟ فقال : ما عبد الله بشي‌ء أفضل من المشي) (٣).

(٣) لأخبار كثيرة ، أكثرها ورد في كون الركوب أفضل ، وقد حملها الأصحاب على هذه الصورة ، ويشهد له خبر سيف التمار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أي شي‌ء أحب إليك ، نمشي أو نركب؟ فقال عليه‌السلام : تركبون أحب إليّ ، فإن ذلك أقوى على الدعاء والعبادة) (٤).

(٤) كما في المناقب لابن شهرآشوب عن ابن عباس (لما أصيب الحسن عليه‌السلام قال معاوية : ما آسى على شي‌ء إلا على أن أحج ماشيا ، ولقد حج الحسن بن علي عليهما‌السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإن النجائب لتقاد معه) (٥).

(٥) كما في صحيح الحلبي المتقدم.

(٦) أي غير القول الأخير من حج الحسن عليه‌السلام عشرين حجة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٥.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٤.

٢٥٠

(تساق بين يديه) (١) وهو أعلم بسنة جده عليه الصلاة والسّلام من غيره ، ولأنه أكثر مشقة ، وأفضل الأعمال أحمرها (٢) وقيل : الركوب أفضل مطلقا (٣) ، تأسيا بالنبي (ص) فقد حج راكبا ، قلنا فقد طاف راكبا (٤) ، ولا يقولون بأفضليته كذلك فبقي أن فعله (ص) وقع لبيان الجواز ، لا الأفضلية. والأقوى التفصيل الجامع بين الأدلة بالضعف عن العبادة ، من الدعاء ، والقراءة ، ووصفها من الخشوع ، وعدمه (٥) وألحق بعضهم بالضعف كون الحامل له على المشي توفير المال (٦) ، لأن

______________________________________________________

(١) كما في خبر عبد الله بن بكير (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا نريد الخروج إلى مكة فقال : لا تمشوا واركبوا ، فقلت : أصلحك الله بلغنا أن الحسن بن علي عليهم‌السلام حج عشرين حجة ماشيا ، فقال : إن الحسن بن علي عليهما‌السلام كان يمشي وتساق معه محامله ورحاله) (١).

ومثله خبر الفضل بن يحيى عن سليمان (٢).

(٢) وهو حديث نبوي مرسل أخرجه الطريحي في مجمع البحرين (٣).

(٣) حتى لو استلزم الضعف عن العبادة للأخبار منها : صحيح رفاعة وابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن الحج ماشيا أفضل أو راكبا؟ فقال : بل راكبا ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حج راكبا) (٤).

(٤) كما في خبر عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (طاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ناقته العضباء ، وجعل يستلم الأركان بمحجته ويقبّل المحجن) (٥) ومثله خبر محمد بن مسلم (٦).

(٥) فمع عدم هذه الأمور فالمشي أفضل وإلا فالركوب كما يشهد بذلك خبر سيف الثمار المتقدم.

(٦) ذهب إليه ابن ميثم البحراني في شرح النهج ، ويدل عليه خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المشي أفضل أو الركوب؟ فقال : إن كان الرجل موسرا يمشي ليكون أقل لنفقته فالركوب أفضل) (٧).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٦ و ٧.

(٣) ج ٤ ص ١٦ كتاب الزاي ، باب ما أوله الحاء.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٤.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب الطواف حديث ١ و ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١٠.

٢٥١

دفع رذيلة الشح عن النفس من أفضل الطاعات ، وهو حسن ، ولا فرق بين حجة الإسلام وغيرها (١).

(ومن مات بعد الإحرام ، ودخول الحرم أجزأ) (٢) ، عن الحج ، سواء مات في الحل (٣) ، أم الحرم ، محرما ، أم محلا كما لو مات بين الإحرامين في إحرام الحج ، أم العمرة (٤) ، ولا يكفي مجرد الإحرام على الأقوى وحيث أجزأ لا يجب الاستنابة في إكماله (٥) ، وقبله (٦) ، تجب (٧) من الميقات إن كان مستقرا ، وإلا

______________________________________________________

(١) لإطلاق الأخبار المتقدمة.

(٢) أي برئت ذمته من الحج بلا خلاف ، للأخبار ، منها : صحيح بريد (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل خرج حاجا ، ومعه جمل وله نفقة وزاد ، فمات في الطريق قال : إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل حمله وزاده ونفقته في حجة الإسلام ، وإن فضل من ذلك شي‌ء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين) (١) ، وصحيح ضريس عن أبي جعفر عليه‌السلام (في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق ، فقال : إن مات في الحرم فقد اجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام) (٢).

وعن الشيخ وابن إدريس الاجتزاء بالإحرام وإن لم يدخل الحرم ، ولا دليل لهما سوى ما قيل من أنه مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيح بريد (وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم) ، وفيه إنه معارض بصحيح ضريس (وإن كان مات دون الحرم فليقضي عنه وليه حجة الإسلام) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة ، قال : يحج عنه إن كانت حجة الإسلام ويعتمر ، إنما هو شي‌ء عليه) (٣).

(٣) بأن دخل مكة ثم خرج منها.

(٤) كل ذلك لإطلاق الأخبار المتقدمة.

(٥) لعدم إمكان الجمع بين البدل والمبدل منه ، وحيث إحرامه مع الدخول أجزأ عن المبدل منه فلا يأتي البدل وهو النيابة.

(٦) أي قبل الإحرام على قول الشيخ وابن إدريس ، وقبل دخول الحرم بعد الإحرام على قول المشهور.

(٧) أي الاستنابة لصريح النصوص المتقدمة ، وهو ظاهر القواعد والأصول إذا ثبت وجوب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢ و ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٣.

٢٥٢

سقط ، سواء تلبس ، أم لا ، (ولو مات قبل ذلك وكان) الحج (قد استقر في ذمته) بأن اجتمعت له شرائط الوجوب ومضى عليه بعده مدة يمكنه فيها استيفاء جميع أفعال الحج فلم يفعل (قضي عنه) الحج (من بلده (١) في ظاهر الرواية).

______________________________________________________

ـ الحج في ذمته سابقا ، وأما إذا لم يثبت فيستكشف من موته عدم استطاعته في ذلك العام ، لأن من جملة الاستطاعة بقاؤه إلى آخر الحج ، والأخبار حينئذ تحمل على ما لو استقر الوجوب أو على الندب.

(١) ذهب الأكثر بل المشهور إلى أنه يقضى عنه من أقرب الأماكن إلى مكة وإلا فمن غيره مراعيا الأقرب فالأقرب ، وذهب الشيخ وابن إدريس ويحيى بن سعيد وغيرهم إلى أنه يستأجر من بلد الميت ، وعن الدروس ، وهو المنسوب إلى ابن إدريس والشيخ في النهاية أنه مع سعة المال لا يجزي إلا من بلده ، وإلا فمن حيث أمكن.

ودليل الأول : أن الواجب قضاء الحج ، وهو عبارة عن المناسك المخصوصة وليس قطع المسافة جزءا منه ، وقد وجب لتوقف الواجب عليه فإذا انتفى التوقف انتفى الوجوب ، ولذا لو سار المستطيع من بلده إلى أحد المواقيت لا بنية الحج ثم أراد الحج وأحرم صح ، وكذا المسافر إذا اتفق قربه من الميقات وحصلت له الاستطاعة فلا يجب عليه قصد بلده وإنشاء الحج منه ، وللأخبار منها : صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة ، قال : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه) (١) ، فلو كان الطريق معتبرا لم ينف البأس ، وخبر زكريا بن آدم (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل مات وأوصى بحجة ، أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال : ما كان دون الميقات فلا بأس) (٢).

ودليل الثاني أخبار وهي : خبر محمد بن عبد الله (سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال : على قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله وإن لم يسعه من منزله فمن الكوفة ، فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة) (٣) ، وخبر أبي سعيد عمن سأل أبا عبد الله عليه‌السلام (عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجة ، قال : يحج بها عنه رجل من موضع بلغه) (٤) ، وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٥.

٢٥٣

الأولى أن يراد بها الجنس ، لأن ذلك ظاهر أربع روايات في الكافي (١) أظهرها دلالة رواية أحمد بن أبي نصر عن محمد بن عبد الله قال : سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال (ع) : على قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله ، وإن لم يسعه ماله من منزله فمن الكوفة ، فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة وإنما جعله ظاهر الرواية لإمكان أن يراد بماله ما عينه أجرة للحج بالوصية ، فإنه يتعين الوفاء به مع خروج ما زاد عن أجرته من الميقات ، من الثلث (٢) إجماعا ، وإنما الخلاف فيما لو أطلق الوصية ، أو علم أن عليه حجة الإسلام ولو يوص بها.

______________________________________________________

ـ (في رجل أوصى بحجة فلم تكفه من الكوفة ، تجزي حجته من دون الوقت) (١) ، وصحيح علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام ولم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما ، قال : يحج عنه من بعض المواقيت التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قرب) (٢) ، وخبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن رجل أوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده ، قال : فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه) (٣) ، ومثله غيره ، وهذه الأخبار صريحة أو ظاهرة في الوصية بالحج بمال معين ، أو من بلد الميت ، وعليه فلم يرد خبر واحد أوجب الحج من بلد الميت من دون وصية منه ، ولذا عند ما ادعى ابن إدريس تواتر الأخبار على وجوب الحج من البلد ردّ عليه المحقق في المعتبر فقال (ودعوى المتأخرين تواتر الأخبار غلط ، فإنا لم نقف في ذلك على خبر شاذ ، فكيف يدعى التواتر) ومثله قال العلامة في المختلف ، نعم استدل لهذا القول الثاني بأن وجوب الحج قد ثبت في ذمة الميت باستطاعته له بزاد وراحلة وغيرهما مما يتوقف عليه ، فيجب القضاء عنه ميتا على الوجه الذي ثبت في ذمته ، وفيه : إن الثابت في ذمته هو وجوب الحج ، والمقدمة وجبت لأنها طريق فلا مدخلية لها في وجوب الحج ولذا لو صح عن طريق محرم لأجزأ.

(١) وهي خبر محمد بن عبد الله ، وخبر زكريا بن آدم ، وخبر أبي سعيد ، وخبر عمر بن يزيد ، وقد تقدم نقلها سابقا ، هذا بحسب الموجود في الكافي (٤) وإلا فقد عرفت أنها أكثر من أربع.

(٢) أي ما زاد عن الحج الميقاتي يخرج من الثلث.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج حديث ٦ و ١ و ٢.

(٤) الفروع ج ١ ص ٢٥٠ ـ ٢٥١.

٢٥٤

والأقوى القضاء عنه من الميقات خاصة ، لأصالة البراءة من الزائد ، ولأن الواجب الحج عنه ، والطريق لا دخل لها في حقيقته ، ووجوب سلوكها (١) من باب المقدمة ، وتوقفه على مئونة فيجب قضاؤها عنه ، يندفع بأن مقدمة الواجب إذا لم تكن مقصودة بالذات لا تجب وهو هنا كذلك ، ومن ثم لو سافر إلى الحج لا بنيته ، أو بنية غيره ، ثم بدا له بعد الوصول إلى الميقات الحج أجزأ وكذا لو سافر ذاهلا ، أو مجنونا ثم كمل قبل الإحرام ، أو آجر نفسه في الطريق لغيره (٢) ، أو حج متسكعا بدون الغرامة ، أو في نفقة غيره ، أو غير ذلك من الصوارف عن جعل الطريق مقدمة للواجب ، وكثير من الأخبار ورد مطلقا (٣) في وجوب الحج عنه ، وهو لا يقتضي زيادة على أفعاله المخصوصة.

والأولى حمل هذه الأخبار على ما لو عين قدرا ، ويمكن حمل غير هذا الخبر منها على أمر آخر (٤) ، مع ضعف سندها (٥) ، واشتراك محمد بن عبد الله في سند هذا الخبر بين الثقة ، والضعيف ، والمجهول ومن أعجب العجب هنا أن ابن إدريس ادعى تواتر الأخبار بوجوبه من عين البلد ، ورده المختلف بأنّا لم نقف على خبر واحد فضلا عن التواتر ، وهنا جعله ظاهر الرواية ، والموجود منها أربع فتأمل ، ولو صح هذا الخبر لكان حمله على إطلاقه أولى ، لأن ماله المضاف إليه

______________________________________________________

(١) دليل القول الثاني.

(٢) لغير الحج.

(٣) من غير تقييد بالبلد منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أمر شيخا كبيرا لم يحج قط ولم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه) (١) ، وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ويترك مالا ، قال : عليه أن يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له) (٢).

(٤) وهو الوصية بالحج من البلد كما هو المتعارف من الوصايا.

(٥) أي سند الروايات الواردة في الكافي ، وإلا فقد عرفت أن خبر علي بن رئاب صحيح السند وقد أورده الشيخ في التهذيب.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

٢٥٥

يشمل جميع ما يملكه ، وإنما حملناه (١) ، لمعارضته للأدلة الدالة (٢) على خلافة ، مع عدم صحة سنده ، ونسبة الحكم هنا إلى ظاهر الرواية فيه نوع ترجيح مع توقف ، ولكنه قطع به في الدروس.

وعلى القول به (٣) (فلو ضاقت التركة) ، عن الأجرة من بلده (فمن حيث بلغت) (٤) إن أمكن الاستئجار من الطريق ، (ولو من الميقات) إن لم تحتمل سواه ، وكذا لو لم يمكن بعد فوات البلد (٥) ، أو ما يسع منه (٦) إلا من الميقات ، ولو عين كونها من البلد (٧) فأولى بالتعيين من تعيين مال يسعه منه (٨) ، ومثله ما لو دلت القرائن على إرادته (٩) ، ويعتبر الزائد من الثلث (١٠) مع عدم إجازة الوارث إن لم نوجبه من البلد ابتداء ، وإلا فمن الأصل وحيث يتعذر من الميقات يجب من الأزيد ولو من البلد حيث يتعذر من أقرب منه (١١) من باب مقدمة الواجب حينئذ (١٢) ، لا الواجب في الأصل.

(ولو حج) مسلما ، (ثم ارتد ، ثم عاد) إلى الإسلام (لم يعد) حجه السابق

______________________________________________________

(١) على خصوص المال الذي عينه أجرة للحج بالوصية.

(٢) وهي الأخبار الدالة على استنابة الحج عنه مطلقا وقد تقدمت.

(٣) أي بالحج من البلد.

(٤) لقاعدة ما لا يدرك كله لا يترك جلّه.

(٥) لموانع أخرى مثل عدم وجود النائب الحائز على شرائط النيابة.

(٦) من المال الذي تركه.

(٧) فيتعين الحج منه ، وإن لم يذكر مال يسعه ، لأنها وصية فيجب العمل بها.

(٨) من البلد ، والمعنى : لو ذكر مالا يسع الحج من البلد فيفهم أنه من البلد باللازم فلذا كان الحج من البلد أولى فيما لو أوصى وعين البلد بالصراحة.

(٩) أي إرادة البلد ، فيما لو أوصى مطلقا وكانت الوصية تحمل على الحجة البلدية بحسب المتعارف.

(١٠) فإن أجاز الورثة فمن الأصل ، وإلا فما يزيد عن حج الميقات فمن الثلث هذا على قول المشهور ، وأما على القول الثاني فالحج البلدي من أصل التركة ابتداء.

(١١) من البلد بالنسبة للميقات.

(١٢) ويخرج من أصل التركة حتى على قول المشهور.

٢٥٦

(على الأقرب) (١) ، للأصل ، والآية (٢) ، والخبر ، وقيل : يعيد لآية الإحباط ، أو لأن المسلم لا يكفر ، ويندفع باشتراطه بالموافاة عليه (٣) كما اشترط في ثواب الإيمان ذلك (٤) ، ومنع عدم كفره ، للآية المثبتة للكفر بعد الإيمان ، وعكسه. وكما لا يبطل مجموع الحج كذا بعضه (٥) مما لا يعتبر استدامته حكما كالإحرام فيبنى عليه لو ارتد بعده ،

(ولو حج مخالفا ، ثم استبصر لم يعد (٦) إلا أن يخل)

______________________________________________________

(١) لتحقق الامتثال فوجوب الإعادة بحاجة إلى دليل وهو مفقود ، وهو المعبر عنه بجريان الأصل بعدم الوجوب ثانيا ، ولخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (من كان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب ، يحسب له كل عمل صالح عمله ولا يبطل منه شي‌ء) (١).

وخالف الشيخ في المبسوط فحكم بالإعادة لآية الإحباط ، وهي قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) (٢) ، وبأن ارتداده دالّ على أن إسلامه لم يكن إسلاما فلا يصح حجه ، لأن الله لا يضل قوما بعد إذ هداهم ، وفيه : أما آية الإحباط فهي دالة على الإحباط إذا مات على الكفر جمعا بينها وبين قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ) (٣) ، وأما أن المسلم لا يرتد فيدفعه صريحا قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا) (٤) حيث أثبت الكفر بعد الإيمان.

(٢) إما المراد بها آية الحج حيث دلت على أنه مرة في العمر وقد أتى بها ، وإما المراد بها آيات عدم الإحباط مثل قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٥).

(٣) أي باشتراط الإحباط بالوفاة على الكفر.

(٤) أي بالوفاة على الإيمان.

(٥) مما يعتبر فيه النية ابتداء كالإحرام ، أما لو كان مشروطا بالنية ابتداء واستدامة كالطواف فيبطل لبطلان النية.

(٦) على المشهور ، لصحيح بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله عليه بمعرفته والدينونة به ، عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ قال : قد قضى فريضته ولو حجّ لكان أحبّ إلي ، قال : وسألته عن رجل حج ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١.

(٢) سورة المائدة الآية : ٥.

(٣) سورة البقرة الآية : ٢١٧.

(٤) سورة النساء الآية : ١٣٧.

(٥) سورة الزلزلة الآية : ٧.

٢٥٧

بركن) عندنا (١) ، لا عنده على ما قيده المصنف في الدروس ، مع أنه عكس في الصلاة فجعل الاعتبار بفعلها صحيحة عنده ، لا عندنا ، والنصوص خالية من القيد (٢) ، ولا فرق بين من حكم بكفره من فرق المخالفين ، وغيره في ظاهر النص.

ومن الإخلال بالركن حجه قرانا بمعناه عنده (٣) ، لا المخالفة في نوع الواجب (٤) المعتبر عندنا ، وهل الحكم بعدم الإعادة لصحة العبادة في نفسها بناء على عدم اشتراط الإيمان فيها ، أم إسقاطا للواجب في الذمة كإسلام الكافر

______________________________________________________

ـ وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ، ثم منّ الله عليه فعرف هذا الأمر ، يقضي حجة الإسلام؟ فقال : يقضي أحب إليّ ، وقال : كل عمل عمله ، وهو في حال نصبه وضلالته ، ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنه يؤجر عليه ، إلا الزكاة ، فإنه يعيدها ، لأنه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل الولاية ، وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء) (١) ، ومثله غيره ، وعن ابن الجنيد وابن البراج وجوب الإعادة لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة ، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج ، وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج) (٢) ومثله غيره ، وهو محمول على الاستحباب جمعا ، ثم لا فرق في المخالف بين من حكم بكفره وغيره للإطلاق بل وصريح صحيح بريد المتقدم ، وخالف العلامة في المختلف فخصه بغير الكافر ، وقال في المدارك : (وهو ضعيف).

(١) كما نص على ذلك المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الدروس ، مع أنهم صرحوا في قضاء الصلاء بأن المخالف يسقط عنه قضاء ما صلاه صحيحا عنده وإن كان فاسدا عندنا ، ولذا قال سيد المدارك (وفي الجمع بين

الحكمين إشكال ولو فسّر الركن بما كان ركنا عندهم كان أقرب إلى الصواب ، لأن مقتضى النصوص أن من حج من أهل الخلاف لا يجب عليه الإعادة).

(٢) ولكن لا بد من التقييد لأن النصوص قد حكمت بصحة فعله من ناحية فساد العقيدة فقط.

(٣) والقران عن المخالف أن يتلبس بالحج والعمرة بزمان واحد ، وهو باطل عندنا.

(٤) كمن فرضه التمتع فيحج أفرادا فإنه صحيح عندنا في الجملة كما سيأتي.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١ و ٥.

٢٥٨

قولان (١) ، وفي النصوص ما يدل على الثاني.

(نعم يستحب الإعادة ، للنص) ، وقيل : يجب ، بناء على اشتراط الإيمان المقتضي لفساد المشروط بدونه ، وبأخبار حملها على الاستحباب طريق الجمع.

(القول في حج الأسباب (٢)

بالنذر وشبهه والنيابة ، (لو نذر الحج وأطلق (٣) كفت المرة) مخيرا في النوع والوصف ، إلا أن يعين أحدهما ، فيتعين الأول مطلقا (٤) ، والثاني إن كان مشروعا

______________________________________________________

(١) ذهب العلامة في المختلف إلى أن سقوط الإعادة لتحقق الامتثال بالفعل المتقدم ، إذ المفروض عدم الإخلال بالركن والإيمان ليس شرطا في صحة العبادة.

وذهب سيد المدارك وصاحب الحدائق وجماعة إلى أنه من باب التفضل من الله كما تفضل على الكافر الأصلي بعد الإسلام بسقوط قضاء الفائت ، لأن المخالف عبادته باطلة وإن فرض استجماعها لشرائط الصحة عندنا ، واستدل على ذلك بالأخبار ، منها : صحيح أبي حمزة (قال لنا علي بن الحسين صلوات الله عليهما : أي البقاع أفضل؟ قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أن رجلا عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ، ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينتفع بذلك شيئا) (١) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (ـ إلى أن قال ـ واعلم يا محمد أن أئمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين الله عزوجل ، قد ضلوا وأضلوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، لا يقدرون مما كسبوا على شي‌ء ، ذلك هو الضلال البعيد) (٢) وفيه : إن هذه الأخبار ليست ناظرة إلى عدم الصحة بل عدم الثواب ، والذي ينفع في المقام هو الأول.

(٢) أي الأسباب العارضة.

(٣) بحيث لم يقيده بتمتع أو قران أو أفراد التي هي أنواع الحج ، ولم يقيده بوصف خاص ولا بعدد خاص فيكفي في سقوطه امتثاله مرة واحدة كما هو واضح.

(٤) تمتعا أو أفرادا أو قرانا ، فينعقد النذر لمشروعية الأقسام الثلاثة ، بخلاف الوصف فإنه ينعقد إذا كان الوصف مشروعا كالركوب والمشي ، وأما الحفاء والمشي على اليدين ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١.

٢٥٩

كالمشي والركوب ، لا الحفاء ونحوه ، (ولا يجزئ) المنذور (عن حجة الإسلام) (١) سواء وقع حال وجوبها (٢) ، أم لا ، وسواء نوى به (٣) حجة الإسلام أم النذر أم هما ، لاختلاف السبب المقتضي لتعدد المسبب.

(وقيل) والقائل الشيخ ومن تبعه : (إن نوى حجة النذر أجزأت) عن النذر وحجة الإسلام على تقدير وجوبها حينئذ ، (وإلا فلا) ، استنادا إلى رواية حملت على

______________________________________________________

ـ والقدمين فإنه مرجوح ، لا ينعقد به النذر لصحيح الحذاء عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا ، فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج حاجا فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل فقال : من هذه؟ فقالوا : اخت عقبة بن عامر ، نذرت أن تمشي إلى مكة حافية ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عقبة ، انطلق إلى اختك فمرها فلتركب ، فإن الله غني عن مشيها وحفاها) (١) بناء على أن الحفاء لا ينعقد به النذر.

(١) إذا نذر المكلف الحج ، فإما أن ينوي حجة الإسلام ، وإما غيرها ، وإما أن يطلق بأن لا ينوي شيئا منهما فالصور ثلاث ، فلو أطلق في نذره وهي الصورة الثالثة فقد اختلف الأصحاب في هذه المسألة فذهب الأكثر إلى تعدد الحج عليه من حج المنذور وحجة الإسلام إذا كان مستطيعا لأن تعدد السبب يوجب تعدد المسبب ، وذهب الشيخ في النهاية إلى أنه إذا نوى حج النذر أجزأ عن حج الإسلام ، وإن نوى حجة الإسلام لم يجزئه عن المنذور ، أما الشق الأول فيدل عليه صحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى ، هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال : نعم) (٢) ومثله صحيح ابن مسلم (٣) ، بناء على أن العام هو عام الاستطاعة فتنصرف نية الحج المنذور إلى حج الإسلام ، بخلاف حج النذر فلا دليل على انصراف نية غيره إليه ولذا لو نوى حج الإسلام لم يجزئه عن المنذور كما هو الشق الثاني.

ولقاعدة عدم التداخل حمل المشهور هذه الأخبار على ما لو نذر حج الإسلام ، لا أنه كان مطلقا بالنذر كما هو مفروض مسألتنا ، أو تحمل الأخبار على أن النذر لنفس المشي كما هو مفاد الخبرين السابقين ، وأما بقية صور التقسيم السابق فسيأتي الكلام فيها.

(٢) أي سواء وقع المنذور حال وجوب حجة الإسلام أو لا.

(٣) أي بالمنذور فيما لو نذره في عام معين.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٣ و ١.

٢٦٠