البحر المحيط في التّفسير - ج ١٠

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ١٠

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٤

طالب خير؟ وقال محمد بن كعب : فهل من مزدجر عن المعاصي؟ وقيل : للذكر : للحفظ ، أي سهلناه للحفظ ، لما اشتمل عليه من حسن النظم وسلامة اللفظ ، وعروه عن الحشو وشرف المعاني وصحتها ، فله تعلق بالقلوب. (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) : أي من طالب لحفظه ليعان عليه ، وتكون زواجره وعلومه حاضرة في النفس. وقال ابن جبير : لم يستظهر شيء من الكتب الإلهية غير القرآن. وقيل : يسرنا : هيأنا (الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) ، كقولهم : يسر ناقته للسفر إذا رحلها ، ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه ، قال الشاعر :

وقمت إليه باللجام ميسرا

هنالك يجزيني الذي كنت أصنع

قوله عزوجل : (كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ، تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ، كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ، فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ، أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ، سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ، إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ ، فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ ، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).

تقدمت قصة عاد مطولة ومتوسطة ، وهنا ذكرها تعالى موجزة ، كما ذكر قصة نوح عليه‌السلام موجزة. ولما لم يكن لقوم نوح علم ، ذكر قوم مضافا إلى نوح. ولما كانت عاد علما لقوم هود ، ذكر العلم ، لأنه أبلغ في الذكر من التعريف بالإضافة. وتكرر التهويل بالاستفهام قبل ذكر ما حل بهم وبعده ، لغرابة ما عذبوا به من الريح ، وانفرادهم بهذا النوع من العذاب ، ولأن الاختصار داعية الاعتبار والتدبر والصرصر الباردة ، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة. وقيل ، المصوتة والجمهور : على إضافة يوم إلى نحس ، وسكون الحاء. وقرأ الحسن : بتنوين يوم وكسر الحاء ، جعله صفة لليوم ، كقوله تعالى : (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) (١). (مُسْتَمِرٍّ) ، قال قتادة : استمر بهم حتى بلغهم جهنم. وعن الحسن والضحاك : كان مرا عليهم. وروي أنه كان يوم الأربعاء ، والذي يظهر أنه ليس يوما معينا ، بل أريد به الزمان والوقت ، كأنه قيل : في وقت نحس. ويدل على ذلك أنه قال في سورة

__________________

(١) سورة فصلت : ٤١ / ١٦.

٤١

فصلت : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) (١). وقال في الحاقة : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) (٢) ، إلا أن يكون ابتداء الريح في يوم الأربعاء ، فعبر بوقت الابتداء ، وهو يوم الأربعاء ، فيمكن الجمع بينها.

(تَنْزِعُ النَّاسَ) : يجوز أن يكون صفة للريح ، وأن يكون حالا منها ، لأنها وصفت فقربت من المعرفة. ويحتمل أن يكون تنزع مستأنفا ، وجاء الظاهر مكان المضمر ليشمل ذكورهم وإناثهم ، إذ لو عاد بضمير المذكورين ، لتوهم أنه خاص بهم ، أي تقلعهم من أماكنهم. قال مجاهد : يلقى الرجل على رأسه ، فتفتت رأسه وعنقه وما يلي ذلك من بدنه. وقيل : كانوا يصطفون آخذي بعضهم بأيدي بعض ، ويدخلون في الشعاب ، ويحفرون الحفر فيندسون فيها ، فتنزعهم وتدق رقابهم. والجملة التشبيهية حال من الناس ، وهي حال مقدرة. وقال الطبري : في الكلام حذف تقديره : فتتركهم. (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ) : فالكاف في موضع نصب بالمحذوف شبههم ، بأعجاز النخل المنقعر ، إذ تساقطوا على الأرض أمواتا وهم جثث عظام طوال. والأعجاز : الأصول بلا فروع قد انقلعت من مغارسها. وقيل : كانت الريح تقطع رؤوسهم ، فتبقى أجسادا بلا رؤوس ، فأشبهت أعجاز النخل التي انقلعت من مغرسها. وقرأ أبو نهيك : أعجز على وزن أفعل ، نحو ضبع وأضبع. والنخل اسم جنس يذكر ويؤنث ، وإنما ذكر هنا لمناسبة الفواصل ، وأنث في قوله : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٣) في الحاقة لمناسبة الفواصل أيضا. وقرأ أبو السمال ، فيما ذكر الهذلي في كتابه الكامل ، وأبو عمر والداني : برفعهما. فأبشر : مبتدأ ، وواحد صفته ، والخبر نتبعه. ونقل ابن خالويه ، وصاحب اللوامح ، وابن عطية رفع أبشر ونصب واحدا عن أبي السمال. قال صاحب اللوامح : فأما رفع أبشر فبإضمار الخبر بتقدير : أبشر منا يبعث إلينا ، أو يرسل ، أو نحوهما؟ وأما انتصاب واحدا فعلى الحال ، إما مما قبله بتقدير : أبشر كائن منا في الحال توحده ، وإما مما بعده بمعنى : نتبعه في توحده ، أو في انفراده. وقال ابن عطية : ورفعه إما على إضمار فعل مبني للمفعول ، التقدير : أينبأ بشر؟ وإما على الابتداء ، والخبر في قوله : (نَتَّبِعُهُ) ، وواحدا على هذه القراءة حال إما من الضمير في نتبعه ، وإما من المقدر مع منا ، كأنه يقول : أبشر كائن منا واحدا؟ وفي هذا نظر. وقولهم ذلك حسد منهم واستبعاد أن يكون نوع البشر يفضل بعضه بعضا هذا الفضل ، فقالوا :

__________________

(١) سورة فصلت : ٤١ / ١٦.

(٢) سورة الحاقة : ٦٩ / ٧.

(٣) سورة الحاقة : ٦٩ / ٧.

٤٢

نكون جمعا ونتبع واحدا ، ولم يعلموا أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، ويفيض نور الهدى على من رضيه. انتهى.

وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف أنكروا أن يتبعوا بشرا منهم واحدا؟ قلت : قالوا : أبشرا إنكارا؟ لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية ، وطلبوا أن يكونوا من جنس أعلى من جنس البشر ، وهم الملائكة ، وقالوا منا ، لأنه إذا كان منهم ، كانت المماثلة أقوى ، وقالوا واحدا إنكارا ، لأن تتبع الأمة رجلا واحدا ، وأرادوا واحدا من أبنائهم ليس بأشرفهم ولا أفضلهم ، ويدل عليه. (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) : أي أأنزل عليه الوحي من بيننا؟ وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوة. انتهى ، وهو حسن ، على أن فيه تحميل اللفظ ما لا يحتمله. (إِنَّا إِذاً) : أي إن اتبعناه ، فنحن في ضلال : أي بعد عن الصواب وحيرة. وقال الضحاك : في تيه. وقال وهب : بعد عن الحق ، (وَسُعُرٍ) : أي عذاب ، قاله ابن عباس. وعنه وجنون يقال : ناقة مسعورة إذا كانت تفرط في سيرها كأنها مجنونة ، وقال الشاعر :

كأن بها سعرا إذا العيس هزها

زميل وإزجاء من السير متعب

وقال قتادة : وسعر : عناء. وقال ابن بحر : وسعر جمع سعير ، وهو وقود النار ، أي في خطر كمن هو في النار. انتهى. وروي أنه كان يقول لهم : إن لم تتبعوني ، كنتم في ضلال عن الحق وسعر : أي نيران ، فعكسوا عليه فقالوا : إن اتبعناك كنا إذا كما تقول. ثم زادوا في الإنكار والاستبعاد فقالوا : (أَأُلْقِيَ) : أي أأنزل؟ قيل : وكأنه يتضمن العجلة في الفعل ، والعرب تستعمل هذا الفعل ، ومنه : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) (١) ، (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (٢). والذكر هنا : الوحي والرسالة وما جاءهم من الحكمة والموعظة. ثم قالوا : ليس الأمر كما تزعم بل هو القرآن. (أَشِرٌ) : أي بطر ، يريد العلوّ علينا ، وأن يقتادنا ويتملك طاعتنا. وقرأ قتادة وأبو قلابة : بل هو الكذاب الأشر ، بلام التعريف فيهما وبفتح الشين وشد الراء ، وكذا الأشر الحرف الثاني. وقرأ الحرف الثاني مجاهد ، فيما ذكر صاحب اللوامح وأبو قيس الأودي الأشر بثلاث ضمات وتخفيف الراء. ويقال : أشر وأشر ، كحذر وحذر ، فضمة الشين لغة وضم الهمزة تبع لضمة الشين. وحكى الكسائي عن مجاهد : ضم الشين. وقرأ أبو حيوة : هذا الحرف الآخر الأشر أفعل تفضيل ، وإتمام خير ، وشر في أفعل التفضيل قليل. وحكى ابن الأنباري أن العرب تقول : هو أخير وهو أشر. قال الراجز.

__________________

(١) سورة طه : ٢٠ / ٣٩.

(٢) سورة المزمل : ٧٣ / ٥.

٤٣

بلال خير الناس وابن الأخير

وقال أبو حاتم : لا تكاد العرب تتكلم بالأخير والأشر إلا في ضرورة الشعر ، وأنشد قول رؤبة بلال البيت. وقرأ علي والجمهور : سيعلمون بياء الغيبة ، وهو من إعلام الله تعالى لصالح عليه‌السلام ؛ وابن عامر وحمزة وطلحة وابن وثاب والأعمش : بتاء الخطاب : أي قل لهم يا صالح وعدا يراد به الزمان المستقبل ، لا اليوم الذي يلي يوم خطابهم ، فاحتمل أن يكون يوم العذاب الحال بهم في الدنيا ، وأن يكون يوم القيامة ، وقال الطرماح :

ألا عللاني قبل نوح النوائح

وقبل اضطراب النفس بين الجوانح

وقبل غد يا لهف نفسي في غد

إذا راح أصحابي ولست برائح

أراد وقت الموت ، ولم يرد غدا بعينه. وفي قوله : (سَيَعْلَمُونَ غَداً) تهديد ووعيد ببيان انكشاف الأمر ، والمعنى : أنهم هم الكذابون الأشرون. وأورد ذلك مورد الإبهام والاحتمال ، وإن كانوا هم المعنيين بقوله تعالى ، حكاية عن قول نوح عليه الصلاة والسلام : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) (١) ، والمعنى به قومه ، وكذا قول شعيب عليه‌السلام : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) (٢) ؛ وقول الشاعر :

فلئن لقيتك خاليين لتعلمن

أني وأيك فارس الأحزاب

وإنما عنى أنه فارس الأحزاب ، لا الذي خاطبه. (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) : أي ابتلاء واختبارا ، وآنس بذلك صالحا. ولما هددهم بقوله : (سَيَعْلَمُونَ غَداً) ، وكانوا قد ادعوا أنه كاذب ، قالوا : ما الدليل على صدقك؟ قال الله تعالى : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) : أي مخرجوها من الهضبة التي سألوها. (فَارْتَقِبْهُمْ) : أي فانتظرهم وتبصر ما هم فاعلون ، (وَاصْطَبِرْ) على أذاهم ولا تعجل حتى يأتي أمر الله. (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ) : أي ماء البئر الذي لهم ، (قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) : أي بين ثمود وبين الناقة غلب ثمود ، فالضمير في بينهم لهم وللناقة. أي لهم شرب يوم ، وللناقة شرب يوم. وقرأ الجمهور : قسمة بكسر القاف ؛ ومعاذ ابن أبي عمرو : بفتحها. (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) أي محضور لهم وللناقة. وتقدمت قصة الناقة مستوفاة ، فأغنى عن إعادتها ، وهنا محذوف ، أي فكانوا على هذه الوتيرة من قسمة الماء ، فملوا ذلك وعزموا على عقر الناقة. (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) ، وهو قدار بن سالف ، (فَتَعاطى) : هو مطاوع عاطى ، وكأن هذه الفعلة تدافعها الناس وعاطاها بعضهم بعضا ،

__________________

(١) سورة هود : ١١ / ٣٩.

(٢) سورة هود : ١١ / ٩٣.

٤٤

فتعاطاها قدار وتناول العقر بيده. ولما كانوا راضين ، نسب ذلك إليهم في قوله : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) (١) ، وفي قوله : (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها) (٢). والصيحة التي أرسلت عليهم.

يروى أن جبريل عليه‌السلام صاح في طرف منازلهم ، فتفتتوا وهمدوا وصاروا (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) وهو ما تفتت وتهضم من الشجر. والمحتظر : الذي يعمل الحظيرة ، فإنه تتفتت منه حالة العمل وتتساقط أجزاء مما يعمل به ، أو يكون الهشيم ما يبس من الحظيرة بطول الزمان ، تطأه البهائم فيتهشم. وقرأ الجمهور : بكسر الظاء ؛ وأبو حيوة وأبو السمال وأبو رجاء وأبو عمرو بن عبيد : بفتحها ، وهو موضع الاحتظار. وقيل : هو مصدر ، أي كهشيم الاحتظار ، وهو ما تفتت حالة الاحتظار. والحظيرة تصنعها العرب وأهل البوادي للمواشي والسكنى من الأغصان والشجر المورق والقصب. والحظر : المنع ؛ وعن ابن عباس وقتادة ، أن المحتظر هو المحترق. قال قتادة : كهشيم محترق ؛ وعن ابن ابن جبير : هو التراب الذي يسقط من الحائط البالي. وقيل : المحتظر بفتح الظاء هو الهشيم نفسه ، فيكون من إضافة الموصوف إلى صفته ، كمسجد الجامع على من تأوله كذلك ، وكان هنا قيل : بمعنى صار.

قوله عزوجل : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ ، نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ، وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ ، وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ ، وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ ، فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ، وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ، كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ، أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ ، أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ، سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ ، إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ، وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ، وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).

تقدمت قصة لوط عليه‌السلام وقومه. والحاصب من الحصباء ، وهو المعنيّ بقوله تعالى : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (٣). (إِلَّا آلَ لُوطٍ) ، قيل : إلا ابنتاه ،

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ٧٧.

(٢) سورة الشمس : ٩١ / ١٤.

(٣) سورة الحجرة : ١٥ / ٧٤.

٤٥

و (بِسَحَرٍ) : هو بكرة ، فلذلك صرف ، وانتصب (نِعْمَةً) على أنه مفعول من أجله ، أي نجيناهم لإنعامنا عليهم أو على المصدر ، لأن المعنى : أنعمنا بالتنجية إنعاما. (كَذلِكَ نَجْزِي) : أي مثل ذلك الإنعام والتنجية نجزي (مَنْ شَكَرَ) إنعامنا وأطاع وآمن. (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا) : أي أخذتنا لهم بالعذاب ، (فَتَمارَوْا) : أي تشككوا وتعاطوا ذلك ، (بِالنُّذُرِ) : أي بالإنذار ، أو يكون جمع نذير. (فَطَمَسْنا) ، قال قتادة : الطمس حقيقة جر جبريل عليه‌السلام على أعينهم جناحه ، فاستوت مع وجوههم. وقال أبو عبيدة : مطموسة بجلد كالوجه. قيل : لما صفقهم جبريل عليه‌السلام بجناحه ، تركهم يترددون لا يهتدون إلى الباب ، حتى أخرجهم لوط عليه‌السلام. وقال ابن عباس والضحاك : هذه استعارة ، وإنما حجب إدراكهم ، فدخلوا المنزل ولم يروا شيئا ، فجعل ذلك كالطمس. وقرأ الجمهور : فطمسنا بتخفيف الميم ؛ وابن مقسم : بتشديدها. (فَذُوقُوا) : أي فقلت لهم على ألسنة الملائكة : ذوقوا.

(وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً) : أي أول النهار وباكره ، لقوله : (مُشْرِقِينَ) (١) و (مُصْبِحِينَ) (٢). وقرأ الجمهور : بكرة بالتنوين ، أراد بكرة من البكر ، فصرف. وقرأ زيد بن علي : بغير تنوين. (عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) : أي لم يكشفه عنهم كاشف ، بل اتصل بموتهم ، ثم بما بعد ذلك من عذاب القبر ، ثم عذاب جهنم. (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) : توكيد وتوبيخ ذلك عند الطمس ، وهذا عند تصبيح العذاب. قيل : وفائدة تكرار هذا ، وتكرار (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا) ، التجرد عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ، للاتعاظ واستئناف التيقظ إذا سمعوا الحث على ذلك لئلا تستولي عليهم الغفلة ، وهكذا حكم التكرير لقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣) عند كل نعمة عدها في سورة الرحمن. وقوله : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٤) عند كل آية أوردها في سورة والمرسلات ، وكذلك تكرير القصص في أنفسها ، لتكون العبرة حاضرة للقلوب ، مذكورة في كل أوان.

(وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) : هم موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء ، لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون ، أو يكون جمع نذير المصدر بمعنى الإنذار. (كَذَّبُوا

__________________

(١) سورة الحجر : ١٥ / ٧٣ ، وسورة الشعراء : ٢٦ / ٦٠.

(٢) سورة الحجر : ١٥ / ٦٦ ـ ٨٣ ، وسورة الصافات : ٣٧ / ١٣٧ ، وسورة القلم : ٦٨ / ١٧.

(٣) سورة الرحمن : ٥٥ / الآية مكررة.

(٤) سورة المرسلات : ٧٧ / الآية مكررة.

٤٦

بِآياتِنا) هي التسع ، والتوكيد هنا كهو في قوله : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها) (١). والظاهر أن الضمير في : (كَذَّبُوا) ، وفي : (فَأَخَذْناهُمْ) عائد على آل فرعون. وقيل : هو عائد على جميع من تقدم من الأمم ذكره ، وتم الكلام عند قوله : (النُّذُرُ). (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ) : لا يغالب ، (مُقْتَدِرٍ) : لا يعجز شيء. (أَكُفَّارُكُمْ) : خطاب لأهل مكة ، (خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) : الإشارة إلى قوم نوح وهود وصالح ولوط ، وإلى فرعون ، والمعنى : أهم خير في القوّة وآلات الحروب والمكانة في الدنيا ، أو أقل كفؤا وعنادا؟ فلأجل كونهم خيرا لا يعاقبون على الكفر بالله ، وقفهم على توبيخهم ، أي ليس كفاركم خيرا من أولئكم ، بل هم مثلهم أو شرّ منهم ، وقد علمتم ما لحق أولئك من الهلاك المستأصل لما كذبوا الرسل. (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) : أي ألكم في الكتب الإلهية براءة من عذاب الله تعالى؟ قاله الضحاك وعكرمة وابن زيد.

(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ) أي واثقون بجماعتنا ، منتصرون بقوتنا ، تقولون ذلك على سبيل الإعجاب بأنفسكم. وقرأ الجمهور : أم يقولون ، بياء الغيبة التفاتا ، وكذا ما بعده للغائب. وقرأ أبو حيوة وموسى الأسواري وأبو البرهسم : بتاء الخطاب للكفار ، اتباعا لما تقدم من خطابهم. وقرأوا : ستهزم الجمع ، بفتح التاء وكسر الزاي وفتح العين ، خطابا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وأبو حيوة أيضا ويعقوب : بالنون مفتوحة وكسر الزاي وفتح العين والجمهور : بالياء مبنيا للمفعول ، وضم العين. وعن أبي حيوة وابن أبي عبلة أيضا : بفتح الياء مبنيا للفاعل ونصب العين : أي سيهزم الله الجمع. والجمهور : (وَيُوَلُّونَ) بياء الغيبة ؛ وأبو حيوة وداود بن أبي سالم ، عن أبي عمرو : بتاء الخطاب. والدبر هنا : اسم جنس ، وجاء في موضع آخر (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) (٢) ، وهو الأصل ، وحسن اسم الجنس هنا كونه فاصلة. وقال الزمخشري : (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) : أي الأدبار ، كما قال : كلوا في بعض بطنكم تعفوا. وقرىء : الأدبار. انتهى ، وليس مثل بطنكم ، لأن مجيء الدبر مفردا ليس بحسن ، ولا يحسن لإفراد بطنكم. وفي قوله تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) عدة من الله تعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهزيمة جمع قريش ؛ والجمهور : على أنها مكية ، وتلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مستشهدا بها. وقيل : نزلت يوم بدر.

(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) : انتقل من تلك الأقوال إلى أمر الساعة التي عذابها أشد عليهم من كل هزيمة وقتال. (وَالسَّاعَةُ أَدْهى) : أي أفظع وأشد ، والداهية الأمر : المنكر

__________________

(١) سورة طه : ٢٠ / ٥٦.

(٢) سورة الحشر : ٥٩ / ١٢.

٤٧

الذي لا يهتدى لدفعه ، وهي الرزية العظمى تحل بالشخص. (وَأَمَرُّ) من المرارة : استعارة لصعوبة الشيء على النفس. (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ) : أي في حيرة وتخبط في الدنيا. (وَسُعُرٍ) : أي احتراق في الآخرة ، جعلوا فيه من حيث مصيرهم إليه. وقال ابن عباس : وخسران وجنون ، والسعر : الجنون ، وتقدم مثله في قصة صالح عليه‌السلام. (يَوْمَ يُسْحَبُونَ) : يجرون (فِي النَّارِ) ، وفي قراءة عبد الله : إلى النار. (عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا) : أي مقولا لهم : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ). وقرأ محبوب عن أبي عمرو : مسقر ، بإدغام السين في السين. قال ابن مجاهد : إدغامه خطأ لأنه مشدد. انتهى. والظن بأبي عمرو أنه لم يدغم حتى حذف إحدى السينين لاجتماع الأمثال ، ثم أدغم.

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) ، قراءة الجمهور : كل شيء بالنصب. وقرأ أبو السمال ، قال ابن عطية وقوم من أهل السنة : بالرفع. قال أبو الفتح : هو الوجه في العربية ، وقراءتنا بالنصب مع الجماعة. وقال قوم : إذا كان الفعل يتوهم فيه الوصف ، وأن ما بعده يصلح للخبر ، وكان المعنى على أن يكون الفعل هو الخبر ، اختير النصب في الاسم الأول حتى يتضح أن الفعل ليس بوصف ، ومنه هذا الموضع ، لأن في قراءة الرفع يتخيل أن الفعل وصف ، وأن الخبر يقدر. فقد تنازع أهل السنة والقدرية الاستدلال بهذه الآية. فأهل السنة يقولون : كل شيء فهو مخلوق لله تعالى بقدرة دليله قراءة النصب ، لأنه لا يفسر في مثل هذا التركيب إلا ما يصح أن يكون خبرا لو وقع الأول على الابتداء. وقالت القدرية : القراءة برفع كل ، وخلقناه في موضع الصفة لكل ، أي إن أمرنا أو شأننا كل شيء خلقناه فهو بقدر أو بمقدار ، على حد ما في هيئته وزمنه وغير ذلك. وقال الزمخشري : (كُلَّ شَيْءٍ) منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر. وقرىء : كل شيء بالرفع ، والقدر والقدر هو التقدير. وقرىء : بهما ، أي خلقنا كل شيء مقدرا محكما مرتبا على حسب ما اقتضته الحكمة ، أو مقدرا مكتوبا في اللوح ، معلوما قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه. انتهى. قيل : والقدر فيه وجوه : أحدها : أن يكون بمعنى المقدار في ذاته وصفاته. والثاني : التقدير ، قال تعالى : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (١). وقال الشاعر :

وما قدّر الرحمن ما هو قادر

أي ما هو مقدور. والثالث : القدر الذي يقال مع القضاء ، يقال : كان ذلك بقضاء الله وقدره ، والمعنى : أن القضاء ما في العلم ، والقدر ما في الإرادة ، فالمعنى في الآية :

__________________

(١) سورة المرسلات : ٧٧ / ٢٣.

٤٨

(خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) : أي بقدرة مع إرادة. انتهى. (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) : أي إلا كلمة واحدة وهي : كن كلمح بالبصر ، تشبيه بأعجل ما يحس ، وفي أشياء أمر الله تعالى أوحى من ذلك ، والمعنى : أنه إذا أراد تكوين شيء لم يتأخر عن إرادته. (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) : أي الفرق المتشايعة في مذهب ودين. (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ) : أي فعلته الأمم المكذبة ، محفوظ عليهم إلى يوم القيامة ، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وابن زيد. ومعنى (فِي الزُّبُرِ) : في دواوين الحفظة. (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) من الأعمال ، ومن كل ما هو كائن ، (مُسْتَطَرٌ) : أي مسطور في اللوح. يقال : سطرت واستطرت بمعنى. وقرأ الأعمش وعمران بن حدير وعصمة عن أبي بكر : بشد راء مستطر. قال صاحب اللوامح : يجوز أن يكون من طرّ النبات ، والشارب إذا ظهر وثبت بمعنى : كل شيء ظاهر في اللوح مثبت فيه. ويجوز أن يكون من الاستطار ، لكن شدّد الراء للوقف على لغة من يقول : جعفرّ ونفعلّ بالتشديد وقفا. انتهى ، ووزنه على التوجيه الأول استفعل ، وعلى الثاني افتعل. وقرأ الجمهور : ونهر على الإفراد ، والهاء مفتوحة ؛ والأعرج ومجاهد وحميد وأبو السمال والفياض بن غزوان : بسكونها ، والمراد به الجنس ، إن أريد به الأنهار ، أو يكون معنى ونهر : وسعة في الأرزاق والمنازل ، ومنه قول قيس بن الحطيم :

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها

يرى قائم من دونها ما وراءها

أي : أوسعت فتقها. وقرأ زهير العرقبي والأعمش وأبو نهيك وأبو مجلز واليماني : بضم النون والهاء ، جمع نهر ، كرهن ورهن ، أو نهر كأسد وأسد ، وهو مناسب لجمع جنات. وقيل : نهر جمع نهار ، ولا ليل في الجنة ، وهو بعيد. (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) : يجوز أن يكون ضد الكذب ، أي في المقعد الذي صدقوا في الخبر به ، وأن يكون من قولك : رجل صدق : أي خير وجود وصلاح. وقرأ الجمهور : في مقعد ، على الإفراد ، يراد به اسم الجنس ؛ وعثمان البتي : في مقاعد على الجمع ؛ وعند تدل على قرب المكانة من الله تعالى ، والله تعالى أعلم.

٤٩

سورة الرّحمن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا

٥٠

تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥) وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨)

النجم : النبات الذي لا ساق له ، من نجم : أي ظهر وطلع. الأنام : الحيوان.

٥١

العصف : ورق الزرع. الريحان : كل مشموم طيب الريح من النبات. المرجان : الخرز الأحمر ، وقيل : صغار الدر ، واللؤلؤ كباره ، واللؤلؤ بناء غريب. قيل : لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة ؛ اللؤلؤ ، والجؤجؤ ، والدؤدؤ ، واليؤيؤ طائر ، والبؤبؤ. والنفوذ : الخروج من الشيء بسرعة. الشواظ : اللهب الخالص بغير دخان. وقال حسان :

هجوتك فاختضعت لها بذل

بقافية تأجج كالشواظ

وقال رؤبة :

ونار حرب تسعر الشواظا

وتضم شينه وتكسر. النحاس ، قال الخليل : والنحاس هو الدخان الذي لا لهب له ، وهو معروف في كلام العرب. قال نابغة بني جعدة :

تضيء كضوء سراج السليط

لم يجعل الله فيه نحاسا

وقال الكسائي : النحاس هو النار الذي له ريح شديد ، وقيل : الصفر المذاب ، وتضم نونه وتكسر. الوردة : الشديدة الحمرة ، يقال : فرد ورد ، وحجرة وردة. الدهان : الجلد الأحمر. أنشد القاضي منذر بن سعد ، رحمه‌الله :

تبعن الدهان الحمر كل عشية

بموسم بدر أو بسوق عكاظ

الناصية : مقدم الرأس. آن : نهاية في الحر. الأفنان ، جمع فنن : وهو الغصن ، أو جمع فن : وهو النوع. قال الشاعر :

ومن كل أفنان اللذاذة والصبى

لهوت به والعيش أخضر ناضر

وقال نابغة بني ذبيان :

بكاء حمامة تدعو هذيلا

مفجعة على فنن تغني

الجني : ما يقطف من الثمرة ، وهو فعل بمعنى مفعول ، كالقبض بمعنى مقبوض. قاصرات الطرف : قصرت ألحاظهن على أزواجهنّ. قال الشاعر :

من القاصرات الطرف لو دب محول

من الذر فوق الأتب منها لأثرا

الطمث : دم الحيض ودم الافتضاض. الياقوت : حجر معروف ، وقيل : لا تؤثر فيه النار ، قال الشاعر :

وطالما أصلى الياقوت جمر غضى

ثم انطفى الجمر والياقوت ياقوت

٥٢

الادهمام : السواد. النضح : فوران الماء. المقصورة : المحبوسة ، ويقال : قصيرة وقصورة : أي مخدرة. وقال كثير :

وأنت التي حببت كل قصيرة

إليّ ولم تشعر بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد

قصار الخطا شر النساء البحاتر

الخيمة معروفة ، وهي بيت المرتحل من خشب وتمام وسائر الحشيش ، وإذا كان من شعر فهو بيت ، ولا يقال له خيمة ، ويجمع على خيام وخيم. قال جرير :

متى كان الخيام بذي طلوح

سقيت الغيث أيتها الخيام

الرفرف : ما يدلى من الأسرة من غالي الثياب. وقال الجوهري : ثياب خضر تتخذ منها المجالس ، الواحدة رفرفة ، واشتقاقه من رفرف إذا ارتفع ، ومنه رفرفة الطائر لتحريك جناحيه وارتفاعه في الهواء ، وسمي الطائر رفرافا ، ورفرف جناحيه : حركهما ليقع على الشيء ، ورفرف السحاب : هدبه. العبقري : منسوب إلى عبقر ، تزعم العرب أنه بلد الجن ، فينسبون إليه كل شيء عجيب. قال زهير :

بخيل عليها جنة عبقرية

جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا

وقال امرؤ القيس :

كأن صليل المرء حين يسده

صليل زيوف ينتقدن بعبقرا

وقال ذو الرمة :

حي كأن رياض العف ألبسها

من وشي عبقر تحليل وتنجيد

وقال الخليل : العبقري : كل جليل نفيس من الرجال والنساء وغيرهم. الجلال : العظمة.

قال الشاعر :

خبر ما قد جاءنا مستعمل

جل حتى دق فيه الأجل

(الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ ، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ ، وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ ، وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ ، فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ ، وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ

٥٣

لا يَبْغِيانِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ، يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

هذه السورة مكية في قول الجمهور ، مدنية في قول ابن مسعود. وعن ابن عباس : القولان ، وعنه : سوى آية هي مدنية ، وهي : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية. وسبب نزولها فيما قال مقاتل : أنه لما نزل (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) (١) الآية ، قالوا : ما نعرف الرحمن ، فنزلت : (الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ). وقيل : لما قالوا (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) (٢) ، أكذبهم الله تعالى وقال : (الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ). وقيل : مدنية نزلت ، إذ أبى سهيل بن عمرو وغيره أن يكتب في الصلح : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أنه لما ذكر مقر المتقين في جنات ونهر عند مليك مقتدر ، ذكر شيئا من آيات الملك وآثار القدرة ، ثم ذكر مقر الفريقين على جهة الإسهاب ، إذ كان في آخر السورة ذكره على جهة الاختصار والإيجاز. ولما ذكر قوله : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٣) ، فأبرز هاتين الصفتين بصورة التنكير ، فكأنه قيل : من المتصف بذلك؟ فقال : (الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ) ، فذكر ما نشأ عن صفة الرحمة ، وهو تعليم القرآن الذي هو شفاء للقلوب. والظاهر أن (الرَّحْمنُ) مرفوع على الابتداء ، و (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) خبره. وقيل : (الرَّحْمنُ) آية بمضمر ، أي الله الرحمن ، أو الرحمن ربنا ، وذلك آية ؛ و (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) استئناف إخبار. ولما عدّد نعمه تعالى ، بدأ من نعمه بما هو أعلى رتبها ، وهو تعليم القرآن ، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به.

ولما ذكر تعليم القرآن ولم يذكر المعلم ، ذكره بعد في قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) ، ليعلم أنه المقصود بالتعليم. ولما كان خلقه من أجل الدين وتعليمه القرآن ، كان كالسبب في خلقه تقدّم على خلقه. ثم ذكر تعالى الوصف الذي يتميز به الإنسان من المنطق المفصح عن الضمير ، والذي به يمكن قبول التعليم ، وهو البيان. ألا ترى أن الأخرس لا يمكن أن يتعلم شيئا مما يدرك بالنطق؟ وعلم متعدّية إلى اثنين ، حذف أولهما لدلالة المعنى عليه ، وهو جبريل ، أو محمد عليهما الصلاة والسلام ، أو الإنسان ، أقوال. وتوهم

__________________

(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٦٠.

(٢) سورة النحل : ١٦ / ١٠٣.

(٣) سورة القمر : ٥٤ / ٥٥.

٥٤

أبو عبد الله الرازي أن المحذوف هو المفعول الثاني ، قال : فإن قيل : لم ترك المفعول الثاني؟ وأجاب بأن النعمة في التعليم ، لا في تعليم شخص دون شخص ، كما يقال : فلان يطعم الطعام ، إشارة إلى كرمه ، ولا يبين من يطعمه. انتهى. والمفعول الأول هو الذي كان فاعلا قبل النقل بالتضعيف أو الهمزة في علم وأطعم.

وأبعد من ذهب إلى أن معنى (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) : جعله علامة وآية يعتبر بها ، وهذه جمل مترادفة ، أخبار كلها عن الرحمن ، جعلت مستقلة لم تعطف ، إذ هي تعداد لنعمه تعالى. كما تقول : زيد أحسن إليك ، خوّلك : أشار بذكرك ، والإنسان اسم جنس. وقال قتادة الإنسان : آدم عليه‌السلام. وقال ابن كيسان : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال ابن زيد والجمهور : (الْبَيانَ) : المنطق ، والفهم : الإبانة ، وهو الذي فضل به الإنسان على سائر الحيوان. وقال قتادة : هو بيان الحلال والشرائع ، وهذا جزء من البيان العام. وقال محمد بن كعب : ما يقول وما يقال له. وقال الضحاك : الخير والشر. وقال ابن جريج : الهدى. وقال يمان : الكتابة. ومن قال : الإنسان آدم ، فالبيان أسماء كل شيء ، أو التكلم بلغات كثيرة أفضلها العربية ، أو الكلام بعد أن خلقه ، أو علم الدنيا والآخرة ، أو الاسم الأعظم الذي علم به كل شيء ، أقوال ، آخرها منسوب لجعفر الصادق.

ولما ذكر تعالى ما أنعم به على الإنسان من تعليمه البيان ، ذكر ما امتن به من وجود الشمس والقمر ، وما فيهما من المنافع العظيمة للإنسان ، إذ هما يجريان على حساب معلوم وتقدير سوي في بروجهما ومنازلهما. والحسبان مصدر كالغفران ، وهو بمعنى الحساب ، قاله قتادة. وقال الضحاك وأبو عبيدة : جمع حساب ، كشهاب وشهبان. قال ابن عباس وأبو مالك وقتادة : لهما في طلوعهما وغروبهما وقطعهما البروج ، وغير ذلك حسبانات شتى. وقال ابن زيد : لو لا الليل والنهار لم يدر أحد كيف يحسب شيئا يريد من مقادير الزمان. وقال مجاهد : الحسبان : الفلك المستدير ، شبهه بحسبان الرحى ، وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة. وارتفع الشمس على الابتداء وخبره بحسبان ، فأما على حذف ، أي جري الشمس والقمر كائن بحسبان. وقيل : الخبر محذوف ، أي يجريان بحسبان ، وبحسبان متعلق بيجريان ، وعلى قول مجاهد : تكون الباء في بحسبان ظرفية ، لأن الحسبان عنده الفلك.

ولما ذكر تعالى ما أنعم به من منفعة الشمس والقمر ، وكان ذلك من الآيات العلوية ، ذكر في مقابلتهما من الآثار السفلية النجم والشجر ، إذ كانا رزقا للإنسان ، وأخبر أنهما

٥٥

جاريان على ما أراد الله بهما ، من تسخيرهما وكينونتهما على ما اقتضته حكمته تعالى. ولما ذكر ما به حياة الأرواح من تعليم القرآن ، ذكر ما به حياة الأشباح من النبات الذي له ساق ، وكان تقديم النجم ، وهو مالا ساق له ، لأنه أصل القوت ، والذي له ساق ثمره يتفكه به غالبا. والظاهر أن النجم هو الذي شرحناه ، ويدل عليه اقترانه بالشجر. وقال مجاهد وقتادة والحسن : النجم : اسم الجنس من نجوم السماء. وسجودهما ، قال مجاهد والحسن : ذلك في النجم بالغروب ونحوه ، وفي الشجر بالظل واستدارته. وقال مجاهد أيضا : والسجود تجوز ، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل. والجمل الأول فيها ضمير يربطها بالمبتدأ ، وأما في هاتين الجملتين فاكتفى بالوصل المعنوي عن الوصل اللفظي ، إذ معلوم أن الحسبان هو حسبانه ، وأن السجود له لا لغيره ، فكأنه قيل : بحسبانه ويسجدان له. ولما أوردت هذه الجمل مورد تعديد النعم ، رد الكلام إلى العطف في وصل ما يناسب وصله ، والتناسب الذي بين هاتين الجملتين ظاهر ، لأن الشمس والقمر علويان ، والنجم والشجر سفليان.

(وَالسَّماءَ رَفَعَها) : أي خلقها مرفوعة ، حيث جعلها مصدر قضاياه ومسكن ملائكته الذين ينزلون بالوحي على أنبيائه ، ونبه بذلك على عظم شأنه وملكه. وقرأ الجمهور : (وَالسَّماءَ) ، بالنصب على الاشتغال ، روعي مشاكلة الجملة التي تليه وهي (يَسْجُدانِ). وقرأ أبو السمال : والسماء بالرفع ، راعى مشاكلة الجملة الابتدائية. وقرأ الجمهور : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) ، فعلا ماضيا ناصبا الميزان ، أي أقره وأثبته. وقرأ إبراهيم : ووضع الميزان ، بالخفض وإسكان الضاد. والظاهر أنه كل ما يوزن به الأشياء وتعرف مقاديرها ، وإن اختلفت الآلات ، قال معناه ابن عباس والحسن وقتادة ، جعله تعالى حاكما بالسوية في الأخذ والإعطاء. وقال مجاهد والطبري والأكثرون : الميزان : العدل ، وتكون الآلات من بعض ما يندرج في العدل. بدأ أولا بالعلم ، فذكر ما فيه أشرف أنواع العلوم وهو القرآن ؛ ثم ذكر ما به التعديل في الأمور ، وهو الميزان ، كقوله : (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) (١) ، ليعلموا الكتاب ويفعلوا ما يأمرهم به الكتاب. (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) : أي لأن لا تطغوا ، فتطغوا منصوب بأن. وقال الزمخشري : أو هي أن المفسرة. وقال ابن عطية : ويحتمل أن تكون أن مفسرة ، فيكون تطغوا جزما بالنهي. انتهى ، ولا يجوز ما قالاه من أن أن مفسرة ، لأنه فات أحد شرطيها ، وهو أن يكون ما قبلها جملة فيها معنى القول.

__________________

(١) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٥.

٥٦

(وَوَضَعَ الْمِيزانَ) جملة ليس فيها معنى القول. والطغيان في الميزان هو أن يكون بالتعمد ، وأما مالا يقدر عليه من التحرير بالميزان فمعفو عنه.

ولما كانت التسوية مطلوبة جدا ، أمر الله تعالى فقال : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ). وقرأ الجمهور : (وَلا تُخْسِرُوا) ، من أخسر : أي أفسد ونقص ، كقوله : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (١) ؛ أي ينقصون. وبلال بن أبي بردة وزيد بن علي : تخسر بفتح التاء ، يقال : خسر يخسر ، وأخسر يخسر بمعنى واحد ، كجبر وأجبر. وحكى ابن جني وصاحب اللوامح ، عن بلال : فتح التاء والسين مضارع خسر بكسر السين ، وخرجها الزمخشري على أن يكون التقدير : في الميزان ، فحذف الجار ونصب ، ولا يحتاج إلى هذا التخريج. ألا ترى أن خسر جاء متعديا كقوله تعالى : (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) (٢) ، و (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) (٣)؟ وقرىء أيضا : تخسروا ، بفتح التاء وضم السين. لما منع من الزيادة ، وهي الطغيان ، نهى عن الخسران الذي هو نقصان ، وكرر لفظ الميزان ، تشديدا للتوصية به وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه.

ولما ذكر السماء ، ذكر مقابلتها فقال : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) : أي خفضها مدحوة على الماء لينتفع بها. وقرأ الجمهور : والأرض بالنصب ؛ وأبو السمال : بالرفع. والأنام ، قال ابن عباس : بنو آدم فقط. وقال أيضا هو وقتادة وابن زيد والشعبي : الحيوان كله. وقال الحسن : الثقلان ، الجن والإنس. (فِيها فاكِهَةٌ) : ضروب مما يتفكه به. وبدأ بقوله : (فاكِهَةٌ) ، إذ هو من باب الابتداء بالأدنى والترقي إلى الأعلى ، ونكر لفظها ، لأن الانتفاع بها دون الانتفاع بما يذكر بعدها. ثم ثنى بالنخل ، فذكر الأصل ولم يذكر ثمرتها ، وهو الثمر لكثرة الانتفاع بها من ليف وسعف وجريد وجذوع وجمار وثمر. ثم أتى ثالثا بالحب الذي هو قوام عيش الإنسان في أكثر الأقاليم ، وهو البر والشعير وكل ما له سنبل وأوراق متشعبة على ساقه ، ووصفه بقوله : (ذُو الْعَصْفِ) تنبيها على إنعامه عليهم بما يقوتهم من الحب ، ويقوت بهائمهم من ورقه الذي هو التبن. وبدأ بالفاكهة وختم بالمشموم ، وبينهما النخل والحب ، ليحصل ما به يتفكه ، وما به يتقوت ، وما به تقع اللذاذة من الرائحة الطيبة. وذكر النخل باسمها ، والفاكهة دون شجرها ، لعظم المنفعة بالنخل من

__________________

(١) سورة المطففين : ٨٣ / ٣.

(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٩ ـ ٥٣ ، وسورة هود : ١١ / ٢١ ، وسورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٣ ، وسورة الزمر : ٣٩ / ١٥.

(٣) سورة الحج : ٢٢ / ١١.

٥٧

جهات متعددة ، وشجرة الفاكهة بالنسبة إلى ثمرتها حقيرة ، فنص على ما يعظم به الانتفاع من شجرة النخل ومن الفاكهة دون شجرتها.

وقرأ الجمهور : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) ، برفع الثلاثة عطفا على المرفوع قبله ؛ وابن عامر وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بنصب الثلاثة ، أي وخلق الحب. وجوزوا أن يكون (وَالرَّيْحانُ) حالة الرفع وحالة النصب على حذف مضاف ، أي وذو الريحان حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ؛ وحمزة والكسائي والأصمعي ، عن أبي عمرو : والريحان بالجر ، والمعنى : والحب ذو العصف الذي هو علف البهائم ، والريحان الذي هو مطعم الناس ، ويبعد دخول المشموم في قراءة الجر ، وريحان من ذوات الواو. وأجاز أبو علي أن يكون اسما ، ووضع موضع المصدر ، وأن يكون مصدرا على وزن فعلان كاللبان. وأبدلت الواو ياء ، كما أبدلوا الياء واوا في أشاوى ، أو مصدرا شاذا في المعتل ، كما شذ كبنونة وبينونة ، فأصله ريوحان ، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار ريحان ، ثم حذفت عين الكلمة ، كما قالوا : ميت وهين.

ولما عدد تعالى نعمه ، خاطب الثقلين بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ، أي أن نعمه كثيرة لا تحصى ، فبأيها تكذبان؟ أي من هذه نعمه لا يمكن أن يكذب بها. وكان هذا الخطاب للثقلين ، لأنهما داخلان في الأنام على أصح الأقوال. ولقوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) ، و (خَلَقَ الْجَانَ) ؛ ولقوله : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) ، وقد أبعد من جعله خطابا للذكر والأنثى من بني آدم. وأبعد من هذا قول من قال : إنه خطاب على حد قوله : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) (١) ، ويا حرسيّ اضربا عنقه ، يعني أنه خطاب للواحد بصورة الاثنين ، فبأي منونا في جميع السورة ، كأنه حذف منه المضاف إليه وأبدل منه (آلاءِ رَبِّكُما) بدل معرفة من نكرة ، وآلاء تقدم في الأعراف أنها النعم ، واحدها إلى وألا وإلى وألى.

(خَلَقَ الْإِنْسانَ) : لما ذكر العالم الأكبر من السماء والأرض وما أوجد فيها من النعم ، ذكر مبدأ من خلقت له هذه النعم ، والإنسان هو آدم ، وهو قول الجمهور. وقيل : للجنس ، وساغ ذلك لأن أباهم مخلوق من الصلصال. وإذا أريد بالإنسان آدم ، فقد جاءت غايات له مختلفة ، وذلك بتنقل أصله ؛ فكان أولا ترابا ، ثم طينا ، ثم حمأ مسنونا ، ثم صلصالا ، فناسب أن ينسب خلقه لكل واحد منها. والجان هو أبو الجن ، وهو إبليس ، قاله

__________________

(١) سورة ق : ٥٠ / ٢٤.

٥٨

الحسن. وقال مجاهد : هو أبو الجن ، وليس بإبليس. وقيل : الجان اسم جنس ، والمارج : ما اختلط من أصفر وأحمر وأخضر ، أو اللهب ، أو الخالص ، أو الحمرة في طرف النار ، أو المختلط بسواد ، أو المضطرب بلا دخان ، أقوال ، ومن الأولى لابتداء الغاية ، والثانية في (مِنْ نارٍ) للتبعيض. وقيل للبيان والتكرار في هذه الفواصل : للتأكيد والتنبيه والتحريك ، وهي موجودة في مواضع من القرآن. وذهب قوم منهم ابن قتيبة إلى أن هذا التكرار إنما هو لاختلاف النعم ، فكرر التوقيف في كل واحد منها.

وقرأ الجمهور : (رَبُ) ، و (رَبُ) بالرفع ، أي هو رب ؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بالخفض بدلا من ربكما ، وثنى المضاف إليه لأنهما مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما ، قاله مجاهد. وقيل : مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما. وعن ابن عباس : للشمس مشرق في الصيف مصعد ، ومشرق في الشتاء منحدر ، تنتقل فيهما مصعدة ومنحدرة. انتهى. فالمشرقان والمغربان للشمس. وقيل : المشرقان : مطلع الفجر ومطلع الشمس ، والمغربان مغرب الشفق ومغرب الشمس. ولسهل التستري كلام في المشرقين والمغربين شبيه بكلام الباطنية المحرفين مدلول كلام الله ، ضربنا عن ذكره صفحا. وكذلك ما وقفنا عليه من كلام الغلاة الذين ينسبون للصوفية ، لأنا لا نستحل نقل شيء منه. وقد أولغ صاحب كتاب التحرير والتحبير بحسب ما قاله هؤلاء الغلاة في كل آية آية ، ويسمي ذلك الحقائق ، وأرباب القلوب وما ادعوا فهمه في القرآن فأغلوا فيه ، لم يفهمه عربي قط ، ولا أراده الله تعالى بتلك الألفاظ ، نعوذ بالله من ذلك.

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) : تقدم الكلام على ذلك في الفرقان. قال ابن عطية : وذكر الثعلبي في مرج البحرين ألغازا وأقوالا باطنة لا يلتفت إلى شيء منها. انتهى ، والظاهر التقاؤهما ، أي يتجاوزان ، فلا فصل بين الماءين في رؤية العين. وقيل : يلتقيان في كل سنة مرة. وقيل : معدان للالتقاء ، فحقهما أن يلتقيا لو لا البرزخ بينهما. (بَرْزَخٌ) : أي حاجز من قدرة الله تعالى ، (لا يَبْغِيانِ) : لا يتجاوزان حدهما ، ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممارجة. وقيل : البرزخ : أجرام الأرض ، قاله قتادة ؛ وقيل : لا يبغيان : أي على الناس والعمران ، وعلى هذا والذي قبله يكون من البغي. وقيل : هو من بغى ، أي طلب ، فالمعنى : لا يبغيان حالا غير الحال التي خلقا عليها وسخرا لها. وقيل : ماء الأنهار لا يختلط بالماء الملح ، بل هو بذاته باق فيه. وقال ابن عطية : والعيان لا يقتضيه. انتهى ، يعني أنه يشاهد الماء العذب يختلط بالملح فيبقي كله ملحا ، وقد يقال : إنه بالاختلاط تتغير أجرام العذب حتى

٥٩

لا تظهر ، فإذا ذاق الإنسان من الملح المنبث فيه تلك الأجزاء الدقيقة لم يحس إلا الملوحة ، والمعقول يشهد بذلك ، لأن تداخل الأجسام غير ممكن ، لكن التفرق والالتقاء ممكن. وأنشد القاضي منذر بن سعيد البلوطي ، رحمه‌الله تعالى :

وممزوجة الأمواه لا العذب غالب

على الملح طيبا لا ولا الملح يعذب

وقرأ الجمهور : (يَخْرُجُ) مبنيا للفاعل ؛ ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة : مبنيا للمفعول ؛ والجعفي ، عن أبي عمرو : بالياء مضمومة وكسر الراء ، أي يخرج الله ؛ وعنه وعن أبي عمرو ، وعن ابن مقسم : بالنون. واللؤلؤ والمرجان نصب في هاتين القراءتين. والظاهر في (مِنْهُمَا) أن ذلك يخرج من الملح والعذب. وقال بذلك قوم ، حكاه الأخفش. ورد الناس هذا القول ، قالوا : والحس يخالفه ، إذ لا يخرج إلا من الملح ، وعابوا قول الشاعر :

فجاء بها ما شئت من لطيمة

على وجهها ماء الفرات يموج

وقال الجمهور : إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة ، فناسب إسناد ذلك إليهما ، وهذا مشهور عند الغواصين. وقال ابن عباس وعكرمة : تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر ، لأن الصدف وغيرها تفتح أفواهها للمطر ، فلذلك قال (مِنْهُمَا). وقال أبو عبيدة : إنما يخرج من الملح ، لكنه قال (مِنْهُمَا) تجوزا. وقال الرماني : العذب فيها كاللقاح للملح ، فهو كما يقال ؛ الولد يخرج من الذكر والأنثى. وقال ابن عطية ، وتبع الزجاج من حيث هما نوع واحد ، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما ، وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما ، كما قال : (سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) (١) ، وإنما هو في إحداهن ، وهي الدنيا إلى الأرض. وقال الزمخشري نحوا من قول ابن عطية ، قال : فإن قلت : لم قال (مِنْهُمَا) ، وإنما يخرجان من الملح؟ قلت : لما التقيا وصارا كالشيء الواحد ، جاز أن يقال : يخرجان منهما ، كما يقال : يخرجان من البحر ، ولا يخرجان من جميع البحر ، ولكن من بعضه. وتقول : خرجت من البلد ، وإنما خرجت من محلة من محالة ، بل من دار واحدة من دوره. وقيل : لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب. انتهى. وقال أبو علي الفارسي : هذا من باب حذف المضاف ، والتقدير : يخرج من أحدهما ، كقوله تعالى :

__________________

(١) سورة نوح : ٧١ / ١٥ ـ ١٦.

٦٠