البحر المحيط في التّفسير - ج ٩

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٢

(فَكَرِهْتُمُوهُ) ، قال الفراء : أي فقد كرهتموه ، فلا تفعلون. وقيل : لما وقفهم على التوبيخ بقوله : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) ، فأجاب عن هذا : لأنهم في حكم من يقولها ، فخوطبوا على أنهم قالوا لا ، فقيل لهم : فكرهتموه ، وبعد هذا يقدر فلذلك فاكرهوا الغيبة التي هي نظير ذلك. وعلى هذا التقدير يعطف قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) ، قاله أبو علي الفارسي ، وفيه عجرفة العجم.

وقال الزمخشري : ولما قررهم عزوجل بأن أحدا منهم لا يحب أكل جيفة أخيه ، عقب ذلك بقوله : (فَكَرِهْتُمُوهُ) ، أي فتحققت بوجوب الإقرار عليكم بأنكم لا تقدرون على دفعه وإنكاره لإباء البشرية عليكم أن تجحدوا كراهتكم له وتقذركم منه ، فليتحقق أيضا أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة والطعن في أعراض المسلمين. انتهى ، وفيه أيضا عجرفة العجم. والذي قدره الفراء أسهل وأقل تكلفا ، وأجرى على قواعد العربية. وقيل : لفظه خبر ، ومعناه الأمر ، تقديره : فاكرهوه ، ولذلك عطف عليه (وَاتَّقُوا اللهَ) ، ووضع الماضي موضع الأمر في لسان العرب كثير ، ومنه اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه ، أي ليتق الله ، ولذلك انجزم يثب على جواب الأمر.

وما أحسن ما جاء الترتيب في هذه الآية. جاء الأمر أولا باجتناب الطريق التي لا تؤدي إلى العلم ، وهو الظن ؛ ثم نهى ثانيا عن طلب تحقق ذلك الظن ، فيصير علما بقوله : (وَلا تَجَسَّسُوا) ؛ ثم نهى ثالثا عن ذكر ذلك إذا علم ، فهذه أمور ثلاثة مترتبة ، ظنّ فعلم بالتجسس فاغتياب. وضمير النصب في كرهتموه ، الظاهر أنه عائد على الأكل. وقيل : على الميت. وقرأ أبو سعيد الخدري ، وأبو حيوة : فكرّهتموه ، الظاهر أنه عائد على الأكل. وقيل : على الميت. وقرأ أبو سعيد الخدري ، وأبو حيوة : فكرّهتموه ، بضم الكاف وتشديد الراء ؛ ورواها الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والجمهور : بفتح الكاف وتخفيف الراء ، وكره يتعدى إلى واحد ، فقياسه إذا ضعف أن يتعدى إلى اثنين ، كقراءة الخدري ومن معه ، أي جعلتم فكرهتموه. فأما قوله : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) فعلى التضمين بمعنى بغض ، وهو يتعدى لواحد ، وبإلى إلى آخر ، وبغض منقول بالتضعيف من بغض الشيء إلى زيد. والظاهر عطف (وَاتَّقُوا اللهَ) على ما قبله من الأمر والنهي. قوله عزوجل :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ، قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً

٥٢١

إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ، قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).

قيل : غضب الحارث بن هشام وعتاب بن أسيد حين أذن بلال يوم فتح مكة على الكعبة ، فنزلت. وعن ابن عباس ، سببها قول ثابت بن قيس لرجل لم يفسح له عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا ابن فلانة ؛ فوبخه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال له : «إنك لا تفضل أحدا إلا في الدين والتقوى».

ونزل الأمر بالتفسح في ذلك أيضا. (مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) : أي من آدم وحواء ، أو كل أحد منكم من أب وأم ، فكل واحد منكم مساو للآخر في ذلك الوجه ، فلا وجه للتفاخر. (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) : وتقدم الكلام على شيء من ذلك في المفردات. وقيل : الشعوب في العجم والقبائل في العرب ، والأسباط في بني إسرائيل. وقيل : الشعوب : عرب اليمن من قحطان ، والقبائل : ربيعة ومضر وسائر عدنان. وقال قتادة ، ومجاهد ، والضحاك : الشعب : النسب الأبعد ، والقبيلة : الأقرب ، قال الشاعر :

قبائل من شعوب ليس فيهم

كريم قد يعدّ ولا نجيب

وقيل : الشعوب : الموالي ، والقبائل : العرب. وقال أبو روق : الشعوب : الذين ينسبون إلى المدائن والقرى ، والقبائل : الذين ينسبون إلى آبائهم. انتهى. وواحد الشعوب شعب ، بفتح الشين. وشعب : بطن من همدان ينسب إليه عامر الشعبي من سادات التابعين ، والنسب إلى الشعوب شعوبية ، بفتح الشين ، وهم الأمم التي ليست بعرب. وقيل : هم الذين يفضلون العجم على العرب ، وكان أبو عبيدة خارجيا شعوبيا ، وله كتاب في مناقب العرب ، ولابن غرسبة رسالة فصيحة في تفضيل العجم على العرب ، وقد رد عليه ذلك علماء الأندلس برسائل عديدة. وقرأ الجمهور : (لِتَعارَفُوا) ، مضارع تعارف ، محذوف التاء ؛ والأعمش : بتاءين ؛ ومجاهد ، وابن كثير في رواية ، وابن محيصن : بإدغام التاء في التاء ؛ وابن عباس ، وأبان عن عاصم : لتعرفوا ، مضارع عرف ؛ والمعنى : أنكم جعلكم الله تعالى ما ذكر ، كي يعرف بعضكم بعضا في النسب ، فلا ينتمي إلى غير آبائه ، لا التفاخر بالآباء والأجداد ، ودعوى التفاضل ، وهي التقوى. وفي خطبته عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة : «إنما الناس رجلان ، مؤمن تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين

٥٢٢

على الله» ، ثم قرأ الآية. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله». وما زال التفاخر بالأنساب في الجاهلية والإسلام ، وبالبلاد وبالمذاهب وبالعلوم وبالصنائع ، وأكثره بالأنساب :

وأعجب شيء إلى عاقل

فروع عن المجد مسأخره

إذا سئلوا ما لهم من علا

أشاروا إلى أعظم ناخره

ومن ذلك : افتخار أولاد مشايخ الزوايا الصوفية بآبائهم ، واحترام الناس لهم بذلك وتعظيمهم لهم ، وإن كان الأولاد بخلاف الآباء في الدين والصلاح. وقرأ الجمهور : إن ، بكسر الهمزة ؛ وابن عباس : بفتحها ، وكان قرأ : لتعرفوا ، مضارع عرف ، فاحتمل أن تكون أن معمولة لتعرفوا ، وتكون اللام في لتعرفوا لام الأمر ، وهو أجود من حيث المعنى. وأما إن كانت لام كي ، فلا يظهر المعنى أن جعلهم شعوبا وقبائل لأن تعرفوا أن الأكرم هو الأتقى. فإن جعلت مفعول لتعرفوا محذوفا ، أي لتعرفوا الحق ، لأن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ساغ في لام لتعارفوا أن تكون لام كي.

(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) ، قال مجاهد : نزلت في بني أسد بن خزيمة ، قبيلة تجاور المدينة ، أظهروا الإسلام وقلوبهم دخلة ، إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا. وقيل : مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار قالوا آمنا فاستحققنا الكرامة ، فردّ الله تعالى عليهم بقوله : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) ، أكذبهم الله في دعوى الإيمان ، ولم يصرح بإكذابهم بلفظه ، بل بما دل عليه من انتفاء إيمانهم ، وهذا في أعراب مخصوصين. فقد قال الله تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (١) الآية.

(وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ، فهو اللفظ الصادق من أقوالكم ، وهو الاستسلام والانقياد ظاهرا ، ولم يواطىء أقوالكم ما في قلوبكم ، فلذلك قال : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) : وجاء النفي بلما الدالة على انتفاء الشيء إلى زمان الإخبار ، وتبين أن قوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا) لا يراد به انتفاء الإيمان في الزمن الماضي ، بل متصلا بزمان الإخبار أيضا ، لأنك إذا نفيت بلم ، جاز أن يكون النفي قد انقطع ، ولذلك يجوز أن تقول : لم يقم زيد وقد قام ، وجاز أن يكون النفي متصلا بزمن الإخبار. فإذا كان متصلا بزمن الإخبار ، لم يجز أن تقول : وقد قام ، لتكاذب الخبرين. وأما لما ، فإنها تدل على نفي الشيء متصلا بزمان

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ / ٩٩.

٥٢٣

الإخبار ، ولذلك امتنع لما يقم زيد وقد قام للتكاذب. والظاهر أن قوله : (لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ليس له تعلق بما قبله من جهة الإعراب. وقال الزمخشري : فإن قلت : هو بعد قوله : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة ؛ قلت : ليس كذلك ، فإن فائدة قوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا) هو تكذيب دعواهم ، وقوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) توقيت لما أمروا به أن يقولوه ، كأنه قيل لهم : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) حين لم يثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم ، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قوله : (قُولُوا). انتهى.

والذي يظهر أنهم أمروا أن يقولوا : (قُولُوا أَسْلَمْنا) غير مقيد بحال ، وأن (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ) إخبار غير قيد في قولهم. وقال الزمخشري : وما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد. انتهى ، ولا أدري من أي وجه يكون ما نفي بلما يقع بعد ولما ، إنما تنفي ما كان متصلا بزمان الإخبار ، ولا تدل على ما ذكر ، وهي جواب لقد فعل ، وهب أن قد تدل على توقع الفعل. فإذا نفى ما دل على التوقع ، فكيف يتوهم أنه يقع بعد : (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بالإيمان والأعمال؟ وهذا فتح لباب التوبة. وقرأ الجمهور : (لا يَلِتْكُمْ) ، من لات يليت ، وهي لغة الحجاز. والحسن والأعرج وأبو عمرو : ولا يألتكم ، من ألت ، وهي لغة غطفان وأسد. (ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) ، ثم تقتضي التراخي ، وانتفاء الريبة يجب أن يقارن الإيمان ، فقيل : من ترتيب الكلام لا من ترتيب الزمان ، أي ثم أقول لم يرتابوا. وقيل : قد يخلص الإيمان ، ثم يعترضه ما يثلم إخلاصه ، فنفى ذلك ، فحصل التراخي ، أو أريد انتفاء الريبة في الأزمان المتراخية المتطاولة ، فحاله في ذلك كحاله في الزمان الأول الذي آمن فيه. (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) : أي في قولهم آمنا ، حيث طابقت ألسنتهم عقائدهم ، وظهرت ثمرة ذلك عليهم بالجهاد بالنفس والمال. وفي سبيل الله يشمل جميع الطاعات البدنية والمالية ، وليسوا كأعراب بني أسد في قولهم آمنا ، وهم كاذبون في ذلك.

(قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) ، هي منقولة من : علمت به ، أي شعرت به ، ولذلك تعدّت إلى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر لما ثقلت بالتضعيف ، وفي ذلك تجهيل لهم ، حيث ظنوا أن ذلك يخفى على الله تعالى. ثم ذكر إحاطة علمه بما في السموات والأرض. ويقال : منّ عليهم بيد أسداها إليه ، أي أنعم عليه. المنة : النعمة التي لا يطلب لها ثواب ، ثم يقال : منّ عليه صنعه ، إذا اعتده عليه منة وإنعاما ، أي يعتدون عليك أن

٥٢٤

أسلموا ، فإن أسلموا في موضع المفعول ، ولذلك تعدى إليه في قوله : (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ). ويجوز أن يكون أسلموا مفعولا من أجله ، أي يتفضلون عليك بإسلامهم. (أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) بزعمكم ، وتعليق المن بهدايتهم بشرط الصدق يدل على أنهم ليسوا مؤمنين ، إذ قد بين تعالى كذبهم في قولهم آمنا بقوله : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا). وقرأ عبد الله وزيد بن عليّ ، إذ هداكم ، جعلا إذ مكان إن ، وكلاهما تعليل ، وجواب الشرط محذوف. أي (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، فهو المانّ عليكم. وقرأ ابن كثير وأبان عن عاصم : يعلمون ، بياء الغيبة ، والجمهور : بتاء الخطاب.

٥٢٥

سورة ق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤)بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ

٥٢٦

غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥)

بسقت النخلة بسوقا : طالت ، قال الشاعر :

لنا خمر وليست خمر كرم

ولكن من نتاج الباسقات

كرام في السماء ذهبن طولا

وفات ثمارها أيدي الجناة

وبسق فلان على أصحابه : أي علاهم ، ومنه قول ابن نوفل في ابن هبيرة :

يا ابن الذين بمجدهم

بسقت على قيس فزاره

ويقال : بسقت الشاة : ولدت ، وأبسقت الناقة : وقع في ضرعها اللبأ قبل النتاج فهي مبسق ، ونوق مباسق. حاد عن الشيء : مال عنه ، حيودا وحيدة وحيدودة. الوريد : عرق

٥٢٧

كبير في العنق ، يقال : إنهما وريدان عن يمين وشمال. وقال الفراء : هو ما بين الحلقوم والعلباوين. وقال الأثرم : هو نهر الجسد ، هو في القلب : الوتين ، وفي الظهر : الأبهر ، وفي الذراع والفخذ : الأكحل والنسا ، وفي الخنصر : الأسلم. وقال الزمخشري : والوريدان عرقان مكتنفان بصحفتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين ، يردان من الرأس إليه ، سمي وريدا لأن الروح ترده. قال :

كان وريديه رشا صلب

(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ ، أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ، قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ ، بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ، أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ ، وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ، تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ، وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ، وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ ، رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ ، كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ، وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ ، وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ).

هذه السورة مكية ، قال ابن عطية : بإجماع من المتأولين. وقال صاحب التحرير : قال ابن عباس ، وقتادة : مكية إلا آية ، وهي قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الآية. ومناسبتها لآخر ما قبلها ، أنه تعالى أخبر أن أولئك الذين قالوا آمنا ، لم يكن إيمانهم حقا ، وانتفاء إيمانهم دليل على إنكار نبوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ). وعدم الإيمان أيضا يدل على إنكار البعث ، فلذلك أعقبه به. وق حرف هجاء ، وقد اختلف المفسرون في مدلوله على أحد عشر قولا متعارضة ، لا دليل على صحة شيء منها ، فأطرحت نقلها في كتابي هذا.

(وَالْقُرْآنِ) مقسم به و (الْمَجِيدِ) صفته ، وهو الشريف على غيره من الكتب ، والجواب محذوف يدل عليه ما بعده ، وتقديره : أنك جئتهم منذرا بالبعث ، فلم يقبلوا. (بَلْ عَجِبُوا) ، وقيل : ما ردوا أمرك بحجة. وقال الأخفش ، والمبرد ، والزجاج : تقديره لتبعثن. وقيل : الجواب مذكور ، فعن الأخفش قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ؛ وعن ابن كيسان ، والأخفش : ما يلفظ من قول ؛ وعن نحاة الكوفة : بل عجبوا ، والمعنى : لقد عجبوا. وقيل : إن في ذلك لذكرى ، وهو اختيار محمد بن علي الترمذي. وقيل : ما يبدل

٥٢٨

القول لديّ ، وهذه كلها أقوال ضعيفة. وقرأ الجمهور : قاف بسكون الفاء ، ويفتحها عيسى ، ويكسرها الحسن وابن أبي إسحاق وأبو السمال ؛ وبالضم : هارون وابن السميفع والحسن أيضا ؛ فيما نقل ابن خالويه. والأصل في حروف المعجم ، إذا لم تركب مع عامل ، أن تكون موقوفة. فمن فتح قاف ، عدل إلى الحركات ؛ ومن كسر ، فعلى أصل التقاء الساكنين ؛ ومن ضم ، فكما ضم قط ومنذ وحيث.

(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) : إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب ، وهو أن ينذرهم بالخوف رجل منهم قد عرفوا صدقه وأمانته ونصحه ، فكان المناسب أن لا يعجبوا ، وهذا مع اعترافهم بقدرة الله تعالى ، فأي بعد في أن يبعث من يخوف وينذر بما يكون في المآكل من البعث والجزاء. والضمير في (بَلْ عَجِبُوا) عائد على الكفار ، ويكون قوله : (فَقالَ الْكافِرُونَ) تنبيها على القلة الموجبة للعجب ، وهو أنهم قد جبلوا على الكفر ، فلذلك عجبوا. وقيل : الضمير عائد على الناس ، قيل : لأن كل مفطور يعجب من بعثة بشر رسولا من الله ، لكن من وفق نظر فاهتدى وآمن ، ومن خذل ضل وكفر ؛ وحاج بذلك العجب والإشارة بقولهم : (هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) ، الظاهر أنها إلى مجيء منذر من البشر. وقيل : إلى ما تضمنه الإنذار ، وهو الإخبار بالبعث. وقال الزمخشري : وهذا إشارة إلى المرجع. انتهى ، وفيه بعد.

وقرأ الجمهور : (أَإِذا) بالاستفهام ، وهم على أصولهم في تحقيق الثانية وتسهيلها والفصل بينهما. وقرأ الأعرج ، وشيبة ، وأبو جعفر ، وابن وثاب ، والأعمش ، وابن عتبة عن ابن عامر : إذا بهمزة واحدة على صورة الخبر ، فجاز أن يكون استفهاما حذفت منه الهمزة ، وجاز أن يكونوا عدلوا إلى الخبر وأضمر جواب إذا ، أي إذا متنا وكنا ترابا رجعنا. وأجاز صاحب اللوامح أن يكون الجواب رجع بعيد على تقدير حذف الفاء ، وقد أجاز بعضهم في جواب الشرط ذلك إذا كان جملة اسمية ، وقصره أصحابنا على الشعر في الضرورة. وأما في قراءة الاستفهام ، فالظرف منصوب بمضمر ، أي : أنبعث إذا متنا؟ وإليه الإشارة بقوله ذلك ، أي البعث.

(رَجْعٌ بَعِيدٌ) ، أي مستبعد في الأوهام والفكر. وقال الزمخشري : وإذا منصوب بمضمر معناه : أحين نموت ونبلى نرجع؟ انتهى. وأخذه من قول ابن جني ، قال ابن جني : ويحتمل أن يكون المعنى : أئذا متنا بعد رجعنا ، فدل رجع بعيد على هذا الفعل ، ويحل محل الجواب لقولهم أئذا. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون الرجع بمعنى المرجوع ،

٥٢٩

وهو الجواب ، ويكون من كلام الله تعالى استبعادا لإنكارهم ما أنذروا به من البعث ، والوقف قبله على هذا التفسير حسن. فإن قلت : فما ناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى المرجوع؟ قلت : ما دل عليه المنذر من المنذر به ، وهو البعث. انتهى. وكون ذلك رجع بعيد بمعنى مرجوع ، وأنه من كلام الله تعالى ، لا من كلامهم ، على ما شرحه مفهوم عجيب ينبو عن إدراكه فهم العرب.

(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) : أي من لحومهم وعظامهم وآثارهم ، قاله ابن عباس ومجاهد والجمهور ، وهذا فيه رد لاستبعادهم الرجع ، لأن من كان عالما بذلك ، كان قادرا على رجعهم. وقال السدي : أي ما يحصل في بطن الأرض من موتاهم ، وهذا يتضمن الوعيد. (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) : أي حافظ لما فيه جامع ، لا يفوت منه شيء ، أو محفوظ من البلى والتغير. وقيل : هو عبارة عن العلم والإحصاء. وفي الخبر الثابت أن الأرض تأكل ابن آدم إلا عجب الذنب ، وهو عظم كالخردلة منه يركب ابن آدم.

(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) : وقدروا قبل هذا الإضراب جملة يكون مضروبا عنها ، أي ما أجادوا النظر ، بل كذبوا. وقيل : لم يكذبوا المنذر ، بل كذبوا ، والغالب أن الإضراب يكون بعد جملة منفية. وقال الزمخشري : بل كذبوا : إضراب أتبع الإضراب الأول للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم ، وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة الثابتة بالمعجزات. انتهى. وكان هذا الإضراب الثاني بدلا من الأول ، وكلاهما بعد ذلك الجواب الذي قدرناه جوابا للقسم ، فلا يكون قبل لثانية ما قدروه من قولهم : ما أجادوا النظر ، (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) ، والحق : القرآن ، أو البعث ، أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو الإسلام ، أقوال. وقرأ الجمهور : (لَمَّا جاءَهُمْ) : أي لم يفكروا فيه ، بل بأول ما جاءهم كذبوا ؛ والجحدري : لما جاءهم ، بكسر اللام وتخفيف الميم ، وما مصدرية ، واللام لام الجر ، كهي في قولهم كتبته لخمس خلون أي عند مجيئهم إياه. (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) ، قال الضحاك ، وابن زيد : مختلط : مرة ساحر ، ومرة شاعر ، ومرة كاهن. قال قتادة : مختلف. وقال الحسن : ملتبس. وقال أبو هريرة : فاسد. ومرجت أمانات الناس : فسدت ، ومرج الدين : اختلط. قال أبو واقد :

ومرج الدين فأعددت له

مسرف الحارك محبول الكند

وقال ابن عباس : المريج : الأمر المنكر ، وعنه أيضا مختلط ، وقال الشاعر :

٥٣٠

فجالت والتمست لها حشاها

فخر كأنه خوط مريج

والأصل فيه الاضطراب والقلق. مرج الخاتم في أصبعي ، إذا قلق من الهزال. ويجوز أن يكون الأمر المريج ، باعتبار انتقال أفكارهم فيما جاء به المنذر قائلا عدم قبولهم أول إنذاره إياهم ، ثم العجب منهم ، ثم استبعاد البعث الذي أنذر به ، ثم التكذيب لما جاء به. (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا) حين كفروا بالبعث وبما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى آثار قدرة الله تعالى في العالم العلوي والسفلي ، (كَيْفَ بَنَيْناها) مرتفعة من غير عمد ، (وَزَيَّنَّاها) بالنيرين وبالنجوم ، (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) : أي من فتوق وسقوف ، بل هي سليمة من كل خلل.

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) : بسطناها ، (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) ، أي جبالا ثوابت تمنعها من التكفؤ ، (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) : أي نوع ، (بَهِيجٍ) : أي حسن المنظر بهيج ، أي يسر من نظر إليه. وقرأ الجمهور : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى) بالنصب ، وهما منصوبان بفعل مضمر من لفظهما ، أي بصر وذكر. وقيل : مفعول من أجله. وقرأ زيد بن علي : تبصرة بالرفع ، وذكر معطوف عليه ، أي ذلك الخلق على ذلك الوصف تبصرة ، والمعنى : يتبصر بذلك ويتذكر ، (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) : أي راجع إلى ربه مفكر في بدائع صنعه. (ماءً مُبارَكاً) : أي كثير المنفعة ، (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) : أي الحب الحصيد ، فهو من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، كما يقوله البصريون ، والحصيد : كل ما يحصد مما له حب ، كالبر والشعير. (باسِقاتٍ) : أي طوالا في العلو ، وهو منصوب على الحال ، وهي حال مقدرة ، لأنها حالة الإنبات ، لم تكن طوالا. وباسقات جمع. (وَالنَّخْلَ) اسم جنس ، فيجوز أن يذكر ، نحو قوله : (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (١) ، وأن يؤنث نحو قوله تعالى : (نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٢) ، وأن يجمع باعتبار إفراده ، ومنه باسقات ، وقوله : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) (٣). والجمهور : باسقات بالسين. وروى قطبة بن مالك ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قرأ : باصقات بالصاد ، وهي لغة لبني العنبر ، يبدلون من السين صادا إذا وليتها ، أو فصل بحرف أو حرفين ، خاء أو عين أو قاف أو طاء. (لَها طَلْعٌ) : تقدم شرحه عند (مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) (٤).

(نَضِيدٌ) : أي منضود بعضه فوق بعض ، يريد كثرة الطلع وتراكمه ، أي كثرة ما فيه من الثمر. وأول ظهور الثمر في الكفرى هو أبيض ينضد كحب الرمان ، فما دام ملتصقا

__________________

(١) سورة القمر : ٥٤ / ٢٠.

(٢) سورة الحاقة : ٦٩ / ٧.

(٣) سورة الرعد : ١٣ / ١٢.

(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٩٩.

٥٣١

بعضه ببعض فهو نضيد ، فإذا خرج من الكفرى تفرق فليس بنضيد. و (رِزْقاً) نصب على المصدر ، لأن معنى : وأنبتنا رزقنا ، أو على أنه مفعول له. وقرأ الجمهور : (مَيْتاً) بالتخفيف ؛ وأبو جعفر ، وخالد : بالتثقيل ، والإشارة في ذلك إلى الإحياء ، أي الخروج من الأرض أحياء بعد موتكم ، مثل ذلك الحياة للبلدة الميت ، وهذه كلها أمثلة وأدلة على البعث.

وذكر تعالى في السماء ثلاثة : البناء والتزين ونفي الفروج ، وفي الأرض ثلاثة : المد وإلقاء الرواسي والإنبات. قابل المد بالبناء ، لأن المد وضع والبناء رفع. وإلقاء الرواسي بالتزيين بالكواكب ، لارتكاز كل واحد منهما. والإنبات المترتب على الشق بانتفاء الفروج ، فلا شق فيها. ونبه فيما تعلق به الإنبات على ما يقطف كل سنة ويبقى أصله ، وما يزرع كل سنة أو سنتين ويقطف كل سنة ، وعلى ما اختلط من جنسين ، فبعض الثمار فاكهة لا قوت ، وأكثر الزرع قوت والثمر فاكهة وقوت.

ولما ذكر تعالى قوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) ، ذكر من كذب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، تسلية لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتقدم الكلام على مفردات هذه الآية وقصص من ذكر فيها. وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، وطلحة ، ونافع : الأيكة بلام التعريف ؛ والجمهور : ليكة. (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) : أي كلهم ، أي جميعهم كذب ؛ وحمل على لفظ كل ، فأفرد الضمير في كذب. وقال الزمخشري : يجوز أن يراد به كل واحد منهم. انتهى. والتنوين في كل تنوين عوض من المضاف إليه المحذوف. وأجاز محمد بن الوليد ، وهو من قدماء نحاة مصر ، أن يحذف التنوين من كل جعله غاية ، ويبنى على الضم ، كما يبنى قبل وبعد ، فأجاز كل منطلق بضم اللام دون تنوين ، ورد ذلك عليه الأخفش الصغير ، وهو علي بن سليمان. (فَحَقَّ وَعِيدِ) : أي وجب تعذيب الأمم المكذبة وإهلاكهم ، وفي ذلك تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتهديد لقريش ومن كذب الرسول.

قوله عزوجل : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ، وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ، ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ، وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ، وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ).

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) : وهو إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج ، وتقدم تفسير

٥٣٢

عيي في قوله تعالى : (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) (١). وقرأ الجمهور : افعيينا ، بياء مكسورة بعدها ياء ساكنة ، ماضي عيي ، كرضي. وقرأ ابن أبي عبلة ، والوليد بن مسلم ، والقورصي عن أبي جعفر ، والسمسار عن شيبة ، وأبو بحر عن نافع : بتشديد الياء من غير إشباع في الثانية ، هكذا قال أبو القاسم الهذلي في كتاب الكامل. وقال ابن خالويه في كتاب شواذ القراءات له : أفعينا بتشديد الياء. ابن أبي عبلة ، وفكرت في توجيه هذه القراءة ، إذ لم يذكر أحد توجيهها ، فخرجتها على لغة من أدغم الياء في الياء في الماضي ، فقال : عي في عيي ، وحي في حيي. فلما أدغم ، ألحقه ضمير المتكلم المعظم نفسه ، ولم يفك الإدغام فقال : عينا ، وهي لغة لبعض بكر بن وائل ، يقولون في رددت ورددنا : ردت وردنا ، فلا يفكون ، وعلى هذه اللغة تكون الياء المشدّدة مفتوحة. فلو كان نا ضمير نصب ، لاجتمعت العرب على الإدغام ، نحو : ردّنا زيد. وقال الحسن : الخلق الأول آدم عليه‌السلام ، والمعنى : أعجزنا عن الخلق الأول ، فنعجز عن الخلق الثاني ، وهذا توقيف للكفار ، وتوبيخ وإقامة الحجة الواضحة عليهم. (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) : أي خلط وشبهة وحيرة ، ومنه قول علي : يا جار أنه لملبوس عليك ، اعرف الحق تعرف أهله. (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) : أي من البعث من القبور.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) : هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث ، والإنسان اسم جنس. وقيل : آدم. (وَنَحْنُ أَقْرَبُ) : قرب علم به وبأحواله ، لا يخفى عليه شيء من خفياته ، فكأن ذاته قريبة منه ، كما يقال : الله في كل مكان ، أي بعلمه ، وهو منزه عن الأمكنة. و (حَبْلِ الْوَرِيدِ) : مثل في فرط القرب ، كقول العرب : هو مني مقعد القابلة ، ومقعد الإزار. قال ذو الرمة :

والموت أدنى لي من الوريد

والحبل : العرق الذي شبه بواحد الحبال ، وإضافته إلى الوريد للبيان ، كقولهم : بعير سانية. أو يراد حبل العاتق ، فيضاف إلى الوريد ، كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد ، والعامل في إذ أقرب. وقيل : اذكر ، قيل : ويحسن تقدير اذكر ، لأنه أخبر خبرا مجردا بالخلق والعلم بخطرات الأنفس ، والقرب بالقدرة والملك. فلما تم الإخبار ، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر ، وتعين وروده عند السامع. فمنها : (إِذْ يَتَلَقَّى

__________________

(١) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٣٣.

٥٣٣

الْمُتَلَقِّيانِ) ، ومنها مجيء سكرة الموت ، ومنها : النفخ في الصور ، ومنها : مجيء كل نفس معها سائق وشهيد. والمتلقيان : الملكان الموكلان بكل إنسان ؛ ملك اليمين يكتب الحسنات ، وملك الشمال يكتب السيئات. وقال الحسن : الحفظة أربعة ، اثنان بالنهار واثنان بالليل. وقعيدة : مفرد ، فاحتمل أن يكون معناه : مقاعد ، كما تقول : جليس وخليط : أي مجالس ومخالط ، وأن يكون عدل من فاعل إلى فعيل للمبالغة ، كعليم. قال الكوفيون : مفرد أقيم مقام اثنين ، والأجود أن يكون حذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، أي عن اليمين قعيد ، كما قال الشاعر :

رماني بأمر كنت منه ووالدي

بريئا ومن أجل الطوى رماني

على أحسن الوجهين فيه ، أي كنت منه بريا ، ووالدي بريا. ومذهب المبرد أن التقدير عن اليمين قعيد ، وعن الشمال ، فأخر قعيد عن موضعه. ومذهب الفراء أن لفظ قعيد يدل على الاثنين والجمع ، فلا يحتاج إلى تقدير. وقرأ الجمهور : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) ، وظاهر ما يلفظ العموم. قال مجاهد ، وأبو الحواراء : يكتب عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه. وقال الحسن ، وقتادة : يكتبان جميع الكلام ، فيثبت الله تعالى من ذلك الحسنات والسيئات ، ويمحو غير ذلك. وقيل : هو مخصوص ، أي من قول خير أو شر. وقال : معناه عكرمة ، وما خرج عن هذا لا يكتب. واختلفوا في تعيين قعود الملكين ، ولا يصح فيه شيء. (رَقِيبٌ) : ملك يرقب. (عَتِيدٌ) : حاضر ، وإذا كان على اللفظ رقيب عتيد ، فأحرى على العمل. وقال الحسن : فإذا مات ، طويت صحيفته. وقيل : له يوم القيامة اقرأ كتابك.

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) : هو معطوف على (إِذْ يَتَلَقَّى) ، وسكرة الموت : ما يعتري الإنسان عند نزاعه ، والباء في (بِالْحَقِ) للتعدية ، أي جاءت سكرة الموت الحق ، وهو الأمر الذي أنطق الله به كتبه وبعث به رسله ، من سعادة الميت أو شقاوته ، أو للحال ، أي ملتبسة بالحق. وقرأ ابن مسعود : سكران جمعا. (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) : أي تميل. تقول : أعيش كذا وأعيش كذا ، فمتى فكر في قرب الموت ، حاد بذهنه عنه وأمل إلى مسافة بعيدة من الزمن. ومن الحيد : الحذر من الموت ، وظاهر تحبد أنه خطاب للإنسان الذي جاءته سكرة الموت. وقال الزمخشري : الخطاب للفاجر. تحيد : تنفر وتهرب. (ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) ، هو على حذف : أي وقت ذلك يوم الوعيد. والإشارة إلى

٥٣٤

مصدر نفخ ، وأضاف اليوم إلى الوعيد ، وإن كان يوم الوعد والوعيد معا على سبيل التخويف.

وقرأ الجمهور : معها ؛ وطلحة : بالحاء مثقلة ، أدغم العين في الهاء ، فانقلبتا حاء ؛ كما قالوا : ذهب محم ، يريد معهم ، (سائِقٌ) : جاث على السير ، (وَشَهِيدٌ) : يشهد عليه. قال عثمان بن عفان ، ومجاهد وغيره : ملكان موكلان بكل إنسان ، أحدهما يسوقه ، والآخر من حفظه يشهد عليه. وقال أبو هريرة : السائق ملك ، والشهيد النبي. وقيل : الشهيد : الكتاب الذي يلقاه منشورا ، والظاهر أن قوله : (سائِقٌ وَشَهِيدٌ) اسما جنس ، فالسائق : ملائكة موكلون بذلك ، والشهيد : الحفظة وكل من يشهد. وقال ابن عباس ، والضحاك : السائق ملك ، والشهيد : جوارح الإنسان. قال ابن عطية : وهذا يبعد عن ابن عباس ، لأن الجوارح إنما تشهد بالمعاصي ، وقوله : كل نفس يعم الصالحين ، فإنما معناه : وشهيد بخيره وشره. ويقوى في شهيد اسم الجنس ، فشهد بالخير الملائكة والبقاع ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة». وقال أبو هريرة : السائق ملك ، والشهيد العمل. وقال أبو مسلم : السائق شيطان ، وهو قول ضعيف. وقال الزمخشري : ملكان ، أحدهما يسوقه إلى المحشر ، والآخر يشهد عليه بعمله ؛ أو ملك واحد جامع بنى الأمرين ، كأنه قيل : ملك يسوقه ويشهد عليه ويحل معها سائق النصب على الحال من كل لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة ، هذا كلام ساقط لا يصدر عن مبتدىء في النحو ، لأنه لو نعت كل نفس ، لما نعت إلا بالنكرة ، فهو نكرة على كل حال ، فلا يمكن أن يتعرف كل ، وهو مضاف إلى نكرة.

قوله عزوجل : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ، وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ ، أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ، الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ ، قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ، قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ، ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ، ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ، لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ).

قرأ الجمهور : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ) ، بفتح التاء ، والكاف في كنت وغطاءك وبصرك ؛ والجحدري : بكسرها على مخاطبة النفس. وقرأ الجمهور : (عَنْكَ غِطاءَكَ

٥٣٥

فَبَصَرُكَ) ، بفتح التاء والكاف ، حملا على لفظ كل من التذكير ؛ والجحدري ، وطلحة بن مصرّف : عنك غطاءك فبصرك ، بالكسر مراعاة للنفس أيضا ، ولم ينقل الكسر في الكاف صاحب اللوامح إلا عن طلحة وحده. قال صاحب اللوامح : ولم أجد عنه في (لَقَدْ كُنْتَ). الكسر. فإن كسر ، فإن الجميع شرع واحد ؛ وإن فتح (لَقَدْ كُنْتَ) ، فحمل على كل أنه مذكر. ويجوز تأنيث كل في هذا الباب لإضافته إلى نفس ، وهو مؤنث ، وإن كان كذلك ، فإنه حمل بعضه على اللفظ وبعضه على المعنى ، مثل قوله : (فَلَهُ أَجْرُهُ). ثم قال : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ*) (١). انتهى.

قال ابن عباس ، وصالح بن كيسان ، والضحاك : يقال للكافر الغافل من ذوي النفس التي معها السائق والشهيد ، إذا حصل بين يدي الرحمن ، وعاين الحقائق التي لا يصدق بها في الدنيا ، ويتغافل عن النظر فيها : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) : أي من عاقبة الكفر. فلما كشف الغطاء عنك ، احتدّ بصرك : أي بصيرتك ؛ وهذا كما تقول : فلان حديد الذهن. وقال مجاهد : هو بصر العين ، أي احتدّ التفاته إلى ميزانه وغير ذلك من أهوال القيامة. وعن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله ، وهو في كتاب ابن عطية. وكنى بالغطاء عن الغفلة ، كأنها غطت جميعه أو عينيه ، فهو لا يبصر. فإذا كان في القيامة ، زالت عنه الغفلة ، فأبصر ما كان لم يبصره من الحق.

(وَقالَ قَرِينُهُ) : أي من زبانية جهنم ، (هذا) : العذاب الذي لدي لهذا الإنسان الكافر ، (عَتِيدٌ) : حاضر ، ويحسن هذا القول إطلاق ما على ما لا يعقل. وقال قتادة : قرينه : الملك الموكل بسوقه ، أي هذا الكافر الذي أسوقه لديّ حاضر. وقال الزهراوي : وقيل قرينه : شيطانه ، وهذا ضعيف ، وإنما وقع فيه أن القرين في قوله : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) هو شيطانه في الدنيا ومغويه بلا خلاف. ولفظ القرين اسم جنس ، فسائقه قرين ، وصاحبه من الزبانية قرين ، ومماشي الإنسان في طريقة قرين. وقيل : قرينه هنا : عمله قلبا وجوارحا. وقال الزمخشري : وقال قرينه : هو الشيطان الذي قبض له في قوله (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٢) ، يشهد له قوله تعالى : (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) ، (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) ، هذا شيء لدي ، وفي ملكتي عتيد لجهنم. والمعنى : أن ملكا يسوقه ، وآخر يشهد عليه ، وشيطانا مقرونا به يقول : قد أعتدته لجهنم وهيأته لها بإغواي وإضلالي. انتهى ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١١٢.

(٢) سورة الزخرف : ٤٣ / ٣٦.

٥٣٦

وهذا قول مجاهد. وقال الحسن ، وقتادة أيضا : الملك الشهيد عليه. وقال الحسن أيضا : هو كاتب سيئاته ، وما نكرة موصوفة بالظرف وبعتيد وموصولة ، والظرف صلتها. وعتيد ، قال الزمخشري : بدل أو خير بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف. انتهى. وقرأ الجمهور : عتيد بالرفع ؛ وعبد الله : بالنصب على الحال ، والأولى إذ ذاك أن تكون ما موصولة.

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) : الخطاب من الله للملكين : السائق والشهيد. وقيل : للملكين من ملائكة العذاب ، فعلى هذا الألف ضمير الاثنين. وقال مجاهد وجماعة : هو قول إما للسائق ، وإما للذي هو من الزبانية ، وعلى أنه خطاب للواحد. وقال المبرد معناه : ألق ألق ، فثنى. وقال الفراء : هو من خطاب الواحد بخطاب الاثنين. وقيل : الألف بدل من النون الخفيفة ، أجرى الوصل مجرى الوقف ، وهذه أقوال مرغوب عنها ، ولا ضرورة تدعو إلى الخروج عن ظاهر اللفظ لقول مجاهد. وقرأ الحسن : ألقين بنون التوكيد الخفيفة ، وهي شاذة مخالفة لنقل التواتر بالألف. (كُلَّ كَفَّارٍ) : أي يكفر النعمة والمنعم ؛ (عَنِيدٍ) ، قال قتادة : منحرف عن الطاعة. وقال الحسن : جاحد متمرد. وقال السدي : المساق من العند ، وهو عظم يعرض في الحلق. وقال ابن بحر : المعجب بما فيه.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) ، قال قتادة ومجاهد وعكرمة : يعني الزكاة. وقيل : بخيل. وقيل : مانع بني أخيه من الإيمان ، كالوليد بن المغيرة ، كان يقول لهم : من دخل منكم فيه لم أنفعه بشيء ما عشت ، والأحسن عموم الخير في المال وغيره. (مُرِيبٍ) ، قال الحسن : شاك في الله أو في البعث. وقيل : متهم الذي جوزوا فيه أن يكون منصوبا بدلا من كل كفار ، وأن يكون مجرورا بدلا من كفار ، وأن يكون مرفوعا بالابتداء مضمنا معنى الشرط ، ولذلك دخلت الفاء في خبره ، وهو فألقياه. والظاهر تعلقه بما قبله على جهة البدل ، ويكون فألقياه توكيدا. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون صفة من حيث يختص كفار بالأوصاف المذكورة ، فجاز وصفه بهذه المعرفة. انتهى. وهذا ليس بشيء لو وصفت النكرة بأوصاف كثيرة لم يجز أن توصف بالمعرفة.

(قالَ قَرِينُهُ) : لم تأت هذه الجملة بالواو ، بخلاف (وَقالَ قَرِينُهُ) قبله ، لأن هذه استؤنفت كما استؤنفت الجمل في حكاية التقاول في مقاولة موسى وفرعون ، فجرت مقاولة بين الكافر وقرينه ، فكأن الكافر قال ربي هو أطغاني ، (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ). وأما (وَقالَ قَرِينُهُ) فقطف للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول ، أعني مجيء كل نفس مع الملكين. وقول قرينه : ما قال له ، ومعنى ما أطغيته : تنزيه لنفسه من أنه

٥٣٧

أثر فيه ، (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) : أي من نفسه لا مني ، فهو الذي استحب العمى على الهدى ، كقوله : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) (١) ، وكذب القرين ، قد أطغاه بوسوسته وتزيينه. (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) : استئناف أيضا مثل قال قرينه ، كأن قائلا قال : ما قال الله تعالى؟ فقيل : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) أي في دار الجزاء وموقف الحساب. (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) لمن عصاني ، فلم أترك لكم حجة.

(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) : أي عندي ، فما أمضيته لا يمكن تبديله. وقال الفراء : ما يكذب لدي لعلمي بجميع الأمور. وقدمت : يجوز أن يكون بمعنى تقدمت ، أي قد تقدم قولي لكم ملتبسا بالوعيد ، أو يكون قدم المتعدية ، وبالوعيد هو المفعول ، والباء زائدة ، والتقديم كان في الدنيا ، ونهيهم عن الاختصام في الآخرة ، فاختلف الزمانان. فلا تكون الجملة من قوله : (وَقَدْ قَدَّمْتُ) حالا إلا على تأويل ، أي وقد صح عندكم أني قدمت ، وصحة ذلك في الآخرة ، فاتفق زمان النهي عن الاختصام ، وصحة التقديم بالحال على هذا التأويل مقارنة. (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) : تقدم شرح مثله في أواخر آل عمران ، والمعنى : لا أعذب من لا يستحق العذاب.

وقرأ يوم يقول ، بياء الغيبة الأعرج ، وشيبة ، ونافع ، وأبو بكر ، والحسن ، وأبو رجاء ، وأبو جعفر ، والأعمش ، وباقي السبعة : بالنون ؛ وعبد الله ، والحسن ، والأعمش أيضا : يقال مبنيا للمفعول وانتصاب يوم بظلام ، أو بأذكر ، أو بأنذر كذلك. قال الزمخشري : ويجوز أن ينتصب بنفخ ، كأنه قيل : ونفخ في الصور يوم نقول ، وعلى هذا يشار بذلك إلى يوم يقول. انتهى ، وهذا بعيد جدا ، قد فصل على هذا القول بين العامل والمعمول بجمل كثيرة ، فلا يناسب هذا القول فصاحة القرآن وبلاغته. و (هَلِ امْتَلَأْتِ) : تقرير وتوقيف ، لا سؤال استفهام حقيقة ، لأنه تعالى عالم بأحوال جهنم. قيل : وهذا السؤال والجواب منها حقيقة. وقيل : هو على حذف مضاف ، أي نقول لخزنة جهنم ، قاله الرماني : وقيل : السؤال والجواب من باب التصوير الذي يثبت المعنى ، أي حالها حال من لو نطق بالجواب لسائله لقال كذا ، وهذا القول يظهر أنها إذ ذاك لم تكن ملأى. فقولها : (مِنْ مَزِيدٍ) ، سؤال ورغبة في الزيادة والاستكثار من الداخلين فيها. وقال الحسن ، وعمرو ، وواصل :

__________________

(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ٢٢.

٥٣٨

كانت ملأى وقت السؤال ، فلا تزداد على امتلائها ، كما جاء في الحديث وهل ترك لنا عقيل من دار أي ما تركه ومزيد يحتمل أن يكون مصدر أو اسم مفعول. (غَيْرَ بَعِيدٍ) : مكانا غير بعيد ، وهو تأكيد لأزلفت ، رفع مجاز القرب بالوعد والإخبار. فانتصاب غير على الظرف صفة قامت مقام مكان ، فأعربت بإعرابه. وأجاز الزمخشري أن ينتصب غير بعيد على الحال من الجنة. قال : وتذكيره يعني بعيد ، لأنه على زنة المصدر ، كالزئير والصليل ، والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث. وقال الزمخشري أيضا : أو على حذف الموصوف ، أي شيئا غير بعيد. انتهى. وكأنه يعني إزلافا غير بعيد ، هذا إشارة للثواب.

وقرأ الجمهور : (ما تُوعَدُونَ) ؛ خطاب للمؤمنين ؛ وابن كثير ، وأبو عمرو : بياء الغيبة ، أي هذا القول هو الذي وقع الوعد به ، وهي جملة اعتراضية بين المبدل منه والبدل. و (لِكُلِّ أَوَّابٍ) : هو البدل من المتقين. (مَنْ خَشِيَ) : بدل بعد بدل تابع (لِكُلِ) ، قاله الزمخشري. وإنما جعله تابعا (لِكُلِ) ، لا بدلا من (لِلْمُتَّقِينَ) ، لأنه لا يتكرر الإبدال من مبدل منه واحد. قال : ويجوز أن يكون بدلا من موصوف أواب وحفيظ ، ولا يجوز أن يكون في حكم أواب وحفيظ ، لأن من لا يوصف به ، ولا يوصف من بين سائر الموصولات إلا بالذي. انتهى. يعني بقوله : في حكم أوأب : أن يجعل من صفته ، وهذا حكم صحيح. وأما قوله : ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي ، فالحصر ليس بصحيح ، قد وصفت العرب بما فيه أل ، وهو موصول ، نحو القائم والمضروب ، ووصفت بذو الطائية ، وذات في المؤنث. ومن كلامهم : بالفضل ذو فضلكم الله به ، والكرامة ذات أكرمكم الله به ، يريد بالفضل الذي فضلكم والكرامة التي أكرمكم ، ولا يريد الزمخشري خصوصية الذي ، بل فروعه من المؤنث والمثنى والمجموع على اختلاف لغات ذلك. وجوز أن تكون من موصولة مبتدأ خبره القول المحذوف ، تقديره : يقال لهم ادخلوها ، لأن من في معنى الجمع ، وأن تكون شرطية ، والجواب الفعل المحذوف ، أي فيقال : وأن يكون منادى ، كقولهم : من لا يزال محسنا أحسن إليّ ، وحذف حرف النداء للتقريب. وقال ابن عطية : يحتمل أن تكون من نعتا. انتهى ، وهذا لا يجوز ، لأن من لا ينعت بها ، وبالغيب حال من المفعول ، أي وهو غائب عنه ، وإنما أدركه بالعلم الضروري ، إذ كل مصنوع لا بد له من صانع. ويجوز أن تكون صفة لمصدر خشي ، أي خشيه خشية ملتبسة بالغيب ، حيث خشي عقابه وهو غائب ، أو خشيه بسبب الغيب الذي

٥٣٩

أوعده به من عذابه. وقيل : في الخلوة حيث لا يراه أحد ، فيكون حالا من الفاعل. وقرن بالخشية الرحمن بناء على الخاشي ، حيث علم أنه واسع الرحمة ، وهو مع ذلك يخشاه.

(ادْخُلُوها بِسَلامٍ) : أي سالمين من العذاب ، أو مسلما عليكم من الله وملائكته. (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) : كقوله : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (١) : أي مقدرين الخلود ، وهو معادل لقوله في الكفار : (ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ). (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) : أي ما تعلقت به مشيئاتهم من أنواع الملاذ والكرامات ، كقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) (٢). (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) : زيادة ، أو شيء مزيد على ما تشاءون ، ونحوه : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (٣) ، وكما جاء في الحديث : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ما اطلعتهم عليه» ، ومزيد مبهم ، فقيل : مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها. وقيل : أزواج من حور الجنة. وقيل : تجلى الله تعالى لهم حتى يرونه.

قوله عزوجل : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ، وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ، فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ ، وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ، إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ، يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).

أي كثيرا. (أَهْلَكْنا) : أي قبل قريش. (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) ، لكثرة قوتهم وأموالهم. وقرأ الجمهور : (فَنَقَّبُوا) ، بفتح القاف مشددة ، والظاهر أن الضمير في نقبوا عائد على كم ، أي دخلوا البلاد من أنقابها. والمعنى : طافوا في البلاد. وقيل : نقروا وبحثوا ، والتنقيب : التنقير والبحث. قال امرؤ القيس في معنى التطواف :

وقد نقبت في الآفاق حتى

رضيت من الغنيمة بالإياب

وروي : وقد طوفت. وقال الحارث بن خلدة :

نقبوا في البلاد من حذر المو

ت وجالوا في الأرض كل مجال

__________________

(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٧٣.

(٢) سورة فصلت : ٤١ / ٣١.

(٣) سورة السجدة : ٣٢ / ١٧.

٥٤٠