البحر المحيط في التّفسير - ج ٩

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٢

الألوهية في الدنيا ولا في الآخرة ، أو دعوة مستجابة جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة ، أو سميت الاستجابة باسم الدعوة ، كما سمى الفعل المجازى عليه باسم الجزاء في قوله : كما تدين تدان. وقال الكلبي : ليست له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة ، وكان فرعون أولا يدعو الناس إلى عبادة الأصنام ، ثم دعاهم إلى عبادة البقر ، وكانت تعبد ما دامت شابة ، فإذا هزلت أمر بذبحها ودعا بأخرى لتعبد. فلما طال عليه الزمان قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (١). ولما ذكر انتفاء دعوة ما عبد من دون الله وذكر أن مرد الجميع إلى الله ، أي إلى جزائه ، (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) : وهم المشركون في قول قتادة ، والسفاكون للدماء بغير حلها في قول ابن مسعود ومجاهد. وقيل : من غلب شره خيره هو المسرف. وقال عكرمة : هم الجبارون المتكبرون. وختم المؤمن كلامه بخاتمة لطيفة توجب التخويف والتهديد وهي قوله : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) : أي إذا حل بكم عقاب الله. (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي) إلى قضاء الله وقدره ، لا إليكم ولا إلى أصنامكم ، وكانوا قد توعدوه. ثم ذكر ما يوجب التفويض ، وهو كونه تعالى بصيرا بأحوال العباد وبمقادير حاجاتهم.

قال مقاتل : لما قال هذه الكلمات ، قصدوا قتله ؛ فهرب هذا المؤمن إلى الجبل ، فلم يقدروا عليه. وقيل : لما أظهر إيمانه ، بعث فرعون في طلبه ألف رجل ؛ فمنهم من أدركه ، فذب السباع عنه وأكلتهم السباع ، ومنهم من مات في الجبال عطشا ، ومنهم من رجع إلى فرعون خائبا ، فاتهمه وقتله وصلبه. وقيل : نجا مع موسى في البحر ، وفر في جملة من فر معه. (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) : أي شدائد مكرهم التي تسوؤه ، وما هموا به من أنواع العذاب لمن خالفهم. (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) ، قال ابن عباس : هو ما حاق بالألف الذين بعثهم فرعون في طلب المؤمن ، من أكل السباع ، والموت بالعطش ، والقتل والصلب ، كما تقدم. وقيل : (سُوءُ الْعَذابِ) : هو الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة. (النَّارُ) بدل من (سُوءُ الْعَذابِ) ، أو خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قيل : ما سوء العذاب : قيل : النار ، أو مبتدأ خبره (يُعْرَضُونَ) ، ويقوي هذا الوجه قراءة من نصب ، أي تدخلون النار يعرضون عليها. وقال الزمخشري : ويجوز أن ينصب على الاختصاص.

والظاهر أن عرضهم على النار مخصوص بهذين الوقتين ، ويجوز أن يراد بذكر الطرفين الدوام في الدنيا ، والظاهر أن العرض خلاف الإحراق. وقال الزمخشري : عرضهم عليها : إحراقهم بها ، يقال : عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به. انتهى ،

__________________

(١) سورة النازعات : ٧٩ / ٢٤.

٢٦١

والظاهر أن العرض هو في الدنيا. وروي ذلك عن الهذيل بن شرحبيل ، وعن ابن مسعود والسدي : أن أرواحهم في جوف طيور سود ، تروح بهم وتغدو إلى النار. وقال رجل للأوزاعي : رأيت طيورا بيضا تغدو من البحر ، ثم تروح بالعشي سودا مثلها ، فقال الأوزاعي : تلك التي في حواصلها أرواح آل فرعون ، يحرق رياشها وتسود بالعرض على النار. وقال محمد بن كعب وغيره : أراد أنهم يعرضون في الآخرة على تقدير ما بين الغدوّ والعشي ، إذ لا غدوّ ولا عشي في الآخرة ، وإنما ذلك على التقدير بأيام الدنيا. وعن ابن مسعود : تعرض أرواح آل فرعون ومن كان مثلهم من الكفار على النار بالغداة والعشي ، يقال : هذه داركم.

وفي صحيح البخاري ، ومسلم ، من حديث ابن عمر ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة».

واستدل مجاهد ومحمد بن كعب وعكرمة ومقاتل بقوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) : أي عند موتهم على عذاب القبر في الدنيا. والظاهر تمام الجملة عند قوله : (وَعَشِيًّا) ، وأن يوم القيامة معمول لمحذوف على إضمار القول ، أي ويوم القيامة يقال لهم : ادخلوا. وقيل : ويوم معطوف على وعشيا ، فالعامل فيه يعرضون ، وأدخلوا على إضمار الفعل. وقيل : العامل في يوم أدخلوا. وقرأ الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعمش ، وابن وثاب ، وطلحة ، ونافع ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص : أدخلوا ، أمرا للخزنة من أدخل. وعليّ ، والحسن ، وقتادة ، وابن كثير ، والعربيان ، وأبو بكر : أمرا من دخل آل فرعون أشد العذاب. قيل : وهو الهاوية. قال الأوزاعي : بلغنا أنهم ألفا ألف وستمائة ألف.

(وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ) : الظاهر أن الضمير عائد على فرعون. وقال ابن عطية : والضمير في قوله : (يَتَحاجُّونَ) لجميع كفار الأمم ، وهذا ابتداء قصص لا يختص بآل فرعون ، والعامل في إذ فعل مضمر تقديره واذكروا. وقال الطبري : وإذ هذه عطف على قوله : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) ، وهذا بعيد. انتهى ، والمحاجة : التحاور بالحجة والخصومة. والضعفاء : أي في القدر والمنزلة في الدنيا. والذين استكبروا : أي عن الإيمان واتباع الرسل. (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) : أي ذوي تبع ، فتبع مصدر أو اسم جمع لتابع ، كآيم وأيم ، وخادم وخدم ، وغائب وغيب. (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا) : أي حاملون عنا؟

٢٦٢

فأجابوهم : (إِنَّا كُلٌّ فِيها) ، وأن حكم الله قد نفذ فينا وفيكم ، إنا مستمرون في النار. وقرأ ابن السميفع ، وعيسى بن عمران : كلا بنصب كل. وقال الزمخشري ، وابن عطية : على التوكيد لاسم إن ، وهو معرفة ، والتنوين عوض من المضاف إليه ، يريد : إنا كلنا فيها. انتهى. وخبر إن هو فيها ، ومن رفع كلا فعلى الابتداء ، وخبره فيها ، والجملة خبر إن. وقال ابن مالك في تصنيفه (تسهيل الفوائد) : وقد تكلم على كل ، ولا يستغنى بنية إضافته ، خلافا للفرّاء والزمخشري. انتهى ، وهذا المذهب منقول عن الكوفيين ، وقد رد ابن مالك على هذا المذهب بما قرره في شرحه (التسهيل). وقال الزمخشري : فإن قلت : هل يجوز أن يكون كلا حالا قد عمل فيها فيها؟ قلت : لا ، لأن الظرف لا يعمل ، والحال متقدمة ، كما يعمل في الظرف متقدما ، تقول : كل يوم لك ثوب ، ولا تقول : قائما في الدار زيد. انتهى. وهذا الذي منعه أجازه الأخفش إذا توسطت الحال ، نحو : زيد قائما في الدار ، وزيد قائما عندك ، والتمثيل الذي ذكره ليس مطابقا في الآية ، لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم ، وهو اسم إن ، وتوسطت الحال إذا قلنا إنها حال ، وتأخر العامل فيها ، وأما تمثيله بقوله : ولا تقول قائما في الدار زيد ، تأخر فيه المسند والمسند إليه ، وقد ذكر بعضهم أن المنع في ذلك إجماع من النحاة. وقال ابن مالك : والقول المرضي عندي أن كلا في القراءة المذكورة منصوب على أن الضمير المرفوع المنوي في فيها ، وفيها هو العامل ، وقد تقدمت الحال عليه مع عدم تصرفه ، كما قدمت في قراءة من قرأ : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (١). وفي قول النابغة الذبياني :

رهط ابن كوز محقبي أدراعهم

فيهم ورهط ربيعة بن حذار

وقال بعض الطائيين :

دعا فأجبنا وهو باديّ ذلة

لديكم فكان النصر غير قريب

انتهى. وهذا التخريج هو على مذهب الأخفش ، كما ذكرناه ، والذي أختاره في تخريج هذه القراءة أن كلا بدل من اسم إن ، لأن كلا يتصرف فيهما بالابتداء ونواسخه وغير ذلك ، فكأنه قال : إن كلا بدل من اسم إن ، لأن كلا فيها : وإذا كانوا قد تأولوا حولا أكتعا ويوما أجمعا على البدل ، مع أنهما لا يليان العوامل ، فإن يدعى في كل البدل أولى ، وأيضا فتنكير كل ونصبه حالا في غاية الشذوذ ، والمشهور أن كلا معرفة إذا قطعت عن الإضافة.

__________________

(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٦٧.

٢٦٣

حكى : مررت بكل قائما ، وببعض جالسا في الفصيح الكثير في كلامهم ، وقد شذ نصب كل على الحال في قولهم : مررت بهم كلا ، أي جميعا. فإن قلت : كيف يجعله بدلا ، وهو بدل كل من كل من ضمير المتكلم ، وهو لا يجوز على مذهب البصريين؟ قلت : مذهب الأخفش والكوفيين جوازه ، وهو الصحيح ، على أن هذا ليس مما وقع فيه الخلاف ، بل إذا كان البدل يفيد الإحاطة ، جاز أن يبدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب ، لا نعلم خلافا في ذلك ، كقوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) (١) ، وكقولك : مررت بكم صغيركم وكبيركم ، معناه : مررت بكم كلكم ، وتكون لنا عيدا كلنا. فإذا جاز ذلك فيما هو بمعنى الإحاطة ، فجوازه فيما دل على الإحاطة ، وهو كل أولى ، ولا التفات لمنع المبرد البدل فيه ، لأنه بدل من ضمير المتكلم ، لأنه لم يتحقق مناط الخلاف.

ولما أجاب الضعفاء المستكبرون قالوا جميعا : (لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) ، وأبرز ما أضيف إليه الخزنة ، ولم يأت ضميرا ، فكان يكون التركيب لخزنتها ، لما في ذكر جهنم من التهويل ، وفيها أطغى الكفار وأعتاهم. ولعل الكفار توهموا أن ملائكة جهنم الموكلين بعذاب تلك الطغاة هم أقرب منزلة عند الله من غيرهم من الملائكة الموكلين ببقية دركات النار ، فرجوا أن يجيبوهم ويدعوا لهم بالتخفيف ، فراجعتهم الخزنة على سبيل التوبيخ لهم والتقرير : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) ، فأجابوا بأنهم أتتهم ، (قالُوا) : أي الخزنة ، (فَادْعُوا) أنتم على معنى الهزء بهم ، أو فادعوا أنتم ، فإنا لا نجترئ على ذلك. والظاهر أن قوله : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) من كلام الخزنة : أي دعاؤكم لا ينفع ولا يجدي. وقيل : هو من كلام الله تعالى إخبارا منه لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وجاءت هذه الأخبار معبرا عنها بلفظ الماضي الواقع لتيقن وقوعها.

ثم ذكر تعالى أنه ينصر رسله ويظفرهم بأعدائهم ، كما فعل بموسى عليه‌السلام ، حيث أهلك عدوّه فرعون وقومه ، وفيه تبشير للرسول عليه‌السلام بنصره على قومه ، (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، العاقبة الحسنة لهم ، (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) : وهو يوم القيامة. قال ابن عباس : ينصرهم بالغلبة ، وفي الآخرة بالعذاب. وقال السدّي : بالانتقام من أعدائهم. وقال أبو العالية : بإفلاح حجتهم. وقال السدّي أيضا : ما قتل قوم قط نبيّا أو قوما من دعاة الحق إلا بعث الله من ينتقم لهم ، فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا. انتهى. ألا ترى إلى قتلة

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ١١٤.

٢٦٤

الحسين ، رضي‌الله‌عنه ، كيف سلط الله عليهم المختار بن عبيد يتبعهم واحدا واحدا حتى قتلهم؟ ويختنصر تتبع اليهود حين قتلوا يحيى بن زكريا ، عليهما‌السلام؟ وقيل : والنصر خاص بمن أظهره الله تعالى على أمّته ، كنوح وموسى ومحمد عليهم‌السلام ، لأنا نجد من الأنبياء من قتله قومه ، كيحيى ، ومن لم ينصر عليهم. وقال السدي : الخبر عام ، وذلك أن نصرة الرسل والأنبياء واقعة ولا بد ، إما في حياة الرسول المنصور ، كنوح وموسى عليهما‌السلام ، وإما بعد موته. ألا ترى إلى ما صنع الله تعالى ببني إسرائيل بعد قتلهم يحيى عليه‌السلام من تسليط بختنصر حتى انتصر ليحيى عليه‌السلام؟ وقرأ الجمهور : يقوم بالياء ؛ وابن هرمز ، وإسماعيل ، والمنقري عن أبي عمرو : بتاء التأنيث. الجماعة والأشهاد ، جمع شهيد ، كشريف وأشراف ، أو جمع شاهد ، كصاحب وأصحاب ، كما قال تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) (١). وقال : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (٢) ، والظاهر أنه من الشهادة. وقيل : من المشاهدة ، بمعنى الحضور. (يَوْمَ لا يَنْفَعُ) : بدل من يوم (يَقُومُ). وقرىء : تنفع بالتاء وبالياء ، وتقدم ذكر الخلاف في ذلك في آخر الروم ، ويحتمل أنهم يعتذرون ولا تقبل معذرتهم ، أو أنهم لا معذرة لهم فتقبل. (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) والإبعاد من الله. (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) : سوء عاقبة الدار.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ، هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ، فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ ، إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ، وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ ، إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ، وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ، اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ، ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ، كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ، اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٤١.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٤٣.

٢٦٥

فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ، هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

ولما ذكر ما حل بآل فرعون ، واستطرد من ذلك إلى ذكر شيء من أحوال الكفار في الآخرة ، عاد إلى ذكر ما منح رسوله موسى عليه‌السلام فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) تأنيسا لمحمد عليه‌السلام ، وتذكيرا لما كانت العرب تعرفه من قصة موسى عليه‌السلام. والهدى ، يجوز أن يكون الدلائل التي أوردها على فرعون وقومه ، وأن يكون النبوة ، وأن يكون التوراة. (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) : الظاهر أنه التوراة ، توارثوها خلف عن سلف ، ويجوز أن يكون الكتاب أريد به : ما أنزل على بني إسرائيل من كتب أنبيائهم ، كالتوراة والزبور والإنجيل ، (هُدىً) ودلالة على الشيء المطلوب ، (وَذِكْرى) لما كان منسيا فذكر به تعالى في كتبه. وانتصب (هُدىً وَذِكْرى) على أنهما مفعولان له ، أو على أنهما مصدران في موضع الحال.

ثم أمر تعالى نبيه بالصبر فقال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) ، من قوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) ، فلا بد من نصرك على أعدائك. وقال الكلبي : نسخ هذا بآية السيف. (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) ، قال ابن عطية : يحتمل أن يكون قبل إعلام الله تعالى إياه أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، لأن آية هذه السورة مكية ، وآية سورة الفتح مدينة متأخرة ، ويحتمل أن يكون الخطاب له في هذه الآية ، والمراد أنه إذا أمر هو بهذا فغيره أحرى بامتثاله. وقال أبو عبد الله الرازي : محمول على التوبة من ترك الأفضل والأولى. وقيل : المقصود منه محض تعبد ، كما في قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) (١) ، فإن إيتاء ذلك الشيء واجب ، ثم إنه أمرنا بطلبه. وقيل : (لِذَنْبِكَ) : لذنب أمتك في حقك. قيل : فأضاف المصدر للمفعول ، ثم أمره بتنزيهه تعالى في هذين الوقتين اللذين الناس مشتغلون فيهما بمصالحهم المهمة. ويجوز أن يكون المراد سائر الأوقات ، وعبر بالظرفين عن ذلك. وقال ابن عباس : أراد بذلك الصلوات الخمس. وقال قتادة : صلاة الغداة ، وصلاة العصر. وقال الحسن : ركعتان قبل أن تفرض الصلاة. وعنه أيضا : صلاة العصر ، وصلاة الصبح. والظاهر أن المجادلين في آيات الله ، وهي دلائله التي نصبها على توحيده وكتبه المنزلة ، وما أظهر على يد أنبيائه من الخوارق ، هم كفار قريش والعرب. (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) : أي حجة وبرهان. (فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) : أي تكبر وتعاظم ، وهو إرادة التقدم والرياسة ، وذلك هو الحامل

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٩٤.

٢٦٦

على جدالهم بالباطل ، ودفعهم ما يجب لك من تقدمك عليهم ، لما منحك من النبوة وكلفك من أعباء الرسالة. (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) : أي ببالغي موجب الكبر ومقتضيه من رياستهم وتقدمهم ، وفي ذلك إشارة إلى أنهم لا يرأسون ، ولا يحصل لهم ما يؤملونه. وقال الزجاج : المعنى على تكذيب إلا ما في صدورهم من الكبر عليك ، وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر ، لأن الله أذلهم. وقال ابن عطية : تقديره مبالغي إرادتهم فيه. وقال مقاتل : هي في اليهود.

قال مقاتل : عظمت اليهود الدجال وقالوا : إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان وله سلطان ، فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) ، لأن الدجال من آياته ، (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) : أي حجة ، (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) من فتنة الدجال. والمراد بخلق الناس الدجال ، وإلى هذا ذهب أبو العالية ، وهذا القول أصح. وقال الزمخشري : وقيل المجادلون هم اليهود ، وكانوا يقولون : يخرج صاحبنا المسيح بن داود ، يريدون الدجال ، ويبلغ سلطانه البر والبحر ، وتسير معه الأنهار ، وهو آية من آيات الله ، فيرجع إلينا الملك ، فسمى الله تمنيتهم ذلك كبرا ، ونفى أن يبلغوا متمناهم. انتهى. وكان رئيس اليهود في زمانه في مصر موسى بن ميمون الأندلسي القرطبي قد كتب رسالته إلى يهود اليمن أن صاحبهم يظهر في سنة كذا وخمسمائة ، وكذب عدوّ الله. جاءت تلك السنة وسنون بعدها كثيرة ، ولم يظهر شيء مما قاله ، لعنه الله. وكان هذا اليهودي قد أظهر الإسلام ، حتى استسلم اليهود بعض ملوك المغرب ، ورجل من الأندلس. فيذكر أنه صلى بالناس التراويح وهم على ظهر السفينة في رمضان ، إذ كان يحفظ القرآن. فلما قدم مصر ، وكان ذلك في دولة العبيديين ، وهم لا يتقيدون بشريعة ، رجع إلى اليهودية وأخبر أنه كان مكرها على الإسلام ، فقبل منه ذلك ، وصنف لهم تصانيف ، ومنها : (كتاب دلالة الحائرين) ، وإنما استفاد ما استفاد من مخالطة علماء الأندلس وتودده لهم ، والرياسة إلى الآن بمصر لليهود في كل من كان من ذريته. (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) : أي التجئ إليه من كيد من يحسدك. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لما تقول ويقولون ، (الْبَصِيرُ) بما تعمل ويعملون ، فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم.

ثم نبه تعالى أنه لا ينبغي أن يجادل في آيات الله ، ولا يتكبر الإنسان بقوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) : أي أن مخلوقاته أكبر وأجل من خلق البشر ، فما لأحد يجادل ويتكبر على خالقه. وقال الزمخشري : مجادلتهم في آيات الله كانت مشتملة على إنكار البعث ، وهو أصل المجادلة ومدارها ، فجحدوا بخلق السموات والأرض ، لأنهم

٢٦٧

كانوا مقرين بأن الله خالقها ، وبأنها خلق عظيم لا يقادر قدره ، وخلق الناس بالقياس إليه شيء قليل مهين ، فمن قدر على خلقها مع عظمها كان على خلق الإنسان مع مهانته أقدر ، وهو أبلغ من الاستشهاد بخلق مثله. انتهى. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث والإعادة ، فأعلم تعالى أن الذي خلق السموات والأرض قوي قادر على خلق الناس تارة أخرى ، فالخلق مصدر أضيف إلى المفعول ، وقال النقاش : المعنى مما يخلق الناس ، إذ هم في الحقيقة لا يملكون شيئا ، فالخلق مضاف للفاعل. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) : أي لا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم ، ونفي العلم عن الأكثر وتخصيصه به يدل على أن القليل يعلم ، ولذلك ضرب مثلا للجاهل بالأعمى ، وللعالم بالبصير ، وانتفاء الاستواء بينهما هو من الجهة الدالة على العمى وعلى البصر ، وإلا فهما مستويان في غير ما شيء.

ولما بعد ، قسم الذين آمنوا بطول صلة الموصول ، كرر لا توكيدا ، وقدم (وَالَّذِينَ آمَنُوا) لمجاورة قوله : (وَالْبَصِيرُ) ، وهما طريقان ، أحدهما : أن يجاور المناسب هكذا ، والآخر : أن يتقدم ما يقابل الأول ويؤخر ما يقابل الآخر ، كقوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ، وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) (١) ، وقد يتأخر المتماثلان ، كقوله تعالى : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) (٢) ، وكل ذلك تفنن في البلاغة وأساليب الكلام. ولما كان قد تقدم : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ، فكان ذلك صفة ذم ناسب أن يبدأ في ذكر التساوي بصفة الذم ، فبدأ بالأعمى. وقرأ قتادة ، وطلحة ، وأبو عبد الرحمن ، وعيسى ، والكوفيون : تتذكرون بتاء الخطاب ؛ والجمهور ، والأعرج ، والحسن ، وأبو جعفر ، وشيبة : بالياء على الغيبة. ثم أخبر بما يدل على البعث من إتيان الساعة ، وأنه لا ريب في وقوعها ، وهو يوم القيامة ، حيث الحساب وافتراق الجمع إلى الجنة طائعهم ، وإلى النار كافرهم ومن أراد الله تعذيبه من العصاة بغير الكفر. والظاهر حمل الدعاء والاستجابة على ظاهرهما ، إلا أن الاستجابة مقيدة بمشيئة الله.

قال السدي : اسألوني أعطكم ؛ وقال الضحاك : أطيعوني آتكم ؛ وقالت فرقة منهم مجاهد : ادعوني ، اعبدوني وأستجب لكم ، آتيكم على العبادة. وكثيرا جاء الدعاء في القرآن بمعنى العبادة ، ويقوي هذا التأويل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي). وما روى النعمان بن بشير ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الدعاء هو العبادة» ، وقرأ هذه الآية. وقال

__________________

(١) سورة فاطر : ٣٥ / ٢٠.

(٢) سورة هود : ١١ / ٢٤.

٢٦٨

ابن عباس : وحدوني أغفر لكم ؛ وقيل للثوري : ادع الله تعالى ، فقال : إن ترك الذنوب هو الدعاء. وقال الحسن ، وقد سئل عن هذه الآية : اعملوا وأبشروا ، فإنه حق على الله أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ويزيدهم من فضله. وقال أنس : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله». (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) : أي عن دعائي. وقرأ جمهور السبعة ، والحسن ، وشيبة : سيدخلون مبنيا للفاعل ؛ وزيد بن علي ، وابن كثير ، وأبو جعفر : مبنيا للمفعول ؛ واختلف عن عاصم وأبي عمرو. داخرين : ذليلين.

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) : تقدم الكلام على مثل هذه الجملة في سورة يونس. و (لَذُو فَضْلٍ) : أبلغ من : لمفضل أو لمتفضل ، كما قال : (لَذُو عِلْمٍ) لما علمناه (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) (١) ، (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢) ، لما يؤدي إليه من كونه صاحبه ومتمكنا منه ، بخلاف أن يؤتي بالصفة ، فإنه قد يدل على غير الله بالاتصاف به في وقت ما ، لا دائما ، وذكر عموم فضله وسوغه على الناس ، ثم قال : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) ، فأتى به ظاهرا ، ولم يأت التركيب : ولكن أكثرهم. قال الزمخشري : في هذا التكرير تخصيص لكفران النعمة بهم ، وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه ، كقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ*) (٣) ، (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٤) ، (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٥). انتهى. (ذلِكُمُ) : أي المخصوص بتلك الصفات التميز بها من استجابته لدعائكم ، ومن جعل الليل والنهار كما ذكر ، ومن تفضله عليكم. (اللهُ رَبُّكُمْ) : الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية ، وإنشاء الأشياء والوحدانية. فكيف تصرفون عن عبادة من هذه أوصافه إلى عبادة الأوثان؟ وقرأ زيد بن علي : خالق بنصب القاف ، وطلحة في رواية : يؤفكون بياء الغيبة والجمهور : بضم القاف وتاء الخطاب. قال الزمخشري : خالق نصبا على الاختصاص كذلك ، أي مثل ذلك الصرف صرف الله قلوب الجاحدين بآيات الله من الأمم على طريق الهدى.

ولما ذكر تعالى ما امتن به من الليل والنهار ، ذكر أيضا ما امتن به من جعل الأرض مستقرا والسماء بناء ، أي قبة ، ومنه أبنية العرب لمضاربهم ، لأن السماء في منظر العين كقبة مضروبة على وجه الأرض. وقرأ الجمهور : صوركم بضم الصاد ، والأعمش ، وأبو

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ / ٧.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٠٥.

(٣) سورة الحج : ٢٢ / ٦٦.

(٤) سورة العاديات : ١٠٠ / ٦.

(٥) سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٤.

٢٦٩

رزين : بكسرها فرارا من الضمة قبل الواو استثقالا ، وجمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسرها شاذ ، وقالوا قوة وقوى بكسر القاف على الشذوذ أيضا قيل : لم يخلق حيوانا أحسن صورة من الإنسان. وقيل : لم يخلقهم منكوسين كالبهائم ، كقوله : (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (١). وقرأت فرقة : صوركم بضم الصاد وإسكان الواو ، على نحو بسرة وبسر ، (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) : امتن عليهم بما يقوم بأود صورهم والطيبات المستلذات طعما ولباسا ومكاسب. وقال ابن عباس : من قال : لا إله إلا الله ، فليقل على أثرها : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). وقال نحوه سعيد بن جبير ، ثم قرأ الآية.

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ، الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ، إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ ، فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ، ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ ، مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ ، ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ، ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ).

أمر الله تعالى نبيه ، عليه‌السلام ، أن يخبرهم بأنه نهى أن يعبد أصنامهم ، لما جاءته البينات من ربه ، فهذا نهي بالسمع ، وإن كان منهيا بدلائل العقل ، فتظافرت أدلة السمع وأدلة العقل على النهي عن عبادة الأوثان. فمن أدلة السمع قوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٢) إلى غير ذلك ، وذكره أنه نهي بالسمع لا يدل على أنه كان منهيا بأدلة العقل. ولما نهى عن عبادة الأوثان ، أخبر أنه أمر بالاستسلام لله تعالى ، ثم بين أمر الوحدانية والألوهية التي أصنامهم عارية عن شيء منهما ، بالاعتبار في تدريج ابن آدم بأن ذكر مبدأه الأول ، وهو من تراب. ثم أشار إلى التناسل بخلقه من نطفة ، والطفل اسم جنس ، أو يكون المعنى : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ) ، أي كل واحد منكم طفلا ، وتقدم الكلام على بلوغ الأشد. و (مِنْ قَبْلُ) ، قال مجاهد : من قبل أن يكون شيخا ، قيل : ويجوز أن يكون من قبل هذه الأحوال ، إذا خرج سقطا ، وقيل : عبارة بتردده في التدريج

__________________

(١) سورة التين : ٩٥ / ٤.

(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ٩٥ ـ ٩٦.

٢٧٠

المذكور ، ولا يختص بما قبل الشيخ ، بل منهم من يموت قبل أن يخرج طفلا ، وآخر قبل الأشد ، وآخر قبل الشيخ. (وَلِتَبْلُغُوا) : متعلق بمحذوف ، أي يبقيكم لتبلغوا ، أي ليبلغ كل واحد منكم أجلا مسمى لا يتعداه. قال مجاهد : يعني موت الجميع ، وقيل : هو يوم القيامة. و (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ما في ذلك من العبرة والحجج ، إذا نظرتم في ذلك وتدبرتم.

ولما ذكر ، رتب الإيجاد ، ذكر أنه المتصف بالإحياء والإماتة ، وأنه متى تعلقت إرادته بإيجاد شيء أوجده من غير تأخر ، وتقدم الكلام على مثل هذه الجمل. ثم قال بعد ظهور هذه الآيات : ألا تعجب إلى المجادل في آيات الله كيف يصرف عن الجدال فيها ويصير إلى الإيمان بها؟ والظاهر أنها في الكفار المجادلين في رسالة الرسول عليه‌السلام والكتاب الذي جاء به بدليل قوله : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) ، ثم هددهم بقوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ، وهذا قول الجمهور. وقال محمد بن سيرين وغيره : هي إشارة إلى أهل الأهواء من الأمة ، ورووا في نحو هذا حديثا وقالوا : هي في أهل القدر ومن جرى مجراهم ، ويلزم قائلي هذه المقالة أن يجعل قوله : (الَّذِينَ كَذَّبُوا) كلاما مستأنفا في الكفار ، ويكون (الَّذِينَ كَذَّبُوا) مبتدأ ، وخبره : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ). وأما على الظاهر ، فالذين بدل من الذين ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو منصوبا على الذم ، وإذ ظرف لما مضى ، فلا يعمل فيه المستقبل ، كما لا يقول : سأقوم أمس ، فقيل : إذا يقع موقع إذ ، وأن موقعها على سبيل المجاز ، فيكون إذ هنا بمعنى إذا ، وحسن ذلك تقين وقوع الأمر ، وأخرج في صيغة الماضي ، وإن كان المعنى على الاستقبال. قال النخعي : لو أن غلّا من أغلال جهنم وضع على جبل ، لأرحضه حتى يبلغ إلى الماء الأسود. وقرأ : والسلاسل عطفا على الأغلال ، يسحبون مبنيا للمفعول. وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وزيد بن علي ، وابن وثاب ، والمسيء في اختياره : والسلاسل بالنصب على المفعول ، يسحبون مبنيا للفاعل ، وهو عطف جملة فعلية على جملة اسمية. وقرأت فرقة منهم ابن عباس : والسلاسل ، بجر اللام. قال ابن عطية : على تقدير ، إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل ، فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ ، إذ ترتيبه فيه قلب ، وهو على حد قول العرب : أدخلت القلنسوة في رأسي ، وفي مصحف أبيّ : وفي السلاسل يسحبون. وقال الزمخشري : ووجهه أنه لو قيل : إذ أعناقهم في الأغلال ، مكان قوله : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) ، لكان صحيحا مستقيما. فلما كانتا عبارتين معتقبتين ، حمل قوله : (وَالسَّلاسِلُ) على العبارة الأخرى ، ونظيره قول الشاعر :

٢٧١

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلا ببين غرابها

كأنه قيل : بمصلحين. وقرىء : وبالسلاسل ، انتهى ، وهذا يسمى العطف على التوهم ، ولكن توهم إدخال حرف الجر على مصلحين أقرب من تغيير تركيب الجملة بأسرها ، والقراءة من تغيير تركيب الجملة السابقة بأسرها ، ونظير ذلك قول الشاعر :

أحدك لن ترى بثعيلبات

ولا بيداء ناجية زمولا

ولا متدارك والليل طفل

ببعض نواشع الوادي حمولا

التقدير : لست براء ولا متدارك. وهذا الذي قاله ابن عطية والزمخشري سبقهما إليه الفراء ، قال : من جر السلاسل حمله على المعنى ، لأن المعنى : أعناقهم في الأغلال والسلاسل. وقال الزجاج : من قرأ بخفض والسلاسل ، فالمعنى عنده : وفي السلاسل يسحبون. وقال ابن الأنباري : والخفض على هذا المعنى غير جائز ، لو قلت : زيد في الدار ، لم يحسن أن تضمر في فتقول : زيد الدار ، ثم ذكر تأويل الفراء ، وخرج القراءة ثم قال : كما تقول : خاصم عبد الله زيدا العاقلين ، بنصب العاقلين ورفعه ، لأن أحدهما إذا خاصمه صاحبه فقد خاصمه الآخر. انتهى ، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين ، وهي منقول جوازها عن محمد بن سعفان الكوفي ، قال : لأن كل واحد منهما فاعل مفعول ، وقرىء : وبالسلاسل يسحبون ، ولعل هذه القراءة حملت الزجاج على أن تأويل الخفض على إضمار حرف الجر ، وهو تأويل شذوذ. وقال ابن عباس : في قراءة من نصب والسلاسل ، وفتح ياء يسحبون إذا كانوا يجرونها ، فهو أشد عليهم ، يكلفون ذلك وهم لا يطيقون. وقال مجاهد : (يُسْجَرُونَ) : يطرحون فيها ، فيكونون وقودا لها. وقال السدي : يسجرون : يحرقون.

ثم أخبر تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة من جهة التوبيخ والتقريع ، فيقال لهم : أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا؟ فيقولون : (ضَلُّوا عَنَّا) : أي تلفوا منا وغابوا واضمحلوا ، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون : بل لم نكن نعبد شيئا ، وهذا من أشد الاختلاط في الذهن والنظر.

ولما تبين لهم أنهم لم يكونوا شيئا ، وما كانوا يعبدون بعبادتهم شيئا ، كما تقول : حسبت أن فلانا شيء ، فإذا هو ليس بشيء إذا اختبرته ، فلم تر عنده جزاء ، وقولهم :

٢٧٢

(ضَلُّوا عَنَّا) ، مع قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (١) ، يحتمل أن يكون ذلك عند تقريعهم ، فلم يكونوا معهم إذ ذاك ، أو لما لم ينفعوهم قالوا : (ضَلُّوا عَنَّا) ، وإن كانوا معهم. (كَذلِكَ) : أي مثل هذه الصفة وبهذا الترتيب ، (يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) ، وقال الزمخشري : أي مثل ضلال آلهتهم عنهم ، يضلهم عن آلهتهم ، حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا. ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح ، (بِغَيْرِ الْحَقِ) : وهو الشهادة عبادة الأوثان. وقال ابن عطية : ذلك العذاب الذي أنتم فيه مما كنتم تفرحون في الأرض بالمعاصي والكفر. انتهى. و (تَمْرَحُونَ) ، قال ابن عباس : الفخر والخيلاء ؛ وقال مجاهد : الأشر والبطر. انتهى ، فقال لهم ذلك توبيخا أي إيمانا لكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعاصي وكثرة المال والأتباع والصحة. وقال الضحاك : الفرح والسرور ، والمرح : العدوان ، وفي الحديث : «إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين». وتفرحون وتمرحون من باب تجنيس التحريف المذكور في علم البديع ، وهو أن يكون الحرف فرقا بين الكلمتين.

(ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) : الظاهر أنه قيل لهم : ادخلوا بعد المحاورة السابقة ، وهم قد كانوا في النار ، ولكن هذا أمر يقيد بالخلود ، وهو الثواء الذي لا ينقطع ، فليس أمرا بمطلق الدخول ، أو بعد الدخول فيها أمروا أن يدخلوا سبعة أبواب التي لكل باب منها جزء مقسوم من الكفار ، فكان ذلك أمرا بالدخول يفيد التجزئة لكل باب. وقال ابن عطية : وقوله تعالى : (ادْخُلُوا) معناه : يقال لهم قبل هذه المحاورة في أول الأمر ادخلوا ، لأن هذه المخاطبة إنما هي بعد دخولهم ، وفي الوقت الذي فيه الأغلال في أعناقهم. وأبواب جهنم : هي السبعة المؤدّية إلى طبقاتها وأدراكها السبعة. انتهى. وخالدين : حال مقدرة ، ودلت على الثواء الدائم ، فجاء التركيب : (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) : فبئس مدخل المتكبرين ، لأن نفس الدخول لا يدوم ، فلم يبالغ في ذمّه ، بخلاف الثواء الدائم.

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ ، وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ ، اللهُ

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٨.

٢٧٣

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ ، وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ، وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ ، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ، فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ، فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ).

أمر تعالى نبيه بالصبر تأنيسا له ، وإلا فهو ، عليه‌السلام ، في غاية الصبر ، وأخبر بأن ما وعده من النصر والظفر وإعلاء كلمته وإظهار دينه حق. قيل : وجواب (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) محذوف لدلالة المعنى عليه ، أي فيقر عينك ، ولا يصح أن يكون (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) جوابا للمعطوف عليه والمعطوف ، لأن تركيب (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) بعض الموعود في حياتك ، (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ليس بظاهر ، وهو يصح أن يكون جواب ، (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) : أي (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ، فننتقم منهم ونعذبهم لكونهم لم يتبعوك. ونظير هذه الآية قوله : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) (١) ، إلا أنه هنا صرح بجواب الشرطين. وقال الزمخشري : (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) متعلق بقوله : (نَتَوَفَّيَنَّكَ) ، وجزاء (نُرِيَنَّكَ) محذوف تقديره : فإما نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب ، وهو القتل يوم بدر فذاك ، أو أن نتوفينك قبل يوم بدر ، فإلينا يرجعون يوم القيامة ، فننتقم منهم أشد الانتقام. وقد تقدم للزمخشري نحو هذا البحث في سورة يونس في قوله : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) (٢) ، ورددنا عليه ، فيطالع هناك. وقال الزمخشري أيضا : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) أصله فإن نرك ، وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، ولذلك ألحقت النون بالفعل. ألا تراك لا تقول : إن تكرمني أكرمك ، ولكن أما تكرمني أكرمك؟ انتهى. وما ذهب إليه من تلازم ما لمزيده ، ونون التوكيد بعد أن الشرطية هو مذهب المبرد والزجاج. وذهب سيبويه إلى أنك إن شئت أتيت بما دون النون ، وإن شئت أتيت بالنون دون ما. قال سيبويه في هذه المسألة : وإن شئت لم تقحم النون ؛ كما أنك إذا جئت لم تجىء بما ، يعني لم تقحم النون مع مجيئك بما ، ولم تجىء بما مع مجيئك بالنون. وقرأ الجمهور :

__________________

(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٤١ ـ ٤٢.

(٢) سورة يونس : ١٠ / ٤٦.

٢٧٤

يرجعون بياء الغيبة مبنيا للمفعول ؛ وأبو عبد الرحمن ، ويعقوب : بفتح الياء ؛ وطلحة بن مطرف ، ويعقوب في رواية الوليد بن حسان : بفتح تاء الخطاب.

ثم رد تعالى على العرب في إنكارهم بعثة الرسل ، وفي عدد الرسل اختلاف. روي أنه ثمانية آلاف من بني إسراءيل ، وأربعة آلاف من غيرهم. وروي : بعث الله أربعة آلاف نبي ، (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ) : أي من أخبرناك به ، أما في القرآن فثمانية عشر. (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) ، وعن علي ، وابن عباس : أن الله بعث نبيا أسود في الحبش ، فهو ممن لم يقصص عليه. (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) : أي ليس ذلك راجعا إليهم ، لما اقترحوا على الرسل قال : ليس ذلك إلى لا تأتي آية إلا إن شاء الله ، (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) : رد ووعيد بإثر اقتراحهم الآيات ، وأمر الله : القيامة. والمبطلون : المعاندون مقترحون الآيات ، وقد أتتهم الآيات ، فأنكروها وسموها سحرا ، أو (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) : أي أراد إرسال رسول وبعثة نبي ، قضي ذلك وأنفذه (بِالْحَقِ) ، وخسر كل مبطل ، وحصل على فساد آخرته ، أو (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) : وهو القتل ببدر.

ثم ذكر تعالى آيات اعتبار وتعداد نعم فقال : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ) ، وهي ثمانية الأزواج ، ويضعف قول من أدرج فيها الخيل والبغال والحمير وغير ذلك مما ينتفع به من البهائم ، وقول من خصها بالإبل وهو الزجاج. (لِتَرْكَبُوا مِنْها) : وهي الإبل ، إذ لم يعهد ركوب غيرها. (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) : عام في ثمانية الأزواج ، ومن الأولى للتبعيض. وقال ابن عطية : ومن الثانية لبيان الجنس ، لأن الجمل منها يؤكل. انتهى ، ولا يظهر كونها لبيان الجنس ، ويجوز أن تكون فيه للتبعيض ولابتداء الغاية. ولما كان الركوب منها هو أعظم منفعة ، إذ فيه منفعة الأكل والركوب. وذكر أيضا أن في الجميع منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك ، أكد منفعة الركوب بقوله : (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) من بلوغ الأسفار الطويلة ، وحمل الأثقال إلى البلاد الشاسعة ، وقضاء فريضة الحج ، والغزو ، وما أشبه ذلك من المنافع الدينية والدنيوية. ولما كان الركوب وبلوغ الحاجة المترتبة عليه قد يتوصل به إلى الانتقال لأمر واجب ، أو مندوب كالحج وطلب العلم ، دخل حرف التعليل على الركوب وعلى المترتب عليه من بلوغ الحاجات ، فجعل ذلك علة لجعل الأنعام لنا. ولما كان الأكل وإصابة المنافع من جنس المباحات ، لم يجعل ذلك علة في الجعل ، بل ذكر أن منها نأكل ، ولنا فيها منافع من شرب لبن واتخاذ دثار وغير ذلك ، كما

٢٧٥

أدخل لام التعليل في لتركبوها ، ولم يدخلها على الزينة في قوله : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) (١).

ولما ذكر تعالى ما امتن به من منة الركوب للإبل في البر ، ذكر ما امتن به من نعمة الركوب في البحر فقال : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ). ولما كان الفلك يصح أن يقال فيه : حمل في الفلك ، كقوله : (احْمِلْ فِيها) (٢) ، ويصح أن يقال فيه حمل على الفلك ، اعتبر لفظ على لمناسبة قوله : (وَعَلَيْها) ، وإن كان معنى في صحيحا (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) : أي حججه وأدلته على وحدانيته. (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) : أي إنها كثيرة ، فأيها ينكر؟ أي لا يمكن إنكار شيء منها في العقول ، (فَأَيَّ آياتِ اللهِ) منصوب بتنكرون. قال الزمخشري : (فَأَيَّ آياتِ) جاءت على اللغة المستفيضة ، وقولك : فأية آيات الله قليل ، لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو : حمار وحمارة غريب ، وهي في أي أغرب لإبهامه. انتهى ، ومن قلة تأنيث : أي قوله :

بأي كتاب أم بأية سنة

ترى حبهم عارا عليّ وتحسب

وقوله : وهي في أي أغرب ، إن عنى أيا على الإطلاق فليس بصحيح ، لأن المستفيض في النداء أن يؤنث نداء المؤنث لقوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (٣) ، ولا يعلم من يذكرها فيه فيقول : يا أيها المرأة ، إلا صاحب كتاب البديع في النحو. وإن عنى غير المناداة ، فكلامه صحيح ، فقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة ، وما في قوله : (فَما أَغْنى) نافية شرطية واستفهامية في معنى النفي ، وما فيما كانوا مصدرية ، أو بمعنى الذي ، وهي في موضع رفع ، والضمير في (جاءَتْهُمْ) عائد على (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). وجاء قوله : (مِنَ الْعِلْمِ) على جهة التهكم بهم ، أي في الحقيقة لا علم لهم ، وإنما لهم خيالات واستبعادات لما جاءت به الرسل ، وكانوا يدفعون ما جاءت به الرسل بنحو قولهم : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) (٤) ، أو اعتقدوا أن عندهم علما يستغنون به عن علم الأنبياء ، كما تزعم الفلاسفة. والدهريون كانوا إذا سمعوا بوحي الله ، دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم. ولما سمع سقراط ، لعنه الله ، بموسى ، صلوات الله على نبينا وعليه ، قيل له : لو هاجرت إليه ، فقال : نحن قوم مهذبون ، فلا حاجة بنا إلى من

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ / ٨.

(٢) سورة هود : ١١ / ٤٠.

(٣) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٧.

(٤) سورة الكهف : ١٨ / ٣٦.

٢٧٦

يهذبنا. وعلى هذين القولين تكون الضمائر متناسقة عائدة على مدلول واحد. وقيل : الضمير في (فَرِحُوا) ، وفي (بِما عِنْدَهُمْ) عائد على الرسل ، أي فرحت الرسل بما أوتوا من العلم ، وشكروا الله عليه ، لما رأوا جهل من أرسلوا إليهم واستهزاءهم بالحق ، وعلموا سوء عاقبتهم. وقيل : الضمير في (فَرِحُوا) عائد على الأمم ، وفي (بِما عِنْدَهُمْ) عائد على الرسل ، أي فرح الكفار بما عند الرسل من العلم فرح ضحك واستهزاء. وقال الزمخشري : ومنها ، أي من الوجوه التي في الآية في قوله : (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) ، مبالغة في نفي فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والسرور في تهكم بفرط جهلهم وخلوهم من العلم. انتهى. ولا يعبر بالجملة الظاهر كونها مثبتة عن الجملة المنفية إلا في قليل من الكلام ، نحو قولهم : شر أهر ذا ناب ، على خلاف فيه ، ولما آل أمره إلى الإيتاء المحصور جاز. وأما في الآية فينبغي أن لا يحمل على القليل ، لأن في ذلك تخليطا لمعاني الجمل المتباينة ، فلا يوثق بشيء منها.

وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) : علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها ، كما قال تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (١) ذلك مبلغهم من العلم ، فلما جاءتهم الرسل بعلوم الديانات ، وهي أبعد شيء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات ، لم يلتفتوا إليها ، وصغروها واستهزؤوا بها ، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ، ففرحوا به. انتهى ، وهو توجيه حسن ، لكن فيه إكثار وشقشقة. (بَأْسَنا) : أي عذابنا الشديد ، حكى حال من آمن بعد تلبيس العذاب به ، وأن ذلك لم يك نافعا ، وفي ذلك حض على المبادرة إلى الإيمان ، وتخويف من التأني. فأما قوم يونس ، فإنهم رأوا العذاب لم يلتبس بهم ، وتقدمت قصتهم. وإيمانهم مرفوع بيك اسما لها ، أو فاعل ينفعهم. وفي يك ضمير الشأن على الخلاف الذي في : كان يقوم زيد ، ودخل حرف النفي على الكون ، لا على النفي ، لأنه يؤدي إلى نفي الصحة ، أي لم يصح ولم يستقم لقوله : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) (٢). وترادف هذه الفاءات ، أما في (فَما أَغْنى) ، فلأنه كان نتيجة قوله : (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) ، و (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) ، جار مجرى البيان والتفسير لقوله : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ). و (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) تابع لقوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ) ، كأنه قال : فكفروا به فلما رأوا

__________________

(١) سورة الروم : ٣٠ / ٧.

(٢) سورة مريم : ١٩ / ٣٥.

٢٧٧

بأسنا آمنوا ولم يك ينفعهم إيمانهم تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله ، وانتصب سنة على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة ، أي أن ما فعل بهم هي سنة الله التي قد مضت وسبقت في عباده من إرسال الرسل والإعزاز بهم ، وتعذيب من كذبهم واستهانتهم واستئصالهم بالهلاك ، وعدم الانتفاع بالإيمان حالة تلبس العذاب بهم. وهنالك ظرف مكان استعير للزمان ، أي وخسر في ذلك الوقت الكافرون. وقيل : سنة منصوب على التحذير ، أي احذروا سنة الله يا أهل مكة في إعداد الرسل.

٢٧٨

سورة فصلت

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي

٢٧٩

خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً

٢٨٠