البحر المحيط في التّفسير - ج ٩

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٢

بدل. قال الزمخشري : وإذ بدل اشتمال منه. وقرأ الجمهور : (أَنِّي) بفتح الهمزة ، وعيسى : بكسرها ، وجاء بضمير التكلم حكاية لكلامه الذي ناداه بسببه ، ولو لم يحك لقال : إنه مسه ، لأنه غائب ، وأسند المس إلى الشيطان. قال الزمخشري : لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سببا فيما مسه الله به من النصب والعذاب ، نسبه إليه وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه ، مع أنه فاعله ، ولا يقدر عليه إلا هو. وقيل : أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به البلاء ، فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء ، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل. وذكر في سبب بلائه أن رجلا استغاثه على ظالم ، فلم يغثه. وقيل : كانت مواشيه في ناحية ملك كافر ، فداهنه ولم يفده. وقيل : أعجب بكثرة ماله. انتهى.

ولا يناسب مناصب الأنبياء ما ذكره الزمخشري من أن أيوب كانت منه طاعة للشيطان فيما وسوس به ، وأن ذلك كان سببا لما مسه الله به من النصب والعذاب ، ولا أن رجلا استغاثه على ظالم فلم يغثه ، ولا أنه داهن كافرا ، ولا أنه أعجب بكثرة ماله. وكذلك ما رووا أن الشيطان سلطه الله عليه حتى أذهب أهله وماله لا يمكن أن يصح ، ولا قدرة له على البشر إلا بإلقاء الوساوس الفاسدة لغير المعصوم. والذي نقوله : أنه تعالى ابتلى أيوب عليه‌السلام في جسده وأهله وماله ، على ما روي في الأخبار. وروى أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن أيوب بقي في محنته ثماني عشرة سنة يتساقط لحمه حتى مله العالم ، ولم يصبر عليه إلا امرأته ، ولم يبين لنا توالي السبب المقتضي لعلته. وأما إسناده المس إلى الشيطان ، فسبب ذلك أنه كان يعوده ثلاث من المؤمنين ، فارتد أحدهم ، فسأل عنه فقيل : ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين ، فحينئذ قال : (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) ، نزل لشفقته على المؤمنين.

مس الشيطان ذلك المؤمن حتى ارتد منزلة مسه لنفسه ، لأن المؤمن الخير يتألم برجوع المؤمن الخير إلى الكفر ؛ ولذلك جاء بعده : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) ، حتى يغتسل ويذهب عنه البلاء ، فلا يرتد أحد من المؤمنين بسبب طول بلائه ، وتسويل الشيطان أنه تعالى لا يبتلي الأنبياء. وقيل : أشار بقوله : (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) إلى تعريضه لامرأته ، وطلبه أن تشرك بالله ، وكأنه بتشكي هذا الأمر كان عليه أشدّ من مرضه. وقرأ الجمهور : (بِنُصْبٍ) ، بضم النون وسكون الصاد ، قيل : جمع نصب ، كوثن ووثن ؛ وأبو جعفر ، وشيبة ، وأبو عمارة عن حفص ، والجعفي عن أبي بكر ، وأبو معاذ عن نافع : بضمتين ،

١٦١

وزيد بن علي ، والحسن ، والسدّي ؛ وابن أبي عبلة ، ويعقوب ، والجحدري : بفتحتين ؛ وأبو حيوة ، ويعقوب في رواية ، وهبيرة عن حفص : بفتح النون وسكون الصاد. وقال الزمخشري : النصب والنصب ، كالرشد والرشد ، والنصب على أصل المصدر ، والنصب تثقيل نصب ، والمعنى واحد ، وهو التعب والمشقة. والعذاب : الألم ، يريد مرضه وما كان يقاسي فيه من أنواع الوصب. انتهى.

وقال ابن عطية : وقد ذكر هذه القراءات ، وذلك كل بمعنى واحد معناه المشقة ، وكثيرا ما يستعمل النصب في مشقة الإعياء. وفرق بعض الناس بين هذه الألفاظ ، والصواب أنها لغات بمعنى من قولهم : أنصبني الأمر ، إذ شق عليّ انتهى. وقال السدّي : بنصب في الجسد وعذاب في المال ، وفي الكلام حذف تقديره : فاستجبنا له وقلنا : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) ، فركض ، فنبعت عين ، فقلنا له : (هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) فيه شفاؤك ، فاغتسل فبرأ ، (وَوَهَبْنا لَهُ) ، ويدل على هذه المحذوفات معنى الكلام وسياقه. وتقدم الكلام في الركض في سورة الأنبياء. وعن قتادة والحسن ومقاتل : كان ذلك بأرض الجابية من الشام.

ومعنى (هذا مُغْتَسَلٌ) : أي ما يغتسل به ، (وَشَرابٌ) ، أي ما تشربه ، فباغتسالك يبرأ ظاهرك ، وبشر بك يبرأ باطنك. والظاهر أن المشار إليه كان واحدا ، والعين التي نبعت له عينان ، شرب من إحداهما واغتسل من الأخرى. وقيل : ضرب برجله اليمنى ، فنبعت عين حارة فاغتسل. وباليسرى ، فنبعت باردة فشرب منها ، وهذا مخالف لظاهر قوله : (مُغْتَسَلٌ بارِدٌ) ، فإنه يدل على أنه ماء واحد. وقيل : أمر بالركض بالرجل ، ليتناثر عنه كل داء بجسده. وقال القتبي : المغتسل : الماء الذي يغتسل به. وقال مقاتل : هو الموضع الذي يغتسل فيه. وقال الحسن : ركض برجله ، فنبعت عين ماء ، فاغتسل منها ، ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا ، ثم ركض برجله ، فنبعت عين ، فشرب منها. قيل : والجمهور على أنه ركض ركضتين ، فنبعت له عينان ، شرب من إحداهما ، واغتسل من الأخرى. والجمهور : على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله ، وعافى المرضى ، وجمع عليه من شتت منهم. وقيل : رزقه أولادا وذرية قدر ذريته الذين هلكوا ، ولم يردّ أهله الذين هلكوا بأعيانهم ، وظاهر هذه الهيئة أنها في الدنيا. وقيل ذلك وعد ، وتكون تلك الهيئة في الآخرة. وقيل : وهبه من كان حيا منهم ، وعافاه من الأسقام ، وأرغد لهم العيش ، فتناسلوا حتى تضاعف عددهم وصار مثلهم.

١٦٢

و (رَحْمَةً) ، (وَذِكْرى) : مفعولان لهما ، أي أن الهبة كانت لرحمتنا إياه ، وليتذكر أرباب العقول ، وما يحصل للصابرين من الخير ، وما يؤول إليه من الأجر. وفي الكلام حذف تقديره : وكان حلف ليضربن امرأته مائة ضربة لسبب جرى منها ، وكانت محسنة له ، فجعلنا له خلاصا من يمينه بقولنا : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً). قال ابن عباس : الضغث : عثكال النخل. وقال مجاهد : الأثل ، وهو نبت له شوك. وقال الضحاك : حزمة من الحشيش مختلفة. وقال الأخفش : الشجر الرطب ، واختلفوا في السبب الذي أوجب حلفه. ومحصول أقوالهم هو تمثل الشيطان لها في صورة ناصح أو مداو. وعرض لها شفاء أيوب على يديه على شرط لا يمكن وقوعه من مؤمن ، فذكرت ذلك له ، فعلم أن الذي عرض لها هو الشيطان ، وغضب لعرضها ذلك عليه فحلف. وقيل غير ذلك من الأسباب ، وهي متعارضة. فحلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها ، لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها ، وقد وقع مثل هذه الرخصة في الإسلام. أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمخدج قد خبث بأمة فقال : «خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة». وقال بذلك بعض أهل العلم في الإيمان ، قال : ويجب أن يصيب المضروب كل واحد من المائة ، إما أطرافها قائمة ، وإما أعراضها مبسوطة ، مع وجود صورة الضربة. والجمهور على ترك القول في الحدود ، وأن البر في الإيمان لا يقع إلا بإتمام عدد الضربات. ووصف الله تعالى نبيه بالصبر. وقد قال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) (١) ، فدل على أن الشكوى إلى الله تعالى لا تنافي الوصف بالصبر. وقد قال يعقوب : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله على أن أيوب عليه‌السلام طلب الشفاء خيفة على قومه أن يوسوس إليهم الشيطان أنه لو كان نبيا لم يبتل ، وتألفا لقومه على الطاعة ، وبلغ أمره في البلاء إلى أنه لم يبق منه إلا القلب واللسان. ويروى أنه قال في مناجاته : إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي ، ولم يتبع قلبي بصري ، ولم يمنعني ما ملكت يميني ، ولم آكل إلا ومعي يتيم ، ولم أبت شبعانا ولا كاسيا ومعي جائع أو عريان ، فكشف الله عنه.

(وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ) ، وقرأ ابن عباس وابن كثير وأهل مكة ، عبدنا على الإفراد ، وإبراهيم بدل منه ، أو عطف بيان. والجمهور على الجمع ، وما بعده من الثلاثة بدل أو عطف بيان. وقرأ الجمهور : (أُولِي الْأَيْدِي) ، بالياء. قال ابن عباس ومجاهد : القوة في طاعة الله. وقيل : إحسانهم في الدين وتقدمهم عند الله على عمل صدق ، فهي كالأيدي ،

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٣.

١٦٣

وهو قريب مما قبله. وقيل : النعم التي أسداها الله إليهم من النبوة والمكانة. وقيل (الْأَيْدِي) : الجوارح المتصرفة في الخير ، (وَالْأَبْصارِ) الثاقبة فيه.

قال الزمخشري : لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت ، فقيل في كل عمل : هذا مما عملت أيديهم ، وإن كان عملا لا يتأتى فيه المباشرة بالأيدي ، أو كان العمال جذما لا أيدي لهم ، وعلى ذلك ورد قوله عز وعلا : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) ، يريد : أولي الأعمال والفكر ؛ كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ، ولا يجاهدون في الله ؛ ولا يفكرون أفكار ذوي الديانات ، ولا يستبصرون في حكم الزمنى الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم ، والمسلوبي العقول الذين لا استبصار بهم ؛ وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله ، ولا من المستبصرين في دين الله ، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منها. انتهى ، وهو تكثير. وقال أبو عبد الله الرازي : اليد آلة لأكثر الأعمال ، والبصر آلة لأقوى الإدراكات ، فحسن التعبير عن العمل باليد ، وعن الإدراك بالبصر. والنفس الناطقة لها قوّتان : عاملة وعالمة ، فأولي الأيدي والأبصار إشارة إلى هاتين الحالتين. وقرأ عبد الله ، والحسن ، وعيسى ، والأعمش : الأيد بغير ياء ، فقيل : يراد الأيدي حذف الياء اجتزاء بالكسرة عنها ، ولما كانت أل تعاقب التنوين ، حذفت الياء معها ، كما حذفت مع التنوين ، وهذا تخريج لا يسوغ ، لأن حذف هذه الياء مع وجود أل ذكره سيبويه في الضرائر. وقيل : الأيدي : القوة في طاعة الله ، والأبصار : عبارة عن البصائر التي يبصرون بها الحقائق وينظرون بنور الله تعالى. وقال الزمخشري : وتفسير الأيدي من التأييد قلق غير متمكن ، وإنما كان قلقا عنده لعطف الأبصار عليه ، ولا ينبغي أن يعلق ، لأنه فسر أولي الأيدي والأبصار بقوله : يريد أولي الأعمال والفكر. وقرىء : الأيادي ، جمع الجمع ، كأوطف وأواطف.

وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، ونافع ، وهشام : بخالصة ، بغير تنوين ، أضيفت إلى ذكرى. وقرأ باقي السبعة بالتنوين ، و (ذِكْرَى) بدل من (بِخالِصَةٍ). وقرأ الأعمش ، وطلحة : بخالصتهم ، و (أَخْلَصْناهُمْ) : جعلناهم لنا خالصين وخالصة ، يحتمل ، وهو الأظهر ، أن يكون اسم فاعل عبر به عن مزية أو رتبة أو خصلة خالصة لا شوب فيها ، ويحتمل أن يكون مصدرا ، كالعاقبة ، فيكون قد حذف منه الفاعل ، أي أخلصناهم بأن أخلصوا ذكرى الدار ، فيكون ذكرى مفعولا ، أو بأن أخلصنا لهم ذكرى الدار ، أو يكون الفاعل ذكرى ، أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، والدار في كل وجه في موضع نصب بذكرى ، وذكرى

١٦٤

مصدر ، والدار دار الآخرة. قال قتادة : المعنى بأن خلص لهم التذكير بالدار الآخرة ، ودعا الناس إليها وحضهم عليها. وقال مجاهد : خلص لهم ذكرهم الدار الآخرة ، وخوفهم لها. والعمل بحسب ذلك. وقال ابن زيد : وهبنا لهم أفضل ما في الدار الآخرة ، وأخلصناهم به ، وأعطيناهم إياه. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد بالدار دار الدنيا ، على معنى ذكر الثناء والتعظيم من الناس ، والحمد الباقي الذي هو الخلد المجازي ، فتجيء الآية في معنى قوله : (لِسانَ صِدْقٍ*) (١) ، وقوله : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ*) (٢). انتهى. وحكى الزمخشري هذا الاحتمال قولا فقال : وقيل (ذِكْرَى الدَّارِ) : الثناء الجميل في الدنيا ولسان الصدق. انتهى. والباء في بخالصة باء السبب ، أي بسبب هذه الخصلة وبأنهم من أهلها ، ويعضده قراءة بخالصتهم. (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) ، أي المختارين من بين أبناء جنسهم ، (الْأَخْيارِ) : جمع خير ، وخير كميت وميت وأموات. وتقدم الكلام في اليسع في سورة الأنعام ، وذا الكفل في سورة الأنبياء. وعندنا ظرف معمول لمحذوف دل عليه المصطفين ، أي وأنهم مصطفون عندنا ، أو معمول للمصطفين ، وإن كان بأل ، لأنهم يتسمحون في الظرف والمجرور ما لا يتسمحون في غيرهما ، أو على التبيين ، أي أعني عندنا ، ولا يجوز أن يكون عندنا في موضع الخبر ، ويعني بالعندية : المكانة ، ولمن المصطفين : في موضع خبر ثان لوجود اللام ، لا يجوز أن زيدا قائم لمنطلق ، (وَكُلٌ) : أي وكلهم ، من الأخيار.

(هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ، جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ، مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ ، وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ ، هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ ، إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ ، هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ ، هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ ، هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ ، قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ ، قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ ، وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ ، أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ ، إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ، رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ).

__________________

(١) سورة مريم : ١٩ / ٥٠ ، وسورة الشعراء : ٢٦ / ٨٤.

(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ٧٨ و ١٠٨ و ١١٩ و ١٢٩.

١٦٥

لما أمره تعالى بالصبر على سفاهة قومه ، وذكر جملة من الأنبياء وأحوالهم ، ذكر ما يؤول إليه حال المؤمنين والكافرين من الجزاء ، ومقر كل واحد من الفريقين. ولما كان ما يذكره نوعا من أنواع التنزيل ، قال : (هذا ذِكْرٌ) ، كأنه فصل بين ما قبله وما بعده. ألا ترى أنه لما ذكر أهل الجنة ، وأعقبه بذكر أهل النار قال : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ)؟ وقال ابن عباس : هذا ذكر من مضى من الأنبياء. وقيل : (هذا ذِكْرٌ) : أي شرف تذكرون به أبدا. وقرأ الجمهور : (جَنَّاتِ) بالنصب ، وهو بدل ، فإن كان عدن علما ، فبدل معرفة من نكرة ؛ وإن كان نكرة ، فبدل نكرة من نكرة. وقال الزمخشري : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) معرفة لقوله : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ) (١) ، وانتصابها على أنها عطف بيان بحسن مآب ، ومفتحة حال ، والعامل فيها ما في المتقين من معنى الفعل. وفي مفتحة ضمير الجنات ، والأبواب بدل من الضمير تقديره : مفتحة هي الأبواب لقولهم : ضرب زيد اليد والرجل ، وهو من بدل الاشتمال. انتهى. ولا يتعين أن يكون جنات عدن معرفة بالدليل الذي استدل به وهو قوله : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي) ، لأنه اعتقد أن التي صفة لجنات عدن ، ولا يتعين ما ذكره ، إذ يجوز أن تكون التي بدلا من جنات عدن. ألا ترى أن الذي والتي وجموعهما تستعمل استعمال الأسماء ، فتلي العوامل ، ولا يلزم أن تكون صفة؟ وأما انتصابها على أنها عطف بيان فلا يجوز ، لأن النحويين في ذلك على مذهبين : أحدهما : أن ذلك لا يكون إلا في المعارف ، فلا يكون عطف البيان إلا تابعا لمعرفة ، وهو مذهب البصريين. والثاني : أنه يجوز أن يكون في النكرات ، فيكون عطف البيان تابعا لنكرة ، كما تكون المعرفة فيه تابعة لمعرفة ، وهذا مذهب الكوفيين ، وتبعهم الفارسي. وأما تخالفهما في التنكير والتعريف فلم يذهب إليه أحد سوى هذا المصنف. وقد أجاز ذلك في قوله : (مَقامِ إِبْراهِيمَ) (٢) ، فأعربه عطف بيان تابعا لنكرة ، وهو (آياتٍ بَيِّناتٍ*) (٣) ، و (مَقامِ إِبْراهِيمَ*) معرفة ، وقد رددنا عليه ذلك في موضعه في آل عمران. وأما قوله : وفي مفتحة ضمير الجنات ، فجمهور النحويين أعربوا الأبواب مفعولا لم يسم فاعله. وجاء أبو علي فقال : إذا كان كذلك ، لم يكن في ذلك ضمير يعود على جنات عدن. من الحالية أن أعرب مفتحة حالا ، أو من النعت أن أعرب نعتا لجنات عدن ، فقال : في مفتحة ضمير يعود على الجنات حتى ترتبط الحال بصاحبها ، أو النعت بمنعوته ،

__________________

(١) سورة مريم : ١٩ / ٦١.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٩٧.

(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٩٧.

١٦٦

والأبواب بدل. وقال : من أعرب الأبواب مفعولا ، لم يسم فاعله العائد على الجنات محذوف تقديره : الأبواب منها. وألزم أبو علي البدل في مثل هذا لا بد فيه من الضمير ، إما ملفوظا به ، أو مقدرا. وإذا كان الكلام محتاجا إلى تقدير واحد ، كان أولى مما يحتاج إلى تقديرين. وأما الكوفيون ، فالرابط عندهم هو أل لمقامه مقام الضمير ، فكأنه قال : مفتحة لهم أبوابها. وأما قوله : وهو من بدل الاشتمال ، فإن عنى بقوله : وهو قوله اليد والرجل ، فهو وهم ، وإنما هو بدل بعض من كل. وإن عنى الأبواب ، فقد يصح ، لأن أبواب الجنات ليست بعضا من الجنات. وأما تشبيهه ما قدره من قوله : مفتحة هي الأبواب ، بقولهم : ضرب زيد اليد والرجل ، فوجهه أن الأبواب بدل من ذلك الضمير المستكن ، كما أن اليد والرجل بدل من الظاهر الذي هو زيد. وقال أبو إسحاق : وتبعه ابن عطية : مفتحة نعت لجنات عدن. وقال الحوفي : مفتحة حال ، والعامل فيها محذوف يدل عليه المعنى ، تقديره : يدخلونها. وقرأ زيد بن علي ، وعبد الله بن رفيع ، وأبو حيوة : جنات عدن مفتحة ، برفع التاءين : مبتدأ وخبر ، أو كل منهما خبر مبتدأ محذوف ، أي هو جنات عدن هي مفتحة. والاتكاء : من هيئات أهل السعادة يدعون فيها ، يدل على أن عندهم من يستخدمونه فيما يستدعون ، كقوله : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) (١).

ولما كانت الفاكهة يتنوع وصفها بالكثرة ، وكثرتها باختلاف أنواعها ، وكثرة كل نوع منها ؛ ولما كان الشراب نوعا واحدا وهو الخمر ، أفرد : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ). قال قتادة : معناه على أزواجهن ، (أَتْرابٌ) : أي أمثال على سنّ واحدة ، وأصله في بني آدم لكونهم مس أجسادهم التراب في وقت واحد ، والأقران أثبت في التحاب. والظاهر أن هذا الوصف هو بينهن ، وقيل : بين أزواجهن ، أسنانهن كأسنانهم. وقال ابن عباس : يريد الآدميات. وقال صاحب الغنيان : حور. وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : هذا ما يوعدون ، بياء الغيبة ، إذ قبله وعندهم ؛ وباقي السبعة : بتاء الخطاب على الالتفات ، والمعنى : هذا ما وقع به الوعد ليوم الجزاء. (إِنَّ هذا) : أي ما ذكر للمتقين مما تقدم ، (لَرِزْقُنا) دائما : أي لا نفاد له.

(هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) ، قال الزجاج : أي الأمر هذا ، وقال أبو علي : هذا للمؤمنين ، وقال أبو البقاء : مبتدأ محذوف الخبر ، أو خبر محذوف المبتدأ ، والطاغون هنا :

__________________

(١) سورة الإنسان : ٧٦ / ١٩.

١٦٧

الكفار ؛ وقال الجبائي : أصحاب الكبائر كفارا كانوا أو لم يكونوا. وقال ابن عباس ، المعنى : الذين طغوا عليّ وكذبوا رسلي لهم شر مآب : أي مرجع ومصير. (فَبِئْسَ الْمِهادُ) : أي هي. (هذا) في موضع رفع مبتدأ خبره (جَهَنَّمَ) ، (وَغَسَّاقٌ) ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي العذاب هذا ، وحميم خبر مبتدأ ، أو في موضع نصب على الاشتغال ، أي ليذوقوا. (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ) : خبر مبتدأ ، أي هو حميم ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي منه حميم ومنه غساق ، كما قال الشاعر :

حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس

وغودر البقل ملوى ومحصود

أي : منه ملوى ومنه محصود ، وهذه الأعاريب مقولة منقولة. وقيل : هذا مبتدأ ، وفليذوقوه الخبر ، وهذا على مذهب الأخفش في إجازته : زيد فاضربه ، مستدلا بقول الشاعر :

وقائلة خولان فانكح فتاتهم

والغساق ، عن ابن عباس : الزمهرير ؛ وعنه أيضا ، وعن عطاء ، وقتادة ، وابن زيد : ما يجري من صديد أهل النار ؛ وعن كعب : عين في جهنم تسيل إليها حمة كل ذي حمة من حية أو عقرب أو غيرهما ، يغمس فيها فيتساقط الجلد واللحم عن العظم ؛ وعن السدي : ما يسيل من دموعهم ؛ وعن ابن عمر : القيح يسيل منهم فيسقونه. وقرأ ابن أبي إسحاق ، وقتادة ، وابن وثاب ، وطلحة ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص ، والفضل ، وابن سعدان ، وهارون عن أبي عمرو : بتشديد السين. فإن كان صفة ، فيكون مما حذف موصوفها ، وإن كان اسما ، ففعال قليل في الأسماء ، جاء منه : الكلاء ، والجبان ، والفناد ، والعقار ، والخطار. وقرأ باقي السبعة : بتخفيف السين. وقرأ الجمهور : (وَآخَرُ) على الإفراد ، فقيل : مبتدأ خبره محذوف تقديره : ولهم عذاب آخر. وقيل : خبره في الجملة ، لأن قوله : (أَزْواجٌ) مبتدأ ، و (مِنْ شَكْلِهِ) خبره ، والجملة خبر. وآخر ، وقيل : خبره أزواج ، ومن شكله في موضع الصفة ، وجاز أن يخبر بالجمع عن الواحد من حيث هو درجات ، ورتب من العذاب ، أو سمى كل جزء من ذلك الآخر باسم الكل. وقال الزمخشري : وآخر ، أي وعذاب آخر ، أو مذوق آخر ؛ وأزواج صفة آخر ، لأنه يجوز أن يكون ضروبا أو صفة للثلاثة ، وهي : حميم وغساق وآخر من شكله. انتهى. وهو إعراب أخذه من الفراء. وقرأ الحسن ، ومجاهد ، والجحدري ، وابن جبير ، وعيسى ، وأبو عمرو : وأخر على الجمع ،

١٦٨

وهو مبتدأ ، ومن شكله في موضع الصفة ؛ وأزواج خبره ، أي ومذوقا آخر من شكل هذا المذوق من مثله في الشدة والفظاعة ؛ (أَزْواجٌ) : أجناس. وقرأ مجاهد : من شكله ، بكسر الشين ؛ والجمهور : بفتحها ، وهما لغتان بمعنى المثل والضرب. وأما إذا كان بمعنى الفتح ، فبكسر الشين لا غير. وعن ابن مسعود : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) : هو الزمهرير.

والظاهر أن قوله : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) ، من قول رؤسائهم بعضهم لبعض ، والفوج : الجمع الكثير ، (مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) : أي النار ، وهم الأتباع ، ثم دعوا عليهم بقولهم : (مَرْحَباً بِهِمْ) ، لأن الرئيس إذا رأى الخسيس قد قرن معه في العذاب ، ساءه ذلك حيث وقع التساوي في العذاب ، ولم يكن هو السالم من العذاب وأتباعه في العذاب. ومرحبا معناه : ائت رحبا وسعة لا ضيقا ، وهو منصوب بفعل يجب إضماره ، ولأن علوهم بيان للمدعو عليهم. وقيل : (هذا فَوْجٌ) ، من كلام الملائكة خزنة النار ؛ وأن الدعاء على الفوج والتعليل بقوله : (إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) ، من كلامهم. وقيل : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) ، من كلام الملائكة ، والدعاء على الفوج والإخبار بأنهم صالوا النار من كلام الرؤساء المتبوعين. (قالُوا) أي الفوج : (لا مَرْحَباً بِكُمْ) ، رد على الرؤساء ما دعوا به عليهم. ثم ذكروا أن ما وقعوا فيه من العذاب وصلى النار ، إنما هو بما ألقيتم إلينا وزينتموه من الكفر ، فكأنكم قدمتم لنا العذاب أو الصلى. وإذا كان (لا مَرْحَباً بِهِمْ) من كلام الخزنة ، فلم يجىء التركيب : قالوا بل هؤلاء لا مرحبا بهم ، بل جاء بخطاب الأتباع للرؤساء ، لتكون المواجهة لمن كانوا لا يقدرون على مواجهتهم في الدنيا بقبيح أشفى لصدورهم ، حيث تسببوا في كفرهم ، وأنكى للرؤساء. (فَبِئْسَ الْقَرارُ) : أي النار ؛ وهذه المرادة والدعاء كقوله : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) (١). ولم يكتف الأتباع برد الدعاء على رؤسائهم ، ولا بمواجهتهم بقوله : (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) ، حتى سألوا من الله أن يزيد رؤساءهم ضعفا من النار ، والمعنى : من حملنا على عمل السوء حتى صار جزاءنا النار ، (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً) ، كما جاء في قول الأتباع : (رَبَّنا آتِهِمْ) ، أي ساداتهم ، (ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) (٢) ، (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) (٣).

ولما كان الرؤساء ضلالا في أنفسهم وأضلوا أتباعهم ، ناسب أن يدعو عليهم بأن

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ٣٨.

(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٨.

(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٣٨.

١٦٩

يزيدهم ضعفا ، كما جاء : فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، فعلى هذا الضمير في قوله : (قالُوا) للاتباع ، ومن قدم : هم الرؤساء. وقال ابن السائب : (قالُوا رَبَّنا) إلى آخره ، قول جميع أهل النار. وقال الضحاك : (مَنْ قَدَّمَ) ، هو إبليس وقابيل. وقال ابن مسعود : الضعف حيات وعقارب. (وَقالُوا) : أي أشراف الكفار ، (ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) : أي الأرذال الذين لا خير فيهم ، وليسوا على ديننا ، كما قال : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) (١). وروي أن القائلين من كفار عصر الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هم : أبو جهل ، وأمية بن خلف ، وأصحاب القليب ، والذين لم يروهم : عمار ، وصهيب ، وسلمان ، ومن جرى مجراهم ، قاله مجاهد وغيره. قيل : يسألون أين عمار؟ أين صهيب؟ أين فلان؟ يعدون ضعفاء المسلمين فيقال لهم : أولئك في الفردوس. وقرأ النحويان ، وحمزة : اتخذناهم وصلا ، فقال أبو حاتم ، والزمخشري ، وابن عطية : صفة لرجال. قال الزمخشري : مثل قوله : (كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ). وقال ابن الأنباري : حال ، أي وقد اتخذناهم. وقرأ أبو جعفر ، والأعرج ، والحسن ، وقتادة ، وباقي السبعة : بهمزة الاستفهام ، لتقرير أنفسهم على هذا ، على جهة التوبيخ لها. والأسف ، أي اتخذناهم سخريا ، ولم يكونوا كذلك. وقرأ عبد الله ، وأصحابه ، ومجاهد ، والضحاك ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، ونافع ، وحمزة ، والكسائي : سخريا ، بضم السين ، ومعناها : من السخرة والاستخدام. وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، وعيسى ، وابن محيصن ، وباقي السبعة : بكسر السين ، ومعناها : المشهور من السخر ، وهو الهزء. قال الشاعر :

إني أتاني لسان لا أسر بها

من علو لا كذب فيها ولا سخر

وقيل : بكسر السين من التسخير. وأم إن كان اتخذناهم استفهاما إما مصرحا بهمزته كقراءة من قرأ كذلك ، أو مؤولا بالاستفهام ، وحذفت الهمزة للدلالة. فالظاهر أنها متصلة لتقدم الهمزة ، والمعنى : أي الفعلين فعلنا بهم ، الاستسخار منهم أم ازدراؤهم وتحقيرهم؟ وإن أبصارنا كانت تعلو عنهم وتقتحم. ويكون استفهاما على معنى الإنكار على أنفسهم ، للاستسخار والزيغ جميعا. وقال الحسن : كل ذلك قد فعلوا ، اتخذوهم سخريا ، وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم. وأن اتخذناهم ليس استفهاما ، فأم منقطعة ، ويجوز أن تكون

__________________

(١) سورة هود : ١١ / ٢٧.

١٧٠

منقطعة أيضا مع تقدم الاستفهام ، يكون كقولك : أزيد عندك أم عندك عمرو؟ واستفهمت عن زيد ، ثم أضربت عن ذلك واستفهمت عن عمرو ، فالتقدير : بل أزاغت عنهم الأبصار. ويجوز أن يكون قولهم : (أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) له تعلق بقوله : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً) ، لأن الاستفهام أولا دل على انتفاء رؤيتهم إياهم ، وذلك دليل على أنهم ليسوا معه ، ثم جوزوا أن يكونوا معه ، ولكن أبصارهم لم ترهم. (إِنَّ ذلِكَ) : أي التفاوض الذي حكيناه عنهم ، (لَحَقٌ) : أي ثابت واقع لا بد أن يجري بينهم. وقرأ الجمهور : (تَخاصُمُ) بالرفع مضافا إلى (أَهْلِ). قال ابن عطية : بدل من (لَحَقٌ). وقال الزمخشري : بين ما هو فقال : تخاصم منونا ، أهل رفعا بالمصدر المنون ، ولا يجيز ذلك الفراء ، ويجيزه سيبويه والبصريون. وقرأ ابن أبي عبلة : تخاصم أهل ، بنصب الميم وجر أهل. قال الزمخشري : على أنه صفة لذلك ، لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس. وفي كتاب اللوامح : ولو نصب تخاصم أهل النار ، لجاز على البدل من ذلك. وقرأ ابن السميفع : تخاصم : فعلا ماضيا ، أهل : فاعلا ، وسمى تعالى تلك المفاوضة التي جرت بين رؤساء الكفار وأتباعهم تخاصما ، لأنّ قولهم : (لا مَرْحَباً بِهِمْ) ، وقول الأتباع : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) ، هو من باب الخصومة ، فسمى التفاوض كله تخاصما لاستعماله عليه. (قُلْ) : يا محمد ، (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) : أي منذر المشركين بالعذاب ، وأن الله لا إله إلا الله ، لا ند له ولا شريك ، وهو الواحد القهار لكل شيء ، وأنه مالك العالم ، علوه وسفله ، العزيز الذي لا يغالب ، الغفار لذنوب من آمن به واتبع لدينه.

(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ، ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ، إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ، إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ، فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ، فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ ، قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ، قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ، قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ ، قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ، إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ، قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ ، لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).

١٧١

الضمير في قوله : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ) يعود على ما أخبر به صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كونه رسولا منذرا داعيا إلى الله ، وأنه تعالى هو المنفرد بالألوهية ، المتصف بتلك الأوصاف من الوحدانية والقهر وملك العالم وعزته وغفرانه ، وهو خبر عظيم لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة. وقال ابن عباس : النبأ العظيم : القرآن. وقال الحسن : يوم القيامة. وقيل : قصص آدم والإنباء به من غير سماع من أحد. وقال صاحب التحرير : سياق الآية وظاهرها أنه يريد بقوله : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) ، ما قصه الله تعالى من مناظرة أهل النار ومقاولة الأتباع مع السادات ، لأنه من أحوال البعث ، وقريش كانت تنكر البعث والحساب والعقاب ، وهم عن ذلك معرضون. وقوله : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) : احتجاج على قريش بأن ما جاء به من عند الله لا من قبل نفسه. فإن من في الأرض ما له علم بمن في السماء إلا بإعلام الله تعالى ؛ وعلم المغيبات لا يوصل إليه إلا بإعلام الله تعالى ، وعلمه بأحوال أهل النار ، وابتداء خلق آدم لم يكن عنه علم بذلك ؛ فإخباره بذلك هو بإعلام الله والاستدلال بقصة آدم ، لأنه أول البشر خلقا ، وبينه وبين الرسول عليه‌السلام أزمان متقادمة وقرون سالفة. انتهى ، وفي آخره بعض اختصار.

ثم احتج بصحة نبوته ، بأن ما ينبىء به عن الملأ الأعلى واختصامهم أمر لم يكن له به من علم قط. ثم علمه من غير الطريق الذي يسلكه المتعلمون ، بل ذلك مستفاد من الوحي ، وبالملأ متعلق بعلم ، وإذ منصوب به. وقال الزمخشري : بمحذوف ، لأن المعنى : ما كان لي من علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصامهم. و (إِذْ قالَ) بدل من (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) على الملأ الأعلى ، وهم الملائكة ، وأبعد من قال إنهم قريش ، واختصام الملائكة في أمر آدم وذريته في جعلهم في الأرض. وقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) (١). قال ابن عباس : وقال الحسن : إن الله خالق خلقا كنا أكرم منه وأعلم. وقيل : في الكفارات وغفر الذنوب ، فإن العبد إذا عمل حسنة اختلفت الملائكة في قدر ثوابه في ذلك حتى يقضي الله بما يشاء. وفي الحديث : «قال له ربه في نومه ، عليه‌السلام : فيم يختصمون؟ فقلت : لا أدري ، فقال : في الكفارات وفي إسباغ الوضوء في السرات ونقل الخطا إلى الجماعات.

وقال الزمخشري : كانت مقاولة الله سبحانه بواسطة ملك ، وكان المقاول في الحقيقة

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٠.

١٧٢

هو الملك المتوسط ، فيصح أن التقاول بين الملائكة وآدم وإبليس ، وهم الملأ الأعلى ؛ والمراد بالاختصام : التقاول. وقيل : الملأ الأعلى : الملائكة ، وإذ يختصمون : الضمير فيه للعرب الكافرين ، فبعضهم يقول : هي بنات الله ، وبعضهم : آلهة تعبد ، وغير ذلك من أقوالهم.

(إِنْ يُوحى إِلَيَ) : أي ما يوحى إليّ ، (إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ) : أي للإنذار ، حذف اللام ووصل الفعل والمفعول الذي لم يسم فاعله يجوز أن يكون ضميرا يدل عليه ، المعنى ، أي أن يوحى إليّ هو ، أي ما يوحى إلا الإنذار ، وأقيم إلى مقامه ، ويجوز أن يكون إنما هو المفعول الذي لم يسم فاعله ، أي ما يوحى إليّ إلا الإنذار. وقرأ أبو جعفر : إلا إنما ، بكسر همزة إنما على الحكاية ، أي ما يوحى إليّ إلا هذه الجملة ، كأن قيل له : أنت نذير مبين ، فحكى هو المعنى ، وهذا كما يقول الإنسان : أنا عالم ، فيقال له : قلت إنك عالم ، فيحكى المعنى. وقال الزمخشري : وقرىء إنما بالكسر على الحكاية ، أي إلا هذا القول ، وهو أن أقول لكم (أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ، فلا أدعي شيئا آخر. انتهى. في تخريجه تعارض ، لأنه قال : أي إلا هذا القول ، فظاهره الجملة التي هي (أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ، ثم قال : وهو أن أقول لكم إني نذير ، فالمقام مقام الفاعل هو أن أقول لكم ، وأن وما بعده في موضع نصب ، وعلى قوله : إلا هذا القول ، يكون في موضع رفع فيتعارضا. وتقدم أن ، إذ قال بدل من : إذ يختصمون ، هذا إذا كانت الخصومة في شأن من يستخلف في الأرض ، وعلى غيره من الأقوال يكون منصوبا بأذكر.

ولما كانت قريش ، خالفوا الرسول ، عليه‌السلام ، بسبب الحسد والكبر. ذكر حال إبليس ، حيث خالف أمر الله بسبب الحسد والكبر وما آل إليه من اللعنة والطرد من رحمة الله ، ليزدجر عن ذلك من فيه شيء منهما. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف صح أن يقول لهم : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً) ، وما عرفوا ما البشر ولا عهدوا به قبل؟ قلت : وجهه أن يكون قد قال لهم : إني خالق خلقا من صفة كيت وكيت ، ولكنه حين حكاه اقتصر على الاسم. انتهى. والبشر هو آدم عليه‌السلام ، وذكر هنا أنه خلقه من طين ، وفي آل عمران : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) (١) ، وفي الحجر : (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٢) ، وفي الأنبياء : (مِنْ عَجَلٍ) (٣) ؛ ولا منافاة في تلك المادة البعيدة ، وهي التراب ، ثم ما يليه وهو الطين ،

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ٥٩.

(٢) سورة الحجر : ١٥ / ٢٦.

(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٧.

١٧٣

ثم ما يليه وهو الحمأ المسنون ، ثم المادة تلي الحمأ وهو الصلصال ؛ وأما من عجل فمضى تفسيره.

(فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ، فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلَّا إِبْلِيسَ) : تقدم الكلام على هذا في الحجر ، وهنا (اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) ، وفي البقرة : (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (١) ، وفي الأعراف : (لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (٢) ، وفي الحجر : (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣) ، وفي الإسراء : (قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (٤) ، وفي الكهف : (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (٥). والاستثناء في جميع هذه الآيات يدل على أنه لم يسجد ، فتارة أكد بالنفي المحض ، وتارة ذكر إبايته عن السجود ، وهي الأنفة من ذلك ، وتارة نص على أن ذلك الامتناع كان سببه الاستكبار. والظاهر أن قوله : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أريد به كفره ذلك الوقت ، وإن لم يكن قبله كافرا ؛ وعطف على استكبر ، فقوى ذلك ، لأن الاستكبار عن السجود إنما حصل له وقت الأمر. ويحتمل أن يكون إخبارا منه بسبق كفره في الأزمنة الماضية في علم الله.

(قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) ، وفي الأعراف : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) (٦) ، فدل أن تسجد هنا ، على أن لا في أن لا تسجد زائدة ، والمعنى أيضا يدل على ذلك ، لأنه لا يستفهم إلا عن المانع من السجود ، وهو استفهام تقرير وتوبيخ. وما في (لِما خَلَقْتُ) ، استدل بها من يجيز إطلاق ما على آحاد من يعقل ، وأول بأن ما مصدرية ، والمصدر يراد به المخلوق ، لا حقيقة المصدر. وقرأ الجحدري : لما بفتح اللام وتشديد الميم ، خلقت بيدي ، على الإفراد ؛ والجمهور : على التثنية ؛ وقرىء بيديّ ، كقراءة بمصرخي ؛ وقال تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) (٧) بالجمع ، وكلها عبارة عن القدرة والقوة ، وعبر باليد ، إذ كان عند البشر معتادا أن البطش والقوة باليد. وذهب القاضي أبو بكر بن الطيب إلى أن اليد صفة ذات. قال ابن عطية : وهو قول مرغوب عنه.

وقرأ الجمهور : (أَسْتَكْبَرْتَ) ، بهمزة الاستفهام ، فأم متصلة عادلت الهمزة. قال

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٤.

(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١١.

(٣) سورة الحجر : ١٥ / ٣١.

(٤) سورة الإسراء : ١٧ / ٦١.

(٥) سورة الكهف : ١٨ / ٥٠.

(٦) سورة الأعراف : ٧ / ١٢.

(٧) سورة يس : ٣٦ / ٧١.

١٧٤

ابن عطية : وذهب كثير من النحويين إلى أن أم لا تكون معادلة للألف مع اختلاف الفعلين ، وإنما تكون معادلة إذا دخلتا على فعل واحد ، كقولك : أزيد قام أم عمرو؟ وقولك : أقام زيد أم عمرو؟ فإذا اختلف الفعلان كهذه الآية ، فليست معادلة. ومعنى الآية : أحدث لك الاستكبار الآن ، أم كنت قديما ممن لا يليق أن تكلف مثل هذا لعلو مكانك؟ وهذا على جهة التوبيخ. انتهى. وهذا الذي ذكره عن كثير من النحويين مذهب غير صحيح. قال سيبويه : وتقول أضربت زيدا أم قتلته. فالبدء هنا بالفعل أحسن ، لأنك إنما تسأل عن أحدهما ، لا تدري أيهما كان ، ولا تسأل عن موضع أحدهما ، كأنك قلت : أي ذلك كان؟ انتهى. فعادل بأم الألف مع اختلاف الفعلين. (مِنَ الْعالِينَ) : ممن علوت وفقت. فأجاب بأنه من العالين ، حيث قال (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ). وقيل : استكبرت الآن ، أو لم تزل مذ كنت من المستكبرين؟ ومعنى الهمزة : التقرير. انتهى. وقرأت فرقة ، منهم ابن كثير وغيره : استكبرت ، بصلة الألف ، وهي قراءة أهل مكة ، وليست في مشهور ابن كثير ، فاحتمل أن تكون همزة الاستفهام حذفت لدلالة أم عليها ، كقوله :

بسبع رمين الجمر أم بثمان

واحتمل أن يكون إخبارا خاطبه بذلك على سبيل التقريع ، وأم تكون منقطعة ، والمعنى : بل أنت من العالين عند نفسك استخفافا به. (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) : تقدم الكلام على ذلك في الأعراف. (قالَ : فَاخْرُجْ مِنْها) إلى قوله : (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) : تقدم الكلام على مثل ذلك في الحجر ، إلا أن هنا (لَعْنَتِي) وهناك (اللَّعْنَةُ) (١) أعم. ألا ترى إلى قوله : (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (٢)؟ وأما بالإضافة ، فالعموم في اللعنة أعم ، واللعنات إنما تحصل من جهة أن عليه لعنة الله كانت عليه لعنة كل لاعن ، هذا من جهة المعنى ، وأما باللفظ فيقتضي التخصيص. (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) : أقسم إبليس هنا بعزة الله ، وقال في الأعراف : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَ) (٣) ، وفي الحجر : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَ) (٤). وتقدم الكلام عليهما في موضعهما ، وأن من المفسرين من قال : إن الباء في : بما أغويتني ، وفي : فبما أغويتني ليست باء القسم. فإن كانت باء القسم ، فيكون ذلك في موطئين : فهنا : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) ، وفي الأعراف : (لَأَقْعُدَنَ) ، وفي الحجر : (لَأُزَيِّنَنَ). وقرأ الجمهور : فالحق والحق ،

__________________

(١) سورة الحجر : ١٥ / ٣٥.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٥٩.

(٣) سورة الأعراف : ٧ / ١٦.

(٤) سورة الحجر : ١٥ / ٣٩.

١٧٥

بنصبهما. أما الأول فمقسم به ، حذف منه الحرف كقوله : أمانة الله لأقومن ، والمقسم عليه (لَأَمْلَأَنَ). (وَالْحَقَّ أَقُولُ) : اعتراض بين القسم وجوابه. قال الزمخشري : ومعناه : ولا أقول إلا الحق. انتهى ، لأن عنده تقدم المفعول يفيد الحصر. والحق المقسم به إما اسمه تعالى الذي في قوله : (أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (١) ، أو الذي هو نقيض الباطل. وقيل : فالحق منصوب على الإغراء ، أي فالزموا الحق ، ولأملأن : جواب قسم محذوف. وقال الفراء : هو على معنى قولك : حقا لا شك ، ووجود الألف واللام وطرحهما سواء ، أي لأملأن جهنم حقا. انتهى. وهذا المصدر الجائي توكيدا لمضمون الجملة ، لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة ، وذلك مخصوص بالجملة التي جزآها معرفتان جامدتان جمودا محضا. وقال صاحب البسيط : وقد يجوز أن يكون الخبر نكرة ، قال : والمبتدأ يكون ضميرا نحو : هو زيد معروفا ، وهو الحق بيننا ، وأنا الأمير مفتخرا ؛ ويكون ظاهرا كقولك : زيد أبوك عطوفا ، وأخوك زيد معروفا. انتهى. وقالت العرب : زيد قائم غير ذي شك ، فجاءت الحال بعد جملة ، والخبر نكرة ، وهي حال مؤكدة لمضمون الجملة ، وكأن الفراء لم يشترط هذا الذي ذكره أصحابنا من كون المبتدأ والخبر معروفين جامدين ، لأنه لا فرق بين تأكيد مضمون الجملة الابتدائية وبين تأكيد الجملة الفعلية. وقيل : التقدير فالحق الحق ، أي افعله. وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، والأعمش : بالرفع فيهما ، فالأول مبتدأ خبره محذوف ، قيل : تقديره فالحق أنا ، وقيل : فالحق مني ، وقيل : تقديره فالحق قسمي ، وحذف كما حذف في : لعمرك لأقومن ، وفي : يمين الله أبرح قاعدا ، أي لعمرك قسمي ويمين الله قسمي ، وهذه الجملة هي جملة القسم وجوابه : لأملأن. وأما (وَالْحَقَّ أَقُولُ) فمبتدأ أيضا ، خبره الجملة ، وحذف العائد ، كقراءة ابن عباس : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى *) (٢). وقال ابن عطية : أما الأول فرفع على الابتداء ، وخبره في قوله : (لَأَمْلَأَنَ) ، لأن المعنى : أن أملأ. انتهى. وهذا ليس بشيء ، لأن لأملأن جواب قسم ، ويجب أن يكون جملة ، فلا يتقدر بمفرد. وأيضا ليس مصدرا مقدرا بحرف مصدري ، والفعل حتى ينحل إليهما ، ولكنه لما صح له إسناد ما قدر إلى المبتدأ ، حكم أنه خبر عنه. وقرأ الحسن ، وعيسى ، وعبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي بكر : بجرهم ، ويخرج على أن الأول مجرور بواو القسم محذوفة تقديره : فوالحق ، والحق معطوف عليه ، كما تقول : والله والله لأقومن ، وأقوال اعتراض بين القسم وجوابه. وقال الزمخشري : (وَالْحَقَّ أَقُولُ) : أي ولا أقول إلا

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ / ٢٥.

(٢) سورة النساء : ٤ / ٩٥.

١٧٦

الحق على حكاية لفظ المقسم به ، ومعناه التوكيد والتسديد ، وهذا الوجه جائز في المنصوب والمرفوع ، وهو وجه دقيق حسن. انتهى. وملخصه أنه أعمل القول في لفظ المقسم به على سبيل الحكاية نصبا أو رفعا أو جرا. وقرأ مجاهد ، والأعمش : بخلاف عنهما ؛ وأبان بن تغلب ، وطلحة في رواية ، وحمزة ، وعاصم عن المفضل ، وخلف ، والعبسي : برفع فالحق ونصب والحق ، وتقدم إعرابهما. والظاهر أن قوله : (أَجْمَعِينَ) تأكيد للمحدث عنه والمعطوف عليه ، وهو ضمير إبليس ومن عطف عليه ، أي منك ومن تابعيك أجمعين. وأجاز الزمخشري أن يكون أجمعين تأكيدا للضمير الذي في منهم ، مقدر لأملأن جهنم من الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس ، لا تفاوت في ذلك بين ناس وناس بعد وجود الأتباع منهم من أولاد الأنبياء وغيرهم. انتهى. والضمير في عليه عائد على القرآن ، قاله ابن عباس. وقيل : عائد على الوحي. وقيل : على الدعاء إلى الله. (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) : أي المتصنعين المتحلين بما ليسوا من أهله ، فانتحل النبوة والقول على الله. (إِنْ هُوَ) : أي القرآن ، (إِلَّا ذِكْرٌ) : أي من الله ، (لِلْعالَمِينَ) : الثقلين الإنس والجن. (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ) : أي عاقبة خبره لمن آمن به ومن أعرض عنه ، (بَعْدَ حِينٍ) ، قال ابن عباس وعكرمة وابن زيد : يعني يوم القيامة. وقال قتادة ، والفراء ، والزجاج : بعد الموت. وكان الحسن يقول : يا ابن آدم ، عند الموت يأتيك الخبر اليقين. وقيل : المعنى ليظهرن لكم حقيقة ما أقوال. (بَعْدَ حِينٍ) : أي في المستأنف ، إذا أخذتكم سيوف المسلمين ، وذلك يوم بدر ، وأشار إلى ذلك السدّي.

١٧٧

سورة الزمر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ

١٧٨

قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩) قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

١٧٩

فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)

التكوير : اللف واللي ، يقال : كار العمامة على رأسه وكوّرها. خوله النعمة : أي أعطاه ابتداء من غير مجازاة ، ولا يقال في الجراء خول. قال زهير :

هنالك إن يستخولوا المال يخولوا

ويروى يستخيلوا المال يخيلوا

وقال أبو النجم :

أعطى فلم يبخل ولم يبخل

كوم الذرى من خول المخول

هاج الزرع : ثار من منابته ، وقيل : يبس. الحطام : الفتات بعد يبسه. القشعريرة : تقبض الجلد ، يقال : اقشعر جلده من الخوف : وقف شعره ، وهو مثل في شدة الخوف. الشكاسة : سوء الخلق وعسره.

(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ، إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ، أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ ، لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ، خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ، خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ، إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ

١٨٠