فرائد الأصول - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-05-2
الصفحات: ٣٥٢

أصدقيّة الراوي وأورعيّته لا يوجب ذلك ، ما لم ينضمّ إليهما الأفقهيّة.

هذا ، ولكنّ الرواية مطلقة ، فتشمل الخبر المشهور روايته بين الأصحاب حتّى بين من هو أفقه من هذا المتفرّد برواية الشاذّ ، وإن كان هو أفقه من صاحبه المرضيّ بحكومته. مع أنّ أفقهيّة الحاكم بإحدى الروايتين لا تستلزم أفقهيّة جميع رواتها ، فقد يكون من عداه مفضولا بالنسبة إلى رواة الاخرى ، إلاّ أن ينزّل الرواية على غير هاتين الصورتين.

عدم قدح هذه الإشكالات في ظهور المقبولة

وبالجملة : فهذا الإشكال (١) أيضا لا يقدح في ظهور الرواية بل صراحتها في وجوب الترجيح بصفات الراوي ، وبالشهرة من حيث الرواية ، وبموافقة الكتاب والسنّة (٢) ، ومخالفة العامّة.

نعم ، المذكور في الرواية الترجيح باجتماع صفات الراوي من العدالة والفقاهة والصداقة والورع.

لكنّ الظاهر إرادة بيان جواز الترجيح بكلّ منها ؛ ولذا (٣) لم يسأل الراوي عن صورة وجود بعض الصفات دون بعض ، أو تعارض الصفات بعضها مع بعض ، بل ذكر في السؤال أنّهما معا عدلان مرضيّان لا يفضل أحدهما على صاحبه ، فقد فهم أنّ الترجيح بمطلق التفاضل.

وكذا يوجّه الجمع بين موافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامّة ، مع كفاية واحدة منها إجماعا.

__________________

(١) لم ترد «الإشكال» في (ت).

(٢) «والسنّة» من (ت).

(٣) لم ترد «لذا» في (ص).

٦١

٢ ـ مرفوعة زرارة

الثاني : ما رواه ابن أبي جمهور الأحسائي ـ في عوالي اللآلي ـ عن العلاّمة مرفوعا إلى زرارة :

«قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران والحديثان (١) المتعارضان فبأيّهما آخذ؟

فقال : يا زرارة ، خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر.

فقلت : يا سيّدي ، إنّهما معا مشهوران (٢) مأثوران عنكم.

فقال : خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك.

فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيّان موثّقان.

فقال : انظر ما وافق منهما (٣) العامّة ، فاتركه وخذ بما خالف (٤) ؛ فإنّ الحقّ فيما خالفهم.

قلت : ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع؟

قال : إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر.

قلت : إنّهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له ، فكيف أصنع؟

فقال : إذن فتخيّر أحدهما ، فتأخذ به وتدع الآخر» (٥).

__________________

(١) في المصدر : «أو الحديثان».

(٢) في المصدر زيادة : «مرويّان».

(٣) في المصدر زيادة : «مذهب».

(٤) في المصدر : «خالفهم».

(٥) عوالي اللآلي ٤ : ١٣٣ ، الحديث ٢٢٩ ، والمستدرك ١٧ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢.

٦٢

٣ ـ رواية الصدوق

الثالث : ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في حديث طويل ، قال فيه :

«فما ورد عليكم من حديثين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهي حرام أو مأمورا به عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر إلزام ، فاتّبعوا ما وافق نهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره ، وما كان في السنّة نهي إعافة أو كراهة ثمّ كان الخبر (١) خلافه ، فذلك رخصة في ما عافه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكرهه ولم يحرّمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا ، و (٢) بأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والردّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه ، فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف ، وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا» (٣).

٤ ـ رواية القطب الراوندي

الرابع : ما عن رسالة القطب الراوندي (٤) بسنده الصحيح عن

__________________

(١) في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : «الخبر الآخر» ، وفي الوسائل : «الخبر الأخير».

(٢) في (ت) و (ه) وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام بدل «و» : «أو».

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١ ، والوسائل ١٨ : ٨٢ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢١.

(٤) لم نعثر على هذه الرسالة ، وهي رسالة صنّفها في بيان أحوال أحاديث أصحابنا وإثبات صحّتها.

٦٣

الصادق عليه‌السلام :

«إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه (١) ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه» (٢).

٥ ـ رواية الحسين بن السرّي

الخامس : ما بسنده أيضا عن الحسين بن السرّي :

قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم» (٣).

٦ ـ رواية الحسن بن الجهم

السادس : ما بسنده أيضا عن الحسن بن الجهم في حديث :

«قلت له ـ يعني العبد الصالح عليه‌السلام ـ : يروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام شيء ويروى عنه أيضا خلاف ذلك ، فبأيّهما نأخذ؟

قال : خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه» (٤).

٧ ـ رواية محمد بن عبد الله

السابع : ما بسنده أيضا عن محمد بن عبد الله :

«قال : قلت للرضا عليه‌السلام : كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟

قال : إذا ورد عليكم خبران مختلفان ، فانظروا ما خالف منهما

__________________

(١) في المصدر : «فردّوه».

(٢) الوسائل ١٨ : ٨٤ و ٨٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٩.

(٣) الوسائل ١٨ : ٨٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٠.

(٤) الوسائل ١٨ : ٨٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣١.

٦٤

العامّة فخذوه ، وانظروا ما يوافق أخبارهم فذروه» (١).

٨ ـ رواية سماعة بن مهران

الثامن : ما عن الاحتجاج بسنده عن سماعة بن مهران :

«قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا.

قال : لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأل (٢).

قلت : لا بدّ أن نعمل بواحد منهما.

قال : خذ بما فيه خلاف العامّة» (٣).

٩ ـ رواية المعلّى بن خنيس

التاسع : ما عن الكافي بسنده عن المعلّى بن خنيس :

«قال : قلت لأبي عبد الله : عليه‌السلام : إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم بأيّهما نأخذ؟

قال : خذوا به حتّى يبلغكم عن الحيّ ، فإن بلغكم عن الحيّ فخذوا بقوله.

قال : ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّا والله لا ندخلكم إلاّ فيما يسعكم» (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٨٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٤ ، وفيه بدل «فذروه» : «فدعوه».

(٢) في المصدر : «فتسأله».

(٣) الاحتجاج ٢ : ١٠٩ ، والوسائل ١٨ : ٨٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٢.

(٤) الكافي ١ : ٦٧ ، الحديث ٩ ، والوسائل ١٨ : ٧٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٨.

٦٥

١٠ ـ رواية الحسين بن المختار

العاشر : ما عنه بسنده إلى الحسين بن المختار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام :

«قال : أرأيتك لو حدّثتك بحديث العام ثمّ جئتني من قابل فحدّثتك بخلافه ، بأيّهما كنت تأخذ؟

قال : قلت : كنت آخذ بالأخير.

فقال لي : رحمك الله (١)».

١١ ـ رواية أبي عمرو الكناني

الحادي عشر : ما عنه بسنده الصحيح ـ ظاهرا ـ عن أبي عمرو الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام :

«قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا عمرو ، أرأيتك لو حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمّ جئت بعد ذلك تسألني عنه ، فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك ، بأيّهما كنت تأخذ؟

قلت : بأحدثهما وأدع الآخر.

قال : قد أصبت يا أبا عمرو ، أبي الله إلاّ أن يعبد سرّا ، أما والله ، لئن فعلتم ذلك ، إنّه لخير لي ولكم ، أبي الله لنا (٢) في دينه إلاّ التقيّة» (٣).

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ ، الحديث ٨ ، والوسائل ١٨ : ٧٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٧.

(٢) في الكافي زيادة : «ولكم».

(٣) الكافي ٢ : ٢١٨ ، الحديث ٧ ، والوسائل ١٨ : ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٧ ، مع اختلاف يسير.

٦٦

١٢ ـ رواية محمد بن مسلم

الثاني عشر : ما عنه بسنده الموثّق عن محمّد بن مسلم :

«قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا يتّهمون بالكذب ، فيجيء منكم خلافه؟

قال : إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن» (١).

١٣ ـ رواية أبي حيّون

الثالث عشر : ما بسنده (٢) ـ الحسن ـ عن أبي حيّون مولى الرضا عليه‌السلام عنه (٣) :

«إنّ في أخبارنا محكما كمحكم القرآن ، ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها ، فتضلّوا» (٤).

١٤ ـ رواية داود بن فرقد

الرابع عشر : ما عن معاني الأخبار بسنده عن داود بن فرقد :

«قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أنتم أفقه الناس إذا عرفتم

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٤ ، الحديث ٢ ، والوسائل ١٨ : ٧٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤.

(٢) لم يرد هذا الحديث في الكافي ، بل رواه الصدوق قدس‌سره بسنده عن أبي حيّون.

(٣) «عنه» من (ص) ، وفي الوسائل : «عن الرضا عليه‌السلام» ، ولم يرد في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام شيء منهما.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٩٠ ، والوسائل ١٨ : ٨٢ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٢.

٦٧

معاني كلامنا ، إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب» (١).

وفي هاتين الروايتين الأخيرتين دلالة على وجوب الترجيح بحسب قوّة الدلالة.

هذا ما وقفنا عليه من الأخبار الدالّة على التراجيح.

[علاج التعارض المتوهّم بين الأخبار العلاجيّة](٢)

علاج التعارض الأخبار العلاجيّة في مواضع :

إذا عرفت ما تلوناه عليك (٣) ، فلا يخفى عليك أنّ ظواهرها متعارضة ، فلا بدّ من (٤) علاج ذلك.

والكلام في ذلك يقع في مواضع :

الموضع الأوّل : في علاج تعارض مقبولة ابن حنظلة ومرفوعة زرارة

الأوّل : في علاج تعارض مقبولة ابن حنظلة ومرفوعة زرارة ؛ حيث إنّ الاولى صريحة في تقديم الترجيح بصفات الراوي على الترجيح بالشهرة ، والثانية بالعكس. وهي وإن كانت ضعيفة السند إلاّ أنّها موافقة لسيرة العلماء في باب الترجيح ؛ فإنّ طريقتهم مستمرّة على

__________________

(١) معاني الأخبار : ١ ، والوسائل ١٨ : ٢٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٧.

(٢) العنوان منّا.

(٣) في (ص) زيادة : «من الأخبار».

(٤) في (ه) زيادة : «التكلّم في».

٦٨

تقديم المشهور على الشاذّ. والمقبولة وإن كانت مشهورة بين العلماء حتّى سمّيت مقبولة ، إلاّ أنّ عملهم على طبق المرفوعة وإن كانت شاذّة من حيث الرواية ؛ حيث لم يوجد (١) مرويّة في شيء من جوامع الأخبار المعروفة ، ولم يحكها إلاّ ابن أبي جمهور عن العلاّمة مرفوعة إلى زرارة.

إلاّ أن يقال : إنّ المرفوعة تدلّ على تقديم المشهور رواية على غيره ، وهي هنا المقبولة. ولا دليل على الترجيح بالشهرة العمليّة.

مع أنّا نمنع أنّ عمل المشهور على تقديم الخبر المشهور رواية على غيره إذا كان الغير أصحّ منه من حيث صفات الراوي ، خصوصا صفة الأفقهيّة.

ويمكن أن يقال : إنّ السؤال لمّا كان عن الحكمين كان الترجيح فيهما من حيث الصفات ، فقال عليه‌السلام : «الحكم ما حكم به أعدلهما ... الخ» مع أنّ السائل ذكر : «أنّهما اختلفا في حديثكم» ؛ ومن هنا اتفق الفقهاء على عدم الترجيح بين الحكّام إلاّ بالفقاهة والورع ، فالمقبولة نظير رواية داود بن الحصين الواردة في اختلاف الحكمين ، من دون تعرّض الراوي لكون منشأ اختلافهما الاختلاف في الروايات ، حيث قال عليه‌السلام : «ينظر إلى أفقههما وأعلمهما (٢) وأورعهما فينفذ حكمه» (٣) ، وحينئذ فيكون الصفات من مرجّحات الحكمين.

نعم ، لمّا فرض الراوي تساويهما أرجعه الإمام عليه‌السلام إلى ملاحظة

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «لم توجد».

(٢) في المصدر زيادة : «بأحاديثنا».

(٣) الوسائل ١٨ : ٨٠ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٠.

٦٩

الترجيح في مستنديهما ، وأمره بالاجتهاد والعمل في الواقعة على طبق الراجح من الخبرين مع إلغاء حكومة الحكمين كليهما ، فأوّل المرجّحات الخبريّة هي الشهرة بين الأصحاب فينطبق على المرفوعة.

نعم قد يورد على هذا الوجه : أنّ اللازم على قواعد الفقهاء الرجوع مع تساوي الحاكمين إلى اختيار المدّعي.

ويمكن التفصّي عنه : بمنع جريان هذا الحكم في قاضي التحكيم.

وكيف كان ، فهذا التوجيه غير بعيد.

الثاني : أنّ الحديث الثامن ـ وهي رواية الاحتجاج عن سماعة ـ يدلّ على وجوب التوقّف أوّلا ، ثمّ مع عدم إمكانه يرجع إلى الترجيح بموافقة العامّة ومخالفتهم ، وأخبار التوقّف ـ على ما عرفت وستعرف (١) ـ محمولة على صورة التمكّن من العلم ، فتدلّ الرواية على أنّ الترجيح بمخالفة العامّة ـ بل غيرها من المرجّحات ـ إنّما يرجع إليها بعد العجز عن تحصيل العلم في الواقعة بالرجوع إلى الإمام عليه‌السلام ، كما ذهب إليه بعض (٢).

وهذا خلاف ظاهر الأخبار الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات ابتداء بقول مطلق ـ بل بعضها صريح في ذلك ـ حتّى مع التمكّن من العلم ، كالمقبولة الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات ثمّ بالإرجاء حتّى يلقى الإمام عليه‌السلام ، فيكون وجوب الرجوع إلى الإمام بعد فقد المرجّحات.

__________________

(١) انظر الصفحة ٤٠ و ١٥٨.

(٢) هو المحدّث البحراني في الحدائق ١ : ٩٩ ـ ١٠٠.

٧٠

والظاهر لزوم طرحها ؛ لمعارضتها بالمقبولة الراجحة عليها ، فيبقى إطلاقات الترجيح سليمة.

الموضع الثالث

الثالث : أنّ مقتضى القاعدة تقييد إطلاق ما اقتصر فيها على بعض المرجّحات بالمقبولة ، إلاّ أنّه قد يستبعد ذلك ؛ لورود تلك المطلقات في مقام الحاجة ، فلا بدّ من جعل المقبولة كاشفة عن قرينة متّصلة فهم منها الإمام عليه‌السلام أنّ مراد الراوي تساوي الروايتين من سائر الجهات ، كما يحمل إطلاق أخبار التخيير على ذلك.

الموضع الرابع

الرابع : أنّ الحديث الثاني عشر الدالّ على نسخ الحديث بالحديث ، على تقدير شموله للروايات الإماميّة ـ بناء على القول بكشفهم عليهم‌السلام عن الناسخ الذي أودعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندهم ـ هل هو مقدّم على باقي الترجيحات أو مؤخّر؟ وجهان :

من أنّ النسخ من جهات التصرّف في الظاهر (١) ؛ لأنّه من تخصيص الأزمان ؛ ولذا ذكروه في تعارض الأحوال ، وقد مرّ وسيجيء (٢) تقديم الجمع بهذا النحو على الترجيحات الأخر.

ومن أنّ النسخ على فرض ثبوته في غاية القلّة ، فلا يعتنى به في مقام الجمع ، ولا يحكم به العرف ، فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات الأخر ، كما إذا امتنع الجمع. وسيجيء بعض الكلام في ذلك (٣).

__________________

(١) لم ترد «في الظاهر» في (ت).

(٢) انظر الصفحة ١٩ و ٨١.

(٣) انظر الصفحة ٩٤ ـ ٩٥.

٧١

الموضع الخامس

الخامس : أنّ الروايتين الأخيرتين ظاهرتان في وجوب الجمع بين الأقوال الصادرة عن الأئمّة صلوات الله عليهم ، بردّ المتشابه إلى المحكم. والمراد بالمتشابه ـ بقرينة قوله : «ولا تتّبعوا متشابهها فتضلّوا» ـ هو الظاهر الذي اريد منه خلافه ؛ إذ المتشابه إمّا المجمل وإمّا المؤوّل ، ولا معنى للنهي عن اتّباع المجمل ، فالمراد إرجاع الظاهر إلى النصّ أو إلى الأظهر.

وهذا المعنى لمّا كان مركوزا في أذهان أهل اللسان ، ولم يحتج إلى البيان في الكلام المعلوم الصدور عنهم ، فلا يبعد إرادة ما يقع من ذلك في الكلمات المحكيّة عنهم بإسناد الثقات ، التي تنزّل منزلة المعلوم الصدور.

فالمراد أنّه لا يجوز المبادرة إلى طرح الخبر المنافي لخبر آخر ولو كان الآخر أرجح منه ، إذا أمكن ردّ المتشابه منهما إلى المحكم (١) ، وأنّ الفقيه من تأمّل في أطراف الكلمات المحكيّة عنهم ، ولم يبادر إلى طرحها لمعارضتها بما هو أرجح منها.

والغرض من الروايتين الحثّ على الاجتهاد واستفراغ الوسع في معاني الروايات ، وعدم المبادرة إلى طرح الخبر بمجرّد مرجّح لغيره عليه.

__________________

(١) في (ر) ، (ص) و (ظ) بدل «المحكم» : «محكم الآخر».

٧٢

المقام الثالث

في عدم جواز الاقتصار على المرجّحات المنصوصة.

حاصل ما يستفاد من أخبار الترجيح

التعدّي عن المرجّحات المنصوصة

فنقول : اعلم أنّ حاصل ما يستفاد من مجموع الأخبار ـ بعد الفراغ عن تقديم الجمع المقبول على الطرح ، وبعد ما ذكرنا من أنّ الترجيح بالأعدليّة وأخواتها إنّما هو بين الحكمين مع قطع النظر عن ملاحظة مستندهما ـ : هو أنّ الترجيح أوّلا بالشهرة والشذوذ ، ثمّ بالأعدليّة والأوثقيّة ، ثمّ بمخالفة العامّة ، ثمّ بمخالفة ميل الحكّام.

وأمّا الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة فهو من باب اعتضاد أحد الخبرين بدليل قطعيّ الصدور ، ولا إشكال في وجوب الأخذ به ، وكذا الترجيح بموافقة الأصل.

ولأجل ما ذكر لم يذكر ثقة الإسلام ، رضوان الله عليه ، في مقام الترجيح ـ في ديباجة الكافي ـ سوى ما ذكر ، فقال :

كلام الشيخ الكليني في ديباجة الكافي

اعلم يا أخي ـ أرشدك الله ـ أنّه لا يسع أحدا تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه من العلماء عليهم‌السلام برأيه ، إلاّ على ما أطلقه العالم عليه‌السلام بقوله : «اعرضوهما (١) على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله عزّ وجلّ فخذوه ، وما خالف كتاب الله عزّ وجلّ فردّوه» ، وقوله عليه‌السلام : «دعوا ما وافق القوم ، فإنّ الرشد في خلافهم» ، وقوله عليه‌السلام : «خذوا بالمجمع عليه ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه». ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ أقلّه ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى

__________________

(١) في المصدر : «اعرضوها».

٧٣

العالم عليه‌السلام ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله : «بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم» (١) ، انتهى.

توضيح كلام الشيخ الكليني

ولعلّه ترك الترجيح بالأعدليّة والأوثقيّة ؛ لأنّ الترجيح بذلك مركوز في أذهان الناس ، غير محتاج إلى التوقيف.

وحكي عن بعض الأخباريّين (٢) : أنّ وجه إهمال هذا المرجّح كون أخبار كتابه كلّها صحيحة.

وقوله : «ولا نعلم من ذلك إلاّ أقلّه» ، إشارة إلى أنّ العلم بمخالفة الرواية للعامّة في زمن صدورها أو كونها مجمعا عليها قليل ، والتعويل على الظنّ بذلك عار عن الدليل.

وقوله : «لا نجد شيئا أحوط ولا أوسع ... الخ» ، أمّا أوسعيّة التخيير فواضح ، وأمّا وجه كونه أحوط ، مع أنّ الأحوط التوقّف والاحتياط في العمل ، فلا يبعد أن يكون من جهة أنّ في ذلك ترك العمل بالظنون التي لم يثبت الترجيح بها ، والإفتاء بكون مضمونها هو حكم الله لا غير ، وتقييد إطلاقات التخيير والتوسعة من دون نصّ مقيّد. ولذا طعن غير واحد من الأخباريّين على رؤساء المذهب ـ مثل المحقّق والعلاّمة ـ بأنّهم يعتمدون في الترجيحات على امور اعتمدها العامّة في كتبهم ، ممّا ليس في النصوص منه عين ولا أثر.

كلام المحدّث البحراني

قال المحدّث البحراني قدس‌سره في هذا المقام من مقدّمات الحدائق :

إنّه قد ذكر علماء الاصول من الترجيحات في هذا المقام ما لا يرجع أكثرها إلى محصول ، والمعتمد عندنا ما ورد من أهل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٨.

(٢) حكاه المحدّث البحراني عن بعض مشايخه في الحدائق ١ : ٩٧.

٧٤

من الأخبار المشتملة على وجوه الترجيحات (١) ، انتهى.

المناقشة فيها أفاده المحدّث البحراني

أقول : قد عرفت (٢) أنّ الأصل ـ بعد ورود التكليف الشرعيّ بالعمل بأحد المتعارضين ـ هو العمل بما يحتمل أن يكون مرجّحا في نظر الشارع ؛ لأنّ جواز العمل بالمرجوح مشكوك حينئذ.

نعم ، لو كان المرجع بعد التكافؤ هو التوقّف والاحتياط ، كان الأصل عدم الترجيح إلاّ بما علم كونه مرجّحا. لكن عرفت أنّ المختار مع التكافؤ هو التخيير (٣) ، فالأصل هو العمل بالراجح.

إلاّ أن يقال : إنّ إطلاقات التخيير حاكمة على هذا الأصل ، فلا بدّ للمتعدّي من المرجّحات الخاصّة المنصوصة من أحد أمرين : إمّا أن يستنبط من النصوص ـ ولو بمعونة الفتاوى ـ وجوب العمل بكلّ مزيّة توجب أقربيّة ذيها إلى الواقع ، وإمّا أن يستظهر من إطلاقات التخيير الاختصاص بصورة التكافؤ من جميع الوجوه.

عدم الاقتصار على المرجّحات الخاصّة

والحقّ : أنّ تدقيق النظر في أخبار الترجيح يقتضي التزام الأوّل ، كما أنّ التأمّل الصادق في أخبار التخيير يقتضي التزام الثاني ؛ ولذا ذهب جمهور المجتهدين إلى عدم الاقتصار على المرجّحات الخاصّة (٤) ، بل

__________________

(١) الحدائق ١ : ٩٠.

(٢) راجع الصفحة ٥٣.

(٣) راجع الصفحة ٣٩.

(٤) انظر المعارج : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، ونهاية الوصول (مخطوط) : ٤٢١ ، والفوائد الحائريّة : ٢٠٧ ـ ٢١٤ و ٢٢١ ، والفصول : ٤٤٢ ، والقوانين ٢ : ٢٩٣ ، ومفاتيح الاصول : ٦٨٨.

٧٥

ادّعى بعضهم (١) ظهور الإجماع وعدم ظهور الخلاف على وجوب العمل بالراجح من الدليلين ، بعد أن حكى الإجماع عليه عن جماعة.

ما يمكن أن يستفاد منه هذا المطلب

وكيف كان ، فما يمكن استفادة هذا المطلب منه فقرات من الروايات :

منها : الترجيح بالأصدقيّة في المقبولة وبالأوثقيّة في المرفوعة ؛ فإنّ اعتبار هاتين الصفتين ليس إلاّ لترجيح الأقرب إلى مطابقة الواقع ـ في نظر الناظر في المتعارضين ـ من حيث إنّه أقرب ، من غير مدخليّة خصوصيّة سبب ، وليستا كالأعدليّة والأفقهيّة تحتملان اعتبار الأقربيّة الحاصلة من السبب الخاصّ.

وحينئذ ، فنقول : إذا كان أحد الراويين أضبط من الآخر أو أعرف بنقل الحديث بالمعنى أو شبه ذلك ، فيكون أصدق وأوثق من الراوي الآخر ، ونتعدّى من صفات الراوي المرجّحة (٢) إلى صفات الرواية الموجبة لأقربيّة صدورها ؛ لأنّ أصدقيّة الراوي وأوثقيّته لم تعتبر في الراوي إلاّ من حيث حصول صفة الصدق والوثاقة في الرواية ، فإذا كان أحد الخبرين منقولا باللفظ والآخر منقولا بالمعنى كان الأوّل أقرب إلى الصدق وأولى بالوثوق.

ويؤيّد ما ذكرنا : أنّ الراوي بعد سماع الترجيح بمجموع الصفات لم يسأل عن صورة وجود بعضها وتخالفها في الراويين (٣) ، وإنّما سأل عن

__________________

(١) هو السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٦٨٦ و ٦٨٨.

(٢) لم ترد «المرجّحة» في (ظ).

(٣) في (ص) ، (ظ) و (ر) : «الروايتين».

٧٦

حكم صورة تساوي الراويين في الصفات المذكورة وغيرها ، حتّى قال : «لا يفضل أحدهما على صاحبه» ، يعني : بمزيّة من المزايا أصلا ، فلو لا فهمه أنّ كلّ واحد من هذه الصفات وما يشبهها مزيّة مستقلّة ، لم يكن وقع للسؤال عن صورة عدم المزيّة فيهما رأسا ، بل ناسبه السؤال عن حكم عدم اجتماع الصفات ، فافهم.

ومنها : تعليله عليه‌السلام الأخذ بالمشهور بقوله : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه». توضيح ذلك :

أنّ معنى كون الرواية مشهورة كونها معروفة عند الكلّ ، كما يدلّ عليه فرض السائل كليهما مشهورين ، والمراد بالشاذّ ما لا يعرفه إلاّ القليل ، ولا ريب أنّ المشهور بهذا المعنى ليس قطعيّا من جميع الجهات (١) ـ قطعيّ المتن والدلالة ـ حتّى يصير ممّا لا ريب فيه ، وإلاّ لم يمكن فرضهما مشهورين ، ولا الرجوع إلى صفات الراوي قبل ملاحظة الشهرة ، ولا الحكم بالرجوع مع شهرتهما إلى المرجّحات الأخر ، فالمراد بنفي الريب نفيه بالإضافة إلى الشاذّ ، ومعناه : أنّ الريب المحتمل في الشاذّ غير محتمل فيه ، فيصير حاصل التعليل ترجيح المشهور على الشاذّ بأنّ في الشاذّ احتمالا لا يوجد في المشهور ، ومقتضى التعدّي عن مورد النصّ في العلّة وجوب الترجيح بكلّ ما يوجب كون أحد الخبرين أقلّ احتمالا لمخالفة الواقع.

ومنها : تعليلهم عليهم‌السلام لتقديم الخبر المخالف للعامّة ب : «أنّ الحقّ والرشد في خلافهم» ، و «أنّ ما وافقهم فيه التقيّة» ؛ فإنّ هذه كلّها

__________________

(١) لم ترد «قطعيّا من جميع الجهات» في (ظ) ، وشطب عليها في (ت).

٧٧

قضايا غالبيّة لا دائميّة ، فيدلّ ـ بحكم التعليل ـ على وجوب ترجيح كلّ ما كان معه أمارة الحقّ والرشد ، وترك ما فيه مظنّة خلاف الحقّ والصواب.

بل الإنصاف : أنّ مقتضى هذا التعليل كسابقه وجوب الترجيح بما هو أبعد عن الباطل من الآخر ، وإن لم يكن عليه أمارة المطابقة ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام : «ما جاءكم عنّا من حديثين مختلفين (١) ، فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا ، فإن أشبهها فهو حقّ ، وإن لم يشبهها فهو باطل» (٢) ؛ فإنّه لا توجيه لهاتين القضيّتين إلاّ ما ذكرنا : من إرادة الأبعديّة عن الباطل والأقربيّة إليه.

ومنها : قوله عليه‌السلام : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (٣) ، دلّ على أنّه إذا دار الأمر بين أمرين في أحدهما ريب ليس في الآخر ذلك الريب يجب الأخذ به ، وليس المراد نفي مطلق الريب ، كما لا يخفى. وحينئذ فإذا فرض أحد المتعارضين منقولا باللفظ (٤) والآخر بالمعنى وجب الأخذ بالأوّل ؛ لأنّ احتمال الخطأ في النقل بالمعنى منفيّ فيه. وكذا إذا كان أحدهما أعلى سندا لقلّة الوسائط. إلى غير ذلك من المرجّحات النافية للاحتمال الغير المنفيّ في طرف المرجوح.

__________________

(١) في المصدر بدل «ما جاءكم عنّا من حديثين مختلفين» : «إذا جاءك الحديثان المختلفان».

(٢) الوسائل ١٨ : ٨٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٨.

(٣) الوسائل ١٨ : ١٢٢ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٨.

(٤) في غير (ص) : «بلفظه».

٧٨

المقام الرابع

في بيان المرجّحات.

أصناف المرجّحات

وهي على قسمين :

أحدهما : ما يكون داخليّا ، وهي كلّ مزيّة غير مستقلّة في نفسها ، بل متقوّمة بما فيه.

وثانيهما : ما يكون خارجيّا ، بأن يكون أمرا مستقلا بنفسه ولو لم يكن هناك خبر ، سواء كان معتبرا كالأصل والكتاب ، أو غير معتبر في نفسه (١) كالشهرة ونحوها.

ثمّ المستقلّ (٢) : إمّا أن يكون مؤثّرا في أقربيّة أحد الخبرين إلى الواقع كالكتاب ، والأصل بناء على إفادته الظنّ ، أو غير مؤثّر ككون الحرمة أولى بالأخذ من الوجوب ، والأصل بناء على كونه من باب التعبّد الظاهريّ.

وجعل المستقلّ (٣) مطلقا ـ خصوصا ما لا يؤثّر في الخبر ـ من المرجّحات لا يخلو عن مسامحة.

__________________

(١) لم ترد «في نفسه» في (ظ).

(٢) في (ه) ونسخة بدل (ت) و (ص) بدل «المستقلّ» : «المعتبر».

(٣) في (ص) ونسخة بدل (ت) و (ه) بدل «المستقلّ» : «المعتبر».

٧٩

[المرجحات الداخليّة] (١)

أمّا الداخلي ، فهو على أقسام ؛ لأنّه :

إمّا أن يكون راجعا إلى الصدور ، فيفيد المرجّح كون الخبر أقرب إلى الصدور وأبعد عن الكذب ، سواء كان راجعا إلى سنده كصفات الراوي ، أو إلى متنه كالأفصحيّة. وهذا لا يكون إلاّ في أخبار الآحاد.

وإمّا أن يكون راجعا إلى وجه الصدور ، ككون أحدهما مخالفا للعامّة أو لعمل سلطان الجور أو قاضي الجور ، بناء على احتمال كون مثل هذا الخبر صادرا لأجل التقيّة.

وإمّا أن يكون راجعا إلى مضمونه ، كالمنقول باللفظ بالنسبة إلى المنقول بالمعنى ؛ إذ يحتمل الاشتباه في التعبير ، فيكون مضمون المنقول باللفظ أقرب إلى الواقع ، و (٢) كمخالفة العامّة بناء على أنّ الوجه في الترجيح بها ما في أكثر الروايات : من «أنّ خلافهم أقرب إلى الحقّ» (٣) ، وكالترجيح بشهرة الرواية ونحوها.

تأخّر المرجّحات الداخليّة عن الترجيح بالدلالة والاستدلال عليه

وهذه الأنواع الثلاثة كلّها متأخّرة عن الترجيح باعتبار قوّة الدلالة ، فإنّ الأقوى دلالة مقدّم على ما كان أصحّ سندا وموافقا للكتاب ومشهور الرواية بين الأصحاب ؛ لأنّ صفات الرواية لا تزيده

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) لم ترد «كالمنقول ـ إلى ـ إلى الواقع و» في (ظ).

(٣) لم ترد «وكمخالفة ـ إلى ـ إلى الحقّ» في (ر) و (ص).

٨٠