فرائد الأصول - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-05-2
الصفحات: ٣٥٢

من العمل لا مطلقا ، فلا يلزم سدّ باب العمل (١). انتهى كلامه ، رفع مقامه.

الوجوه المحتملة في الترجيح بمخالفة العامّة

أقول : توضيح المرام في هذا المقام ، أنّ ترجيح أحد الخبرين بمخالفة العامّة يمكن أن يكون بوجوه :

الوجه الأوّل

الأوّل : مجرّد التعبّد ، كما هو ظاهر كثير من أخباره ، ويظهر من المحقّق استظهاره من الشيخ ٠.

الوجه الثاني

الثاني : كون الرشد في خلافهم ، كما صرّح به في غير واحد من الأخبار المتقدّمة (٢) ، ورواية عليّ بن أسباط :

«قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يحدث الأمر ، لا أجد بدّا من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك.

فقال : ائت فقيه البلد واستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ، فإنّ الحقّ فيه» (٣).

وأصرح من ذلك كلّه خبر أبي إسحاق الأرجائيّ (٤) :

«قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أتدري لم امرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله (٥) العامّة؟

فقلت : لا أدري.

__________________

(١) المعارج : ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٢) مثل مقبولة ابن حنظلة ومرفوعة زرارة ، المتقدّمتين في الصفحة ٥٧ و ٦٢.

(٣) الوسائل ١٨ : ٨٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٣.

(٤) كذا في النسخ ، وفي الوسائل : «الأرجانيّ».

(٥) في المصدر : «تقول».

١٢١

فقال : إنّ عليّا صلوات الله عليه لم يكن يدين الله بشيء إلاّ خالف عليه العامّة (١) إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألونه ـ صلوات الله عليه ـ عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم بشيء جعلوا له ضدّا من عندهم ليلبسوا على الناس» (٢).

الوجه الثالث

الثالث : حسن مجرّد المخالفة لهم ، فمرجع هذا المرجّح ليس الأقربيّة إلى الواقع ، بل هو نظير ترجيح دليل الحرمة على الوجوب ، ودليل الحكم الأسهل على غيره.

ويشهد لهذا الاحتمال بعض الروايات ، مثل قوله عليه‌السلام في مرسلة داود بن الحصين : «إنّ من وافقنا خالف عدوّنا ، ومن وافق عدوّنا في قول أو عمل فليس منّا ولا نحن منه» (٣)

ورواية الحسين بن خالد : «شيعتنا : المسلّمون لأمرنا ، الآخذون بقولنا ، المخالفون لأعدائنا ، فمن لم يكن كذلك فليس منّا» (٤) فيكون حالهم حال اليهود الوارد فيهم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خالفوهم ما استطعتم» (٥).

الوجه الرابع

الرابع : الحكم بصدور الموافق تقيّة. ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام في رواية : «ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعته منّي

__________________

(١) في المصدر : «خالف عليه الامّة إلى غيره».

(٢) الوسائل ١٨ : ٨٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٤.

(٣) الوسائل ١٨ : ٨٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٣.

(٤) الوسائل ١٨ : ٨٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٥.

(٥) لم نعثر عليه بعينه. نعم ، ورد ما يقرب منه في كنز العمّال ٧ : ٥٣٢ ، الحديث ٢٠١١٤ ، و ١٥ : ٧٢٣ ، الحديث ٤٢٨٨٣.

١٢٢

لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه» (١) ، بناء على أنّ المحكيّ عنه عليه‌السلام مع عدالة الحاكي كالمسموع منه ، وأنّ الرواية مسوقة لحكم المتعارضين ، وأنّ القضيّة غالبيّة ؛ لكذب الدائميّة.

ضعف الوجه الأوّل

أمّا الوجه الأوّل ـ فمع بعده عن مقام ترجيح أحد الخبرين المبنيّ اعتبارهما على الكشف النوعيّ ـ ينافيه (٢) التعليل المذكور في الأخبار المستفيضة المتقدّمة (٣).

ضعف الوجه الثالث

ومنه يظهر ضعف الوجه الثالث ، مضافا إلى صريح رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «ما أنتم والله على شيء ممّا هم فيه ، ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه ، فخالفوهم ؛ فإنّهم ليسوا من الحنيفيّة على شيء» (٤) فقد فرّع الأمر بمخالفتهم على مخالفة أحكامهم للواقع ، لا مجرّد حسن المخالفة.

تعيّن الوجه الثاني أو الرابع

فتعيّن الوجه الثاني ؛ لكثرة ما يدلّ عليه من الأخبار ، أو الوجه الرابع ؛ للخبر المذكور وذهاب المشهور.

الإشكال على الوجه الثاني

إلاّ أنّه يشكل الوجه الثاني : بأنّ التعليل المذكور في الأخبار بظاهره غير مستقيم ؛ لأنّ خلافهم ليس حكما واحدا حتّى يكون هو الحقّ ، وكون الحقّ والرشد فيه بمعنى وجوده في محتملاته لا ينفع في الكشف عن الحقّ. نعم ، ينفع في الأبعديّة عن الباطل لو علم أو احتمل

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٤٩٢ ، الباب ٣ من أبواب الخلع ، الحديث ٧.

(٢) في (ر) : «ينافي».

(٣) أي : «الأخبار العلاجيّة» ، المتقدّمة في الصفحة ٥٧ ـ ٦٧.

(٤) الوسائل ١٨ : ٨٥ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٢.

١٢٣

غلبة الباطل على أحكامهم وكون الحقّ فيها نادرا ، لكنّه خلاف الوجدان. ورواية أبي بصير المتقدّمة (١) وإن تأكّد مضمونها بالحلف ، لكن لا بدّ من توجيهها ، فيرجع الأمر إلى التعبّد بعلّة الحكم ، وهو أبعد من التعبّد بنفس الحكم.

الإشكال على الوجه الرابع

والوجه الرابع : بأنّ دلالة الخبر المذكور عليه لا يخلو عن خفاء ؛ لاحتمال أن يكون المراد من شباهة أحد الخبرين بقول الناس كونه متفرّعا على قواعدهم الباطلة ، مثل : تجويز الخطأ على المعصومين من الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ـ عمدا أو سهوا ـ والجبر والتفويض ، ونحو ذلك. وقد اطلق الشباهة على هذا المعنى في بعض أخبار العرض على الكتاب والسنّة ، حيث قال : «فإن أشبههما فهو حقّ ، وإن لم يشبههما فهو باطل» (٢). وهذا الحمل أولى من حمل القضيّة على الغلبة لا الدوام بعد تسليم الغلبة.

توجيه الوجه الثاني

ويمكن دفع الإشكال في الوجه الثاني عن التعليل في الأخبار ، بوروده على الغالب من انحصار الفتوى في المسألة في الوجهين ؛ لأنّ الغالب أنّ الوجوه في المسألة إذا كثرت كانت العامّة مختلفين ، ومع اتّفاقهم لا يكون في المسألة وجوه متعدّدة.

ويمكن أيضا الالتزام بما ذكرنا سابقا (٣) : من غلبة الباطل في أقوالهم ، على ما صرّح به في رواية الأرجائيّ المتقدّمة (٤). وأصرح منها ما حكي

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة السابقة.

(٢) الوسائل ١٨ : ٨٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ضمن الحديث ٤٨.

(٣) و (٤) راجع الصفحة ١٢١.

١٢٤

عن أبي حنيفة من قوله : «خالفت جعفرا في كلّ ما يقول ، إلاّ أنّي لا أدري أنّه يغمض عينيه في الركوع والسجود أو يفتحهما» (١). وحينئذ فيكون خلافهم أبعد من الباطل.

توجيه الوجه الرابع

ويمكن توجيه الوجه الرابع : بعدم انحصار دليله في الرواية المذكورة ، بل الوجه فيه هو ما تقرّر في باب التراجيح واستفيد من النصوص والفتاوى : من حصول الترجيح بكلّ مزيّة في أحد الخبرين يوجب كونه أقلّ أو أبعد احتمالا لمخالفة الواقع من الخبر الآخر ، ومعلوم أنّ الخبر المخالف لا يحتمل فيه التقيّة ، كما يحتمل في الموافق ، على ما تقدّم من المحقّق قدس‌سره (٢). فمراد المشهور من حمل الخبر الموافق على التقيّة ليس كون الموافقة أمارة على صدور الخبر تقيّة ، بل المراد أنّ الخبرين لمّا اشتركا في جميع الجهات المحتملة لخلاف الواقع ـ عدا احتمال الصدور تقيّة المختصّ بالخبر الموافق ـ تعيّن العمل بالمخالف وانحصر محمل الخبر الموافق المطروح في التقيّة.

وأمّا ما أورده المحقّق (٣) : من معارضة احتمال التقيّة باحتمال الفتوى على التأويل.

ففيه : أنّ الكلام فيما إذا اشترك الخبران في جميع الاحتمالات المتطرّقة في السند والمتن والدلالة ، فاحتمال الفتوى على التأويل مشترك.

كيف ، ولو فرض اختصاص الخبر المخالف باحتمال التأويل وعدم تطرّقه في الخبر الموافق ، كان اللازم ارتكاب التأويل في الخبر المخالف ؛ لما عرفت :

__________________

(١) حكاه المحدّث الجزائري في زهر الربيع : ٥٢٢.

(٢) راجع الصفحة ١٢٠.

(٣) راجع الصفحة ١٢٠.

١٢٥

من أنّ النصّ والظاهر لا يرجع فيهما إلى المرجّحات.

وأمّا ما أجاب به صاحب المعالم عن الإيراد : بأنّ احتمال التقيّة في كلامهم أقرب وأغلب (١).

ففيه ـ مع إشعاره بتسليم ما ذكره المحقّق ، من معارضة احتمال التقيّة في الموافق باحتمال التأويل ، مع ما عرفت ، من خروج ذلك عن محلّ الكلام ـ : منع أغلبيّة التقيّة في الأخبار من التأويل.

ومن هنا يظهر أنّ ما ذكرنا من الوجه في رجحان الخبر المخالف مختصّ بالمتباينين ، وأمّا في ما كان من قبيل العامّين من وجه ـ بأن كان لكلّ واحد منهما ظاهر يمكن الجمع بينهما بصرفه عن ظاهره دون الآخر ـ فيدور الأمر بين حمل الموافق منهما على التقيّة ، والحكم بتأويل أحدهما ليجتمع مع الآخر.

مثلا : إذا ورد الأمر بغسل الثوب من أبوال ما لا يؤكل لحمه ، وورد : «كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله» ، فدار الأمر بين حمل الثاني على التقيّة ، وبين الحكم بتخصيص أحدهما لا بعينه ، فلا وجه لترجيح التقيّة لكونها في كلام الأئمّة عليهم‌السلام أغلب من التخصيص.

فالعمدة في الترجيح بمخالفة العامّة ـ بناء على ما تقدّم (٢) ، من جريان هذا المرجّح وشبهه في هذا القسم من المتعارضين ـ : هو ما تقدّم (٣) ، من وجوب الترجيح بكلّ مزيّة في أحد المتعارضين ، وهذا

__________________

(١) المعالم : ٢٥٦.

(٢) راجع الصفحة ٢٧.

(٣) راجع الصفحة ٧٥.

١٢٦

موجود فيما نحن فيه ؛ لأنّ احتمال مخالفة الظاهر قائم في كلّ منهما ، والمخالف للعامّة مختصّ بمزيّة مفقودة في الآخر ، وهو عدم احتمال الصدور تقيّة (١).

تلخيص ما ذكرنا

فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ الترجيح بالمخالفة من أحد وجهين ـ على ما يظهر من الأخبار ـ :

أحدهما : كونه أبعد من الباطل وأقرب إلى الواقع ، فيكون مخالفة الجمهور نظير موافقة المشهور من المرجّحات المضمونيّة ، على ما يظهر من أكثر (٢) أخبار هذا الباب.

والثاني : من جهة كون المخالف ذا مزيّة ؛ لعدم (٣) احتمال التقيّة. ويدلّ عليه ما دلّ على الترجيح بشهرة الرواية معلّلا بأنّه لا ريب فيه ، بالتقريب المتقدّم سابقا (٤).

ولعلّ الثمرة بين هذين الوجهين تظهر لك في ما يأتي إن شاء الله تعالى (٥).

__________________

(١) لم ترد «تقيّة» في (ر) و (ه) ، وفي (ص) بدلها : «لأجل التقيّة» ، كما أنّه لم ترد عبارة «ومن هنا يظهر ـ إلى ـ تقيّة» في (ظ) ، وكتب عليها في (ت) و (ه) : «زائد».

(٢) لم ترد «أكثر» في (ظ).

(٣) في (ظ) بدل «لعدم» : «أبعديّة».

(٤) راجع الصفحة ٧٧.

(٥) انظر الصفحة ١٣٨.

١٢٧

بقي في هذا المقام امور :

الأوّل

حمل موارد التقيّة على التورية

أنّ الخبر الصادر تقيّة ، يحتمل أن يراد به ظاهره فيكون من الكذب المجوّز لمصلحة ، ويحتمل أن يراد منه تأويل مختف على المخاطب فيكون من قبيل التورية ، وهذا أليق بالإمام عليه‌السلام ، بل هو اللائق ؛ إذا قلنا بحرمة الكذب مع التمكّن من التورية.

الثاني

ما أفاده المحدّث البحراني في منشأ التقيّة

أنّ بعض المحدّثين ـ كصاحب الحدائق ـ وإن لم يشترط في التقيّة موافقة الخبر لمذهب العامّة ؛ لأخبار تخيّلها دالّة على مدّعاه ، سليمة عمّا هو صريح في خلاف ما ادّعاه ، إلاّ أنّ الحمل على التقيّة في مقام الترجيح لا يكون إلاّ مع موافقة أحدهما ؛ إذ لا يعقل حمل أحدهما بالخصوص على التقيّة إذا (١) كانا مخالفين لهم.

فمراد المحدّث المذكور ليس الحمل على التقيّة مع عدم الموافقة في مقام الترجيح ـ كما أورده عليه بعض الأساطين (٢) في جملة المطاعن على

__________________

(١) في غير (ظ) بدل «إذا» : «وإن».

(٢) هو الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة : ٣٥٥.

١٢٨

ما ذهب إليه من عدم اشتراط الموافقة في الحمل على التقيّة ـ بل المحدّث المذكور لمّا أثبت في المقدّمة الاولى من مقدّمات الحدائق خلوّ الأخبار عن الأخبار المكذوبة ـ لتنقيحها وتصحيحها في الأزمنة المتأخّرة ، بعد أن كانت مغشوشة مدسوسة ـ صحّ لقائل أن يقول : فما بال هذه الأخبار المتعارضة التي لا تكاد تجتمع؟! فبيّن في المقدّمة الثانية دفع هذا السؤال ، بأنّ معظم الاختلاف من جهة اختلاف كلمات الأئمة عليهم‌السلام مع المخاطبين ، وأنّ الاختلاف إنّما هو منهم عليهم‌السلام ، واستشهد على ذلك بأخبار زعمها دالّة على أنّ التقيّة كما تحصل ببيان ما يوافق العامّة ، كذلك تحصل بمجرّد إلقاء الخلاف بين الشيعة ؛ كيلا يعرفوا فيؤخذ برقابهم (١).

المناقشة فيما أفاده المحدّث البحراني

وهذا الكلام ضعيف ؛ لأنّ الغالب اندفاع الخوف بإظهار الموافقة مع الأعداء ، وأمّا الاندفاع بمجرّد رؤية (٢) الشيعة مختلفين مع اتّفاقهم على مخالفتهم ، فهو وإن أمكن حصوله أحيانا ، لكنّه نادر جدّا ، فلا يصار إليه في جلّ الأخبار المتخالفة (٣) ، مضافا إلى مخالفته لظاهر قوله عليه‌السلام في الرواية المتقدّمة (٤) : «ما سمعت منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه».

فالذي يقتضيه النظر ـ على تقدير القطع بصدور جميع الأخبار

__________________

(١) الحدائق ١ : ٥ ـ ٨.

(٢) في (ظ) بدل «رؤية» : «رواية».

(٣) في غير (ظ) : «المختلفة».

(٤) تقدّمت في الصفحة ١٢٣.

١٢٩

منشأ اختلاف الروايات

التي بأيدينا ، على ما توهّمه بعض الأخباريّين (١) ، أو الظنّ بصدور جميعها إلاّ قليلا في غاية القلّة ، كما يقتضيه الإنصاف ممّن اطّلع على كيفيّة تنقيح الأخبار وضبطها في الكتب ـ هو أن يقال : إنّ عمدة الاختلاف إنّما هي كثرة إرادة خلاف الظواهر في الأخبار إمّا بقرائن متّصلة اختفت علينا من جهة تقطيع الأخبار أو نقلها بالمعنى ، أو منفصلة مختفية من جهة كونها حاليّة (٢) معلومة للمخاطبين أو مقاليّة اختفت بالانطماس ، وإمّا بغير القرينة لمصلحة يراها الإمام عليه‌السلام من تقيّة ـ على ما اخترناه (٣) ، من أنّ التقيّة على وجه التورية ـ أو غير التقيّة من المصالح الأخر.

وإلى ما ذكرنا ينظر ما فعله الشيخ قدس‌سره ـ في الاستبصار (٤) ـ من إظهار إمكان الجمع بين متعارضات الأخبار ، بإخراج أحد المتعارضين أو كليهما عن ظاهره إلى معنى بعيد.

إرادة المحامل والتأويلات البعيدة في الأخبار

وربما يظهر من الأخبار محامل وتأويلات أبعد بمراتب ممّا ذكره

__________________

(١) انظر الفوائد المدنيّة : ٥٢ ـ ٥٣ ، هداية الأبرار : ١٧ ، والحدائق ١ : ١٧ وما بعدها.

(٢) في (ظ) بدل «حاليّة» : «خارجيّة».

(٣) راجع الصفحة ١٢٨.

(٤) فإنّه قدس‌سره جمع في الاستبصار بين الأخبار المتعارضة تبرّعا وإن لم يعتمد عليه حتّى يعمل به ، وغرضه بيان إمكان الجمع بين الأخبار المتعارضة ، حتّى لا يشنّع على الشيعة ، كما صرّح به في أوّل التهذيب : ٢ ـ ٤ ، انظر القوانين ٢ : ٢٧٨ ، والفصول : ٤٤١ ، ومناهج الأحكام : ٣١٣ ، وراجع الاستبصار ١ : ٣ ـ ٥.

١٣٠

الشيخ ، تشهد بأنّ ما ذكره الشيخ من المحامل غير بعيد عن مراد الإمام عليه‌السلام ، وإن بعدت عن ظاهر الكلام إن لم (١) يظهر فيه قرينة عليها :

فمنها : ما روي عن بعضهم صلوات الله عليهم ، لمّا سأله بعض أهل العراق وقال : «كم آية تقرأ في صلاة الزوال؟ فقال عليه‌السلام : ثمانون. ولم يعد السائل ، فقال عليه‌السلام : هذا يظنّ أنّه من أهل الإدراك. فقيل له عليه‌السلام : ما أردت بذلك وما هذه الآيات؟ فقال : أردت منها ما يقرأ في نافلة الزوال ، فإنّ الحمد والتوحيد لا يزيد على عشر آيات ، ونافلة الزوال ثمان ركعات» (٢).

ومنها : ما روى من : «أنّ الوتر واجب» ، فلمّا فرغ (٣) السائل واستفسر (٤) ، قال عليه‌السلام : «إنّما عنيت وجوبها على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٥).

ومنها : تفسير قولهم عليهم‌السلام : «لا يعيد الصلاة فقيه» بخصوص الشكّ بين الثلاث والأربع (٦).

ومثله تفسير وقت الفريضة في قولهم عليهم‌السلام : «لا تطوّع في وقت

__________________

(١) في (ه) ، (ت) و (ص) بدل «إن لم» : «إلاّ أن».

(٢) الوسائل ٤ : ٧٥٠ ، الباب ١٣ من أبواب القراءة ، الحديث ٣ ، والحديث منقول بالمعنى.

(٣) كذا في النسخ ، والمناسب : «فزع» كما في المصدر.

(٤) في (ر) و (ظ) بدل «واستفسر» : «واستقرّ».

(٥) الوسائل ٣ : ٤٩ ـ ٥٠ ، الباب ١٦ من أبواب أعداد الفرائض ، الحديث ٦ ، والحديث وارد في مطلق النوافل ، ولعلّ مراد المصنّف حديث آخر لم نقف عليه.

(٦) الوسائل ٥ : ٣٢٠ ، الباب ٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.

١٣١

الفريضة» بزمان قول المؤذّن : «قد قامت الصلاة» (١) ، إلى غير ذلك ممّا يطّلع عليه المتتبّع (٢).

ويؤيّد ما ذكرنا ـ من أنّ عمدة تنافي الأخبار ليس لأجل التقيّة ـ ما ورد مستفيضا : من عدم جواز ردّ الخبر وإن كان ممّا ينكر ظاهره (٣) ، حتّى إذا قال للنهار : إنّه ليل ، ولليل : إنّه نهار (٤) ، معلّلا ذلك بأنّه يمكن أن يكون له محمل لم يتفطّن السامع له فينكره فيكفر من حيث لا يشعر ، فلو كان عمدة التنافي من جهة صدور الأخبار المنافية بظاهرها لما في أيدينا من الأدلّة تقيّة ، لم يكن في إنكار كونها من الإمام عليه‌السلام مفسدة ، فضلا عن كفر الرادّ.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٦٦ ، الباب ٣٥ من أبواب المواقيت ، الحديث ٩.

(٢) مثل ما رواه في الوسائل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قلت : عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال : نعم ، قلت : أعني سفليه ، فقال : ليس حيث تذهب ، إنّما هو إذاعة سرّه». الوسائل ١ : ٣٦٧ ، الباب ٨ من أبواب آداب الحمّام ، الحديث ٢. وما رواه في الوسائل أيضا عن الرضا عليه‌السلام : «إنّ الله يبغض البيت اللّحم واللّحم السمين ، قال : فقيل له : إنّا لنحبّ اللّحم ، وما تخلو بيوتنا منه ، فقال : ليس حيث تذهب ، إنّما البيت اللّحم الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة ، وأمّا اللّحم السمين فهو المتبختر المتكبّر المختال في مشيه» الوسائل ٨ : ٦٠١ ، الباب ١٥٢ من أحكام العشرة ، الحديث ١٧.

(٣) انظر البحار ٢ : ١٨٢ ، الباب ٢٦ ، باب أن حديثهم صعب مستصعب ، وأنّ كلامهم ذو وجوه كثيرة ، وفضل التدبّر في أخبارهم عليهم‌السلام والتسليم لهم ، والنهي عن ردّ أخبارهم.

(٤) انظر البحار ٢ : ١٨٧ ، الحديث ١٤.

١٣٢

الثالث

أنواع التقيّة

أنّ التقيّة قد تكون من فتوى العامّة ، وهو الظاهر من إطلاق موافقة العامّة في الأخبار.

واخرى : من حيث أخبارهم التي رووها ، وهو المصرّح به في بعض الأخبار (١). لكنّ الظاهر أنّ ذلك محمول على الغالب ، من كون الخبر مستندا للفتوى.

وثالثة : من حيث عملهم ، ويشير إليه قوله عليه‌السلام في المقبولة المتقدّمة (٢) : «ما هم إليه أميل قضاتهم وحكّامهم».

ورابعة : بكونه أشبه بقواعدهم واصول دينهم وفروعه ، كما يدلّ عليه الخبر المتقدّم (٣).

وعرفت سابقا (٤) قوّة احتمال إرادة (٥) التفرّع على قواعدهم الفاسدة ، ويخرج الخبر حينئذ عن الحجّية ولو مع عدم المعارض ، كما يدلّ عليه عموم الموصول.

__________________

(١) مثل الحديثين الرابع والسابع المتقدّمين في الصفحة ٦٤.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٥٧.

(٣) تقدّم في الصفحة ١٢٣.

(٤) راجع الصفحة ١٢٤.

(٥) «إرادة» من (ت) و (ه).

١٣٣

الرابع

الملاك في مرجّحية التقيّة

أنّ ظاهر الأخبار كون المرجّح موافقة جميع الموجودين في زمان الصدور أو معظمهم ، على وجه يصدق الاستغراق العرفيّ. فلو وافق بعضهم بلا مخالفة (١) الباقين ، فالترجيح به مستند إلى الكلّية المستفادة من الأخبار ، من الترجيح بكلّ مزيّة.

وربما يستفاد من قول السائل في المقبولة (٢) : «قلت : يا سيّدي ، هما معا موافقان للعامّة» : أنّ المراد ب «ما وافق العامّة» أو «خالفهم» في المرجّح السابق يعمّ ما وافق (٣) البعض أو خالفه.

ويردّه : أنّ ظهور الفقرة الاولى في اعتبار الكلّ أقوى من ظهور هذه الفقرة في كفاية موافقة البعض ، فيحمل على إرادة (٤) صورة عدم وجود هذا المرجّح في شيء منهما وتساويهما من هذه الجهة ، لا صورة وجود هذا المرجّح في كليهما وتكافئهما من هذه الجهة.

لو كان كلّ واحد من الخبرين المتعارضين موافقا لبعض العامّة

وكيف كان ، فلو كان كلّ واحد موافقا لبعضهم مخالفا لآخرين منهم ، وجب الرجوع إلى ما يرجّح في النظر ملاحظة التقيّة منه.

وربما يستفاد ذلك من أشهريّة فتوى أحد البعضين في زمان

__________________

(١) في نسخة بدل (ص) : «معارضة» ، وفي (ظ) : «معارضة مخالفة».

(٢) أي : مقبولة ابن حنظلة المتقدّمة في الصفحة ٥٧.

(٣) لم ترد «العامّة ـ إلى ـ ما وافق» في (ظ).

(٤) لم ترد «إرادة» في (ظ).

١٣٤

الصدور ، ويعلم ذلك بمراجعة أهل النقل والتأريخ ، فقد حكي عن تواريخهم :

أنّ عامّة أهل الكوفة كان عملهم على فتاوى (١) أبي حنيفة وسفيان الثوري ورجل آخر (٢) ، وأهل مكّة على فتاوى ابن جريح ، وأهل المدينة على فتاوى مالك ورجل آخر (٣) ، وأهل البصرة على فتاوى عثمان (٤) وسوادة (٥) ، وأهل الشام على فتاوى الأوزاعيّ والوليد ، وأهل مصر على فتاوى الليث بن سعد (٦) ، وأهل خراسان على فتاوى عبد الله بن المبارك الزهريّ (٧) ، وكان فيهم أهل الفتوى من غير هؤلاء ، كسعيد بن المسيّب ، وعكرمة ، وربيعة الرأي ، ومحمّد بن شهاب الزهريّ ، إلى أن استقرّ رأيهم بحصر المذاهب في الأربعة سنة خمس وستين وثلاثمائة (٨) ، كما حكي (٩).

__________________

(١) كذا في نسخة بدل (ت) ، وفي سائر النسخ : «فتوى».

(٢) هو (ابن أبي ليلى) كما في الخطط المقريزيّة والفوائد المدنيّة.

(٣) «رجل آخر» من (ت) ، وهو (ابن الماجشون) كما في الخطط والفوائد.

(٤) في الخطط والفوائد : «عثمان البتّي».

(٥) في الخطط والفوائد وشرح الوافية : «سوار» ، وهو الصحيح ، وهو «سوار بن عبد الله».

(٦) كذا في (ع) والخطط وشرح الوافية ، وفي سائر النسخ : «سعيد».

(٧) لم ترد «الزهري» في الخطط والفوائد وشرح الوافية.

(٨) كذا في النسخ ، وفي الفوائد والخطط : «ستمائة».

(٩) حكاه في شرح الوافية (مخطوط) : ٤٩١ ـ ٤٩٢ ، وأصله من كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ، المعروف ب «الخطط المقريزية» ٢ : ٣٣١ ـ ٣٤٤. ـ (طبعة بغداد) ، الذي حكى عنه في الفوائد المدنيّة : ٢٤ ـ ٢٨ ، وحكاه أيضا في القوانين ٢ : ٢٨٦ ، والفوائد الحائريّة : ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، ومناهج الأحكام : ٣١٦ ، ومفاتيح الاصول : ٧١٧ ـ ٧١٨ ، وراجع بهذا الصدد رسالة تأريخ حصر الاجتهاد للعلاّمة الطهراني قدس‌سره.

١٣٥

وقد يستفاد ذلك من الأمارات الخاصّة ، مثل : قول الصادق عليه‌السلام ـ حين حكي له فتوى ابن أبي ليلى في بعض مسائل الوصيّة ـ : «أمّا قول ابن أبي ليلى فلا أستطيع ردّه» (١).

وقد يستفاد من ملاحظة أخبارهم المرويّة في كتبهم ؛ ولذا انيط الحكم في بعض الروايات (٢) بموافقة أخبارهم.

الخامس

مرتبة هذا المرجّح

قد عرفت أنّ الرجحان بحسب الدلالة لا يزاحمه الرجحان بحسب الصدور ، وكذا لا يزاحمه هذا الرجحان ، أي : الرجحان من حيث جهة الصدور. فإذا كان الخبر الأقوى دلالة موافقا للعامّة قدّم على الأضعف المخالف ؛ لما عرفت : من أنّ الترجيح بقوّة الدلالة من الجمع المقبول الذي هو مقدّم على الطرح.

تقدّم المرجّح الصدوري على الجهتي

أمّا لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور بأن كان الأرجح صدورا موافقا للعامّة ، فالظاهر تقديمه على غيره وإن

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٧٨ ، الباب ٩٢ من أحكام الوصايا ، الحديث ٢.

(٢) مثل الحديثين الرابع والسابع المتقدّمين في الصفحة ٦٤.

١٣٦

كان مخالفا للعامّة ، بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامّة باحتمال التقيّة في الموافق ؛ لأنّ هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين ، أو تعبّدا كما في الخبرين ، بعد عدم إمكان التعبّد بصدور أحدهما وترك التعبّد بصدور الآخر ، وفيما نحن فيه يمكن ذلك بمقتضى أدلّة الترجيح من حيث الصدور.

فإن قلت : إنّ الأصل في الخبرين الصدور ، فإذا تعبّدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقيّة ، كما يقتضى ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما دلالة ، فيكون هذا المرجّح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدّما على الترجيح بحسب الصدور.

قلت : لا معنى للتعبّد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعيّن على التقيّة ؛ لأنّه إلغاء لأحدهما في الحقيقة ؛ ولذا لو تعيّن حمل خبر غير معارض على التقيّة على تقدير الصدور ، لم تشمله أدلّة التعبّد بخبر العادل.

نعم ، لو علم بصدور الخبرين لم يكن بدّ من حمل الموافق على التقيّة وإلغائه ، وأمّا إذا لم يعلم بصدورهما ـ كما في ما نحن فيه من المتعارضين ـ فيجب الرجوع إلى المرجّحات الصدوريّة ، فإن أمكن ترجيح أحدهما وتعيينه (١) من حيث التعبّد بالصدور دون الآخر تعيّن ، وإن قصرت اليد عن هذا الترجيح كان عدم احتمال التقيّة في أحدهما مرجّحا.

فمورد هذا المرجّح تساوي الخبرين من حيث الصدور ، إمّا علما

__________________

(١) في غير (ظ) : «تعيّنه».

١٣٧

كما في المتواترين ، أو تعبّدا كما في المتكافئين من الآحاد. وأمّا ما وجب فيه التعبّد بصدور أحدهما المعيّن دون الآخر ، فلا وجه لإعمال هذا المرجّح فيه ؛ لأنّ جهة الصدور متفرّعة على أصل الصدور.

والفرق بين هذا الترجيح والترجيح في الدلالة المتقدّم على الترجيح بالسند ، أنّ التعبّد بصدور الخبرين على أن يعمل بظاهر أحدهما وبتأويل الآخر بقرينة ذلك الظاهر ممكن غير موجب لطرح دليل أو أصل ، بخلاف التعبّد بصدورهما ثمّ حمل أحدهما على التقيّة الذي هو في معنى إلغائه وترك التعبّد به.

هذا كلّه على تقدير توجيه الترجيح بالمخالفة باحتمال التقيّة.

أمّا لو قلنا بأنّ الوجه في ذلك كون المخالف أقرب إلى الحقّ وأبعد من الباطل ـ كما يدلّ عليه جملة من الأخبار (١) ـ فهي من المرجّحات المضمونيّة ، وسيجيء حالها مع غيرها (٢).

__________________

(١) مثل مقبولة ابن حنظلة ومرفوعة زرارة ورواية علي بن أسباط التي تقدّمت في الصفحة ٥٧ ، ٦٢ و ١٢١.

(٢) انظر الصفحة ١٤٥.

١٣٨

[المرجحات الخارجية](١)

على قسمين

أمّا المرجّحات الخارجية وقد أشرنا إلى أنّها على قسمين (٢) :

الأوّل : ما يكون غير معتبر بنفسه.

والثاني : ما يعتبر بنفسه ، بحيث لو لم يكن هناك دليل كان هو المرجع.

[القسم الأوّل](٣)

شهرة أحد الخبرين

فمن الأوّل : شهرة أحد الخبرين :

إمّا من حيث الرواية (٤) ، بأن اشتهر روايته بين الرواة ، بناء على كشفها عن شهرة العمل.

أو اشتهار (٥) الفتوى به ولو مع العلم بعدم استناد المفتين إليه.

كون الراوي أفقه

ومنه : كون الراوي له أفقه من راوي الآخر في جميع الطبقات أو

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) راجع الصفحة ٧٩.

(٣) العنوان منّا.

(٤) كذا في (ظ) ، وفي (ت) و (ص) : «روايته» ، وفي غيرها : «رواته».

(٥) لم ترد «بناء ـ إلى ـ أو اشتهار» في (ظ) ، وورد بدلها : «أو».

١٣٩

في بعضها ، بناء على أنّ الظاهر عمل الأفقه به (١).

مخالفة أحد الخبرين للعامّة

ومنه : مخالفة أحد الخبرين للعامّة ، بناء على ظاهر الأخبار المستفيضة (٢) الواردة في وجه الترجيح بها.

كلّ أمارة مستقلّة غير معتبرة

ومنه : كلّ أمارة مستقلّة غير معتبرة وافقت مضمون أحد الخبرين إذا كان عدم اعتبارها لعدم الدليل ، لا لوجود الدليل على العدم ، كالقياس (٣).

الدليل على هذا النحو من المرجّح

ثمّ الدليل على الترجيح بهذا النحو من المرجّح ما يستفاد من الأخبار : من الترجيح بكلّ ما يوجب أقربيّة أحدهما إلى الواقع وإن كان خارجا عن الخبرين ، بل يرجع (٤) هذا النوع (٥) إلى المرجّح الداخليّ ؛ فإنّ أحد الخبرين إذا طابق أمارة ظنّيّة فلازمه الظنّ بوجود خلل في الآخر ، إمّا من حيث الصدور أو من حيث جهة الصدور ، فيدخل الراجح فيما لا ريب فيه والمرجوح فيما فيه الريب. وقد عرفت أنّ المزيّة الداخليّة قد تكون موجبة لانتفاء احتمال في ذيها موجود في الآخر ، كقلّة الوسائط ، ومخالفة العامّة بناء (٦) على الوجه السابق (٧). وقد توجب

__________________

(١) لم ترد «بناء ـ إلى ـ الأفقه به» في (ظ).

(٢) مثل مقبولة ابن حنظلة ومرفوعة زرارة ورواية علي بن أسباط التي تقدّمت في الصفحة ٥٧ ، ٦٢ و ١٢١.

(٣) لم ترد «لا لوجود ـ إلى ـ كالقياس» في (ظ).

(٤) في (ظ) : «مرجع».

(٥) في (ص) زيادة : «من المرجّح».

(٦) لم ترد «بناء» في (ظ).

(٧) وهو الوجه الرابع المتقدّم في الصفحة ١٢٢.

١٤٠