فرائد الأصول - ج ٤

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٤

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-05-2
الصفحات: ٣٥٢

وإن أرادوا به معنى آخر فلا بدّ من التأمّل فيه (١).

هذا بعض الكلام في تعارض النوعين المختلفين من الظهور.

تعارض الصنفين المختلفين في الظهور

وأمّا الصنفان المختلفان من نوع واحد ، فالمجاز الراجح الشائع مقدّم على غيره ؛ ولذا يحمل الأسد في «أسد يرمي» على الرجل الشجاع دون الرجل الأبخر ، ويحمل الأمر المصروف عن الوجوب على الاستحباب دون الإباحة.

وأمّا تقديم بعض أفراد التخصيص على بعض :

فقد يكون بقوّة عموم أحد العامّين على الآخر ، إمّا بنفسه (٢) كتقديم الجمع المحلّى باللاّم على المفرد المعرّف ونحو ذلك ، وإمّا بملاحظة المقام ، فإنّ العامّ المسوق لبيان الضابط أقوى من غيره ، ونحو ذلك.

وقد يكون لقرب أحد التخصيصين (٣) وبعد الآخر ، كما يقال : إنّ (٤) الأقلّ أفرادا مقدّم على غيره ، فإنّ العرف يقدّم عموم «يجوز أكل كلّ رمّان» على عموم النهي عن أكل كلّ حامض ؛ لأنّه أقلّ أفرادا ، فيكون أشبه بالنصّ. وكما إذا كان التخصيص في أحدهما تخصيصا لكثير من الأفراد ، بخلاف الآخر.

__________________

(١) لم ترد «ومنها ـ إلى ـ التأمّل فيه» في (ظ).

(٢) في غير (ت) : «لنفسه».

(٣) في (ر) و (ص) ونسخة بدل (ت) : «المخصّصين».

(٤) في (ه) زيادة : «تخصيص».

١٠١

[بيان انقلاب النسبة](١)

بقي في المقام شيء :

التعارض بين أزيد من دليلين

وهو أنّ ما ذكرنا من حكم التعارض ـ من أنّ النصّ يحكّم على الظاهر ، والأظهر على الظاهر (٢) ـ لا إشكال في تحصيله في المتعارضين ، وأمّا إذا كان التعارض بين أزيد من دليلين ، فقد يصعب تحصيل ذلك ؛ إذ قد (٣) يختلف حال التعارض بين اثنين منها بملاحظة أحدهما مع الثالث.

مثلا : قد يكون النسبة بين الاثنين العموم والخصوص من وجه ، وينقلب بعد تلك الملاحظة إلى العموم المطلق أو بالعكس أو إلى التباين. وقد وقع التوهّم في بعض المقامات ، فنقول توضيحا لذلك :

إنّ النسبة بين المتعارضات المذكورة :

إذا كانت النسبة بين المتعارضات واحدة

إن كانت نسبة واحدة فحكمها حكم المتعارضين :

لو كانت النسبة العموم من وجه

فإن كانت النسبة العموم من وجه وجب الرجوع إلى المرجّحات ، مثل قوله : «يجب إكرام العلماء» و «يحرم إكرام الفسّاق» و «يستحبّ إكرام الشعراء» فيتعارض الكلّ في مادّة الاجتماع.

لو كانت النسبة عموما مطلقا

وإن كانت النسبة عموما مطلقا ، فإن لم يلزم محذور من تخصيص العامّ بهما خصّص بهما ، مثل المثال الآتي. وإن لزم محذور ، مثل قوله :

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) لم ترد «والأظهر على الظاهر» في (ظ).

(٣) «قد» من (ص).

١٠٢

«يجب إكرام العلماء» و «يحرم إكرام فسّاق العلماء» و «يكره إكرام عدول العلماء» فإنّ اللازم من تخصيص العامّ بهما بقاؤه بلا مورد ، فحكم ذلك كالمتباينين ، لأنّ مجموع الخاصّين مباين للعامّ.

ما توهّمه بعض المعاصرين

وقد توهّم بعض من عاصرناه (١) ، فلاحظ العامّ بعد تخصيصه ببعض الأفراد بإجماع ونحوه مع الخاصّ المطلق الآخر ، فإذا ورد «أكرم العلماء» ، ودلّ من الخارج دليل على عدم وجوب إكرام فسّاق العلماء ، وورد أيضا «لا تكرم النحويّين» كانت النسبة على هذا بينه وبين العامّ ـ بعد إخراج الفسّاق ـ عموما من وجه.

ولا أظنّ يلتزم بذلك فيما إذا كان الخاصّان دليلين لفظيّين ؛ إذ لا وجه لسبق ملاحظة العامّ مع أحدهما على ملاحظته مع الآخر.

وإنّما يتوهّم ذلك في العامّ المخصّص بالإجماع أو العقل ؛ لزعم أنّ المخصّص المذكور يكون كالمتّصل ، فكأنّ العامّ استعمل فيما عدا ذلك الفرد المخرج ، والتعارض إنّما يلاحظ بين ما استعمل فيه لفظ كلّ من الدليلين ، لا بين ما وضع له اللفظ وإن علم عدم استعماله فيه (٢) ، فكأنّ المراد بالعلماء في المثال المذكور عدولهم ، والنسبة بينه وبين النحويّين عموم من وجه.

دفع التوهّم الذكور

ويندفع : بأنّ التنافي في المتعارضين إنّما يكون بين ظاهري الدليلين ، وظهور الظاهر إمّا أن يستند إلى وضعه ، وإمّا أن يستند إلى

__________________

(١) هو الفاضل النراقي في مناهج الأحكام : ٣١٧ ، وعوائد الأيّام : ٣٤٩ ـ ٣٥٣.

(٢) «فيه» من (ص).

١٠٣

قرينة المراد. وكيف كان ، فلا بدّ من إحرازه حين التعارض وقبل علاجه ؛ إذ العلاج راجع إلى دفع المانع ، لا إلى إحراز المقتضي. والعامّ المذكور ـ بعد ملاحظة تخصيصه بذلك الدليل العقليّ ـ إن لوحظ بالنسبة إلى وضعه للعموم مع قطع النظر عن تخصيصه بذلك الدليل ، فالدليل المذكور والمخصّص اللفظيّ سواء في المانعيّة عن ظهوره في العموم ، فيرفع اليد عن الموضوع له بهما ، وإن لوحظ بالنسبة إلى المراد (١) منه بعد التخصيص بذلك الدليل ، فلا ظهور له في إرادة العموم باستثناء ما خرج بذلك الدليل ، إلاّ بعد إثبات كونه تمام الباقي (٢) ، وهو غير معلوم ، إلاّ بعد نفي احتمال مخصّص آخر ولو بأصالة عدمه ، وإلاّ فهو مجمل مردّد بين تمام الباقي (٣) وبعضه ؛ لأنّ الدليل المذكور قرينة صارفة عن العموم لا معيّنة لتمام الباقي. وأصالة عدم المخصّص الآخر في المقام غير جارية مع وجود المخصّص اللفظيّ ، فلا ظهور له في تمام الباقي حتّى يكون النسبة بينه وبين المخصّص اللفظي (٤) عموما من وجه.

وبعبارة أوضح : تعارض «العلماء» بعد إخراج «فسّاقهم» مع «النحويّين» ، إن كان قبل علاج دليل «النحويين» ورفع (٥) مانعيّته ، فلا ظهور له حتّى يلاحظ النسبة بين ظاهرين ؛ لأنّ ظهوره يتوقّف على

__________________

(١) في (ظ) بدل «المراد» : «الباقي».

(٢) في غير (ت) و (ه) بدل «الباقي» : «المراد».

(٣) في (ر) ، (ص) و (ظ) بدل «الباقي» : «المراد».

(٤) لم ترد «اللفظي» في (ظ).

(٥) في (ت) و (ظ) بدل «رفع» : «دفع».

١٠٤

علاجه ورفع (١) تخصيصه ب «لا تكرم النحويّين» ، وإن كان بعد علاجه ودفعه فلا دافع له ، بل هو كالدليل الخارجيّ المذكور دافع (٢) عن مقتضى وضع العموم.

نعم ، لو كان المخصّص متصلا بالعامّ من قبيل : الصفة ، والشرط ، وبدل البعض ـ كما في : «أكرم العلماء العدول» ، أو «إن كانوا عدولا» ، أو «عدولهم» ـ صحّت ملاحظة النسبة بين هذا التركيب الظاهر في تمام الباقي وبين المخصّص اللفظيّ المذكور وإن قلنا بكون العامّ المخصّص بالمتّصل مجازا ، إلاّ أنّه يصير حينئذ من قبيل «أسد يرمى» ، فلو ورد مخصّص منفصل آخر كان مانعا لهذا الظهور.

وهذا بخلاف العامّ المخصّص بالمنفصل ، فإنّه لا يحكم بمجرّد وجدان مخصّص منفصل بظهوره في تمام الباقي ، إلاّ بعد إحراز عدم مخصّص آخر.

فالعامّ المخصّص بالمنفصل لا ظهور له في المراد (٣) منه ، بل هو قبل إحراز جميع المخصّصات مجمل مردّد بين تمام الباقي وبعضه ، وبعده يتعيّن إرادة الباقي بعد جميع ما ورد عليه من التخصيص.

أمّا المخصّص بالمتّصل ، فلمّا كان ظهوره مستندا إلى وضع الكلام التركيبيّ على القول بكونه حقيقة ، أو وضع لفظ القرينة بناء على كون لفظ العامّ مجازا ، صحّ اتّصاف الكلام بالظهور ، لاحتمال إرادة خلاف ما

__________________

(١) في (ت) و (ظ) بدل «رفع» : «دفع».

(٢) في (ظ) : «مانع» ، وفي (ص) : «رافع».

(٣) في (ظ) بدل «المراد» : «الباقي».

١٠٥

وضع له التركيب أو لفظ القرينة.

والظاهر أنّ التخصيص بالاستثناء من قبيل المتّصل ؛ لأنّ مجموع الكلام ظاهر في تمام الباقي ؛ ولذا يفيد الحصر. فإذا قال : «لا تكرم العلماء إلاّ العدول» ، ثمّ قال : «أكرم النحويّين» فالنسبة عموم من وجه ؛ لأنّ إخراج غير العادل من النحويين مخالف لظاهر الكلام الأوّل.

ومن هنا يصحّ أن يقال : إنّ النسبة بين قوله : «ليس في العارية ضمان إلاّ الدينار والدرهم» ، وبين ما دلّ على «ضمان الذهب والفضّة» عموم من وجه ـ كما قوّاه غير واحد من متأخّري المتأخّرين (١) ـ فيرجّح الأوّل ؛ لأنّ دلالته بالعموم ودلالة الثاني بالإطلاق ، أو يرجع إلى عمومات نفي الضمان.

خلافا لما ذكره بعضهم (٢) : من أنّ تخصيص العموم بالدرهم والدينار لا ينافي تخصيصه أيضا بمطلق الذهب والفضّة.

كلام صاحب المسالك في ضمان عارية الذهب والفضّة

وذكره صاحب المسالك ، وأطال الكلام في توضيح ذلك ، فقال ما لفظه :

لا خلاف في ضمانهما ـ يعني الدراهم والدنانير ـ عندنا ، وإنّما الخلاف في غيرهما من الذهب والفضّة كالحلّي المصوغة ، فإنّ مقتضى

__________________

(١) مثل المحقّق السبزواري في كفاية الأحكام : ١٣٥ ، وتبعه صاحب الرياض في الرياض (الطبعة الحجرية) ١ : ٦٢٥.

(٢) ذكره المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ٧٨ ـ ٨٠ ، وأوضحه صاحب المسالك كما سيأتي ، وتبعهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٧٠ ـ ٧٢ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٧ : ١٨٤ ـ ١٨٧.

١٠٦

الخبر الأوّل (١) ونحوه دخولها ، ومقتضى تخصيص الثاني (٢) بالدراهم والدنانير خروجها.

فمن الأصحاب (٣) من نظر إلى أنّ الذهب والفضّة مخصّصان من عدم الضمان مطلقا ، ولا منافاة بينهما وبين الدراهم والدنانير ؛ لأنّهما بعض أفرادهما ، ويستثنى الجميع ، ويثبت الضمان في مطلق الجنسين.

ومنهم (٤) من التفت إلى أنّ الذهب والفضّة مطلقان أو عامّان ـ بحسب إفادة الجنس المعرّف العموم وعدمه ـ والدراهم والدنانير مقيّدان أو مخصّصان ، فيجمع بين النصوص بحمل المطلق على المقيّد أو العامّ على الخاصّ.

والتحقيق في ذلك أن نقول : إنّ هنا نصوصا على ثلاثة أضرب :

أحدها : عامّ في عدم الضمان من غير تقييد ، كصحيحة الحلبيّ عن الصادق عليه‌السلام : «ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية

__________________

(١) وهو ما رواه زرارة في الحسن عن الصادق عليه‌السلام : «قال : قلت له : العارية مضمونة؟ فقال : جميع ما استعرته فتوي فلا يلزمك تواه ، إلاّ الذهب والفضّة فإنّهما يلزمان ...» الوسائل ١٣ : ٢٣٩ ، الباب ٣ من أحكام العارية ، الحديث ٢.

(٢) وهو رواية ابن مسكان في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : «لا تضمن العارية إلاّ أن يكون قد اشترط فيها ضمان ، إلاّ الدنانير فإنّها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا» ، وحسنة عبد الملك عنه عليه‌السلام : «ليس على صاحب العارية ضمان إلاّ أن يشترط صاحبها ، إلاّ الدراهم فإنّها مضمونة ، اشترط صاحبها أو لم يشترط».

الوسائل ١٣ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، الباب ٣ من أحكام العارية ، الحديث ١ و ٣.

(٣) هو المحقّق الثاني ، كما تقدّم في الصفحة السابقة.

(٤) هو فخر الدين في الإيضاح ٢ : ١٢٩ ـ ١٣٠.

١٠٧

والوديعة مؤتمن» (١) ، وقريب منها صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام (٢).

وثانيها : بحكمها إلاّ أنّه استثنى مطلق الذهب والفضّة.

وثالثها : بحكمها إلاّ أنّه استثنى الدنانير أو الدراهم.

وحينئذ فلا بدّ من الجمع ، فإخراج الدراهم والدنانير لازم ؛ لخروجهما على الوجهين الأخيرين ، فإذا خرجا من العموم بقي العموم في ما عداهما بحاله ، وقد عارضه التخصيص بمطلق الجنسين ، فلا بدّ من الجمع بينهما بحمل العامّ على الخاصّ.

فإن قيل : لمّا كان الدراهم والدنانير أخصّ من الذهب والفضّة وجب تخصيصهما بهما عملا بالقاعدة ، فلا تبقى المعارضة إلاّ بين العامّ الأوّل والخاصّ الأخير.

قلنا : لا شكّ أنّ كلاّ منهما مخصّص لذلك العامّ ؛ لأنّ كلاّ منهما مستثنى ، وليس هنا إلاّ أنّ أحد المخصّصين أعمّ من الآخر مطلقا ، وذلك غير مانع ، فيخصّ العامّ الأوّل بكلّ منهما أو يقيّد مطلقه ، لا أنّ أحدهما يخصّص بالآخر ؛ لعدم المنافاة بين إخراج الذهب والفضّة في لفظ ، والدراهم والدنانير في لفظ ، حتّى يوجب الجمع بينهما بالتخصيص أو التقييد.

وأيضا : فإنّ العمل بالخبرين الأخصّين لا يمكن ؛ لأنّ أحدهما لم يخصّ إلاّ الدنانير وأبقى الباقي على حكم عدم الضمان صريحا ، والآخر لم يستثن إلاّ الدراهم وأبقى الباقي على حكم عدم الضمان كذلك ، فدلالتهما

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٣٧ ، الباب ١ من أحكام العارية ، الحديث ٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٣٧ ، الباب ١ من أحكام العارية ، الحديث ٧.

١٠٨

قاصرة ، والعمل بظاهر كلّ منهما لم يقل به أحد ، بخلاف الخبر المخصّص بالذهب والفضّة.

فإن قيل : التخصيص إنّما جعلناه بهما معا ، لا بكلّ واحد منهما ، فلا يضرّ عدم دلالة أحدهما على الحكم المطلوب منه.

قلنا : هذا أيضا لا يمنع قصور كلّ واحد من (١) الدلالة ؛ لأنّ كلّ واحد مع قطع النظر عن صاحبه قاصر ، وقد وقعا في وقتين في حالتين مختلفتين ، فظهر أنّ إرادة الحصر من كلّ منهما غير مقصود ، وإنّما المستثنى فيهما من جملة الأفراد المستثناة. وعلى تقدير الجمع بينهما ـ بجعل المستثنى مجموع ما استفيد منهما ـ لا يخرجان عن القصور في الدلالة على المطلوب ؛ إذ لا يعلم منهما إلاّ أنّ الاستثناء ليس مقصورا على ما ذكر في كلّ واحد.

فإن قيل : إخراج الدراهم والدنانير خاصّة ينافي إخراج جملة الذهب والفضّة ، فلا بدّ من الجمع بينهما بحمل الذهب والفضّة على الدراهم والدنانير ، كما يجب الجمع بين عدم الضمان لمطلق العارية والضمان لهذين النوعين ؛ لتحقّق المنافاة.

قلنا : نمنع المنافاة بين الأمرين ؛ فإنّ استثناء الدراهم والدنانير اقتضى بقاء العموم في حكم عدم الضمان في ما عداهما ، وقد عارضه الاستثناء الآخر ، فوجب تخصيصه به أيضا ، فلا وجه لتخصيص أحد المخصّصين بالآخر.

وأيضا : فإنّ حمل العامّ على الخاصّ استعمال مجازيّ ، وإبقاءه على

__________________

(١) في المصدر : «عن».

١٠٩

عمومه حقيقة ، ولا يجوز العدول إلى المجاز مع إمكان الاستعمال على وجه الحقيقة ، وهو هنا ممكن في عموم الذهب والفضّة فيتعيّن ، وإنّما صرنا إلى التخصيص في الأوّل لتعيّنه على كلّ تقدير.

فإن قيل : إذا كان التخصيص يوجب المجاز وجب تقليله ما أمكن ؛ لأنّ كلّ فرد يخرج يوجب زيادة المجاز في الاستعمال ، حيث كان حقّه أن يطلق على جميع الأفراد ، وحينئذ فنقول : قد تعارض هنا مجازان ، أحدهما : في تخصيص الذهب والفضّة بالدنانير والدراهم ، والثاني : في زيادة تخصيص العامّ الأوّل بمطلق الذهب والفضّة على تقدير عدم تخصيصهما بالدنانير والدراهم ، فترجيح أحد المجازين على الآخر ترجيح من غير مرجّح ، بل يمكن ترجيح تخصيص الذهب والفضّة ؛ لأنّ فيه مراعاة قوانين التعارض بينه وبين ما هو أخصّ منه.

قلنا : لا نسلّم التعارض بين الأمرين ؛ لأنّ استعمال العامّ الأوّل على وجه المجاز حاصل على كلّ تقدير إجماعا ، وزيادة التجوّز في الاستعمال لا يعارض به أصل التجوّز في المعنى الآخر ، فإنّ إبقاء الذهب والفضّة على عمومهما استعمال حقيقيّ ، فكيف يكافيه مجرّد تقليل التجوّز مع ثبوت أصله؟! وبذلك يظهر بطلان الترجيح بغير مرجّح ؛ لأنّ المرجّح حاصل في جانب الحقيقة.

هذا ما يقتضيه الحال من الكلام على هذين الوجهين ، وبقي فيه مواضع تحتاج إلى تنقيح (١) ، انتهى.

نظريّة المصنّف في الجمع بين الأدلّة الواردة في ضمان العارية

أقول : الذي يقتضيه النظر ، أنّ النسبة بين روايتي الدراهم

__________________

(١) المسالك ٥ : ١٥٥ ـ ١٥٨.

١١٠

والدنانير بعد جعلهما كرواية واحدة ، وبين ما دلّ على استثناء الذهب والفضّة ، من قبيل العموم من وجه ؛ لأنّ التعارض بين العقد السلبيّ من الاولى والعقد الإيجابيّ من الثانية ، إلاّ أنّ الأوّل عامّ والثاني مطلق ، والتقييد أولى من التخصيص.

وبعبارة اخرى : يدور الأمر بين رفع اليد عن ظاهر الحصر في الدرهم والدينار ، ورفع اليد عن إطلاق الذهب والفضّة ، وتقييدهما أولى.

إلاّ أن يقال : إنّ الحصر في كلّ من روايتي الدرهم والدينار موهون ؛ من حيث اختصاصهما بأحدهما ، فيجب إخراج الآخر من عمومه ، فإنّ ذلك يوجب الوهن في الحصر وإن لم يكن الأمر كذلك في مطلق العامّ. ويؤيّد ذلك أنّ تقييد الذهب والفضّة بالنقدين مع غلبة استعارة المصوغ بعيد جدّا.

وممّا ذكرنا يظهر النظر في مواضع ممّا ذكره صاحب المسالك في تحرير وجهي المسألة.

إذا كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة

وإن كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة ، فإن كان فيها ما يقدّم على بعض آخر منها ، إمّا لأجل الدلالة كما في النصّ والظاهر أو الظاهر والأظهر ، وإمّا لأجل مرجّح آخر ، قدّم ما حقّه التقديم ، ثمّ لوحظ النسبة مع باقي المعارضات.

فقد تنقلب النسبة وقد يحدث الترجيح ، كما إذا ورد : «أكرم العلماء» و «لا تكرم فسّاقهم» و «يستحبّ إكرام العدول» فإنّه إذا خصّ العلماء بعدولهم يصير أخصّ مطلقا من العدول ، فيخصّص العدول بغير علمائهم ، والسرّ في ذلك واضح ؛ إذ لو لا الترتيب في العلاج لزم إلغاء

١١١

النصّ أو طرح (١) الظاهر المنافي له رأسا ، وكلاهما باطل.

وقد لا تنقلب (٢) النسبة فيحدث الترجيح في المتعارضات بنسبة واحدة (٣) ، كما (٤) لو ورد : «أكرم العلماء» و «لا تكرم الفسّاق» و «يستحبّ إكرام الشعراء» فإذا فرضنا أنّ الفسّاق أكثر فردا من العلماء خصّ بغير العلماء ، فيخرج العالم الفاسق عن الحرمة ، ويبقى الفرد الشاعر من العلماء الفسّاق (٥) مردّدا بين الوجوب والاستحباب.

ثمّ إذا فرض أنّ الفسّاق بعد إخراج العلماء أقلّ فردا من الشعراء خصّ الشعراء به (٦) ، فالفاسق الشاعر غير مستحبّ الإكرام. فإذا فرض صيرورة الشعراء بعد التخصيص بالفسّاق أقلّ موردا من العلماء خصّ دليل العلماء بدليله ، فيحكم بأنّ مادّة الاجتماع بين الكلّ ـ أعني العالم الشاعر الفاسق ـ مستحبّ الإكرام.

وقس على ما ذكرنا صورة وجود المرجّح من غير جهة الدلالة لبعضها على بعض.

والغرض من إطالة الكلام في ذلك التنبيه على وجوب التأمّل في علاج الدلالة عند التعارض ؛ لأنّا قد عثرنا في كتب الاستدلال على بعض الزلاّت ، والله مقيل العثرات.

__________________

(١) لم ترد «طرح» في (ظ).

(٢) في (ر) و (ه) : «وقد تنقلب».

(٣) لم ترد «رأسا ـ إلى ـ بنسبة واحدة» في (ظ).

(٤) في (ظ) : «وكما».

(٥) في غير (ر) زيادة : «منه».

(٦) لم ترد «به» في (ظ).

١١٢

[المرجّحات الاخرى](١)

المرجّحات غير الدلاليّة

وحيث فرغنا عن بعض الكلام في المرجّحات من حيث الدلالة التي هي مقدّمة على غيرها ، فلنشرع في مرجّحات الرواية من الجهات الأخر ، فنقول ومن الله التوفيق للاهتداء :

قد عرفت (٢) أنّ الترجيح : إمّا من حيث الصدور ؛ بمعنى جعل صدور أحد الخبرين أقرب من صدور غيره ، بحيث لو دار الأمر بين الحكم بصدوره وصدور غيره لحكمنا بصدوره. ومورد هذا المرجّح قد يكون في السند كأعدليّة الراوي ، وقد يكون في المتن ككونه أفصح (٣).

وإمّا أن يكون من حيث جهة الصدور ، فإنّ صدور الرواية قد يكون لجهة بيان الحكم الواقعي ، وقد يكون لبيان خلافه ؛ لتقيّة أو غيرها من مصالح إظهار خلاف الواقع ، فيكون أحدهما بحسب المرجّح أقرب إلى الصدور لأجل بيان الواقع.

وإمّا أن يكون من حيث المضمون ، بأن يكون مضمون أحدهما أقرب في النظر إلى الواقع.

وأمّا تقسيم الاصوليّين المرجّحات إلى السنديّة والمتنيّة ، فهو

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) راجع الصفحة ٨٠.

(٣) في (ظ) زيادة : «أو كونه منقولا باللفظ».

١١٣

باعتبار مورد المرجّح ، لا باعتبار مورد (١) الرجحان ، ولذا يذكرون في المرجّحات المتنيّة مثل : الفصيح ، والأفصح ، والنقل باللفظ والمعنى ، بل يذكرون المنطوق والمفهوم ، والخصوص والعموم ، وأشباه ذلك. ونحن نذكر إن شاء الله تعالى نبذا من القسمين ؛ لأنّ استيفاء الجميع تطويل لا حاجة إليه بعد معرفة أنّ المناط كون أحدهما أقرب من حيث الصدور عن الإمام عليه‌السلام لبيان الحكم الواقعيّ.

[المرجّحات السنديّة](٢)

المرجّحات السنديّة

أمّا الترجيح بالسند ، فبأمور :

١ ـ العدالة

منها : كون أحد الراويين عدلا والآخر غير عدل مع كونه مقبول الرواية من حيث كونه متحرّزا عن الكذب.

٢ ـ الأعدليّة

ومنها : كونه أعدل. وتعرف الأعدليّة إمّا بالنصّ عليها ، وإمّا بذكر فضائل فيه لم تذكر في الآخر.

٣ ـ الأصدقيّة

ومنها : كونه أصدق مع عدالة كليهما. ويدخل في ذلك كونه أضبط (٣).

وفي حكم الترجيح بهذه الامور ، أن يكون طريق ثبوت مناط القبول في أحدهما أوضح من الآخر وأقرب إلى الواقع ؛ من جهة تعدّد

__________________

(١) لم ترد «المرجّح لا باعتبار مورد» في (ظ).

(٢) العنوان منّا.

(٣) في (ظ) : «أحفظ».

١١٤

المزكّي أو رجحان أحد المزكّيين على الآخر. ويلحق بذلك التباس اسم المزكّى بغيره من المجروحين ، وضعف ما يميّز المشترك به.

٤ ـ علوّ الإسناد

ومنها : علوّ الإسناد ؛ لأنّه كلّما قلّت الواسطة كان احتمال الكذب أقلّ. وقد يعارض (١) في بعض الموارد بندرة ذلك ، واستبعاد الإسناد لتباعد أزمنة الرواة ، فيكون مظنّة الإرسال. والحوالة على نظر المجتهد.

٥ ـ المسنديّة

ومنها : أن يرسل أحد الراويين فيحذف الواسطة ويسند الآخر روايته ؛ فإنّ المحذوف يحتمل أن يكون توثيق المرسل له معارضا بجرح جارح ، وهذا الاحتمال منفيّ في الآخر. وهذا إذا كان المرسل ممّن تقبل مراسيله ، وإلاّ فلا يعارض المسند رأسا. وظاهر الشيخ في العدّة تكافؤ المرسل المقبول والمسند (٢) ، ولم يعلم وجهه.

٦ ـ تعدّد الراوي

ومنها : أن يكون الراوي لإحدى الروايتين متعدّدا وراوي الاخرى واحدا ، أو يكون رواة إحداهما أكثر ؛ فإنّ المتعدّد يرجّح على الواحد والأكثر على الأقلّ ، كما هو واضح. وحكي عن بعض العامّة (٣) عدم الترجيح قياسا على الشهادة والفتوى. ولازم هذا القول عدم الترجيح بسائر المرجّحات أيضا ، وهو ضعيف.

٧ ـ أعلائيّة طريق التحمّل

ومنها : أن يكون طريق تحمّل أحد الراويين أعلى من طريق

__________________

(١) ذكره العلاّمة في نهاية الوصول (مخطوط) : ٤٥٥.

(٢) العدّة ١ : ١٥٤.

(٣) حكاه عن الكرخي العلاّمة في نهاية الوصول (مخطوط) : ٤٥٤ ، وحكاه عن بعض الحنفيّة الفاضل الجواد في غاية المأمول (مخطوط) : الورقة ٢١٨ ، وانظر الإحكام للآمدي ٤ : ٢٥١.

١١٥

تحمّل الآخر ، كأن يكون أحدهما بقراءته على الشيخ والآخر بقراءة الشيخ عليه ، وهكذا غيرهما من أنحاء التحمّل.

هذه نبذة من المرجّحات السنديّة التي توجب القوّة من حيث الصدور ، وعرفت أنّ معنى القوّة كون أحدهما أقرب إلى الواقع من حيث اشتماله على مزيّة غير موجودة في الآخر ، بحيث لو فرضنا العلم بكذب أحدهما ومخالفته للواقع كان احتمال مطابقة ذي المزيّة للواقع أرجح وأقوى من مطابقة الآخر ، وإلاّ فقد لا يوجب المرجّح الظنّ بكذب الخبر المرجوح (١) ؛ من جهة احتمال صدق كلا الخبرين ، فإنّ الخبرين المتعارضين لا يعلم غالبا كذب أحدهما ، وإنّما التجأنا إلى طرح أحدهما ، بناء على تنافي ظاهريهما وعدم إمكان الجمع بينهما لعدم الشاهد ، فيصيران في حكم ما لو وجب طرح أحدهما لكونه كاذبا فيؤخذ بما هو أقرب إلى الصدق من الآخر.

ما تخيّله بعضّ

والغرض من إطالة الكلام هنا أنّ بعضهم (٢) تخيّل : أنّ المرجّحات المذكورة في كلماتهم للخبر من حيث السند أو المتن ، بعضها يفيد الظنّ القويّ ، وبعضها يفيد الظنّ الضعيف ، وبعضها لا يفيد الظنّ أصلا ، فحكم بحجّيّة الأوّلين واستشكل في الثالث ؛ من حيث إنّ الأحوط الأخذ بما فيه المرجّح ، ومن إطلاق أدلّة التخيير ، وقوّى ذلك بناء على أنّه لا دليل على الترجيح بالامور التعبّدية في مقابل إطلاقات التخيير.

دفع التخيّل المذكور

وأنت خبير : بأنّ جميع المرجّحات المذكورة مفيدة للظنّ الشأنيّ

__________________

(١) في (ت) ، (ه) و (ظ) زيادة : «لكنّه».

(٢) هو السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٦٩٨.

١١٦

بالمعنى الذي ذكرنا ، وهو : أنّه لو فرض القطع بكذب أحد الخبرين كان احتمال كذب المرجوح أرجح من صدقه ، وإذا لم يفرض العلم بكذب أحد الخبرين فليس في المرجّحات المذكورة ما يوجب الظنّ بكذب الآخر (١) ، ولو فرض أنّ شيئا منها كان في نفسه موجبا للظنّ بكذب الخبر كان مسقطا للخبر عن درجة الحجّية ، ومخرجا للمسألة عن التعارض ، فيعدّ ذلك الشيء موهنا لا مرجّحا ؛ إذ فرق واضح عند التأمّل بين ما يوجب في نفسه مرجوحيّة الخبر ، وبين ما يوجب مرجوحيّته بملاحظة التعارض وفرض عدم الاجتماع.

[المرجّحات المتنيّة](٢)

وأمّا ما يرجع إلى المتن ، فهي امور :

١ ـ الفصاحة

منها : الفصاحة ، فيقدّم الفصيح على غيره ؛ لأنّ الركيك أبعد من كلام المعصوم عليه‌السلام ، إلاّ أن يكون منقولا بالمعنى.

٢ ـ الأفصحيّة

ومنها : الأفصحيّة ، ذكره جماعة (٣) خلافا لآخرين (٤). وفيه تأمّل ؛

__________________

(١) في (ر) بدل «الآخر» : «أحد الخبرين».

(٢) العنوان منّا.

(٣) مثل السيّد العميدي في منية اللبيب (مخطوط) : الورقة ١٧٢ ، والمحقّق القمي في القوانين ٢ : ٢٨٥ ، والسيد المجاهد في المفاتيح : ٦٩٩.

(٤) مثل العلاّمة في مبادئ الوصول : ٢٣٦ ، ونهاية الوصول (مخطوط) : ٤٥٧ ، وصاحب المعالم في المعالم : ٢٥٢ ، والفاضل الجواد في غاية المأمول (مخطوط) : ٢٢٠ ، والشيخ الجرجاني في غاية البادئ (مخطوط) : ٢٨٧.

١١٧

لعدم كون الفصيح بعيدا عن كلام (١) الإمام ، ولا الأفصح أقرب إليه في مقام بيان الأحكام الشرعيّة.

٣ ـ استقامة المتن

ومنها : اضطراب المتن ، كما في بعض روايات عمّار (٢)(٣).

ومرجع الترجيح بهذه إلى كون متن أحد الخبرين أقرب صدورا من متن الآخر.

وعلّل بعض المعاصرين (٤) الترجيح بمرجّحات المتن ـ بعد أن عدّ هذه منها ـ : بأنّ مرجع ذلك إلى الظنّ بالدلالة ، وهو ممّا لم يختلف فيه علماء الإسلام ، وليس مبنيّا على حجّيّة مطلق الظنّ المختلف فيه.

ثمّ ذكر في مرجّحات المتن النقل باللفظ ، والفصاحة ، والركاكة ، والمسموع من الشيخ بالنسبة إلى المقروء عليه ، والجزم بالسماع من المعصوم عليه‌السلام على غيره ، وكثيرا من أقسام مرجّحات الدلالة ، كالمنطوق والمفهوم والخصوص والعموم ونحو ذلك.

__________________

(١) في (ت) ، (ه) و (ر) زيادة : «المعصوم».

(٢) الظاهر أنّ المصنّف اشتبه عليه رواية أبان برواية عمّار ، وهي رواية اختبار الدم عند اشتباهه بالقرحة بخروجه من الجانب الأيمن فيكون حيضا أو بالعكس ، فرواه في الكافي بالأوّل وفي التهذيب بالثاني. الكافي ٣ : ٩٤ ، باب معرفة دم الحيض والعذرة والقرحة ، الحديث ٣. التهذيب ١ : ٣٨٥ ، باب الحيض والاستحاضة والنفاس ، الحديث ٨. وانظر الرعاية في علم الدراية : ١٤٧ ـ ١٤٨.

(٣) في (ظ) زيادة : «ومنها كون أحدهما منقولا باللفظ والآخر منقولا بالمعنى ، ويحتمل أن يكون المسموع من الإمام لفظا مغايرا لهذا اللفظ المنقول إليه» وفي (ص) كتب عليها : «زائد».

(٤) هو السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٦٩٩ ـ ٧٠٤.

١١٨

وأنت خبير : بأنّ مرجع الترجيح بالفصاحة والنقل باللفظ (١) إلى رجحان صدور أحد المتنين بالنسبة إلى الآخر ، فالدليل عليه هو الدليل على اعتبار رجحان الصدور ، وليس راجعا إلى الظنّ في الدلالة المتّفق عليه بين علماء الإسلام.

وأمّا مرجّحات الدلالة ، فهي من هذا الظنّ المتّفق عليه ، وقد عدّها من مرجّحات المتن جماعة كصاحب الزبدة (٢) وغيره (٣).

والأولى ما عرفت : من أنّ هذه من قبيل النصّ والظاهر ، والأظهر والظاهر (٤) ، ولا تعارض بينهما ، ولا ترجيح في الحقيقة ، بل هي من موارد الجمع المقبول ، فراجع.

[المرجّحات الجهتيّة](٥)

وأمّا الترجيح من حيث وجه الصدور :

التقيّة وغيرها من المصالح

فبأن يكون أحد الخبرين مقرونا بشيء يحتمل من أجله أن يكون

__________________

(١) لم ترد «والنقل باللفظ» في (ت) و (ه).

(٢) زبدة الاصول : ١٢٥ ـ ١٢٦.

(٣) مثل صاحب المعالم في المعالم : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، والسيّد العميدي في منية اللبيب (مخطوط) : الورقة ١٧٢ ، والفاضل الجواد في غاية المأمول (مخطوط) : الورقة ٢١٩.

(٤) «والظاهر» من (ص) و (ر).

(٥) العنوان منّا.

١١٩

الترجيح بمخالفة العامّة

الخبر صادرا على وجه المصلحة المقتضية لبيان خلاف حكم الله الواقعي : من تقيّة أو نحوها من المصالح. وهي وإن كانت غير محصورة في الواقع إلاّ أنّ الذي بأيدينا أمارة التقيّة ، وهي : مطابقة ظاهر الخبر لمذهب أهل الخلاف ، فيحتمل صدور الخبر تقيّة عنهم عليهم‌السلام احتمالا غير موجود في الخبر الآخر.

قال في العدّة : إذا كان رواة الخبرين متساويين في العدد عمل بأبعدهما من قول العامّة وترك العمل بما يوافقه (١) ، انتهى.

وقال المحقّق في المعارج ـ بعد نقل العبارة المتقدّمة عن الشيخ ـ :

والظاهر أنّ احتجاجه في ذلك برواية رويت عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، وهو إثبات مسألة علميّة بخبر الواحد. ولا يخفى عليك ما فيه ، مع أنّه قد طعن فيه فضلاء من الشيعة كالمفيد وغيره (٣).

فإن احتجّ بأنّ الأبعد لا يحتمل إلاّ الفتوى ، والموافق للعامّة يحتمل التقيّة ، فوجب الرجوع إلى ما لا يحتمل.

قلنا : لا نسلّم أنّه لا يحتمل إلاّ الفتوى ؛ لأنّه كما جاز الفتوى لمصلحة يراها الإمام عليه‌السلام ، كذلك يجوز الفتوى بما يحتمل التأويل لمصلحة يعلمها الإمام عليه‌السلام وإن كنّا لا نعلم ذلك.

فإن قال : إنّ ذلك يسدّ باب العمل بالحديث.

قلنا : إنّما نصير إلى ذلك على تقدير التعارض وحصول مانع يمنع

__________________

(١) العدّة ١ : ١٤٧.

(٢) لعلّ مقصوده مقبولة ابن حنظلة المتقدّمة في الصفحة ٥٧.

(٣) انظر مبحث الظنّ ١ : ٢٤٠.

١٢٠