فرائد الأصول - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-04-4
الصفحات: ٤٣٩

١
٢

٣
٤

٥
٦

المقام الثّاني

في الاستصحاب

٧

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

٨

المقام الثاني (١)

في الاستصحاب

الاستصحاب لغة واصطلاحا

وهو لغة : أخذ الشيء مصاحبا (٢) ، ومنه : استصحاب أجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة.

وعند الاصوليّين عرّف بتعاريف ، أسدّها وأخصرها : «إبقاء ما كان» (٣) ، والمراد بالإبقاء الحكم بالبقاء ، ودخل الوصف في الموضوع مشعر بعلّيته للحكم ، فعلّة الإبقاء هو أنّه (٤) كان ، فيخرج إبقاء الحكم لأجل وجود علّته أو دليله.

وإلى ما ذكرنا يرجع تعريفه في الزبدة بأنّه : «إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأوّل» (٥) ، بل نسبه شارح

__________________

(١) من المقامين المذكورين في مبحث البراءة ٢ : ١٤.

(٢) لم نعثر على هذا التعريف بلفظه في كتب اللغة ، ففي القاموس : «استصحبه : دعاه إلى الصحبة ولازمه» ، وفي المصباح : «كلّ شيء لازم شيئا فقد استصحبه ، واستصحبت الكتاب وغيره : حملته صحبتي» ، وكذا في الصحاح ومجمع البحرين ، مادة «صحب».

(٣) انظر مناهج الأحكام : ٢٢٣ ، وكذا ضوابط الاصول : ٣٤٦.

(٤) في (ص): «أن».

(٥) الزبدة : ٧٢ ـ ٧٣.

٩

الدروس إلى القوم ، فقال : إنّ القوم ذكروا أنّ الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه (١).

تعريف صاحب القوانين والمناقشة فيه

وأزيف التعاريف تعريفه بأنّه : «كون حكم أو وصف يقينيّ الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق» (٢) ؛ إذ لا يخفى أنّ كون حكم أو وصف كذلك ، هو محقّق مورد الاستصحاب ومحلّه ، لا نفسه. ولذا صرّح في المعالم ـ كما عن غاية المأمول (٣) ـ : بأنّ استصحاب الحال ، محلّه أن يثبت حكم في وقت ، ثمّ يجيء وقت آخر ، ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم ، فهل يحكم ببقائه على ما كان ، وهو الاستصحاب؟ (٤) انتهى.

توجيه تعريف القوانين

ويمكن توجيه التعريف المذكور : بأنّ المحدود هو الاستصحاب المعدود من الأدلّة ، وليس الدليل إلاّ ما أفاد العلم أو الظنّ بالحكم ، والمفيد للظنّ بوجود الحكم في الآن اللاحق ليس إلاّ كونه يقينيّ الحصول في الآن السابق ، مشكوك البقاء في الآن اللاحق ؛ فلا مناص عن تعريف الاستصحاب المعدود من الأمارات إلاّ (٥) بما ذكره قدس‌سره.

عدم تمامية التوجيه المذكور

لكن فيه : أنّ الاستصحاب ـ كما صرّح به هو قدس‌سره في أوّل كتابه (٦) ـ

__________________

(١) مشارق الشموس : ٧٦ ، وفيه : «إثبات حكم شرعيّ ... الخ».

(٢) هذا التعريف للمحقّق القمّي في القوانين ٢ : ٥٣.

(٣) غاية المأمول في شرح زبدة الاصول للفاضل الجواد (مخطوط) : الورقة ١٢٨ ، وحكاه عنه السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٦٣٤.

(٤) المعالم : ٢٣١.

(٥) لم ترد «إلاّ» في (ت) و (ه).

(٦) القوانين ١ : ٩.

١٠

إن اخذ من العقل كان داخلا في دليل العقل (١) ، وإن اخذ من الأخبار فيدخل في السنّة ، وعلى كلّ تقدير ، فلا يستقيم تعريفه بما ذكره ؛ لأنّ دليل العقل هو حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعيّ ، وليس هنا إلاّ حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان (٢) ، والمأخوذ من السنّة ليس إلاّ وجوب الحكم ببقاء ما كان على ما كان ، فكون الشيء معلوما سابقا مشكوكا فيه لاحقا (٣) لا ينطبق على الاستصحاب بأحد الوجهين.

تعريف شارح المختصر

نعم ذكر شارح المختصر : «أنّ معنى استصحاب الحال أنّ الحكم الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه ، وكلّ ما كان كذلك فهو مظنون البقاء» (٤).

فإن كان الحدّ هو خصوص الصغرى انطبق على التعريف المذكور ، وإن جعل خصوص الكبرى انطبق على تعاريف (٥) المشهور.

تعريف صاحب الوافية

وكأنّ صاحب الوافية استظهر منه (٦) كون التعريف مجموع المقدّمتين ، فوافقه في ذلك ، فقال : الاستصحاب هو التمسّك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت أو في غير تلك الحال ، فيقال :

__________________

(١) كذا في (ر) و (ظ) ، وفي غيرهما : «الدليل العقلي».

(٢) لم ترد «على ما كان» في (ر).

(٣) «لاحقا» من (ه).

(٤) شرح مختصر الاصول ٢ : ٤٥٣.

(٥) في (ت) و (ه): «تعريف».

(٦) لم ترد «منه» في (ظ).

١١

إنّ الأمر الفلاني قد كان ولم يعلم عدمه ، وكلّ ما كان كذلك فهو باق (١) ، انتهى. ولا ثمرة مهمّة في ذلك.

__________________

(١) الوافية : ٢٠٠.

١٢

بقي الكلام في امور :

الأوّل

هل الاستصحاب أصل عمليّ أو أمارة ظنّية؟

أنّ عدّ الاستصحاب من الأحكام الظاهريّة الثابتة للشيء بوصف كونه مشكوك الحكم ـ نظير أصل البراءة وقاعدة الاشتغال ـ مبنيّ على استفادته من الأخبار ، وأمّا بناء على كونه من أحكام العقل فهو دليل ظنّيّ اجتهاديّ ، نظير القياس والاستقراء ، على القول بهما.

المختار كونه من الاصول العمليّة

وحيث إنّ المختار عندنا هو الأوّل ، ذكرناه في الاصول العمليّة المقرّرة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم ، لكن ظاهر كلمات الأكثر ـ كالشيخ (١) والسيّدين (٢) والفاضلين (٣) والشهيدين (٤) وصاحب المعالم (٥) ـ

__________________

(١) العدّة ٢ : ٧٥٨.

(٢) السيّد المرتضى في الذريعة ٢ : ٨٢٩ ـ ٨٣٢ ، والسيّد ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٤٨٦.

(٣) المحقّق في المعارج : ٢٠٦ ـ ٢٠٨ ، والمعتبر ١ : ٣٢ ، والعلاّمة في مبادئ الوصول : ٢٥٠ و ٢٥١ ، وتهذيب الوصول : ١٠٥ ، ونهاية الوصول (مخطوط) : ٤٠٧.

(٤) الشهيد الأوّل في الذكرى ١ : ٥٣ ، والقواعد والفوائد ١ : ١٣٢ ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٧١.

(٥) المعالم : ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

١٣

كونه حكما عقليّا ؛ ولذا لم يتمسّك أحد (١) هؤلاء فيه بخبر من الأخبار.

نعم ، ذكر في العدّة (٢) ـ انتصارا للقائل بحجّيته ـ ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من : «أنّ الشيطان ينفخ (٣) بين أليتي المصلّي فلا ينصرفنّ أحدكم إلاّ بعد أن يسمع صوتا أو يجد ريحا» (٤).

ومن العجب أنّه انتصر بهذا الخبر الضعيف المختصّ بمورد خاصّ ، ولم يتمسّك بالأخبار الصحيحة العامّة المعدودة ـ في حديث الأربعمائة ـ من أبواب العلوم (٥).

وأوّل من تمسّك بهذه الأخبار ـ فيما وجدته ـ والد الشيخ البهائي قدس‌سره ، فيما حكي عنه في العقد الطهماسبي (٦) ، وتبعه صاحب الذخيرة (٧) وشارح الدروس (٨) ، وشاع بين من تأخّر عنهم (٩).

__________________

(١) في (ت) و (ه) زيادة : «من».

(٢) العدّة ٢ : ٧٥٧ ـ ٧٥٨.

(٣) في العدّة هكذا : «إنّ الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه ، فيقول : أحدثت أحدثت ، فلا ينصرفنّ حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا».

(٤) لم نعثر عليه بعينه في المجاميع الحديثية من الخاصّة والعامّة. نعم ، ورد ما يقرب منه في عوالي اللآلي ١ : ٣٨٠ ، الحديث الأوّل.

(٥) الوسائل ١ : ١٧٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦ ، وانظر الخصال : ٦٠٩ ـ ٦٣٧.

(٦) العقد الطهماسبي (مخطوط) : الورقة ٢٨.

(٧) الذخيرة : ٤٤ و ١١٥ ـ ١١٦.

(٨) مشارق الشموس : ٧٦ و ١٤١ ـ ١٤٢.

(٩) كما في الحدائق ١ : ١٤٢ ـ ١٤٣ ، والفصول : ٣٧٠ ، والقوانين ٢ : ٥٥.

١٤

نعم ، ربما يظهر من الحلّي في السرائر (١) الاعتماد على هذه الأخبار ؛ حيث عبّر عن استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره من قبل نفسه ، ب : «عدم نقض اليقين إلاّ باليقين» (٢). وهذه العبارة ، الظاهر (٣) أنّها مأخوذة من الأخبار.

__________________

(١) السرائر ١ : ٦٢.

(٢) كذا في (ص) و (ه) ، وفي غيرهما بدل «عدم نقض اليقين إلاّ باليقين» : «بنقض اليقين باليقين».

(٣) في (ر): «ظاهرة في» ، وفي (ص): «ظاهرة».

١٥

الثاني

الوجه في عدّ الاستصحاب من الأدلّة العقليّة

أنّ عدّ الاستصحاب ـ على تقدير اعتباره من باب إفادة الظنّ ـ من الأدلّة العقليّة ، كما فعله غير واحد منهم ؛ باعتبار أنّه حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعيّ بواسطة خطاب الشارع ، فنقول : إنّ الحكم الشرعي الفلاني ثبت سابقا ولم يعلم ارتفاعه ، وكلّ ما كان كذلك فهو باق ، فالصغرى شرعيّة ، والكبرى عقليّة ظنّية ، فهو والقياس والاستحسان والاستقراء (١) ـ نظير المفاهيم والاستلزامات ـ من العقليّات الغير المستقلّة.

__________________

(١) لم ترد «والاستقراء» في (ظ) و (ه) ، وشطب عليها في (ت).

١٦

الثالث

هل الاستصحاب مسألة اصوليّة أو فقهيّة؟

أنّ مسألة الاستصحاب على القول بكونه من الأحكام العقليّة مسألة اصوليّة يبحث فيها عن كون الشيء دليلا على الحكم الشرعيّ ، نظير حجّية القياس والاستقراء.

بناء على كونه حكما عقليا فهو مسألة اصوليّة

نعم ، يشكل ذلك بما ذكره المحقّق القمّي قدس‌سره في القوانين وحاشيته : من أنّ مسائل الاصول ما يبحث فيها عن حال الدليل بعد الفراغ عن كونه دليلا ، لا عن دليليّة الدليل (١).

وعلى ما ذكره قدس‌سره ، فيكون مسألة الاستصحاب ـ كمسائل حجّية الأدلّة الظنّية ، كظاهر الكتاب وخبر الواحد ونحوهما ـ من المبادئ التصديقيّة للمسائل الاصوليّة ، وحيث لم تتبيّن في علم آخر احتيج إلى بيانها في نفس العلم ، كأكثر المبادئ التصوّريّة.

نعم ذكر بعضهم (٢) : أنّ موضوع الاصول (٣) ذوات الأدلّة من حيث

__________________

(١) لم نقف عليه في القوانين ، نعم ذكر ذلك في حاشيته ، انظر القوانين (طبعة ١٢٩١) ١ : ٦ ، الحاشية المبدوّة بقوله : «موضوع العلم هو ما يبحث فيه ... الخ».

(٢) هو صاحب الفصول في الفصول : ١٢.

(٣) في (ت) و (ه) زيادة : «هي».

١٧

يبحث عن دليليّتها أو عمّا يعرض لها بعد الدليليّة.

ولعلّه موافق لتعريف الاصول بأنّه : «العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الفرعيّة من أدلّتها» (١).

بناء على كونه من الاصول العمليّة ففي كونه من المسائل الاصوليّة غموض

و (٢) أمّا على القول بكونه من الاصول العمليّة ، ففي كونه من المسائل الاصوليّة غموض ؛ من حيث إنّ (٣) الاستصحاب حينئذ قاعدة مستفادة من السنّة ، وليس التكلّم فيه تكلّما في أحوال السنّة ، بل هو نظير سائر القواعد المستفادة من الكتاب والسنّة ، والمسألة الاصوليّة هي التي بمعونتها يستنبط هذه القاعدة من قولهم : : «لا تنقض اليقين بالشكّ» ، وهي المسائل الباحثة عن أحوال طريق الخبر وعن أحوال الألفاظ الواقعة فيه ، فهذه القاعدة ـ كقاعدة «البراءة» و «الاشتغال» ـ نظير قاعدة «نفي الضرر والحرج» ، من القواعد الفرعيّة المتعلّقة بعمل المكلّف. نعم ، تندرج تحت هذه القاعدة مسألة اصوليّة يجري فيها الاستصحاب ، كما تندرج المسألة الاصوليّة أحيانا تحت أدلّة نفي الحرج (٤) ، كما ينفى وجوب الفحص عن المعارض حتّى يقطع بعدمه بنفي الحرج.

الإشكال في كون الاستصحاب من المسائل الفرعية

نعم ، يشكل كون الاستصحاب من المسائل الفرعيّة : بأنّ إجراءها في موردها (٥) ـ أعني : صورة الشكّ في بقاء الحكم الشرعي السابق ، كنجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره ـ مختصّ بالمجتهد وليس وظيفة

__________________

(١) كما في الفصول : ٩ ، ومناهج الأحكام : ١.

(٢) «الواو» من (ت).

(٣) في (ر) و (ص) بدل «من حيث إنّ» : «لأنّ».

(٤) في (ظ): «نفي الضرر والحرج».

(٥) كذا في النسخ ، والمناسب : «بأنّ إجراءه في مورده» ، كما لا يخفى.

١٨

للمقلّد (١) ، فهي ممّا يحتاج إليه المجتهد فقط ولا ينفع للمقلّد ، وهذا من خواصّ المسألة الاصوليّة ؛ فإنّ المسائل الاصوليّة لمّا مهّدت للاجتهاد واستنباط الأحكام من الأدلّة اختصّ التكلّم فيها بالمستنبط ، ولا حظّ لغيره فيها.

فإن قلت : إنّ اختصاص هذه المسألة بالمجتهد ؛ لأجل أنّ موضوعها ـ وهو الشكّ في الحكم الشرعيّ وعدم قيام الدليل الاجتهادي عليه ـ لا يتشخّص إلاّ للمجتهد ، وإلاّ فمضمونه وهو : العمل على طبق الحالة السابقة وترتيب آثارها ، مشترك بين المجتهد والمقلّد.

قلت : جميع المسائل الاصوليّة كذلك ؛ لأنّ وجوب العمل بخبر الواحد وترتيب آثار الصدق عليه ليس مختصّا بالمجتهد. نعم ، تشخيص مجرى خبر الواحد وتعيين مدلوله وتحصيل شروط العمل به مختصّ بالمجتهد ؛ لتمكّنه من ذلك وعجز المقلّد عنه ، فكأنّ المجتهد نائب عن المقلّد (٢) في تحصيل مقدّمات العمل بالأدلّة الاجتهاديّة وتشخيص مجاري الاصول العمليّة ، وإلاّ فحكم الله الشرعيّ في الاصول والفروع مشترك بين المجتهد والمقلّد.

كلام السيد بحر العلوم فيما يرتبط بالمقام

هذا ، وقد جعل بعض السادة الفحول (٣) الاستصحاب دليلا على الحكم في مورده ، وجعل قولهم : : «لا تنقض اليقين بالشكّ» دليلا على الدليل ـ نظير آية النبأ بالنسبة إلى خبر الواحد ـ حيث قال :

__________________

(١) في (ظ): «المقلّد».

(٢) في (ت) ، (ظ) و (ه) بدل «عن المقلّد» : «عنه».

(٣) هو السيّد بحر العلوم في فوائده.

١٩

إنّ استصحاب الحكم المخالف للأصل في شيء ، دليل شرعيّ رافع لحكم الأصل ، ومخصّص لعمومات الحلّ ـ إلى أن قال في آخر كلام له سيأتي نقله (١) ـ : وليس عموم قولهم : : «لا تنقض اليقين بالشكّ» بالقياس إلى أفراد الاستصحاب وجزئيّاته ، إلاّ كعموم آية النبأ بالقياس إلى آحاد الأخبار المعتبرة (٢) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده بحر العلوم

أقول : معنى الاستصحاب الجزئيّ في المورد الخاصّ ـ كاستصحاب نجاسة الماء المتغيّر ـ ليس إلاّ الحكم بثبوت النجاسة في ذلك الماء النجس سابقا ، وهل هذا إلاّ نفس الحكم الشرعي؟! وهل الدليل عليه إلاّ قولهم : : «لا تنقض اليقين بالشكّ» (٣)؟! وبالجملة : فلا فرق بين الاستصحاب وسائر القواعد المستفادة من العمومات.

هذا كلّه في الاستصحاب الجاري في الشبهة الحكميّة المثبت للحكم الظاهري الكلّي.

الاستصحاب الجاري في الشبهة الموضوعيّة

وأمّا الجاري في الشبهة الموضوعيّة ـ كعدالة زيد ونجاسة ثوبه وفسق عمرو وطهارة بدنه ـ فلا إشكال في كونه حكما فرعيّا ، سواء كان التكلّم فيه من باب الظنّ ، أم كان من باب كونها قاعدة تعبّديّة مستفادة من الأخبار ؛ لأنّ التكلّم فيه على الأوّل ، نظير التكلّم في اعتبار سائر الأمارات ، ك «يد المسلمين» و «سوقهم» و «البيّنة» و «الغلبة» ونحوها في الشبهات الخارجيّة. وعلى الثاني ، من باب أصالة الطهارة وعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ ، ونحو ذلك.

__________________

(١) انظر الصفحة ٢٧٦ و ٢٧٧.

(٢) فوائد السيد بحر العلوم : ١١٦ ـ ١١٧.

(٣) الوسائل ١ : ١٧٤ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث الأوّل.

٢٠