فرائد الأصول - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-04-4
الصفحات: ٤٣٩

«لا ينقض اليقين بالشكّ أبدا» ، عدم إيجاب إعادة الوضوء ، فافهم ؛ فإنّه لا يخلو عن دقّة.

ودعوى : أنّ من آثار الطهارة السابقة إجزاء الصلاة معها (١) وعدم وجوب الإعادة لها ، فوجوب الإعادة نقض لآثار الطهارة السابقة (٢).

مدفوعة : بأنّ الصحّة الواقعيّة وعدم الإعادة للصلاة مع الطهارة المتحقّقة سابقا ، من الآثار العقليّة الغير المجعولة للطهارة المتحقّقة ؛ لعدم معقوليّة عدم الإجزاء فيها ، مع أنّه يوجب الفرق بين وقوع تمام الصلاة مع النجاسة فلا يعيد وبين وقوع بعضها معها فيعيد ، كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام بعد ذلك : «وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته». إلاّ أن يحمل هذه الفقرة ـ كما استظهره شارح الوافية (٣) ـ على ما لو علم الإصابة وشكّ في موضعها ولم يغسلها نسيانا ، وهو مخالف لظاهر الكلام وظاهر قوله عليه‌السلام بعد ذلك : «وإن لم تشكّ ثمّ رأيته ... الخ».

والثاني : أن يكون مورد السؤال رؤية النجاسة بعد الصلاة مع احتمال وقوعها بعدها ، فالمراد : أنّه ليس ينبغي أن تنقض (٤) يقين الطهارة بمجرّد احتمال وجود النجاسة حال الصلاة.

وهذا الوجه سالم عمّا يرد على الأوّل ، إلاّ أنّه خلاف ظاهر السؤال. نعم ، مورد قوله عليه‌السلام أخيرا : «فليس ينبغي لك ... الخ» هو

__________________

(١) لم ترد «معها» في (ر).

(٢) هذه الدعوى من شريف العلماء أيضا.

(٣) شرح الوافية (مخطوط) : ٣٦١.

(٤) في (ر) ، (ص) و (ظ): «ينقض».

٦١

الشكّ في وقوعه أوّل الصلاة أو حين الرؤية ، ويكون المراد من قطع الصلاة الاشتغال عنها بغسل الثوب مع عدم تخلّل المنافي ، لا إبطالها ثمّ البناء عليها الذي هو خلاف الإجماع ، لكن تفريع عدم نقض اليقين على احتمال تأخّر الوقوع يأبى عن حمل اللام على الجنس ، فافهم.

٣ ـ صحيحة زرارة الثالثة

ومنها : صحيحة ثالثة لزرارة : «وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إليها اخرى ، ولا شيء عليه. ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ، ويتمّ على اليقين ، فيبني عليه ، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات» (١).

وقد تمسّك بها في الوافية (٢) ، وقرّره الشارح (٣) ، وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه (٤).

التأمّل في الاستدلال بهذه الصحيحة

وفيه تأمّل : لأنّه إن كان المراد بقوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها اخرى» ، القيام للركعة الرابعة من دون تسليم في الركعة المردّدة بين الثالثة والرابعة (٥) ، حتّى يكون حاصل الجواب هو : البناء على الأقلّ ،

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٢١ ، الباب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.

(٢) الوافية : ٢٠٦.

(٣) شرح الوافية (مخطوط) : ٣٦١.

(٤) مثل المحدّث البحراني في الحدائق ١ : ١٤٣ ، والوحيد البهبهاني في الرسائل الاصوليّة : ٤٤٢ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٣٧٠ ، والمحقّق القمي في القوانين ٢ : ٥٨.

(٥) لم ترد : «من دون ـ إلى ـ الرابعة» في (ظ).

٦٢

فهو مخالف للمذهب ، وموافق لقول العامّة ، ومخالف لظاهر الفقرة الاولى من قوله : «يركع (١) ركعتين بفاتحة الكتاب» ؛ فإنّ ظاهرها ـ بقرينة تعيين الفاتحة ـ إرادة ركعتين منفصلتين ، أعني : صلاة الاحتياط ، فتعيّن أن يكون المراد به القيام ـ بعد التسليم في الركعة المردّدة ـ إلى ركعة مستقلّة ، كما هو مذهب الإماميّة.

المراد من «اليقين» في هذه الصحيحة

فالمراد ب «اليقين» ـ كما في «اليقين» الوارد في الموثّقة الآتية (٢) ، على ما صرّح به السيّد المرتضى ; (٣) ، واستفيد من قوله عليه‌السلام في أخبار الاحتياط : إن كنت قد نقصت فكذا ، وإن كنت قد أتممت فكذا (٤) ـ : هو اليقين بالبراءة ، فيكون المراد وجوب الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءة ، بالبناء على الأكثر وفعل صلاة مستقلّة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه.

وقد اريد من «اليقين» و «الاحتياط» في غير واحد من الأخبار هذا النحو من العمل ، منها : قوله عليه‌السلام في الموثّقة الآتية : «إذا شككت فابن على اليقين» (٥).

المراد من «البناء على اليقين» في الأخبار

فهذه الأخبار الآمرة بالبناء على اليقين وعدم نقضه ، يراد منها : البناء على ما هو المتيقّن من العدد ، والتسليم عليه ، مع جبره بصلاة

__________________

(١) في (ص) والتهذيب : «ركع».

(٢) هي موثّقة إسحاق بن عمّار الآتية في الصفحة ٦٦.

(٣) راجع الانتصار : ٤٩.

(٤) الوسائل ٥ : ٣١٨ ، الباب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.

(٥) وهي موثّقة إسحاق بن عمّار الآتية في الصفحة ٦٦.

٦٣

الاحتياط ؛ ولهذا ذكر في غير واحد من الأخبار ما يدلّ على أنّ هذا (١) العمل محرز للواقع ، مثل قوله عليه‌السلام : «ألا اعلّمك شيئا إذا صنعته (٢) ، ثمّ ذكرت أنّك نقصت أو أتممت ، لم يكن عليك شيء؟» (٣).

وقد تصدّى جماعة (٤) ـ تبعا للسيّد المرتضى ـ لبيان أنّ هذا العمل هو الأخذ باليقين والاحتياط ، دون ما يقوله العامّة : من البناء على الأقلّ. ومبالغة الإمام عليه‌السلام في هذه الصحيحة بتكرار عدم الاعتناء بالشكّ ، وتسمية ذلك في غيرها (٥) بالبناء على اليقين والاحتياط ، يشعر بكونه في مقابل العامّة الزاعمين بكون مقتضى البناء على اليقين هو البناء على الأقلّ وضمّ الركعة المشكوكة.

ثمّ لو سلّم ظهور الصحيحة في البناء على الأقلّ المطابق للاستصحاب ، كان هناك صوارف عن هذا الظاهر ، مثل :

__________________

(١) «هذا» من (ت) ، لكن شطب عليها ، والمناسب إثباتها.

(٢) كذا في النسخ ، ولكن في روايتي الوسائل والتهذيب بدل «صنعته» : «فعلته».

(٣) الوسائل ٥ : ٣١٨ ، الباب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣ ، والتهذيب ٢ : ٣٤٩ ، الحديث ١٤٤٨.

(٤) منهم السيّد الطباطبائي في الرياض ٤ : ٢٤٠ ، والمحقّق النراقي في مستند الشيعة ٧ : ١٤٦ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ١٢ : ٣٣٤ ، وأشار إليه المحقّق في المعتبر ٢ : ٣٩١ ، والعلاّمة في المنتهى (الطبعة الحجرية) ١ : ٤١٥ ـ ٤١٦ ، والحرّ العاملي في الوسائل ، ذيل موثّقة إسحاق بن عمّار.

(٥) مثل : موثّقة اسحاق بن عمّار الآتية في الصفحة ٦٦ ، ومثل : المروي عن قرب الإسناد : «رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة ، قال يبني على اليقين ...» ، انظر الوسائل ٥ : ٣١٩ ، الباب ٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٢.

٦٤

تعيّن حملها حينئذ على التقيّة ، وهو مخالف للأصل.

ثمّ ارتكاب الحمل على التقيّة في مورد الرواية ، وحمل القاعدة المستشهد بها لهذا الحكم المخالف للواقع على بيان الواقع ـ ليكون التقيّة في إجراء القاعدة في المورد لا في نفسها ـ مخالفة اخرى للظاهر وإن كان ممكنا في نفسه.

مع أنّ هذا المعنى مخالف لظاهر صدر الرواية الآبي عن الحمل على التقيّة.

مع أنّ العلماء لم يفهموا منها إلاّ البناء على الأكثر.

إلى غير ذلك ممّا يوهن إرادة البناء على الأقلّ.

وأمّا احتمال (١) كون المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ عدم جواز البناء على وقوع المشكوك بمجرّد الشكّ ـ كما هو مقتضى الاستصحاب ـ فيكون مفاده : عدم جواز الاقتصار على الركعة المردّدة بين الثالثة والرابعة ، وقوله : «لا يدخل الشكّ في اليقين» يراد به : أنّ الركعة المشكوك فيها المبنيّ على عدم وقوعها لا يضمّها إلى اليقين ـ أعني (٢) القدر المتيقّن من الصلاة ـ بل يأتي بها مستقلّة على ما هو مذهب الخاصّة.

ففيه : من المخالفة لظاهر (٣) الفقرات الستّ أو السبع ما لا يخفى على المتأمّل ؛ فإنّ مقتضى التدبّر في الخبر أحد معنيين :

__________________

(١) هذا الاحتمال من صاحب الفصول في الفصول : ٣٧١.

(٢) في (ه): «يعني».

(٣) في (ت) ، (ص) و (ظ): «لظواهر».

٦٥

إمّا الحمل على التقيّة ، وقد عرفت مخالفته للاصول والظواهر.

وإمّا حمله على وجوب تحصيل اليقين بعدد الركعات على الوجه الأحوط ، وهذا الوجه وإن كان بعيدا في نفسه ، لكنّه منحصر بعد عدم إمكان الحمل على ما يطابق الاستصحاب ، ولا أقلّ من مساواته لما ذكره هذا القائل ، فيسقط الاستدلال بالصحيحة ، خصوصا على مثل هذه القاعدة.

وأضعف من هذا دعوى (١) : أنّ حملها على وجوب تحصيل اليقين في الصلاة بالعمل على الأكثر ، والعمل على الاحتياط بعد الصلاة ـ على ما هو فتوى الخاصّة وصريح أخبارهم الآخر ـ لا ينافي إرادة العموم من القاعدة لهذا وللعمل على اليقين السابق في الموارد الأخر.

وسيظهر اندفاعها بما سيجيء في الأخبار الآتية (٢) : من عدم إمكان الجمع بين هذين المعنيين في المراد من العمل على اليقين وعدم نقضه.

٤ ـ الاستدلال بموثّقة إسحاق بن عمّار والإشكال فيه

وممّا ذكرنا ظهر عدم صحّة الاستدلال (٣) بموثّقة عمّار (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام : «قال : إذا شككت فابن على اليقين. قلت : هذا أصل؟.

__________________

(١) الدعوى من صاحب الفصول أيضا في كلامه المشار إليه في الصفحة السابقة ، الهامش (١).

(٢) انظر الصفحة ٧٤.

(٣) استدلّ بها ـ فيما عثرنا ـ الفاضل الدربندي في خزائن الاصول ، فنّ الاستصحاب ، الورقة ١٣.

(٤) كذا ، والصحيح : «إسحاق بن عمار» كما في المصادر الحديثيّة.

٦٦

قال : نعم» (١).

فإنّ جعل البناء على الأقلّ أصلا ينافي ما جعله الشارع أصلا في غير واحد من الأخبار ، مثل : قوله عليه‌السلام : «أجمع لك السهو كلّه في كلمتين : متى ما شككت فابن على الأكثر» (٢) ، وقوله عليه‌السلام فيما تقدّم :

«ألا اعلّمك شيئا ... إلى آخر ما تقدّم» (٣).

فالوجه فيه : إمّا الحمل على التقيّة ، وإمّا ما ذكره بعض (٤) الأصحاب (٥) في معنى الرواية : بإرادة البناء على الأكثر ، ثمّ الاحتياط بفعل ما ينفع (٦) لأجل الصلاة على تقدير الحاجة ، ولا يضرّ بها على تقدير الاستغناء.

نعم ، يمكن أن يقال بعدم الدليل على اختصاص الموثّقة بشكوك الصلاة ، فضلا عن الشكّ في ركعاتها ، فهو أصل كلّي خرج منه الشكّ في عدد الركعات ، وهو غير قادح.

لكن يرد عليه : عدم الدلالة على إرادة اليقين السابق على الشكّ ،

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣١٨ ، الباب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الباب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ١ ، وفيه بدل «فابن على الأكثر» : «فخذ بالأكثر».

(٣) راجع الصفحة ٦٤.

(٤) لم ترد «بعض» في (ظ).

(٥) مثل : الحرّ العاملي في الوسائل ذيل الرواية ، والفاضل النراقي في مستند الشيعة ٧ : ١٤٥.

(٦) في (ظ): «ينتفع».

٦٧

ولا المتيقّن السابق على المشكوك اللاحق ، فهي أضعف دلالة من الرواية الآتية الصريحة في اليقين السابق ؛ لاحتمالها لإرادة إيجاب العمل بالاحتياط ، فافهم (١).

٥ ـ الاستدلال برواية الخصال ورواية اخرى

ومنها : ما عن الخصال بسنده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه : من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه ؛ فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» (٢).

وفي رواية اخرى عنه عليه‌السلام : «من كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه ؛ فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ» (٣). وعدّها المجلسي ـ في البحار ـ في سلك الأخبار التي يستفاد منها القواعد الكلّية (٤).

المناقشة في الاستدلال بهاتين الروايتين

أقول : لا يخفى أنّ الشكّ واليقين لا يجتمعان حتّى ينقض أحدهما الآخر ، بل لا بدّ من اختلافهما :

إمّا في زمان نفس الوصفين ، كأن يقطع يوم الجمعة بعدالة زيد في زمان ، ثمّ يشكّ يوم السبت في عدالته في ذلك الزمان.

وإمّا في زمان متعلّقهما وإن اتّحد زمانهما ، كأن يقطع يوم السبت بعدالة زيد يوم الجمعة ، ويشكّ ـ في زمان هذا القطع ـ بعدالته (٥) في يوم

__________________

(١) لم ترد «فافهم» في (ظ).

(٢) الخصال : ٦١٩ ، والوسائل ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ ، الباب ٤ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٦.

(٣) المستدرك ١ : ٢٢٨ ، الباب الأوّل من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث ٤.

(٤) البحار ٢ : ٢٧٢.

(٥) المناسب : «في عدالته» ، كما في (ت) ، ولكن شطب عليها.

٦٨

السبت ، وهذا هو الاستصحاب ، وليس منوطا بتعدّد زمان الشكّ واليقين ـ كما عرفت في المثال ـ فضلا عن تأخّر الأوّل عن الثاني.

وحيث إنّ صريح الرواية اختلاف زمان الوصفين ، وظاهرها اتّحاد زمان متعلّقهما ؛ تعيّن حملها على القاعدة الاولى ، وحاصلها : عدم العبرة بطروّ الشكّ في شيء بعد اليقين بذلك الشيء.

ويؤيّده : أنّ النقض حينئذ محمول على حقيقته ؛ لأنّه رفع اليد عن نفس الآثار التي رتّبها سابقا على المتيقّن ، بخلاف الاستصحاب ؛ فإنّ المراد بنقض اليقين فيه رفع اليد عن ترتيب الآثار في غير زمان اليقين ، وهذا ليس نقضا لليقين السابق ، إلاّ إذا اخذ متعلّقه مجرّدا عن التقييد بالزمان الأوّل.

وبالجملة : فمن تأمّل في الرواية ، وأغمض عن ذكر بعض (١) لها في أدلّة الاستصحاب ، جزم بما (٢) ذكرناه في معنى الرواية.

ثمّ لو سلّم أنّ هذه القاعدة بإطلاقها مخالفة للإجماع ، أمكن تقييدها بعدم نقض اليقين السابق بالنسبة إلى الأعمال التي رتّبها حال اليقين به ـ كالاقتداء بذلك الشخص في مثال العدالة ، أو العمل بفتواه أو شهادته ـ أو تقييد الحكم بصورة عدم التذكّر لمستند القطع السابق ، وإخراج صورة تذكّره والتفطّن لفساده وعدم قابليّته لإفادة القطع (٣).

__________________

(١) مثل : الوحيد البهبهاني في الرسائل الاصولية : ٤٤٠ ، والمحقّق القمي في القوانين ٢ : ٦٢ ، والفاضل النراقي في مناهج الأحكام : ٢٢٧.

(٢) في (ت) و (ه) بدل «جزم بما» : «ربما استظهر ما».

(٣) في (ر) و (ص) ذكرت عبارة «ثمّ لو سلّم ـ إلى ـ لإفادة القطع» بعد عبارة «اللهم إلاّ ـ إلى ـ فافهم».

٦٩

إمكان دفع المناقشة المذكورة

اللهم إلاّ أن يقال ـ بعد ظهور كون الزمان الماضي في الرواية ظرفا لليقين ـ : إنّ الظاهر تجريد متعلّق اليقين عن التقييد بالزمان ؛ فإنّ قول القائل : «كنت متيقّنا أمس بعدالة زيد» ظاهر في إرادة أصل العدالة ، لا العدالة المقيّدة (١) بالزمان الماضي ، وإن كان ظرفه (٢) في الواقع ظرف اليقين ، لكن لم يلاحظه على وجه التقييد ، فيكون الشكّ فيما بعد هذا الزمان ، متعلّقا بنفس ذلك المتيقّن مجرّدا عن ذلك التقييد ، ظاهرا في تحقّق أصل العدالة في زمان الشكّ ، فينطبق على الاستصحاب ، فافهم (٣).

فالإنصاف (٤) : أنّ الرواية ـ سيّما بملاحظة (٥) قوله عليه‌السلام : «فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» (٦) ، و (٧) بملاحظة ما سبق في الصحاح من قوله : «لا ينقض اليقين بالشكّ» حيث إنّ ظاهره مساوقته لها ـ ظاهرة في الاستصحاب (٨) ، ويبعد حملها على المعنى الذي (٩) ذكرنا.

__________________

(١) في غير (ص): «المتقيّدة».

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب : «ظرفها» ؛ لرجوع الضمير إلى العدالة.

(٣) لم ترد «اللهم إلاّ ـ إلى ـ فافهم» في (ظ).

(٤) في (ر) ، (ص) و (ظ) بدل «فالإنصاف» : «لكن الإنصاف».

(٥) لم ترد «الرواية سيّما بملاحظة» في (ص) و (ظ).

(٦) في (ر) و (ظ) بدل «فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» : «فإنّ اليقين لا ينقض بالشكّ».

(٧) لم ترد «و» في غير (ر).

(٨) لم ترد عبارتا «حيث إنّ» و «ظاهرة في الاستصحاب» في (ص) و (ظ).

(٩) في (ت) و (ه) بدل «المعنى الذي» : «بيان القاعدة التي».

٧٠

هذا (١) ، لكن سند الرواية ضعيف ب «القاسم بن يحيى» ؛ لتضعيف العلاّمة له في الخلاصة (٢) ، وإن ضعّف ذلك بعض (٣) باستناده إلى تضعيف ابن الغضائري ـ المعروف عدم قدحه ـ فتأمّل.

٦ ـ مكاتبة علي بن محمّد القاساني

ومنها : مكاتبة علي بن محمد القاساني : «قال : كتبت إليه ـ وأنا بالمدينة ـ (٤) عن اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان ، هل يصام أم لا؟ فكتب عليه‌السلام : اليقين لا يدخله الشكّ ، صم للرؤية وافطر للرؤية» (٥).

تقريب الاستدلال

فإنّ تفريع تحديد كلّ من الصوم والإفطار ـ برؤية هلالي رمضان وشوّال ـ على قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشكّ» لا يستقيم إلاّ بإرادة عدم جعل اليقين السابق مدخولا بالشكّ ، أي مزاحما به.

والإنصاف : أنّ هذه الرواية أظهر ما في هذا الباب من أخبار الاستصحاب ، إلاّ أنّ سندها غير سليم.

هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار المستدلّ بها للاستصحاب ، وقد عرفت عدم ظهور الصحيح منها (٦) ، وعدم صحّة الظاهر منها (٧) ؛ فلعلّ الاستدلال بالمجموع باعتبار التجابر والتعاضد.

__________________

(١) «هذا» من (ت) و (ه).

(٢) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال (رجال العلاّمة الحلّي) : ٣٨٩.

(٣) هو الوحيد البهبهاني في الحاشية على منهج المقال : ٢٦٤.

(٤) في (الوسائل) زيادة : «أسأله».

(٥) الوسائل ٧ : ١٨٤ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١٣.

(٦) وهي الصحاح الثلاثة لزرارة وموثّقة عمّار.

(٧) وهي روايتا الخصال ومكاتبة القاساني.

٧١

تأييد المختار بالأخبار الخاصّة

وربما يؤيّد ذلك بالأخبار الواردة في الموارد الخاصّة :

١ ـ رواية عبد الله بن سنان

مثل : رواية عبد الله بن سنان ـ الواردة فيمن يعير ثوبه الذمّيّ ، وهو يعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ـ : «قال : فهل عليّ أن أغسله؟ فقال عليه‌السلام : لا ؛ لأنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أنّه نجّسه» (١).

تقريب الاستدلال

وفيها دلالة واضحة على أنّ وجه البناء على الطهارة وعدم وجوب غسله ، هو سبق طهارته وعدم العلم بارتفاعها ، ولو كان المستند قاعدة الطهارة لم يكن معنى لتعليل الحكم بسبق الطهارة ؛ إذ الحكم في القاعدة مستند إلى نفس عدم العلم بالطهارة والنجاسة.

نعم ، الرواية مختصّة باستصحاب الطهارة دون غيرها ، ولا يبعد عدم القول بالفصل بينها وبين غيرها ممّا يشكّ في ارتفاعها بالرافع.

٢ ـ موثّقة عمّار

ومثل : قوله عليه‌السلام في موثّقة عمّار : «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» (٢).

بناء على أنّه مسوق لبيان استمرار طهارة كلّ شيء إلى أن يعلم حدوث قذارته ، لا ثبوتها له ظاهرا واستمرار هذا الثبوت إلى أن يعلم عدمها.

فالغاية ـ وهي العلم بالقذارة ـ على الأوّل ، غاية للطهارة رافعة لاستمرارها ، فكلّ شيء محكوم ظاهرا باستمرار طهارته إلى حصول

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٠٩٥ ، الباب ٧٤ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.

(٢) الوسائل ٢ : ١٠٥٤ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤ ، وفيه : «كلّ شيء نظيف ...».

٧٢

العلم بالقذارة ، فغاية الحكم غير مذكورة ولا مقصودة.

وعلى الثاني ، غاية للحكم بثبوتها ، والغاية ـ وهي العلم بعدم الطهارة ـ رافعة للحكم ، فكلّ شيء يستمرّ الحكم بطهارته إلى كذا ، فإذا حصلت الغاية انقطع الحكم بطهارته ، لا نفسها.

والأصل في ذلك : أنّ القضيّة المغيّاة ـ سواء كانت إخبارا عن الواقع وكانت الغاية قيدا للمحمول ، كما في قولنا : الثوب طاهر إلى أن يلاقي نجسا ، أم كانت ظاهريّة مغيّاة بالعلم بعدم المحمول ، كما في ما نحن فيه ـ قد يقصد المتكلّم مجرّد ثبوت المحمول للموضوع ظاهرا أو واقعا ، من غير ملاحظة كونه مسبوقا بثبوته له ، وقد يقصد المتكلّم به مجرّد الاستمرار ، لا أصل الثبوت ، بحيث يكون أصل الثبوت مفروغا عنه. والأوّل أعمّ من الثاني من حيث المورد.

معنى الموثّقة إمّا الاستصحاب أو قاعدة الطهارة

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ معنى الرواية :

إمّا أن يكون خصوص المعنى الثاني ، وهو القصد إلى بيان الاستمرار بعد الفراغ عن ثبوت أصل الطهارة ، فيكون دليلا على استصحاب الطهارة. لكنّه خلاف الظاهر.

وإمّا خصوص المعنى الأوّل الأعمّ منه ، وحينئذ لم يكن فيه دلالة على استصحاب الطهارة وإن شمل مورده ؛ لأنّ (١) الحكم فيما علم طهارته ولم يعلم طروّ القذارة له ليس من حيث سبق طهارته ، بل باعتبار مجرّد كونه مشكوك الطهارة ، فالرواية تفيد قاعدة الطهارة حتّى في مسبوق الطهارة ، لا استصحابها ، بل تجري في مسبوق النجاسة على أقوى

__________________

(١) في (ه) ، (ظ) و (ر) بدل «لأنّ» : «إلاّ أنّ».

٧٣

الوجهين الآتيين في باب معارضة الاستصحاب للقاعدة.

ثمّ لا فرق في مفاد الرواية ، بين الموضوع الخارجي الذي يشكّ في طهارته من حيث الشبهة في حكم نوعه ، وبين الموضوع الخارجي المشكوك طهارته من حيث اشتباه الموضوع الخارجي.

فعلم ممّا ذكرنا : أنّه لا وجه لما ذكره صاحب القوانين : من امتناع إرادة المعاني الثلاثة من الرواية (١) ـ أعني : قاعدة الطهارة في الشبهة الحكميّة ، وفي الشبهة الموضوعيّة ، واستصحاب الطهارة ـ ؛ إذ لا مانع عن إرادة الجامع بين الأوّلين ، أعني : قاعدة الطهارة في الشبهة الحكميّة والموضوعيّة.

عدم إمكان إرادة القاعدة والاستصحاب معا من الموثّقة

نعم ، إرادة القاعدة والاستصحاب معا يوجب استعمال اللفظ في معنيين ؛ لما عرفت (٢) أنّ المقصود في القاعدة مجرّد إثبات الطهارة في المشكوك ، وفي الاستصحاب خصوص إبقائها في معلوم الطهارة سابقا ، والجامع بينهما غير موجود ، فيلزم ما ذكرنا. والفرق بينهما ظاهر ، نظير الفرق بين قاعدة البراءة واستصحابها ، ولا جامع بينهما (٣).

وقد خفي ذلك على بعض المعاصرين (٤) ، فزعم جواز إرادة القاعدة والاستصحاب معا ، وأنكر ذلك على صاحب القوانين فقال :

__________________

(١) القوانين ٢ : ٦٠.

(٢) في الصفحة السابقة.

(٣) في (ظ) بدل «فيلزم ـ إلى ـ ولا جامع بينهما» : «وقد تفطّن للزوم هذا الاستعمال صاحب القوانين».

(٤) هو صاحب الفصول.

٧٤

كلام صاحب الفصول في جواز إرادة كليهما منها

إنّ الرواية تدلّ على أصلين :

أحدهما : أنّ الحكم الأوّلي للأشياء ظاهرا هي الطهارة مع عدم العلم بالنجاسة ، وهذا لا تعلّق له بمسألة الاستصحاب.

الثاني : أنّ هذا الحكم مستمرّ إلى زمن العلم بالنجاسة ، وهذا من موارد الاستصحاب وجزئيّاته (١) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول

أقول : ليت شعري ما المشار إليه بقوله : «هذا الحكم مستمرّ إلى زمن العلم بالنجاسة»؟

فإن كان هو الحكم المستفاد من الأصل الأوّلي ، فليس استمراره ظاهرا ولا واقعا مغيّا بزمان العلم بالنجاسة ، بل هو مستمرّ إلى زمن نسخ هذا الحكم في الشريعة ، مع أنّ قوله : «حتّى تعلم» إذا جعل من توابع الحكم الأوّل الذي هو الموضوع للحكم الثاني ، فمن أين يصير الثاني مغيّا به؟! إذ لا يعقل كون شيء في استعمال واحد غاية لحكم ولحكم آخر يكون الحكم الأوّل المغيّا موضوعا له.

وإن كان هو الحكم الواقعيّ المعلوم ـ يعني أنّ الطهارة إذا ثبتت واقعا في زمان ، فهو مستمرّ في الظاهر إلى زمن العلم بالنجاسة ـ فيكون الكلام مسوقا لبيان الاستمرار الظاهريّ فيما علم ثبوت الطهارة له واقعا في زمان ، فأين هذا من بيان قاعدة الطهارة من حيث هي للشيء المشكوك من حيث هو مشكوك؟!

ومنشأ الاشتباه في هذا المقام : ملاحظة عموم القاعدة لمورد الاستصحاب ، فيتخيّل أنّ الرواية تدلّ على الاستصحاب ، وقد عرفت (٢) :

__________________

(١) الفصول : ٣٧٣.

(٢) راجع الصفحة ٧٣.

٧٥

أنّ دلالة الرواية على طهارة مستصحب الطهارة غير دلالتها على اعتبار استصحاب الطهارة ، وإلاّ فقد أشرنا (١) إلى أنّ القاعدة تشمل مستصحب النجاسة أيضا ، كما سيجيء.

ونظير ذلك ما صنعه صاحب الوافية ؛ حيث ذكر روايات «أصالة الحلّ» الواردة في مشتبه الحكم أو الموضوع في هذا المقام (٢).

ثمّ على هذا ، كان ينبغي ذكر أدلّة أصالة البراءة ؛ لأنّها أيضا متصادقة مع الاستصحاب من حيث المورد.

فالتحقيق : أنّ الاستصحاب ـ من حيث هو ـ مخالف للقواعد الثلاث : البراءة ، والحلّ ، والطهارة ، وإن تصادقت مواردها.

الظاهر إرادة القاعدة

فثبت من جميع ما ذكرنا : أنّ المتعيّن حمل الرواية المذكورة على أحد المعنيين ، والظاهر إرادة القاعدة ـ نظير قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء لك حلال» (٣) ـ ؛ لأنّ حمله على الاستصحاب وحمل الكلام على إرادة خصوص الاستمرار فيما علم طهارته سابقا خلاف الظاهر ؛ إذ ظاهر الجملة الخبريّة إثبات أصل المحمول للموضوع ، لا إثبات استمراره في مورد الفراغ عن ثبوت أصله.

نعم ، قوله : «حتّى تعلم» يدلّ على استمرار المغيّا ، لكن المغيّا به الحكم بالطهارة ، يعني : هذا الحكم الظاهري مستمرّ له إلى كذا ، لا أنّ الطهارة الواقعيّة المفروغ عنها مستمرّة ظاهرا إلى زمن العلم.

__________________

(١) راجع الصفحة ٧٣.

(٢) الوافية : ٢٠٧.

(٣) الوسائل ١٧ : ٩١ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ٢.

٧٦

٣ ـ الرواية الثالثة

ومنها : قوله عليه‌السلام : «الماء كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه نجس» (١). وهو وإن كان متّحدا مع الخبر السابق (٢) من حيث الحكم والغاية (٣) إلاّ أنّ الاشتباه في الماء من غير جهة عروض النجاسة للماء غير متحقّق غالبا ، فالأولى حملها على إرادة الاستصحاب ، والمعنى : أنّ الماء المعلوم طهارته بحسب أصل الخلقة طاهر حتّى تعلم ... ، أي : تستمرّ طهارته المفروضة إلى حين العلم بعروض القذارة له ، سواء كان الاشتباه وعدم العلم من جهة الاشتباه في الحكم ، كالقليل الملاقي للنجس والبئر ، أم كان من جهة الاشتباه في الأمر الخارجيّ ، كالشكّ في ملاقاته للنجاسة أو نجاسة ملاقيه.

٤ ـ الرواية الرابعة

ومنها : قوله عليه‌السلام : «إذا استيقنت أنّك توضّأت فإيّاك أن تحدث وضوءا ، حتّى تستيقن أنّك أحدثت» (٤).

ودلالته على استصحاب الطهارة ظاهرة.

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٠٠ ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٥ ، وفيه : «حتّى يعلم».

(٢) أي موثّقة عمّار المتقدّمة في الصفحة ٧٢.

(٣) في (ت) و (ه) زيادة : «فتكون ظاهرة في إرادة القاعدة كما عرفت».

(٤) التهذيب ١ : ١٠٢ ، الحديث ٢٦٨.

٧٧

[اختصاص الأخبار بالشكّ في الرافع](١)

ثمّ إنّ اختصاص ما عدا الأخبار العامّة بالقول المختار واضح.

وأمّا الأخبار العامّة ، فالمعروف بين المتأخّرين الاستدلال بها على حجّية الاستصحاب في جميع الموارد (٢).

تأمّل المحقّق الخوانساري في الاستدلال بالأخبار على الحجّية مطلقا

وفيه تأمّل ، قد فتح بابه المحقّق الخوانساري في شرح الدروس (٣).

توضيحه : أنّ حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتّصاليّة ، كما في نقض الحبل.

والأقرب إليه ـ على تقدير مجازيّته ـ هو رفع الأمر الثابت (٤).

وقد يطلق على مطلق رفع اليد عن الشيء ـ ولو لعدم المقتضي له ـ بعد أن كان آخذا به ، فالمراد من «النقض» عدم الاستمرار عليه والبناء على عدمه بعد وجوده (٥).

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) انظر الرسائل الاصوليّة : ٤٤٣ ، والقوانين ٢ : ٥٢.

(٣) مشارق الشموس : ٧٦.

(٤) في (ص) زيادة : «كما في نواقض الطهارة ، والأقرب إليه رفع ما له مقتضى الثبوت». وفي (ظ) بدل عبارة «هو رفع الهيئة ـ إلى ـ الأمر الثابت» هكذا : «هو رفع الأمر الثابت كما في نواقض الطهارة والأقرب إليه دفع الأمر الغير الثابت ومنع مقتضيه وهو المسمّى بالمانع».

(٥) لم ترد «والبناء على عدمه بعد وجوده» في (ظ).

٧٨

إذا عرفت هذا ، فنقول : إنّ الأمر يدور :

بين أن يراد ب «النقض» مطلق ترك العمل وترتيب الأثر ـ وهو المعنى الثالث (١) ـ ويبقى المنقوض عامّا لكلّ يقين.

وبين أن يراد من النقض ظاهره ـ وهو المعنى الثاني (٢) ـ فيختصّ متعلّقه بما من شأنه الاستمرار والاتّصال (٣) ، المختصّ بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى.

ولا يخفى (٤) رجحان هذا على الأوّل ؛ لأنّ الفعل الخاصّ يصير مخصّصا لمتعلّقه العامّ ، كما في قول القائل : لا تضرب أحدا ؛ فإنّ الضرب قرينة على اختصاص العامّ بالأحياء ، ولا يكون عمومه للأموات (٥) قرينة على إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات.

المراد من «نقض اليقين»

ثمّ لا يتوهّم الاحتياج حينئذ إلى تصرّف في اليقين بإرادة المتيقّن منه ؛ لأنّ التصرّف لازم على كلّ حال ؛ فإنّ النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه لا يتعلّق بنفس اليقين على كلّ تقدير ، بل المراد : نقض ما كان على يقين منه ـ وهو الطهارة السابقة ـ أو أحكام اليقين.

والمراد ب «أحكام اليقين» ليس أحكام نفس وصف اليقين ؛ إذ لو فرضنا حكما شرعيّا محمولا على نفس صفة اليقين ارتفع بالشكّ قطعا ،

__________________

(١) في نسخة بدل (ص): «الرابع».

(٢) في (ظ): «الأوّل» ، وفي نسخة بدل (ص): «الثالث».

(٣) «الاتّصال» من (ت) و (ه).

(٤) في (ص) بدل «لا يخفى» : «والظاهر».

(٥) لم ترد «للأموات» في (ظ).

٧٩

كمن نذر فعلا في مدّة اليقين بحياة زيد.

بل المراد : أحكام المتيقّن المثبتة له من جهة اليقين ، وهذه الأحكام كنفس المتيقّن أيضا لها استمرار شأنيّ لا يرتفع إلاّ بالرافع ؛ فإنّ جواز الدخول في الصلاة بالطهارة أمر مستمرّ إلى أن يحدث ناقضها.

وكيف كان ، فالمراد : إمّا نقض المتيقّن ، والمراد به رفع اليد عن مقتضاه ، وإمّا نقض أحكام اليقين ـ أي الثابتة للمتيقّن من جهة اليقين به ـ والمراد حينئذ رفع اليد عنها.

ويمكن أن يستفاد من بعض الأمارات إرادة المعنى الثالث (١) ، مثل :

قوله عليه‌السلام : «بل ينقض الشكّ باليقين» (٢).

وقوله عليه‌السلام : «ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات» (٣).

وقوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشكّ ، صم للرؤية وأفطر للرؤية» (٤) ، فإنّ مورده استصحاب بقاء رمضان ، والشكّ فيه ليس شكّا في الرافع ، كما لا يخفى.

وقوله عليه‌السلام في رواية الأربعمائة : «من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه ، فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ» (٥).

وقوله : «إذا شككت فابن على اليقين» (٦).

__________________

(١) في نسخة بدل (ص): «الرابع».

(٢ و ٣) تقدّم في الصفحة ٦٢ ، ضمن صحيحة زرارة الثالثة.

(٤) تقدّم في الصفحة ٧١ ، ضمن مكاتبة القاساني.

(٥) تقدّم الحديث في الصفحة ٦٨.

(٦) تقدّم الحديث في الصفحة ٦٦.

٨٠