فرائد الأصول - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-04-4
الصفحات: ٤٣٩

كان بولا لمأكول (١) ليس من أصالة الطهارة بعد عدم جريان الاستصحاب ، بل هو من الدليل ، نظير استفادة نجاسة بول المأكول إذا صار بولا لغير مأكول.

ومن الثالث : استحالة العذرة (٢) أو الدّهن المتنجّس دخانا ، والمنيّ حيوانا. ولو نوقش في بعض الأمثلة المذكورة ، فالمثال غير عزيز على المتتبّع المتأمّل.

معنى قولهم : «الأحكام تدور مدار الأسماء»

وممّا ذكرنا يظهر أنّ معنى قولهم «الأحكام تدور مدار الأسماء» ، أنّها تدور مدار أسماء موضوعاتها التي هي المعيار في وجودها وعدمها ، فإذا قال الشارع : العنب حلال ، فإن ثبت كون الموضوع هو مسمّى هذا الاسم ، دار الحكم مداره ، فينتفي عند صيرورته زبيبا ، أمّا إذا علم من العرف أو غيره أنّ الموضوع هو الكلّيّ الموجود في العنب المشترك بينه وبين الزبيب ، أو بينهما وبين العصير ، دار الحكم مداره أيضا.

نعم ، يبقى دعوى : أنّ ظاهر اللفظ في مثل القضيّة المذكورة كون الموضوع هو العنوان ، وتقوّم الحكم به ، المستلزم لانتفائه بانتفائه.

لكنّك عرفت : أنّ العناوين مختلفة ، والأحكام أيضا مختلفة (٣) ، وقد تقدّم حكاية بقاء نجاسة الخنزير المستحيل ملحا عن أكثر أهل العلم ، واختيار الفاضلين له (٤).

__________________

(١) في (ظ): «بول المأكول».

(٢) في (ص) ونسخة بدل (ت) زيادة : «دودا».

(٣) راجع أوّل الصفحة السابقة.

(٤) لم تتقدم حكاية ذلك عن أهل العلم. نعم ، نسبه إلى أكثر أهل العلم في المنتهى ٣ : ٢٨٧.

٣٠١

ودعوى : احتياج استفادة غير ما ذكر من ظاهر اللفظ إلى القرينة الخارجيّة ، وإلاّ فظاهر اللفظ كون القضيّة ما دام الوصف العنوانيّ ، لا تضرّنا فيما نحن بصدده ؛ لأنّ المقصود مراعاة العرف في تشخيص الموضوع وعدم الاقتصار في ذلك على ما يقتضيه العقل على وجه الدقّة ، ولا على ما يقتضيه الدليل اللفظيّ إذا كان العرف بالنسبة إلى القضيّة الخاصّة على خلافه.

وحينئذ ، فيستقيم أن يراد من قولهم : «إنّ الأحكام تدور مدار الأسماء» أنّ مقتضى ظاهر دليل الحكم تبعيّة ذلك الحكم لاسم الموضوع الذي علّق عليه الحكم في ظاهر الدليل ، فيراد من هذه القضيّة تأسيس أصل ، قد يعدل عنه بقرينة فهم العرف أو غيره ، فافهم.

[الأمر الثاني](١)

٢ ـ اشتراط الشكّ في البقاء

الأمر الثاني ممّا يعتبر في تحقّق الاستصحاب : أن يكون في حال الشكّ متيقّنا بوجود المستصحب في السابق ، حتّى يكون شكّه في البقاء.

فلو كان الشكّ في تحقّق نفس ما تيقّنه سابقا ـ كأن تيقّن عدالة زيد في زمان ، كيوم الجمعة مثلا ، ثمّ شكّ في نفس هذا المتيقّن ، وهو عدالته يوم الجمعة ، بأن زال مدرك اعتقاده السابق ، فشكّ في مطابقته للواقع ، أو كونه جهلا مركّبا ـ لم يكن هذا من مورد الاستصحاب لغة ، ولا اصطلاحا.

__________________

(١) العنوان منّا.

٣٠٢

الدليل على اعتبار هذا الشرط

أمّا الأوّل ، فلأنّ الاستصحاب ـ لغة ـ أخذ الشيء مصاحبا ، فلا بدّ من إحراز ذلك الشيء (١) حتّى يأخذه مصاحبا ، فإذا شكّ في حدوثه من أصله فلا استصحاب.

وأمّا اصطلاحا ، فلأنّهم اتّفقوا على أخذ الشكّ في البقاء ـ أو ما يؤدّي هذا المعنى ـ في معنى الاستصحاب.

قاعدة اليقين والشكّ الساري

نعم ، لو ثبت أنّ الشكّ بعد اليقين بهذا المعنى ملغى في نظر الشارع ، فهي قاعدة اخرى مباينة للاستصحاب ، سنتكلّم فيها (٢) بعد دفع توهّم من توهّم أنّ أدلّة الاستصحاب تشملها ، وأنّ مدلولها لا يختصّ بالشكّ في البقاء ، بل الشكّ بعد اليقين ملغى مطلقا (٣) ، سواء تعلّق بنفس ما تيقّنه سابقا ، أم ببقائه.

وأوّل من صرّح بذلك الفاضل السبزواري ـ في الذخيرة ـ في مسألة من شكّ في بعض أفعال الوضوء ، حيث قال :

تصريح الفاضل السبزواري بأنّ أدلّة الاستصحاب تشمل قاعدة «اليقين»

والتحقيق : أنّه إن فرغ من الوضوء متيقّنا للإكمال ، ثمّ عرض له الشكّ ، فالظاهر عدم وجوب إعادة شيء ؛ لصحيحة زرارة : «ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ» (٤) ، انتهى.

ولعلّه قدس‌سره ، تفطّن له من كلام الحلّيّ في السرائر ، حيث استدلّ على المسألة المذكورة : بأنّه لا يخرج عن حال الطهارة إلاّ على يقين من

__________________

(١) «الشيء» من (ص).

(٢) انظر الصفحة ٣١٠ ـ ٣١٣.

(٣) لم ترد «مطلقا» في (ظ).

(٤) الذخيرة : ٤٤.

٣٠٣

كمالها ، وليس ينقض الشكّ اليقين (١) ، انتهى.

لكن هذا التعبير من الحلّيّ لا يلزم أن يكون استفاده من أخبار عدم نقض اليقين بالشكّ. ويقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء (٢).

لكنّ التعبير لا يلزم دعوى شمول الأخبار للقاعدتين ، على ما توهّمه غير واحد من المعاصرين (٣) ، وإن اختلفوا بين مدّع لانصرافها إلى خصوص الاستصحاب (٤) ، وبين منكر له عامل بعمومها (٥).

دفع التوهّم المذكور وتوضيح مناط قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين

وتوضيح دفعه : أنّ المناط في القاعدتين مختلف بحيث لا يجمعهما مناط واحد ؛ فإنّ مناط الاستصحاب هو اتّحاد متعلّق الشكّ واليقين مع قطع النظر عن الزمان ؛ لتعلّق الشكّ ببقاء ما تيقّن سابقا ، ولازمه كون القضيّة المتيقّنة ـ أعني عدالة زيد يوم الجمعة ـ متيقّنة حين الشكّ أيضا من غير جهة الزمان. ومناط هذه القاعدة اتّحاد متعلّقيهما من جهة الزمان ، ومعناه كونه في الزمان اللاحق شاكّا فيما تيقّنه سابقا بوصف

__________________

(١) السرائر ١ : ١٠٤.

(٢) انظر فقه الرضا : ٧٩ ، والمقنعة : ٤٩ ، والنهاية : ١٧ ، والغنية : ٦١.

(٣) مثل شريف العلماء في تقريرات درسه في ضوابط الاصول : ٣٧١ ، والسيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٦٥٧ ، والفاضل الدربندي في خزائن الاصول ، الورقة ٨٥ ، من فنّ الاستصحاب.

(٤) كشريف العلماء والسيّد المجاهد ، وفي (ظ) بدل «خصوص الاستصحاب» : «غيره».

(٥) كالفاضل الدربندي وكذا المحقّق السبزواري.

٣٠٤

وجوده في السابق.

فإلغاء الشكّ في القاعدة الاولى عبارة عن الحكم ببقاء المتيقّن سابقا ـ حيث إنّه متيقّن ـ من غير تعرّض لحال حدوثه ، وفي القاعدة الثانية هو الحكم بحدوث ما تيقّن حدوثه من غير تعرّض لحكم بقائه ، فقد يكون بقاؤه معلوما أو معلوم العدم أو مشكوكا.

عدم إرادة القاعدتين من قوله عليه‌السلام : «فليمض على يقينه»

واختلاف مؤدّى القاعدتين (١) ، وإن لم يمنع من إرادتهما من كلام واحد ـ بأن يقول الشارع : إذا حصل بعد اليقين بشيء شكّ له تعلّق بذلك الشيء (٢) فلا عبرة به ، سواء تعلّق ببقائه أو بحدوثه ، واحكم بالبقاء في الأوّل ، وبالحدوث في الثاني ـ إلاّ أنّه مانع عن إرادتهما (٣) من قوله عليه‌السلام : «فليمض على يقينه» (٤) ؛ فإنّ المضيّ على اليقين السابق ـ المفروض تحقّقه في القاعدتين ـ أعني عدالة زيد يوم الجمعة ، بمعنى الحكم بعدالته في ذلك اليوم من غير تعرّض لعدالته فيما بعده ـ كما هو مفاد القاعدة الثانية ـ يغاير المضيّ عليه بمعنى عدالته بعد يوم الجمعة من غير تعرّض لحال يوم الجمعة ـ كما هو مفاد قاعدة الاستصحاب ـ فلا يصحّ إرادة المعنيين منه.

__________________

(١) في (ظ) بدل «القاعدتين» : «الإبقاءين».

(٢) في (ظ) بدل «بعد اليقين ـ إلى ـ الشيء» : «الشكّ بعد اليقين» ، وفي (ص) بدلها : «شكّ بعد يقين».

(٣) في (ص) ، (ه) و (ت) زيادة : «في هذا المقام».

(٤) المستدرك ١ : ٢٢٨ ، الباب الأوّل من أبواب نواقض الوضوء ، ضمن الحديث ٤.

٣٠٥

فإن قلت : إنّ معنى المضيّ على اليقين عدم التوقّف من أجل الشكّ العارض وفرض الشكّ كعدمه ، وهذا يختلف باختلاف متعلّق الشكّ ، فالمضيّ مع الشكّ في الحدوث بمعنى الحكم بالحدوث ، ومع الشكّ في البقاء بمعنى الحكم به.

قلت : لا ريب في اتّحاد متعلّقي الشكّ واليقين وكون المراد المضيّ على ذلك اليقين المتعلّق بما تعلّق به الشكّ ، والمفروض أنّه ليس في السابق إلاّ يقين واحد ، وهو اليقين بعدالة زيد ، والشكّ فيها (١) ليس له (٢) هنا (٣) فردان يتعلّق أحدهما بالحدوث والآخر بالبقاء.

وبعبارة اخرى : عموم أفراد اليقين باعتبار الامور الواقعيّة ، كعدالة زيد وفسق عمرو ، لا باعتبار تعدّد (٤) ملاحظة اليقين بشيء (٥) واحد ، حتّى ينحلّ اليقين بعدالة زيد إلى فردين يتعلّق بكلّ منهما شكّ (٦).

وحينئذ ، فإن اعتبر المتكلّم في كلامه الشكّ في هذا المتيقّن من دون تقييده بيوم الجمعة ، فالمضيّ على هذا اليقين عبارة عن الحكم باستمرار هذا المتيقّن ، وإن اعتبر الشكّ فيه مقيّدا بذلك اليوم ، فالمضيّ

__________________

(١) في (ه) و (ر) زيادة : «و».

(٢) لم ترد «له» في (ه).

(٣) لم ترد «هنا» في (ص).

(٤) «تعدّد» من (ت) و (ه).

(٥) في (ه): «لشيء».

(٦) لم ترد «وبعبارة اخرى ـ إلى ـ بكلّ منهما شكّ» في (ر) و (ظ) ، وورد بدلها : «بل المراد الشكّ في نفس ما تيقّن».

٣٠٦

على ذلك المتيقّن الذي تعلّق به الشكّ عبارة عن الحكم بحدوثه من غير تعرّض للبقاء ، كأنّه قال : من كان على يقين من عدالة زيد يوم الجمعة فشكّ فيها ، فليمض على يقينه السابق (١).

عدم إرادة القاعدتين من سائر الأخبار أيضا

وقس على هذا سائر الأخبار الدالّة على عدم نقض اليقين بالشكّ ، فإنّ الظاهر اتحاد متعلّق الشكّ واليقين ، فلا بدّ أن يلاحظ المتيقّن والمشكوك غير مقيّدين بالزمان ، وإلاّ لم يجز (٢) استصحابه ، كما تقدّم في ردّ شبهة من قال بتعارض الوجود والعدم في شيء واحد (٣).

والمفروض في القاعدة الثانية كون الشكّ متعلّقا بالمتيقّن السابق

__________________

(١) كتب في (ص) على «كأنّه قال ـ إلى ـ السابق» : «نسخة» ، وكتب عليها في (ه): «نسخة بدل».

ـ وفي (ت) ونسخة بدل (ه) زيادة : «يعني ترتيب آثار عدالة زيد فيه ، فالمضيّ على عدالة زيد وترتيب آثاره ، يكون تارة بالحكم بعدالته في الزمان اللاحق ، واخرى بالحكم بعدالته في ذلك الزمان المتيقّن ، وهذان لا يجتمعان في الإرادة».

ـ وفي (آ) زيادة ما يلي : «وإن أردت توضيح الحال ، فافرض أنّه قال : من كان على يقين من عدالة زيد يوم الجمعة فشك فيها فليمض على يقينه السابق ، والمعنى : أنّ من كان على يقين من شيء وشك في ذلك الشيء فليمض على يقينه بذلك الشيء. فإن اعتبر اليقين السابق متعلّقا بعدالة زيد من دون تقييدها بيوم الجمعة ، فالشك اللاحق فيها بهذا الاعتبار شكّ في بقائها ، وإن اعتبر متعلّقا بعدالة زيد مقيّدة بيوم الجمعة ، فالشكّ فيها بهذه الملاحظة شكّ في حدوثها».

(٢) في (ظ) بدل «يجز» : «يجر».

(٣) راجع الصفحة ٢١٠.

٣٠٧

بوصف وجوده في الزمان السابق. ومن المعلوم عدم جواز إرادة الاعتبارين من اليقين والشكّ في تلك الأخبار (١).

ودعوى : أنّ اليقين بكلّ من الاعتبارين فرد من اليقين ، وكذلك الشكّ المتعلّق فرد من الشكّ ، فكلّ فرد لا ينقض بشكّه.

مدفوعة : بما تقدّم (٢) ، من أنّ (٣) تعدّد اللحاظ والاعتبار في المتيقّن السابق ، بأخذه تارة مقيّدا بالزمان السابق واخرى بأخذه مطلقا ، لا يوجب تعدّد أفراد اليقين. وليس اليقين بتحقّق مطلق العدالة في يوم الجمعة واليقين بعدالته المقيّدة بيوم الجمعة فردين من اليقين تحت عموم الخبر ، بل الخبر بمثابة أن يقال : من كان على يقين من عدالة زيد أو فسقه أو غيرهما من حالاته فشكّ فيه ، فليمض على يقينه بذلك ، فافهم (٤).

اختصاص مدلول الأخبار بقاعدة الاستصحاب

ثمّ إذا ثبت عدم جواز إرادة المعنيين ، فلا بدّ أن يخصّ (٥) مدلولها بقاعدة الاستصحاب ؛ لورودها في موارد تلك القاعدة ، كالشكّ في الطهارة من الحدث والخبث ، ودخول هلال شهر رمضان أو شوّال.

هذا كلّه ، لو اريد من القاعدة الثانية إثبات نفس المتيقّن عند

__________________

(١) في (ص) كتب على «والمفروض ـ إلى ـ تلك الأخبار» : «زائد» ، وفي (ه) : «نسخة بدل».

(٢) راجع الصفحة ٣٠٦.

(٣) في (ر) و (ظ) بدل «بما تقدّم من أنّ» : «بأن».

(٤) في (ر) و (ص) زيادة : «فإنّه لا يخلو عن دقّة».

(٥) في (ر) ، (ظ) ، (ه) ونسخة بدل (ص): «يختصّ».

٣٠٨

الشكّ ، وهي عدالة زيد في يوم الجمعة مثلا.

أمّا لو اريد منها إثبات عدالته من (١) يوم الجمعة مستمرّة إلى زمان الشكّ وما بعده إلى اليقين بطروء الفسق ، فيلزم استعمال الكلام في معنيين ، حتّى لو اريد منه القاعدة الثانية فقط ، كما لا يخفى (٢) ؛ لأنّ الشكّ في عدالة زيد يوم الجمعة غير الشكّ في استمرارها إلى الزمان اللاحق (٣). وقد تقدّم نظير ذلك في قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» (٤).

ثمّ لو سلّمنا دلالة الروايات على ما يشمل القاعدتين ، لزم حصول التعارض في مدلول الرواية المسقط له عن الاستدلال به على القاعدة الثانية ؛ لأنّه إذا شكّ في ما تيقّن سابقا ، أعني عدالة زيد في يوم الجمعة ، فهذا الشكّ معارض لفردين من اليقين ، أحدهما : اليقين بعدالته المقيّدة بيوم الجمعة ، الثاني : اليقين بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة ، فتدلّ بمقتضى القاعدة الثانية على عدم نقض اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة باحتمال انتفائها في ذلك الزمان ، وبمقتضى قاعدة الاستصحاب على عدم نقض اليقين بعدم عدالته قبل الجمعة باحتمال حدوثها في الجمعة ، فكلّ من طرفي الشكّ معارض لفرد من اليقين.

ودعوى : أنّ اليقين السابق على الجمعة قد انتقض باليقين في الجمعة ،

__________________

(١) لم ترد «من» في (ت) و (ه).

(٢) في (ر) بدل «حتّى لو ـ إلى ـ لا يخفى» : «أيضا».

(٣) في (ظ) زيادة : «فافهم».

(٤) راجع الصفحة ٧٣ ـ ٧٤.

٣٠٩

والقاعدة الثانية تثبت وجوب اعتبار هذا اليقين الناقض لليقين السابق.

مدفوعة : بأنّ الشكّ الطارئ في عدالة زيد يوم الجمعة وعدمها ، عين الشكّ في انتقاض ذلك اليقين السابق. واحتمال انتقاضه وعدمه معارضان لليقين بالعدالة وعدمها ، فلا يجوز لنا الحكم بالانتقاض ولا بعدمه.

ثمّ إنّ هذا من باب التنزّل والمماشاة ، وإلاّ فالتحقيق ما ذكرناه : من منع الشمول بالتقريب المتقدّم (١) ، مضافا إلى ما ربما يدّعى : من ظهور الأخبار في الشكّ في البقاء (٢).

[قاعدة اليقين](٣)

هل يوجد مدرك لقاعدة «اليقين» غير هذه الأخبار؟

بقي الكلام في وجود مدرك للقاعدة الثانية غير عموم (٤) هذه الأخبار (٥) ، فنقول : إنّ المطلوب من تلك القاعدة :

إمّا أن يكون إثبات حدوث المشكوك فيه وبقائه مستمرّا إلى اليقين بارتفاعه.

وإمّا أن يكون مجرّد حدوثه في الزمان السابق بدون إثباته بعده ،

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٠٤.

(٢) هذه الدعوى من شريف العلماء في تقريرات درسه في ضوابط الاصول : ٣٧١ ، وكذا السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٦٥٧.

(٣) العنوان منّا.

(٤) لم ترد «عموم» في (ر) و (ظ).

(٥) في (ت) و (ه) زيادة : «لها».

٣١٠

بأن يراد إثبات عدالة زيد في يوم الجمعة فقط.

وإمّا أن يراد مجرّد إمضاء الآثار التي ترتّبت عليها (١) سابقا وصحّة الأعمال الماضية المتفرّعة عليه ، فإذا تيقّن الطهارة سابقا وصلّى بها ثمّ شكّ في طهارته في ذلك الزمان ، فصلاته ماضية.

لو اريد من القاعدة إثبات الحدوث والبقاء معا

فإن اريد الأوّل ، فالظاهر عدم دليل يدلّ عليه ؛ إذ قد عرفت (٢) أنّه لو سلّم اختصاص الأخبار المعتبرة لليقين السابق بهذه القاعدة ، لم يمكن أن يراد منها إثبات حدوث العدالة وبقائها ؛ لأنّ لكلّ من الحدوث والبقاء شكّا مستقلاّ. نعم ، لو فرض القطع ببقائها على تقدير الحدوث ، أمكن أن يقال : إنّه إذا ثبت حدوث العدالة بهذه القاعدة ثبت بقاؤها ؛ للعلم ببقائها على تقدير الحدوث. لكنّه لا يتمّ إلاّ على الأصل المثبت ، فهو تقدير على تقدير.

عدم صحّة الاستدلال بأدلّة عدم الاعتناء بالشكّ بعد تجاوز المحلّ

وربما يتوهّم : الاستدلال لإثبات هذا المطلب بما دلّ على عدم الاعتناء بالشكّ في الشيء بعد تجاوز محلّه.

لكنّه فاسد ؛ لأنّه على تقدير الدلالة لا يدلّ على استمرار المشكوك ؛ لأنّ الشكّ في الاستمرار ليس شكّا بعد تجاوز المحلّ.

ضعف الاستدلال بأصالة الصحّة في الاعتقاد

وأضعف منه : الاستدلال له بما سيجيء (٣) ، من دعوى أصالة الصحّة في اعتقاد المسلم ، مع أنّه كالأوّل في عدم إثباته الاستمرار.

وكيف كان ، فلا مدرك لهذه القاعدة بهذا المعنى.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «عليه».

(٢) راجع الصفحة ٣٠٦ ـ ٣٠٨.

(٣) انظر الصفحة ٣٨٣.

٣١١

تفصيل كاشف الغطاء

وربما فصّل بعض الأساطين (١) : بين ما إذا علم مدرك الاعتقاد بعد زواله وأنّه غير قابل للاستناد إليه ، وبين ما إذا لم يذكره ، كما إذا علم أنّه اعتقد في زمان بطهارة ثوبه أو نجاسته ، ثمّ غاب المستند وغفل زمانا ، فشكّ في طهارته ونجاسته فيبني على معتقده هنا ، لا في الصورة الاولى.

لو اريد من القاعدة إثبات مجرّد الحدوث

وهو وإن كان أجود من الإطلاق ، لكن إتمامه بالدليل مشكل.

وإن اريد بها الثاني ، فلا مدرك له بعد عدم دلالة أخبار الاستصحاب ، إلاّ ما تقدّم : من أخبار عدم الاعتناء بالشكّ بعد تجاوز المحلّ. لكنّها لو تمّت فإنّما تنفع في الآثار المترتّبة عليه سابقا ، فلا يثبت بها إلاّ صحّة ما ترتّب عليها (٢) ، وأمّا إثبات نفس ما اعتقده سابقا ، حتّى يترتّب عليه بعد ذلك الآثار المترتّبة على عدالة زيد يوم الجمعة وطهارة ثوبه في الوقت السابق فلا ، فضلا عن إثبات مقارناته الغير الشرعيّة ، مثل كونها على تقدير الحدوث باقية.

لو اريد منها مجرّد إمضاء الآثار المترتّبة سابقا

وإن اريد بها الثالث ، فله وجه ؛ بناء على تماميّة قاعدة «الشكّ بعد الفراغ وتجاوز المحلّ» ، فإذا صلّى بالطهارة المعتقدة ، ثمّ شكّ في صحّة اعتقاده وكونه متطهّرا في ذلك الزمان ، بنى على صحّة الصلاة ، لكنّه ليس من جهة اعتبار الاعتقاد السابق ؛ ولذا لو فرض في السابق غافلا غير معتقد بشيء من الطهارة والحدث بنى على الصحّة أيضا ؛ من جهة أنّ الشكّ في الصلاة بعد الفراغ منها لا اعتبار به على المشهور بين

__________________

(١) هو كاشف الغطاء في كشف الغطاء : ١٠٢.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب : «عليه» ، كما لا يخفى.

٣١٢

الأصحاب ، خلافا لجماعة من متأخّري المتأخّرين ، كصاحب المدارك (١) وكاشف اللثام (٢) ، حيث منعا البناء على صحّة الطواف إذا شكّ بعد الفراغ في كونه مع الطهارة. والظاهر ـ كما يظهر من الأخير ـ أنّهم يمنعون القاعدة المذكورة في غير أجزاء العمل.

ولعلّ بعض الكلام في ذلك سيجيء في مسألة أصالة الصحّة في الأفعال (٣) ، إن شاء الله.

حاصل الكلام في المسألة

وحاصل الكلام في هذا المقام ، هو أنّه : إذا اعتقد المكلّف قصورا أو تقصيرا بشيء في زمان ـ موضوعا كان أو حكما ، اجتهاديّا أو تقليديّا ـ ثمّ زال اعتقاده ، فلا ينفع اعتقاده السابق في ترتّب آثار المعتقد ، بل يرجع بعد زوال الاعتقاد إلى ما يقتضيه الاصول بالنسبة إلى نفس المعتقد ، وإلى الآثار المترتبة عليه سابقا أو لاحقا.

[الأمر](٤) الثالث

٢ ـ اشتراط عدم العلم بالبقاء أو الارتفاع

أن يكون كلّ من بقاء ما احرز حدوثه سابقا وارتفاعه غير معلوم ، فلو علم أحدهما فلا استصحاب.

وهذا مع العلم بالبقاء أو الارتفاع واقعا من دليل قطعيّ واقعيّ واضح ، وإنّما الكلام فيما أقامه الشارع مقام العلم بالواقع ؛ فإنّ الشكّ

__________________

(١) انظر المدارك ٨ : ١٤١.

(٢) انظر كشف اللثام ٥ : ٤١١.

(٣) انظر الصفحة ٣٣٩.

(٤) الزيادة منّا.

٣١٣

الواقعيّ في البقاء والارتفاع لا يزول معه ، ولا ريب في العمل به دون الحالة السابقة.

حكومة الأدلّة الاجتهاديّة على أدلّة الاستصحاب

لكنّ الشأن في أنّ العمل به من باب تخصيص أدلّة الاستصحاب ، أو من باب التخصّص؟ الظاهر أنّه من باب حكومة أدلّة تلك الامور على أدلّة الاستصحاب ، وليس تخصيصا بمعنى رفع اليد عن عموم أدلّة الاستصحاب في بعض موارده (١) ، كما ترفع اليد عنها في مسألة الشكّ بين الثلاث والأربع ونحوها ، بما دلّ على وجوب البناء على الأكثر (٢) ، ولا تخصّصا بمعنى خروج المورد بمجرّد وجود الدليل عن مورد الاستصحاب ؛ لأنّ هذا مختصّ بالدليل العلميّ المزيل وجوده للشكّ المأخوذ في مجرى الاستصحاب.

معنى الحكومة :

ومعنى الحكومة ـ على ما سيجيء في باب التعادل والتراجيح (٣) ـ : أن يحكم الشارع في ضمن دليل بوجوب رفع اليد عمّا يقتضيه الدليل الآخر لو لا هذا الدليل الحاكم ، أو بوجوب العمل في مورد بحكم لا يقتضيه دليله لو لا الدليل الحاكم (٤) ، وسيجيء توضيحه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في (ر) و (ظ): «الموارد».

(٢) لم ترد «كما ترفع ـ إلى ـ الأكثر» في (ظ).

(٣) انظر مبحث التعادل والتراجيح ٤ : ١٣.

(٤) في (ظ) زيادة ما يلي : «وحاصله : تنزيل شيء خارج عن موضوع دليل منزلة ذلك الموضوع في ترتيب أحكامه عليه ، أو داخل في موضوعه منزلة الخارج منه في عدم ترتيب أحكامه عليه» ، وكتب عليها في (ص): «نسخة» ، وورد في (ظ) أيضا بعد ذلك زيادة وهي : «وقد اجتمع كلا الاعتبارين في حكومة الأدلّة الغير العمليّة على الاستصحاب ، مثلا : إذا قال الشارع ...».

٣١٤

ففي ما نحن فيه (١) ، إذا قال الشارع : «اعمل بالبيّنة في نجاسة ثوبك» ـ والمفروض أنّ الشكّ موجود مع قيام البيّنة على نجاسة الثوب ـ فإنّ الشارع حكم في دليل وجوب العمل بالبيّنة ، برفع اليد عن آثار الاحتمال المخالف للبيّنة ، التي منها استصحاب الطهارة (٢).

احتمال أن يكون العمل بالأدلّة في مقابل الاستصحاب من باب التخصّص

وربما يجعل العمل بالأدلّة في مقابل الاستصحاب من باب التخصّص (٣) ؛ بناء على أنّ المراد من «الشكّ» عدم الدليل والطريق ، والتحيّر في العمل ، ومع قيام الدليل الاجتهاديّ لا حيرة. وإن شئت قلت (٤) : إنّ المفروض دليلا قطعيّ الاعتبار ؛ فنقض الحالة السابقة به نقض باليقين.

ضعف هذا الاحتمال

وفيه : أنّه لا يرتفع التحيّر ولا يصير الدليل الاجتهاديّ قطعيّ الاعتبار في خصوص مورد الاستصحاب إلاّ بعد إثبات كون مؤدّاه حاكما على مؤدّى الاستصحاب ، وإلاّ أمكن أن يقال : إنّ مؤدّى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها ،

__________________

(١) لم ترد «وسيجيء ـ إلى ـ ما نحن فيه» في (ظ).

(٢) وردت في (ظ) بدل عبارة «حكم في ـ إلى ـ الطهارة» ما يلي : «جعل الاحتمال المطابق للبيّنة بمنزلة اليقين الذي ينتقض به اليقين السابق ، وجعل أيضا الاحتمال المخالف للبيّنة كالمعدوم ، فكأنّه لا شكّ حتّى يرجع فيه إلى الاستصحاب ، فكأنّه قال : لا يحكم على هذا الشكّ بحكمه المقرّر في قاعدة الاستصحاب ، وافرضه كالعدم».

(٣) كذا في (ت) و (ه) ، وفي غيره : «التخصيص».

(٤) في (ت) و (ه) زيادة : «المراد به عدم اليقين الظاهري فإنّ ...» ، لكن في (ت) بدل «الظاهري» : «الظاهر».

٣١٥

سواء كان هناك الأمارة الفلانيّة أم لا ، ومؤدّى دليل تلك الأمارة وجوب العمل بمؤدّاه (١) ، خالف الحالة السابقة أم لا.

ولا يندفع مغالطة هذا الكلام ، إلاّ بما ذكرنا من طريق الحكومة ، كما لا يخفى.

المسامحة فيما جعله الفاضل التوني من شرائط الاستصحاب

وكيف كان ، فجعل بعضهم (٢) عدم الدليل الاجتهادي على خلاف الحالة السابقة من شرائط العمل بالاستصحاب ، لا يخلو عن مسامحة ؛ لأنّ مرجع ذلك بظاهره إلى عدم المعارض لعموم «لا تنقض» ، كما في مسألة البناء على الأكثر ، لكنّه ليس مراد هذا المشترط قطعا ، بل مراده عدم الدليل على ارتفاع الحالة السابقة.

ما أورده المحقّق القمّي على الفاضل التوني والمناقشة فيه

ولعلّ (٣) ما أورده عليه المحقّق القمي قدس‌سره ـ من أنّ الاستصحاب أيضا أحد الأدلّة ، فقد يرجّح عليه الدليل ، وقد يرجّح على الدليل ، وقد لا يرجّح أحدهما على الآخر ، قال قدس‌سره : ولذا ذكر بعضهم (٤) في مال المفقود : أنّه في حكم ماله حتّى يحصل العلم العادي بموته ؛ استصحابا لحياته (٥) ، مع وجود الروايات المعتبرة (٦) المعمول بها عند بعضهم ، بل

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «بمؤدّاها» ، لرجوع الضمير إلى «الأمارة».

(٢) هو الفاضل التوني في الوافية : ٢٠٨.

(٣) لم ترد «لأنّ مرجع ـ إلى ـ ولعلّ» في (ظ) ، وورد بدلها : «وإن أمكن توجيهه بما يرجع إلى ما ذكرنا ، وأمّا ما أورده ...».

(٤) في المصدر : «جمهور المتأخّرين».

(٥) انظر مفتاح الكرامة ٨ : ٩٢.

(٦) الوسائل ١٧ : ٥٨٣ و ٥٨٥ ، الباب ٦ من أبواب ميراث الخنثى ، الحديث ٥ و ٩.

٣١٦

عند جمع من المحقّقين (١) ، الدالّة على وجوب الفحص أربع سنين (٢) ـ مبنيّ على ظاهر كلامه : من إرادة العمل بعموم «لا تنقض».

وأمّا على ما جزمنا به (٣) ـ من أنّ مراده عدم ما يدلّ علما أو ظنّا على ارتفاع الحالة السابقة ـ فلا وجه لورود ذلك (٤) ؛ لأنّ الاستصحاب إن اخذ من باب التعبّد ، فقد عرفت (٥) حكومة أدلّة جميع الأمارات الاجتهاديّة على دليله ، وإن اخذ من باب الظنّ ، فالظاهر أنّه لا تأمّل لأحد في أنّ المأخوذ في إفادته للظنّ عدم وجود أمارة في مورده على خلافه ؛ ولذا ذكر العضديّ في دليله (٦) : أنّ ما كان سابقا ولم يظنّ عدمه فهو مظنون البقاء (٧).

__________________

(١) انظر مفتاح الكرامة ٨ : ٩٢.

(٢) القوانين ٢ : ٧٥.

(٣) في الصفحة السابقة.

(٤) لم ترد «مبنيّ على ـ إلى ـ لورود ذلك» في (ظ) ، وورد بدلها : «فلا يعرف له وجه ورود ولذلك».

(٥) راجع الصفحة ٣١٤.

(٦) شرح مختصر الاصول ٢ : ٤٥٣.

(٧) لم ترد «ولذا ذكر ـ إلى ـ مظنون البقاء» في (ر) ، وكتب عليها في (ص) : «نسخة بدل».

وفي (ت) ، (ه) وحاشيتي (ص) و (ظ) زيادة : «ونظيره في الأمارات الاجتهادية (الغلبة) فإنّ إلحاق الشيء بالأعمّ الأغلب إنّما يكون غالبا إذا لم تكن أمارة في موردها على الخلاف ، لكنّها أيضا واردة على الاستصحاب ، كما يعرف بالوجدان عند المتتبّع في الشرعيّات والعرفيّات».

٣١٧

ولما ذكرنا لم نر أحدا من العلماء قدّم الاستصحاب على أمارة مخالفة له مع اعترافه بحجّيّتها لو لا الاستصحاب ، لا في الأحكام ولا في الموضوعات.

وأمّا ما استشهد به قدس‌سره ـ من عمل بعض الأصحاب بالاستصحاب في مال المفقود ، وطرح ما دلّ على وجوب الفحص أربع سنين والحكم بموته بعده ـ فلا دخل له بما نحن فيه ؛ لأنّ تلك الأخبار ليست أدلّة في مقابل استصحاب حياة المفقود ، وإنّما المقابل له قيام دليل معتبر (١) على موته ، وهذه الأخبار على تقدير تماميّتها مخصّصة لعموم أدلّة الاستصحاب ، دالّة على وجوب البناء على موت المفقود (٢) بعد الفحص ، نظير ما دلّ على وجوب البناء على الأكثر مع الشكّ في عدد الركعات ، فمن عمل بها خصّص بها عمومات الاستصحاب ، ومن طرحها ـ لقصور فيها ـ بقي أدلّة الاستصحاب عنده على عمومها.

المراد من «الأدلّة الاجتهاديّة» و «الاصول»

ثمّ المراد بالدليل الاجتهاديّ : كلّ أمارة اعتبرها الشارع من حيث إنّها تحكي عن الواقع وتكشف عنه بالقوّة ، وتسمّى في نفس الأحكام «أدلّة اجتهاديّة» وفي الموضوعات «أمارات معتبرة» ، فما كان ممّا نصبه الشارع غير ناظر إلى الواقع ، أو كان ناظرا لكن فرض أنّ الشارع اعتبره لا من هذه الحيثيّة ، بل من حيث مجرّد احتمال مطابقته للواقع ، فليس اجتهاديّا ، بل (٣) هو من الاصول ، وإن كان مقدّما على

__________________

(١) في نسخة بدل (ص) زيادة : «كالبيّنة».

(٢) لم ترد «وإنّما المقابل ـ إلى ـ موت المفقود» في (ظ).

(٣) في غير (ص) بدل «بل» : «و».

٣١٨

بعض الاصول الأخر. والظاهر أنّ الاستصحاب والقرعة من هذا القبيل.

ومصاديق الأدلّة والأمارات في الأحكام والموضوعات واضحة غالبا.

تردّد الشيء بين كونه دليلا أو أصلا

وقد يختفي (١) ، فيتردّد الشيء بين كونه دليلا وبين كونه أصلا ؛ لاختفاء كون اعتباره من حيث كونه ناظرا إلى الواقع ، أو من حيث هو ، كما في اليد المنصوبة دليلا على الملك ، وكذلك أصالة الصحّة عند الشكّ في عمل نفسه بعد الفراغ ، وأصالة الصحّة في عمل الغير.

وقد يعلم عدم كونه ناظرا إلى الواقع وكاشفا عنه وأنّه من القواعد التعبّديّة ، لكن يختفي حكومته مع ذلك على الاستصحاب ؛ لأنّا قد ذكرنا : أنّه قد يكون الشيء الغير الكاشف منصوبا من حيث تنزيل الشارع الاحتمال المطابق له منزلة الواقع ، إلاّ أنّ الاختفاء في تقديم أحد التنزيلين على الآخر وحكومته عليه.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «تختفي» لرجوع الضمير إلى مصاديق.

٣١٩

[تعارض الاستصحاب مع سائر الأمارات والاصول](١)

تعارض الاستصحاب مع غيره

ثمّ إنّه لا ريب في تقديم الاستصحاب على الاصول الثلاثة ، أعني : البراءة ، والاحتياط ، والتخيير. إلاّ أنّه قد يختفي وجهه على المبتدي (٢) ، فلا بدّ من التكلّم هنا في مقامات :

الأوّل : في عدم معارضة الاستصحاب لبعض الأمارات التي يتراءى كونها من الاصول ، كاليد ونحوها.

الثاني : في حكم معارضة الاستصحاب للقرعة ونحوها.

الثالث : في عدم معارضة سائر الاصول للاستصحاب.

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) في (ظ) زيادة : «فلا بدّ من إيضاح وجهه».

٣٢٠