فرائد الأصول - ج ٣

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-04-4
الصفحات: ٤٣٩

وكذلك أصالة الإباحة في الحكم التخييريّ ، إلاّ إذا كان الحكم فيما بعد الغاية تكليفا منجّزا يجب فيه الاحتياط.

فعلم ممّا ذكرنا : أنّ ما ذكره من الوجه الأوّل الراجع إلى وجوب تحصيل الامتثال لا يجري إلاّ في قليل من الصور المتصوّرة في المسألة ، ومع ذلك فلا يخفى أنّ إثبات الحكم في زمان الشكّ بقاعدة الاحتياط كما في الاقتضائيّ ، أو قاعدة الإباحة والبراءة كما في الحكم التخييريّ ، ليس قولا بالاستصحاب المختلف فيه أصلا ؛ لأنّ مرجعه إلى أنّ إثبات الحكم في الزمان الثاني يحتاج إلى دليل يدلّ عليه ولو كان أصالة الاحتياط أو البراءة ، وهذا عين إنكار الاستصحاب ؛ لأنّ المنكر (١) يرجع إلى اصول أخر ، فلا حاجة إلى تطويل الكلام وتغيير اسلوب كلام المنكرين في هذا المقام.

* * *

توجيه ما ذكره المحقق الخوانساري في الحكم التخييري

بقي الكلام في توجيه ما ذكره : من أنّ الأمر في الحكم التخييريّ أظهر ، ولعلّ الوجه فيه : أنّ الحكم بالتخيير في زمان الشكّ في وجود الغاية مطابق لأصالة الإباحة الثابتة بالعقل والنقل ، كما أنّ الحكم بالبقاء في الحكم الاقتضائيّ كان مطابقا لأصالة الاحتياط الثابتة في المقام بالعقل والنقل.

توجيه المحقّق القمّي

وقد وجّه المحقّق القمّي قدس‌سره إلحاق الحكم التخييريّ بالاقتضائيّ : بأنّ مقتضى التخيير إلى غاية وجوب الاعتقاد بثبوته في كلّ جزء ممّا

__________________

(١) في مصحّحة (ص) زيادة : «للاستصحاب لا بدّ أن» ، وفي (ظ) بدل «لأنّ المنكر» : «فالمنكر».

١٨١

قبل الغاية ، ولا يحصل اليقين بالبراءة من التكليف باعتقاد التخيير عند الشكّ في حدوث الغاية ، إلاّ بالحكم بالإباحة واعتقادها في هذا الزمان أيضا (١).

المناقشة في توجيه المحقّق القمّي

وفيه : أنّه إن اريد وجوب الاعتقاد بكون الحكم المذكور ثابتا إلى الغاية المعيّنة ، فهذا الاعتقاد موجود ولو بعد القطع بتحقّق الغاية فضلا عن صورة الشكّ فيه ؛ فإنّ هذا اعتقاد بالحكم الشرعيّ الكلّي ، ووجوبه غير مغيّا بغاية ؛ فإنّ الغاية غاية للمعتقد لا لوجوب الاعتقاد.

وإن اريد وجوب الاعتقاد بذلك الحكم التخييريّ في كلّ جزء من الزمان الذي يكون في الواقع ممّا قبل الغاية وإن لم يكن معلوما عندنا ، ففيه : أنّ وجوب الاعتقاد في هذا الجزء المشكوك بكون الحكم فيه هو الحكم الأوّليّ أو غيره ممنوع جدّا ، بل الكلام في جوازه ؛ لأنّه معارض بوجوب الاعتقاد بالحكم الآخر الذي ثبت فيما بعد الغاية واقعا وإن لم يكن معلوما ، بل لا يعقل وجوب الاعتقاد مع الشكّ في الموضوع ، كما لا يخفى.

ولعلّ هذا الموجّه قدس‌سره قد وجد عبارة شرح الدروس في نسخته ـ كما وجدته (٢) في بعض نسخ شرح الوافية ـ هكذا (٣) : «وأمّا على الثاني فالأمر كذلك» كما لا يخفى ، لكنّي راجعت بعض نسخ شرح الدروس

__________________

(١) القوانين ٢ : ٦٧.

(٢) وهو كذلك في نسختنا من شرح الوافية أيضا ، انظر شرح الوافية (مخطوط) : ٣٣٤.

(٣) «هكذا» من نسخة بدل (ص).

١٨٢

فوجدت لفظ «أظهر» بدل «كذلك» (١) ، وحينئذ فظاهره مقابلة وجه الحكم بالبقاء في التخيير بوجه الحكم بالبقاء في الاقتضاء ، فلا وجه لإرجاع أحدهما إلى الآخر.

والعجب من بعض المعاصرين (٢) : حيث أخذ التوجيه المذكور عن القوانين ، ونسبه إلى المحقّق الخوانساريّ ، فقال :

حجّة المحقّق الخوانساريّ أمران : الأخبار ، وأصالة الاشتغال. ثمّ أخذ في إجراء أصالة الاشتغال في الحكم التخييريّ بما وجّهه في القوانين ، ثمّ أخذ في الطعن عليه.

وأنت خبير : بأنّ الطعن في التوجيه ، لا في حجّة المحقّق ، بل لا طعن في التوجيه أيضا ؛ لأنّ غلط النسخة ألجأه إليه.

ما أورده السيد الصدر على المحقق الخوانساري

هذا ، وقد أورد عليه السيّد الشارح : بجريان ما ذكره من قاعدة وجوب تحصيل الامتثال في استصحاب القوم (٣) ، قال :

بيانه : أنّا كما نجزم ـ في الصورة التي فرضها ـ بتحقّق الحكم في قطعة من الزمان ، ونشكّ أيضا ـ حين القطع ـ في تحقّقه في زمان يكون حدوث الغاية فيه وعدمه متساويين عندنا ، فكذلك نجزم بتحقّق الحكم في زمان لا يمكن تحقّقه إلاّ فيه ، ونشكّ ـ حين القطع ـ في تحقّقه في زمان متّصل بذلك الزمان ؛ لاحتمال وجود رافع لجزء من أجزاء علّة الوجود ، وكما أنّ في الصورة الاولى يكون الدليل محتملا لأن يراد منه

__________________

(١) وهكذا فيما بأيدينا من نسخة مشارق الشموس : ٧٦.

(٢) هو صاحب الفصول في الفصول : ٣٧٥.

(٣) في (ص) زيادة : «أيضا».

١٨٣

وجود الحكم في زمان الشكّ وأن يراد عدم وجوده ، فكذلك الدليل في الصورة التي فرضناها ، وحينئذ فنقول : لو لم يمتثل المكلّف (١) لم يحصل الظنّ بالامتثال ... إلى آخر ما ذكره (٢) ، انتهى.

المناقشة في الإيراد

أقول : وهذا الإيراد ساقط عن المحقّق ؛ لعدم جريان قاعدة الاشتغال في غير الصورة التي فرضها المحقّق ، مثلا : إذا ثبت وجوب الصوم في الجملة ، وشككنا في أنّ غايته سقوط القرص أو ميل الحمرة المشرقيّة ، فاللازم حينئذ ـ على ما صرّح به المحقّق المذكور في عدّة مواضع من كلماته ـ الرجوع في نفي الزائد ، وهو وجوب الإمساك بعد سقوط القرص ، إلى أصالة البراءة ؛ لعدم ثبوت التكليف بإمساك أزيد من المقدار المعلوم ، فيرجع إلى مسألة الشكّ في الجزئيّة ، فلا يمكن أن يقال : إنّه لو لم يمتثل التكليف لم يحصل الظنّ بالامتثال ؛ لأنّه إن اريد امتثال التكليف المعلوم فقد حصل قطعا ، وإن اريد امتثال التكليف المحتمل فتحصيله غير لازم.

وهذا بخلاف فرض المحقّق ؛ فإنّ التكليف بالإمساك ـ إلى السقوط على القول به أو ميل الحمرة على القول الآخر ـ معلوم مبيّن ، وإنّما الشكّ في الإتيان به عند الشكّ في حدوث الغاية. فالفرق بين مورد استصحابه ومورد استصحاب القوم ، كالفرق بين الشكّ في إتيان الجزء المعلوم الجزئيّة والشكّ في جزئيّة شيء ، وقد تقرّر في محلّه جريان أصالة الاحتياط في الأوّل دون الثاني (٣).

__________________

(١) في المصدر بدل «المكلّف» : «التكليف المذكور».

(٢) شرح الوافية (مخطوط) : ٣٣٧.

(٣) راجع مبحث الاشتغال ٢ : ٣١٧.

١٨٤

وقس على ذلك سائر موارد استصحاب القوم ، كما لو ثبت أنّ للحكم غاية وشككنا في كون شيء آخر أيضا غاية له ، فإنّ المرجع في الشكّ في ثبوت الحكم بعد تحقّق ما شكّ في كونه غاية عند المحقّق الخوانساريّ قدس‌سره هي أصالة البراءة دون الاحتياط.

رجوع إلى كلام المحقق الخوانساري

قوله (١) : «الظاهر أنّ المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ أنّه عند التعارض لا ينقض ، ومعنى التعارض أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ».

أقول : ظاهر هذا الكلام جعل تعارض اليقين والشكّ باعتبار تعارض المقتضي لليقين ونفس الشكّ ، على أن يكون الشكّ مانعا عن اليقين ، فيكون من قبيل تعارض المقتضي للشيء والمانع عنه. والظاهر أنّ المراد بالموجب في كلامه دليل اليقين السابق ، وهو الدالّ على استمرار حكم إلى غاية معيّنة.

وحينئذ فيرد عليه ـ مضافا إلى أنّ التعارض الذي استظهره من لفظ «النقض» لا بدّ أن يلاحظ بالنسبة إلى الناقض ونفس المنقوض ، لا مقتضيه الموجب له لو لا الناقض ـ : أنّ نقض اليقين بالشكّ ـ بعد صرفه عن ظاهره ، وهو نقض صفة اليقين أو أحكامه الثابتة له من حيث هي صفة من الصفات ؛ لارتفاع (٢) اليقين وأحكامه الثابتة له من حيث هو حين الشكّ قطعا ـ ظاهر في نقض أحكام اليقين ، يعني : الأحكام الثابتة باعتباره للمتيقّن أعني المستصحب ، فيلاحظ التعارض حينئذ بين

__________________

(١) أي قول المحقّق الخوانساري المتقدّم في الصفحة ١٧١.

(٢) في حاشية (ص) بدل «لارتفاع» : «ضرورة ارتفاع».

١٨٥

المنقوض والناقض ، واللازم من ذلك اختصاص الأخبار بما يكون المتيقّن وأحكامه ممّا يقتضي بنفسه الاستمرار لو لا الرافع ، فلا ينقض تلك الأحكام بمجرّد الشكّ في الرافع ، سواء كان الشكّ في وجود الرافع أو في رافعيّة الموجود. وبين هذا وما ذكره المحقّق (١) تباين جزئيّ.

ثمّ إنّ تعارض المقتضي لليقين ونفس الشكّ لم يكد يتصوّر فيما نحن فيه ؛ لأنّ اليقين بالمستصحب ـ كوجوب الإمساك في الزمان السابق ـ كان حاصلا من اليقين بمقدّمتين : صغرى وجدانيّة ، وهي «أنّ هذا الآن لم يدخل الليل» ، وكبرى مستفادة من دليل استمرار الحكم إلى غاية معيّنة ، وهي «وجوب الإمساك قبل أن يدخل الليل» و (٢) المراد بالشكّ زوال اليقين بالصغرى ، وهو ليس من قبيل المانع عن اليقين ، والكبرى من قبيل المقتضي له ، حتّى يكونا من قبيل المتعارضين ، بل نسبة اليقين إلى المقدّمتين على نهج سواء ، كلّ منهما من قبيل جزء المقتضي له.

والحاصل : أنّ ملاحظة النقض بالنسبة إلى الشكّ وأحكام المتيقّن الثابتة لأجل اليقين أولى من ملاحظته بالنسبة إلى الشكّ ودليل اليقين.

وأمّا توجيه كلام المحقّق : بأن يراد من موجب اليقين دليل

__________________

(١) أي المحقّق الخوانساري.

(٢) ورد في (ظ) ونسخة بدل (ص) زيادة : «معلوم أنّ شيئا من المقدّمتين لا اقتضاء فيه لوجوب الإمساك في زمان الشكّ لو خلّي وطبعه حتّى يكون الشكّ من قبيل المانع عنه ، مع أنّ».

١٨٦

المستصحب وهو عموم الحكم المغيّا ، ومن الشكّ احتمال الغاية (١) التي (٢) من مخصّصات العامّ ، فالمراد عدم نقض عموم دليل المستصحب بمجرّد الشكّ في المخصّص.

فمدفوع : بأنّ نقض العامّ باحتمال التخصيص إنّما يتصوّر في الشكّ في أصل التخصيص ، ومعه يتمسّك بعموم الدليل لا بالاستصحاب ، وأمّا مع اليقين بالتخصيص والشكّ في تحقّق المخصّص المتيقّن ـ كما في ما نحن فيه ـ فلا مقتضي للحكم العامّ حتّى يتصوّر نقضه ؛ لأنّ العامّ المخصّص لا اقتضاء فيه لثبوت الحكم في مورد الشكّ في تحقّق المخصّص ، خصوصا في مثل التخصيص بالغاية.

والحاصل : أنّ المقتضي والمانع في باب العامّ والخاصّ هو لفظ العامّ والمخصّص ، فإذا احرز المقتضي وشكّ في وجود المخصّص يحكم بعدمه عملا بظاهر العامّ ، وإذا علم بالتخصيص وخروج اللفظ عن ظاهر العموم ثمّ شكّ في صدق المخصّص على شيء ، فنسبة دليلي العموم والتخصيص إليه على السواء من حيث الاقتضاء.

هذا كلّه ، مع أنّ ما ذكره في معنى «النقض» لا يستقيم في قوله عليه‌السلام في ذيل الصحيحة (٣) : «ولكن ينقضه بيقين آخر» ، وقوله عليه‌السلام في الصحيحة المتقدّمة (٤) الواردة في الشكّ بين الثلاث والأربع : «ولكن

__________________

(١) في (ص) شطب على «الغاية» ، وكتب فوقها : «غاية الشيء ، وهي».

(٢) في (ت) زيادة : «هي».

(٣) أي : صحيحة زرارة الاولى المتقدّمة في الصفحة ٥٥.

(٤) أي : صحيحة زرارة الثالثة المتقدّمة في الصفحة ٦٢.

١٨٧

ينقض الشكّ باليقين» ، بل ولا في صدرها المصرّح بعدم نقض اليقين بالشكّ ؛ فإنّ المستصحب في موردها : إمّا عدم فعل الزائد ، وإمّا عدم براءة الذمّة من الصلاة ـ كما تقدّم (١) ـ ، ومن المعلوم أنّه ليس في شيء منهما دليل يوجب اليقين لو لا الشكّ.

قوله (٢) ـ في جواب السؤال ـ : «قلت : فيه تفصيل ... إلى آخر الجواب».

أقول : إنّ النجاسة فيما ذكره من الفرض ـ أعني موضع الغائط ـ مستمرّة ، وثبت أنّ التمسّح بثلاثة أحجار مزيل لها ، وشكّ أنّ التمسّح بالحجر الواحد ذي الجهات مزيل أيضا أم لا؟ فإذا ثبت وجوب إزالة النجاسة ، والمفروض الشكّ في تحقّق الإزالة بالتمسّح بالحجر الواحد ذي الجهات ، فمقتضى دليله هو وجوب تحصيل اليقين أو الظنّ المعتبر بالزوال ، وفي مثل هذا المقام لا يجري أصالة البراءة ولا أدلّتها ؛ لعدم وجود القدر المتيقّن في المأمور به وهي الإزالة وإن كان ما يتحقّق به مردّدا بين الأقلّ والأكثر ، لكن هذا الترديد ليس في نفس المأمور به ، كما لا يخفى. نعم ، لو فرض أنّه لم يثبت الأمر بنفس الإزالة ، وإنّما ثبت بالتمسّح بثلاثة أحجار أو بالأعمّ منه ومن التمسّح بذي الجهات ، أمكن بل لم يبعد إجراء أصالة البراءة عمّا عدا الأعمّ.

والحاصل : أنّه فرق بين الأمر بإزالة النجاسة من الثوب ، المردّدة بين غسله مرّة أو مرّتين ، وبين الأمر بنفس الغسل المردّد بين المرّة

__________________

(١) راجع الصفحة ٦٢ ـ ٦٣.

(٢) المتقدّم في الصفحة ١٧١.

١٨٨

والمرّتين. والذي يعيّن كون مسألة التمسّح من قبيل الأوّل دون الثاني هو ما استفيد من أدلّة وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن (١) للصلاة ، مثل قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)(٢) ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّ بطهور» (٣) بناء على شمول الطهور ـ ولو بقرينة ذيله الدالّ على كفاية الأحجار من الاستنجاء ـ للطهارة الخبثيّة ، ومثل الإجماعات المنقولة على وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة.

وهذا المعنى وإن لم يدلّ عليه دليل صحيح السند والدلالة على وجه يرتضيه المحقّق المذكور (٤) ، بل ظاهر أكثر الأخبار الأمر بنفس الغسل ، إلاّ أنّ الإنصاف وجود الدليل على وجوب نفس الإزالة ، وأنّ الأمر بالغسل في الأخبار ليس لاعتباره بنفسه في الصلاة ، وإنّما هو أمر مقدّميّ لإزالة النجاسة ، مع أنّ كلام المحقّق المذكور لا يختصّ بالمثال الذي ذكره حتّى يناقش فيه.

وبما ذكرنا يظهر ما في قوله في جواب الاعتراض الثاني (٥) ـ بأنّ مسألة الاستنجاء من قبيل ما نحن فيه ـ ما لفظه : «غاية ما أجمعوا

__________________

(١) لم ترد «عن الثوب والبدن» في (ظ) و (ر).

(٢) المدّثّر : ٤.

(٣) الوسائل ١ : ٢٥٦ ، الباب الأول من أبواب الوضوء ، الحديث الأول.

(٤) في (ت) و (ظ) زيادة : «بعد ردّ روايتي ابن المغيرة وابن يعقوب» ، لكن شطب عليها في (ت).

(٥) المتقدّم في الصفحة ١٧٢.

١٨٩

عليه : أنّ التغوّط متى حصل لا يصحّ الصلاة بدون الماء والتمسّح رأسا ـ لا بالثلاث ولا بشعب الحجر الواحد ـ وهذا لا يستلزم الإجماع على ثبوت النجاسة حتّى يحصل شيء معيّن في الواقع مجهول عندنا قد اعتبره الشارع مطهّرا ... الخ» (١).

ويظهر ما في قوله جوابا عن الاعتراض الأخير (٢) : «إنّه لم يثبت الإجماع على وجوب شيء معيّن بحيث لو لم يأت بذلك الشيء لاستحقّ العقاب ... الخ» (٣).

وما في كلامه المحكيّ (٤) في حاشية شرحه على قول الشهيد قدس‌سره : «ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه ...».

أقوى الأقوال القول التاسع ، وبعده المشهور

وأنت إذا أحطت خبرا بما ذكرنا في أدلّة الأقوال ، علمت أنّ الأقوى منها القول التاسع ، وبعده القول المشهور ، والله العالم بحقائق الامور.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٢) المتقدّم في الصفحة ١٧٣.

(٣) تقدّم في الصفحة ١٧٣.

(٤) المتقدّم في الصفحة ١٧٥.

١٩٠

وينبغي التنبيه على امور :

وهي بين ما يتعلّق بالمتيقّن السابق ، وما يتعلّق بدليله الدالّ عليه ، وما يتعلّق بالشكّ اللاحق في بقائه.

الأوّل :

أقسام استصحاب الكلّي

أنّ المتيقّن السابق إذا كان كلّيّا في ضمن فرد (١) وشكّ في بقائه :

فإمّا أن يكون الشكّ من جهة الشكّ في بقاء ذلك الفرد.

وإمّا أن يكون من جهة الشكّ في تعيين ذلك الفرد وتردّده بين ما هو باق جزما وبين ما هو مرتفع كذلك.

وإمّا أن يكون من جهة الشكّ في وجود فرد آخر مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد.

جواز استصحاب الكلّي والفرد في القسم الأوّل

أمّا الأوّل ، فلا إشكال في جواز استصحاب الكلّيّ ونفس الفرد وترتيب أحكام كلّ منهما عليه.

جواز استصحاب الكلّي في القسم الثاني دون الفرد

وأمّا الثاني ، فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلّيّ مطلقا على المشهور (٢). نعم ، لا يتعيّن بذلك أحكام الفرد الباقي (٣).

__________________

(١) في (ر) ، (ص) و (ظ): «فرده».

(٢) نسبته إلى المشهور باعتبار أنّ من جملة أفراد الإطلاق في هذا القسم هو الشكّ في المقتضي ، والمصنّف لا يقول بحجيّة الاستصحاب فيه.

(٣) في (ت) و (ه) بدل «الباقي» : «الذي يستلزم بقاء الكلّي ذلك الفرد في الواقع».

١٩١

سواء كان الشكّ من جهة الرافع ، كما إذا علم بحدوث البول أو المنيّ ولم يعلم الحالة السابقة وجب (١) الجمع بين الطهارتين ، فإذا فعل إحداهما وشكّ في رفع الحدث فالأصل بقاؤه ، وإن كان الأصل عدم تحقّق الجنابة ، فيجوز له ما يحرم على الجنب.

أم كان الشكّ من جهة المقتضي ، كما لو تردّد من في الدار بين كونه حيوانا لا يعيش إلاّ سنة وكونه حيوانا يعيش مائة سنة ، فيجوز بعد السنة الاولى استصحاب الكلّيّ المشترك بين الحيوانين ، ويترتّب عليه آثاره الشرعيّة الثابتة دون آثار شيء من الخصوصيّتين ، بل يحكم بعدم كلّ منهما لو لم يكن مانع عن إجراء الأصلين ، كما في الشبهة المحصورة.

توهّم عدم جريان استصحاب الكلّي في هذا القسم ودفعه

وتوهّم : عدم جريان الأصل في القدر المشترك ؛ من حيث دورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء ، وما هو مشكوك الحدوث ، وهو (٢) محكوم بالانتفاء بحكم الأصل (٣).

مدفوع : بأنّه لا يقدح ذلك في استصحابه بعد فرض الشكّ في بقائه وارتفاعه ، إمّا لعدم استعداده وإمّا لوجود الرافع (٤).

توهّم آخر ودفعه

كاندفاع توهّم (٥) : كون الشكّ في بقائه مسبّبا عن الشكّ في

__________________

(١) في (ر) بدل «وجب» : «في» ، وفي حاشية التنكابني (٢ : ٦٩١): «وحينئذ يجب».

(٢) شطب في (ت) و (ه) على «هو».

(٣) لم ترد «وهو محكوم بالانتفاء بحكم الأصل» في (ظ).

(٤) لم ترد «إمّا لعدم استعداده وإمّا لوجود الرافع» في (ر).

(٥) في (ه) و (ت) بدل «كاندفاع توهّم» : «كتوهّم».

١٩٢

حدوث ذلك المشكوك الحدوث ، فإذا حكم بأصالة عدم حدوثه لزمه (١) ارتفاع القدر المشترك ؛ لأنّه من آثاره ؛ فإنّ ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون الحادث ذلك الأمر المقطوع الارتفاع ، لا من لوازم عدم حدوث الأمر الآخر. نعم ، اللازم من عدم حدوثه هو عدم وجود ما (٢) في ضمنه من القدر المشترك في الزمان الثاني ، لا ارتفاع القدر المشترك بين الأمرين ، وبينهما فرق واضح ؛ ولذا ذكرنا أنّه تترتّب عليه أحكام عدم وجود الجنابة في المثال المتقدّم.

ظاهر المحقّق القمّي عدم الجريان

ويظهر من المحقّق القمّي ; في القوانين ـ مع قوله بحجّيّة الاستصحاب على الإطلاق ـ عدم جواز إجراء الاستصحاب في هذا القسم ، ولم أتحقّق وجهه. قال :

إنّ الاستصحاب يتبع الموضوع وحكمه في مقدار قابليّة الامتداد وملاحظة الغلبة فيه ، فلا بدّ من التأمّل في أنّه كلّيّ أو جزئيّ ، فقد يكون الموضوع الثابت حكمه أوّلا مفهوما كلّيّا مردّدا بين امور ، وقد يكون جزئيّا حقيقيّا معيّنا ، وبذلك يتفاوت الحال ؛ إذ قد يختلف أفراد الكلّيّ في قابلية الامتداد ومقداره ، فالاستصحاب حينئذ ينصرف إلى أقلّها استعدادا للامتداد.

ثمّ ذكر حكاية تمسّك بعض أهل الكتاب لإثبات نبوّة نبيّه بالاستصحاب ، وردّ بعض معاصريه (٣) له بما لم يرتضه الكتابيّ ، ثمّ ردّه

__________________

(١) في (ت): «لزم».

(٢) في غير (ظ) زيادة : «هو».

(٣) سيجيء الاختلاف في تحقيق هذا البعض في الصفحة ٢٦٠.

١٩٣

بما ادّعى ابتناءه على ما ذكره من ملاحظة مقدار القابليّة.

ثمّ أوضح ذلك بمثال ، وهو : أنّا إذا علمنا أنّ في الدار حيوانا ، لكن لا نعلم أنّه أيّ نوع هو ، من الطيور أو البهائم أو الحشار أو الديدان؟ ثمّ غبنا عن ذلك مدّة ، فلا يمكن لنا الحكم ببقائه في مدّة يعيش فيها أطول الحيوان عمرا ، فإذا احتمل كون الحيوان الخاصّ في البيت عصفورا أو فأرة أو دود قزّ ، فكيف يحكم ـ بسبب العلم بالقدر المشترك ـ باستصحابها (١) إلى حصول زمان ظنّ بقاء أطول الحيوانات عمرا؟! قال : وبذلك بطل تمسّك الكتابيّ (٢) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده المحقق القمي

أقول : إنّ ملاحظة استعداد المستصحب واعتباره في الاستصحاب ـ مع أنّه مستلزم لاختصاص اعتبار الاستصحاب بالشكّ في الرافع ـ موجب لعدم انضباط الاستصحاب ؛ لعدم استقامة إرادة استعداده من حيث شخصه (٣) ، ولا أبعد الأجناس ، ولا أقرب الأصناف ، ولا ضابط لتعيين المتوسّط ، والإحالة على الظنّ الشخصيّ قد عرفت ما فيه سابقا (٤) ، مع أنّ اعتبار الاستصحاب عند هذا المحقّق لا يختصّ دليله بالظنّ ، كما اعترف به سابقا (٥) ، فلا مانع من استصحاب وجود الحيوان في الدار إذا ترتّب اثر شرعيّ على وجود مطلق الحيوان فيها.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «باستصحابه» لرجوع الضمير إلى الحيوان.

(٢) القوانين ٢ : ٦٩ ـ ٧٣.

(٣) كذا في (ظ) ، وفي غيره بدل «شخصه» : «تشخّصه».

(٤) راجع الصفحة ٨٧.

(٥) انظر القوانين ٢ : ٦٦.

١٩٤

ثمّ إنّ ما ذكره : من ابتناء جواب الكتابيّ على ما ذكره ، سيجيء ما فيه مفصّلا (١) إن شاء الله تعالى.

القسم الثالث من استصحاب الكلّي وفيه قسمان

وأمّا الثالث ـ وهو ما إذا كان الشكّ في بقاء الكلّيّ مستندا إلى احتمال وجود فرد آخر غير الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ـ فهو على قسمين ؛ لأنّ الفرد الآخر : إمّا أن يحتمل وجوده مع ذلك الفرد المعلوم حاله.

وإمّا أن (٢) يحتمل حدوثه بعده ، إمّا بتبدّله إليه وإمّا بمجرّد حدوثه مقارنا لارتفاع ذلك الفرد.

هل يجرى الاستصحاب في القسمين أو لا يجري في كليهما أو فيه تفصيل؟

وفي جريان استصحاب الكلّيّ في كلا القسمين ؛ نظرا إلى تيقّنه سابقا وعدم العلم بارتفاعه ، وإن علم بارتفاع بعض وجوداته وشكّ في حدوث ما عداه ؛ لأنّ ذلك مانع من إجراء الاستصحاب في الأفراد دون الكلّيّ ، كما تقدّم نظيره في القسم الثاني.

أو عدم جريانه فيهما ؛ لأنّ بقاء الكلّيّ في الخارج عبارة عن استمرار وجوده الخارجيّ (٣) المتيقّن سابقا ، وهو معلوم العدم ، وهذا هو الفارق بين ما نحن فيه والقسم الثاني ؛ حيث إنّ الباقي في الآن اللاحق بالاستصحاب (٤) هو عين الوجود (٥) المتيقّن سابقا.

__________________

(١) انظر الصفحة ٢٦٣.

(٢) «أن» من (ت).

(٣) في (ص) زيادة : «على نحو».

(٤) كتب في (ص) على «بالاستصحاب» : «زائد».

(٥) في (ت) بدل «الوجود» : «الموجود».

١٩٥

أو التفصيل بين القسمين ، فيجري في الأوّل ؛ لاحتمال كون الثابت في الآن اللاحق هو عين الموجود سابقا ، فيتردّد الكلّيّ المعلوم سابقا بين أن يكون وجوده الخارجيّ على نحو لا يرتفع بارتفاع (١) الفرد المعلوم ارتفاعه ، وأن يكون على نحو يرتفع بارتفاع ذلك الفرد ، فالشكّ حقيقة إنّما هو في مقدار استعداد ذلك الكلّيّ ، واستصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك لا يثبت تعيين استعداد الكلّيّ.

مختار المصنف هو التفصيل

وجوه ، أقواها الأخير.

استثناء مورد واحد من القسم الثاني

ويستثنى من عدم الجريان في القسم الثاني ، ما يتسامح فيه (٢) العرف فيعدّون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمرّ الواحد ، مثل : ما لو علم السواد الشديد في محلّ وشكّ في تبدّله بالبياض أو بسواد أضعف من الأوّل ، فإنّه يستصحب السواد. وكذا لو كان الشخص في مرتبة من كثرة الشكّ ، ثمّ شكّ ـ من جهة اشتباه المفهوم أو المصداق ـ في زوالها أو تبدّلها إلى مرتبة دونها. أو علم إضافة المائع ، ثمّ شكّ في زوالها أو تبدّلها إلى فرد آخر من المضاف.

العبرة في جريان الاستصحاب

وبالجملة : فالعبرة في جريان الاستصحاب عدّ الموجود السابق مستمرّا إلى اللاحق ، ولو كان الأمر اللاحق على تقدير وجوده مغايرا بحسب الدقّة للفرد السابق ؛ ولذا لا إشكال في استصحاب الأعراض ، حتّى على القول فيها بتجدّد الأمثال (٣). وسيأتي ما يوضح عدم ابتناء

__________________

(١) في (ه) ونسخة بدل (ص) زيادة : «ذلك».

(٢) في (ر) و (ه) بدل «فيه» : «في».

(٣) هو قول الأشاعرة : بأنّ شيئا من الأعراض لا يبقى زمانين ، انظر أنوار الملكوت في شرح الياقوت للعلاّمة الحلّي : ٢٧.

١٩٦

الاستصحاب على المداقّة العقليّة (١).

ثمّ إنّ للفاضل التونيّ كلاما يناسب المقام ـ مؤيّدا لبعض ما ذكرناه ـ وإن لم يخل بعضه عن النظر بل المنع. قال في ردّ تمسّك المشهور في نجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التذكية :

كلام الفاضل التوني تأييدا لبعض ما ذكرنا

إنّ عدم المذبوحيّة لازم لأمرين : الحياة ، والموت حتف الأنف. والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو ، بل ملزومه الثاني ، أعني : الموت حتف الأنف ، فعدم المذبوحيّة لازم أعمّ لموجب النجاسة ، فعدم المذبوحيّة اللازم (٢) للحياة مغاير لعدم المذبوحيّة العارض للموت حتف أنفه. والمعلوم ثبوته في الزمان السابق هو الأوّل لا الثاني ، وظاهر أنّه غير باق في الزمان الثاني ، ففي الحقيقة يخرج مثل هذه الصورة من الاستصحاب ؛ إذ شرطه بقاء الموضوع ، وعدمه هنا معلوم. قال :

وليس مثل المتمسّك بهذا الاستصحاب إلاّ مثل من تمسّك على وجود عمرو في الدار (٣) باستصحاب بقاء الضاحك المتحقّق بوجود زيد في الدار في الوقت الأوّل. وفساده غنيّ عن البيان (٤) ، انتهى.

بعض المناقشات فيما أفاد الفاضل التوني

أقول : ولقد أجاد فيما أفاد ، من عدم جواز الاستصحاب في المثال المذكور ونظيره ، إلاّ أنّ نظر المشهور ـ في تمسّكهم على النجاسة ـ إلى أنّ

__________________

(١) انظر الصفحة ٢٩٤ ـ ٣٠٢.

(٢) في المصدر بدل «اللازم» : «العارض».

(٣) في المصدر زيادة : «في الوقت الثاني».

(٤) الوافية : ٢١٠.

١٩٧

النجاسة إنّما رتّبت في الشرع على مجرّد عدم التذكية ، كما يرشد إليه قوله تعالى : (إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ)(١) ، الظاهر في أنّ المحرّم إنّما هو لحم الحيوان الذي لم يقع عليه التذكية واقعا أو بطريق شرعيّ ولو كان أصلا ، وقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)(٢) ، وقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)(٣) ، وقوله عليه‌السلام في ذيل موثّقة ابن بكير : «إذا كان ذكيّا ذكّاه الذابح» (٤) ، وبعض الأخبار المعلّلة لحرمة الصيد الذي ارسل إليه كلاب ولم يعلم أنّه مات بأخذ المعلّم (٥) ، بالشكّ في استناد موته إلى المعلّم (٦) ، إلى غير ذلك ممّا اشترط فيه العلم باستناد القتل إلى الرمي ، والنهي عن الأكل مع الشكّ.

ولا ينافي ذلك ما دلّ (٧) على كون حكم النجاسة مرتّبا على موضوع «الميتة» (٨) بمقتضى أدلّة نجاسة الميتة (٩) ؛ لأنّ «الميتة» عبارة عن

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) الأنعام : ١٢١.

(٣) الأنعام : ١١٨.

(٤) الوسائل ٣ : ٢٥٠ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، الحديث ١ ، لكن في جميع المصادر الحديثيّة بدل «الذابح» : «الذبح».

(٥) في غير (ر) زيادة : «معلّلا».

(٦) انظر الوسائل ١٦ : ٢١٥ ، الباب ٥ من أبواب الصيد ، الحديث ٢.

(٧) انظر الجواهر ٥ : ٢٩٧ ـ ٢٩٩.

(٨) في (ظ) بدل «موضوع الميتة» : «الموت».

(٩) شطب في (ت) على «بمقتضى أدلّة نجاسة الميتة» ، وكتب في (ه) فوقها : «زائد».

١٩٨

كلّ ما لم يذكّ ؛ لأنّ التذكية أمر شرعيّ توقيفيّ ، فما عدا المذكّى ميتة (١).

والحاصل : أنّ التذكية سبب للحلّ والطهارة ، فكلّما شكّ فيه أو في مدخليّة شيء فيه ، فأصالة عدم تحقّق السبب الشرعيّ حاكمة على أصالة الحلّ والطهارة.

ثمّ إنّ الموضوع للحلّ والطهارة ومقابليهما هو اللحم أو المأكول ، فمجرّد تحقّق عدم التذكية في اللحم يكفي في الحرمة والنجاسة.

لكنّ الإنصاف : أنّه لو علّق حكم النجاسة على ما مات حتف الأنف ـ لكون الميتة عبارة عن هذا المعنى ، كما يراه بعض (٢) ـ أشكل إثبات (٣) الموضوع بمجرّد أصالة عدم التذكية الثابتة (٤) حال الحياة ؛ لأنّ عدم التذكية السابق حال الحياة ، المستصحب إلى (٥) زمان خروج الروح لا يثبت كون الخروج حتف الأنف ، فيبقى أصالة عدم حدوث سبب نجاسة اللحم ـ وهو الموت حتف الأنف ـ سليمة عن المعارض ، وإن لم يثبت به التذكية ، كما زعمه السيّد الشارح للوافية ، فذكر : أنّ أصالة عدم التذكية تثبت الموت حتف الأنف ، وأصالة عدم الموت (٦) حتف الأنف تثبت التذكية (٧).

__________________

(١) في (ت) زيادة : «ولذا حكم بنجاستها» ، وكتب في (ص) فوقها : «نسخة».

(٢) انظر مفاتيح الشرائع ١ : ٧٠ ، المفتاح ٧٨.

(٣) في (ه) زيادة : «هذا».

(٤) لم ترد «الثابتة» في (ت).

(٥) في نسخة بدل (ت) بدل «إلى» : «في».

(٦) «الموت» من (ظ) و (ص).

(٧) شرح الوافية (مخطوط) : ٣٦٥.

١٩٩

فيكون وجه الحاجة إلى إحراز التذكية ـ مع أنّ الإباحة والطهارة لا تتوقّفان عليه ، بل يكفي استصحابهما ـ أنّ استصحاب عدم التذكية حاكم على استصحابهما ، فلو لا ثبوت التذكية بأصالة عدم الموت حتف الأنف لم يكن مستند للإباحة والطهارة.

وكأنّ السيّد قدس‌سره ذكر هذا ؛ لزعمه أنّ مبنى تمسّك المشهور على إثبات الموت حتف الأنف بأصالة عدم التذكية ، فيستقيم حينئذ معارضتهم بما ذكره السيّد قدس‌سره ، فيرجع بعد التعارض إلى قاعدتي «الحلّ» و «الطهارة» واستصحابهما.

لكن هذا كلّه مبنيّ على ما فرضناه : من تعلّق الحكم على الميتة ، والقول بأنّها ما زهق روحه بحتف الأنف.

أمّا إذا قلنا بتعلّق الحكم على لحم لم يذكّ حيوانه (١) أو لم يذكر اسم الله عليه ، أو تعلّق الحلّ على ذبيحة المسلم و (٢) ما ذكر اسم الله عليه المستلزم لانتفائه بانتفاء أحد الأمرين ولو بحكم الأصل ـ ولا ينافي ذلك تعلّق الحكم في بعض الأدلّة الأخر بالميتة ، ولا ما علّق فيه الحلّ على ما لم يكن ميتة ، كما في آية : (قُلْ لا أَجِدُ ...) الآية (٣) ـ ، أو قلنا : إنّ الميتة هي ما زهق روحه مطلقا ، خرج منه ما ذكّي ، فإذا شكّ في عنوان المخرج فالأصل عدمه ، فلا محيص عن قول المشهور.

ثمّ إنّ ما ذكره الفاضل التونيّ ـ من عدم جواز إثبات عمرو

__________________

(١) لم ترد «حيوانه» في (ظ).

(٢) كذا في (ظ) ، وفي غيره بدل «و» : «أو».

(٣) الأنعام : ١٤٥.

٢٠٠