أسماء وألقاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

علي أصغر شكوهي قوچاني

أسماء وألقاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

المؤلف:

علي أصغر شكوهي قوچاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: زيبا نگار
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-949-9
الصفحات: ٣٩٢

القوم...١

إمام المتّقين والمسلمين

قال ابن عساكر بإسناده : عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا عليّ، أنت إمام المتّقين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب الدين.٢

وعن ابن طاووس قال : فيما نذكره من تسمية النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمولانا عليّ عليه‌السلام : يعسوب الدين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، والحامل غداً لواء ربّ العالمين.٣

ينظر : أمير المؤمنين، حبل الله المتين.

إمام المحشر

ينظر : سيف الله.

إمام المرحومين

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ومن الأوصياء وصيّ آدم في علمه، ومعدن العلم بتأويله، وإمام المرحومين، وقائد الغُرّ المحجّلين والصّدّيق الأكبر عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.٤

_______________________

١ ـ إحقاق الحقّ ٤ / ٢٨٤.

٢ ـ تاريخ دمشق الكبير ٢٣ / ٢٣٠؛ ذخائر العقبى ٧٠؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ / ١٦٩.

٣ ـ اليقين ٤٨٧.

٤ ـ التحصين لابن طاووس ٦٠٩، باب ١٠.

٦١

إمام المؤمنين

قال عليّ عليه‌السلام : أنا وصيّ نبيّكم وخليفته، وإمام المؤمنين وأميرهم ومولاهم.١

عن جعفر بن محمّد الصّادق عن آبائه عليه‌السلام قال : كان عليّ عليه‌السلام يَرىٰ مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الرّسالة الضوء، ويسمع الصوت، وقال له : لولا أنّي خاتم الأنبياء لكنتَ شريكاً في النبوّة، فإن لم تكن نبيّاً فإنّك وصيّ نبيّ ووارثه، بل أنت سيّد الأوصياء وإمام الأتقياء.٢

قال الخطيب الخوارزميّ بإسناده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : نزل عَليَّ جبرئيل عليه‌السلام صبيحة يومٍ مستبشراً، فقلت : حبيبي، ما لي أراك فرحاً مستبشراً؟ فقال : يا محمّد، وكيف لا أكون كذلك وقد قرّت عيني بما أكرم الله به أخاك ووصيّك وإمام أمّتك عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام؟ فقلت : وبِمَ أكرم الله أخي وإمام أمّتي؟ قال : باهىٰ بعبادته البارحةَ ملائكته وحملة عرشه، وقال : ملائكتي، انظروا إلى حجّتي في أرضي على عبادي بعد نبيّي، فقد عفّر خدّه في التّراب تواضعاً لعظمتي، أشهدكم أنّه إمام خلقي ومولى بريّتي.٣

_______________________

١ ـ مائة منقبة لابن شاذان ٥٩، رقم ٣٢.

٢ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ / ٢١٠؛ إحقاق الحقّ ٤ / ١١٨؛ ينابيع المودّة ١ / ٢٣٩.

٣ ـ المناقب للخوارزميّ ٣١٩؛ مائة منقبة ١٤٤، ٧٧.

٦٢

أمير المؤمنين١

أمير المؤمنين لقب خاصّ بعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ولا يجوز شرعاً إطلاقه على غيره مهما بلغت رتبته ومقامه، حتّى على سائر الأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام، مع العلم أنّ المعنى حاصل فيهم وهم يستحقّونه، لأنّهم خلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حقّاً.

ووصفُ عليّ عليه‌السلام بإمرة المؤمنين إمّا أن يكون وصفاً عدميّاً أو ثبوتيّاً. والأوّل محال، لأنّه نقيض الموصوفيّة، وهي أمر سلبيّ، ونقيض السلب ثبوت، فثبّت أن موصوفيّته بالإمرة وصف ثبوتيّ، وهي صفة واحدة تختصّ به دون غيره؛ لاستحالة قيام الصفة واحدة بمحلّين، فوجب اختصاصه بالإمرة وثبوتها فيه وله دون غيره.٢

وانفرد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام من بين الخلائق بتلقيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله له بأمير المؤمنين، وقد أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بأن يسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وأخبر أنّه لم يكن قبله ولن يكون بعده أمير غيره.٣

وهذا اللّقب خاص بعليّ عليه‌السلام بنصٍّ من الله تعالى وما تُصرّح به الأحاديث

_______________________

١ ـ المناقب للخوارزميّ ٤٠؛ أنساب الأشراف ٢ / ٨٩؛ مطالب السؤول ٦٦؛ مجمع الآداب في معجم الأقاب ٢ / ٤٨٦، ٥٠٦؛ العسل المصفّى ٢ / ٤١٤، ٤١٥، وفيه : وأمّا الاسم الّذي هو مكتوب على باب الجنّة فإنّه أمير المؤمنين؛ نهج الإيمان ٤٦١ ـ ٤٧٦؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ / ٦؛ إعلام الورى بأعلام الهدى ١٦٠؛ الأصول من الكافي ١ / ٢٩٢؛ تنبيه الغافلين ١٤٦؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٣١؛ كشف الغمّة ١ / ٥٩٢، ٥٩٣؛ الهداية الكبرى ٩٣.

٢ ـ نهج الإيمان ٤٧٤.

٣ ـ نهج الإيمان ٤٦٢؛ الإرشاد ١ / ٤٨؛ كشف اليقين ٢٥٠؛ تاج المواليد «مجموعة نفيسة ٨٨».

٦٣

النبويّة :

قال الديلميّ بإسناده : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو علم النّاس متىٰ سُمّي عليّ أمير المؤمنين ما أنكروا افضله، وسُميّ أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد. قال الله عزّ وجلّ : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)١، قالت الملائكةُ : بلىٰ. فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعليّ أميركم.٢

وقال الموفّق بن أحمد الخوارزميّ بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته، فغدا عليه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام الغداة، وكان يحبّ أن لا يسبقه إليه أحد، فدخل وإذا النّبيّ في صحن الدّار، وإذا رأسه في حجر دِحيَة بن خليفة الكلبيّ، فقال : السّلام عليك، كيف أصبحتَ يا رسول الله؟ قال : بخير يا أخا رسول الله. قال له عليّ : جزاك الله عنّا أهل البيت خيراً. قال له دحية : إنّي أحبّك وإنّ لك عندي مدحة أزفّها إليك : أنت أمير المؤمنين، وقائد الغُرّ المحجّلين، وسيّد ولد آدم يوم القيامة، ما خلا النبيّين والمرسلين، ولواء الحمد بيدك يوم القيامة، تُزَفّ أنت وشيعتك مع محمّد وحزبه إلى الجنان زفّاً زَفّاً، قد أفلح من تَولّاك، وخسر من عاداك، بحبّ محمّد أحبّوك، مبغضوك لن تنالهم شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله، ادنُ منّي صفوة الله. فأخذ رأس النّبيّ فوضعه في حجره (وذهب، فرفع رسول الله رأسه)، فقال : ما هذه الهمهمة؟ فأخبره الحديث. فقال : يا عليّ لم يكن دحية الكلبيّ، كان جبرئيل عليه‌السلام سمّاك

_______________________

١ ـ الأعراف / ١٧٢.

٢ ـ فردوس الأخبار ٣ / ٣٥٤، رقم ٥٠٦٦، انظر : كنز العمّال ١١ / ٥٠، رقم ٣٢١١٦؛ «بمعناه» اللوامع النورانيّة ١٥؛ مودّة القربى ١٦؛ ينابيع المودّة ٢ / ٢٧٩؛ تأويل ما نزل من القرآن الكريم ١٠٢؛ بصائر الدرجات ٩١، رقم ٦؛ خصائص الأئمّة ٨٧.

٦٤

باسمٍ سمّاك الله به، وهو الذي ألقى محبّتك في صدور المؤمنين، ورَهْبك في صدور الكافرين.١

قال الكنجيّ الشّافعيّ بإسناده عن ابن عبّاس، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأم ّ سلمة : هذا عليّ بن أبي طالب لحمه مِن لحمي، ودمه مِن دمي، وهو منّي بمنزلة هارون مِن موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. يا أمّ سلمة، هذا عليّ أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، ووعاء علمي، ووصيّي، وبابي الّذي أوتىٰ منه، أخي في الدنيا والآخرة، ومعي في المقام الأعلى، يَقتُل القاسطين والناكثين والمارقين.٢

وعن ابن عبّاس ـ في حديث طويل ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أمّ سلمة، هذا عليّ بن أبي طالب سيّد مبجّل مؤمّل المسلمين، وأمير المؤمنين، وموضع سرّي وعلمي، وبابي الّذي أوتي إليه، وهو الوصيّ على أهل بيتي وعلى الأخبار من أمّتي، وهو أخي في الدّنيا والآخرة ...٣

وقال أيضاً بإسناده عن أنس، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أنس، اسكُب لي وَضوء يغنيني، فتوضّأ ثمّ قام وصلّى ركعتين، ثمّ قال : يا أنس، أوّل مَن يدخل عليك مِن هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغُرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين.

قال أنس : قلت : اللّهمّ اجعله رجلاً مِن الأنصار، وكتمته إذ جاء عليّ، فقال : مَن هذا يا أنس؟ قلت : عليّ بن أبي طالب، فقام النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مستبشراً فاعتنقه، ثمّ جعل يمسح عرق وجهه بوجهه يمسح عرق عليّ عليه‌السلام بوجهه، قال عليّ عليه‌السلام : يا رسول الله، لقد رأيتك صنعتَ بي شيئاً ما صنعت بي قبل، قال : وما يمنعني

_______________________

١ ـ المناقب للخوارزميّ ٣٢٣؛ نهج الإيمان ٤٦٦.

٢ ـ كفاية الطالب ١٤٥.

٣ ـ المحاسن والمساوئ ٤٤.

٦٥

وأنت تؤذّي عنّي، وتُسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي.١

وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتى جبرئيل عليه‌السلام وقال : إنّ الله تعالى سمّي عليّاً أميراً، لايحلّ أن يُدعى غيره بهذا الاسم، ونهي أن يُدعى الحسن والحسين أو غيرهما مِن أئمّة الهدى إمام المؤمنين.٢

وقال القاضي النعمان بن محمّد المغربيّ بإسناده عن عمران بن حصين الخزاعيّ، قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم على عليّ عليه‌السلام بإمرة المؤمنين.٣

وقال محمّد بن العبّاس المعروف بابن الجُحام بإسناده عن خالد بن يزيد، عن أبي جعفر عليه‌السلام، قال : لو أنّ جهّال هذه الأمّة يعلمون متىٰ سُمّي عليّ أمير المؤمنين لم ينكروا ولايته وطاعته.٤

وورد في حديث أنّ الله تعالى أوحى إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة المعراج : يا محمّد، إنّي جعلت عليّاً أمير المؤمنين، فمَن تأمّر عليه لَعَنْتُه، ومَن خالفه عَذّبتُه، ومن أطاعه قَرّبتُه.٥

وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا أسرى بي إلى السّماء، ثمّ من السّماء إلى السّماء إلى سدرة المنتهى، وقفتُ بين يدي ربّي عزّ وجلّ. فقال لي : يا محمّد، قلت : لبّيك وسعديك. قال : قد بَلَوت خلقي، فأيّهم رأيتَ أطوَع لك؟ قال : قلت : ربّي، عليّاً. قال : صدقت يا محمّد، فهل اتّخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك يعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون؟ قال : قلت : يا ربّ، اختَر لي، فإنّ خِيَرَتك خِيَرَتي. قال :

_______________________

١ ـ كفاية الطالب ١٨٤؛ المناقب للخوارزميّ ٨٥؛ مختصر تاريخ دمشق ١٨ / ١٨؛ فرائد السمطين ١ / ١٤٥؛ حلية الأولياء ١ / ٦٣؛ مطالب السؤول ٩٦؛ كشف اليقين ٢٦٥.

٢ ـ كتاب ألقاب الرسول وعترته «مجموعة النفيسة ١٨٣».

٣ ـ شرح الأخبار ٢ / ٢٥٨ ـ ٢٦٠؛ اليقين ٢٨٤؛ الهداية الكبرى ١٠٢.

٤ ـ تأويل ما نزل من القرآن الكريم ١٠١.

٥ ـ غاية المرام ١ / ٧٠.

٦٦

اخترتُ لك عليّاً، فاتّخِذه خليفة ووصيّاً، ونَحَلتُه علمي وحلمي، وهو أمير المؤمنين حقّاً، لم يَنَلها أحد قبله وليست لأحد بعده يا محمّد.١

ولا يخفى أنّ قوله تعالى : «وليست لأحد بعده يا محمّد» يدلّ على اختصاص هذا اللقب بعليّ عليه‌السلام، ويؤكّده قوله تعالى : «هو أمير المؤمنين حقّاً» وهذا يعني أنّ إطلاق هذا اللقب على غير عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ليس حقّاً بل هو باطل، قال الله تعالى : (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ).٢

ورود في حديث، قال : رجل للصّادق عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين، فوقف الإمام الصادق عليه‌السلام على قدميه وقال بغضب : مَه، هذا اسم لايصلح إلّا لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. ولا يجوز أن يُسمّى بهذا الاسم من لم يسمّه الله تعالى.

فقال الرجل : فماذا يُدعى به قائمكم؟ فقال جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام : يقال له : السّلام عليك يا بقيّة الله، السّلام عليك يا ابن رسول الله.٣

وقال أحمد بن حنبل في مسند الأنصار، عن بريدة والبراء قالا : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثين إلى اليمن، على أحدهما عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام، وعلى الآخر خالد بن الوليد. فقال : صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا التقيتم فعليّ على النّاس.٤ فكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤمّره على الناس، ولا يؤمّر عليه أحداً.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مهلاً يا عائشة، لا تؤذيني في أخي، فإنّه أمير

_______________________

١ ـ المناقب للخوارزميّ ٣٠٣؛ حلية الأولياء ١ / ٦٦؛ قطعة من الحديث؛ أمالي الشيخ الطوسيّ ١٨٥.

٢ ـ يونس / ٣٢.

٣ ـ نهج الإيمان ٤٧٠؛ بحار الأنوار ٣٧ / ٣٣٢؛ تفسير البرهان ١ / ٤١٦.

٤ ـ مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٦٥، رقم ٢٢٥٠٣؛ مجمع الزوائد ٩ / ١٧٢، ح ١٤٧٣٢؛ نهج الإيمان ٤٦٧؛ الروض الأُنف ٤ / ٤٢٢.

٦٧

المؤمنين.١

وعن أحمد بن عمر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام، لِمَ سُمّي أمير المؤمنين؟ قال : لأنّه يَميرهم العلم، أما سمعت في كتاب الله،٢ (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا)٣.

وقال سلمان الفارسيّ رضي الله عنه : سألت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تسمية عليّ عليه‌السلام بأمير المؤمنين، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه يَميرهم العلم، يُمتار منه ولا يَمتار من أحد.٤

وعن أبان بن الصلت عن الصّادق عليه‌السلام قال : سُمّي أمير المؤمنين، إنّما هو مِن مِيرة العلم، وذلك أنّ العلماء من علمه امتاروا، ومن مِيرته استعملوا.٥

وعن ابن عبّاس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على المنبر، وقد بلغه عن أناس من قريش إنكار تسميته لعليّ عليه‌السلام أمير المؤمنين، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معاشر الناس، إنّ الله عزّ وجلّ بعثني إليكم رسولاً، وأمرني أن أستخلف عليكم عليّاً أميراً، ألا فمَن كنتُ نبيّه فإنّ عليّاً أميره.٦

وقال الخوارزميّ بإسناده : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : يا أبا الحسن، كَلِّم الشمس، فإنّها تكلّمك، فقال عليّ عليه‌السلام : السّلام عليك أيها العبد المطيع لله، فقالت الشّمس : وعليك السّلام يا أمير المؤمنين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين. يا عليّ، أنت وشيعتك في الجنّة. يا عليّ، أوّل من تنشقّ الأرض عنه محمّد ثمّ أنت، وأوّل مَن يُحيا محمّد ثمّ أنت ...٧

_______________________

١ ـ معجم الشعراء للمرزبانيّ ٢٣؛ تقريب المعارف ١٣٨؛ كشف اليقين ٢٧٣.

٢ ـ الأصول من الكافي ١ / ٤١٢.

٣ ـ يوسف / ٦٤.

٤ ـ نهج الإيمان ٤٦٦.

٥ ـ نفس المصدر ٤٧٤.

٦ ـ أمالي الصدوق ٢٤٤.

٧ ـ المناقب للخوارزميّ ١١٣؛ مقتل الحسين للخوارزميّ ١ / ٥٠؛ فرائد السمطين ١ / ١٨٥.

٦٨

ويستفاد من بعض الأحاديث النبويّة أنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يُسمّى يوم القيامة أيضاً بأمير المؤمنين.

قال الخطيب بإسناده عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس في القيامة راكب غيرنا، ونحن أربعة ـ الحديث بطوله ـ وأخي وابن عمّي عليّ بن أبي طالب على ناقة من نُوق الجنّة... فلا يمرّ بملأ من الملائكة إلّا قالوا : هذا مَلَك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو حامل عرشِ ربّ العالمين، فينادي منادٍ من لدن العرش : ليس هذا ملكاً مقرّباً ولا نبيّاً مرسلاً، ولا حامل عرش ربّ العالمين، هذا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المتّقين، وقائد الغُرّ المحجّلين.١

وروى ابن عبّاس قال : قال عليّ عليه‌السلام : السّلام عليك يا رسول الله. قال : وعليك السّلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. قال : يا رسول الله، أنت حيّ وتسمّيني أمير المؤمنين؟! قال : نعم، إنّه سمّاك جبرئيل من عند الله وأنا حيّ. يا عليّ، مَرَرتُ أمس وأنا وجبرئيل في حديث، فلم تسلّم علينا، فقال : ما بال أمير المؤمنين لم يسلّم علينا، أمَ واللهِ لو سلّم لَسُرِرنا ولَرَدَدنا عليه.٢

وقال العاصميّ : وأمّا الاسم الّذي هو مكتوب على باب الجنّة، فإنّه «أمير المؤمنين». عن ابن عبّاس قال : واللهِ ماسَمَّينا عليّاً أمير المؤمنين حتّى سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، كنّا نحن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، مارّين في بعض أزقّة المدينة يوماً إذ أقبل عليّ بن أبي طالب فقال : السّلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال رسول الله : وعليك السلام يا أمير المؤمنين، كيف أصبحت؟ قال : أصبحت ونومي خَطَرات، ويقظتي فزعات، وفكرتي في يوم الممات.

قال ابن عبّاس : فتعجّبت من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ، فقلت : يا رسول

_______________________

١ ـ تاريخ بغداد ١٤ / ١٢٢؛ كشف اليقين ٢٧٧.

٢ ـ نهج الإيمان ٤٦٥، ٤٧٠.

٦٩

الله، ما الّذي قلت في ابن عمّي؟ قلتَ حُبّاً له، أو شيئاً من عند الله؟ قال : لا والله، ما قلت شيئاً إلّا ما رأيته بعيني. قلت : وما الّذي رأيت يا رسول الله؟ قال : ليلة أُسري بي إلى السّماء ما مررت بباب من أبواب الجنّة، إلّا ورأيت مكتوباً : عليّ ابن أبي طالب أمير المؤمنين من قبل يخلق الله آدم عليه‌السلام بسبعين ألف عام.١

وعن عكرمة، عن ابن عبّاس قال : سمعته يقول : ليس من آية في القرآن فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا وعليّ رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وما ذكر عليّاً إلّا بخير.٢

ينظر : حبل الله المتين.

الأمين

عليّ أمين الله، عليّ أمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، وعليّ موضع سرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، وعليّ ثقة رسول الله، وعليّ أمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة، عليّ أمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على حوضه، وعليّ أمين أهل الأرض والسّماء.٣

الأمين : مأخوذ من الأمانة وأدائها، وصدق الوعد، وكلّ مَن أمنت منه الخُلف والكذب فهو أمين. والمستفاد من بعض الأخبار أنّ الأمين ليس هو الأمين على الأموال فقط، بل ورد أنّه لا يكون الأمين أميناً حتّى يُؤتَمن على ثلاثة فيؤدّيها : على الأموال، والأسرار، والفروج. وإن حَفِظ اثنين وضيّع واحدة

_______________________

١ ـ العسل المصفّى ٢ / ٤١٤.

٢ ـ للحديث مصادر كثيرة منها : تفسير الحبريّ ٢٣٤؛ النور المشتعل ٢٦ ـ ٣١؛ شواهد التنزيل ١ / ٥٠؛ حلية الأولياء ١ / ٦٤؛ المناقب للخوارزميّ ٢٨٠؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ١١ / ٢١٠، ٢١١؛ مجمع الزوائد ٩ / ١٤٤؛ كفاية الطالب ١٢١؛ الرياض النضرة ٢ / ١٨٠؛ نظم درر السمطين ٨٩؛ تاريخ بغداد ٦ / ١٠٢.

٣ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٣١.

٧٠

فليس بأمين١.

والأمانة هي مقام ومنصب سامٍ، بل هي مقام ومنزلة ومنصب خصّ به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله، وهو موروث من بعده في أوصيائه عليه‌السلام، ويدخل فيه الأمانة على أسرار الأرض وعلم البلايا والمنايا والأنساب ومعرفة الأرض.

قال القاضي الديار بكريّ : كان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يلقّب ببيضة البلد، الأمين، والشريف، والهادي، والمهتدي، وذي الأُذن الواعية.٢

وورد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : إنّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أمين الله في أرضه، فلمّا أن قبض محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله كنّا أهل البيت ورثته، فنحن أُمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا، والمنايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق، وإنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم.٣

فهو عليه‌السلام وإن عرّف بعض مقامات الأمانة في الأرض، إلّا أنّه ذكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مقاماً أعلى منها وهو الأمانة في الخلق، ولا منافاة بينهما.

وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام : إنّ محمّداً كان أمين الله في أرضه، فلمّا قبض محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله، وَرِثتُه، ونحن أُمناء الله في أرضه.٤

وكانت العرب تسمّي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل مبعثه الصّادق الأمين؛ لِما شاهدوه من أمانته وصدقه.٥ بل عُرف بذلك منذ صباه، وهو من ألطاف الله تعالى، فقد روي

_______________________

١ ـ تحف العقول ٣١٦.

٢ ـ تاريخ الخميس ٢ / ٢٧٥.

٣ ـ المجدي في أنساب الطالبيّين ٥١.

٤ ـ بصائر الدرجات ١٣٨ رقم ٢.

٥ ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٢٣٣؛ كشف الغمّة ١ / ١١.

٧١

أنّ عليّاً عليه‌السلام قال : إنّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله أُوتي الحكم والفهم صبيّاً، بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان، ولم يرغب لهم في صنم قطّ، ولم ينشط لأعيادهم، ولم يُر منه كذب قطّ، وكان أميناً.١

وأراد الله جلّ ثناؤه الأمانة على الوحي والغيب، ومعاملة المنافقين ومماشاة النّاس كأن لم يعلم من أسرارهم وما تخفي صدورهم، وما يكون إليه مآلهم. وما زالت النّاس تأتمنه قبل مبعثه وتُودع عنده الأمانات، وأودعته خديجة أموالها ليتّجر بها، وكذا بعد مبعثه استمرّت فيه هذه الشيمة إلى آخر حياته، فأوصى عند موته عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بإنجاز عداته، وردّ الأمانات إلى أهلها وما زال يوصي بردّ الأمانات إلى أهلها والوفاء بالوعد، ويؤكّد عليه. ولهذا كان أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام أمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الدّنيا والآخرة. عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ عليه‌السلام : أمّا أنت يا عليّ فصفيّي وأميني.٢

وعن سلمان الفارسيّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكلّ نبيّ صاحب سرّ، وصاحب سرّي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.٣

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله مشيراً إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام هذا وصيّي، وموضع سرّي.٤

وعن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، أنت صاحب حوضي، وصاحب لوائي، وحبيب قلبي، ووصيّي ووارث علمي، وأنت مستودع موارث الأنبياء من قبلي، وأنت أمين الله في أرضه، وحجّة الله على بريّته، وأنت ركن

_______________________

١ ـ الاحتجاج للطبرسيّ ١١١، ١٢٠.

٢ ـ خصائص النسائيّ ١٠٥ رقم ٧٢؛ سنن أبي داود ٢ / ٢٨٤ رقم ٢٢٧٨؛ السنن الكبرى للبيهقيّ ٨ / ٦؛ مشكل الآثار رقم ٣٣٥٥، الباب ٤٨٢.

٣ ـ فردوس الأخبار ٢ / ٤٠٣ رقم ٣٧٩٣؛ حلية الأولياء ١ / ٩٨؛ كفاية الطالب ٢٥٩.

٤ ـ ميزان الاعتدال ١ / ٢٩٨؛ مجمع الزوئد ٩ / ١٤٧.

٧٢

الإيمان، وعمود الإسلام، وأنت مصباح الدجى ومنار الهدى، والعَلَم المرفوع لأهل الدنيا.١

وإنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قام على المنبر بالكوفة يخطب، فقال : بسم الله الرحمٰن الرحيم، الحمد الله بديع السماوات والأرض وفاطرها... إلى أن قال : أنا سرّ الأسرار، أنا سرّ الحروف، أنا كنز أسرار النبوّة٢.

وعن أبي ذرّ قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخذاً بيد عليّ عليه‌السلام فيقول : يا عليّ، أنت أخي وصفيّي ووصيّي ووزيري وأميني، مكانك منّي مكان هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، من مات وهو يحبّك ختم الله عزّ وجلّ له بالأمن والإيمان، ومن مات وهو يبغضك لم يكن له نصيب من الإسلام.٣

وعن الموفّق بن أحمد الخوارزميّ بإسناده : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا أبا برزة، إنّ الله ربّ العالمين عهد إلىّ عهداً في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : إنّه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني. يا أبا برزة، عليّ ابن أبي طالب أميني غداً يوم القيامة، وصاحب رايتي في القيامة، والأمين على مفاتيح خزائن رحمة ربّي.٤

وعن جابر، قال : دعا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً يوم الطائف فانتجاه، فقال : النّاس : لقد طال نجواه مع ابن عمّه! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما انتَجَيتُه، ولكنّ الله انتجاه٥. انتجاه : من النجوى، وهو السرّ بين اثنين، يقول نَجَوتُه نَجوى أي سارَرته، وكذا ناجَيته ،

_______________________

١ ـ أمالي الصدوق ٢٥٢ رقم ١٤، ينابيع المودّة ١ / ٣٩٧.

٢ ـ ينابيع المودّة ٣ / ٢٠٥ ـ ٢٠٩.

٣ ـ أمالي الطوسيّ ١ / ١٥٨.

٤ ـ المناقب للخوارزميّ ٣١١؛ حلية الأولياء ١ / ٦٦؛ تاريخ بغداد ١٤ / ٩٨ : مطالب السؤول ٨١.

٥ ـ الرياض النضرة ٢ / ١٧٠؛ تاريخ بغداد ٧ / ٤٠٢؛ أُسد الغاية ٤ / ٢٧.

٧٣

وانتَجى القومُ وتَناجوا، أيّ تَسارّوا.

وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً).١

قال الحاكم الحسكانيّ بإسناده عن مجاهد : إنّ عليّاً عليه‌السلام قال : إنّ في القرآن لآية ما عمل بها غيري قبلي ولا بعدي، وهي آية النّجوى، قال : كان لي دينار فبعتُه بعشرة دراهم، فكلّما أردت أن أناجي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تصدّقت بدرهم منه، ثمّ نُسخت.٢

وعن محمّد بن يوسف الكنجيّ، قال : وفي هذا الحديث دلالة على تخصيص عليّ عليه‌السلام بهذه النجوى، «وفقه الحديث» : جواز النجوى للسّلطان أو للوالي أو الزعيم مع بعض خواصّه، وفي الحديث دلالة على أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما كان أمره ونهيه موجزاً إلّا ما خصّه الله عزّوجلّ به لينهي جميع ما أمره به.

وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الطائف حين حاصرها ونصب المنجنيق عليها أشار على أصحابه بالرحيل عنها قبل أن تُفتح عليه، لأنّ الله تعالى أخبره أنّه غير فاتحها من يومه ذاك لِما أراد الله تعالى من بقاء أهلها، ودخولهم في الإسلام

_______________________

١ ـ المجادلة / ١٢.

٢ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٣١١ ـ ٣٢٨، عن جماعة؛ سنن الترمذيّ ٥ / ٤٠٦ رقم ٣٣٠٠، كتاب التفسير؛ تذكرة الخواصّ ١٧؛ المناقب للخوارزميّ ٢٧٦؛ خصائص النسائيّ ٢١٠ رقم ١٥٢؛ النور المشتعل ٢٤٩ ـ ٢٥٢؛ تفسير مجاهد ٢ / ٥٨، باختلاف؛ المستدرك للحاكم ٢ / ٤٨٢؛ فرائد السمطين ١ / ٣٥٨ رقم ٢٨٤؛ تفسير الحِبريّ ٣٢٠؛ تفسير الدرّ المنثور ٦ / ١٨٦؛ تفسير ابن كثير ٤ / ٣٢٧؛ تفسير الطّبريّ ٢٨ / ١٥؛ احكام القرآن للجصّاص ٣ / ٥٢٦؛ أسباب النزول للواحدي ٣٠٨؛ تنبيه الغافلين ١٨٧؛ تفسير الثعلبيّ ٩ / ٢٦١؛ كنز العمّال ١٣ / ١١٦ رقم ٣٧٣٧٦٢؛ المناقب لابن مغازليّ ١٢٤ ـ ١٢٦؛ كفاية الطالب ٢٩٢ ـ ٢٩٤.

٧٤

طوعاً بعد عام آخر. فقال النّاس : كيف نرحل يا رسول الله ولمّا يفتح الله علينا ولم تظهر الشوكة للقوم ولم نقاتلهم؟

وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يكره الخلاف، فقال : لهم أُغدوا اسم الله تعالى للقتال، فبرزوا لقتالهم. وكان أهل الطائف رماة، فلمّا قَرُب أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الحصن رشقوهم بالنبل، فأصابهم من ذلك الجراح، فلمّا كان من الغد أشار عليهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرّحيل، فرأى السرور في وجوههم، فيحتمل عندي ـ والله أعلم ـ أنّ مناجاة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام في أمر الطائف وذكر قدومهم بالإسلام عليه وأنّه يفتحها صباحاً، فلذلك ترك عليّ عليه‌السلام القتال يومئذٍ مع النّاس، فلا وجه لهذه المناجاة في حالة القتال إلّا هذا.١

وعن أبي إسحاق الثعلبيّ قال : قال ابن عمر، كان لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ثلاث، لو كان لي واحدة منهنّ كانت أحبّ إليّ من حُمر النَّعم : تزويجه لفاطمة، وإعطاؤه الراية، وآية النجوىٰ.٢

وقال : الشيخ العطّار :

مصطفىٰ اسرار حقّ از وى شنفت

هم از او بشنود هم با او گفت

ينظر : إمام الأولياء

الأمين على مفاتيح خزائن رحمة الله

ينظر : صاحب اللواء، الأمين.

_______________________

١ ـ كفاية الطالب ٢٩٣، ٢٩٤.

٢ ـ تفسير الثعلبيّ ٩ / ٢٦٢؛ نهج الإيمان ٦٠٣؛ مطالب السؤول / ١٢٦، ١٢٧.

٧٥

أمين الله في أرضه

ينظر : الصراط المستقيم، الأمين.

الأنزَع البطين١

وقال الكنجيّ الشّافعيّ : كان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يُسمّى الأنزَع البطين. الأنزع من الشّرك : لأنّه لم يُشرك بالله تعالى طرفة عين. وقد سألت بعض مشايخي عن معني قولهم : «كرّم الله وجهه» فقال : يعنون بذلك أنّه عليه‌السلام لم يسجد لصنم قطّ، فكرّمه الله تعالى عن السجود لغيره.

وعن ابن عبّاس في قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)٢، (الَّذِينَ آمَنُوا) : يعني صدّقوا بالتوحيد، هو عليّ بن أبي طالب، (وَلَمْ يَلْبِسُوا) : يعني لم يخلطوا نظيرها : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ) يعني لم يخطلوا إيمانهم (بِظُلْمٍ)، يعني الشرك. قال ابن عبّاس : واللهِ ما آمن أحد إلّا بعد شرك ما خلا عليّاً ؛ فإنّه آمن بالله من غير أن يُشِرك به طرفة عين. (أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) من النار والعذاب، (وَهُم مُّهْتَدُونَ)، يعني مُرشَدون إلى الجنّة يوم القيامة بغير حساب، فكان عليّ أوّل مَن آمن به.٣

والبطين هو البطين من العلم، لغزارة علمه وفطنته وحدّة فهمه. وكان عنده عليه‌السلام لكلّ معضلة جواب، ولهذا كان أعلم الصّحابة؛ لأنّه عليه‌السلام كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والفطنة والاستعداد للعلم، وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الفضلاء وخاتم الأنبياء، وكان عليّ عليه‌السلام في غاية الحرص على طلب العلم، وكان

_______________________

١ ـ مطالب السؤول ٦٨؛ الهداية الكبرى ٩٣؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٢٨، ٣٣٢.

٢ ـ الأنعام / ٨٣.

٣ ـ شواهد التنزيل ١ / ٢٦٢.

٧٦

النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في غاية الحرص على تربيته وإرشاده إلى اكتساب القضائل. ثمّ إنّ عليّاً بقي في أوّل عمره في حِجر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله، وفي كِبَره صار ختناً له، وكان ملازماً له في كلّ الأوقات. ومن المعلوم أنّ التلميذ إذا كان في غاية الحرص والذكاء في التعلّم، وكان الأستاذ في غاية الحرص على التعليم، ثمّ اتّفق لهذا التلميذ أن اتّصل بخدمة مثل هذا الأستاذ من زمن الصغر، وكان ذلك الاتّصال بخدمته حاصلاً في كلّ الأوقات، فإنّه يبلغ ذلك التلميذ عي العلم مبلغاً عظيماً، ويحصل له ما لا يحصل لغيره.

عن أبي الطفيل قال : إنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه‌السلام قال بحضرة المهاجرين والأنصار وأشار إلى صدره : كنيف ملئ علماً لو وجدتُ له طالباً. سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، هذا ما زقّني به رسول الله زقّاً. سلوني، فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين... وعندي علم البلايا والمنايا والوصايا والأنصاب وفصل الخطاب ومولد الإسلام ومولد الكفر، وأنا صاحب المِيْسَم، وأنا الفاروق الأكبر ودولة الدّول، فاسألوني عمّا يكون إلى يوم القيامة... فإنّي بطرق السّماوات أخبَر منكم بطرق الأرض.١ أمَا واللهِ لو تُثنيت لي الوسادة ثمّ أُجلِست عليها لَحكمتُ بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، حتّى ينادي كلّ كتاب بأن حَكَم بحكم الله تعالى فيّ.٢ وإذا ثبت أنّه لا نظير له في العلم صحّ أنّه أولى بالإمامة، لقبح تقديم المفضول على الفاضل.

وقال كمال الدّين محمّد بن طلحة الشّافعيّ : ما آتاه الله عزّ وعلا من أنواع

_______________________

١ ـ نهج الإيمان ٢٧٠ ـ ٢٧٣.

٢ ـ تنبيه الغافلين ٢٠؛ شرح المقاصد ٥ / ٢٩٨؛ شواهد التنزيل ١ / ٣٦٦؛ مطالب السؤول ١١١.

٧٧

العلم وأقسام الحكمة، فباعتبار ذلك وصف بلفظة البطين، فإنّها لفظة يوصف من هو عظيم البطن متّصف بامتلائه، ولمّا كان عليّ عليه‌السلام قد امتلأ علماً وحكمة وتضلّع من أنواع العلوم وأقام الحكمة ما صار غذاء له مملوءاً به، وُصِف باعتبار ذلك بكونه بطيناً من العلم والحكمة.

من كان قد عرفته مدية دهره

ومرت له أخلاق سمٍّ مُنقَعِ

فليَعتَصِم بعُرى الدعاء ويَبتهلْ

بإمامِه الهادي البطينِ الأنزعِ

نُزعت عن الآثام طُرّاً نفسُهُ

ورعاً فمَن كالأنزَعِ المُتَورِّعِ؟

وحَوى العلومَ عن النّبيِّ وراثةً

فهو البطينُ بكلِّ علمٍ مُودَعِ

وهو الوسيلةُ في النجاةِ إذا الورىٰ

رَجَفَت قلوبُهُم لهولِ المَجمَعِ١

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، إنّ الله قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ومحبّي شيعتك، وأبشر، فإنّك الأنزع البطين؛ منزوع من الشّرك، بطين من العلم.٢

وقال سبط ابن الجوزيّ : ويُسمّى عليّ عليه‌السلام البطين، لأنّه كان بطيناً من العلم، وكان يقول عليه‌السلام : لو ثُنِيَت لي الوسادة لَذكرتُ في تفسير بسم الله الرّحمٰن الرّحيم حِملَ بعير، ويسمّى الأنزع، لأنّه كان أنزع من الشرك.٣

وقال عليه‌السلام : لو شئتُ لأوقرتُ من تفسير الفاتحة سبعين بعيراً.٤

روي أنّ ابن عبّأس جاء إلى أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام يسأله عن تفسير

_______________________

١ ـ مطالب السؤول ٦٧ ـ ٧٠.

٢ ـ المناقب للخوارزميّ ٢٩٤؛ المقتل للخوارزميّ ١ / ٣؛ المناقب لابن المغازليّ ٤٠٠، ٤٠١؛ فرائد السمطين ١ / ٣٠٨؛ جواهر العقدين ٢ / ٢١٩؛ الصواعق المحرقة ١٦١؛ ينابيع المودّة ٢ / ٣٥٧، ٤٥٢؛ فردوس الأخبار ٥ / ٣١٦ رقم ٨٣٠٤.

٣ ـ تذكرة الخواصّ ٤؛ الفصول المهمّة ١٣٠.

٤ ـ بإلزام الناصب ٢ / ١٧٨؛ نهج الإيمان ٢٧٥؛ ينابيع المودّة ١ / ٢٠٥ و ٣ / ٤٥٦؛ قُوت القلوب في معاملة المحبوب ١ / ١٠٥.

٧٨

القرآن، قال : ما أوّل القرآن؟ قال : الفاتحة. قال : وما أوّل الفاتحة؟ قال بسم الله، قال : وما أوّل بسم الله؟ قال : الباء، فجعل عليه‌السلام يتكلّم في الباء طول الليل، فلمّا قَرُبَ الفجر فال : لو أزدنا الليل لزدنا.١

وقال ابن الأثير صاحب النّهاية في مادّة «نزع» في صفة عليّ عليه‌السلام «البطين الأنزع» : كان أنزع الشَّعر، له بطن. وقيل معناه : الأنزع من الشّرك، المملوء البطن من العلم والإيمان.٢

ولابن حمّاد رحمه الله :

بعث النّبيّ براءة ً مع غيرهِ

فأتاه جبريلُ يَحثُّ ويُوضِعُ

قال : ارتَجِعْها واعطِها أولى الورىٰ

بأدائها وهو البطينُ الأنزَعُ٣

قال ابن أبي الحديد في القصائد السَّبع العَلَويّات :

فيك الإمامُ المرتضى فيك الوصيّ

المجتبى فيك البطينُ الأنزَعُ٤

عن ابن عبّاس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من أراد النّجاة غداً فليأخذ بحُجزة هذا الأنزع، يعني عليّاً عليه‌السلام.٥

وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ». والقاضي محتاج إلى جميع أنواع العلوم، فلمّا رجّحه على الكلّ في القضاء، لزم ترجيحه عليهم في جميع العلوم. أمّا سائر الصّحابة فقد رجح كلّ واحد منهم على غيره في علم واحد، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفرضكم زيد، وأقرأكم أُبَيّ، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأبو ذرّ

_______________________

١ ـ نهج الإيمان ٢٧٤.

٢ ـ النّهاية ٥ / ٢٢؛ لسان العرب ٨ / ٣٥٢.

٣ ـ نهج الإيمان ٢٥٧؛ مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٤٧.

٤ ـ القصائد السبع العلويّات ٦١.

٥ ـ معاني الأخبار ٦٣.

٧٩

أصدقكم لهجة.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أُوتي جوامع الكَلِم وخواتمه، فلمّا ذكر لكلّ واحد فضيلة وأراد أن يجمعها لابن عمّه بلفظ واحد كما لأولئك، ذكره بلفظ يتضمّن جميع ما ذكره في حقّهم، وإنّما قلنا ذلك أنّ الفقيه لا يصلح لمرتبة القضاء حتّى يكون عالماً بعلم الفرائض والكتاب والسنّة والكتاب والحلال والحرام، ويكون ـ مع ذلك ـ صادق اللهجة، فلو قال قاضيكم عليّ، كان متضمّناً لجميع ما ذكر في حقّهم، فما ظنّك بصيغة أفعل التفضيل، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقضاكم عليّ. ويسمّى البطين؛ لأنّه كان بطيناً من العلم، وكان يقول : لو ثُنيت لي الوسادة لذكرت في تفسير بسم الله الرّحمٰن الرّحيم حِمل بعير.١

وقال أيضاً بإسناده : عن ابن عبّاس، قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في جماعة من أصحابه أقبل عليّ، فلمّا بَصُر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من أراد منكم أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

قلت : تشبيهه لعليّ عليه‌السلام بآدم في علمه، لأنّ الله علّم آدم صفة كلّ شيء كما قال عزّ وجلّ : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)٢، فما شيء ولا حادثة ولا واقعة إلّا وعند عليّ فيها علم، وله في استنباط معناها فهم.

وشبّهه بنوح في حكمته أو ـ في رواية أُخرى ـ في حكمه، وكأنّه أصحّ، لأنّ عليّاً عليه‌السلام كان شديداً على الكافرين، رؤوفاً بالمؤمنين، كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله : (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).٣ وخَبَّر الله

_______________________

١ ـ كفاية الطالب ١٩٦ ـ ١٩٧؛ شرح المواقف ٨ / ٣٧٠.

٢ ـ البقرة / ٣١.

٣ ـ الفتح / ٢٩.

٨٠