فرائد الأصول - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-03-6
الصفحات: ٥٠٤

أنّ تشريع حكم يحدث معه الضرر منفيّ بالخبر ، كذلك تشريع ما يبقى معه الضرر الحادث ، بل يجب أن يكون الحكم المشروع في تلك الواقعة على وجه يتدارك ذلك الضرر كأن لم يحدث.

إلاّ أنّه قد ينافي هذا قوله : «لا ضرار» ، بناء على أنّ معنى الضرار المجازاة على الضرر. وكذا لو كان بمعنى المضارّة التي هي من فعل الاثنين ؛ لأنّ فعل البادئ منهما ضرر قد نفي بالفقرة الاولى فالضرار المنفيّ بالفقرة الثانية إنّما يحصل بفعل الثاني. وكأنّ من فسّره بالجزاء على الضرر (١) أخذه من هذا المعنى ، لا على أنّه معنى مستقلّ.

٢ ـ حمل النفي على النهي

ويحتمل أن يراد من النفي : النهي عن إضرار (٢) النفس أو الغير ، ابتداء أو مجازاة. لكن لا بدّ من أن يراد بالنهي زائدا على التحريم الفساد وعدم المضيّ ؛ للاستدلال به في كثير من رواياته على الحكم الوضعيّ دون محض التكليف ، فالنهي هنا نظير الأمر بالوفاء في الشروط (٣) والعقود ، فكلّ إضرار بالنفس أو الغير محرّم غير ماض على من أضرّه.

وهذا المعنى قريب من الأوّل ، بل راجع إليه.

الأظهر المعنى الأوّل

والأظهر بملاحظة نفس الفقرة ونظائرها وموارد ذكرها في الروايات (٤)

__________________

(١) كابن الأثير في النهاية ٣ : ٨١ (مادة ضرر).

(٢) في (ر) و (ص): «ضرر» ، وفي (ظ): «ضرّ».

(٣) في (ر) و (ص): «بالشروط».

(٤) انظر الوسائل ١٧ : ٣١٩ ، الباب ٥ من أبواب الشفعة ، الحديث الأوّل ، والصفحة ٣٣٣ ، الباب ٧ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٢ ، والصفحة ٣٤١ ، الباب ١٢ منها ، الحديث ٣ و ٤.

٤٦١

وفهم العلماء (١) : هو المعنى الأوّل.

حكومة هذه القاعدة على عمومات تشريع الأحكام الضرريّة

ثمّ إنّ هذه القاعدة حاكمة على جميع العمومات الدالّة بعمومها على تشريع الحكم الضرريّ ، كأدلّة لزوم العقود ، وسلطنة الناس على أموالهم ، ووجوب الوضوء على واجد الماء ، وحرمة الترافع إلى حكّام الجور ، وغير ذلك.

وما يظهر من غير واحد (٢) : من أخذ التعارض (٣) بين العمومات المثبتة للتكليف وهذه القاعدة ، ثمّ ترجيح هذه إمّا بعمل الأصحاب وإمّا بالاصول ـ كالبراءة في مقام التكليف ، وغيرها في غيره ـ ، فهو خلاف ما يقتضيه التدبّر في نظائرها : من أدلّة «رفع الحرج» ، و «رفع الخطأ والنسيان» ، و «نفي السهو على كثير السهو» ، و «نفي السبيل على المحسنين» ، و «نفي قدرة العبد على شيء» ، ونحوها.

مع أنّ وقوعها في مقام الامتنان يكفي في تقديمها على العمومات.

المراد من الحكومة

والمراد بالحكومة : أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظيّ متعرّضا لحال دليل آخر من حيث إثبات حكم لشيء أو نفيه عنه.

__________________

(١) انظر الخلاف ٣ : ٤٤٠ ، والتذكرة (الطبعة الحجريّة) ١ : ٥٢٢ ، وعوائد الأيّام : ٥١ ـ ٥٢.

(٢) كالمحقّق القمّي في القوانين ٢ : ٥٠ ، والفاضل النراقي في عوائد الأيّام : ٥٣ و ٥٧ ، وكذا صاحب الرياض والمحقّق السبزواري ، وسيأتي كلامهما في الصفحة ٤٦٨ ـ ٤٦٩.

(٣) العبارة في (ه) هكذا : «وما يظهر من غير واحد كالفاضل النراقي من التعارض».

٤٦٢

فالأوّل : مثل ما دلّ على الطهارة بالاستصحاب أو شهادة (١) العدلين ، فإنّه حاكم على ما دلّ على أنّه «لا صلاة إلاّ بطهور» ؛ فإنّه يفيد بمدلوله اللفظيّ : أنّ ما ثبت من الأحكام للطهارة في مثل «لا صلاة إلاّ بطهور» وغيرها ، ثابت للمتطهّر بالاستصحاب أو بالبيّنة.

والثاني مثل الأمثلة المذكورة.

وأمّا المتعارضان ، فليس في أحدهما دلالة لفظيّة على حال الآخر من حيث العموم والخصوص ، وإنّما يفيد حكما منافيا لحكم الآخر ، وبملاحظة تنافيهما وعدم جواز تحقّقهما واقعا يحكم بإرادة خلاف الظاهر في أحدهما المعيّن إن كان الآخر أقوى منه ، فهذا الآخر الأقوى قرينة عقليّة على المراد من الآخر ، وليس في مدلوله اللفظيّ تعرّض لبيان المراد منه. ومن هنا وجب ملاحظة الترجيح في القرينة ؛ لأنّ قرينيّته بحكم العقل بضميمة المرجّح.

أمّا إذا كان الدليل بمدلوله اللفظيّ كاشفا عن حال الآخر ، فلا يحتاج إلى ملاحظة مرجّح له ، بل هو متعيّن للقرينيّة بمدلوله له (٢). وسيأتي لذلك توضيح في تعارض الاستصحابين إن شاء الله تعالى (٣).

توهّم أن الضرر يتدارك بمصلحة الحكم الضرري المجعول

ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرنا ـ من حكومة الرواية وورودها في مقام الامتنان ، نظير أدلّة نفي الحرج والإكراه ـ : أنّ مصلحة الحكم الضرريّ المجعول بالأدلّة العامّة لا تصلح أن تكون تداركا للضرر ، حتّى يقال :

__________________

(١) كذا في (ر) ، وفي غيرها : «بشهادة».

(٢) لم ترد «له» في غير (ه).

(٣) لم يتعرّض المصنّف لهذا المطلب في مبحث تعارض الاستصحابين ، بل ذكره في مبحث التعادل والتراجيح ٤ : ١٣.

٤٦٣

إنّ الضرر يتدارك بالمصلحة العائدة إلى المتضرّر ، وإنّ الضرر المقابل بمنفعة راجحة عليه ليس بمنفيّ ، بل ليس ضررا.

فساد هذا التوهّم

توضيح الفساد : أنّ هذه القاعدة تدلّ على عدم جعل الأحكام الضرريّة واختصاص أدلّة الأحكام بغير موارد الضرر. نعم ، لو لا الحكومة ومقام الامتنان كان للتوهّم المذكور مجال.

دفع التوهّم برجسهٍ آخر

وقد يدفع : بأنّ العمومات الجاعلة للأحكام إنّما تكشف عن المصلحة في نفس الحكم ولو في غير مورد الضرر ، وهذه المصلحة لا يتدارك بها الضرر الموجود في مورده ؛ فإنّ الأمر بالحجّ والصلاة ـ مثلا ـ يدلّ على عوض ولو مع عدم الضرر ، ففي مورد الضرر لا علم بوجود ما يقابل الضرر.

فساد هذا الدفع

وهذا الدفع أشنع من أصل التوهّم ؛ لأنّه إذا سلّم عموم الأمر لصورة الضرر كشف عن وجود مصلحة يتدارك بها الضرر في هذا المورد.

مع أنّه يكفي حينئذ في تدارك الضرر الأجر المستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أفضل الأعمال أحمزها» (١) ، وما اشتهر في الألسن وارتكز في العقول من : «أنّ الأجر على قدر المشقّة».

فالتحقيق في دفع التوهّم المذكور : ما ذكرناه من الحكومة ، والورود في مقام الامتنان.

تماميّة القاعدة سندا ودلالة

ثمّ إنّك قد عرفت بما ذكرنا : أنّه لا قصور في القاعدة المذكورة من حيث مدركها ، سندا و (٢) دلالة ، إلاّ أنّ الذي يوهن فيها هي : كثرة

__________________

(١) البحار ٧٠ : ١٩١ و ٢٣٧.

(٢) كذا في (ظ) ، وفي غيرها : «أو».

٤٦٤

وهن القائد بكثير التخصيصات

التخصيصات فيها بحيث يكون الخارج منها أضعاف الباقي ، كما لا يخفى على المتتبّع ، خصوصا على تفسير الضرر بإدخال المكروه كما تقدّم (١) ، بل لو بني على العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد.

ومع ذلك ، فقد استقرّت سيرة الفريقين على الاستدلال بها في مقابل العمومات المثبتة للأحكام ، وعدم رفع اليد عنها إلاّ بمخصّص قويّ في غاية الاعتبار ، بحيث يعلم منهم انحصار مدرك الحكم في عموم هذه القاعدة.

ولعلّ هذا كاف في جبر الوهن المذكور وإن كان في كفايته نظر ؛ بناء على أنّ لزوم تخصيص الأكثر على تقدير العموم قرينة على إرادة معنى لا يلزم منه ذلك. غاية الأمر تردّد الأمر بين العموم وإرادة ذلك المعنى ، واستدلال العلماء لا يصلح معيّنا ، خصوصا لهذا المعنى المرجوح المنافي لمقام الامتنان وضرب القاعدة.

الجواب عن هذا الوهن

إلاّ أن يقال ـ مضافا إلى منع أكثريّة الخارج وإن سلّمت كثرته ـ : إنّ الموارد الكثيرة الخارجة عن العامّ إنّما خرجت بعنوان واحد جامع لها وإن لم نعرفه على وجه التفصيل ، وقد تقرّر أنّ تخصيص الأكثر لا استهجان فيه إذا كان بعنوان واحد جامع لأفراد هي أكثر من الباقي ، كما إذا قيل : «أكرم الناس» ودلّ دليل على اعتبار العدالة ، خصوصا إذا كان المخصّص ممّا يعلم به المخاطب حال الخطاب.

وجه التمسّك بكثير من العمومات مع خروج أكثر أفرادها

ومن هنا ظهر وجه صحّة التمسّك بكثير من العمومات مع خروج أكثر أفرادها ، كما في قوله عليه‌السلام : «المؤمنون عند شروطهم» (٢) ،

__________________

(١) راجع الصفحة ٤٦٠.

(٢) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، ضمن الحديث ٤.

٤٦٥

وقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) ، بناء على إرادة العهود كما في الصحيح (٢).

الضرر المنفي هو الضرر النوعي لا الشخصي

ثمّ إنّه يشكل الأمر من حيث : إنّ ظاهرهم في (٣) الضرر المنفيّ الضرر النوعيّ لا الشخصيّ ، فحكموا بشرعيّة الخيار للمغبون ؛ نظرا إلى ملاحظة نوع البيع المغبون فيه وإن فرض عدم تضرّره في خصوص مقام ، كما إذا لم يوجد راغب في المبيع وكان بقاؤه ضررا على البائع ؛ لكونه في معرض الإباق أو التلف أو الغصب ، وكما إذا لم يترتّب على ترك الشفعة ضرر على الشفيع ، بل كان له فيه نفع.

وبالجملة : فالضرر عندهم في بعض الأحكام حكمة لا يعتبر اطّرادها ، وفي بعض المقامات يعتبرون اطّرادها ، مع أنّ ظاهر الرواية اعتبار الضرر الشخصي.

إلاّ أن يستظهر منها : انتفاء الحكم رأسا إذا كان موجبا للضرر غالبا وإن لم يوجبه دائما ، كما قد يدّعى نظير ذلك في أدلّة نفي الحرج.

ولو قلنا بأنّ التسلّط على ملك الغير بإخراجه عن ملكه قهرا عليه بخيار أو شفعة ضرر أيضا ، صار الأمر أشكل.

إلاّ أن يقال : إنّ الضرر أوجب وقوع العقد على وجه متزلزل يدخل فيه الخيار ، فتأمّل.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الوسائل ١٦ : ٢٠٦ ، الباب ٢٥ من أبواب كتاب النذر والعهد ، الحديث ٤.

(٣) في (ر) و (ص): «من».

٤٦٦

تعارض الضررين

ثمّ إنّه قد يتعارض الضرران بالنسبة إلى شخص واحد أو شخصين ، فمع فقد المرجّح يرجع إلى الاصول والقواعد الأخر ، كما أنّه إذا اكره على الولاية من قبل الجائر المستلزمة للإضرار على الناس ، فإنّه يرجع إلى قاعدة «نفي الحرج» ؛ لأنّ إلزام الشخص بتحمّل الضرر لدفع الضرر عن غيره حرج ، وقد ذكرنا توضيح ذلك في مسألة التولّي من قبل الجائر من كتاب المكاسب (١).

تعارض ضرر المالك وضرر الغير

ومثله : إذا كان تصرّف المالك في ملكه موجبا لتضرّر جاره وتركه موجبا لتضرّر نفسه ، فإنّه يرجع إلى عموم : «الناس مسلّطون على أموالهم» (٢) ، ولو عدّ مطلق حجره عن التصرّف في ملكه ضررا ، لم يعتبر في ترجيح المالك ضرر زائد على ترك التصرّف فيه ، فيرجع إلى عموم التسلّط.

ويمكن الرجوع إلى قاعدة «نفي الحرج» ؛ لأنّ منع المالك لدفع ضرر الغير حرج وضيق عليه ؛ إمّا لحكومته ابتداء على نفي الضرر ، وإمّا لتعارضهما والرجوع إلى الأصل (٣).

جواز تصرّف المالك وإن تضرّر الجار

ولعلّ هذا أو بعضه منشأ إطلاق جماعة (٤) وتصريح آخرين (٥) بجواز

__________________

(١) انظر المكاسب ٢ : ٨٦.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩.

(٣) في (ت) ، (ص) و (ه): «الاصول».

(٤) مثل القاضي في المهذّب ٢ : ٣١ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ٢٦ ، والشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٢٩٠.

(٥) مثل العلاّمة في القواعد (الطبعة الحجريّة) ١ : ٢٢٠ ، والشهيد في الدروس ٣ : ٦٠.

٤٦٧

تصرّف المالك في ملكه وإن تضرّر الجار ، بأن يبني داره مدبغة أو حمّاما أو بيت القصارة أو الحدادة ، بل حكي عن الشيخ (١) والحلبيّ (٢) وابن زهرة (٣) دعوى الوفاق عليه.

ولعلّه أيضا منشأ ما في التذكرة (٤) : من الفرق بين تصرّف الإنسان في الشارع المباح بإخراج روشن أو جناح ، وبين تصرّفه في ملكه ، حيث اعتبر في الأوّل عدم تضرّر الجار بخلاف الثاني ؛ فإنّ المنع عن التصرّف في المباح لا يعدّ ضررا بل فوات انتفاع.

إشكال المحقّق السبزواري فيما إذا تضرّر الجار ضررا فاحشا

نعم ، ناقش في ذلك صاحب الكفاية ـ مع الاعتراف بأنّه المعروف بين الأصحاب ـ : بمعارضة عموم التسلّط بعموم نفي الضرر ، قال في الكفاية :

ويشكل جواز ذلك فيما إذا تضرّر الجار تضرّرا فاحشا ، كما إذا حفر في ملكه بالوعة ففسد بها بئر الغير ، أو جعل حانوته في صفّ العطّارين حانوت حدّاد ، أو جعل داره مدبغة أو مطبخة (٥) ، انتهى.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٧٢.

(٢) كذا في النسخ ، ولكنّ الصحيح : «الحلّي» ؛ لأنّه من جملة من حكى عنهم في مفتاح الكرامة عدم الخلاف في المسألة ، انظر مفتاح الكرامة ٧ : ٢٢ ، والسرائر ٢ : ٣٨٢.

(٣) الغنية : ٢٩٥.

(٤) التذكرة (الطبعة الحجريّة) ٢ : ١٨٢.

(٥) كفاية الأحكام : ٢٤١.

٤٦٨

اعتراض السيّد العاملي على المحقّق السبزواري

واعترض عليه (١) ـ تبعا للرياض (٢) ـ بما حاصله : أنّه لا معنى للتأمّل بعد إطباق الأصحاب عليه ـ نقلا وتحصيلا ـ ، والخبر المعمول عليه بل المتواتر : من أنّ «الناس مسلّطون على أموالهم» (٣).

كلام السيّد العاملي قدس‌سره

وأخبار الإضرار (٤) على ضعف بعضها وعدم تكافؤها لتلك الأدلّة ، محمولة على ما إذا لم يكن غرض له إلاّ الإضرار ، بل فيها ـ كخبر سمرة (٥) ـ إيماء إلى ذلك.

سلّمنا ، لكنّ التعارض بين الخبرين بالعموم من وجه ، والترجيح للمشهور (٦) ؛ للأصل ، والإجماع (٧) ، انتهى.

ثمّ فصّل المعترض بين أقسام التصرّف :

بأنّه إن قصد به الإضرار من دون أن يترتّب عليه جلب نفع أو دفع ضرر ، فلا ريب في أنّه يمنع ، كما دلّ عليه خبر سمرة بن جندب ؛ حيث قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّك رجل مضارّ».

وأمّا إذا ترتّب عليه نفع أو دفع ضرر وعلى جاره ضرر يسير ،

__________________

(١) المعترض هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة.

(٢) الرياض (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٣٢٠.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩.

(٤) انظر الوسائل ١٧ : ٣٤٠ ، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات ، باب عدم جواز الإضرار بالمسلم.

(٥) المتقدّم في الصفحة ٤٥٨.

(٦) في المصدر : «للخبر المشهور».

(٧) مفتاح الكرامة ٧ : ٢٢.

٤٦٩

فإنّه جائز قطعا. وعليه بنوا جواز رفع الجدار على سطح الجار.

وأمّا إذا كان ضرر الجار كثيرا يتحمّل عادة ، فإنّه جائز على كراهيّة شديدة. وعليه بنوا كراهيّة التولّي من قبل الجائر لدفع ضرر يصيبه.

وأمّا إذا كان ضرر الجار كثيرا لا يتحمّل عادة لنفع يصيبه ، فإنّه لا يجوز له ذلك. وعليه بنوا حرمة الاحتكار في مثل ذلك. وعليه بنى جماعة ـ كالفاضل في التحرير (١) والشهيد في اللمعة (٢) ـ الضمان إذا أجّج نارا بقدر حاجته مع ظنّه التعدّي إلى الغير.

وأمّا إذا كان ضرره كثيرا وضرر جاره كذلك ، فإنّه يجوز له دفع ضرره وإن تضرّر جاره أو أخوه المسلم. وعليه بنوا جواز الولاية من قبل الجائر ـ إلى أن قال ـ :

والحاصل : أنّ أخبار الإضرار فيما يعدّ إضرارا معتدّا به عرفا والحال أنّه لا ضرر بذلك على المضرّ ؛ لأنّ الضرر لا يزال بالضرر (٣) ، انتهى.

الأوفق بالقواعد تقديم المالك

أقول : الأوفق بالقواعد تقديم المالك ؛ لأنّ حجر المالك عن التصرّف في ماله ضرر يعارض ضرر الغير ، فيرجع إلى عموم قاعدة «السلطنة» و «نفي الحرج». نعم ، في الصورة الاولى التي يقصد المالك مجرّد الإضرار من غير غرض في التصرّف يعتدّ به ، لا يعدّ فواته ضررا.

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٣٨.

(٢) اللمعة : ٢٣٥ ، والروضة البهيّة ٧ : ٣٣.

(٣) مفتاح الكرامة ٧ : ٢٢ ـ ٢٣.

٤٧٠

عدم الفرق بين كون ضرر المالك أشدّ من ضرر الغير أو أقلّ

والظاهر : عدم الفرق بين كون ضرر المالك بترك التصرّف أشدّ من ضرر الغير أو أقلّ ؛ إمّا لعدم ثبوت الترجيح بقلّة الضرر كما سيجيء ، وإمّا لحكومة نفي الحرج على نفي الضرر ؛ فإنّ تحمّل الغير على الضرر ولو يسيرا لأجل دفع الضرر عن الغير ولو كثيرا ، حرج وضيق. ولذا اتّفقوا على أنّه يجوز للمكره الإضرار (١) بما دون القتل لأجل دفع الضرر عن نفسه ولو كان أقلّ من ضرر الغير.

هذا كلّه في تعارض ضرر المالك وضرر الغير.

تعارض ضرر المالكين

وأمّا في غير ذلك ، فهل يرجع ابتداء إلى القواعد الأخر أو بعد الترجيح بقلّة الضرر؟ وجهان ، بل قولان.

يظهر الترجيح من بعض الكلمات المحكيّة عن التذكرة (٢) وبعض مواضع (٣) الدروس (٤) ، ورجّحه غير واحد من المعاصرين (٥).

ويمكن أن ينزّل عليه ما عن المشهور (٦) : من أنّه لو أدخلت الدابّة رأسها في القدر بغير تفريط من أحد المالكين ، كسر القدر وضمن قيمته صاحب الدابّة ؛ معلّلا بأنّ الكسر لمصلحته.

__________________

(١) في (ر) و (ص) زيادة : «على الغير».

(٢) التذكرة (الطبعة الحجرية) ٢ : ٣٩١.

(٣) في (ص): «موارد».

(٤) الدروس ٣ : ١١٠.

(٥) كصاحب الجواهر في الجواهر ٣٧ : ٢٠٨ ، والسيّد المراغي في العناوين ١ : ٣٢٥.

(٦) انظر مفتاح الكرامة ٦ : ٢٨٧.

٤٧١

فيحمل إطلاق كلامهم على الغالب : من أنّ ما يدخل من الضرر على مالك الدابّة إذا حكم عليه بتلف الدابّة وأخذ قيمتها ، أكثر ممّا يدخل على صاحب القدر بتلفه وأخذ قيمته. وبعبارة اخرى : تلف إحدى العينين وتبدّلها بالقيمة أهون من تلف الاخرى.

وحينئذ : فلا يبقى مجال للاعتراض على تعليل الحكم بكونه لمصلحة صاحب الدابّة ، بما في المسالك : من أنّه قد يكون المصلحة لصاحب القدر فقط ، وقد يكون المصلحة مشتركة بينهما (١).

وكذلك حكمهم بضمان صاحب الدابّة إذا دخلت في دار لا تخرج إلاّ بهدمها معلّلا بأنّه لمصلحة صاحب الدابّة ؛ فإنّ الغالب أنّ تدارك المهدوم أهون من تدارك الدابّة.

وبه نستعين ومنه نستمدّ (٢).

__________________

(١) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٥.

(٢) عبارة «وبه نستعين ومنه نستمدّ» من (ه).

٤٧٢

تمّ

الجزء الثاني

ويليه

الجزء الثالث

في

الاستصحاب

٤٧٣
٤٧٤

العناوين العامّة

المقصد الثالث : في الشكّ

الشكّ في نفس التكليف...................................................... ١٧

الشبهة التحريميّة............................................................. ١٩

أدلّة البراءة.................................................................. ٢١

أدلّة الاحتياط............................................................... ٦٣

الشبهة التحريميّة الموضوعيّة.................................................. ١١٩

الشبهة الوجوبيّة............................................................ ١٤١

دوران الأمر بين المحذورين.................................................... ١٧٧

الشكّ في المكلّف به........................................................ ١٩٥

الشبهة المحصورة............................................................ ١٩٩

الشبهة غير المحصورة........................................................ ٢٥٧

دوران الأمر بين المتباينين.................................................... ٢٧٨

دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر............................................... ٣١٤

الخاتمة : فيما يعتبر في العمل بالأصل.......................................... ٤٠٥

قاعدة «لا ضرر ولا ضرار».................................................. ٤٥٧

٤٧٥
٤٧٦

فهرس المحتوى

المقصد الثالث

من مقاصد هذا الكتاب

في الشكّ

المكلّف الملتفت إلى الحكم الشرعي............................................... ٩

إمكان اعتبار الظنّ............................................................ ٩

عدم إمكان اعتبار الشكّ..................................................... ١٠

الحكم الواقعي والظاهري...................................................... ١٠

الدليل «الاجتهادي» و «الفقاهتي»............................................ ١٠

وجه تقديم الأدلّة على الاصول................................................. ١١

أخصّية الأدلّة غير العلميّة من الاصول.......................................... ١١

الدليل العلمي رافع لموضوع الأصل............................................. ١٢

التحقيق حكومة دليل الأمارة على الاصول الشرعيّة............................... ١٣

ارتفاع موضوع الاصول العقليّة بالأدلّة الظنّية..................................... ١٣

انحصار الاصول في أربعة...................................................... ١٣

الانحصار عقليّ.............................................................. ١٤

٤٧٧

مجاري الاصول الأربعة........................................................ ١٤

تداخل موارد الاصول أحيانا................................................... ١٤

حكم الشكّ من دون ملاحظة الحالة السابقة ، والكلام فيه في موضعين :........... ١٥

الموضع الأوّل

الشكّ في نفس التكليف ، وفيه مطالب :

متعلّق التكليف المشكوك إمّا فعل كلّي أو فعل جزئي.............................. ١٧

منشأ الشكّ في الشبهة الموضوعيّة والحكميّة...................................... ١٨

المطلب الأوّل : الشبهة التحريميّة ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : الشبهة التحريميّة من جهة فقدان النصّ........................... ٢٠

قولان في المسألة............................................................. ٢٠

أدلّة القول بالإباحة وعدم وجوب الاحتياط :.................................... ٢١

من الكتاب آيات :.......................................................... ٢١

الاستدلال بآية «ولا يكلّف الله ...» والمناقشة فيه............................... ٢١

الاستدلال بآية «وما كنّا معذّبين ...» والمناقشة فيه.............................. ٢٢

الاستدلال بآية «وما كان الله ليضلّ ...» والمناقشة فيه........................... ٢٤

الاستدلال بآية «ليهلك من هلك ...» والمناقشة فيه............................. ٢٥

إيراد عامّ.................................................................... ٢٥

الاستدلال بآية «قل لا أجد ...» والمناقشة فيه.................................. ٢٥

الاستدلال بآية «وما لكم أن لا تأكلوا ...» والمناقشة فيه........................ ٢٦

عدم نهوض الآيات المذكورة لإبطال وجوب الاحتياط.............................. ٢٧

٤٧٨

الاستدلال على البراءة بالسنّة :................................................ ٢٧

الاستدلال بحديث «الرفع»................................................... ٢٧

وجه الاستدلال.............................................................. ٢٨

المناقشة في الاستدلال........................................................ ٢٨

ظاهر بعض الأخبار أنّ المرفوع جميع الآثار والجواب عنه........................... ٢٩

ممّا يؤيّد إرادة العموم.......................................................... ٣٠

الجواب عن المؤيّد نقضا وحلاّ.................................................. ٣٠

وهن العموم بلزوم كثرة الإضمار والجواب عنه.................................... ٣١

وهن العموم بلزوم كثرة التخصيص والجواب عنه.................................. ٣٢

ليس المراد رفع الآثار المترتّبة على هذه العناوين................................... ٣٢

المرفوع هو الآثار الشرعيّة دون العقليّة والعاديّة................................... ٣٢

المراد من «الرفع»............................................................ ٣٣

المرتفع هو إيجاب التحفّظ والاحتياط............................................ ٣٤

اختصاص الرفع بما لا يكون في رفعه ما ينافي الامتنان............................. ٣٥

المراد من رفع الحسد.......................................................... ٣٦

المراد من رفع الطيرة........................................................... ٣٨

المراد من الوسوسة في الخلق.................................................... ٣٨

ما ذكره الصدوق في تفسير الطيرة والحسد والوسوسة.............................. ٤٠

الاستدلال بحديث «الحجب» والمناقشة فيه..................................... ٤١

الاستدلال بحديث «السعة» والمناقشة فيه....................................... ٤١

الاستدلال برواية «عبد الأعلى» والمناقشة فيه.................................... ٤٢

الاستدلال برواية «أيّما امرئ ...» والمناقشة فيه.................................. ٤٢

الاستدلال برواية «إنّ الله تعالى يحتجّ ...» والمناقشة فيه........................... ٤٢

٤٧٩

الاستدلال بمرسلة الفقيه...................................................... ٤٣

الاستدلال بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج..................................... ٤٣

المناقشة في الاستدلال بالصحيحة.............................................. ٤٤

الاستدلال برواية «كلّ شيء فيه حلال وحرام ...».............................. ٤٥

المناقشة في الاستدلال........................................................ ٤٧

المحصّل من الأخبار المستدلّ بها على البراءة...................................... ٥٠

الاستدلال على البراءة بالإجماع من وجهين :.................................... ٥٠

١ ـ دعوى الإجماع فيما لم يرد دليل على تحريمه مطلقا............................. ٥٠

٢ ـ دعوى الإجماع فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو...................... ٥١

تحصيل الإجماع على النحو الثاني من وجوه :..................................... ٥١

١ ـ ملاحظة فتاوى العلماء :.................................................. ٥١

٢ ـ الإجماعات المنقولة والشهرة المحقّقة........................................... ٥٤

٣ ـ الإجماع العملي........................................................... ٥٥

الدليل العقلي على البراءة : «قاعدة قبح العقاب بلا بيان»........................ ٥٦

حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل لا يكون بيانا............................. ٥٦

ما ذكره في الغنية : من أنّ التكليف بما لا طريق إلى العلم به تكليف بما لا يطاق..... ٥٧

المراد ب «ما لا يطاق»....................................................... ٥٨

الدليل العقلي المذكور ليس من أدلّة البراءة....................................... ٥٩

الاستدلال على البراءة بوجوه غير ناهضة :...................................... ٥٩

١ ـ استصحاب البراءة المتيقّنة.................................................. ٥٩

٢ ـ كون الاحتياط عسرا...................................................... ٦١

٣ ـ كون الاحتياط متعذّرا أحيانا............................................... ٦١

٤٨٠