فرائد الأصول - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-03-6
الصفحات: ٥٠٤

الثالث

أنّ وجوب الفحص إنّما هو في إجراء الأصل في الشبهة الحكميّة الناشئة من عدم النصّ ، أو إجمال بعض ألفاظه ، أو تعارض النصوص.

عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعيّة التحريميّة

أمّا إجراء الأصل في الشبهة الموضوعيّة :

فإن كانت الشبهة في التحريم ، فلا إشكال ولا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص.

ويدلّ عليه إطلاق الأخبار ـ مثل قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم» (١) ، وقوله : «حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة» (٢) ، وقوله : «حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه الميتة» (٣) وغير ذلك (٤) ـ السالم عمّا يصلح لتقييده.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٦٠ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، صدر الحديث ٤.

(٢) ذيل الحديث المذكور.

(٣) الوسائل ١٧ : ٩١ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة والأشربة ، الحديث ٢.

(٤) انظر الوسائل ١٧ : ٩٠ و ٩٢ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة والأشربة ، الحديث ١ و ٧.

٤٤١

هل يجب الفحص في الشبهة الموضوعيّة الوجوبيّة؟

وإن كانت الشبهة وجوبيّة ، فمقتضى أدلّة البراءة حتّى العقل كبعض كلمات العلماء : عدم وجوب الفحص أيضا ، وهو مقتضى حكم العقلاء في بعض الموارد ، مثل قول المولى لعبده : «أكرم العلماء أو المؤمنين» ، فإنّه لا يجب الفحص في المشكوك حاله في المثالين.

بناء العقلاء في بعض الموارد على الفحص

إلاّ أنّه قد يتراءى : أنّ بناء العقلاء في بعض الموارد على الفحص والاحتياط ، كما إذا أمر المولى بإحضار علماء البلد أو أطبّائها ، أو إضافتهم ، أو إعطاء كلّ واحد منهم دينارا ، فإنّه قد يدّعى أنّ بناءهم على الفحص عن اولئك ، وعدم الاقتصار على المعلوم ابتداء مع احتمال وجود غيرهم في البلد.

قال في المعالم ، في مقام الاستدلال على وجوب التبيّن في خبر مجهول الحال بآية التثبّت في خبر الفاسق :

كلام صاحب المعالم في وجوب الفحص في خبر مجهول الحال

إنّ وجوب التثبّت فيها متعلّق بنفس الوصف ، لا بما تقدّم العلم به منه ، ومقتضى ذلك إرادة الفحص والبحث عن حصوله وعدمه ؛ ألا ترى أنّ قول القائل : «أعط كلّ بالغ رشيد من هذه الجماعة ـ مثلا ـ درهما» يقتضي إرادة السؤال والفحص عمّن جمع الوصفين ، لا الاقتصار على من سبق العلم باجتماعهما فيه (١) ، انتهى.

وأيّد ذلك المحقّق القمّي قدس‌سره في القوانين :

كلام المحقّق القمّي تاييداً لصاحب المعالم

ب «أنّ الواجبات المشروطة بوجود شيء إنّما يتوقّف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده ، فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط. مثل : أنّ من شكّ في كون ماله بمقدار استطاعة الحجّ ـ لعدم علمه بمقدار

__________________

(١) المعالم : ٢٠١.

٤٤٢

المال ـ لا يمكنه أن يقول : إنّي لا أعلم أنّي مستطيع ولا يجب عليّ شيء ، بل يجب عليه محاسبة ماله ؛ ليعلم أنّه واجد للاستطاعة أو فاقد لها.

نعم ، لو شكّ بعد المحاسبة في أنّ هذا المال هل يكفيه في الاستطاعة أم لا؟ فالأصل عدم الوجوب حينئذ» (١).

ثمّ ذكر المثال المذكور في المعالم بالتقريب المتقدّم عنه (٢).

اختلاف كلمات الفقهاء في فروع المسألة

وأمّا كلمات الفقهاء فمختلفة في فروع هذه المسألة : فقد أفتى جماعة منهم ـ كالشيخ (٣) والفاضلين (٤) وغيرهم (٥) ـ بأنّه لو كان له فضّة مغشوشة بغيرها وعلم بلوغ الخالص نصابا وشكّ في مقداره ، وجب التصفية ؛ ليحصل (٦) العلم بالمقدار ، أو الاحتياط بإخراج ما يتيقّن (٧) معه البراءة.

نعم ، استشكل في التحرير في وجوب ذلك (٨) ، وصرّح غير واحد

__________________

(١) القوانين ١ : ٤٦٠.

(٢) في الصفحة السابقة.

(٣) المبسوط ١ : ٢١٠.

(٤) الشرائع ١ : ١٥١ ، وقواعد الأحكام ١ : ٣٤٠.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٨٦ ، والفاضل النراقي في مستند الشيعة ٩ : ١٥٦.

(٦) في (ر) و (ص): «لتحصيل».

(٧) كذا في (ظ) و (ه) ، وفي غيرهما : «تيقّن».

(٨) التحرير ١ : ٦٢.

٤٤٣

من هؤلاء (١) مع عدم العلم ببلوغ الخالص النصاب : بأنّه (٢) لا يجب التصفية.

والفرق بين المسألتين مفقود إلاّ ما ربما يتوهّم : من أنّ العلم بالتكليف ثابت مع العلم ببلوغ النصاب ، بخلاف ما لم يعلم به.

وفيه : أنّ العلم بالنصاب لا يوجب الاحتياط مع القدر المتيقّن ودوران الأمر بين الأقلّ والأكثر مع كون الزائد على تقدير وجوبه تكليفا مستقلاّ ؛ ألا ترى : أنّه لو علم بالدّين وشكّ في قدره ، لم يوجب ذلك الاحتياط والفحص.

مع أنّه لو كان هذا المقدار يمنع من إجراء البراءة قبل الفحص لمنع منها بعده ؛ إذ العلم الإجمالي لا يجوز معه الرجوع إلى البراءة ولو بعد الفحص.

وقال في التحرير في باب نصاب الغلاّت : ولو شكّ في البلوغ ، ولا مكيال هنا ولا ميزان ، ولم يوجد ، سقط الوجوب دون الاستحباب (٣) ، انتهى.

وظاهره : جريان الأصل مع تعذّر الفحص وتحصيل العلم.

وبالجملة : فما ذكروه من إيجاب تحصيل العلم بالواقع مع التمكّن في بعض أفراد الاشتباه في الموضوع ، مشكل.

وأشكل منه : فرقهم بين الموارد ، مع ما تقرّر عندهم من أصالة نفي الزائد عند دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر.

__________________

(١) كالعلاّمة في القواعد ١ : ٣٤٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٨٦ ، والفاضل النراقي في المستند ٩ : ١٥٥.

(٢) لم ترد «بأنّه» في (ظ) و (ه) ، ووردت في (ت) قبل قوله : «مع عدم».

(٣) التحرير ١ : ٦٣.

٤٤٤

المناقشة فيما ذكره صاحب المعالم

وأمّا ما ذكره صاحب المعالم رحمه‌الله وتبعه عليه المحقّق القمّي رحمه‌الله (١) : من تقريب الاستدلال بآية التثبّت على ردّ خبر مجهول الحال ، من جهة اقتضاء (٢) تعلّق الأمر بالموضوع الواقعيّ (٣) وجوب الفحص عن مصاديقه وعدم الاقتصار على القدر المعلوم ، فلا يخفى ما فيه.

لأنّ ردّ خبر مجهول الحال ليس مبنيّا على وجوب الفحص عند الشكّ ؛ وإلاّ لجاز الأخذ به ، ولم يجب التبيّن فيه بعد الفحص واليأس عن العلم بحاله ، كما لا يجب الإعطاء في المثال المذكور بعد الفحص عن حال المشكوك وعدم العلم باجتماع الوصفين فيه.

بل وجه ردّه قبل الفحص وبعده : أنّ وجوب التبيّن شرطيّ ، ومرجعه إلى اشتراط قبول الخبر في نفسه من دون اشتراط التبيّن فيه بعدالة المخبر ، فإذا شكّ في عدالته شكّ في قبول خبره في نفسه ، والمرجع في هذا الشكّ والمتعيّن فيه عدم القبول ؛ لأنّ عدم العلم بحجّية شيء كاف في عدم حجّيته.

ما يمكن أن يقال في المسألة

ثمّ الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص : أنّه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقّف كثيرا على الفحص بحيث لو اهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا ، تعيّن هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ، ثمّ العمل بالبراءة ، كبعض الأمثلة المتقدّمة (٤) ؛ فإنّ إضافة جميع علماء البلد أو أطبّائهم لا يمكن للشخص الجاهل إلاّ بالفحص ،

__________________

(١) تقدّم كلامهما في الصفحة ٤٤٢ ـ ٤٤٣.

(٢) لم ترد «اقتضاء» في (ر).

(٣) في (ر) ، (ص) و (ه) زيادة : «المقتضي».

(٤) راجع الصفحة ٤٤٢.

٤٤٥

فإذا حصّل العلم ببعض ، واقتصر على ذلك ـ نافيا لوجوب إضافة من عداه بأصالة البراءة من غير تفحّص زائد على ما حصّل به المعلومين ـ عدّ مستحقّا للعقاب والملامة عند انكشاف ترك إضافة من تمكّن (١) من تحصيل العلم به بفحص زائد.

ومن هنا يمكن أن يقال في مثال الحجّ المتقدّم (٢) : إنّ العلم بالاستطاعة في أوّل أزمنة حصولها يتوقّف غالبا على المحاسبة ، فلو بني الأمر على تركها ونفي وجوب الحجّ بأصالة البراءة ، لزم تأخير الحجّ عن أوّل سنة الاستطاعة بالنسبة إلى كثير من الأشخاص ، لكنّ الشأن في صدق هذه الدعوى.

رجوع إلى مناقشة المحقّق القمّي

وأمّا ما استند إليه المحقّق المتقدّم : من أنّ الواجبات المشروطة يتوقّف وجوبها على وجود الشرط لا العلم بوجوده ، ففيه : أنّه مسلّم ، ولا يجدي ؛ لأنّ الشكّ في وجود الشرط يوجب الشكّ في وجوب (٣) المشروط وثبوت التكليف ، والأصل عدمه.

غاية الأمر (٤) الفرق بين اشتراط التكليف بوجود الشيء واشتراطه بالعلم به ؛ إذ (٥) مع عدم العلم في الصورة الثانية يقطع بانتفاء التكليف (٦) من دون حاجة إلى الأصل ، وفي الصورة الاولى يشكّ فيه ، فينفى بالأصل.

__________________

(١) كذا في (ظ) و (ه) ، وفي (ر) و (ص): «يتمكّن».

(٢) المتقدّم في الصفحة ٤٤٢ ـ ٤٤٣.

(٣) في (ت) ، (ر) و (ص): «وجود».

(٤) لم ترد «الأمر» في (ت) ، (ظ) و (ه).

(٥) في (ت) ، (ظ) و (ه) بدل «إذ» : «أنّ».

(٦) في (ظ) زيادة : «واقعا».

٤٤٦

[مقدار الفحص](١)

حدّ الفحص هو الياس

وأمّا الكلام في مقدار الفحص ، فملخّصه : أنّ حدّ الفحص هو اليأس عن وجدان الدليل فيما بأيدينا من الأدلّة ، ويختلف ذلك باختلاف الأعصار ؛ فإنّ في زماننا هذا إذا ظنّ المجتهد بعدم وجود دليل التكليف في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتبرة في الحديث ـ التي يسهل تناولها على نوع أهل العصر ـ على وجه صار مأيوسا ، كفى ذلك منه في إجراء البراءة.

أمّا (٢) عدم وجوب الزائد ؛ فللزوم الحرج ، وتعطيل استعلام سائر التكاليف ؛ لأنّ انتهاء الفحص في واقعة إلى حدّ يحصل العلم بعدم وجود دليل التكليف يوجب الحرمان من الاطلاع على دليل التكليف في غيرها من الوقائع ، فيجب فيها إمّا الاحتياط ، وهو يؤدّي إلى العسر ، وإمّا لزوم التقليد لمن بذل جهده على وجه علم بعدم دليل التكليف فيها ، وجوازه ممنوع ؛ لأنّ هذا المجتهد المتفحّص ربما يخطّئ ذلك المجتهد في كثير من مقدّمات استنباطه للمسألة.

نعم ، لو كان جميع مقدّماته ممّا يرتضيها هذا المجتهد ، وكان

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) في (ت) و (ر): «وأمّا».

٤٤٧

التفاوت بينهما أنّه اطّلع على ما لم يطّلع هذا ، أمكن أن يكون قوله حجّة في حقّه. لكنّ اللازم ـ حينئذ ـ أن يتفحّص في جميع المسائل إلى حيث يحصل الظنّ بعدم وجود دليل التكليف ، ثمّ الرجوع إلى هذا المجتهد ، فإن كان مذهبه مطابقا للبراءة كان مؤيّدا لما ظنّه من عدم الدليل ، وإن كان مذهبه مخالفا للبراءة كان شاهد عدل (١) على وجود دليل التكليف.

فإن لم يحتمل في حقّه الاعتماد على الاستنباطات الحدسيّة و (٢) العقليّة من الأخبار ، أخذ بقوله في وجود دليل ، وجعل فتواه كروايته.

ومن هذا القبيل : ما حكاه غير واحد (٣) ، من أنّ القدماء كانوا يعملون برسالة الشيخ أبي الحسن عليّ بن بابويه عند إعواز النصوص.

والتقييد بإعواز النصوص مبنيّ على ترجيح النصّ المنقول بلفظه على الفتوى التي يحتمل الخطأ في النقل بالمعنى.

وإن احتمل في حقّه ابتناء فتواه على الحدس والعقل ، لم يكن دليل على اعتباره في حقّه ، وتعيّن العمل بالبراءة.

__________________

(١) كذا في (ر) ، (ظ) ونسخة بدل (ت) ، وفي (ت) و (ص): «عادل» ، وفي (ه) : «شاهدا عدلا».

(٢) في (ر) و (ص): «أو».

(٣) كالشهيد في الذكرى ١ : ٥١ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ٧ : ١٢٧.

٤٤٨

تذنيب

ذكر الفاضل التوني (١) لأصل البراءة شروطا أخر (٢) :

شرطان آخران ذكرهما الفاضل التوني لأصل البراءة

الأوّل :

١ ـ أن لا يكون موجبا لثبوت حكم آخر

أن لا يكون إعمال الأصل موجبا لثبوت حكم شرعيّ من جهة اخرى ، مثل أن يقال في أحد الإناءين المشتبهين : الأصل عدم وجوب الاجتناب عنه ، فإنّه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر ، أو عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرّا ، أو عدم تقدّم الكرّية ـ حيث يعلم بحدوثها ـ على ملاقاة النجاسة ؛ فإنّ إعمال الاصول يوجب الاجتناب عن الإناء الآخر أو الملاقي أو الماء.

توضيح المقام ومناقشة كلام الفاضل التوني

أقول : توضيح الكلام في هذا المقام : أنّ إيجاب العمل بالأصل لثبوت حكم آخر :

إمّا بإثبات الأصل المعمول به لموضوع انيط به حكم شرعيّ ، كأن يثبت بالأصل براءة ذمّة الشخص الواجد لمقدار من المال واف بالحجّ من الدين ، فيصير بضميمة أصالة البراءة مستطيعا ، فيجب عليه الحجّ ؛ فإنّ الدين مانع عن الاستطاعة ، فيدفع بالأصل ، ويحكم بوجوب الحجّ بذلك المال. ومنه المثال الثاني ؛ فإنّ أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي

__________________

(١) انظر الوافية : ١٨٦ ـ ١٨٧ و ١٩٣.

(٢) لم ترد «أخر» في (ر) و (ه).

٤٤٩

للنجاسة كرّا يوجب الحكم بقلّته التي انيط بها الانفعال.

وإمّا لاستلزام نفي الحكم به حكما يستلزم ـ عقلا أو شرعا أو عادة ولو في هذه القضيّة الشخصيّة ـ ثبوت حكم تكليفيّ في ذلك المورد أو في مورد آخر ، كنفي وجوب الاجتناب عن أحد الإناءين.

إذا اريد بإعمال الأصل إثبات موضوع لحكم شرعي

فإن كان إيجابه للحكم على الوجه الأوّل كالمثال الثاني ، فلا يكون ذلك مانعا عن جريان الأصل ؛ لجريان أدلّته ـ من العقل والنقل ـ من غير مانع. ومجرّد إيجابه لموضوع حكم (١) وجوديّ آخر لا يكون مانعا عن جريان أدلّته ، كما لا يخفى على من تتّبع الأحكام الشرعيّة والعرفيّة.

ومرجعه في الحقيقة إلى رفع المانع ، فإذا انحصر الطهور في ماء مشكوك الإباحة ـ بحيث لو كان محرّم الاستعمال لم يجب الصلاة لفقد الطهورين ـ ، فلا مانع من إجراء أصالة الحلّ ، وإثبات كونه واجدا للطهور ، فيجب عليه الصلاة.

ومثاله العرفيّ : ما إذا قال المولى لعبده : إذا لم يكن عليك شغل واجب من قبلي فاشتغل بكذا ، فإنّ العقلاء يوجبون عليه الاشتغال بكذا إذا لم يعلم بوجوب شيء على نفسه من قبل المولى.

وإن كان على الوجه الثاني ، الراجع إلى وجود العلم الإجماليّ بثبوت حكم مردّد بين حكمين :

إذا اريد بإعمال الأصل نفي أحد الحكمين وإثبات الآخر

فإن اريد بإعمال الأصل في نفي أحدهما إثبات الآخر ، ففيه : أنّ مفاد أدلّة أصل البراءة مجرّد نفي التكليف ، دون إثباته وإن كان الإثبات

__________________

(١) في (ت) بدل «لموضوع حكم» : «لحكم وجودي».

٤٥٠

لازما واقعيّا لذلك النفي ؛ فإنّ الأحكام الظاهريّة إنّما تثبت بمقدار مدلول أدلّتها ، ولا يتعدّى إلى أزيد منه بمجرّد ثبوت الملازمة الواقعيّة بينه وبين ما ثبت. إلاّ أن يكون الحكم الظاهريّ الثابت بالأصل موضوعا لذلك الحكم الآخر ، كما ذكرنا في مثال براءة الذمّة عن الدين والحجّ (١). وسيجيء توضيح ذلك في باب تعارض الاستصحابين (٢).

إذا اريد مجرّد نفي أحد الحكمين

وإن اريد بإعماله في أحدهما مجرّد نفيه دون الإثبات ، فهو جار ، إلاّ أنّه معارض بجريانه في الآخر ، فاللازم إمّا إجراؤه فيهما ، فيلزم طرح ذلك العلم الإجماليّ ؛ لأجل العمل بالأصل ، وإمّا إهماله فيهما ، فهو المطلوب ، وإمّا إعمال أحدهما بالخصوص ، فترجيح بلا مرجّح.

نعم ، لو لم يكن العلم الإجماليّ في المقام ممّا يضرّ طرحه لزم العمل بهما ، كما تقدّم (٣) أنّه أحد الوجهين فيما إذا دار الأمر بين الوجوب والتحريم.

سقوط العمل بكلّ أصل لأجل المعارض

وكيف كان : فسقوط العمل بالأصل في المقام لأجل المعارض ، ولا اختصاص لهذا الشرط بأصل البراءة ، بل يجري في غيره من الاصول والأدلّة.

ولعلّ مقصود صاحب الوافية ذلك ، وقد عبّر هو قدس‌سره عن هذا الشرط في باب الاستصحاب بعدم المعارض (٤).

__________________

(١) في (ص) بدل «والحجّ» : «لوجوب الحجّ».

(٢) انظر مبحث الاستصحاب ٣ : ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٣) راجع الصفحة ١٨٠.

(٤) الوافية : ٢٠٩.

٤٥١

عدم الفرق بين أصالة عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرّا وأصالة البراءة من الدّين

وأمّا أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرّا ، فقد عرفت (١) : أنّه لا مانع من استلزام جريانها الحكم بنجاسة الملاقي ؛ فإنّه نظير أصالة البراءة من الدّين المستلزم لوجوب الحجّ.

وقد فرّق بينهما المحقّق القمّي رحمه‌الله ، حيث اعترف : بأنّه لا مانع من إجراء البراءة في الدين وإن استلزم وجوب الحجّ ، ولم يحكم بنجاسة الماء مع جريان أصالة عدم الكرّية ؛ جمعا بينها وبين أصالة طهارة الماء (٢).

ولم يعرف وجه فرق بينهما أصلا.

مورد الشكّ في البلوغ كرّا

ثمّ إنّ مورد الشكّ في البلوغ كرّا : الماء المسبوق بعدم الكرّية ، وأمّا المسبوق بالكرّية فالشكّ في نقصانه من الكرّية ، والأصل هنا بقاؤها.

ولو لم يكن مسبوقا بحال :

ففي الرجوع إلى طهارة الماء ؛ للشكّ في كون ملاقاته مؤثّرة في الانفعال ، فالشكّ في رافعيّتها للطهارة.

أو إلى نجاسته (٣) ؛ لأنّ الملاقاة مقتضية للنجاسة ، والكرّية مانعة عنها ـ بمقتضى قوله عليه‌السلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» (٤) ، ونحوه ممّا دلّ على سببيّة الكرّية لعدم الانفعال (٥) ، المستلزمة لكونها

__________________

(١) راجع الصفحة ٤٤٩.

(٢) القوانين ٢ : ٤٦ ـ ٤٧.

(٣) كذا في (ظ) ، وفي غيرها : «النجاسة».

(٤) الوسائل ١ : ١١٧ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١ و ٢ وغيرهما.

(٥) الوسائل ١ : ١١٧ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٤ و ٧ وغيرهما.

٤٥٢

مانعة عنه ـ ، والشكّ في المانع في حكم العلم بعدمه ، وجهان.

أصالة عدم تقدّم الكرّية على الملاقاة

وأمّا أصالة عدم تقدّم الكرّية على الملاقاة ، فهو في نفسه ليس من الحوادث المسبوقة بالعدم حتّى يجري فيه الأصل.

نعم ، نفس الكرّية حادثة ، فإذا شكّ في تحقّقها حين الملاقاة حكم بأصالة عدمها. وهذا معنى عدم تقدّم الكرّية على الملاقاة.

لكن هنا أصالة عدم حدوث الملاقاة حين حدوث الكرّية ، وهو معنى عدم تقدّم الملاقاة على الكرّية ، فيتعارضان ، فلا (١) وجه لما ذكره من الأصل.

تفصيل صاحب الفصول في مسألة الكرّية والملاقاة

وقد (٢) يفصّل (٣) فيها بين ما كان تأريخ واحد من الكرّية والملاقاة معلوما ، فإنّه يحكم بأصالة تأخّر المجهول بمعنى عدم ثبوته في زمان يشكّ في ثبوته فيه ، فيلحقه حكمه من الطهارة والنجاسة ، وقد يجهل التأريخان بالكلّية ، وقضيّة الأصل في ذلك التقارن ، ومرجعه إلى نفي وقوع كلّ منهما في زمان يحتمل عدم (٤) وقوعه فيه ، وهو يقتضي ورود النجاسة على ما هو كرّ حال الملاقاة ، فلا ينجس (٥) به (٦) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول

وفيه : أنّ تقارن ورود النجاسة والكرّية موجب لانفعال الماء ؛

__________________

(١) كذا في (ت) ، وفي غيرهما : «ولا».

(٢) في (ظ) و (ه): «فقد».

(٣) المفصّل هو صاحب الفصول في الفصول.

(٤) لم ترد «عدم» في (ت) و (ه) ، وما أثبتناه موافق للمصدر.

(٥) كذا في (ظ) والمصدر ، وفي غيرهما : «فلا يتنجّس».

(٦) الفصول : ٣٦٥.

٤٥٣

لأنّ الكرّية مانعة عن الانفعال بما يلاقيه بعد الكرّية على ما هو مقتضى قوله عليه‌السلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» ؛ فإنّ الضمير المنصوب راجع إلى الكرّ المفروض كرّيته (١) ، فإذا حصلت الكرّية حال الملاقاة كان المعروض للملاقاة غير كرّ ، فهو نظير ما إذا حصلت الكرّية بنفس الملاقاة فيما إذا تمّم الماء النجس كرّا بطاهر (٢) ، والحكم فيه النجاسة.

إلاّ أنّ ظاهر المشهور فيما نحن فيه الحكم بالطهارة ، بل ادّعى المرتضى قدس‌سره عليه الإجماع ، حيث استدلّ بالإجماع على طهارة كرّ رئي فيه نجاسة لم يعلم تقدّم وقوعها على الكرّية ، على كفاية تتميم النجس كرّا في زوال نجاسته (٣).

وردّه الفاضلان (٤) وغيرهما (٥) : بأنّ الحكم بالطهارة هنا لأجل الشكّ في ثبوت (٦) التنجيس (٧) ؛ لأنّ الشكّ مرجعه إلى الشكّ في كون الملاقاة مؤثّرة ـ لوقوعها قبل الكرّية ـ أو غير مؤثّرة.

__________________

(١) كذا في (ظ) ، وفي غيرها : «الكرّيّة».

(٢) وردت في (ه) ونسخة بدل (ص) بدل «فيما إذا ـ إلى ـ بطاهر» : «فيما إذا تمّم الماء الطاهر كرّا بماء نجس».

(٣) رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٦١ ـ ٣٦٢.

(٤) انظر المعتبر ١ : ٥٢ ، والمختلف ١ : ١٨١.

(٥) كالسيّد العاملي في المدارك ١ : ٤٢ ، والمحقّق السبزواري في الذخيرة : ١٢٥.

(٦) في (ظ) بدل «ثبوت» : «حدوث سبب».

(٧) كذا في (ظ) ، وفي (ت): «التنجس» ، وفي غيرهما : «النجس».

٤٥٤

لكنّه يشكل ؛ بناء على أنّ الملاقاة سبب للانفعال ، والكرّية مانعة ، فإذا علم بوقوع السبب في زمان (١) لم يعلم فيه وجود المانع ، وجب الحكم بالمسبّب.

إلاّ أنّ الاكتفاء بوجود السبب من دون إحراز عدم المانع ولو بالأصل محلّ تأمّل ، فتأمّل.

الثاني

٢ ـ الشرط الثاني الذي ذكره الفاضل التوني لأصل البراءة : عدم تضرّر آخر ، والمناقشة فيه

أن لا يتضرّر بإعمالها مسلم ، كما لو فتح إنسان قفص طائر فطار ، أو حبس شاة فمات ولدها ، أو أمسك رجلا فهربت دابّته.

فإنّ إعمال البراءة فيها يوجب تضرّر المالك ، فيحتمل اندراجه في قاعدة «الإتلاف» ، وعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ضرر ولا ضرار» (٢) ؛ فإنّ المراد نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع ، وإلاّ فالضرر غير منفيّ ، فلا علم حينئذ ـ ولا ظنّ ـ بأنّ الواقعة غير منصوصة ، فلا يتحقّق شرط التمسّك بالأصل من فقدان النصّ ، بل يحصل القطع بتعلّق حكم شرعيّ بالضارّ ، ولكن لا يعلم أنّه مجرّد التعزير أو الضمان أو هما معا ، فينبغي له تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح (٣).

المناقشة فيها ذكره الفاضل التوني

ويرد عليه : أنّه إن كانت قاعدة «نفي الضرر» معتبرة في مورد الأصل ، كانت دليلا كسائر الأدلّة الاجتهاديّة الحاكمة على البراءة ، وإلاّ

__________________

(١) في (ر) و (ص) زيادة : «و».

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٤١ ، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٣ ، ٤ و ٥.

(٣) الوافية : ١٩٣ ـ ١٩٤.

٤٥٥

فلا معنى للتوقّف في الواقعة وترك العمل بالبراءة.

ومجرّد احتمال اندراج الواقعة في قاعدة «الإتلاف» أو «الضرر» لا يوجب رفع اليد عن الأصل.

والمعلوم تعلّقه بالضارّ فيما نحن فيه هو الإثم والتعزير إن كان متعمّدا ، وإلاّ فلا يعلم وجوب شيء عليه ، فلا وجه لوجوب تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح.

وبالجملة : فلا يعلم وجه صحيح لما ذكره في خصوص أدلّة الضرر.

كما لا وجه لما ذكره : من تخصيص مجرى الأصل بما إذا لم يكن جزء عبادة (١) ، بناء على أنّ المثبت لأجزاء العبادة هو النصّ.

فإنّ النصّ قد يصير مجملا ، وقد لا يكون نصّ في المسألة ، فإن قلنا بجريان الأصل وعدم العبرة بالعلم بثبوت التكليف بالأمر (٢) المردّد بين الأقلّ والأكثر فلا مانع منه ، وإلاّ فلا مقتضي له ، وقد قدّمنا ما عندنا في المسألة.

__________________

(١) الوافية : ١٩٥.

(٢) لم ترد «بالأمر» في غير (ظ).

٤٥٦

[قاعدة لا ضرر ولا ضرار](١)

وحيث جرى ذكر حديث «نفي الضرر والضرار» ناسب بسط الكلام في ذلك في الجملة ، فنقول :

دعوى فخر الدين تواتر الأخبار بنفي الضرر والضرار

قد ادّعى فخر الدين في الإيضاح ـ في باب الرهن (٢) ـ : تواتر الأخبار على نفي الضرر والضرار (٣) ، فلا نتعرّض من الأخبار الواردة في ذلك إلاّ لما هو أصحّ ما في الباب سندا وأوضحه دلالة ، وهي الرواية

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٨.

(٣) انظر الوسائل ١٣ : ٣٣٩ ، الباب ٦ من أحكام الهبات ، الحديث ٤ ، والصفحة ٤٩ ، الباب ٢ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث الأوّل ، و ١٧ : ٣١٩ ، الباب ٥ من أبواب الشفعة ، الحديث الأوّل ، والصفحة ٣٣٣ ، الباب ٧ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٢ ، والصفحة ٣٤١ ، الباب ١٢ منها ، الحديث ٢ ، والصفحة ٣٤٣ الباب ١٥ منها ، الحديث الأوّل ، و ١٩ : ١٧٩ الباب ٨ من أبواب موجبات الضمان ، الحديث ٢ ، والصفحة ١٨١ ، الباب ٩ منها ، الحديث الأوّل ، والفقيه ٤ : ٣٣٤ ، الحديث ٥٧١٨ ، مضافا إلى الروايات الكثيرة الواردة في قضيّة سمرة وسيأتي بعضها ، وانظر رسالة «نفي الضرر» للمصنّف : ١٤ ـ ١٦.

٤٥٧

المتضمّنة لقصّة سمرة بن جندب مع الأنصاري ، وهي ما رواه غير واحد عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام :

الرواية المتضمّنة لقضيّة سمرة بن جندب

«إنّ سمرة بن جندب كان له عذق ، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار ، وكان يجيء ويدخل إلى عذقه بغير إذن من الأنصاري.

فقال الأنصاري : يا سمرة ، لا تزال تفجأنا على حال لا نحبّ أن تفجأنا عليها ، فإذا دخلت فاستأذن. فقال : لا أستأذن في طريقي إلى عذقي.

فشكاه الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتاه ، فقال له : إنّ فلانا قد شكاك وزعم أنّك تمرّ عليه وعلى أهله بغير إذنه ، فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل.

فقال : يا رسول الله ، أستأذن في طريقي إلى عذقي؟

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خلّ عنه ولك عذق في مكان كذا.

قال : لا.

قال : فلك اثنان. فقال : لا اريد.

فجعل صلى‌الله‌عليه‌وآله يزيد حتّى بلغ عشر أعذق. فقال : لا.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : خلّ عنه ولك عشر أعذق في مكان كذا ، فأبى.

فقال : خلّ عنه ولك بها عذق في الجنّة. فقال : لا اريد.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّك رجل مضارّ ، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن.

قال عليه‌السلام : ثمّ أمر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلعت ، ثمّ رمي بها إليه. وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انطلق فاغرسها حيث شئت ... الخبر» (١).

__________________

(١) البحار ٢٢ : ١٣٥ ، الحديث ١١٨ ، وليست للحديث تتمّة.

٤٥٨

وفي رواية اخرى موثّقة : «إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاريّ بباب البستان ـ وفي آخرها ـ :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري : اذهب فاقلعها وارم بها إليه ، فإنّه لا ضرر ولا ضرار ... الخبر» (١).

معنى «الضرر» و «الضرار»

وأمّا معنى اللفظين :

فقال في الصحاح : الضرّ خلاف النفع ، وقد ضرّه وضارّه بمعنى. والاسم الضّرر. ثمّ قال : والضّرار المضارّة (٢).

وعن النهاية الأثيريّة : في الحديث : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام». الضرّ ضدّ النفع ، ضرّه يضرّه ضرّا وضرارا ، وأضرّ به يضرّه إضرارا ، فمعنى قوله : «لا ضرر» لا يضرّ الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقّه.

والضّرار فعال من الضرّ ، أي لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه.

والضّرر فعل الواحد ، والضّرار فعل الاثنين ، والضرر ابتداء الفعل ، والضّرار الجزاء عليه.

وقيل : الضرر ما تضرّ به صاحبك وتنتفع أنت به. والضّرار أن تضرّه من غير أن تنتفع.

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٤١ ، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٣ ، وليست للحديث تتمّة.

(٢) الصحاح ٢ : ١٧٩ ـ ٧٢٠ ، مادّة «ضرر».

٤٥٩

وقيل : هما بمعنى. والتكرار للتأكيد (١) ، انتهى.

وعن المصباح : «ضرّه يضرّه» من باب قتل : إذا فعل به مكروها وأضرّ به. يتعدّى بنفسه ثلاثيّا وبالباء رباعيّا. والاسم الضرر. وقد يطلق على نقص في الأعيان.

وضارّه مضارّة وضرارا بمعنى ضرّه (٢) ، انتهى.

وفي القاموس : الضرّ ضدّ النفع ، وضارّه يضارّه وضرارا. ثمّ قال :

والضرر سوء الحال. ثمّ قال : والضرار الضيق» (٣) ، انتهى.

معاني «لا ضرر ولا ضرار» في الرواية :

إذا عرفت ما ذكرناه ، فاعلم :

١ ـ عدم تشريع الضرر

أنّ المعنى بعد تعذّر إرادة الحقيقة : عدم تشريع الضرر ، بمعنى أنّ الشارع لم يشرّع حكما يلزم منه ضرر على أحد ، تكليفيّا كان أو وضعيّا.

فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون فينفى (٤) بالخبر ، وكذلك لزوم البيع من غير شفعة للشريك ، وكذلك وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلاّ بثمن كثير ، وكذلك سلطنة المالك على الدخول إلى عذقه وإباحته له من دون استئذان من الأنصاريّ ، وكذلك حرمة الترافع إلى حكّام الجور إذا توقّف أخذ الحقّ عليه.

ومنه : براءة ذمّة الضارّ من تدارك ما أدخله من الضرر ، إذ كما

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٣ : ٨١ ـ ٨٢ ، مادّة «ضرر».

(٢) المصباح المنير : ٣٦٠ ، مادّة «ضرر».

(٣) القاموس المحيط ٢ : ٧٥ ، مادّة «الضرّ».

(٤) كذا في (ظ) ، وفي غيرها : «فينتفي».

٤٦٠