البحر المحيط في التّفسير - ج ٧

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]

البحر المحيط في التّفسير - ج ٧

المؤلف:

محمّد بن يوسف [ أبي حيّان الأندلسي الغرناطي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤

الأكثرون : هو نبي فقيل : هو إلياس. وقيل : زكريا. وقيل : يوشع ، والكفل النصيب والحظ أي ذو الحظ من الله المحدود على الحقيقة. وقيل : كان له ضعف عمل الأنبياء في زمانه وضعف ثوابهم. وقيل : في تسميته ذا الكفل أقوال مضطربة لا تصح. وانتصب (مُغاضِباً) على الحال. فقيل : معناه غضبان وهو من المفاعلة التي لا تقتضي اشتراكا ، نحو : عاقبت اللص وسافرت. وقيل (مُغاضِباً) لقومه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب ، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه فأوعدهم بالعذاب ، ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج. وقيل (مُغاضِباً) للملك حزقيا حين عينه لغزو ملك كان قد عاب في بني إسرائيل فقال له يونس : آلله أمرك بإخراجي؟ قال : لا ، قال : فهل سماني لك؟ قال : لا ، قال : هاهنا غيري من الأنبياء ، فألح عليه فخرج (مُغاضِباً) للملك. وقول من قال (مُغاضِباً) لربه وحكى في المغاضبة لربه كيفيات يجب اطّراحه إذ لا يناسب شيء منها منصب النبوة ، وينبغي أن يتأول لمن قال ذلك من العلماء كالحسن والشعبي وابن جبير وغيرهم من التابعين ، وابن مسعود من الصحابة بأن يكون معنى قولهم (مُغاضِباً) لربه أي لأجل ربه ودينه ، واللام لام العلة لا اللام الموصلة للمفعول به. وقرأ أبو شرف مغضبا اسم مفعول.

(فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي نضيق عليه من القدر لا من القدرة ، وقيل : من القدرة بمعنى (أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) الابتلاء. وقرأ الجمهور (نَقْدِرَ) بنون العظمة مخففا. وقرأ ابن أبي ليلى وأبو شرف والكلبي وحميد بن قيس ويعقوب بضم الياء وفتح الدال مخففا ، وعيسى والحسن بالياء مفتوحة وكسر الدال ، وعليّ بن أبي طالب واليماني بضم الياء وفتح القاف والدال مشددة ، والزهري بالنون مضمومة وفتح القاف وكسر الدال مشددة.

(فَنادى فِي الظُّلُماتِ) في الكلام جمل محذوفة قد أوضحت في سورة والصافات ، وهناك نذكر قصته إن شاء الله تعالى وجمع (الظُّلُماتِ) لشدة تكاثفها فكأنها ظلمة مع ظلمة. وقيل : ظلمات بطن الحوت والبحر والليل. وقيل : ابتلع حوته حوت آخر فصار في ظلمتي بطني الحوتين وظلمة البحر. وروي أن يونس سجد في جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر ، و (أَنْ) في (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) تفسيرية لأنه سبق (فَنادى) وهو في معنى القول ، ويجوز أن يكون التقدير بأنه فتكون مخففة من الثقيلة حصر الألوهية فيه تعالى ثم نزهه عن سمات النقص ثم أقر بما بعد ذلك.

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلّا استجيب له». و (الْغَمِ) ما

٤٦١

كان ناله حين التقمه الحوت ومدة بقائه في بطنه. وقرأ الجمهور : (نُنْجِي) مضارع أنجى ، والجحدري مشددا مضارع نجّى. وقرأ ابن عامر وأبو بكر نجى بنون مضمومة وجيم مشددة وياء ساكنة ، وكذلك هي في مصحف الإمام ومصاحف الأمصار بنون واحدة ، واختارها أبو عبيد لموافقة المصاحف فقال الزجّاج والفارسي هي لحن. وقيل : هي مضارع أدغمت النون في الجيم ورد بأنه لا يجوز إدغام النون في الجيم التي هي فاء الفعل لاجتماع المثلين كما حذفت في قراءة من قرأ ونزل الملائكة يريد وننزل الملائكة ، وعلى هذا أخرجها أبو الفتح. وقيل : هي فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله وسكنت الياء كما سكنها من قرأ وذر وإما بقي من الربا والمقام مقام الفاعل ضمير المصدر أي نجى ، هو أي النجاء المؤمنين كقراءة أبي جعفر (لِيَجْزِيَ قَوْماً) (١) أي وليجزي هو أي الجزاء ، وقد أجاز إقامة غير المفعول من مصدر أو ظرف مكان أو ظرف زمان أو مجرور الأخفش والكوفيون وأبو عبيد ، وذلك مع وجود المفعول به وجاء السماع في إقامة المجرور مع وجود المفعول به نحو قوله :

أتيح لي من العدا نذيرا

به وقيت الشر مستطيرا

وقال الأخفش : في المسائل ضرب الضرب الشديد زيدا ، وضرب اليومان زيدا ، وضرب مكانك زيدا وأعطى إعطاء حسن أخاك درهما مضروبا عبده زيدا. وقيل : ضمير المصدر أقيم مقام الفاعل و (الْمُؤْمِنِينَ) منصوب بإضمار فعل أي وكذلك نجى هو أي النجاء (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) والمشهور عند البصريين أنه متى وجد المفعول به لم يقم غيره إلا أن صاحب اللباب حكى الخلاف في ذلك عن البصريين ، وأن بعضهم أجاز ذلك.

(لا تَذَرْنِي فَرْداً) أي وحيدا بلا وارث ، سأل ربه أن يرزقه ولدا يرثه ثم رد أمره إلى الله فقال (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) أي إن لم ترزقني من يرثني فأنت خير وارث ، وإصلاح زوجه بحسن خلقها ، وكانت سيئة الخلق قاله عطاء ومحمد بن كعب وعون بن عبد الله. وقيل : إصلاحها للولادة بعد أن كانت عاقرا قاله قتادة. وقيل : إصلاحها رد شبابها إليها ، والضمير في (إِنَّهُمْ) عائد على الأنبياء السابق ذكرهم أي إن استجابتنا لهم في طلباتهم كان لمبادرتهم الخير ولدعائهم لنا.

(رَغَباً وَرَهَباً) أي وقت الرغبة ووقت الرهبة ، كما قال تعالى (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا

__________________

(١) سورة الجاثية : ٤٥ / ١٤.

٤٦٢

رَحْمَةَ رَبِّهِ) (١) وقيل : الضمير يعود على (زَكَرِيَّا) و (زَوْجَهُ) وابنهما يحيى. وقرأت فرقة يدعونا حذفت نون الرفع وطلحة بنون مشددة أدغم نون الرفع في نا ضمير النصب. وقرأ ابن وثاب والأعمش ووهب بن عمرو والنحوي وهارون وأبو معمر والأصمعي واللؤلؤي ويونس وأبو زيد سبعتهم عن أبي عمر و (رَغَباً وَرَهَباً) بالفتح وإسكان الهاء ، والأشهر عن الأعمش بضمتين فيهما. وقرأ فرقة : بضم الراءين وسكون الغين والهاء ، وانتصب (رَغَباً وَرَهَباً) على أنهما مصدران في موضع الحال أو مفعول من أجله.

(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) هي مريم بنت عمران أم عيسى عليه‌السلام ، والظاهر أن الفرج هنا حياء المرأة أحصنته أي منعته من الحلال والحرام كما قالت (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (٢). وقيل : الفرج هنا جيب قميصها منعته من جبريل لما قرب منها لينفخ حيث لم يعرف ، والظاهر أن قوله (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) كناية عن إيجاد عيسى حيا في بطنها ، ولا نفخ هناك حقيقة ، وأضاف الروح إليه تعالى على جهة التشريف. وقيل : هناك نفخ حقيقة وهو أن جبريل عليه‌السلام نفخ في جيب درعها وأسند النفخ إليه تعالى لما كان ذلك من جبريل بأمره تعالى تشريفا. وقيل : الروح هنا جبريل كما قال (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها) (٣) والمعنى (فَنَفَخْنا فِيها) من جهة جبريل وكان جبريل قد نفخ من جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها.

قال الزمخشري : فإن قلت : نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه قال الله تعالى (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (٤) أي أحييته ، وإذا ثبت ذلك كان قوله و (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) ظاهر الإشكال لأنه يدل على إحياء مريم. قلت : معناه نفخنا الروح في عيسى فيها أي أحييناه في جوفها ، ونحو ذلك أن يقول الزمار نفخت في بيت فلان أي نفخت في المزمار في بيته انتهى. ولا إشكال في ذلك لأنه على حذف مضاف أي فنفخنا في ابنها (مِنْ رُوحِنا) وقوله قلت معناه نفخنا الروح في عيسى فيها استعمل نفخ متعديا ، والمحفوظ أنه لا يتعدى فيحتاج في تعديه إلى سماع وغير متعد استعمله هو في قوله أي نفخت في المزمار في بيته انتهى. ولا إشكال في ذلك. وأفرد (آيَةً) لأن حالهما لمجموعهما آية واحدة وهي ولادتها إياه من غير فحل ، وإن كان في مريم آيات وفي عيسى آيات لكنه هنا لحظ أمر الولادة من غير ذكر ، وذلك هو آية واحدة وقوله (لِلْعالَمِينَ) أي

__________________

(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٩.

(٢) سورة مريم : ١٩ / ٢٠.

(٣) سورة مريم : ١٩ / ١٧.

(٤) سورة الحجر : ١٥ / ٢٩.

٤٦٣

لمن اعتبر بها من عالمي زمانها فمن بعدهم ، ودل ذكر مريم مع الأنبياء في هذه السورة على أنها كانت نبية إذ قرنت معهم في الذكر ، ومن منع تنبؤ النساء قال : ذكرت لأجل عيسى وناسب ذكرهما هنا قصة زكريا وزوجه ويحيى للقرابة التي بينهم.

(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ).

والظاهر أن قوله (أُمَّتُكُمْ) خطاب لمعاصري الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم و (هذِهِ) إشارة إلى ملة الإسلام ، أي إن ملة الإسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها ملة واحدة غير مختلفة ، ويحتمل أن تكون (هذِهِ) إشارة إلى الطريقة التي كان عليها الأنبياء المذكورون من توحيد الله تعالى هي طريقتكم وملتكم طريقة واحدة لا اختلاف فيها في أصول العقائد ، بل ما جاء به الأنبياء من ذلك هو ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : معنى (أُمَّةً واحِدَةً) مخلوقة له تعالى مملوكة له ، فالمراد بالأمة الناس كلهم. وقيل : الكلام يحتمل أن يكون متصلا بقصة مريم وابنها أي (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) (١) بأن بعث لهم بملة وكتاب ، وقيل لهم (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) أي دعا الجميع إلى الإيمان بالله وعبادته.

ثم أخبر تعالى أنهم بعد ذلك اختلفوا (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) وقرأ الجمهور (أُمَّتُكُمْ) بالرفع خبر إن (أُمَّةً واحِدَةً) بالنصب على الحال ، وقيل بدل من (هذِهِ) وقرأ الحسن (أُمَّتُكُمْ) بالنصب بدل من (هذِهِ). وقرأ أيضا هو وابن إسحاق والأشهب العقيلي وأبو حيوة وابن أبي عبلة والجعفي وهارون عن أبي عمرو والزعفراني (أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) برفع الثلاثة على أن (أُمَّتُكُمْ) و (أُمَّةً واحِدَةً) خبر (إِنَ) أو (أُمَّةً واحِدَةً) بدل من (أُمَّتُكُمْ) بدل نكرة من معرفة ، أو خبر مبتدأ محذوف أي هي (أُمَّةً واحِدَةً) والضمير في (وَتَقَطَّعُوا) عائد على ضمير الخطاب على سبيل الالتفات أي وتقطعتم.

ولما كان هذا الفعل من أقبح المرتكبات عدل عن الخطاب إلى لفظ الغيبة كأن هذا

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩١.

٤٦٤

الفعل ما صدر من المخاطب لأن في الإخبار عنهم بذلك نعيا عليهم ما أفسدوه ، وكأنه يخبر غيرهم ما صدر من قبيح فعلهم ويقول ألا ترى إلى ما ارتكب هؤلاء في دين الله جعلوا أمر دينهم قطعا كما يتوزع الجماعة الشيء لهذا نصيب ولهذا نصيب ، تمثيلا لاختلافهم ثم توعدهم برجوع هذه الفرقة المختلفة إلى جزائه. وقيل : كل من الثابت على دينه الحق والزائغ عنه إلى غيره. وقرأ الأعمش زبرا بفتح الباء جمع زبرة ، ثم ذكر حال المحسن وأنه لا يكفر سعيه والكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر مثل في إعطائه إذا قيل لله شكور ولا لنفي الجنس فهو أبلغ من قوله فلا يكفر سعيه ، والكتابة عبارة عن إثبات عمله الصالح في صحيفة الأعمال ليثاب عليه ، ولا يضيع ، والكفران مصدر كالكفر. قال الشاعر :

رأيت أناسا لا تنام جدودهم

وجدي ولا كفران لله نائم

وفي حرف عبد الله لا كفر و (لِسَعْيِهِ) متعلق بمحذوف ، أي نكفر (لِسَعْيِهِ) ولا يكون متعلقا بكفران إذ لو كان متعلقا به لكان اسم لا مطولا فيلزم تنوينه.

وقرأ الجمهور (وَحَرامٌ) وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وطلحة والأعمش وأبو حنيفة وأبو عمرو في رواية وحرم بكسر الحاء وسكون الراء. وقرأ قتادة ومطر الوراق ومحبوب عن أبي عمرو بفتح الحاء وسكون الراء. وقرأ عكرمة وحرم بكسر الراء والتنوين. وقرأ ابن عباس وعكرمة أيضا وابن المسيب وقتادة أيضا بكسر الراء وفتح الحاء والميم على المضي بخلاف عنهما ، وأبو العالية وزيد بن عليّ بضم الراء وفتح الحاء والميم على المضي. وقرأ ابن عباس أيضا بفتح الحاء والراء والميم على المضيّ. وقرأ اليماني وحرّم بضم الحاء وكسر الراء مشددة وفتح الميم. وقرأ الجمهور (أَهْلَكْناها) بنون العظمة.

وقرأ السلمي وقتادة بتاء المتكلم ، واستعير الحرام للمتنع وجوده ومنه (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) (١) ومعنى (أَهْلَكْناها) قدرنا إهلاكها على ما هي عليه من الكفر ، فالإهلاك هنا إهلاك عن كفر و (لا) في (لا يَرْجِعُونَ) صلة وهو قول أبي عبيد كقولك : ما منعك أن لا تسجد ، أي يرجعون إلى الإيمان والمعنى وممتنع على أهل قرية قدرنا عليهم إهلاكهم لكفرهم رجوعهم في الدنيا إلى الإيمان إلى أن تقوم القيامة ، فحينئذ يرجعون ويقولون (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) وغيا بما قرب من مجيء الساعة وهو فتح

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ٥٠.

٤٦٥

(يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) وقرى إنهم بالكسر فيكون الكلام قد تم عند قوله (أَهْلَكْناها) ويقدر محذوف تصير به (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) جملة أي ذاك ، وتكون إشارة إلى العمل الصالح المذكور في قسيم هؤلاء المهلكين ، والمعنى (وَحَرامٌ عَلى) أهل (قَرْيَةٍ) قدرنا إهلاكهم لكفرهم عمل صالح ينجون به من الإهلاك ثم أكد ذلك وعلله بأنهم (لا يَرْجِعُونَ) عن الكفر ، فكيف لا يمتنع ذلك فالمحذوف مبتدأ والخبر (وَحَرامٌ) وقدره بعضهم متقدما كأنه قال : والإقالة والتوبة حرام. وقراءة الجمهور بالفتح تصح على هذا المعنى وتكون (لا) نافية على بابها والتقدير لأنهم لا يرجعون. وقيل (أَهْلَكْناها) أي وقع إهلاكنا إياهم ويكون رجوعهم إلى الدنيا فيتوبون بل هم صائرون إلى العذاب. وقيل : الإهلاك بالطبع على القلوب ، والرجوع هو إلى التوبة والإيمان. وقال الزجاج (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) حكمنا بإهلاكها أن نتقبل أعمالهم لأنها (لا يَرْجِعُونَ) أي لا يتوبون ، ودل على هذا المعنى قوله قبل (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) أي يتقبل عمله ثم ذكر هذا عقيبه وبين أن الكافر لا يتقبل عمله.

وقال أبو مسلم بن بحر (حَرامٌ) ممتنع و (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) انتقام الرجوع إلى الآخرة ، وإذا امتنع الانتفاء وجب الرجوع فالمعنى أنه يجب رجوعهم إلى الحياة في الدار الآخرة ويكون الغرض إنكار قول من ينكر البعث ، وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعي أحد وأنه يجزى على ذلك يوم القيامة. وقيل : الحرام يجيء بمعنى الواجب يدل عليه (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا) (١) وترك الشرك واجب. وقالت الخنساء :

حرام علي أن لا أرى الدهر باكيا

على شجوه إلّا بكيت على صخر

وأيضا فمن الاستعمال إطلاق الضمير على ضده ، وعلى هذا فقال مجاهد والحسن (لا يَرْجِعُونَ) عن الشرك. وقال قتادة ومقاتل : إلى الدنيا. قال ابن عطية : ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن وذلك أنه ذكر من عمل صالحا وهو مؤمن ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب ولا يرجعون إلى معاد فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم ، فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء أي وممتنع على الكفرة المهلكين (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه ، فيكون لا على بابها والحرام على بابه. وكذلك الحرم فتأمله انتهى.

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٥١.

٤٦٦

و (حَتَّى) قال أبو البقاء متعلقة في المعنى بحرام أي يستمر الامتناع إلى هذا الوقت ولا عمل لها في (إِذا). وقال الحوفي (حَتَّى) غاية ، والعمل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك. وقال الزمخشري : فإن قلت : بم تعلقت (حَتَّى) واقعة غاية له وأية الثلاث هي؟ قلت : هي متعلقة بحرام ، وهي غاية له لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة ، وهي (حَتَّى) التي تحكي الكلام ، والكلام المحكي الجملة من الشرط والجزاء أعني إذا وما في حيزها انتهى.

وقال ابن عطية : هي متعلقة بقوله (وَتَقَطَّعُوا) ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تعلق بيرجعون ، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب (إِذا) لأنها تقتضي جوابا هو المقصود ذكره انتهى. وكون (حَتَّى) متعلقة فيه بعد من حيث ذكر الفصل لكنه من جهة المعنى جيد ، وهو أنهم لا يزالون مختلفين غير مجتمعين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة ، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك الاختلاف وعلم الجميع أن مولاهم الحق وأن الدين المنجي هو كان دين التوحيد. وجواب (إِذا) محذوف تقديره قالوا يا ويلنا قاله الزجاج وجماعة أو تقديره ، فحينئذ يبعثون (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ).

أو مذكور وهو واقترب على زيادة الواو قاله بعضهم ، وهو مذهب الكوفيين وهم يجيزون زيادة الواو والفاء في فإذا هي قاله الحوفي. وقال الزمخشري : وإذا هي المفاجأة وهي تقع في المفاجئات سادة مسد الفاء لقوله تعالى (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (١) فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط ، فيتأكد ولو قيل إذا هي شاخصة كان سديدا.

وقال ابن عطية : والذي أقول أن الجواب في قوله (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ) وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرّم عليهم امتناعه ، وتقدم الخلاف في (فُتِحَتْ) في الأنعام ووافق ابن عامر أبو جعفر وشيبة وكذا التي في الأنعام والقمر في تشديد التاء ، والجمهور على التخفيف فيهن و (فُتِحَتْ يَأْجُوجُ) على حذف مضاف أي سد (يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) وتقدم الخلاف في قراءة (يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) والظاهر أن ضمير (وَهُمْ) عائد على (يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) أي يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويعمون الأرض. وقيل : الضمير للعالم ويدل عليه قراءة عبد الله وابن عباس من كل جدث بالثاء المثلثة وهو القبر. وقرىء بالفاء الثاء للحجاز والفاء لتميم وهي بدل من الثاء كما أبدلوا الثاء منها قالوا وأصله مغفور.

__________________

(١) سورة الروم : ٣٠ / ٣٦.

٤٦٧

وقرأ الجمهور (يَنْسِلُونَ) بكسر السين وابن أبي إسحاق وأبو السمال بضمها (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) أي الوعد بالبعث الحق الذي لا شك فيه (وَاقْتَرَبَ) قيل : أبلغ في القرب من قرب وضمير (هِيَ) للقصة كأنه قيل : فإذا القصة والحادثة (أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا شاخِصَةٌ) ويلزم أن تكون (شاخِصَةٌ) الخبر و (أَبْصارُ) مبتدأ ، ولا يجوز ارتفاع أبصار شاخصة لأنه يلزم أن تكون بعد ضمير الشأن ، أو القصة جملة تفسر الضمير مصرح بجزأيها ، ويجوز ذلك على مذهب الكوفيين. وقال الزمخشري : (هِيَ) ضمير مبهم توضحه الأبصار وتفسره كما فسر الذين ظلموا وأسروا انتهى. ولم يذكر غير هذا الوجه وهو قول للفراء. قال الفراء : (هِيَ) ضمير الأبصار تقدمت لدلالة الكلام ومجيء ما يفسرها وأنشد على ذلك قول الشاعر :

فلا وأبيها لا تقول خليلتي

إلّا قرّ عني مالك بن أبي كعب

وذكر أيضا الفراء أن (هِيَ) عماد يصلح في موضعها هو وأنشد :

بثوب ودينار وشاة ودرهم

فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس

وهذا لا يتمشى إلا على أحد قولي الكسائي في إجازته تقديم الفصل مع الخبر على المبتدأ أجاز هو القائم زيد على أن زيد هو المبتدأ والقائم خبره ، وهو عماد وأصل المسألة زيد هو القائم ، ويقول : أصله هذه فإذا (أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) هي (شاخِصَةٌ) فشاخصة خبر عن (أَبْصارُ) وتقدم مع العماد ، ويجيء على مذهب من يجيز العماد قبل خبره نكرة ، وذكر الثعلبي وجها آخر وهو أن الكلام ثم عند قوله : (فَإِذا هِيَ) أي بارزة واقعة يعني الساعة ، ثم ابتدأ فقال (شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهذا وجه متكلف متنافر التركيب. وروى حذيفة لو أن رجلا اقتنى فلو أبعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة يعني في مجيء الساعة إثر خروجهم.

(يا وَيْلَنا) معمول لقول محذوف. قال الزمخشري : تقديره يقولون وهو في موضع الحال من الذين كفروا وتقدم قول الزجاج أن هذا القول جواب (فَإِذا) والشخوص إحداد النظر دون أن يطرف في غفلة من هذا انتهى. أي مما وجدنا الآن وتبينا من الحقائق ثم أضربوا عن قولهم (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ) وأخبروا بما قد كانوا تعمدوه من الكفر والإعراض عن الإيمان فقالوا (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) والخطاب بقوله (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) للكفار المعاصرين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا سيما أهل مكة ومعبوداتهم هي الأصنام.

٤٦٨

وقرأ الجمهور (حَصَبُ) بالحاء والصاد المهملتين ، وهو ما يحصب به أي يرمى به في نار جهنم. وقبل أن يرمي به لا يطلق عليه حصب إلا مجازا. وقرأ ابن السميفع وابن أبي عبلة ومحبوب وأبو حاتم عن ابن كثير بإسكان الصاد ، ورويت عن ابن عباس وهو مصدر يراد به المفعول أي المحصوب. وقرأ ابن عباس : بالضاد المعجمة المفتوحة وعنه إسكانها ، وبذلك قرأ كثير عزة : والحضب ما يرمى به في النار ، والمحضب العود أو الحديدة أو غيرهما مما تحرك به النار. قال الشاعر :

فلا تك في حربنا محضبا

فتجعل قومك شتى شعوبا

وقرأ أبي وعليّ وعائشة وابن الزبير وزيد بن علي حطب بالطاء ، وجمع الكفار مع معبوداتهم في النار لزيادة غمهم وحسرتهم برؤيتهم معهم فيها إذ عذبوا بسببهم ، وكانوا يرجون الخير بعبادتهم فحصل لهم الشر من قبلهم ولأنهم صاروا لهم أعداء ورؤية العدوّ مما يزيد في العذاب. كما قال الشاعر :

واحتمال الأذى ورؤية جابيه

غذاء تضنى به الأجسام

(أَنْتُمْ لَها) أي للنار (وارِدُونَ) الورود هنا ورود دخول (لَوْ كانَ هؤُلاءِ) أي الأصنام التي تبعدونها (آلِهَةً ما وَرَدُوها) أي ما دخلوها ودل على أنه ورود دخول قوله (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) وقرأ الجمهور (آلِهَةً) بالنصب على خبر (كانَ). وقرأ طلحة بالرفع على أن في (كانَ) ضمير الشأن (وَكُلٌّ فِيها) أي كل من العابدين ومعبوداتهم.

(لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) وهو صوت نفس المغموم يخرج من القلب ، والظاهر أن الزفير إنما يكون ممن تقوم به الحياة وهم العابدون والمعبودون ممن كان يدعي الإلهية كفرعون وكغلاة الإسماعيلية الذين كانوا ملوك مصر من بني عبيد الله أول ملوكهم ، ويجوز أن يجعل الله للأصنام التي عبدت حياة فيكون لها زفير. وقال الزمخشري : إذا كانوا هم وأصنامهم في قرن واحد جاز أن يقال لهم فيها إن لم يكن الزافرين إلّا وهم فيها (لا يَسْمَعُونَ) وروي عن ابن مسعود أنهم يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون وقال تعالى (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) (١) وفي سماع الأشياء روح فمنع الله الكفار ذلك في النار. وقيل (لا يَسْمَعُونَ) ما يسرهم من كلام الزبانية.

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٧.

٤٦٩

(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ).

سبب نزول (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) قول ابن الزبعري حين سمع (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (١) قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد خصمتك ورب الكعبة ، أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى عبدوا المسيح ، وبنو مليح عبدوا الملائكة فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك» فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) الآية. وقيل : لما اعترض ابن الزبعري قيل لهم : ألستم قوما عربا أو ما تعلمون أن من لمن يعقل وما لما لا يعقل ، فعلى القول الأول يكون ابن الزبعري قد فهم من قوله (وَما تَعْبُدُونَ) العموم فلذلك نزل قوله (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ) الآية تخصيصا لذلك العموم ، وعلى هذا القول الثاني يكون ابن الزبعري رام مغالطة ، فأجيب بأن من لمن يعقل وما لما لا يعقل فبطل اعتراضه.

و (الْحُسْنى) الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن ، إما السعادة وإما البشرى بالثواب ، وإما التوفيق للطاعة. والظاهر من قوله (مُبْعَدُونَ) فما بعده أن من سبقت له الحسنى لا يدخل النار. وروي أن عليا كرم الله وجهه قرأ هذه الآية ثم قال : أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف ، ثم أقيمت الصلاة فقام يجرّ رداءه وهو يقول (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) والحسيس الصوت الذي يحس من حركة الأجرام ، وهذا الإبعاد وانتفاء سماع صوتها قيل هو قبل دخول الجنة. وقيل : بعد دخولهم واستقرارهم فيها ، والشهوة طلب النفس اللذة.

وقال ابن عطية : وهذه صفة لهم بعد دخولهم الجنة لأن الحديث يقتضي أنه في

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٨.

٤٧٠

الموقف تزفر جهنم زفرة لا يبقى نبيّ ولا ملك إلّا جثا على ركبتيه و (الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) عام في كل هول يكون في يوم القيامة فكان يوم القيامة بجملته هو (الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) وإن خصص بشيء فيجب أن يقصد لا عظم هو له انتهى. وقيل : (الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) وقوع طبق جهنم عليها قاله الضحاك. وقيل : النفخة الأخيرة. وقيل : الأمر بأهل النار إلى النار ، روي عن ابن جبير وابن جريج والحسن. وقيل : ذبح الموت. وقيل : إذا نودي (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١) وقيل (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) ذكره مكي.

(وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) بالسلام عليهم. وعن ابن عباس : تلقاهم الملائكة بالرحمة عند خروجهم من القبور قائلين لهم (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بالكرامة والثواب والنعيم. وقرأ أبو جعفر (لا يَحْزُنُهُمُ) مضارع أحزن وهي لغة تميم ، وحزن لغة قريش ، والعامل في يوم (لا يَحْزُنُهُمُ) و (تَتَلَقَّاهُمُ) وأجاز أبو البقاء أن يكون بدلا من العائد المحذوف في (تُوعَدُونَ) فالعامل فيه (تُوعَدُونَ) أي أيوعدونه أو مفعولا باذكر أو منصوبا بأعني. وأجاز الزمخشري أن يكون العامل فيه (الْفَزَعُ) وليس بجائز لأن (الْفَزَعُ) مصدر وقد وصف قبل أخذ معموله فلا يجوز ما ذكر.

وقرأ الجمهور (نَطْوِي) بنون العظمة. وفرقة منهم شيبة بن نصاح يطوي بياء أي الله ، وأبو جعفر وفرقة بالتاء مضمومة وفتح الواو و (السَّماءَ) رفعا والجمهور (السِّجِلِ) على وزن الطمر. وأبو هريرة وصاحبه وأبو زرعة بن عمرو بن جرير بضمتين وشد اللام ، والأعمش وطلحة وأبو السماك (السِّجِلِ) بفتح السين والحسن وعيسى بكسرهما ، والجيم في هاتين القراءتين ساكنة واللام مخففة. وقال أبو عمر : وقراءة أهل مكة مثل قراءة الحسن. وقال مجاهد (السِّجِلِ) الصحيفة. وقيل : هو مخصوص من الصحف بصحيفة العهد ، والمعنى طيا مثل طي السجل ، وطي مصدر مضاف إلى المفعول ، أي ليكتب فيه أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة ، والأصل (كَطَيِ) الطاوي (السِّجِلِ) فحذف الفاعل وحذفه يجوز مع المصدر المنحل لحرف مصدري ، والفعل ، وقدره الزمخشري مبنيا للمفعول أي كما يطوى السجل. وقال ابن عباس وجماعة (السِّجِلِ) ملك يطوى كتب بني آدم إذا رفعت إليه. وقالت فرقة : هو كاتب كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى هذين القولين يكون المصدر مضافا للفاعل. وقال أبو الفضل الرازي : الأصح أنه فارسي معرب انتهى. وقيل :

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠٨.

٤٧١

أصله من المساجلة وهي من (السِّجِلِ) وهو الدلو ملأى ماء. وقال الزجاج : هو رجل بلسان الحبش.

وقرأ الجمهور : للكتاب مفردا وحمزة والكسائي وحفص (لِلْكُتُبِ) جمعا وسكن التاء الأعمش. وقال الزمخشري : (أَوَّلَ خَلْقٍ) مفعول نعيد الذي يفسره (نُعِيدُهُ) والكاف مكفوفة بما ، والمعنى نعيد أول الخلق كما بدأناه تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء فإن قلت : وما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه قلت : أوله إيجاده من العدم ، فكما أوجده أولا عن عدم يعيده ثانيا عن عدم. فإن قلت : ما بال خلق منكرا؟ قلت : هو كقولك : هو أول رجل جاءني تريد أول الرجال ، ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا فكذلك معنى (أَوَّلَ خَلْقٍ) أول الخلائق لأن الخلق مصدر لا يجمع ووجه آخر ، وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره نعيده وما موصولة ، أي نعيد مثل الذي بدأناه (نُعِيدُهُ) و (أَوَّلَ خَلْقٍ) ظرف لبدأناه أي أول ما خلق أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى انتهى. والظاهر أن الكاف ليست مكفوفة كما ذكر بل هي جارة وما بعدها مصدرية ينسبك منها مع الفعل مصدر هو في موضع جر بالكاف. و (أَوَّلَ خَلْقٍ) مفعول (بَدَأْنا) والمعنى نعيد أول خلق إعادة مثل بدأتنا له ، أي كما أبرزناه من العدم إلى الوجود نعيده من العدم إلى الوجود. في ما قدره الزمخشري تهيئة (بَدَأْنا) لأن ينصب (أَوَّلَ خَلْقٍ) على المفعولية. وقطعه عنه من غير ضرورة تدعو إلى ذلك وارتكاب إضمار يعيد مفسرا بنعيده وهذه عجمة في كتاب الله ، وأما قوله : ووجه آخر وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره (نُعِيدُهُ) فهو ضعيف جدا لأنه مبني على أن الكاف اسم لا حرف ، فليس مذهب الجمهور إنما ذهب إلى ذلك الأخفش وكونها اسما عند البصريين غير مخصوص بالشعر. وقال ابن عطية : يحتمل معنيين أحدهما : أن يكون خبرا عن البعث أي كما اخترعنا الخلق أولا على غير مثال كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور. والثاني أن يكون خبرا عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا ويؤيده «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا» (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) وقوله (كَما بَدَأْنا) الكاف متعلقة بقوله (نُعِيدُهُ) انتهى.

وانتصب (وَعْداً) على أنه مفعول مصدر مؤكدا لمضمون الجملة الخبرية قبله (إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) تأكيد لتحتم الخبر أي نحن قادرون على أن نفعل و (الزَّبُورِ) الظاهر أنه زبور داود وقاله الشعبي ، ومعنى هذه الآية موجود في زبور داود وقرأناه فيه و (الذِّكْرِ) التوراة قاله

٤٧٢

ابن عباس. وقيل (الزَّبُورِ) ما بعد التوراة من الكتب و (الذِّكْرِ) التوراة وقيل (الزَّبُورِ) يعم الكتب المنزلة و (الذِّكْرِ) اللوح المحفوظ. (الْأَرْضَ) قال ابن عباس أرض الجنة. وقيل : الأرض المقدسة (يَرِثُها) أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والإشارة في قوله (إِنَّ فِي هذا) أي المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة لبلاغا كفاية يبلغ بها إلى الخير. وقيل : الإشارة إلى القرآن جملة ، وكونه عليه‌السلام رحمة لكونه جاءهم بما يسعدهم.

(لِلْعالَمِينَ) قيل خاص بمن آمن به. وقيل : عام وكونه (رَحْمَةً) للكافر حيث أخر عقوبته ، ولم يستأصل الكفار بالعذاب قال معناه ابن عباس. قال : عوفي مما أصاب غيرهم من الأمم من مسخ وخسف وغرق وقذف وأخر أمره إلى الآخرة. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون معناه (وَما أَرْسَلْناكَ) للعالمين (إِلَّا رَحْمَةً) أي هو رحمة في نفسه وهدى بين أخذ به من أخذ وأعرض عنه من أعرض انتهى. ولا يجوز على المشهور أن يتعلق الجار بعد (إِلَّا) بالفعل قبلها إلا أن كان العامل مفرغا له نحو ما مررت إلّا بزيد. وقال الزمخشري : إنما تقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم كقولك : إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد وقد اجتمع ، المثلان في هذه الآية لأن (إِنَّما يُوحى إِلَيَ) مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد و (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) بمنزلة إنما زيد قائم ، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقصور على استئثار الله بالوحدانية انتهى.

وأما ما ذكره في (إِنَّما) إنها لقصر ما ذكر فهو مبني على إنما للحصر وقد قررنا أنها لا تكون للحصر ، وإنما مع أن كهي مع كان ومع لعل ، فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه ولا الحصر في الترجي فكذلك لا تفيده مع أن وأما جعله (إِنَّما) المفتوحة الهمزة مثل مكسورتها يدل على القصر ، فلا نعلم الخلاف إلّا في (إِنَّما) بالكسر ، وأما بالفتح فحرف مصدري ينسبك منع مع ما بعدها مصدر ، فالجملة بعدها ليست جملة مستقلة ، ولو كانت إنما دالة على الحصر لزم أن يقال إنه لم يوح إليه شيء إلّا التوحيد. وذلك لا يصح الحصر فيه إذ قد أوحى له أشياء غير التوحيد وفي الآية دليل على تظافر المنقول للمعقول وأن النقل أحد طريقي التوحيد ، ويجوز في ما من (إِنَّما) أن تكون موصولة.

(فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) استفهام يتضمن الأمر بإخلاص التوحيد والانقياد إلى الله تعالى (آذَنْتُكُمْ) أعلمتكم وتتضمن معنى التحذير والنذارة (عَلى سَواءٍ) لم أخص أحدا

٤٧٣

دون أحد ، وهذا الإيذان هو إعلام بما يحل بمن تولى من العقاب وغلبة الإسلام ، ولكني لا أدري متى يكون ذلك و (إِنْ) نافية و (أَدْرِي) معلقة والجملة الاستفهامية في موضع نصب بأدري ، وتأخر المستفهم عنه لكونه فاصلة إذ لو كان التركيب (أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ بَعِيدٌ) لم تكن فاصلة وكثيرا ما يرجح الحكم في الشيء لكونه فاصلة آخر آية. وعن ابن عامر في رواية (وَإِنْ أَدْرِي) بفتح الياء في الآيتين تشبيها بياء الإضافة لفظا ، وإن كانت لام الفعل ولا تفتح إلّا بعامل. وأنكر ابن مجاهد فتح هذه الياء والمعنى أنه تعالى لم يعلمني علمه ولم يطلعني عليه ، والله هو العالم الذي لا يخفى عليه شيء.

(وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ) أي لعل تأخير هذا الموعد امتحان لكم لننظر كيف تعملون ، أو يمتنع لكم إلى حين ليكون ذلك حجة وليقع الموعد في وقت هو حكمة ، ولعل هنا معلقه أيضا وجملة الترجي هي مصب الفعل ، والكوفيون يجرون لعل مجرى هل ، فكما يقع التعليق عن هل كذلك عن لعل ، ولا أعلم أحدا ذهب إلى أن لعل من أدوات التعليق وإن كان ذلك ظاهرا فيها كقوله (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (١) (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٢) وقيل (إِلى حِينٍ) إلى يوم القيامة. وقيل : إلى يوم بدر.

وقرأ الجمهور (قالَ رَبِ) أمرا بكسر الباء. وقرأ حفص قال وأبو جعفر رب بالضم. قال صاحب اللوامح : على أنه منادى مفرد وحذف حرف النداء فيما جاز أن يكون وصفا لأي بعيد بابه الشعر انتهى. وليس هذا من نداء النكرة المقبل عليها بل هذا من اللغات الجائزة في يا غلامي ، وهي أن تبنيه على الضم وأنت تنوي الإضافة لما قطعته عن الإضافة وأنت تريدها بنيته ، فمعنى (رَبِ) يا ربي. وقرأ الجمهور (احْكُمْ) على الأمر من حكم. وقرأ ابن عباس وعكرمة والجحدري وابن محيصن ربي بإسكان الياء أحكم جعله أفعل التفضيل فربي أحكم مبتدأ وخبر. وقرأت فرقة أحكم فعلا ماضيا. وقرأ الجمهور (تَصِفُونَ) بتاء الخطاب. وروي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ على أبيّ على ما يصفون بياء الغيبة ، ورويت عن ابن عامر وعاصم.

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٢ / ١٧.

(٢) سورة عبس : ٨٠ / ٣.

٤٧٤

سورة الحج

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى

٤٧٥

حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨) هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥)

٤٧٦

وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦) لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)

ذهل عن الشيء ذهولا : اشتغل عنه قاله قطرب ، وقال غيره : غفل لطريان شاغل من أهم أو وجع أو غيره. وقيل : مع دهشة. المضغة : اللحمة الصغيرة قدر ما يمضغ. المخلقة : المسوّاة الملساء لا نقص ولا عيب فيها ، يقال : خلق السواك والعود سوّاه

٤٧٧

وملسه ، من قولهم : صخرة خلقاء أي ملساء. الطفل : يقال من وقت انفصال الولد إلى البلوغ ، ويقال لولد الوحشية طفل ، ويوصف به المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ، ويقال أيضا طفل وطفلان وأطفال وأطفلت المرأة صارت ذا طفل ، والطفل بفتح الطاء الناعم ، وجارية طفلة ناعمة ، وبنان طفل ، وقد طفل الليل أقبل ظلامه ، والطفل بالتحريك بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب ، والطفل أيضا مطر. وقال المبرد : هو اسم يستعمل مصدرا كالرضا والعدل يقع على الواحد والجمع. همدت الأرض : يبست ودرست ، والثوب بلي انتهى. وقال الأعشى :

قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا

وأرى ثيابك باليات همدا

البهيج : الحسن السارّ للناظر ، يقال : فلان ذو بهجة أي حسن ، وقد بهج بالضم بهاجة وبهجة فهو بهيج ، وأبهجني : أعجبني بحسنه. العطف : الجانب ، وعطفا الرجل يمينه وشماله وأصله من العطف وهو اللين ، ويسمى الرداء العطاف. المجوس : قوم يعبدون النار والشمس والقمر. وقيل : يعبدون النار. وقيل : قوم اعتزلوا النصارى ولبسوا المسوح. وقيل : قوم أخذوا من دين النصارى شيئا ومن دين اليهود شيئا وهم القائلون العالم أصلان نور وظلمة. وقيل : الميم في المجوس بدل من النون لاستعمالهم النجاسات. صهرت الشحم بالنار أذبته ، والصهارة الآلية المذابة. وقيل : ينضج قال الشاعر :

تصهره الشمس ولا ينصهر

المقمعة : بكسر الميم المقرعة يقمع بها المضروب. اللؤلؤ : الجوهر. وقيل : صغاره وكباره. الضامر : المهزول. العميق : البعيد ، وأصله البعد سفلا يقال : بئر عميق أي بعيدة الغور ، والفعل عمق وعمق. قال الشاعر :

إذا الخيل جاءت من فجاج عميقة

يمد بها في السير أشعث شاحب

ويقال : عميق بالغين. وقال الليث : يقال عميق ومعيق لتميم ، وأعمقت البئر وأمعقتها وقد عمقت ومعقت عماقة ومعاقة وهي بعيدة العمق والمعق والأمعاق والأعماق أطراف المفازة قال :

وقائم الأعماق خاوي المخترق

التفث : أصله الوسخ والقذر ، يقال لمن يستقذر : ما تفثك. وعن قطرب : تفث الرجل كثر

٤٧٨

وسخه في سفره. وقال أبو محمد البصري : التفث من التف وهو وسخ الأظفار ، وقلبت الفاء ثاء كمغثور. السحيق : البعيد. وجب الشيء سقط ، ووجبت الشمس جبة قال أوس بن حجر :

ألم يكسف الشمس شمس النها

ر والبدر للجبل الواجب

القانع : السائل ، قنع قنوعا سأل وقنع قناعة تعفف واستغنى ببلغته. قال الشماخ :

مفاقرة أعف من القنوع

لمال المرء يصلحه فيغني

الوثن : قال شمر كل تمثال من خشب أو حجارة أو ذهب أو فضة أو نحاس ونحوها ، وكانت العرب تنصبها وتعبدها ويطلق على الصليب. قال الأعشى :

يطوف العفاة بأبوابه

كطوف النصارى بباب الوثن

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعديّ بن حاتم وقد رأى في عنقه صليبا : «ألق الوثن عنك». واشتقاقه من وثن الشيء أقامه في مكانه وثبت ، والواثن المقيم الراكز في مكانه. وقال رؤبة :

على أخلاء الصفاء الوثن

يعني الدوم على العهد. البدن : جمع بدنة كثمر جمع ثمرة قاله الزجاج ، سميت بذلك لأنها تبدن أي تسمن. وقال الليث : البدنة بالهاء تقع على الناقة والبقرة والبعير مما يجوز في الهدي والأضاحي ، ولا يقع على الشاة وسميت بدنة لعظمها. وقيل : تختص بالإبل. وقيل : ما أشعر من ناقة أو بقرة قاله عطاء وغيره. وقيل : البدن مفرد اسم جنس يراد به العظيم السمين من الإبل والبقر ، ويقال للسمين من الرجال. المعتر : المتعرض من غير سؤال. وقال ابن قتيبة : عرّه واعترّه وعراه واعتراه أتاه طالبا لمعروفه. قال الشاعر :

سلي الطارق المعتر يا أمّ مالك

إذا ما اعتراني بين قدري ومجزري

وقال الآخر :

لعمرك ما المعتر يغشى بلادنا

لنمنعه بالضائع المتهضم

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ

٤٧٩

فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ).

هذه السورة مكية إلا (هذانِ خَصْمانِ) (١) إلى تمام ثلاث آيات قاله ابن عباس ومجاهد ، وعن ابن عباس أيضا إنهن أربع آيات إلى قوله (عَذابَ الْحَرِيقِ) (٢) وقال الضحاك : هي مدنية. وقال قتادة : إلّا من قوله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) ـ إلى ـ (عَذابٌ مُهِينٌ) (٣). وقال الجمهور : منها مكي ومنها مدني.

ومناسبة أول هذه السورة لما قبلها أنه ذكر تعالى حال الأشقياء والسعداء وذكر الفزع الأكبر وهو ما يقول يوم القيامة ، وكان مشركو مكة قد أنكروا المعاد وكذبوه بسبب تأخر العذاب عنهم. نزلت هذه السورة تحذيرا لهم وتخويفا لما انطوت عليه من ذكر زلزلة الساعة وشدّة هولها ، وذكر ما أعد لمنكرها وتنبيههم على البعث بتطويرهم في خلقهم ، وبهمود الأرض واهتزازها بعد بالنبات ، والظاهر أن قوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ) عام. وقيل : المراد أهل مكة ، ونبه تعالى على سبب اتقائه وهو ما يؤول إليه من أهوال الساعة وهو على حذف مضاف أي (اتَّقُوا) عذاب (رَبَّكُمْ) ، والزلزلة الحركة المزعجة وهي عند النفخة الأولى. وقيل : عند الثانية. وقيل : عند قول الله يا آدم ابعث بعث النار. وقال الجمهور : في الدنيا آخر الزمان ويتبعها طلوع الشمس من مغربها. وعن الحسن : يوم القيامة. وعن علقمة والشعبي : عند طلوح الشمس من مغربها ، وأضيفت إلى الساعة لأنها من أشراطها ، والمصدر مضاف للفاعل فالمفعول المحذوف وهو الأرض يدل عليه (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) (٤) والناس ونسبة الزلزلة إلى (السَّاعَةِ) مجاز ، ويجوز أن يضاف إلى المفعول به على طريقة الاتساع في الظرف ، فتكون (السَّاعَةِ) مفعولا بها وعلى هذه التقادير يكون ثم (زَلْزَلَةَ) حقيقة.

وقال الحسن : أشد الزلزال ما يكون مع قيام الساعة. وقيل : الزلزلة استعارة ، والمراد

__________________

(١) سورة الحج : ٢٢ / ١٩.

(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٢٢.

(٣) سورة الحج : ٢٢ / ٥٢.

(٤) سورة الزلزلة : ٩٩ / ١.

٤٨٠