الشيخ مرتضى الأنصاري
المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-02-0
الصفحات: ٦٤٨
موهوم الوجوب مع كونه مطابقا للاحتياط اللازم ، فإذا فرض لزوم العسر من مراعاة الاحتياطين معا في الفقه تعيّن دفعه بعدم وجوب الاحتياط في مقابل الظنّ ، فإذا فرض (١) هذا الظنّ مجملا لزم العمل بكلّ ظنّ ممّا يقتضى الظنّ بالتكليف احتياطا ، وأمّا الظنون المخالفة للاحتياط اللازم فيعمل بها ؛ فرارا عن لزوم العسر.
قلت : دفع العسر يمكن بالعمل ببعضها ، فما المعمّم؟ فيرجع الأمر إلى أنّ قاعدة الاشتغال لا تنفع ولا تثمر (٢) في الظنون المخالفة للاحتياط ؛ لأنّك عرفت (٣) أنّه لا يثبت وجوب التسرّي إليها فضلا عن التعميم فيها ؛ لأنّ التسرّي إليها كان للزوم العسر ، فافهم.
هذا كلّه على تقدير مقدّمات دليل الانسداد على وجه يكشف عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظنّ في الجملة ، وقد عرفت (٤) أنّ التحقيق خلاف هذا التقرير ، وعرفت (٥) أيضا ما ينبغي سلوكه على تقدير تماميّته : من وجوب اعتبار المتيقّن ـ حقيقة أو بالإضافة ـ ثمّ ملاحظة مظنون الاعتبار بالتفصيل الذي تقدّم في آخر المعمّم الأوّل من المعمّمات الثلاثة (٦).
__________________
(١) في (ر) ، (ص) و (ه) : «فرضنا».
(٢) كذا في (ت) ، وفي (ص) و (ل) : «لا ينفع ولا يثمر» ، وفي (ر) ، (ظ) ، (م) و (ه) : «لا ينفع ولا يتم».
(٣) راجع الصفحة ٤٩٧.
(٤) راجع الصفحة ٤٦٨.
(٥) راجع الصفحة ٤٩١.
(٦) راجع الصفحة ٤٩٣.
وجوب الاقتصار على الظنّ الاطمئناني بناء على الحكومة |
وأمّا على تقدير تقريرها على وجه يوجب حكومة العقل بوجوب الإطاعة الظنّيّة والفرار عن المخالفة الظنّيّة ، وأنّه يقبح من الشارع تعالى إرادة أزيد من ذلك كما يقبح من المكلّف الاكتفاء بما دون ذلك ، فالتعميم وعدمه لا يتصوّر بالنسبة إلى الأسباب ؛ لاستقلال العقل بعدم الفرق فيما إذا كان المقصود الانكشاف الظنّي بين الأسباب المحصّلة له ، كما لا فرق فيما (١) كان المقصود الانكشاف الجزميّ بين أسبابه ، وإنّما يتصوّر من حيث مرتبة الظنّ ووجوب الاقتصار على الظنّ القويّ الذي يرتفع معه التحيّر عرفا.
بيان ذلك : أنّ الثابت من مقدّمتي بقاء التكليف وعدم التمكّن من العلم التفصيليّ : هو وجوب الامتثال الإجماليّ بالاحتياط في إتيان كلّ ما يحتمل الوجوب وترك كلّ ما يحتمل الحرمة ، لكن المقدّمة الثالثة النافية للاحتياط إنّما أبطلت (٢) وجوبه على وجه الموجبة الكلّية ، بأن يحتاط في كلّ واقعة قابلة للاحتياط أو يرجع إلى الأصل كذلك ، ومن المعلوم أنّ إبطال الموجبة الكليّة لا يستلزم صدق السالبة الكليّة ، وحينئذ فلا يثبت من ذلك إلاّ وجوب العمل بالظنّ على خلاف الاحتياط والاصول في الجملة.
ثمّ إنّ العقل حاكم بأنّ الظنّ القويّ الاطمئنانيّ أقرب إلى العلم عند تعذّره ، وأنّه إذا لم يمكن القطع بإطاعة مراد الشارع وترك ما يكرهه وجب تحصيل ذلك بالظنّ الأقرب إلى العلم.
__________________
(١) في (ر) ، (ص) و (ه) زيادة : «إذا».
(٢) في النسخ : «أبطل».
وحينئذ : فكلّ واقعة تقتضي (١) الاحتياط الخاصّ بنفس المسألة أو الاحتياط العامّ من جهة كونها إحدى المسائل التي نقطع (٢) بتحقّق التكليف فيها ، إن قام على خلاف مقتضى الاحتياط أمارة ظنّيّة توجب الاطمئنان بمطابقة الواقع تركنا الاحتياط وأخذنا بها.
وكلّ واقعة ليست فيها أمارة كذلك ، نعمل (٣) فيها بالاحتياط ، سواء لم توجد (٤) أمارة أصلا كالوقائع المشكوكة ، أو كانت ولم تبلغ (٥) مرتبة الاطمئنان.
وكلّ واقعة (٦) لم يمكن فيها الاحتياط ، تعيّن التخيير في الأوّل ، والعمل بالظنّ في الثاني وإن كان في غاية الضعف ؛ لأنّ الموافقة الظنّيّة أولى من غيرها ، والمفروض عدم جريان البراءة والاستصحاب ؛ لانتقاضهما بالعلم الإجماليّ ، فلم يبق من الاصول إلاّ التخيير ، ومحلّه عدم رجحان أحد الاحتمالين ، وإلاّ فيؤخذ بالراجح (٧).
النتيجة بناء على الحكومة هو التبعيض في الاحتياط |
ونتيجة هذا : هو الاحتياط في المشكوكات والمظنونات بالظنّ الغير الاطمئنانيّ إن أمكن (٨) ، والعمل بالظنّ في الوقائع المظنونة بالظنّ
__________________
(١) في النسخ : «يقتضي».
(٢) كذا في (ر) و (ص) ، وفي غيرهما : «يقطع».
(٣) في (ظ) و (م) : «يعمل».
(٤) في النسخ : «لم يوجد».
(٥) في النسخ : «ولم يبلغ».
(٦) في (م) و (ظ) بدل «وكلّ واقعة» : «نعم لو».
(٧) لم ترد عبارة «والمفروض عدم ـ إلى ـ فيؤخذ بالراجح» في (ظ) و (م).
(٨) في (ر) ، (ص) ، (ظ) و (م) زيادة : «وإلاّ فبالأصول».
الاطمئنانيّ ، فإذا عمل المكلّف قطع بأنّه لم يترك القطع بالموافقة ـ الغير الواجب على المكلّف من جهة العسر ـ إلاّ إلى الموافقة الاطمئنانيّة ، فيكون مدار العمل على العلم بالبراءة والظنّ الاطمئنانيّ بها.
وأمّا مورد التخيير ، فالعمل فيه على الظنّ الموجود في المسألة وإن كان ضعيفا ، فهو خارج عن الكلام ؛ لأنّ العقل لا يحكم فيه بالاحتياط حتّى يكون التنزّل منه إلى شيء آخر ، بل التخيير أو العمل بالظنّ الموجود تنزّل من العلم التفصيليّ إليهما بلا واسطة.
وإن شئت قلت : إنّ العمل في الفقه في موارد (١) الانسداد على الظنّ الاطمئنانيّ ومطلق الظنّ والتخيير ، كلّ في مورد خاصّ ، وهذا هو الذي يحكم به العقل المستقلّ.
وقد سبق لذلك مثال في الخارج ، وهو : ما إذا علمنا بوجود شياه محرّمة في قطيع ، وكان أقسام القطيع ـ بحسب احتمال كونها مصداقا للمحرّمات ـ خمسة ، قسم منها يظنّ كونها محرّمة بالظنّ القويّ الاطمئنانيّ لا أنّ المحرّم منحصر فيه ، وقسم منها يظنّ ذلك فيها بظنّ قريب من الشكّ والتحيّر ، وثالث يشكّ في كونها محرّمة ، وقسم منها في مقابل الظنّ الأوّل ، وقسم منها (٢) في مقابل الظنّ الثاني ، ثمّ فرضنا في المشكوكات وهذا القسم من الموهومات ما يحتمل أن يكون واجب الارتكاب.
وحينئذ : فمقتضى الاحتياط وجوب اجتناب الجميع ممّا لا يحتمل
__________________
(١) في (ت) ، (ل) و (ه) : «مورد».
(٢) في غير (ه) زيادة : «موهوما» ، ولكن شطب عليها في (ت).
الوجوب ، فإذا انتفى وجوب الاحتياط لأجل العسر واحتيج إلى ارتكاب موهوم الحرمة ، كان ارتكاب الموهوم في مقابل الظنّ الاطمئنانيّ أولى من الكلّ ، فيبنى على العمل به ، ويتخيّر في المشكوك الذي يحتمل الوجوب ، ويعمل بمطلق الظنّ في المظنون منه.
الفرق بين العمل بالظنّ بعنوان التبعيض في الاحتياط أو بعنوان الحجيّة |
لكنّك خبير : بأنّ هذا ليس من حجّيّة مطلق الظنّ ولا الظنّ الاطمئنانيّ في شيء ؛ لأنّ معنى حجّيته أن يكون دليلا في الفقه ـ بحيث يرجع في موارد وجوده إليه لا إلى غيره ، وفي موارد عدمه إلى مقتضى الأصل (١) الذي يقتضيه ـ ، والظنّ هنا ليس كذلك ؛ إذ العمل :
أمّا في موارد وجوده (٢) ، ففيما طابق منه الاحتياط (٣) على الاحتياط لا عليه ؛ إذ لم يدلّ (٤) على ذلك مقدّمات الانسداد ، وفيما خالف الاحتياط لا يعوّل عليه إلاّ بمقدار مخالفة الاحتياط لدفع العسر ، وإلاّ فلو فرض فيه جهة اخرى لم يكن معتبرا من تلك الجهة (٥) ، كما لو دار الأمر بين شرطيّة شيء وإباحته واستحبابه ، فظنّ باستحبابه ، فإنّه لا يدلّ مقدّمات دليل الانسداد إلاّ على عدم وجوب الاحتياط في ذلك الشيء ، والأخذ بالظنّ في عدم وجوبه ، لا في إثبات استحبابه.
__________________
(١) كذا في (ل) ، وورد في غيرها بدل «وفي موارد عدمه إلى مقتضى الأصل» : «وفي موارد الخلوّ عنه بمقتضى الأصل».
(٢) في (ظ) ، (ل) و (م) بدل «موارد وجوده» : «موارده».
(٣) في (ت) ، (ر) ، (ص) و (ه) زيادة : «فالعمل» ، ولكن شطب عليه في (ص).
(٤) في (ر) و (ص) : «لا يدلّ».
(٥) لم ترد «الجهة» في (ظ) ، (ل) ، (م) و (ه).
وأمّا في موارد عدمه وهو الشكّ ، فلا يجوز العمل إلاّ بالاحتياط الكلّي الحاصل من احتمال كون الواقعة من موارد التكليف المعلوم (١) إجمالا وإن كان لا يقتضيه نفس المسألة ، كما إذا شكّ في حرمة عصير التمر أو وجوب الاستقبال بالمحتضر ، بل العمل على هذا الوجه يتبعّض (٢) في الاحتياط وطرحه في بعض الموارد دفعا للحرج ، ثمّ يعيّن العقل للطرح البعض الذي يكون وجود التكليف فيها احتمالا ضعيفا في الغاية.
فإن قلت : إنّ العمل بالاحتياط في المشكوكات منضمّة إلى المظنونات (٣) يوجب العسر فضلا عن انضمام العمل به في الموهومات المقابلة للظنّ الغير القويّ (٤) ، فيثبت وجوب العمل بمطلق الظنّ ووجوب الرجوع في المشكوكات إلى مقتضى الأصل (٥) ، وهذا مساو في المعنى لحجّية الظنّ المطلق ، وإن كان حقيقة تبعيضا في الاحتياط الكلّيّ ، لكنّه لا يقدح بعد عدم الفرق في العمل.
قلت : لا نسلّم لزوم الحرج من مراعاة الاحتياط في المظنونات
__________________
(١) كذا في (ت) ، وفي غيرها : «المعلومة».
(٢) كذا في (ل) وظاهر (م) ، وفي غيرهما : «تبعيض».
(٣) في (ظ) و (م) بدل «المظنونات» : «الموهومات» ، وفي (ل) و (ه) زيادة : «مطلقا».
(٤) في (ظ) ، (ل) و (م) بدل «في الموهومات المقابلة للظنّ الغير القويّ» : «في المظنونات بالظنّ الغير القويّ».
(٥) في (ظ) و (م) زيادة : «في كلّ منها».
بالظنّ الغير القويّ في نفي التكليف ، فضلا (١) عن لزومه من الاحتياط في المشكوكات فقط بعد الموهومات ؛ وذلك لأنّ حصول الظنّ الاطمئنانيّ غير عزيز في الأخبار وغيرها.
أمّا في غيرها ؛ فلأنّه كثيرا ما يحصل الاطمئنان من الشهرة والإجماع المنقول والاستقراء والأولويّة.
وأمّا الأخبار ؛ فلأنّ الظنّ المبحوث عنه في هذا المقام هو الظنّ بصدور المتن ، وهو يحصل غالبا من خبر من يوثق بصدقه ـ ولو في خصوص الرواية ـ وإن لم يكن إماميّا أو ثقة على الإطلاق ؛ إذ ربما يتسامح في غير الروايات بما لا يتسامح فيها.
وأمّا احتمال الإرسال ، فمخالف لظاهر كلام الراوي ، وهو داخل في ظواهر الألفاظ ، فلا يعتبر فيها إفادة الظنّ فضلا عن الاطمئنانيّ منه ، فلو فرض عدم حصول الظنّ بالصدور لأجل عدم الظنّ بالإسناد ، لم يقدح في اعتبار ذلك الخبر ؛ لأنّ الجهة التي يعتبر فيها (٢) الظنّ الاطمئنانيّ هو جهة صدق الراوي في إخباره عمّن يروي عنه ، وأمّا أنّ إخباره بلا واسطة فهو ظهور لفظيّ لا بأس بعدم إفادته للظنّ ، فيكون صدور المتن غير مظنون أصلا ؛ لأنّ النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين.
وبالجملة : فدعوى كثرة الظنون الاطمئنانيّة في الأخبار وغيرها
__________________
(١) في (ظ) و (م) بدل «بالظنّ الغير القويّ في نفي التكليف فضلا» : «بالظنّ القويّ فضلا».
(٢) في (ت) ، (ر) ، (ص) و (ه) زيادة : «إفادة».
من الأمارات ، بحيث لا يحتاج إلى ما دونها ، ولا يلزم من الرجوع في الموارد الخالية عنها إلى الاحتياط (١) محذور وإن كان هناك ظنون لا تبلغ مرتبة الاطمئنان ، قريبة جدّا. إلاّ أنّه يحتاج إلى مزيد تتبّع في الروايات وأحوال الرواة وفتاوى العلماء.
وكيف كان : فلا أرى الظنّ الاطمئناني الحاصل من الأخبار وغيرها من الأمارات أقلّ عددا من الأخبار المصحّحة بعدلين ، بل لعلّ هذا (٢) أكثر.
عدم الفرق في الظنّ الاطميناني بين الظنّ بالحكم أو الظنّ بالطريق |
ثمّ إنّ الظنّ الاطمئناني من أمارة أو أمارات إذا تعلّقت (٣) بحجّية أمارة ظنّية كانت في حكم الاطمئنان وإن لم تفده ، بناء على ما تقدّم (٤) : من عدم الفرق بين الظنّ بالحكم والظنّ بالطريق (٥) ، إلاّ أن يدّعي مدّع قلّتها بالنسبة إلى نفسه ؛ لعدم الاطمئنان له غالبا من الأمارات القويّة وعدم ثبوت حجّية أمارة بها أيضا ، وحينئذ فيتعيّن في حقّه التعدّي منه إلى مطلق الظنّ.
الإشكال في العمل بما يقتضيه الأصل في المشكوكات |
وأمّا العمل في المشكوكات (٦) بما يقتضيه الأصل في المورد ، فلم يثبت ، بل اللازم بقاؤه على الاحتياط ؛ نظرا إلى كون المشكوكات
__________________
(١) كذا في (ص) ، وفي غيرها ونسخة بدلها بدل «الاحتياط» : «الاصول».
(٢) في النسخ : «هذه».
(٣) في (ر) و (ت) : «تعلّق».
(٤) راجع الصفحة ٤٣٧.
(٥) في (ظ) ، (ل) و (م) ونسخة بدل (ص) بدل «بالطريق» : «بالواقع».
(٦) في (ظ) ، (ل) و (م) ونسخة بدل (ص) : «المشكوك».
من المحتملات التي يعلم إجمالا بتحقّق التكليف فيها وجوبا وتحريما. ولا عسر في الاحتياط فيها ؛ نظرا إلى قلّة المشكوكات ؛ لأنّ أغلب المسائل يحصل فيها الظنّ بأحد الطرفين ، كما لا يخفى.
مع أنّ الفرق بين الاحتياط في جميعها والعمل بالاصول الجارية في خصوص مواردها إنّما يظهر في الاصول المخالفة للاحتياط ، ولا ريب أنّ العسر لا يحدث بالاحتياط فيها ، خصوصا مع كون مقتضى الاحتياط في شبهة التحريم الترك ، وهو غير موجب للعسر.
وحينئذ : فلا يثبت المدّعى ، من حجّيّة الظنّ وكونه دليلا بحيث يرجع في موارد عدمه إلى الأصل ، بل يثبت عدم وجوب الاحتياط في المظنونات.
والحاصل : أنّ العمل بالظنّ من باب الاحتياط (١) لا يخرج المشكوكات عن حكم الاحتياط الكلّي الثابت بمقتضى العلم الإجماليّ في الوقائع.
نعم ، لو ثبت بحكم العقل أنّ الظنّ عند انسداد باب العلم مرجع في الأحكام الشرعيّة نفيا وإثباتا كالعلم ، انقلب التكليف إلى الظنّ ، وحكمنا بأنّ الشارع لا يريد إلاّ الامتثال الظنّيّ ، وحيث (٢) لا ظنّ ـ كما في المشكوكات ـ فالمرجع إلى الاصول الموجودة في خصوصيّات المقام ، فيكون كما لو انفتح باب العلم أو الظنّ الخاصّ ، فيصير لزوم العسر حكمة في عدم ملاحظة الشارع العلم الإجمالي في الامتثال بعد تعذّر
__________________
(١) في نسخة بدل (ص) بدل «الاحتياط» : «العسر».
(٢) في غير (ه) : «فحيث».
التفصيليّ ، لا علّة حتّى يدور الحكم مدارها.
ولكنّ الإنصاف : أنّ المقدّمات المذكورة لا تنتج هذه النتيجة ، كما يظهر لمن راجعها وتأمّلها. نعم ، لو ثبت أنّ الاحتياط في المشكوكات يوجب العسر ثبتت (١) النتيجة المذكورة ، لكن عرفت (٢) فساد دعواه في الغاية ، كدعوى أنّ العلم الإجماليّ المقتضي للاحتياط الكلّي إنّما هو في موارد الأمارات دون المشكوكات ، فلا مقتضي فيها للعدول عمّا تقتضيه (٣) الاصول الخاصّة في مواردها ؛ فإنّ هذه الدعوى يكذّبها ثبوت العلم الإجماليّ بالتكليف الإلزاميّ قبل استقصاء الأمارات ، بل قبل الاطّلاع عليها ، وقد مرّ تضعيفه سابقا ، فتأمّل فيه ؛ فإنّ ادّعاء ذلك ليس كلّ البعيد.
الإشكال في الاصول اللفظيّة أيضا |
ثمّ إنّ نظير هذا الإشكال الوارد في المشكوكات من حيث الرجوع فيها بعد العمل بالظنّ إلى الاصول العمليّة ، وارد فيها من حيث الرجوع فيها بعد العمل بالظنّ إلى الاصول اللفظيّة الجارية في ظواهر الكتاب والسنّة المتواترة والأخبار المتيقّن كونها ظنونا خاصّة.
توضيحه : أنّ من مقدّمات دليل الانسداد (٤) إثبات عدم جواز العمل بتلك (٥) الظواهر ؛ للعلم الإجماليّ بمخالفة ظواهرها في كثير من
__________________
(١) في (ر) و (ص) : «تثبت».
(٢) راجع الصفحة ٤٢٣.
(٣) في غير (ظ) : «عمّا يقتضيه».
(٤) هنا زيادة «تقتضي» في طبعة جماعة المدرّسين.
(٥) في (ر) و (ص) : «بأكثر تلك».
الموارد ؛ فتصير مجملة لا تصلح للاستدلال.
فإذا فرضنا رجوع الأمر إلى ترك الاحتياط في المظنونات أو في المشكوكات أيضا ، وجواز العمل بالظنّ المخالف للاحتياط وبالأصل المخالف للاحتياط ؛ فما الذي أخرج تلك الظواهر عن الإجمال حتّى يصحّ الاستدلال بها (١) في المشكوكات ؛ إذ (٢) لم يثبت كون الظنّ مرجعا كالعلم ، بحيث يكفي في الرجوع (٣) إلى الظواهر عدم الظنّ بالمخالفة؟
مثلا : إذا أردنا التمسّك ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٤) لإثبات صحّة عقد انعقدت أمارة ـ كالشهرة أو الإجماع المنقول ـ على فساده ، قيل : لا يجوز التمسّك بعمومه ؛ للعلم الإجماليّ بخروج كثير من العقود عن هذا العموم لا نعلم تفصيلها.
ثمّ إذا ثبت وجوب العمل بالظنّ ـ من جهة عدم إمكان الاحتياط في بعض الموارد ، وكون الاحتياط في جميع موارد إمكانه مستلزما للحرج ـ ، فإذا شكّ في صحّة عقد لم يقم على حكمه أمارة ظنّية ، قيل : إنّ الواجب الرجوع إلى عموم الآية ، ولا يخفى أنّ إجمالها لا يرتفع بمجرّد حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فيما ظنّ فيه بعدم التكليف.
ودفع هذا ـ كالإشكال السابق ـ منحصر في أن يكون نتيجة دليل
__________________
(١) في غير (ظ) : «بها الاستدلال».
(٢) في (ر) ، (ص) و (ظ) : «إذا».
(٣) في (ه) زيادة : «عملا».
(٤) المائدة : ١.
الانسداد حجّيّة الظنّ كالعلم ، ليرتفع الإجمال في الظواهر ـ لقيامه في كثير من مواردها ـ من جهة ارتفاع العلم الإجماليّ ، كما لو علم تفصيلا بعض تلك الموارد بحيث لا يبقى علم إجمالا في الباقي.
أو يدّعى أنّ العلم الإجماليّ الحاصل في تلك الظواهر إنّما هو بملاحظة موارد الأمارات ، فلا يقدح في المشكوكات سواء ثبت حجّيّة الظنّ أم لا.
وأنت خبير : بأنّ دعوى النتيجة على الوجه المذكور يكذّبها مقدّمات دليل الانسداد.
ودعوى : اختصاص المعلوم إجمالا من مخالفة الظواهر بموارد الأمارات ، مضعّفة بأنّ هذا العلم حاصل بملاحظة (١) الأمارات ومواردها ، وقد تقدّم سابقا أنّ المعيار في دخول طائفة من المحتملات في أطراف العلم الإجماليّ ـ لنراعي فيها حكمه ـ وعدم دخولها ، هو تبديل طائفة من المحتملات ـ المعلوم لها دخل في العلم الإجماليّ ـ بهذه الطائفة المشكوك دخولها ، فإن حصل العلم الإجماليّ كانت من أطراف العلم ، وإلاّ فلا.
وقد يدفع الاشكالان : بدعوى قيام الإجماع بل الضرورة على أنّ المرجع في المشكوكات إلى العمل بالاصول اللفظيّة إن كانت ، وإلاّ فإلى الاصول العمليّة.
وفيه : أنّ هذا الإجماع مع ملاحظة الاصول في أنفسها ، وأمّا مع طروّ العلم الإجماليّ بمخالفتها في كثير من الموارد ـ غاية الكثرة ـ
__________________
(١) في (ر) و (ص) : «من دون ملاحظة».
فالإجماع على سقوط العمل بالاصول مطلقا ، لا على ثبوته.
ثمّ إنّ هذا العلم الإجماليّ وإن كان حاصلا لكلّ أحد قبل تمييز (١) الأدلّة عن غيرها ، إلاّ أنّ من تعيّنت له الأدلّة وقام الدليل القطعيّ عنده على بعض الظنون عمل بمؤدّاها ، وصار المعلوم بالإجماع عنده معلوما بالتفصيل ، كما إذا قامت أمارة معتبرة كالبيّنة واليد على حرمة بعض (٢) القطيع الذي علم بحرمة كثير من شياهها ، فإنّه يعمل بمقتضى الأمارة ، ثمّ يرجع في مورد فقدها إلى أصالة الحلّ ؛ لأنّ المعلوم إجمالا صار معلوما بالتفصيل ، والحرام الزائد عليه غير معلوم التحقّق في أوّل الأمر.
وأمّا من لم يقم عنده الدليل (٣) على أمارة ، إلاّ أنّه ثبت له عدم وجوب الاحتياط ، والعمل بالأمارات لا من حيث إنّها أدلّة ، بل من حيث إنّها مخالفة للاحتياط وترك الاحتياط فيها موجب لاندفاع العسر ، فلا رافع (٤) لذلك العلم الإجماليّ لهذا الشخص بالنسبة إلى المشكوكات.
حاصل الكلام في المسألة |
فعلم ممّا ذكرنا : أنّ مقدّمات دليل الانسداد على تقرير الحكومة وإن كانت تامّة في الإنتاج إلاّ أنّ نتيجتها لا تفي بالمقصود : من حجّية
__________________
(١) في (ت) ، (ر) و (ه) : «تميّز».
(٢) كذا في (ظ) و (م) ، وفي غيرهما بدل «قامت ـ إلى ـ بعض» : «نصب أمارة طريقا لتعيين المحرّمات في».
(٣) في (م) : «دليل».
(٤) في (ت) ، (ر) ، (ص) و (ظ) : «فلا دافع».
الظنّ وجعله كالعلم أو كالظنّ الخاصّ.
وأمّا على تقرير الكشف ، فالمستنتج منها وإن كان عين المقصود ، إلاّ أنّ الإشكال والنظر بل المنع في استنتاج تلك النتيجة.
فإن كنت تقدر على إثبات حجّيّة قسم من الخبر لا يلزم من الاقتصار عليه محذور ، كان أحسن ، وإلاّ فلا تتعدّ على تقرير الكشف عمّا (١) ذكرناه (٢) من المسلك في آخره ، وعلى تقدير الحكومة ما بيّنا هنا أيضا : من الاقتصار في مقابل الاحتياط على الظنّ الاطمئنانيّ بالحكم أو بطريقيّة أمارة دلّت على الحكم وإن لم تفد اطمئنانا بل ولا ظنّا ، بناء على ما عرفت من مسلكنا المتقدّم (٣) : من عدم الفرق بين الظنّ بالحكم والظنّ بالطريق.
وأمّا في ما لا يمكن الاحتياط ، فالمتّبع فيه ـ بناء على ما تقدّم (٤) في المقدّمات : من سقوط الاصول عن الاعتبار ؛ للعلم الإجماليّ بمخالفة الواقع فيها ـ هو مطلق الظنّ إن وجد ، وإلاّ فالتخيير.
وحاصل الأمر : عدم رفع اليد عن الاحتياط في الدين مهما أمكن إلاّ مع الاطمئنان بخلافه.
وعليك بمراجعة ما قدّمنا من الأمارات على حجّيّة الأخبار ، عساك تظفر فيها بأمارات توجب الاطمئنان بوجوب العمل بخبر الثقة
__________________
(١) في (ر) ، (ظ) و (م) بدل «عمّا» : «ما».
(٢) راجع الصفحة ٤٩٣.
(٣) راجع الصفحة ٤٣٧.
(٤) في الصفحة ٤٢٨.
عرفا إذا أفاد الظنّ وإن لم يفد الاطمئنان ، بل لعلّك تظفر فيها بخبر مصحّح بعدلين مطابق لعمل المشهور مفيد للاطمئنان يدلّ على حجّيّة المصحّح بواحد عدل ـ نظرا إلى حجّية قول الثقة المعدّل في تعديله ، فيصير بمنزلة المعدّل بعدلين ـ حتّى يكون المصحّح بعدل واحد متّبعا ؛ بناء على دليل الانسداد بكلا تقريريه ؛ لأنّ المفروض حصول الاطمئنان من الخبر القائم على حجّية قول الثقة (١) المستلزم لحجّية المصحّح بعدل واحد ؛ بناء على شمول دليل اعتبار خبر الثقة للتعديلات (٢) ، فيقضي به تقرير الحكومة ، وكون مثله متيقّن الاعتبار من بين الأمارات فيقضي به تقرير الكشف.
__________________
(١) لم ترد «الثقة» في (ه) ، وفي غير (ظ) و (م) زيادة : «المعدّل».
(٢) لم ترد عبارة «بناء ـ إلى ـ للتعديلات» في (ظ) و (م).
المقام الثالث (١)
عدم الإشكال في خروج الظنّ القياسي على الكشف |
في أنّه إذا بني على تعميم الظنّ ، فإن كان التعميم على تقرير الكشف ، بأن يكون مقدّمات الانسداد كاشفة عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظنّ في الجملة ثمّ تعميمه بأحد (٢) المعمّمات المتقدّمة ، فلا إشكال (٣) من جهة العلم بخروج القياس عن هذا العموم ؛ لعدم جريان المعمّم فيه بعد وجود الدليل على حرمة العمل به (٤) ، فيكون التعميم بالنسبة إلى ما عداه ، كما لا يخفى على من راجع المعمّمات المتقدّمة.
توجّه الإشكال على الحكومة |
وأمّا على تقرير الحكومة ، بأن يكون مقدّمات الدليل موجبة لحكومة العقل بقبح إرادة الشارع ما عدا الظنّ وقبح اكتفاء المكلّف بما دونه (٥) ، فيشكل توجيه خروج القياس ، وكيف يجامع حكم العقل بكون الظنّ كالعلم مناطا للإطاعة والمعصية ويقبح من الآمر والمأمور التعدّي عنه ، ومع ذلك يحصل الظنّ أو خصوص الاطمئنان من القياس ، ولا يجوّز الشارع العمل به؟ فإنّ المنع عن العمل بما يقتضيه العقل ـ من
__________________
(١) قد تقدّم الكلام في المقامين الأوّلين في الصفحة ٤٦٤ و ٤٧١.
(٢) في (ل) و (ه) : «بإحدى».
(٣) في (ص) زيادة : «أصلا» ، وفي (ت) ، (ظ) ، (م) و (ه) زيادة : «أيضا».
(٤) لم ترد «به» في (ر) ، (ظ) ، (ل) و (م).
(٥) كذا في (ت) و (ه) ، وفي غيرهما : «على ما دونه».
الظنّ أو خصوص الاطمئنان ـ لو فرض ممكنا جرى في غير القياس ، فلا يكون العقل مستقلا ؛ إذ لعلّه نهى عن أمارة مثل ما نهى عن القياس بل وأزيد ، واختفى علينا.
ولا رافع (١) لهذا الاحتمال إلاّ قبح ذلك على الشارع ؛ إذ احتمال صدور الممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلاّ بقبحه. وهذا من أفراد ما اشتهر : من أنّ الدليل العقليّ لا يقبل التخصيص ، ومنشؤه لزوم التناقض.
ولا يندفع إلاّ بكون الفرد الخارج عن الحكم خارجا عن الموضوع وهو التخصّص. وعدم التناقض في تخصيص العمومات اللفظيّة إنّما هو لكون العموم صوريّا ، فلا يلزم إلاّ التناقض الصوريّ.
ثمّ إنّ الإشكال هنا في مقامين :
١ ـ خروج الظنّ القياسي عن حجيّة مطلق الظنّ |
الإشكال في مقامين |
أحدهما : في خروج مثل القياس وأمثاله ممّا نقطع بعدم اعتباره. الثاني : في حكم الظنّ الذي قام على عدم اعتباره ظنّ آخر ؛ حيث إنّ الظنّ المانع والممنوع متساويان في الدخول تحت دليل الانسداد ولا يجوز العمل بهما ، فهل يطرحان أو يرجّح المانع أو الممنوع منه أو يرجع إلى الترجيح؟ وجوه بل أقوال.
أمّا المقام الأوّل ، فقد قيل في توجيهه امور :
ما قيل في توجيه خروج القياس |
الأوّل : ما مال إليه أو قال به بعض (٢) : من منع حرمة العمل
__________________
(١) في (ر) ، (ص) ، (ظ) و (م) : «لا دافع».
(٢) هو المحقّق القمّي في القوانين ١ : ٤٤٩ ، و ٢ : ١١٣.
بالقياس في أمثال زماننا ، وتوجيهه بتوضيح منّا :
١ ـ منع حرمة العمل بالقياس في زمان الانسداد |
أنّ الدليل على الحرمة : إن كان هي الأخبار المتواترة معنى في الحرمة (١) ، فلا ريب أنّ بعض تلك الأخبار في مقابلة معاصري الأئمّة صلوات الله عليهم من العامّة التاركين للثقلين (٢) ، حيث تركوا الثقل الأصغر الذي عنده علم الثقل الأكبر ، ورجعوا إلى اجتهاداتهم وآرائهم ، فقاسوا واستحسنوا وضلّوا وأضلّوا ، وإليهم أشار النبيّ صلىاللهعليهوسلم في بيان من يأتي من بعده من الأقوام ، فقال : «برهة يعملون بالقياس» (٣) ، والأمير صلوات الله عليه بما معناه : «إنّ قوما تفلّتت عنهم الأحاديث أن يحفظوها وأعوزتهم النصوص أن يعوها ، فتمسّكوا بآرائهم ... إلى آخر الرواية» (٤).
وبعض منها : إنّما (٥) يدلّ على الحرمة من حيث إنّه ظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.
وبعض منها : يدلّ على الحرمة من حيث استلزامه لإبطال الدين ومحق السنّة ؛ لاستلزامه الوقوع غالبا في خلاف الواقع (٦).
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٢٠ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢ ، ٣ ، ٤ ، ١٠ ، ١١ ، ١٥ ، ١٨ ، ٢٠ وغيرها.
(٢) نفس المصدر ، الحديث ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٢٤ وغيرها.
(٣) البحار ٢ : ٣٠٨ ، الحديث ٦٨.
(٤) البحار ٢ : ٨٤ ، الحديث ٩ ، مع تفاوت.
(٥) لم ترد «إنّما» في (ت) ، (ظ) و (ل).
(٦) الوسائل ١٨ : ٢٥ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٠.
وبعض منها : يدلّ على الحرمة ووجوب التوقّف إذا لم يوجد ما عداه (١) ، ولازمه الاختصاص بصورة التمكّن من إزالة التوقّف لأجل العمل بالرجوع إلى أئمّة الهدى عليهمالسلام ، أو بصورة ما إذا كانت المسألة من غير العمليّات ، أو نحو ذلك.
ولا يخفى : أنّ شيئا من الأخبار الواردة على أحد هذه الوجوه المتقدّمة ، لا يدلّ على حرمة العمل بالقياس الكاشف عن صدور الحكم عموما أو خصوصا عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أو أحد امنائه صلوات الله عليهم أجمعين ، مع عدم التمكّن من تحصيل العلم به ولا الطريق الشرعيّ ، ودوران الأمر بين العمل بما يظنّ أنّه صدر منهم عليهمالسلام والعمل بما يظنّ أنّ خلافه صدر منهم ، كمقتضى الاصول المخالفة للقياس في موارده أو الأمارات (٢) المعارضة له. وما ذكرنا واضح على من راعى الإنصاف وجانب الاعتساف.
وإن كان الدليل هو الإجماع ، بل الضرورة عند علماء المذهب كما ادّعي (٣) ، فنقول : إنّه كذلك ، إلاّ أنّ دعوى الإجماع والضرورة على الحرمة في كلّ زمان ممنوعة.
ألا ترى : أنّه لو فرض ـ والعياذ بالله ـ انسداد باب الظنّ من الطرق السمعيّة لعامّة المكلّفين أو لمكلّف واحد باعتبار ما سنح له من البعد عن بلاد الإسلام ، فهل تقول : إنّه يحرم عليه العمل بما يظنّ
__________________
(١) نفس المصدر ، الحديث ٤٩.
(٢) في (ظ) و (م) : «أو الأمارة» ، وفي (ر) ، (ص) : «والأمارة».
(٣) انظر القوانين ١ : ٤٤٩ ، ومفاتيح الاصول : ٦٦٣ ـ ٦٦٤.
بواسطة القياس أنّه الحكم الشرعيّ المتداول بين المتشرّعة ، وأنّه مخيّر بين العمل به والعمل بما يقابله من الاحتمال الموهوم ، ثمّ تدّعي الضرورة على ما ادّعيته من الحرمة؟ حاشاك!
ودعوى : الفرق بين زماننا هذا وزمان انطماس جميع الأمارات السمعيّة ممنوعة ؛ لأنّ المفروض أنّ الأمارات السمعيّة الموجودة بأيدينا لم تثبت كونها مقدّمة (١) في نظر الشارع على القياس ؛ لأنّ تقدّمها : إن كان لخصوصيّة فيها ، فالمفروض بعد انسداد باب الظنّ الخاصّ عدم ثبوت خصوصيّة فيها ، واحتمالها بل ظنّها لا يجدي ، بل نفرض الكلام فيما إذا قطعنا بأنّ الشارع لم ينصب تلك الأمارات (٢) بالخصوص.
وإن كان لخصوصيّة في القياس أوجبت كونه دونها في المرتبة ، فليس الكلام إلاّ في ذلك.
وكيف كان ، فدعوى الإجماع والضرورة في ذلك في الجملة مسلّمة ، وأمّا كلّيّة فلا. وهذه الدعوى ليست بأولى من دعوى السيّد ضرورة المذهب على حرمة العمل بأخبار الآحاد (٣).
المناقشة في هذا الوجه |
لكنّ الإنصاف : أنّ إطلاق بعض الأخبار وجميع معاقد الإجماعات يوجب الظنّ المتاخم للعلم بل العلم بأنّه ليس ممّا يركن إليه في الدين مع وجود الأمارات السمعيّة ، فهو حينئذ ممّا قام الدليل على عدم حجّيّته ، بل العمل بالقياس المفيد للظنّ في مقابل الخبر الصحيح ـ كما هو
__________________
(١) في (ر) و (م) : «متقدّمة».
(٢) في غير (ر) و (ص) : «الأمارة».
(٣) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤.