فرائد الأصول - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-02-0
الصفحات: ٦٤٨

«سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول العامّة : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليّة؟ قال : حقّ والله ، قلت : فإنّ إماما هلك ، ورجل بخراسان لا يعلم من وصيّه ، لم يسعه ذلك؟ قال : لا يسعه ؛ إنّ الإمام إذا مات وقعت (١) حجّة وصيّه على من هو معه في البلد ، وحقّ النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم ؛ إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ...) الآية» (٢).

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفيها : «قلت : أفيسع الناس إذا مات العالم أن لا يعرفوا الذي بعده؟ فقال : أمّا أهل هذه البلدة فلا ـ يعني أهل المدينة ـ وأمّا غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم ؛ إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ)» (٣).

ومنها : صحيحة البزنطيّ المرويّة في قرب الإسناد ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (٤).

ومنها : رواية عبد المؤمن الأنصاريّ الواردة في جواب من سأل عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اختلاف امّتي رحمة» ، قال : «إذا كان اختلافهم رحمة

__________________

(١) كذا في الكافي ، وفي (ص) ، (ظ) ، (ل) ، (م) و (ه) : «دفعت» ، وفي (ت) و (ر) : «رفعت».

(٢) الكافي ١ : ٣٧٨ ، باب ما يجب على الناس عند مضيّ الإمام ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ١ : ٣٨٠ ، باب ما يجب على الناس عند مضيّ الإمام ، ضمن الحديث ٣.

(٤) قرب الإسناد : ٣٤٨ ـ ٣٥٠ ، الحديث ١٢٦٠.

٢٨١

فاتّفاقهم عذاب؟! ليس هذا يراد ، إنّما يراد الاختلاف في طلب العلم ، على ما قال الله عزّ وجلّ : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ)» (١) ، الحديث منقول بالمعنى ولا يحضرني ألفاظه.

وجميع هذا هو السرّ في استدلال أصحابنا بالآية الشريفة على وجوب تحصيل العلم وكونه كفائيّا.

هذا غاية ما قيل أو يقال في توجيه الاستدلال بالآية الشريفة.

المناقشة في الاستدلال بهذه الآية من وجوه

لكنّ الإنصاف : عدم جواز الاستدلال بها من وجوه :

الأوّل : أنّه لا يستفاد من الكلام إلاّ مطلوبيّة الحذر عقيب الإنذار بما يتفقّهون في الجملة ، لكن ليس فيها إطلاق وجوب الحذر ، بل يمكن أن يتوقّف وجوبه على حصول العلم ، فالمعنى : لعلّه يحصل لهم العلم فيحذروا ، فالآية مسوقة لبيان مطلوبيّة الإنذار بما يتفقّهون ، ومطلوبيّة العمل من المنذرين بما انذروا ، وهذا لا ينافي اعتبار العلم في العمل ؛ ولهذا صحّ ذلك فيما يطلب فيه العلم.

فليس في هذه الآية تخصيص للأدلّة الناهية عن العمل بما لم يعلم ؛ ولذا استشهد الإمام ـ فيما سمعت من الأخبار المتقدّمة (٢) ـ على وجوب النفر في معرفة الإمام عليه‌السلام وإنذار النافرين للمتخلّفين ، مع أنّ الإمامة لا تثبت إلاّ بالعلم.

الثاني : أنّ التفقّه الواجب ليس إلاّ معرفة الامور الواقعيّة من الدين ، فالإنذار الواجب هو الإنذار بهذه الامور المتفقّه فيها ، فالحذر

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٠.

(٢) في نفس هذه الصفحة والصفحتين السابقتين.

٢٨٢

لا يجب إلاّ عقيب الإنذار بها ، فإذا لم يعرف المنذر ـ بالفتح ـ أنّ الإنذار هل وقع بالامور الدينيّة الواقعيّة أو بغيرها خطأ أو تعمّدا من المنذر ـ بالكسر ـ لم يجب الحذر حينئذ ، فانحصر وجوب الحذر فيما إذا علم المنذر صدق المنذر في إنذاره بالأحكام الواقعيّة ، فهو نظير قول القائل : أخبر فلانا بأوامري لعلّه يمتثلها (١).

فهذه الآية (٢) نظير ما ورد من الأمر (٣) بنقل الروايات (٤) ؛ فإنّ المقصود من هذا الكلام ليس إلاّ وجوب العمل بالامور الواقعيّة ، لا وجوب تصديقه فيما يحكي ولو (٥) لم يعلم مطابقته للواقع ، ولا يعدّ هذا ضابطا لوجوب العمل بالخبر الظنّيّ الصادر من المخاطب في الأمر الكذائيّ.

ونظيره : جميع ما ورد ، من بيان الحقّ للناس ووجوب تبليغه إليهم ؛ فإنّ المقصود منه اهتداء الناس إلى الحقّ الواقعيّ ، لا إنشاء حكم ظاهريّ لهم بقبول كلّ ما يخبرون به وإن لم يعلم مطابقته للواقع.

__________________

(١) في (ظ) و (م) بدل «بأوامري لعلّه يمتثلها» : «بكذا لعلّه يقبل منك».

(٢) في (ل) بدل «فهذه الآية» : «لأنّه».

(٣) يأتي بعضها في الصفحة ٣٠٨.

(٤) لم ترد «فهذه ـ إلى ـ الروايات» في (ظ) و (م) ، وفي (ص) كتب أنّها زائدة.

(٥) في (ظ) و (م) بدل «العمل بالامور ـ إلى ـ فيما يحكي ولو» : «قبول الخبر الكذائي بالخصوص لا قبول كلّ ما يخبر فلان بأنّه كذا وإن».

٢٨٣

ثمّ الفرق بين هذا الإيراد وسابقه : أنّ هذا الإيراد مبنيّ على أنّ الآية ناطقة باختصاص مقصود المتكلّم بالحذر عن الامور الواقعيّة ، المستلزم لعدم وجوبه إلاّ بعد إحراز كون الإنذار متعلّقا بالحكم الواقعيّ ، وأمّا الإيراد الأوّل فهو مبنيّ على سكوت الآية عن التعرّض لكون الحذر واجبا على الإطلاق أو بشرط حصول العلم.

الثالث : لو سلّمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا عند إنذار المنذر ولو لم يفد العلم ، لكن لا تدلّ على وجوب العمل بالخبر من حيث إنّه خبر ؛ لأنّ الإنذار هو الإبلاغ مع التخويف ، فإنشاء التخويف مأخوذ فيه ، والحذر هو التخوّف الحاصل عقيب هذا التخويف الداعي إلى العمل بمقتضاه فعلا ، ومن المعلوم أنّ التخويف لا يجب إلاّ على الوعّاظ في مقام الإيعاد على الامور التي يعلم المخاطبون بحكمها من الوجوب والحرمة ، كما يوعد على شرب الخمر وفعل الزنا وترك الصلاة ، أو (١) على المرشدين في مقام إرشاد الجهّال ، فالتخوّف لا يجب إلاّ على المتّعظ أو (٢) المسترشد ، ومن المعلوم أنّ تصديق الحاكي فيما يحكيه من لفظ الخبر الذي هو محلّ الكلام خارج عن الأمرين.

توضيح ذلك : أنّ المنذر إمّا أن ينذر ويخوّف على وجه الإفتاء ونقل ما هو مدلول الخبر باجتهاده ، وإمّا أن ينذر ويخوّف بلفظ الخبر حاكيا له عن الحجّة.

فالأوّل ، كأن يقول : «يا أيّها الناس اتّقوا الله في شرب العصير ؛

__________________

(١) في (ر) : «و».

(٢) في (ت) و (ظ) : «و».

٢٨٤

فإنّ شربه يوجب المؤاخذة». والثاني ، كأن يقول في مقام التخويف (١) : قال الإمام عليه‌السلام : «من شرب العصير فكأنّما شرب الخمر».

أمّا الإنذار على الوجه الأوّل ، فلا يجب الحذر عقيبه إلاّ على المقلّدين لهذا المفتي.

وأمّا الثاني ، فله جهتان : إحداهما : جهة تخويف وإيعاد. والثانية : جهة حكاية قول من الإمام عليه‌السلام.

ومن المعلوم أنّ الجهة الاولى ترجع إلى الاجتهاد في معنى الحكاية ، فهي ليست حجّة إلاّ على من هو مقلّد له ؛ إذ هو الذي يجب عليه التخوّف عند تخويفه.

وأمّا الجهة الثانية ، فهي التي تنفع المجتهد الآخر الذي يسمع منه هذه الحكاية ، لكن وظيفته مجرّد تصديقه في صدور هذا الكلام عن الإمام عليه‌السلام ، وأمّا أنّ مدلوله متضمّن لما يوجب التحريم الموجب للتخوّف (٢) أو الكراهة ، فهو ممّا ليس فهم المنذر حجّة فيه بالنسبة إلى هذا المجتهد.

فالآية الدالّة على وجوب التخوّف عند تخويف المنذرين مختصّة بمن يجب عليه اتّباع المنذر في مضمون الحكاية وهو المقلّد له ؛ للإجماع على أنّه لا يجب على المجتهد التخوّف عند إنذار غيره. إنّما الكلام في أنّه هل يجب عليه تصديق غيره في الألفاظ والأصوات التي يحكيها عن المعصوم عليه‌السلام أم لا؟ والآية لا تدلّ على وجوب ذلك على من لا يجب

__________________

(١) لم ترد «في مقام التخويف» في (ص) ، (ل) و (ه).

(٢) كذا في (ظ) ، وفي غيرها : «للخوف».

٢٨٥

عليه التخوّف عند التخويف.

الأولى الاستدلال بالآية على وجوب الاجتهاد والتقليد

فالحقّ : أنّ الاستدلال بالآية على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد على العوامّ ، أولى من الاستدلال بها على وجوب العمل بالخبر.

وذكر شيخنا البهائيّ قدس‌سره في أوّل أربعينه :

كلام الشيخ البهائي

أنّ الاستدلال بالنبويّ المشهور : «من حفظ على أمّتي أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما» (١) على حجّيّة الخبر ، لا يقصر عن الاستدلال عليها بهذه الآية (٢).

وكأنّ فيه إشارة إلى ضعف الاستدلال بها ؛ لأنّ الاستدلال بالحديث المذكور ضعيف جدّا ، كما سيجيء (٣) إن شاء الله عند ذكر الأخبار.

هذا ، ولكن ظاهر الرواية المتقدّمة (٤) عن علل الفضل يدفع هذا الإيراد. لكنّها من الآحاد ؛ فلا ينفع في صرف الآية عن ظاهرها في مسألة حجّيّة الآحاد. مع إمكان منع دلالتها على المدّعى ؛ لأنّ (٥) الغالب تعدّد من يخرج إلى الحجّ من كلّ صقع بحيث يكون الغالب حصول القطع من حكايتهم لحكم الله الواقعيّ عن الإمام عليه‌السلام ، وحينئذ فيجب

__________________

(١) انظر الوسائل ١٨ : ٦٦ ـ ٦٧ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥٤ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠ و ٦٢.

(٢) الأربعون حديثا : ٧١.

(٣) انظر الصفحة ٣٠٧.

(٤) في الصفحة ٢٨٠.

(٥) في (ت) ، (ص) ، (ظ) و (م) بدل «لأنّ» : «وأنّ».

٢٨٦

الحذر عقيب إنذارهم ، فإطلاق الرواية منزّل على الغالب.

الآية الثالثة : آية «الكتمان»

ومن جملة الآيات التي استدلّ بها جماعة (١) ـ تبعا للشيخ في العدّة (٢) ـ على حجّيّة الخبر ، قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ)(٣).

وجه الاستدلال بها

والتقريب فيه : نظير ما بيّناه في آية النفر : من أنّ حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عند الإظهار.

المناقشة في الاستدلال

ويرد عليها (٤) : ما ذكرنا من الإيرادين الأوّلين في آية النفر ، من سكوتها وعدم التعرّض فيها لوجوب القبول وإن لم يحصل العلم عقيب الاظهار ، أو اختصاص وجوب القبول المستفاد منها بالأمر الذي يحرم كتمانه ويجب إظهاره ؛ فإنّ من أمر غيره بإظهار الحقّ للناس ليس مقصوده إلاّ عمل الناس بالحقّ ، ولا يريد بمثل هذا الخطاب تأسيس حجّيّة قول المظهر تعبّدا ووجوب العمل بقوله وإن لم يطابق الحقّ.

ويشهد لما ذكرنا : أنّ مورد الآية كتمان اليهود لعلامات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما بيّن الله لهم ذلك في التوراة (٥) ، ومعلوم أنّ آيات (٦) النبوّة

__________________

(١) منهم : المحقّق القمّي في القوانين ١ : ٤٣٨ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٢٧٦.

(٢) انظر العدّة ١ : ١١٣.

(٣) البقرة : ١٥٩.

(٤) في نسخة بدل (ل) : «عليه».

(٥) انظر مجمع البيان ١ : ٢٤١.

(٦) لم ترد «آيات» في (ظ).

٢٨٧

لا يكتفى فيها بالظنّ.

نعم ، لو وجب الإظهار على من لا يفيد قوله العلم غالبا أمكن جعل ذلك دليلا على أنّ المقصود العمل بقوله وإن لم يفد العلم ؛ لئلاّ يكون إلقاء هذا الكلام كاللغو.

ومن هنا يمكن الاستدلال بما تقدّم (١) : من آية تحريم كتمان ما في الأرحام على النساء على وجوب تصديقهنّ ، وبآية وجوب إقامة الشهادة (٢) على وجوب قبولها بعد الإقامة.

مع إمكان كون وجوب الإظهار لأجل رجاء وضوح الحقّ من تعدّد المظهرين.

الآية الرابعة : آية «السؤال من أهل الذكر»

ومن جملة الآيات التي استدلّ بها بعض المعاصرين (٣) ، قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٤).

وجه الاستدلال بها

بناء على أنّ وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب ؛ وإلاّ لغى وجوب السؤال ، وإذا وجب قبول الجواب وجب قبول كلّ ما يصحّ أن يسأل عنه ويقع جوابا له ؛ لأنّ خصوصيّة المسبوقيّة بالسؤال لا دخل فيه قطعا ، فإذا سئل الراوي الذي هو من أهل العلم عمّا سمعه عن الإمام عليه‌السلام في خصوص الواقعة ، فأجاب بأنّي سمعته يقول كذا ، وجب القبول بحكم الآية ، فيجب قبول قوله ابتداء : إنّي سمعت الإمام عليه‌السلام

__________________

(١) راجع الصفحة ٢٧٨.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) هو صاحب الفصول في الفصول : ٢٧٦.

(٤) النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧.

٢٨٨

يقول كذا ؛ لأنّ حجّيّة قوله هو الذي أوجب السؤال عنه ، لا أنّ وجوب السؤال أوجب قبول قوله ، كما لا يخفى.

المناقشة في الاستدلال

ويرد عليه :

أوّلا (١) : أنّ الاستدلال إن كان بظاهر الآية ، فظاهرها بمقتضى السياق إرادة علماء أهل الكتاب ، كما عن ابن عباس ومجاهد (٢) والحسن وقتادة (٣) ؛ فإنّ المذكور في سورة النحل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ ،) وفي سورة الأنبياء : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.)

من هم أهل الذكر؟

وإن كان مع قطع النظر عن سياقها ، ففيه : (٤) أنّه ورد في الأخبار المستفيضة : أنّ أهل الذكر هم الأئمّة عليهم‌السلام ، وقد عقد في اصول الكافي بابا لذلك (٥) ، وأرسله في المجمع عن عليّ عليه‌السلام (٦).

وردّ بعض مشايخنا (٧) هذه الأخبار بضعف السند ؛ بناء على اشتراك بعض الرواة في بعضها وضعف بعضها في الباقي.

__________________

(١) لم ترد «أوّلا» في (ت) ، (ظ) و (ه).

(٢) مجمع البيان ٣ : ٣٦٢.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٤٠.

(٤) في جميع النسخ زيادة : «أوّلا» ، ولكن شطب عليها في (ص) و (ل).

(٥) الكافي ١ : ٢١٠.

(٦) مجمع البيان ٤ : ٤٠.

(٧) هو السيد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٥٩٧.

٢٨٩

وفيه نظر ؛ لأنّ روايتين منها صحيحتان ، وهما روايتا محمّد بن مسلم والوشّاء (١) ، فلاحظ ، ورواية أبي بكر الحضرميّ (٢) حسنة أو موثّقة. نعم ثلاث روايات أخر منها (٣) لا تخلو من ضعف ، ولا تقدح قطعا.

وثانيا : أنّ الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم وجوب تحصيل العلم ، لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبّدا ، كما يقال في العرف : سل إن كنت جاهلا.

ويؤيّده : أنّ الآية واردة في اصول الدين وعلامات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله التي لا يؤخذ فيها بالتعبّد إجماعا.

وثالثا : لو سلّم حمله على إرادة وجوب السؤال للتعبّد بالجواب لا لحصول العلم منه ، قلنا : إنّ المراد من أهل العلم ليس مطلق من علم ولو بسماع رواية من الإمام عليه‌السلام ؛ وإلاّ لدلّ على حجّيّة قول كلّ عالم بشيء ولو من طريق السمع والبصر ، مع أنّه يصحّ سلب هذا العنوان عن (٤) مطلق من أحسّ شيئا بسمعه أو بصره ، والمتبادر من وجوب سؤال أهل العلم ـ بناء على إرادة التعبّد بجوابهم ـ هو سؤالهم عمّا هم عالمون به ويعدّون من أهل العلم في مثله ، فينحصر مدلول الآية في التقليد ؛

استدلال جماعة بالآية على وجوب التقليد

ولذا تمسّك به جماعة (٥) على وجوب التقليد على العامّي.

__________________

(١) الكافي ١ : ٢١٠ ـ ٢١١ ، باب أنّ أهل الذكر هم الأئمّة عليهم‌السلام ، الحديث ٧ و ٣.

(٢) المصدر المتقدّم ، الحديث ٦.

(٣) المصدر المتقدّم ، الأحاديث ١ ، ٢ و ٨.

(٤) في (ت) ، (ر) ، (ل) و (ه) : «من».

(٥) منهم : الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٣١٩ ، والمحقّق القمّي في القوانين ٢ : ١٥٥ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٤١١.

٢٩٠

وبما ذكرنا يندفع ما يتوهّم : من أنّا نفرض الراوي من أهل العلم ، فإذا وجب قبول روايته وجب قبول رواية من ليس من أهل العلم بالإجماع المركّب.

حاصل وجه الاندفاع : أنّ سؤال أهل العلم عن الألفاظ التي سمعوها (١) من الإمام عليه‌السلام والتعبّد بقولهم (٢) فيها ، ليس سؤالا من أهل العلم من حيث هم أهل العلم ؛ ألا ترى أنّه لو قال : «سل الفقهاء إذا لم تعلم أو الأطبّاء» ، لا يحتمل أن يكون قد أراد ما يشمل المسموعات والمبصرات الخارجيّة من قيام زيد وتكلّم عمرو ، وغير ذلك؟

الآية الخامسة : آية «الاذن»

ومن جملة الآيات ، قوله تعالى في سورة براءة :

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)(٣).

وجه الاستدلال بها

مدح الله عزّ وجلّ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بتصديقه للمؤمنين ، بل قرنه بالتصديق بالله جلّ ذكره ، فإذا كان التصديق حسنا يكون واجبا.

تأييد الاستدلال ، بالرواية الواردة في حكاية إسماعيل

ويزيد تقريب الاستدلال وضوحا : ما رواه في فروع الكافي في الحسن ب" ابن هاشم" (٤) ، أنّه كان لاسماعيل بن أبي عبد الله دنانير ، وأراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام :

«يا بنيّ أما بلغك أنّه يشرب الخمر؟ قال : سمعت الناس يقولون ،

__________________

(١) في (ر) ، (ص) ، (ظ) ، (ل) و (م) : «سمعها».

(٢) في (ر) ، (ص) ، (ظ) ، (ل) و (م) : «بقوله».

(٣) التوبة : ٦١.

(٤) في (ص) و (ظ) : «بابراهيم بن هاشم».

٢٩١

فقال : يا بنيّ ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ،) يقول : يصدّق الله ويصدّق للمؤمنين ؛ فإذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم» (١).

المناقشة في الاستدلال

ويرد عليه :

المراد من «الأذن»

أوّلا : أنّ المراد بالاذن سريع التصديق والاعتقاد بكلّ ما يسمع ، لا من يعمل تعبّدا بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقه ، فمدحه صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ؛ لحسن ظنّه بالمؤمنين وعدم اتّهامهم.

المراد من «تصديق المؤمنين»

وثانيا : أنّ المراد من التصديق في الآية ليس جعل المخبر به واقعا وترتيب جميع آثاره عليه ؛ إذ لو كان المراد به ذلك لم يكن اذن خير لجميع الناس ؛ إذ لو أخبره أحد بزنا أحد ، أو شربه ، أو قذفه ، أو ارتداده ، فقتله النبيّ أو جلده ، لم يكن في سماعه (٢) ذلك الخبر خير للمخبر عنه ، بل كان محض الشرّ له ، خصوصا مع عدم صدور الفعل منه في الواقع. نعم ، يكون (٣) خيرا للمخبر من حيث متابعة قوله وإن كان منافقا مؤذيا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ على ما يقتضيه الخطاب في «لكم» ؛ فثبوت الخير لكلّ من المخبر والمخبر عنه لا يكون إلاّ إذا صدّق المخبر ، بمعنى إظهار القبول عنه وعدم تكذيبه وطرح قوله رأسا ، مع العمل في نفسه بما يقتضيه الاحتياط التامّ بالنسبة إلى المخبر عنه ، فإن كان المخبر به ممّا يتعلّق بسوء حاله لا يؤذيه (٤) في الظاهر ، لكن يكون على حذر منه

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٣٠ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوديعة ، الحديث الأوّل.

(٢) في (ت) و (ه) : «لسماعه».

(٣) في (ظ) و (م) : «كان».

(٤) في (ل) بدل «لا يؤذيه» : «لا يؤذنه» ، وفي (ظ) : «لا يؤذن به».

٢٩٢

في الباطن ، كما كان هو مقتضى المصلحة في حكاية اسماعيل المتقدّمة.

ويؤيّد هذا المعنى : ما عن تفسير العياشيّ ، عن الصادق عليه‌السلام : من أنّه يصدّق المؤمنين ؛ لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان رءوفا رحيما بالمؤمنين (١) ؛ فإنّ تعليل التصديق بالرأفة والرحمة على كافّة المؤمنين ينافي إرادة قبول قول أحدهم على الآخر بحيث يرتّب (٢) عليه آثاره وإن أنكر المخبر عنه وقوعه ؛ إذ مع الإنكار لا بدّ من تكذيب أحدهما ، وهو مناف لكونه «اذن خير» ورءوفا رحيما بالجميع (٣) ، فتعيّن إرادة التصديق بالمعنى الذي ذكرنا.

ويؤيّده أيضا : ما عن القمّي رحمه‌الله في سبب نزول الآية :

«أنّه نمّ منافق على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبره الله بذلك (٤) ، فأحضره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسأله ، فحلف : أنّه لم يكن شيء ممّا ينمّ (٥) عليه ، فقبل منه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذ هذا الرجل بعد ذلك يطعن على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول : إنّه يقبل كلّ ما يسمع ، أخبره الله أنّي أنمّ عليه وأنقل أخباره فقبل ، وأخبرته أنّي لم أفعل فقبل ، فردّه الله تعالى بقوله لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ)» (٦).

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ : ٩٥ ، وحكاه عنه الفيض الكاشاني في تفسير الصافي ٢ : ٣٥٤.

(٢) كذا في (ه) ، وفي غيرها : «يترتّب».

(٣) في (ه) : «لجميع المؤمنين» ، وفي (ت) : «بجميع المؤمنين».

(٤) كذا في (ظ) و (م) ، وفي غيرهما : «ذلك».

(٥) في (ظ) و (م) : «نمّ».

(٦) تفسير القمّي ١ : ٣٠٠.

٢٩٣

ومن المعلوم : أنّ تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقا.

وهذا التفسير (١) صريح في أنّ المراد من «المؤمنين» : المقرّون (٢) بالإيمان من غير اعتقاد ، فيكون الإيمان لهم على حسب إيمانهم.

ويشهد بتغاير معنى الإيمان في الموضعين ـ مضافا إلى تكرار لفظه ـ : تعديته في الأوّل بالباء وفي الثاني باللام ، فافهم.

توجيه رواية إسماعيل

وأمّا توجيه الرواية ، فيحتاج إلى بيان معنى التصديق ، فنقول : إنّ المسلم إذا أخبر بشيء فلتصديقه معنيان :

أحدهما : ما يقتضيه أدلّة تنزيل (٣) فعل المسلم على الصحيح والأحسن ؛ فإنّ الإخبار من حيث إنّه فعل من أفعال المكلّفين ، صحيحه ما كان مباحا ، وفاسده ما كان نقيضه ، كالكذب والغيبة ونحوهما ، فحمل الإخبار على الصادق حمل (٤) على أحسنه.

والثاني : هو حمل إخباره من حيث إنّه لفظ دالّ على معنى يحتمل مطابقته للواقع وعدمها ، على كونه مطابقا للواقع وترتيب (٥) آثار الواقع عليه.

و (٦) المعنى الثاني هو الذي يراد من العمل بخبر العادل. وأمّا المعنى

__________________

(١) في (ل) بدل «التفسير» : «التعبير» ، وفي (م) : «التفصيل».

(٢) في (ه) بدل «المقرّون» : «المقرونون».

(٣) في (ه) بدل «تنزيل» : «حمل».

(٤) في (ظ) ، (ل) و (م) : «حمله».

(٥) في (ر) ، (ص) و (ه) : «بترتيب».

(٦) في (ص) ، (ظ) و (م) زيادة : «الحاصل أنّ».

٢٩٤

الأوّل ، فهو الذي يقتضيه أدلّة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن ، وهو ظاهر الأخبار الواردة في : أنّ من حقّ المؤمن على المؤمن أن يصدّقه ولا يتّهمه (١) ، خصوصا مثل قوله عليه‌السلام : «يا أبا محمّد ، كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة : أنّه قال قولا ، وقال : لم أقله ، فصدّقه وكذّبهم ... الخبر» (٢).

فإنّ تكذيب القسامة مع كونهم أيضا مؤمنين ، لا يراد منه إلاّ عدم ترتيب آثار الواقع على كلامهم ، لا ما يقابل تصديق المشهود عليه ؛ فإنّه ترجيح بلا مرجّح ، بل ترجيح المرجوح.

نعم ، خرج من ذلك مواضع (٣) وجوب قبول شهادة المؤمن على المؤمن وإن أنكر المشهود عليه.

وأنت إذا تأمّلت هذه الرواية ولاحظتها مع الرواية المتقدّمة (٤) في حكاية إسماعيل ، لم يكن لك بدّ من حمل التصديق على ما ذكرنا.

وإن أبيت إلاّ عن ظهور خبر إسماعيل في وجوب التصديق بمعنى ترتيب آثار الواقع ، فنقول : إنّ الاستعانة بها على دلالة الآية خروج عن الاستدلال بالكتاب إلى السنّة ، والمقصود هو الأوّل. غاية الأمر كون هذه الرواية في عداد الروايات الآتية (٥) إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) يأتي بعضها في مبحث الاستصحاب ٣ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٦٠٩ ، الباب ١٥٧ من أحكام العشرة ، الحديث ٤. وفيه : «يا محمّد» ، كما يأتي في مبحث الاستصحاب ٣ : ٣٤٧.

(٣) في (ت) و (ه) : «موضع».

(٤) راجع الصفحة ٢٩١.

(٥) الآتية في الصفحة ٢٩٧ ، فما بعد.

٢٩٥

مدلول الآيات المستدلّ بها على حجيّة الخبر الواحد

ثمّ إنّ هذه الآيات ، على تقدير تسليم دلالة كلّ واحدة منها على حجّيّة الخبر ، إنّما تدلّ ـ بعد تقييد المطلق منها الشامل لخبر العادل وغيره بمفهوم (١) آية النبأ ـ على حجّيّة خبر العادل الواقعيّ أو من أخبر عدل واقعيّ بعدالته ، بل يمكن انصراف المفهوم ـ بحكم الغلبة وشهادة التعليل بمخافة الوقوع في الندم (٢) ـ إلى صورة إفادة خبر العادل الظنّ الاطمئنانيّ بالصدق ، كما هو الغالب مع القطع بالعدالة ؛ فيصير حاصل مدلول الآيات اعتبار خبر العادل الواقعيّ بشرط إفادته (٣) الظنّ الاطمئنانيّ والوثوق ، بل هذا أيضا منصرف سائر الآيات ، وإن لم يكن انصرافا موجبا لظهور عدم إرادة غيره حتّى لا يعارض (٤) المنطوق (٥).

__________________

(١) كذا في (ظ) و (م) ونسخة بدل (ص) ، وفي غيرها بدل «بمفهوم» : «بمنطوق».

(٢) لم ترد عبارة «وشهادة ـ إلى ـ الندم» في (ص) و (ه) والنسخة المصحّحة الموجودة عند المحقّق الآشتياني قدس‌سره على ما ذكره في بحر الفوائد ١ : ١٦٠ ، وشطب عليها في (ل).

(٣) في (ت) ، (ر) ، (ص) و (ل) : «إفادة».

(٤) في (ص) و (ل) : «يعارض».

(٥) كذا في (ه) وهامش (ت) و (ل) ، ولم ترد عبارة «والوثوق ـ إلى ـ المنطوق» في (ت) ، (ر) ، (ظ) ، (ل) و (م) ، نعم وردت فيها العبارة التالية : «وهو المعبّر عنه بالوثوق ، نعم لو لم نقل بدلالة آية النبأ من جهة عدم المفهوم لها اقتصر على منصرف سائر الآيات وهو الخبر المفيد للوثوق وإن لم يكن المخبر عادلا» ، ولكن شطب عليها في (ل) ، وكتب عليها في (ت) : «زائد» ، ووردت كلتا العبارتين في (ص) وكتب على الثانية : «زائد».

٢٩٦

[الثاني : السنّة](١)

الاستدلال على حجيّة الخبر الواحد بطوائف من الأخبار :

وأمّا السنّة ، فطوائف من الأخبار :

منها : ما ورد في الخبرين المتعارضين : من الأخذ بالأعدل والأصدق (٢) أو (٣) المشهور ، والتخيير عند التساوي :

١ ـ ما ورد في الخيرين المتعارضين

مثل مقبولة عمر بن حنظلة ، (٤) حيث يقول : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث» (٥).

مقبولة ابن حنظلة

وموردها وإن كان في الحاكمين ، إلاّ أنّ ملاحظة جميع الرواية تشهد : بأنّ المراد بيان المرجّح للروايتين اللتين استند إليهما الحاكمان.

مرفوعة زرارة

ومثل رواية عوالي اللآلي المرويّة عن العلاّمة ، المرفوعة إلى زرارة : «قال : يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما آخذ؟ قال : خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النّادر ، قلت : إنّهما معا مشهوران؟ قال : خذ بأعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك» (٦).

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) لم ترد في (ظ) و (م) : «والأصدق».

(٣) في (ر) و (ص) : «و».

(٤) في (ت) ، (ر) ، (ص) ، (ظ) و (م) زيادة : «وهي وإن وردت في الحكم».

(٥) الوسائل ١٨ : ٧٥ و ٧٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ضمن الحديث الأوّل.

(٦) عوالي اللآلي ٤ : ١٣٣ ، الحديث ٢٢٩ ، ومستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ ، الحديث ٢.

٢٩٧

رواية ابن أبي الجهم

ومثل رواية ابن الجهم (١) عن الرضا عليه‌السلام : «قلت : يجيئنا الرجلان ـ وكلاهما ثقة ـ بحديثين مختلفين ، فلا نعلم أيّهما الحقّ ، قال : إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت» (٢).

رواية الحارث ابن المغيرة

ورواية الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتّى ترى القائم» (٣).

وغيرها من الأخبار (٤).

والظاهر : أنّ دلالتها على اعتبار الخبر الغير المقطوع الصدور واضحة ، إلاّ أنّه لا إطلاق لها ؛ لأنّ السؤال عن الخبرين اللذين فرض السائل كلا منهما حجّة يتعيّن العمل بها لو لا المعارض ؛ كما يشهد به السؤال بلفظة (٥) «أيّ» الدالّة على السؤال عن المعيّن (٦) مع العلم بالمبهم ، فهو كما إذا سئل عن تعارض الشهود أو أئمّة الصلاة ، فأجاب ببيان المرجّح ، فإنّه لا يدلّ إلاّ على أنّ المفروض تعارض من كان منهم مفروض القبول لو لا المعارض.

__________________

(١) كذا في (ظ) و (م) وفي المصدر : «الحسن بن الجهم» ، وفي (ل) : «أبي الجهم» ، وفي غيرها : «ابن أبي جهم».

(٢) الوسائل ١٨ : ٨٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٠.

(٣) الوسائل ١٨ : ٨٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤١.

(٤) انظر مبحث التعادل والتراجيح ٤ : ٥٧ ـ ٦٦.

(٥) في (ر) ، (ل) و (ه) : «بلفظ».

(٦) في (ر) ، (ل) و (ه) : «التعيين».

٢٩٨

نعم ، رواية ابن المغيرة (١) تدلّ على اعتبار خبر كلّ ثقة ، وبعد ملاحظة ذكر الأوثقيّة والأعدليّة في المقبولة والمرفوعة يصير الحاصل من المجموع اعتبار خبر الثقة ، بل العادل.

لكنّ الإنصاف : أنّ ظاهر مساق الرواية أنّ الغرض من العدالة حصول الوثاقة ، فيكون العبرة بها.

٢ - ما دّل على إرجاع آحاد الرواة إلى آحادالأصحاب:

ومنها : ما دلّ على إرجاع آحاد الرواة إلى آحاد أصحابهم عليه‌السلام ، بحيث يظهر منه عدم الفرق بين الفتوى والرواية ، مثل : إرجاعه عليه‌السلام إلى زرارة بقوله عليه‌السلام : «إذا أردت حديثا فعليك بهذا الجالس» مشيرا إلى زرارة (٢).

الإرجاع إلى زرارة

وقوله عليه‌السلام في رواية اخرى : «أمّا ما رواه زرارة عن أبي عليه‌السلام فلا يجوز ردّه» (٣).

الإرجاع إلى محمد بن مسلم

وقوله عليه‌السلام لابن أبي يعفور بعد السؤال عمّن يرجع إليه إذا احتاج أو سئل عن مسألة : «فما يمنعك عن الثقفيّ؟ ـ يعني محمّد بن مسلم ـ فإنّه سمع من أبي أحاديث ، وكان عنده وجيها» (٤).

الإرجاع إلى أبان بن تغلب

وقوله عليه‌السلام ـ فيما عن الكشّيّ ـ لسلمة بن أبي حبيبة (٥) : «ائت أبان

__________________

(١) في نسخة بدل (ت) بدل «ابن المغيرة» : «ابن جهم».

(٢) الوسائل ١٨ : ١٠٤ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٩.

(٣) الوسائل ١٨ : ١٠٤ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٧.

(٤) الوسائل ١٨ : ١٠٥ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٣.

(٥) كذا في (ت) ، (ر) ، (ظ) ، (م) و (ه) ، وفي (ص) ، (ل) ونسخة بدل (ت) : «سلمة بن أبي حبلة» وكتب في (ص) فوق «حبلة» : «حبيبة» ، وفي المصدر : «مسلم بن أبي حيّة» ، وفي رجال النجاشي : «سليم بن أبي حيّة».

٢٩٩

ابن تغلب ؛ فإنّه قد سمع منّي حديثا كثيرا ، فما روى لك عنّي فاروه عنّي» (١).

الإرجاع إلى أبي بصير

وقوله عليه‌السلام لشعيب العقرقوفيّ بعد السؤال عمّن يرجع إليه : «عليك بالأسديّ» يعني أبا بصير (٢).

الإرجع إلى زكريّا بن آدم

وقوله عليه‌السلام لعليّ بن المسيّب بعد السؤال عمّن يأخذ عنه معالم الدين : «عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدّين والدّنيا» (٣).

الإرجاع إلى يونس ابن عبد الرحمن

وقوله عليه‌السلام لمّا قال له عبد العزيز بن المهتدي (٤) : «ربما أحتاج ولست ألقاك في كلّ وقت ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟ قال : نعم» (٥).

وظاهر هذه الرواية : أنّ قبول قول الثقة كان أمرا مفروغا عنه عند الراوي ، فسأل عن وثاقة يونس ، ليرتّب (٦) عليه أخذ المعالم منه.

ويؤيّده في إناطة وجوب القبول بالوثاقة : ما ورد في العمريّ وابنه اللذين هما من النوّاب والسفراء ، ففي الكافي في باب النهي عن التسمية ، عن الحميريّ ، عن أحمد بن إسحاق ، قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ، المعروف برجال الكشّي ٢ : ٦٢٣.

(٢) الوسائل ١٨ : ١٠٣ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٥.

(٣) الوسائل ١٨ : ١٠٦ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٧ ، اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٨٤.

(٤) كذا في الوسائل واختيار معرفة الرجال ، ولكن في جميع النسخ : «عبد العزيز ابن المهديّ».

(٥) الوسائل ١٨ : ١٠٧ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٣.

(٦) في أكثر النسخ : «ليترتّب».

٣٠٠