وقعة الجمل

ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني

وقعة الجمل

المؤلف:

ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني


المحقق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المحقّق
الطبعة: ١
الصفحات: ١٦٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

٦١

٦٢

مقدمة الكتاب

في السبب الموجب لوقعة الجمل

قال الشيخ المفيد (١) رحمه‌الله في أرشاده (٢) :

روي عن ابي ذر جندب بن عبدالله الغفاري رضي‌الله‌عنه قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام بالمدينة في زمن خلافة عثمان رضي‌الله‌عنه فرأيته مطرقاً رأسه ـ كئيباً ـ فقلتُ له : جعلتُ فداك ، ما أصاب قومك ؟!

فقال عليه‌السلام : صبراً جميل والله المستعان.

__________________

(١) هو محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير ، المعروف بابن المع لم لان اباه كان معلماً بواسط.

وكان من اجلاء مشايخ الشيعة ورئيسهم واستاذهم ، قال عنه النجاشي :

فضله اشهر من ان يوصف في الفقه والكلام والرواية. ولد سنة ٣٣٦ ه‍ وتوفي سنة ٤١٣ ه‍ ، وصلّى عليه الشريف المرتضى بميدان الاشنان ، وضاق على الناس مع كبره ، ودفن في داره سنين ثمّ نقل الى مقابر قريش بالقرب من الامامين الكاظم والجواد. انظر : النجاشي : ٣٩٩ ، لسان الميزان ٥ : ٣٦٨ ، الفهرست : ٢٧٩ ، تاريخ بغداد ٣ : ٣١.

(٢) الارشاد ١ : ٢٤١ ، ٢٤٢ مع بعض الاختلاف اليسير.

٦٣

فقلت : والله إنّك لصبور.

قال : « فماذا أصنع ؟! ».

قلتُ : قُم وادع الناس الى نفسك ، واخبرهم أنّك اولاهم بالقيام واحقهم بالامر ، لما فضلك الله تعالى عليهم وعظم شأنك فيهم ، وقد سبق لك النصّ الصريح من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اماكن عديدة سمعوها منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإن دان لك الكل وتمّ لك الامر ذلك ما كنا نبغي ، وإلا فلا بد من ان يجيبك عشرة فتميل بهم على المتمردين اخوان الشياطين ، فينصرك الله تعالى عليهم ، لأنّك على الحقّ وهم على الباطل ، وهو قوله تعالى :

( وَيُحِقُّ اللهُ الحَقَّ بِكَلِمتِهِ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ ) (١). وقوله تعالى : ( كَم مِّن فِئَةْ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَة بِإذنِ اللهِ واللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (٢).

فقال عليه‌السلام : « أتراهُ يا ابا ذر ؟! ».

قلتُ : والله ، إني لأرجو لك من اللهِ ذلك.

قال عليه‌السلام : « اني لا أرجو من كلِّ مائةٍ اثنين ، ألست تعلم من اين ذلك ؟ ، انما تنظر الناسُ الى قريشٍ ، وإنّ قريشاً تقول : إنّ آل محمّدٍ

__________________

(١) يونس ١٠ : ٨٢.

(٢) البقرة ٢ : ٢٤٩.

٦٤

يرون لهم فضلاً على سائر الناس ، وإنّهم اولى بالامر من دون قريش ، وإنّهم إنْ وَلُوهُ لم يخرج عنهم هذا السُّلطان الى احدٍ ابداً ، وحتى كان في غيرهم تداولتموهُ بينكم ، ولا ـ والله ـ لا تدفعُ قريشٌ إلينا السُّلطان وهم خاضعون ابداً ».

فقلتُ : أفلا تأمرني أرجعُ في آخرِ النّاس بمقالتك هذهِ ، فأقم وادعهم إليك.

قال [ لي ] : « يا ابا ذر ، ليس هذا زمان ذلك ».

قال أبو ذر رحمه‌الله : فمضيتُ الى العراق ، فكلّما حدثتُ الناس بشيءٍ من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ومناقبه التي أوجَبَها الله تعالى له على عباده بنصِّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، زبروني وأهانوني ، حتى إنهم رموني الى الوليد بن عُقبه فحبسني (١).

قال جدّي حسن المؤلف ( طاب ثراه ) (٢) : وفي يوم السبت ثامن عشر من ذي الحجة سنة ٣٥ من الهجرة بايعت الناس أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام من المهاجرين والانصار وقوم من قريش وغيرهم ، فمنهم مَنْ أظهر الوفاق وهو مصر على النفاق.

فأمر عليه‌السلام كاتبه عبدالله بن رافع بتقسيم ما في بيت المال على المهاجرين لكل رجل ثلاثة دنانير ، ثمّ على الانصار مثل ذلك ، ثمّ من

__________________

(١) في الارشاد : الوحيد بن عقبه والصواب كما في الاصل.

(٢) جده بدر الدين حسن النقيب مؤلف ( زهر الرياض ) سنة ٩٩٢ ه‍.

٦٥

حضر من الناس كلهم الاحمر والاسود فيما صنع به مثل ذلك.

فقال سهيلُ بن حنيف الانصاري : يا أمير المؤمنين ، هذا غلامي بالامس فاعتقته اليوم (١).

فقال عليه‌السلام : نعطيه كما نعطيك ، فأعطاه ثلاثة دنانير ولم يفضل أحداً على احدٍ.

وقد تخلف يومئذٍ عن المبايعة له عبدالله بن الزبير ، وجماعة من قريش ، وطلحة بن عبدالله ، والزبير بن العوام ، وعبد الله بن عمر ، وسعيدُ بن العاص ، ومروان بن الحكم ، وسعد بن ابي وقاص ، ومحمد بن مسلمة ، وحسان بن ثابت ، واسامةُ بن زيد ، وغيرهم من قريش. فصعد عليه‌السلام المِنبَر ، وحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ قال عليه‌السلام (٢) :

« أيُّها الناس ، إنّكم بايعتموني على ما بُويعَ (٣) عليه غيري مَنْ كانَ قَبْلي ، وإنَّما الخيارُ الى الناسَ قبلَ أنْ يُبايعوا فإذا بايَعُوا فلا خِيارَ لهُم ، وإنّ على الامام الاستقامة (٤) وعلى الرّعيّةِ الاطاعة والتسليم ، وهذه بيعةٌ عامةٌ ، فَمَنْ رَغِبَ عنه رغب عن دين الاسلام واتبع غيرَ سبيل الهُدى (٥) ،

__________________

(١) بحار الانوار ٣٢ : ٣٨ ح ٢٤ ، آمالي الشيخ الطوسي ٢ : ٢٩٨.

(٢) الارشاد ١ : ٢٤٣ مع بعض الاختلاف اليسير.

(٣) في النسخة الخطبة : بايعتموني برضى منكم واختيار على ما بويع.

(٤) في الخطبة : على الاستقامة.

(٥) في الارشاد : اهله.

٦٦

ولم تَكُنْ بَيعتكم لي فلتة وليسَ أَمري وأمْركُم واحداً ، ألا وإِنّي أريدُكم للهِ عزّوجلّ وأنتم تريدونني لأَنْفُسِكُم ، وايْمُ اللهِ ، لأَنصحَنَّ (١) للخصوم ، ولأنصفنَّ للمظلوم (٢) ، وقد بَلغني عن ( عَبْدُاللهِ وسعدٍ ومروانٍ ومحمدٍ وحسانٍ واسامةٍ ) (٣) امورٌ كَرِهْتُها ، والحقُّ بيني وبينَهُم ».

قال : فجلسوا جميعاً ، وتحدثوا نجياً ، ثمّ جاء إليه الوليد بن عُقبة بن ابي معيط وقال : يا أبا الحسن ، إنّك قد وترتنا جميعاً ! اما انا فقتلت ابي يوم بدر صبراً ، وخذلت اخي يومَ الدار.

واما سعيد فقتلت اباه يوم بدرٍ في الحرب وكان ثور (٤) قريش.

واما مروان فسخفت (٥) أباه عند عثمان إذ ضمه إليه (٦).

ونحنُ نبايعك اليوم على ان تضع عنّا ما قد صنعنا ، وان تقتل قتلة

__________________

(١) في الاصل : لانصحى وهو تصحيف ، وقد أثبتناه من الارشاد.

(٢) في الاصل : لا نطعن وهو تصحيف ، والصواب كما اثبت من الارشاد.

(٣) في الارشاد [ سعد وابن مسلمة واسامة وعبد الله وحسان بن ثابت ].

(٤) سقطت من الاصل وهكذا وردت في البحار.

(٥) في الاصل : فأستخفيت فهي لا تلائم العبارة والصواب كما في البحار.

(٦) ما ذكره المسعودي في مروج الذهب م ٢ : ٣٦٢ قال : واتاه جماعة من تخلف عن بيعته من بني اميّة : منهم سعيد بن العاص ، ومروان بن الحكم ، والوليد بن عقبة بن ابي معيط ، فجرى بينه وبينهم خطب ، وقال له الوليد : إنا لم نتخلف عنك رغبة عن بيعتك ، ولكنا قوم وترنا الناس ، وخفنا على نفوسنا ، فعذرنا فيما نقول واضح ، اما انا فقتلت أبي صبراً ، وضربتني حدا ، وقال سعيد بن العاص كلاماً كثيراً وقال له الوليد : اما سعيد فقتلت اباه ، واهنت مثواه ، واما مروان فإنّك شتمت اباه ، وعبت عثمان في ضمه اياه.

٦٧

عثمان ، فإنّا ان خفناك تركناك والتحقنا عنك الى غيرك.

فقال عليه‌السلام : « اما وتري فالحق وتركم ، وأما وضعي عنكم [ ما اصبتم فليس علي ] انه مالي ان اضع حق الله عنكم ولا عن غيركم ، وما قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم لقتلتهم بالامس ، ولكن لكم عليّ ان خفتموني ان أؤمنكم وان خفتكم ان أسيّركم ... فمضى الوليد الى أصحابه واخبرهم فتفرقوا على أظهار العداوة [ وأشاعة الخلاف ] (١) ، وكتبوا الى معاوية بن ابي سفيان بالشام يستنهضونه في طلب دم عثمان ، وأوعدوه بالقيام معه وان يكونوا له اعواناً وانصاراً ، فأجابهم الى ذلك الا انه المؤثور (٢) عليهم.

اخبار الامام عليّ عليه‌السلام بنقض القوم بيعتهم

فجاءَ عمّار بن ياسر الى ابي الهَيثم وابي ايوب وسهيل بن حنيف وجماعة من المهاجرين والانصار ، وقال : اعلموا ان هؤلاء النفر قد بلغنا عنهم ما هو كذا وكذا من الخلاف والطعن على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقاموا وأتوا إليه ، وقالوا : يا أمير المؤمنين انظر في أمرك وعاتب قومك هذا الحيّ من قريش فأنهم قد [ نقضوا بيعتهم لك وخالفوا أمرك ] (٣) ، وقد دعونا في السِّرّ الى رفضك ، [ فهداك الله الى مرضاته وأرشدك الى

__________________

(١) أيضاً سقطت من الاصل. انظر بحار الانوار ٣٢ : ١٩.

(٢) يعني المقدم عليهم.

(٣) في البحار : نقضوا عهدك وأخلفوا وعدك.

٦٨

عباده ] (١) ، وذلك لانهم كرهوا الاسوة ، وفقدوا الأثرة ، لما واسيت بينهم وبين الاعاجم ، انكروا واستشاروا عدوّك وعظموه ، واظهروا الطلب في دم عثمان فرقةً للجماعة وتأليفا لاهل الضلالة ، [ فرأيك منهم سديد ، ونحن معك على كل باغ عنيد ] (٢).

فخرج عليه‌السلام ودخل المسجد مرتدياً بطاقٍ ، مؤتزراً ببردٍ قطري ، متقلداً بسيفه ، متنكباً على قوسه ، فصعد المنبر ، وقال :

بعد ان حمد الله عزّوجلّ واثنى عليه ، وصلى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « اما بعد ، ايّها الناس ، فإنا نحمد الله ربنا والهنا ووليّنا ووليّ النعم علينا ، الذي اصبحت نعمتهُ علينا ظاهرةً ، وباطنةً امتناناً منه بغير قولٍ منّا ولا قوة لنشكر ام نكفر ، فمن شكر زاده ، ومن كفر عذّبه ، فأفضل النّاس عند الله منزلةً واقربهم من الله وسيلةً اطوعُهُم لامره واعلمهُم بطاعته واتبعهم لسنةِ [ نبيه محمد رسوله ] (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واحياهم لكتابه ليس لأحدٍ عندنا فضلٌ إلا بطاعةِ الله وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

هذا كتابُ الله بين أظهرنا ، وعهدُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته فينا ، لا يجهل ذلك إلا جاهلٌ معاندٌ عن الحقّ منكر للصدق ، قال الله تعالى : ( يا ايّها الناسُ إنّا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ).

__________________

(١) في البحار : هداك الله لرشدك.

(٢) لم ترد هذه العبارة في البحار.

(٣) في البحار : لسنة رسوله.

٦٩

ثم انّه عليه‌السلام صاح بأعلى صوته : ( [ يا ايّها الذين آمنوا ] (١) أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فإن تولوا فإنّ الله لا يحبُ الكافرين ).

ثم قال : يا معشر المهاجرين والانصار ، ( أتمنون على الله [ ورسوله ] (٢) باسلامكم بل الله يمنّ عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين ). ثمّ قال عليه‌السلام : انا أبو الحسن ، ( وكان لا يقولوها إلا إذا غضب ) (٣). ثمّ قال : إلا ان هذِهِ الدنيا التي اصبحتم تتمنونها وترغبون فيها ، واصبحت تغضبكم وترضيكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ، فلا تغرّنكم [ الحيوة الدّنيا ] (٤) فقد حذرتموها فاستتموا نعَم الله بالصبر لانفسكم على طاعةِ اللهِ ، والذلّ لحكمهِ جلّ ثناؤه.

فأما هذا الفيء فليسَ لاحدٍ على أحدٍ فيه أثرة وقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله ، وانتم عباد الله المسلمون ، وهذا كتابُ الله به أقررنا وله اسلمنا ، وعهد نبينا بين أظهرنا فمن لم يرضَ به فليتول كيف شاء فانّ العامل بطاعةِ اللهِ والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه.

ثم انه عليه‌السلام نزل عن المنبر وصلى ركعتين (٥).

__________________

(١) لم ترد في البحار.

(٢) سقطت من الاصل.

(٣) في البحار : وكان يقولها إذا غضب.

(٤) لم ترد في البحار.

(٥) بحار الانوار ٣٢ : ١٩ ، ٢١.

٧٠

مناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام للزبير وطلحة

ثم بعث عليه‌السلام عمّار بن ياسر وعبد الرحمن بن حَسْل الى طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وهما في ناحية من المسجد ، [ فأتيا بهما ] (١) فجلسا بين يديه ، فقال عليه‌السلام لهما :

« نشدتكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة ودعوتماني إليها وانا كارهٌ لها ؟ » قالا : نعم.

قال : « غير مجبورين ولا مقهورين (٢) فأسلمتما لي بيعتكما ، واعطيتماني عهدكما » ؟ قالا : نعم.

قال : « فما دعاكم بعد هذا الى ما أرى ».

قالا : اعطيناك بيعتنا على ان لا تقضي الامور ولا تقطعها من دوننا ، وان تستشيرنا في كل امرٍ ولا تستبدّ بذلك علينا ، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت ، [ فرأيناك قسمت القسم وقطعت الامر وقضيت بالحكم بغير مشاورتنا ولم تعلمنا ] (٣).

فقال عليه‌السلام : « لقد نقمتما يسيراً وارجأتما كثيراً ، فاستغفرا الله يغفر لكما.

__________________

(١) في البحار : فأتياهما فدعواهما فقاما.

(٢) في البحار : مقسورين.

(٣) في البحار : فأنت تقسم القسم وتقطع الامر وتمضي الحكم بغير مشورتنا ولا علمنا.

٧١

ألا تخبراني ادفعتكما عن حقٍّ وجب لكما عليّ (١) فظلمتكما (٢) اياه ؟ ». قالا : معاذ الله !

قال : فهل استأثرتُ من هذا المال لنفسي بشيء ؟

قالا : معاذ الله.

قال : « أفوقع حكمٌ في حقٍّ لاحدٍ من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه ؟ »

قالا : معاذ الله.

قال : « فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي ؟ »

قالا : نعم ، خلافك لعمر بن الخطاب 2 في القسم ، لأنّك جعلت حقّنا في القسم كحقّ غيرنا ، وسوّيت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما افاء الله بأسيافنا ورماحنا ، وقد أوجفنا عليه بخيلنا [ ورجلنا وظهرت عليهم دعوتنا واخذناه قسراً وقهراً ] (٣) ممن لا يرى الاسلام إلا كرهاً عليه.

فقال عليه‌السلام : « [ أمّا ما ذكرتما أني احكم بغير مشورتكما ] (٤) فوالله ما كان لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها فخفت ان اردكم فتختلف الامة ، فلما أفضت اليّ نظرت في كتاب الله وسنة رسوله

__________________

(١) لم ترد في البحار.

(٢) في الاصل : وطلبتكما.

(٣) في الاصل : وركابنا على دعوة الاسلام لا جوراً ولا قهراً.

(٤) في البحار [ اما ذكرتموه من الاستشارة بكما ].

٧٢

فأمضيتُ ما دلاني عليه فأتبعته ولم أحتج الى رأيكما فيه ولا أرى غيركم ، ولو وقع ما ليس في كتاب الله بيانه ، [ ولا في سنة رسول الله برهانه ] (١) ، واحتيج الى المشاورة فيه لشاورتكما فيه.

وأمّا القسم والاسوة وانّ ذلك [ لم أحكم فيه بادئ بدء ] (٢) وقد وجدت انا وانتما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحكم بذلك وكتاب الله ناطقٌ به ، [ وهو الكتاب ] (٣) ( الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفِهِ تنزيلٌ من حكيم حميد ).

واما قولكما : جعلت فيئنا وما افاءتهُ سيوفنا ورماحنا سواءً بيننا وبين غيرنا. فقديماً سبق الى الاسلام قوم نصروه بسيوفهم ورماحهم فلم يفضلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القسم ولا آثرهم بالسبق والله سبحانه مُوفّ السّابق والمجاهد يوم القيامة ، وليس لكما والله عندي ولا لغير كما إلا هذا ، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم الى الحق والهمنا واياكم الصبر.

ثم قال عليه‌السلام : رحم الله امرءاً رأى حقّاً فأعان عليه ، ورأى جوراً فردّه وكان عوناً للحقّ على من خالفه » (٤).

( لعل المراد قوله عليه‌السلام فقديماً سبق الى الاسلام يعني به نفسه ، حيث

__________________

(١) في : البحار ولا في السنة برهانه.

(٢) في الاصل [ لم اكلم فيه البادئ بدء ] عبارة ركيكه وصوابه كما في البحار.

(٣) سقطت من الاصل.

(٤) انظر : بحار الانوار ٣٢ : ٢١ ، ٢٢.

٧٣

لم يسبق إليه سابق ولم يلحق بأثره في جميع ما امره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاحقٌ ، فأنه عليه‌السلام جميع اعماله بالكتاب المجيد والسنة الواضحة

في السبب الموجب لنكث طلحة بن عبيدالله والزبير

بن العوام لبيعتهما امير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام

قال المسعودي : لما قتل عثمان بايعت الناس امير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام بالخلافة ، كتب عليه‌السلام الى معاوية بن ابي سفيان بالشام :

« امّا بعد فأن الناس قتلوا عثمان من غير مشورة مني ، وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع ، فإذا اتاك كتابي هذا فبايع لي الناس ، وأوفد اليّ اشراف اهل الشام » (١).

فلم يكن منه له جواب غير انه كتب كتاباً الى الزبير بن العوام وبعثه مع رجل من بني عبس فمضمونه :

بسم الله الرحمن الرحيم

الى الزبير بن العوام (٢) من معاوية بن ابي سفيان ... سلام الله عليكم اما بعد ، فأني قد بايعت لك اهل الشام فأجابوني الى بيعتك فأستوثقتهم كما استوثق الحلف (٣) ، فدونك الكوفة والبصرة [ لا

__________________

(١) نهج البلاغة ١ : ٢٣٠ ، بحار الانوار ٣٢ : ٦.

(٢) في البحار : لعبدالله الزبير امير المؤمنين.

(٣) في الاصل : الجلب وهو تصحيف وصوابه كما في البحار.

٧٤

يسبقك عليهما عليّ بن ابي طالب ] (١) فأنه لا شيء بعد هذين المصرين وقد بايعتهم لطلحة بن عبيدالله من بعدك ، فعليكما (٢) بالظهور في طلب دم عثمان رضي‌الله‌عنه ، فأدعوا الناس الى ذلك بالجدّ والتشهير ، ظفركما (٣) الله تعالى وخذل مناوئيكما.

قال جدي حسن ( طاب ثراه ) : انّ معاوية كتب الى الزبير :

اما بعدُ ، فإنّك الزبير بن العوام ابن اخي خديجة بنت خويلد ، وابن عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحواريه وسلفه ، وصهر ابي بكر ، وفارسُ المسلمين ، وانت الباذل في الله مهجتهُ له بمكة عند صيحة الشيطان ، بعثك المنبعث فخرجتَ كالثعبان المتسلخ بالسيف المنصلت ، تخبط خَبْطَ الجمل الرَّديع ، كل ذلك قوة ايمان وصدق يقين منك ، وقد سبقت لك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البشارةُ بالجنة ، ثمّ جعلك عمر رضي‌الله‌عنه احد المستخلفين على الامة.

فانهض يا أبا عبدالله فإن الرعية اصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي ، فسارع ـ رحمك الله ـ في حقن الدماء ولَمّ الشَّعث ، واجمع الكلمة لصلاح ذات البين قبل تفاقم الامور وانتشار الامة ، فقد اصبح الناسُ على شفا جُرُفٍ هارٍ عمّا قليل منهار ، ان لم يُرأب ، فشمِّر لتأليف

__________________

(١) في البحار : لا يسبقنك لها ابن ابي طالب.

(٢) سقطت من البحار.

(٣) في البحار : اظهركما.

٧٥

الامة وابتغِ الى ربّك سبيلاً ، فقد أحكمتُ لك الامر على من قبلي لك ولصاحبك على ان الامر للمقدّم ، ثمّ لصاحبه من بعده ، جعلكما الله من أئِمة الهدى ، وبُغاة الخير والتقوى ، وسلك بكما قصد المهتدين ، ووهبكما رُشد الموفقين والسلام (١).

مكاتبة معاوية بن ابي سفيان الى بني امية

وكتب الى مروان بن الحكم :

اما بعدُ ، فقد وصل اليّ كتابُكَ بشرحِ خبر قتل امير المؤمنين عثمان رضي‌الله‌عنه ، وما رَكبوه به ونالوه منه جَهْلاً بالله وجرأةً عليه ، واستخفافاً بحقِّهِ ، [ ولأماني لوّحَ ] (٢) الشيطان بها في شركِ الباطل ليُدهْدهِم (٣) في أَهْويَّاتِ الفِتَن ، ووَهداتِ الضلال ، ولعمري لقد صَدقَ إِبليسُ عليهم ظَنَّهُ ، اقتَنَصَهم بأنشَوطة فَخِّه ، فعَلَى رسْلِك يا عبدالله تَمشي الهُوَيْنَى وتكون اَوّلا ، فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفَهْد الذي لا يصطاد إلا غيلةً (٤) ، ولا يتشازر (٥) الا عند حيلة ، وكالثعلب (٦) لا يُفلِت الا رَوَغاناً ، وأخْفِ نفَسك منهم اخفاء القُنْفُذ رأسَه عند لمسِ الأكُفّ ، وامتهِنْ

__________________

(١) انظر : جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٠.

(٢) في الاصل غير واضحة واثبتناها من جمهرة رسائل العرب.

(٣) دهده الحجره متدهده : دحرجه فتدحرج.

(٤) الغيلة : الاحتيال.

(٥) تشازر القوم : نظر بعضهم الى بعض شزراً ، والشزر : النظر بمؤخر العين.

(٦) في جمهرة رسائل العرب : كالثعلب.

٧٦

نَفَسك امتهانَ مَن ييأس القوم من نصره وانتصاره ، وابحث عن أمورهم بَحْثَ الدّجاج عن حَبِّ الدُّخَن عند فقاسها ، وأنغل (١) الحجاز فأني مُنغل الشام ، والسلام (٢).

وكتب الى سعيد بن العاص :

اما بعدُ ، فقد ورد عليّ كتاب مروان بن الحكم من ساعةٍ حين وقعت النازلةُ ، تصل بها البُرُد (٣) بسير المطيّ الوَجيف (٤) ، يتوجس (٥) كتوجُّس الحيَّة الذَّكر خوف ضربة الفأس وقبضة الحاوي (٦) ، ومروان لا يكذبُ أهله ، فعلام الافكاك (٧) يابن العاص ولات حين مناص ؟ وذلك انكم يا بني اميّة عمَّا قليل تسألون أَدْنى العيش من ابعد المسافة ، فَيُنكِرُكم من كان بكم عارفاً ، ويصدُّ عنكم مَن كان لكم واصِلاً ، فتتفرقون في البلاد ، وتتمنون لمظة (٨) المعاش.

الا وان امير المؤمنين عُتِبَ عليه فيكم ، وقُتِلَ في سببكم ، فقبيح القعود عن نُصرته ، والطلب بدمهِ ! وانتم بنو اميّة ، ودون الناس منه

__________________

(١) انغل الحجاز : اي افسدهُ.

(٢) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠١.

(٣) البُردُ : جمع بريد.

(٤) وجف الفرس : عدا.

(٥) تتوجس : تسمع الى الصوت الخفي.

(٦) الحاوي : جامع الحيّات.

(٧) الافكاك : التراخي.

(٨) اللماظة : ما يبقى في الفم من الطعام.

٧٧

رَحماً وقُرباً وطُلاب ثأره ، فأصبحتم متمسكين [ بشظف معاشٍ زهيدٍ ] (١) قليل يُنزع منكم عند التخاذُل ، وضعْفِ القُوى.

فإذا قرأت كتابي هذا فدِبّ دبيبَ البُرد في الجسد النَحيف ، وسَرّ سير النجوم تحت الغمام ، واحشدُ حشد (٢) الذرة في الصّيف لأنجحارها في الصّرد ، فقد ايدتكم بأسدٍ وتيمْ ، وكتب في آخر الكتاب (٣) :

تالله لا يَذْهَبُ شيخي باطِلاً

حتى أُبيرَ مالِكاً وكاهِلاً

القاتِلين المَلِكَ الحلاحِلا

خيرَ مَعدٍ حَسَباً ونائِلاً

وكتب الى عبدالله بن عامر :

اما بعدُ ، فإنّ المنبر مركب ذلول سهل الرّياض لا ينازعك اللّجام ، وهيهات ذلك إلا بعد ركوب اثباج (٤) المهالك ، واقتحام امواج المعَاطب ، فكأني بكم يا بني أميَّة شعارير (٥) كالاوراق تقودها الحُداة (٦) ، أو كَرخَم الخَنْدَمة (٧) تَذْرِفُ خوفَ العُقاب ، فثب الآن قبل ان

__________________

(١) سقطت من الاصل واثبتناها من جمهرة رسائل العرب.

والشظف : شدة العيش.

(٢) اي اجمع جمع الذرة.

(٣) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٢.

(٤) اثباج : جمع ثبج بالتحريك ، وهو ما بين الكاهل الى الظهر.

(٥) يقال : ذهبوا شعاليل وشعارير اي متفرقين.

(٦) الحداة : جمع الحادي وهو سائق الابل.

(٧) الخندمة : جبل بمكة.

٧٨

يستشري الفساد ، ونَدبُ السَّوْطِ جديد ، والجُرْحُ لمَّا يَنْدَمِل ، ومن قبل استضراء الأَسَد ، والْتقَاءِ لحيْيهِ على فريستهِ ، وساوِر الامر مساورة الذئْب الأَطَلس (١) كَسِيرة القطيع ، ونازل الرأي ، وانَصِب الشَّرَك ، وأرمِ عن تمكن ، وضَع الهناء مواضع النُّقَب (٢) ، واجعل اكبر عُدَّتك الحذَرَ ، وَأَحَدَّ سَلاحِك التحريضَ ، وأَغْضِ عن العَوْراء ، وسامح عن اللّجُوجَ ، واستعِطِف الشارد ، ولاين الأَشوَس (٣) ، وقوِّ عزم المُريد ، وبادِرِ العَقَبة ، وأزْحَفْ زَحْفَ الحَيَّة ، وإسبق قبل أَن تُسْبَقَ ، وقُمْ قبل ان يقامَ لك ، واعلم أنّك غيرُ مَتروك ولا مُهْمَل ، فأني لك ناصح امين ، والسلام.

ثم انه كتب في اسفل الكتاب هذه الابيات شعراً (٤) :

عليك سلامُ الله قيسَ بن عاصم

ورَحْمَتُهُ ، ما شاء أن يترحَّما

تحية مَن أَهدى السلام لأَهله

إذا شَطَّ داراً عن مزارك سَلَّما

فما كان قيسٌ هلْكُهُ هُلْكَ واحدٍ

ولكنّه بنيان قومٍ تَهدَّما

وكتب الى الوليد بن عُقْبة بن أبي معيط :

اما بعدُ ، يا ابْن عُقْبة : كِنُّ الجيش ، وطيبُ العيش ، أطيبُ من سَفْعِ

__________________

(١) الذئب الاطلس : الذي في لونه غبرة الى السواد.

(٢) الهناء : القطران ، والنُقَب بضم ففتح : القطع المتفرقة.

(٣) الشوس بالتحريك : النظر بمؤخر العين تكبراً أو تغيظاً.

(٤) انظر : جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٣.

والابيات لعبدة بن الصليب يرثي بها قيس بن عاصم كما في رواية الاصفهاني في الاغاني ١٨ : ١٦٣ وفيه يقول :

تحية من أوليته منك نعمة

إذا زار عن شحط بلادك سلما

٧٩

سَمُوم (١) الجَوْزاء عند اعتدال الشمس في أفقها ، إلا انّ أخاك (٢) عثمان أصبحَ منك بعيداً ، فصرتُ بعده مزيداً ، فأطلب لنفسك ظلاً تأوي إليه فتستكنُّ به ، فأني اراك على التراب رقُودا ، وكيف بالرُّقادِ بك ؟ لا رُقادَ لك ! فلو قد استتبَّ هذا الامر لِمُريده اُلْفِيتَ كشريد النعام يفزَع من ظلّ الطائِر ، وعن قليل تشربُ الرَّنق (٣) ، وتستشعر الخوف (٤) ، ألا وانّي أراك فسيحَ الصَّدر ، مُسترخي اللَّبَب (٥) ، رَحُوَا الحِزام ، قليلَ الاكتراث ، وعن قليل يُجتَث أَصْلُك ، والسلام.

وكتب في آخره هذين البيتين شعراً (٦) :

أخترت نومك ان هبت شامية

عند الهجير وشربا بالعشيات

على طلابك ثأرا من بني حكم

هيهات من راقد طلاب ثارات

وكتب الى يعلى بن اميّة :

اما بعدُ ، احاطك الله بكلاءته ، وأيَّدك بتوفيقه ، كتبتَ اليّ صبيحةَ وَرَدَ عليَّ كتابُ مروان بن الحكم ، يخبرني بأستشهاد أمير المؤمنين وشْرحِ الحال ، وانّه قد طالَ بهِ العمر حتى نقضَت قُواه ، وثقُلت نهضتهُ ،

__________________

(١) سفعته السموم : لفتحه الريح الحارة لفحاً يسيراً فغيرت لون البشرة.

(٢) الوليد بن عقبة أخو عثمان لامه.

(٤) ماء رنق : اي كدر.

(٤) يستشعر الخوف : جعله شعاراً له.

(٥) اللبب : ما يشد في صدر الدابة لتثبيت الرحل.

(٦) جمهرة رسائل العرب ١ : ٣٠٤.

٨٠