مفاهيم القرآن - ج ٣

الشيخ جعفر السبحاني

مفاهيم القرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥٤٣

وينجيهم من فرعون وأعوانه ، غير أنّ انجائهم من أيديهم لمّا كان متوقفاً على اثبات نبوّته وأنّه مأمور من جانب الله سبحانه ، أخذ يحاور فرعون ويرضيه بانجاء بني اسرائيل ، ولو كان إنجاؤهم غير موقوف على هذه المحاورات لما تحمّل هذه المشاق ويؤيده أنّه سبحانه بعدما قال :

( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ ) ( القصص ـ ٤ ) عقبها بقوله : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) ( القصص ـ ٥ ).

وظاهره يفيد أنّ الغاية من بعث موسى إلى فرعون هو اطلاق سراح المستضعفين من بني اسرائيل في الأرض.

وإن شئت قلت : أنّ محاورته مع فرعون وقيامه ضده وضد ملائه وعرض بيّناته واحتجاجاته عليهم ، كانت مقدمة لانقاذ بني إسرائيل وإرجاعهم إلى الأرض المقدسة ولو كان المطلوب حاصلاً بلا مشاجرة ونزاع معهم لما نهض بين يديه محتجاً بآياته وبيّناته ؟

وثانياً : انّه كلّما حاور مع فرعون واحتج عليه بأنّه رسول ربّ العالمين عقب كلامه بقوله : فارسل معي بني اسرائيل حيث قال سبحانه : ( قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ( الأعراف ـ ١٠٥ ) وقال سبحانه : ( فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ ) ( طه ـ ٤٧ ).

والظاهر من الآيتين أنّ الهدف الأقصى من بعث موسى هو انقاذ بني اسرائيل غير أنّه لما كان متوقّفاً على المحاورة مع فرعون واثبات أنّه رسول من الله سبحانه كلمه بأنّي رسول ربّك ويقرب ذلك أنّه سبحانه لما آخذ آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات وأوقع عليهم الرجز جعلوا جزاء موسى ـ إذا استجيبت دعوته ـ أنّهم يؤمنون به ويرسلون معه بني اسرائيل كما حكى الله سبحانه عنهم : ( قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ

٨١

بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ( الاعراف ـ ١٣٤ ).

وعلى ذلك فالمراد من إيمانهم بموسى ، إيمانهم بأنّه مبعوث من الله سبحانه لهداية بني اسرائيل وانقاذهم من العذاب ، لا إيمانهم بأنّه نبي بعث إلى القبطيين وبني اسرائيل جميعاً كما هو المدّعى.

ولقائل أن يقول : إنّه إذا لم يكن مبعوثاً إلى فرعون وملائه فلماذا أمر الله سبحانه موسى وأخاه هارون بقوله : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) ( طه ـ ٤٤ ) وقوله : ( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ ) ( النازعات : ١٧ ـ ١٩ ).

وتمكن الاجابة عنه بأنّ الذهاب إليه وتذكيره وتحذيره لأجل أن يعلم فرعون بأنّ موسى مبعوث من جانبه سبحانه لإنقاذ قومه حتى يرسل معه بني اسرائيل ، كما يفيده ذيل الآيات : ( فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ ) ، لاحظ سورة طه الآيات ٤٣ ـ ٤٧ ، خصوصاً بالنظر إلى ما فرع على قوله : ( إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ) ، قوله : ( فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ).

ويؤيد ذلك أيضاً أنّه لمّا لم ينجح النبي موسى في انقاذ قومه من سلطان فرعون وعساكره ، أراد سبحانه أن ينجيهم بأسباب غير عادية كما قال سبحانه : ( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَىٰ ) ( طه ـ ٧٧ ).

وقوله : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ) ( الأعراف ـ ١٣٨ ).

وقوله سبحانه : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ) ( يونس ـ ٩٠ ).

وقوله سبحانه : ( فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ

٨٢

جُندٌ مُّغْرَقُونَ ) ( الدخان٢٣ ـ ٢٤ ).

وذلك يدلّ على أنّ الغاية من الرسالة هو انقاذ بني اسرائيل فقط لا ارشاد فرعون وملائه.

ثالثاً : انّ قوله سبحانه : ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ (١) رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ المُعْتَدِينَ * ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ) ( يونس ٧٤ ـ ٧٥ ).

يفيد أنّ رسالة الأنبياء الذين تتراوح دعوتهم بين نوح وموسى بشهادة قوله : ( بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ ( أي نوح ) رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ ) كانت مختصة بقومهم حتى إبراهيم كما أنّ دعوة موسى كانت مختصة بقومه لا تعدوهم إلى فرعون أيضاً وملائه وعلى ذلك تصير دعوة كلّ من نوح وإبراهيم وموسى غير عالمية لا تتعدى دعوة موسى بني اسرائيل أو القبطيين.

موقف دعوة الكليم من غير القبطيين

الظاهر أنّه لم تكن دعوته شاملة لغيرهم لو فرضنا شمولها لهم ويشعر بذلك أنّهم لما نجّاهم سبحانه من فرعون وجاوز بهم البحر فرأوا في ذلك الجانب ، من ضفة البحر قوماً يعكفون على أصنام فطلب منه قومه أن يجعل لهم الهاً كما لهم آلهة فرد عليهم موسى بأنّكم قوم تجهلون (٢) ولم يتعرض موسى لعبدة الأصنام (٣) لا بالنقد والرد ولا بالمنع ولم يكن خضوعهم للأصنام أقل ضرراً من عبادة قوم فرعون له وإنّما تعرض لعمل فرعون دون عمل هذه الجماعة لأجل أنّ انقاذ بني اسرائيل من مخالب فرعون وقومه كان متوقفاً على المحاورة معه والاحتجاج عليه بأنّه رسول ربّ العالمين ، دون المقام ، فانّ العاكفين

__________________

(١) والضمير في قوله « من بعده » يرجع إلى نوح.

(٢) راجع الآية ١٣٨ من سورة الأعراف.

(٣) بحكم سكوت القرآن عن ذلك وإن كان السكوت لا يكون دليلاً على عدم التعرض لكنه مشعر بذلك.

٨٣

على الأصنام في ضفة البحر لم يكونوا مزاحمين لموسى وقومه ولذلك تركهم وشأنهم ، ولم ينكر عليهم بحكم سكوت القرآن وعدم اظهار أي ردة فعل بالنسبة إليهم. وهذا يؤيد ما استظهرناه من عدم عمومية دعوته للقبطيين أيضاً.

نعم ما نذكره من السكوت اشعار بالمدّعى لا أنّه دليل قطعي.

ويؤيد خصوصية الدعوة أنّه لم يعهد منه بعد انجاء قومه من فرعون ، أنّه دعا أقواماً آخرين ، بل لما عبر موسى بهم البحر وهلك فرعون ، أمرهم الله بدخول الأرض المقدسة ، فلمّا نزلوا على نهر الأردن خافوا من الدخول فيها كما حكى الله سبحانه عن موسى قائلاً : ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ) ( المائدة : ٢١ ـ ٢٢ ).

فأوحى الله إليه أنّهم يتيهون في الأرض أربعين سنة فبقوا في التيه أربعين سنة وكان ينزل عليهم المن والسلوى ومات النقباء غير يوشع بن نون ومات أكثرهم ونشأ ذراريهم وتوفّي موسى وهارون في التيه ، توفّي هارون قبل موسى بسنة وقد فتحها يوشع بعد موت موسى ، وقيل فتحها موسى وكان يوشع في مقدمته (١).

ولم يرد في القرآن شيء يستشم منه أنّه دعا الاُمم الاُخرى طول حياته في التيه ، بل كان يعاشر قومه فقط ويرشدهم حسب استعدادهم وامكاناتهم.

أضف إلى ذلك فقدان الامكانيات وضعف المواصلات في تلكم الأيام ، فتشريع نبوّة عامة تشمل العالم أجمع مع فقدان الامكانيات اللازمة وقلّة الترابط بين الاُمم أمر غير مفيد.

مضافاً إلى أنّ تشريع النبوّة على صعيد عالمي فرع التهيّؤ في روح المجتمع الانساني لقبولها ، فانّ الناس كانوا عصابات وأقواماً متنافرة يتعصّب كل منهم تجاه الآخر

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ١٧٩.

٨٤

ولا ينزل واحد منهم على حكم الآخر ولا لنبي من قوم آخر ، فالطريق الأصلح لهذا هو بعث الأنبياء في داخل الاُمم كما قال سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) ( النحل ـ ٣٦ ) (١).

أضف إلى ذلك أنّ الاُمم اليهودية يخصون نبوّة موسى بأنفسهم ولذا لا ترى منهم التبليغ والتبشير في مجتمعات العالم (٢).

ومع هذه الوجوه كيف يمكن القول بعمومية دعوته وعالميتها في عصره إلى أن يبعث الله نبياً مثله.

وترشدك إلى ما ذكرناه ، قصة موسى مع من آتاه الله الرحمة وعلّمه من لدنه علماً وقال سبحانه : ( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ) ( الكهف ٦٥ ـ ٦٦ ) (٣).

ووصفه بما ورد في الآية من الأوصاف يدل على كونه ولياً من أوليائه بل نبياً مثله ـ ومع ذلك ـ كيف تكون نبوّة موسى عالمية مع عدم شمول نبوّتها لمصاحبه ولا لاُمّته إذا فرضنا للمصاحب اُمّة وليس من البعيد أن يكون ذلك المصاحب العائش في زمن موسى مثل لوط المعاصر لإبراهيم وكلّ مبعوث إلى اُمّة دون اُمّة ، وتعاصر النبيين يكشف عن ضيق نطاق نبوّتهم وعدم شمول احدى النبوّتين ، بما تشمله الاُخرى.

قال سبحانه : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَٰذِهِ

__________________

(١) نعم ذابت هذه التعصّبات القومية في المجتمع الانساني إلى حد استعد مزاج الانسانية لبعث نبي عالمي وكمل استعدادهم لقبول النداء العالمي ولأجل ذلك لم يمض ربع قرن إلاّ وقد ضرب الإسلام بجرانه في شرق الأرض وغربها.

(٢) وإن كان قول اليهود وفعلهم ليسا بحجة فإنّهم خصّوا الله سبحانه بأنّه اله شعبهم فما ظنّك بهم في رسالة موسى عليه‌السلام.

(٣) واحتمال أنّه كان من اُمّة موسى ولكن الله جعل عنده علماً خاصاً لم يؤته موسى فصار موسى مأموراً بالتعلّم منه ، رجم بالغيب وموجب لزيادة الفرع على الأصل واعلمية بعض الاُمّة من نبيّها مع أنّ سياق الآيات لا يناسب ذلك الاحتمال.

٨٥

الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) ( العنكبوت ٣١ ـ ٣٢ ).

المقام الثاني في عموم شريعته (١) :

هل كانت الشريعة التي أتى بها موسى في الألواح التي يصفها الله سبحانه بقوله : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) ( الأعراف ـ ١٤٥ ).

مختصة بقومه أم تعم غيرهم ؟ ظاهر بعض الآيات ، يفيد كون كتابه حجة على الناس كلهم حيث وصفه بكونه ، هدى ونوراً للناس وقال : ( قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدىً لِّلنَّاسِ ) ( الأنعام ـ ٩١ ).

وقوله سبحانه : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ) ( الأنبياء ـ ٤٨ ).

فإذن هو ضياء وذكر للمتقين سواء أكانوا من بني إسرائيل أم غيرهم وقوله سبحانه : ( قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الاحقاف ـ ٣٠ ).

فإنّ وزان الآية ، وزان قوله سبحانه : ( فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ) ( الجن ١ ـ ٢ ).

فإنّ وصف الجن للقرآن بأنّه نزل من بعد كتاب موسى مع كون القرآن ومن جاء به مبعوثين إلى الانس والجن ، يشعر بكون كتاب موسى مثله أيضاً نزلا إلى كلّ من الفريقين ، فكيف تجتمع خصوصية رسالته مع كون كتابه دليلاً وحجة على الكلّ ؟

__________________

(١) البحث عن عموم شريعته ، فرع ثبوت سعة دعوته في مسألة عبادة الله وخلع عبادة الأوثان وقد عرفت عدم ثبوتها ، فالبحث عن عموم شريعته مبني على ثبوت عموم دعوته في جانب الاُصول.

٨٦

ويمكن الاجابة عن الاستدلال بهذه الآيات أوّلاً : بأنّ كون الكتاب نوراً وهدى للناس ، لا يفيد تعميم شريعة موسى وأحكامه لغير بني اسرائيل ، إذ من الممكن أن يستفيد الغير مما ورد في ذلك الكتاب من عظات وحكم وإن لم يكن تابعاً لأحكام ذلك الكتاب. فنحن المسلمون ، نستفيد في هذا اليوم مما في التوراة والانجيل من المواعظ ولسنا تابعين لشريعة من انزلا إليه.

فبذلك يظهر الجواب عن الاستدلال بقوله سبحانه : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ) ( الأنبياء ـ ٤٨ ).

وثانياً : انّ الظاهر من بعض الآيات اختصاص كتاب موسى بقومه مثل قوله تعالى : ( وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ) ( الإسراء ـ ٢ ) وقوله سبحانه : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) ( غافر ـ ٥٣ ).

فلو كان كتابه حجة على الناس كلّهم لورثه الناس كلّهم دون بني اسرائيل وحدهم (١).

وقوله : ( مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) ( المائدة ـ ٣٢ ).

وقد كتبه سبحانه عليهم في التوراة.

وقوله : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) ( الجاثية ـ ١٦ ).

وإن أردت أن تتوسع في البحث فلاحظ الآيات التالية فانّها تخص بني إسرائيل

__________________

(١) نعم يمكن أن يقال : انّ تخصيص بني اسرائيل بأنّهم الوارثون لكتاب موسى لأجل أنّ بني اسرائيل وأنبياءهم ، هم القائمون بأمر الكتاب وحفظه دون سائر الناس ، فلأجل ذلك خصهم بالميراث ، وإن كانت الشريعة عامة.

وهذا نظير قوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) ( فاطر ـ ٣٢ ) فورّث الكتاب العباد المصطفون وإن كانت الشريعة عامة ، على أنّه يحتمل أن يكون المراد بالكتاب ، هو الوعد الذي وعده الله لإبراهيم وموسى بأن يدخلهم الأرض التي كتبها الله لهم.

٨٧

بأنّهم هم الذين اُوتوا الكتاب ، فإنّ كونهم ممّن اُوتوا الكتاب وإن كان لا يعارض كون غيرهم كذلك ، إلاّ أنّ تكرار توصيفهم بأنّهم ، هم الذين اُوتوا الكتاب يوجب ظهورها في نفيه عن غيرهم (١) مثل : قوله سبحانه : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ) ( البقرة ـ ١٢١ ).

وقوله سبحانه : ( وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ) ( البقرة ـ ١٤٤ ).

وقوله سبحانه : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ) ( الأنعام ـ ٢٠ ).

وقوله سبحانه : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ) ( القصص ـ ٥٢ ).

وقوله سبحانه : ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالحَقِّ ) ( الأنعام ـ ١١٤ ).

وقوله سبحانه : ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) ( الرعد ـ ٣٦ ).

وقوله سبحانه : ( فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) ( العنكبوت ـ ٤٧ ).

وقوله سبحانه حكاية عن المشركين بأنّه نزل الكتاب على الطائفتين المسيحية واليهودية ولم ينزل علينا : ( أَن تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ) ( الأنعام ١٥٦ ـ ١٥٧ ).

فبهذه الآيات وما تقدمها يمكن تفسير ما تقدمها من الآيات المفيدة المشعرة بكون التوراة نازلة إلى الناس كلّهم بحمل ما دلّ على سعة التشريع ، على الاستغراق

__________________

(١) اللّهمّ إلاّ أن يحمل التأكيد بأنّهم هم الذين اُوتوا الكتاب على كون الكتاب نزل على بني اسرائيل وليس معناه أنّه لا يجوز لغيرهم العمل به.

٨٨

العرفي ، دون العقلي ، فيراد من قوله سبحانه : نوراً وهدى للناس ، أو ضياء وذكراً للمتقين ، الكتلة المتماسكة من بني اسرائيل.

نعم ، يمكن أن يقال بعكس ذلك ، فيقال : انّ تخصيص بني اسرائيل بالذكر لأجل أنّ التوراة كانت هدى لبني إسرائيل قبل أن تكون لغيرهم بشهادة بعث موسى فيهم وتولّده ونشوئه بينهم ولأجل ذلك خص الله ذلك القوم بالذكر وقال : ( وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ) ( الإسراء ـ ٢ ).

ولمّا مات وترك بينهم ذلك الكتاب الكريم ، كانت تلك الطائفة أولى بميراث نبيّهم ولأجل ذلك قال : ( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) ( غافر ـ ٥٣ ).

ولكن يؤيد الحمل الأول ، أعني كون الاستغراق عرفياً لا عقلياً ، قوله سبحانه : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ ) ( المائدة ـ ٤٥ ) وقد كتب الله لهم هذا الحكم في التوراة وتقييد الكتابة بلفظ ( عليهم ) يؤيد كون الكتاب نازلاً لهدايتهم خاصة.

ويؤيد الحمل الثاني قوله سبحانه : ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ) ( المائدة ـ ٤٤ ).

فظاهر الآية أنّ التوراة كانت محكمة بعد موسى عبر القرون يحكم بها النبيون فالآية تفيد سعة نطاق كتابه وشريعته.

ومع ذلك كلّه فالامعان في الآية لا يفيد إلاّ كون الكتاب حجة لبني اسرائيل ومحكماً عليهم والأنبياء الذين كانوا يحكمون به كانوا من بني اسرائيل لا من غيرهم ولقد بعثوا لهدايتهم وذلك لأنّ الله يقول : ( يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ) ( لا لغيرهم ) الذي هو المطلوب.

هذا ما بلغ إليه فهمنا القاصر من التدبّر في آيات الذكر الحكيم ولما كانت في المقام أسئلة حول المختار عقدنا لها الفصل التالي.

٨٩

أسئلة وأجوبة

السؤال الأوّل :

ربّما يستدل على كون دعوة نوح والخليل والكليم والمسيح عالمية بقوله سبحانه : ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) ( الشورى ـ ١٣ ) ويستند في كيفية الاستدلال إلى ما أفاده العلاّمة الطباطبائي حيث قال :

يستفاد من الآية اُمور :

أحدها : انّ السياق بما أنّه يفيد الامتنان وخاصة بالنظر إلى ذيل الآية ، والآية التالية يعطي أنّ الشريعة المحمدية جامعة للشرائع الماضية ولا ينافيه قوله تعالى : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) ( المائدة ـ ٤٨ ) لأنّ كون الشريعة شريعة خاصة لا ينافي جامعيتها.

الثاني : انّ الشرائع الإلهية المنتسبة إلى الوحي إنّما هي شريعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لو كان هناك غيرها لذكر قضاء لحق الجامعية المذكورة.

ولازم ذلك أوّلاً : انّ لا شريعة قبل نوح عليه‌السلام بمعنى القوانين الحاكمة في المجتمع الانساني الرافعة للاختلافات الاجتماعية ، وقد تقدم نبذة من الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ ) ( البقرة ـ ٢١٣ ).

وثانياً : انّ الأنبياء المبعوثين بعد نوح كانوا على شريعته إلى بعثة إبراهيم وبعدها على شريعة إبراهيم إلى بعثة موسى وهكذا.

٩٠

الثالث : انّ الأنبياء أصحاب الشرائع واُولي العزم هم هؤلاء الخمسة المذكورين في الآية إذ لو كان معهم غيرهم لذكر فهؤلاء سادة الأنبياء ويدل على تقدمهم أيضاً قوله : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) ( الأحزاب ـ ٧ ) (١).

الجواب :

انّ ما ذكره ( رضوان الله عليه ) وإن كان صحيحاً لكنّه لا يدل على عمومية نبوّة هؤلاء الأربعة ومنشأ الاشتباه ( في الاستدلال بالآية وأضرابها على عمومية الدعوة ) هو الخلط بين عمومية دعوتهم وتداول شريعتهم بعدهم ، فقد جرت سنّة الله على بعث أنبياء غير صاحبي شريعة في المناطق التي بعث فيها نفس أصحاب الشرائع وهؤلاء المبعوثون كانوا يحملون النبوّة والوحي ، ويتشرّفون بالبيّنات والمعجزات من دون أن تكون لهم شريعة مستقلة ، بل كانوا تابعين لإحدى الشرائع الأربع المتقدمة أو المتعاصرة وناشرين لها ، وكانت نبوّتهم مختصة بقومهم ومنطقتهم غير أنّ ظهور كل واحد منهم من منطقة من المناطق ، كان دليلاً على انتهاء نبوّة النبي صاحب الشريعة عند بعث النبي اللاحق ، بل كان دليلاً على عدم سعتها من بدء الأمر ، كما إذا كان النبي المروّج معاصراً للنبي صاحب الشريعة مثل لوط بالنسبة لإبراهيم عليه‌السلام.

وهذا ، هو القرآن يحكي عن أنبياء مروّجين معاصرين لصاحب الشريعة أو تالين له ، آخذين بشريعته.

فقد بعث الله هوداً إلى عاد بشريعة مثل شريعة نوح التي كانت بسيطة غاية البساطة ، كما بعث صالحاً إلى ثمود ، بمثل ما بعث به هوداً.

وقد بعث الله لوطاً إلى قومه ، دون أن تكون له شريعة بل كان يتبع شريعة إبراهيم وكانا يعيشان في عصر واحد ، كما بعث شعيباً إلى أصحاب مدين والايكة ، فأهلك

__________________

(١) الميزان ج ١٨ ص ٢٨.

٩١

مدين بصيحة جبرئيل ، والايكة بعذاب يوم الظلة ولم تكن له شريعة مستقلة ، بل كان يتّبع شريعة الخليل ويروّجها وينشرها.

وقد بعث الله يونس إلى مائة ألف أو يزيدون وكان يعمل بشريعة موسى ، وهكذا حكم سائر الأنبياء المبعوثين في الآونة بعد الآونة ، في ثنايا أزمنة أصحاب الشرائع.

فهؤلاء الأنبياء المروّجون لم يكونوا من علماء الاُمّة حتى يكونوا مشمولين لدعوة أصحاب الشرائع ، بل كانوا ذوي دعوة وارشاد ، ووحي واعجاز ، خارجين عن دعوة من تقدمهم ، داعين إلى أنفسهم ونبوّتهم وإن كانوا آخذين بشريعته وكانت الاُمّة التي بعث هؤلاء إليهم مكلّفة بتلبية نداء هذا النبي الجديد ، والاقتداء بهداه والاتباع لقوله وفعله وهذا دليل على انقطاع نبوّة النبي السالف ورسالته أو عدم سعته من أوّل الأمر كما إذا كانا متعاصرين مثل لوط وإبراهيم.

نعم ، لم تكن هذه الجماعة كنفس أصحاب الشرائع أيضاً ، أنبياء عالميين بعثوا لهداية من في الشرق والغرب ، بل كانوا أنبياء محليين (١) مبعوثين إلى أقوامهم ومناطقهم المستعدة للبعث كنفس أصحاب الشرائع.

فثبت بذلك أنّ نبوّة مثل موسى كانت محدودة بأمرين :

الأوّل : انّ نبوّته كانت اقليمية لا عالمية.

الثاني : انّ نبوّته كانت منقطعة ، ببعث نبي بعده ، وإن لم يكن صاحب شريعة ، بل مروّجاً وتابعاً لشريعته ، وبقاء الشريعة ، غير عمومية النبوّة.

نعم ، النبوّة بمعنى الصفات الحاصلة للنبي مثل علمه ، لا ترتفع بموته ، لبقاء روحه المقدسة ونفسه الكريمة ، والنبوّة بهذا المعنى لا ترتفع إلى الأبد ، بل المراد ما تستتبعه هذه الصفات من كونه قائداً رسمياً من جانب الله سبحانه ، يجب على الناس الانتماء والانتساب إليه ، بحيث يعد الانسان من تابعيه واقعاً ، وهذا المعنى أمر قابل

__________________

(١) سيوافيك توضيحه عند الاجابة عن السؤال الثاني.

٩٢

للارتفاع بعد ظهور النبي اللاحق وإن كانت الشريعة باقية.

على أنّ الظاهر من بعض الآيات ، تخصيص كلّ نبي لاحق وإن كان تابعاً لشريعة من قبله ، بشيء من الحكم ، لم يكن موجوداً في شريعة من قبله ، فلم يكن وزانهم وزان العلماء بحيث لا يزيدون ولا ينقصون ، بل كان لهم بعض الخصائص من الأحكام والتعاليم ، كما يفيده قوله سبحانه :

( قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ( آل عمران ـ ٨٤ ).

فظهور الآية في استقلالهم بالنبوّة واختصاص كلّ واحد بشيء من الوحي ، ممّا لا ينكر ؟

نعم كون شريعة نوح محدودة ببعث إبراهيم أو كون شريعة الأخير محدودة ببعث موسى عليهم‌السلام لا ينافي كون الاُمّة المحمدية مأمورة باتباع ملّة إبراهيم لا لأجل بقاء نبوّته أو شريعته بل لأجل وحدة الشريعتين في الجوهر والاُصول التي أهمّها التوحيد ورفض الأوثان والأصنام ، قال سبحانه : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ ) ( آل عمران ـ ٦٨ ).

وقوله : ( فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ ) ( آل عمران ـ ٩٥ ).

إلى غير ذلك ممّا ورد من الأمر بالاتباع لملّة إبراهيم ، وهذا لا يدل على بقاء الشريعة ، بل لما كان إبراهيم ، هو البطل الوحيد في كسر شوكة الأصنام وتحطيم انوف المشركين وعبدة الأوثان وقد بعث النبي الأعظم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفس ما بعث به إبراهيم ، أمر سبحانه بالاتباع لملّته وطريقته قال : ( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ) ( الحج ـ ٧٨ ).

ولأجل هذه الملاحظة ، يقول يوسف لصاحبيه في السجن : ( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ) ( يوسف ـ ٣٨ ).

٩٣

وما هذا إلاّ بقاء جوهر الدين في الشرائع السماوية كلّها فالاُمّة المسلمة كانت خليلية إلى أن صارت موسوية ، فعيسوية فمحمدية على المعنى الذي عرفته.

السؤال الثاني :

لو كانت نبوّة موسى والمسيح اقليمية فماذا يعني الحديث التالي ، وإلى ماذا يشير :

« إنّما سمّي اُولوا العزم ، لأنّهم كانوا أصحاب العزائم والشرائع وذلك أنّ كل نبي كان بعد نوح ، كان على شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه ، إلى زمن إبراهيم الخليل وكلّ نبي كان في أيام إبراهيم الخليل وبعده ، كان على شريعة إبراهيم ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلى زمن موسى عليها‌السلام وكلّ نبي كان في زمن موسى وبعده ، كان على شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلى زمن عيسى عليها‌السلام وكلّ نبي كان في أيام عيسى وبعده ، كان على منهاج عيسى وشريعته وتابعاً لكتابه إلى زمن نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهؤلاء الخمسة اُولوا العزم وهم أفضل الأنبياء والرسل وشريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تنسخ إلى يوم القيامة ولا نبي بعده » (١).

الجواب المستفاد من الحديث أمران :

الأوّل : الحديث يدلّ بصراحة على وجود أنبياء في زمن هؤلاء الأربعة وهذا أقوى شاهد على عدم كون نبوّتهم عالمية ، إذ لا وجه لبعث نبيين إلى اُمّة واحدة ولم يثبت الاشتراك في النبوّة إلاّ في موسى لقوله سبحانه : ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) ( طه ـ ٣٢ ).

وقوله سبحانه : ( فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ) ( القصص ـ ٣٤ ).

الثاني : إنّ الأنبياء المبعوثين في زمنهم أو بعدهم ، كانوا متمسكين بشرائع هؤلاء الأربعة وكانت شريعتهم متداولة بينهم.

والثابت تداول شريعتهم في المناطق التي بعث فيها هؤلاء ولعلّ تداول شريعتهم بين الاُمم السالفة ، من دون تبديل ، صار سبباً لتوهّم كون نبوّتهم عالمية لا اقليمية. ولكنّه لم يثبت تداول شريعتهم بين اُمم الأرض جميعاً وإنّما القدر المتيقّن تداولها في

__________________

(١) بحار الأنوار ج ١٥ ص ١٤٥ ، ورواه الكافي في باب الشرائع ج ٢ ص ١٧ بأدنى اختلاف.

٩٤

الشرق الأوسط وما ضاهاه لا أقطار الأرض جميعاً ، نعم دلّت الآيات القرآنية على أنّه لم تخل أرض معمورة من نبي أو نذير قال سبحانه : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ) ( فاطر ـ ٢٤ ).

وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) ( النحل ـ ٣٦ ).

وقال سبحانه : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ( الرعد ـ ٧ ).

وهذه الآيات وما يشابهها تدل على شمول فيض النبوّة لأقطار الأرض واُممها وأنّه لم تخل اُمّة من تلك النعمة الإلهية ويؤيد ذلك ما عن أمير المؤمنين : اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ، أمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته (١).

وعند ذلك يتوجّه السؤال التالي :

السؤال الثالث :

لو كانت نبوّة هؤلاء الأربعة اقليمية وشريعتهم متداولة في الشرق الأوسط ، فمن الذي بعثه الله إلى هؤلاء الاُمم المبعثرة في أقطار الأرض وأرجائها ومن هم حجج الله وبيّناته بين ظهرانيهم ؟

الجواب : انّ القرآن لم يقصص قصص الأنبياء عامة ولم يأت بأسمائهم جميعاً والمذكور منهم لا يتجاوز عن ستة وعشرين نفراً ، قال سبحانه : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) ( غافر ـ ٧٨ ).

وقال سبحانه : ( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ) ( النساء ـ ١٦٤ ).

__________________

(١) نهج البلاغة قسم الحكم الرقم ١٤٧.

٩٥

ولم تحصل لنا الإحاطة بكل من بعثه الله إلى الاُمم ، وقيّضهم لهداية الناس.

وقد روى الفريقان عن النبي أنّ عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً وقد جاء في التواريخ والأدعية قسم كبير من أسماء الأنبياء لا نعرف عن أحوالهم إلاّ شيئاً يسيراً فلعلّه كانت هناك جماعة كبيرة وعظيمة من الأنبياء مبعوثين إلى هداية الناس ودعوتهم إلى الله من دون أن نسمع لهم ذكراً أو نعرف لهم حالاً وقد سأل السائل صادق الاُمّة وإمامها وقال : فاخبرني عن المجوس أفبعث الله إليهم نبياً فانّي أجد لهم كتباً محكمة ومواعظ بليغة وأمثالاً شافية يقرّون بالثواب والعقاب ولهم شرائع يعملون بها ؟

قال عليها‌السلام : ما من اُمّة إلاّ خلا فيها نذير وقد بعث إليهم نبياً بكتاب من عند الله فأنكروه ومجدوا كتابه (١).

فلو كانت نبوّة المجوس بعد موسى وقبل المسيح لما أمكن أن تكون نبوّة موسى عالمية.

__________________

(١) الاحتجاج ج ٢ ص ٩١.

٩٦

هل كانت

نبوّة المسيح عالمية ؟

بعد أن أسفر وجه الحقيقة من ثنايا البحث وظهر أنّ الحق هو أنّ نبوّة موسى كانت لقوم خاص ، وإن كانت شريعته متداولة بين المبعوثين من بعده من الذين بعثوا في الأقوام التي بعث فيها نفس الكليم فلنشرع في تحقيق حال نبوّة المسيح سعة وضيقاً فنقول :

ظاهر بعض الآيات يفيد أنّ رسالته كانت لقوم خاص أيضاً وأنّه كان مبعوثاً إلى بني إسرائيل خاصة قال سبحانه : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ) ( الصف ـ ٦ ).

وقال سبحانه : ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) ( الزخرف ـ ٥٧ ) ( إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ) ( الزخرف ـ ٥٩ ) ( وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ) ( الزخرف ـ ٦٣ ).

وقال سبحانه : ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ ) ( المائدة ـ ٤٤ ) ( وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ) ( المائدة ـ ٤٦ ).

٩٧

فانّ تقفية النبيين الذين كانت نبوّتهم لقوم خاص قطعاً بعيسى بن مريم وكونه مصدقاً للتوارة المختصة ببني اسرائيل تشعر بكون نبوّته مثلهم أيضاً ، وقال سبحانه : ( وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) ( المائدة ـ ٧٢ ).

وقال سبحانه : ( وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) ( آل عمران ـ ٤٩ ).

وقال سبحانه : ( لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ) ( المائدة ـ ٧٠ ) ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) ( المائدة ـ ٧٢ ).

ولا يخفى على القارئ ما فيها من الدلالة على كونه مبعوثاً إلى بني إسرائيل حيث جعل محور الكلام في الآيتين ، المرسلين إلى بني إسرائيل وقال : ( وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً ) ثم حكم بكفر من قال بأنّ الله هو المسيح بن مريم مشعراً بذلك بأنّ المسيح كان من المبعوثين إليهم وهم الذين ألبسوه لباس الالوهية وجعلوه إلهاً.

أضف إلى ذلك أنّ المسيح جعل محور الخطاب قوم بني إسرائيل وقال : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) ( المائدة ـ ٧٢ ).

نعم ظاهر بعض الآيات يفيد عمومية نبوّته ودعوته كما في قوله تعالى : ( وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ) ( آل عمران ـ ٣ ـ ٤ ) ويعالج الاختلاف بما عالجنا به ما ورد في حق الكليم والتوراة ، بأنّ الاستغراق في قوله : ( لِلنَّاسِ ) عرفي لا عقلي ويراد من قومه : الكثيرون.

وقال العلاّمة في شرح التجريد : ذهب قوم من النصارى إلى أنّ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبعوث إلى العرب خاصة (١).

__________________

(١) كشف المراد ص ٢٨٣ ط قم.

٩٨

فهذا إقرار منهم على عدم عمومية رسالة المسيح.

وقال الطبرسي (١) في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم ... ).

أي اذكر إذ قال عيسى بن مريم لقومه الذين بعث إليهم.

وقال العلاّمة في تهذيبه عند البحث عن تعبّد النبي ، قبل بعثته بدينه لا بدين من قبله من الرسل : الأقرب انّه عليه‌السلام قبل النبوّة لم يكن متعبّداً بشرع أحد وإلاّ لاشتهر ولافتخر به أربابها ونمنع عموم دعوة من سبقه عليه‌السلام (٢).

وقد عدّ العلامة ذلك من خصائص بعثته إلى الناس كافة (٣).

وها هنا سؤال : وهو أنّه إن كانت نبوّة المسيح مختصة ببني إسرائيل فلماذا جعل النبي نصارى العرب من أهل الذمة مثل يهود العرب وعامل النصارى واليهود معاملة واحدة مع أنّه ثبت أنّ الكليم كان مبعوثاً إلى خصوص بني اسرائيل ؟ والاجابة عن هذا السؤال سهلة : لأنّ من المحتمل جداً أنّ الرسول كان مأموراً بالحكم على كل متمسّك بالكتاب السماوي احتراماً للعنوان ، لا لكون الكتاب نازلاً فيه كما هو الحال في اتباع المجوس ، فعامل الرسول مع المتمسّكين بدين « زرادشت » معاملة المتمسّك بدين المجوس مع أنّ أهل الكتاب هو الثاني دون الأوّل.

ويؤيد كون رسالة المسيح عليه‌السلام لقوم خاص اُمور :

١. إنّ أجداد النبي واُسرة البيت الهاشمي وجميع الأحناف في الجزيرة العربية ، كانوا على دين إبراهيم ولم ينقل أحد من أهل السير تهوّدهم أو تنصّرهم.

قال الزرقاني : إنّ العرب من عهد إبراهيم كانوا على دينه ولم يكفر أحد منهم إلى

__________________

(١) مجمع البيان ج ٥ ص ٢٧٩ طبع صيدا.

(٢) تهذيب الاُصول إلى علم الاُصول ص ٥٦ الطبع الحجري.

(٣) التذكرة ج ٢ اوائل كتاب النكاح والمطبوع منها غير مرقم.

٩٩

أن جاء عمرو بن لحي فهو أوّل من عبد الأصنام وغيّر دين إبراهيم وكان قريباً من كنانة جد النبي (١).

٢. يظهر مما أنشأه عبد المطلب في قصة أصحاب الفيل أنّه وقومه كانوا متحرّزين من النصارى على وجه الاطلاق حيث أنّه بعد ما رجع من عند « قائد الجيش » « إبرهة » آيساً من إنصرافه عن هدم الكعبة ، أخذ بحلقة الباب قائلاً :

لا يغلبنّ صليبهم ومحا

لهم عدواً محالك (٢)

٣. ما رواه الحافظ البخاري : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « اُعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي ... واُعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة » (٣) وفي بعض ألفاظ الحديث : « وكان كلّ نبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى كل أحمر وأسود ».

وقال الشيخ منصور علي ناصف في كتابه القيّم « التاج الجامع للاُصول » روي عن جابر عن النبي قال : « اُعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد من قبل ، نصرت بالرعب مسيرت شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً واُعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة » ، رواه الخمسة إلاّ أبا داود (٤).

٤. روى الكليني عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : انّ الله تبارك وتعالى أعطى محمداً شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجعلت له الأرض مسجداً وطهوراً وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود والجن والإنس (٥).

فقد ظهر من هذا البحث الحديثي ، أنّه لم تكن نبوّة الكليم والمسيح فضلاً عمّن كان قبلهم من إبراهيم ونوح تعم العالم كلّه ، بل كانت دعوتهم اقليمية أو لقوم خاص

__________________

(١) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٧٩.

(٢) بحار الأنوار ج ١٥ ص ١٤٥ نقلاً عن مناقب آل أبي طالب.

(٣) صحيح البخاري في مختلف كتبه ، التيمم الباب الأوّل ، الغسل الباب ٣٦ الصلاة الباب ٥٤.

(٤) يعنى رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجة راجع ج ١ ص ٣٠.

(٥) الكافي ج ٢ باب الشرائع ص ١٧ طبعة دار الكتب الإسلامية.

١٠٠