قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة على خير خلقه وخاتم رسله محمَّد وآله الطيّبين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

وبعد فإنّ الانسان إنسان بفكره وثقافته ، والأمم حيّة بحياة أفكارها وعلومها ، والعلماء هم أصحاب الدور الأسمى في قيادة الأمة ، والحفاظ على حياتها الفكرية وإحياء تراثها العلمي وإثرائه. والأمّة الإسلامية بفضل ثقافة القرآن العظيم وتربية الرسول الأعظم والمعصومين من آله امتازت بعلماء فطاحل ، ومفكّرين عظام ارتووا من معيّن الحقّ الذي لا ينضب ، وخلدتهم دروسهم بألسنتهم وأقلامهم بما جسدته كتبهم من ثقافتهم وأفكارهم.

ومن أولئك الورع التقي ، والمحقق البارع ، المولى الشيخ أحمد ، المعروف ب‍ « المقدس الأردبيلي » والشيخ علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي المعروف ب‍ « المحقّق الثاني » والشيخ إبراهيم بن سليمان المعروف ب‍ « الفاضل القطيفي » والشيخ ماجد بن فلاح الفاضل الشيباني فإنّهم رضوان الله تعالى عليهم قاموا بحلّ بعض القضايا المستحدثة على ضوء الكتاب الكريم وسنة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين وبذلوا جهودهم فيه وهذه هي سمة بارزة اتسم بها فقهاؤنا على طول التاريخ ومنقبة حازها الفقه الجعفري الحنيف ، سجلت ذلك كتب الفقه المقارن وزخرت به كذلك كتب التراجم ، وبحث الخراج في زمن الدولة الصفوية يمثّل

٣

حدثاً مستجداً وقع ضمن اهتمام المحقّق الثاني العلامة الكركي قدس‌سره بل ومارس تنفيذه وعمم بنوده في كلّ البلاد الصفوية.

وقد فتحت رسالة الخراج للعلامة الكركي حواراً فقهيّاً امتدّ من بعده في رسائل اخرى تناولت نفس الموضوع ، ومجموع هذه الرسائل يمثّل مصداقاً عمليّاً على الاهتمام الفقهي للعلماء بالاحداث المستجدة ، وأيضاً هذه الرسائل تمثّل حقبة علمية وتاريخية خاصّة تستدعي الاهتمام بها ، ولذا وانطلاقاً من المسؤولية التي قامت بها هذه المؤسّسة لاحياء التراث الفقهي والعلمي لها الفخر في هذه المرّة أن تقوم بنشر هذه الرسائل التي سميناها ب‍ « الخراجيات » بعد تحقيقها وتقييم متونها من قبل جماعة من الأفاضل خدمة لروّاد العلم والفضيلة وأخيرا نقدم جزيل شكرنا لأولئك الأخوة سائلين المولى عزّ وعلا التوفيق لهم ولها أنّه خير ناصر ومعين.

مؤسسة النشر الاسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين ب‍ « قم المشرفة »

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

نبذة من حياة الفقيه المحقّق الكركي (١) (ره)

وصفه والثناء عليه :

لعل أول من ذكره من أرباب التواريخ والسير معاصره المؤرّخ الفارسي الصفوي خواند أمير في أواخر تاريخه « حبيب السير » في أثناء تعداد علماء دولة السلطان الشاه إسماعيل الصفوي ما معناه :

إنّ من جملتهم الشيخ علاء الدين عبد العالي ، وعلو مرتبة ذلك المتقي الورع في تحصيل العلم والفضيلة بمنزلة وصل بها إلى درجة الاجتهاد ، وقد صار لغاية تبحره في العلوم العقلية والنقلية معتمداً لحكماء الإسلام ومرجعاً للعلماء الواجبي الاحترام ، وكانت فصاحة بيانه وطلاقة لسانه خارجة عن درجة التوصيف ، ونهاية تدينه وتقواه عند الأكابر والأصاغر ( معترفاً بها ) .. وفي هذا التاريخ يعني سنة ثلاثين وتسعمائة بلاد بغداد والحلة والنجف معمورة بوجوده الشريف.

نقل كلامه هذا المولى عبدالله الاصفهاني في « رياض العلماء » وعلق عليه يقول:

أقول : في كلامه تأمل : لأن اسمه الشريف هو الشيخ علي بن عبد العالي لاعلاء الدين عبد العالي (٢).

__________________

(١) نسبة إلى كرك نوح أيّ قرية نوح بالسريانية والعبرية ، وفيها قبر يقال أنّه قبر نوح ، وهي من قرى بعلبك في البقاع من لبنان. رأيتها بنفسي. وراجع تاريخ كرك نوح للدكتور حسن نصر الله : ٨٤ وأيضاً : معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية : ١٤٥.

(٢) رياض العلماء ٣ : ٤٤٤.

٥

ثمّ نقل عن « أحسن التواريخ » لحسن بيك روم لو المعاصر للشيخ علي الكركي أنّه قال بشأنه :

لم يسع أحد بعد الخواجة نصير الطوسي في الحقيقة أزيد ممّا سعى الشيخ علي الكركي هذا في إعلاء أعلام المذهب الحقّ الجعفري الاثني عشري ، وكان له في منع الفجرة والفسقة. وزجرهم ، وقلع قوانين المبتدعة وقمعها ، وفي إزالة الفجور والمنكرات ، وإراقة الخمور والمسكرات ، واجراء الحدود والتعزيرات ، واقامة الفرائض والواجبات ، والمحافظة على أوقات الجمعة والجماعات ، وبيان أحكام الصيام والصلوات ، والفحص عن أحوال الأئمة والمؤذّنين ، ودفع شرور المفسدين والمؤذين ، وزجر مرتكبي الفسوق والفجور حسب المقدور ، مساعي جميلة ، ورغب عامة العوام في تعلم الشرائع وأحكام الإسلام وكلفهم بها (١).

وقال : ويلوح من بعض التواريخ الفارسية : أن الشيخ علي الكركي هذا قد دخل بلاد العجم في زمن سلطنة السلطان الشاه إسماعيل .. وفي سنة غلبة السلطان المذكور على شاه بيگ خان ملك الاوزبك ، وذلك بعد ظهور دولة الشاه إسماعيل المذكور بعشر سنين ، وأنه بعد دخول السلطان الشاه إسماعيل إلى هراة في تلك السنة دخل الشيخ علي المذكور في هراة عليه في تلك السنة (٢).

وذكره التفرشي في رجاله فقال : علي بن عبد العالي الكركي « قدس الله روحه » شيخ الطائفة وعلامة وقته ، صاحب التحقيق والتدقيق ، كثير العلم ، نقيّ الكلام ، جيّد التصانيف من أجلاء هذه الطائفة (٣).

وذكره الحرّ العاملي في « أمل الآمل » فقال : الشيخ الجليل علي بن عبد العالي العاملي الكركي ، أمره في الثقة والعلم والفضل ، وجلالة القدر وعظيم الشأن وكثرة التحقيق ، أشهر من أن يذكر.

ثم نقل عن الشهيد الثاني. أنّه أثنى عليه في بعض إجازاته فقال عند ذكره :

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٤٥٠ ، ٤٥١.

(٢) رياض العلماء ٣ : ٤٤٥.

(٣) نقد الرجال : ٢٣٨ للتفرشي ت ١٠١٥ ه‍.

٦

الشيخ الإمام المحقّق المنقّح ، نادرة الزمان ، ويتيمة الأوان (١).

وذكره المجلسي في أول « بحار الأنوار » فقال فيه : أفضل المحققين ، مروّج مذهب الأئمة الطاهرين ، نور الدين علي بن عبد العالي الكركي « أجزل الله تشريفه ، وحشره مع الأئمة الطاهرين » حقوقه على الايمان وأهله أكثر من أن يشكر على أقلها ، وتصانيفه في نهاية الرزانة والمتانة (٢).

وذكره المولى عبدالله الاصفهاني في « رياض العلماء » فقال :

الشيخ الجليل الشهيد زين الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي ، الفقيه المجتهد الكبير ، العالم العلامة ، الملقب بالشيخ العلائي والمعروف بالمحقق الثاني ، شيخ المذهب ، ومخرّب ( مذهب ) أهل النصب والوصب ..

سافر من بلاد الشام ( لبنان ) إلى بلاد مصر وأخذ عن علمائها .. وسافر إلى عراق العرب وأقام بها زماناً طويلاً ، ثمّ سافر إلى بلاد العجم واتصل بصحبة السلطان ، وقد عين له وظائف وادارات كثيرة ، حتى أنّه قرر له سبعمائة توماناً في كلّ سنة بعنوان « السيورغال » في بلاد عراق العرب ، وكتب في ذلك حكماً ، وذكر فيه اسمه في نهاية الاجلال والاحترام (٣).

وقال : وقد كان هذا الشيخ معظماً عند السلطان الشاه طهماسب في الغاية ، وأعطاه وظائف و « سيورغالات » وادارات ببلاد عراق العرب ، وقد نصبه حاكماً في الأمور الشرعية بجميع بلاد ايران ، وأعطاه في ذلك الباب حكماً وكتاباً يقضي منه العجب ، لغاية مراعاة ذلك السلطان لأدبه في ذلك الكتاب (٤).

مشايخه من الخاصّة والعامة :

قال الحرّ العاملي في « أمل الآمل » يروي عن :

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١٢١.

(٢) بحار الأنوار ١ : ٢١ و ٤١.

(٣) رياض العلماء ٣ : ٤٤١.

(٤) رياض العلماء ٣ : ٤٥٠.

٧

١ ـ الشيخ شمس الدين محمَّد بن داود .. ويروي عن :

٢ ـ الشيخ علي بن هلال الجزائري (١) ولم يذكر من الخاصّة غيرهما.

وقال الأفندي في « رياض العلماء » : وقد قرأ « قدس‌سره » وروى عن جماعة من علماء العامّة أيضاً ، على ما صرّح به في إجازاته :

منها ما قاله في إجازته للمولى برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن علي الخونساري الاصفهاني ، على ظهر نسخة من « كشف الغمة لعلي بن عيسى الاربلي » قرأها عليه ، على ما رأيته بخطه الشريف بهذه العبارة :

« وأما كتب أهل السنة في الفقه والحديث : فإني أروي الكثير منها عن مشايخنا وعن مشايخ أهل السنة. فأما روايتي لذلك عن أصحابنا فإنما هي بالاجازة ، وأما عن مشايخ أهل السنة فبالقراءة لبعض ، المكملة بالمناولة ، وبالسماع لبعض ، وبالاجازة لبعض الفقرات ( من ) بعض.

فصحيح البخاري على عدة ، منهم :

١ ـ الشيخ الأجل العلامة أبو يحيى زكريا الأنصاري ، وناولني مجموعة مناولة مقرونة بالاجازة ، وأخبرني : أنّه يروي عن جمع من العلماء :

منهم : قدوة الحفاظ ومحقق الوقت ، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر : قال : أنابه العفيف أبو محمَّد عبدالله بن محمَّد بن محمَّد بن سليمان النيسابوري ، سماعاً لمعظمه وإجازة دائرة. قال : أنابه الوفي أبو إبراهيم بن محمَّد الطبري ، أنابه أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حرقي ، سماعاً إلا شيئاً يسيراً ، قال : أنا به أبو الحسن علي بن حميد ابن عمّار الطرابلسي ، أنا به أبو مكتوم عيسى بن الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي ، قال : أنا به أبي مآل ، أنابه أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن أبي النعيم نعمة بن حسن بن علي بن بيان الصالحي الحجار ، سماعاً لجميعه ، قال : وأنبأت به أم محمَّد ستّ الوزراء وزيرة ابنة عمر بن سعد بن المنجا التنوخية ، سماعاً لجميعه إلا يسيراً ، مجبوراً بالاجازة ، قالت : أنابه أبو عبدالله الحسين بن أبي بكر المبارك بن

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١٢٢.

٨

محمَّد بن يحيى الزبيدي ، سماعاً ، قال : أنابه أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب الشجري الهروي سماعاً عليه لجميعه ، قال : أخبرنا به أبو الحسن عبد الرحمن ابن محمَّد بن المظفر بن داود الداودي ، قال : أنا به أبو محمَّد عبدالله بن حمويه ، أنابه أبو عبدالله محمَّد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الغربري ، قال : أنا به مؤلفه الحافظ الناقد أبو عبدالله محمَّد بن إسماعيل البخاري.

٢ ـ وأما صحيح مسلم : فإني قرأت بعضه على الشيخ العلامة الرحلة عبد الرحمان بن إبانة الأنصاري بمصر في الثاني عشر من شعبان من سنة خمس وتسعمائة ، وناولني باقيه مناولة مناولة مقرونة بالاجازة ، وله إسناد عال مشهور ، بالصحيح المذكور.

٣ ـ وسمعته إلا مواضع بدمشق بالجامع الاموي ، على العلامة الشيخ علاء الدين البصروي ، وأجاز في روايته ، ورواية جميع مروياته.

وكذا سمعت عليه معظم مسند الفقيه الرئيس الأعظم محمَّد بن إدريس الشافعي المطلبي.

وأما موطأ الإمام العالم مالك بن أنس نزيل دار الهجرة المقدسة : فإني أرويه بعدة طرق عن أشياخ علماء الخاصّة والعامة.

وكذا مسند الإمام المحدث الجليل أحمد بن حنبل ، ومسند أبي يعلي ، وسنن البيهقي والدارقطني ، وغير ذلك من المصنفات الكثيرة الشهيرة (١).

فهؤلاء ثلاثة من العامّة ، بالاضافة إلى اثنين من الخاصّة ، فجميع شيوخه خمسة.

تلامذته والراوون عنه :

قال الأفندي في « رياض العلماء » وله « قدس‌سره » جماعة كثيرة من التلامذة من العرب والعجم ، في جبل عاملة ، وفي العراق ، وفي بلاد ايران وغيرها.

١ ـ منهم : السيد الأمير محمَّد بن أبي طالب الاسترابادي الحسيني الموسوي.

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٤٤٩ ، ٤٥٠.

٩

٢ ـ ومنهم : السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترابادي النجفي.

٣ و ٤ ـ ومن تلامذته : الشيخ علي بن عبد العالي الميسي ، والشيخ إبراهيم ولده. وقد ذكره « قده » بعض مؤلفاته في إجازته للشيخ علي بن عبد العالي الميسي والشيخ إبراهيم ولده حيث قال : و « كذلك أجزت رواية ما صنفته وألفته على نزارته وقلته ».

٥ ـ ومن تلامذة الشيخ علي هذا : المولى كمال الدين درويش محمَّد ابن الشيخ حسن العاملي ( النطنزي ) جد والد المولى الاُستاذ ( المجلسي ) من قبل اُمه ، كما صرّح بذلك الاُستاذ المذكور نفسه في « الأربعين » وغيره أيضاً.

٦ ـ ومنهم : الشيخ زين الدين الفقعاني.

٧ ـ والشيخ أحمد بن محمَّد بن أبي جامع العاملي ، وقد كتب له إجازة تاريخها سنة ثمان وعشرين وتسعمائة بالغري.

٨ ـ ومنهم : الشيخ علي المتشار ( زين الدين العاملي صهر شيخنا البهائي شيخ الإسلام باصبهان ).

٩ ـ ومنهم : الشيخ أحمد بن محمَّد بن خاتون العاملي.

١٠ ـ ومنهم : الشيخ نعمة الله بن أحمد بن محمَّد بن خاتون العاملي ( ولده ).

١١ ـ ومنهم الشيخ إبراهيم بن علي بن يوسف الخونساري الاصفهاني ، وقد أجازه بإجازة نقلناها.

١٢ ـ ويظهر من آخر « وسائل الشيعة » للشيخ المعاصر « قده » : أن الشيخ عبد النبي الجزائري أيضاً يروي عن الشيخ علي الكركي هذا ، فتأمل (١).

ونقل حسن بيگ روم لو المعاصر للشيخ علي الكركي هذا ، في تاريخه بالفارسية : حكاية مواضعة الشيخ علي الكركي هذا مع الصدر الكبير الأمير جمال الدين محمَّد الذي كان صدراً ( رئيس الوزراء ) للسلطان الشاه إسماعيل ، والسلطان الشاه طهماسب الصفوي على قراءة الشيخ علي « شرح التجريد الجديد »

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٤٤٢ ، ٤٤٣.

١٠

على الصدر المذكور ، وقراءة ذلك على هذا الشيخ « قواعد الأحكام » للعلامة. فقرأ الشيخ علي عليه درسين من « شرح التجريد الجديد ».

ثمّ تعارض ذلك الصدر : وأما الصدر فلم يقرأ على الشيخ علي « القواعد » أصلاً (١).

١٣ ـ ومنهم : الشيخ علي بن هلال بن علي بن هلال الجزائري العاملي الكركي ، قال الأفندي في « رياض العلماء » رأيت منه إجازة لتلميذه المولى ملك محمَّد الاصفهاني ، ويظهر من تلك الاجازة أنّه يروي عن جماعة .. منهم الشيخ علي ابن عبد العالي الكركي العاملي المشهور. له رسالة في المسائل الفقهيّة العامّة البلوى من كتاب الطهارة ، كتب بعض الأفاضل على هامشها : أن هذا الشيخ توفي في أصفهان يوم الاثنين ثالث عشر شهر ربيع الأول سنة أربع وثمانين وتسعمائة (٢).

وقال فيه السيد الامين العاملي : سكن أصفهان وتوفي فيها عالماً فاضلاً فقيهاً ، يروي عن المحقّق الكركي وكان من تلاميذه ، وهو أبو زوجة الشيخ البهائي. كان شيخ الإسلام في أصفهان وبعد وفاة أستاذه الكركي أصبح شيخ الإسلام على الإطلاق ، وبعده أصبح صهره البهائي على ابنته الوحيدة الفاضلة شيخ الإسلام ، وكان للمترجم خمسة آلاف كتاب كان قد جاء بها من الهند ، فلمّا توفي ورثتها ابنته الوحيدة فأوقفها الشيخ البهائي في المكتبة الكبيرة التي ضاعت بعده لعدم اهتمام المتولين لها. ذكر ذلك الاصفهاني في « رياض العلماء » (٣).

١٤ ـ ومنهم : السيد شرف الدين السماك العجمي (٤).

١٥ ـ وقد انهى صاحب « الحدائق » سلسلة إجازته إلى الفاضل القطيفي عن المحقّق الكركي (٥).

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٤٥٠.

(٢) رياض العلماء ٤ : ٢٨٤.

(٣) أعيان الشيعة ٨ : ٣٦٩ وليس في ترجمة الشيخ علي بن هلال ، ولم أتتبعه في سائر مظانه.

(٤) ذكره ابن العودي ، كما في الدر المنثور ٢ : ١٦٩.

(٥) لؤلؤة البحرين : ١٥٩.

١١

مصنفاته ومؤلفاته :

قال الأفندي في « رياض العلماء » : وقد ذكر « قده » بعض مؤلفاته في أجازته للشيخ علي بن عبد العالي الميسي والشيخ إبراهيم ولده ، حيث قال :

« وكذلك أجزت رواية ما صنفته وألفته على نزارته وقلته ، من ذلك ما خرج من :

١ ـ شرح « قواعد الأحكام » في خمسة مجلدات تخمينا. ومن ذلك :

٢ ـ كتاب النفحات ، أعاد الله من بركاته. ومن ذلك :

٣ ـ الرسالة الجعفرية ، ( في الواجبات والمستحبات من الصلوات اليومية فرغ منها بمشهد سنة ٩١٧ ه‍ ) و :

٤ ـ الرسالة الخراجيّة ( وهي : قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج فرغ منه في ١١ ربيع الثاني ٩١٦ ه‍ ) و :

٥ ـ الرسالة الرضاعية ( فرغ منها في ١١ ربيع الآخر سنة ٩١٦ ه‍ كما في الذريعة ١١ : ١٩٢ ) و :

٦ ـ رسالة الجمعة ( فرغ منها : سنة ٩٢١ ه‍ وفيها نيابة الفقيه عن الحجة في زمن الغيبة ، كما في الذريعة ١٥ : ٧٥ ). وغير ذلك من الرسائل .. ومن ذلك ما خرج من :

٧ ـ حواشي « مختلف الشيعة ». و :

٨ ـ حواشي كتاب « شرايع الإسلام ». و :

٩ ـ حواشي كتاب « ارشاد الأذهان » وغيرها (١).

وقال بعض أفاضل تلامذة الشيخ علي الكركي هذا ، في رسالة ذكر فيها أسامي مشايخنا ما هذا لفظه : ومنهم الشيخ الأجل الرفيع القدر ، شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ علي بن عبد العالي الكركي ، صاحب التعليقات الحسنة والتصانيف المليحة ، فمن تصانيفه : « شرح القواعد » وقد خرج منه ست مجلدات ، إلى بحث التفويض من النكاح ، شرحا لم يعمل قبله أحد مثله ، حل مشكله مع

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٤٤١ ، ٤٤٢.

١٢

تدقيقات حسنة وتوفيقات لطيفة ، خال من التطويل والاكثار ، وشارح لجميع ألفاظه المجمع عليه والمختلف فيه. وله « شرح الإرشاد » و « شرح الشرائع » وكتاب « نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت » ورسائل أخرى : كالجمعة ، و :

١٠ ـ رسالة السبحة ( والخراجية ) ، و :

١١ ـ الخيارية ، و :

١٢ ـ المواتية ، و « الجعفرية » و « الرضاعية » ، و :

١٣ ـ شرح الألفية ( للشهيد الأول في الفقه ).

وقد لازمته مدّة من الزمان وبرهة من الاحيان ، واستفدت من لطائف أنفاسه وأخذت من غرائب أغراسه. أسكنه الله بحبوحة جنانه (١).

والمجلسي في أول « بحار الأنوار » ذكر اسم « نفحات اللاهوت » هكذا : « أسرار اللاهوت في وجوب لعن الجبت والطاغوت » (٢).

وأضاف الحرّ العاملي في « أمل الآمل » من كتبه ورسائله :

١٤ ـ رسالة أقسام الأرضين ، ولعلها هي الخراجيّة ، و :

١٥ ـ رسالة صيغ العقود والايقاعات ، و :

١٦ ـ رسالة السجود على التربة ( المشوية = المطبوخة ألّفها في ١١ ربيع الأول سنه ٩٣٣ ه‍ في النجف رداً على الفاضل القطيفي ) و :

١٧ ـ رسالة الجنائز ، و :

١٨ ـ رسالة أحكام السلام ، و :

١٩ ـ النجمية ( في الكلام ) ، و :

٢٠ ـ المنصورية. ( ولعلها باسم الأمير غياث الدين منصور الشيرازي وزير الشاه طهماسب ) و :

٢١ ـ رسالة في تعريف الطهارة (٣).

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٤٤٣ ، ٤٤٤.

(٢) بحار الأنوار ١ : ٢١.

(٣) أمل الآمل ١ : ١٢١.

١٣

وقال الأفندي في « رياض العلماء » : ومن مؤلفاته أيضاً : كتاب ...

٢٢ ـ المطاعن المحرمية. نسبه إليه ولده الشيخ حسن في كتاب « عمدة المقال في كفر أهل الضلال » ونسبه إليه الشيخ المعاصر ( الحرّ العاملي ) في « الرسالة الاثنى عشرية في الرد على الصوفية » مع أنّه لم يذكره في « أمل الآمل » وقال في تلك الرسالة : ان الشيخ علي هذا ، أورد في ذلك الكتاب أخباراً كثيرة في الرد على الصوفية وذمهم وكفرهم ، وذكر فيه أيضاً وجوها عقلية متعددة في هذا المعنى. وله أيضاً :

٢٣ ـ رسالة في العدالة. و :

٢٤ ـ رسالة في الغيبة. وجواب أسئلة كثيرة ، واجازات كثيرة صغيرة وكبيرة ، و :

٢٥ ـ الرسالة الحجية ، نسبها إليه الصدر الكبير آميرزا رفيع الدين محمَّد في « ردّ شرعة التسمية » للسيد الداماد. وينقل عنها فيه. وقد رأيت نسخة منه مع شرح بعض علماء عصره عليها. وله أيضاً :

٢٦ ـ حاشية على « تحرير الأحكام » للعلامة في الفقه. وينقل عنها الشيخ حسن في فروع « معالم الدين » وصرح بأنه مأخوذ منها في هوامش الكتاب.

وأما رسالة الجمعة فهي داخلة في « شرح القواعد » على ما صرح نفسه به في بحث صلاة الجمعة من « شرح القواعد » وقال : « من أراد أن يفرزها فليفرزها فإنها رسالة برأسها في الحقيقة ». وأودع في تلك الرسالة القول بالوجوب التخييري في صلاة الجمعة في زمن الغيبة ، ولكن مع وجود المجتهد الجامع الشرائط. وكان هو مقيمها لأنّه نائب على القوم.

وقال حسن بيگ روم لو المعاصر للشيخ علي الكركي هذا في تاريخه بالفارسية ( أحسن التواريخ ) : وله أيضاً :

٢٧ ـ الرسالة الكريّة. و :

٢٨ ـ حاشية على « المختصر النافع » للمحقق كلتاهما لم تتما. و :

٢٩ ـ الرسالة في التعقيبات.

١٤

ثم قال الأفندي : والظاهر أن له أيضاً :

٣٠ ـ حاشية كالشرح على اللمعة ، على طريقة « قوله ».

ونقل عن حسن بيگ روم لو : والشرح والحاشية على الارشاد. وعلق عليه يقول :

الظاهر أن الحاشية في قوله « والشرح والحاشية على الإرشاد » من باب العطف التفسيري ، إذا لم أجد من مؤلفاته شرحا آخر على الإرشاد سوى الحاشية عليه ، ويحتمل أن يكون قد اشتبه عليه « شرح الإرشاد » للشهيد الثاني فنسبه أيضاً إلى الشيخ علي هذا.

ثم كتب في تعليقته بخطه : أقول : الحاشية على الإرشاد للشيخ علي ، وشرح الإرشاد لولده الشيخ عبد العالي (١).

قاطعة الّلجاج :

لا يخفى أن المحقّق الكركي (ره) نفسه قد عبر عن رسالته في مقدمتها بما هو نصّه : « توالى على سمعي تصدّي جماعة من المتّسمين بسمة الصلاح وثلة من غوغاء الهمج الرعاء أتباع كلّ ناعق الذين أخذوا من الجهالة بحظ وافر واستولى عليهم الشيطان ، فحلّ منهم في سويداء الخاطر ، لتقريض العرض وتمزيق الأديم ، والقدح بمخالفة الشرع الكريم ، والخروج عن سواء النهج القويم .. وفي زماننا حيث استولى الجهل على أكثر أهل العصر ، واندرس بينهم معظم الأحكام ، وخفيت مواضع الحلال والحرام ، هدرت شقاشق الجاهلين ، وكثرت جرأتهم على أهل الدين ، استخرت الله تعالى وكتبت في تحقيق هذه المسألة « رسالة » على وجه بديع ، تذعن له قلوب العلماء ، ولا تمجّه اسماع الفضلاء ، واعتمدت في ذلك أن أبيّن في هذه المسألة التي أفل بدرها وجهل قدرها ، غيرة على عقائل المسائل ، لا حرصاً على حطام هذا العاجل ،

__________________

(١) رياض العلماء ٣ : ٤٥٠ ـ ٤٥٢.

١٥

ولا تفادياً من تعريض جاهل ؛ فإن بموالينا أهل البيت عليهم‌السلام أعظم اُسوة

وقد ردّ هذه الرسالة الفاضل القطيفي رحمه‌الله الذي هو أحد تلامذة المحقّق الكركي قدس‌سره ـ سماها ب‍ « السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج ».

وأكمل قدوة ، فقد قال الناس فيهم الأقاويل ونسبوا إليهم الأباطيل ، وبملاحظة « لو كان المؤمن في جحر ضب برد كلّ غليل » (١).

وقد ردّ هذه الرسالة الفاضل القطيفي ـ رحمه‌الله ـ الذي هو أحد تلامذة المحقّق الكركي قدس‌سره ـ سمّاها ب‍ « السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج ».

والعلامة الطهراني إذ يؤرّخ المحقّق الكركي من تأليفه رسالته الخراجيّة بسنة ٩١٦ ه‍ (٢) يؤرّخ فراغ الفاضل القطيفي من تأليفه رسالته الردّية « السراج الوهّاج » بسنة ٩٢٤ ه‍ (٣) فالفاصل بينهما ثمان سنين ، وكجواب عن هذه الفترة الفاصلة قال القطيفي :

« ولم أكن ظفرت بها منذ ألّفها إلا مرة واحدة في بلد « سمنان » وما تأملتها إلا كجلسة العجلان ، وأشار إلى من تجب طاعته ( ؟ ) بنقضها ليتخلّق من رآها برفضها ، فاعتذرت ، وما بلغت ( حينئذٍ ) منها حقيقة تعريضه بل تصريحه بأنواع الشنع ، فلمّا تأملته الآن ... مع علمي بأن ما فيها أوهي من نسج العناكب ، فدمع الشريعة على ما فيها من مضادّها ساكب ، وهو مع ذلك لا يألو جهداً بأنواع التعريض بل التصريح ... فاستخرت الله على نقضها وإبانة ما فيها من الخلل والزلل ، ليعرف أرباب النظر الحقّ فيتبعوه والباطل فيجتنبوه ، فخرج الأمر بذلك ، فامتثلت ... » (٤).

أما قبل هذا فقد كان الفاضل القطيفي من تلامذته والمستجيزين منه الحديث

__________________

(١) مقدّمة الكتاب.

(٢) الذريعة ١٧ : ٧ عن نسخة رآها في مكتبة المجلس بطهران.

(٣) الذريعة ١٢ : ١٦٤ ولا يذكر مصدره.

(٤) مقدّمة السراج الوهّاج للقطيفي.

١٦

كما مرّ عن صاحب « الحدائق » (١) ولذلك قال فيه : « والعجب أنّه مع كونه يروي عن الشيخ علي الكركي كانت له معه معارضات ومناقضات .. وقد وقعت بيدي رسالة من رسائله سماها بالرسالة « الحائريّة في تحقيق المسألة السفرية » ذكر في صدر الرسالة المذكورة ما اتفق له مع الشيخ علي في سفره معه للمشهد المقدس الرضوي ، من المسائل التي نسبه فيها إلى الخطأ .. ».

وذكر فيها « اني دخلت يوماً إلى ضريح الرضا عليه‌السلام فوجدته ( الكركي ) هناك فجلست معه ، فاتّفق حضور بقية العلماء الوارثين وزبدة العلماء الراسخين جمال الملة والدين ( ؟ ) فابتدأ بحضوره معترضاً عليّ : لِمَ لَمْ تقبل جائزة الحكام ؟!

فقلت : لأن التعرّض لها مكروه.

فقال : بل واجب أو مستحب.

فطالبته بالدليل.

فاحتجّ بفعل الحسن عليه‌السلام مع معاوية وقال : إنّ التأسيّ إمّا واجب أو مندوب ، على اختلاف المذهبين.

فأجبته عن ذلك واستشهدت بقول الشهيد ( رحمه الله تعالى ) في « الدروس » : « ترك أخذ ذلك من الظالم أفضل ، ولا يعارض ذلك أخذ الحسن عليه‌السلام جوائز معاوية ، لأن ذلك من حقوقهم بالأصالة » (٢).

فمنع ـ أولاً ـ كون ذلك في « الدروس » ثمّ التزم بالمرجوحية. وعاهد الله تعالى هناك أن يقصر كلامه على قصد الاستفادة بالسؤال والافادة بالجواب.

ثمّ فارقته قاصداً إلى المشهد الغروي على أحسن الحال.

فلما وصلت تواترت الأخبار عنه من الثقات وغيرهم بما لا يليق بالذكر ، إلى أن انتهى الأمر إلى دعواه العلم ونفيه عن غيره. فبذلت وسعي بجميع أنواع الملاطفة

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ١٥٩.

(٢) لم نجده في مظانه في الدروس.

١٧

في ( طلب ) رضاه بالاجتماع للبحث والمذاكرة ، فأبى .. ».

وذكر في آخر الرسالة ما صورته : « وإذا فرغت من هذه فأنا مشتغل بنقض رسالته « الخراجيّة » وكشف لَبْس ما رتّبه فيها من « المباحث الاقناعية » وهو ممّا يقضى منه العجب العجيب ، كما لا يخفى ذلك على الموفق الأريب » (١).

التحدي بالمناظرة :

أما قوله : « فبذلت وسعي بجميع أنواع الملاطفة في ( طلب ) رضاه بالاجتماع للبحث والمذاكرة ، فأبى ».

فقد نقله المولى عبدالله الاصفهاني في « رياض العلماء » عن حسن بيگ روم لو المعاصر للشيخ علي الكركي هذا ، في تاريخه بالفارسية « أحسن التواريخ » ما معناه : إن الشيخ إبراهيم القطيفي لما خاصم الشيخ علي الكركي رجع الأمير نعمة الله الحلي ـ الذي كان من تلامذة الشيخ علي الكركي ـ رجع عنه واتصل بالشيخ إبراهيم القطيفي مع جماعة من العلماء في ذلك العصر : كما لمولى حسين الأردبيلي ، والمولى حسين القاضي مسافر وغيرهم ممّن كان بينهم وبين الشيخ علي كدورة. ودافع الأمير نعمة الله الحلي مع الجماعة العلماء دافعوا الشيخ إبراهيم القطيفي على أن يباحث مع الشيخ علي الكركي في مجلس السلطان الشاه طهماسب في مسألة صلاة الجمعة ، ووعده ذلك الجمع من العلماء أن يعاونوه في البحث في المجلس ، وكان يعاونهم في ذلك جماعة من الأمراء أيضاً ، عداوة للشيخ علي ( ! ) ولكن لم يتفق هذا المقصود ولم ينعقد ذلك أصلاً (٢).

السعي عليه عند السلطان :

ونقل المولى عبدالله الاصفهاني في « رياض العلماء » عن حسن بيگ روم لو المعاصر للشيخ علي الكركي هذا ، في تاريخه بالفارسية : « أحسن التواريخ » ما معناه :

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ١٦١ ١٦٣.

(٢) رياض العلماء ٣ : ٤٥٢.

١٨

وكان من غرائب الأمور أن كتب بعض الأشرار مكتوباً مشتملاً على أنواع الكذب والبهتان بالنسبة إلى الشيخ علي ، ورماه إلى دار السلطان الشاه طهماسب في « صاحب آباد » من « تبريز » بجنب الزاوية النصرية ، نسب إليه « قدس‌سره » أنواعاً من المناهي والفسوق ، بخط مجهول لا يعرف كاتبه.

فاجتهد السلطان وبالغ في استعلام الكاتب حتى ظهر أن الأمير نعمة الله المشار إليه كان له اطلاع على ذلك المكتوب ، فانجر الأمر إلى أن أمر السلطان المشار إليه بنفي الأمير نعمة الله من بلد ( الحلة ) إلى بغداد (١).

وكان من جملة الكرامات التي ظهرت في شأن الشيخ علي : أن محمود بيگ المهردار ( صاحب الخاتم ) كان من أشدّ أعداء الشيخ علي وألدّ خصامه.

وفي يوم جمعة في وقت العصر في ميدان « صاحب آباد » في « تبريز » كان يلاعب بالصولجان في حضرة ذلك السلطان.

قال الأفندي : ورأيت في بعض التواريخ الفارسية المؤلفة في ذلك العصر أيضاً :

أن محمود بيگ المخذول المذكور كان قد أضمر في خاطره أنّه بعد ما يفرغ السلطان من لعب الصولجان يذهب إلى بيت الشيخ علي ويقتله بسيفه في ذلك الوقت بعينه. وكان قد تآمر في ذلك مع جماعة من الأمراء المعادين للشيخ علي.

وكان الشيخ علي في ذلك الوقت مشغولاً بقراءة « دعاء السيفي » و « دعاء الانتصاف للمظلوم من الظالم » المنسوب إلى الحسين عليه‌السلام ، وكان على لسانه منه قوله : « قرّب أجله وأيتم ولده » .. وفرغ محمود بيگ من تلك اللعبة وتوجه إلى جانب بيت الشيخ علي ، فذهبت يد فرسه في بئر كانت في عرض الطريق فطاح هو وفرسه في ذلك البئر واندق عنقه وانكسر رأسه واضمحل ومات من ساعته ! (٢).

قال الأفندي : ورأيت ما معناه : حاول الشيخ علي الكركي هذا أن يعيّن قبلة بلدان إيران ويقومها ، وكان يسكن شيراز السيد الأمير غياث الدين منصور ( الحسيني )

__________________

(١) و (٢) أحسن التواريخ : ١٢ : ٢٥٣ ـ ٢٥٦.

١٩

فساءه ذلك واغتاظ أن يرتكب أحد غيره ذلك فيتدخل في الأمور الدينية المتعلقة بالبلد الذي هو فيه ، إذ كان تشخيص الشيخ علي قبلة شيراز تجهيلاً للأمير غياث الدين منصور في الحقيقة ، فلذلك امتنع ومنع ولم يمكنه من ذلك وقال : إن تعيين القبلة منوط بالدائرة الهندية ، وهي متعلقة بأرباب علم الرياضي لا بالفقهاء. فلمّا بلغ هذا المنع إلى الشيخ علي كتب هذه الآية وأرسلها إليه : ( سيقول السفهاء من الناس : وما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟! قل : لله المشرق والمغرب ، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) (١) فلمّا وصل هذا إلى الأمير غياث الدين كتب إليه بهذه الآية : ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل أيّة ما تبعوا قبلتك ، وما أنت بتابع قبلتهم ، وما بعضهم بتابع قبلة بعض. ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انّك إذاً لمن الظالمين ) (٢).

وصار الأمير غياث الدين منصور صدرا ( رئيس الوزراء ) وكانت تبعة الشيخ علي من الأعراب يقومون بحل الاُمور الشرعية وفصلها من غير تقيّد بخطابات ديوان الصدارة ( ديوان رئاسة الوزراء ) وأمثلته ، فقويت العداوة والنزاع بينهما شيئاً فشيئاً حتى آل الأمر إلى المناقشة في مجلس السلطان ، ورجح السلطان جانب الشيخ علي ( ! ) وعزل الأمير غياث الدين منصور عن الصدارة ( رئاسة الوزراء ) ولكن قلّده الشرعيات في كلّ بلاد فارس ( شيراز ) وجعله مستقلاً في عزل القضاة والمتصدين للشرعيات ونصبهم بتلك البلاد وكتب إليه بذلك أحكاما مشتملة على الشفقة والعناية وأرسلها إليه مع خلاع فاخرة (٣).

وللشيخ حسين بن عبد الصمد الحارث الهمداني العاملي الجبعي ( ت ٩٨٤ )

__________________

(١) سورة البقرة : ١٤٢.

(٢) سورة البقرة : ١٤٥.

(٣) رياض العلماء ٣ : ٤٥٤ وكان لقب الأمير ممّا اصطلح به الصفويون على السادة الهاشميين ، كما اصطلحوا بالأمير زاده ومخففه الميرزا علي الهاشمي من قبل أمه. فالأمير غياث الدين منصور حسيني زيدي : وهو الجد الأعلى للسيد علي خان المدني الشيرازي صاحب شرح الصحيفة والدرجات الرفيعة ، كما ذكر ذلك في سلسلة نسبه في كتابه الآخر : سلوة الغريب وأسوة الأديب ، وعته في مقدّمة بحر العلوم للدرجات الرفيعة : ٣ وهو صاحب المدرسة المنصورية في شيراز.

٢٠