تذكرة الفقهاء - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: ٤٠٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله أبي حين مات ، وولي إغماض عينيه ، وقال : ( إنّ الروح إذا خرجت تبعها البصر ) (١).

ولما مات إسماعيل ، والصادق أبوه عليه‌السلام عنده ، شد لحييه وغمضه ، وغطى عليه الملحفة (٢).

ولأنّ فتح عينيه يقبح منظره ، ويحذر معه دخول الهوام إليها ، ولأنّه يكون مشبهاً بالنائم بعد الاغماض.

الثاني : شد لحييه بعصابة عريضة ، لئلا تسترخي لحياه ، وينفتح فوه ، وتدخل الهوام إلى جوفه ، ويقبح بذلك منظره ، ولحديث الصادق عليه‌السلام (٣).

الثالث : تليين مفاصله ، فإن ذلك إبقاء للينها فيرد ذراعيه إلى عضديه ويمدهما ، ويرد فخذيه إلى بطنه ويمدهما ، ورجليه إلى فخذيه ويمدهما ، فإن ذلك يعين الغاسل على تمديده وتكفينه.

الرابع : تجريد ثيابه ، فإنه لا يؤمن معها الفساد ، فإنها تحمية.

الخامس : وضعه على لوح أو سرير ، لأنّه إذا كان على الأرض سارع إليه الفساد ، ونالته الهوام.

السادس : تغطيته بثوب لأنّه أستر له ، وسجّي رسول الله صلّى الله عليه

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٢ : ٦٣٤ / ٩٢٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٦٧ / ١٤٥٤.

٢ ـ التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٢.

٣ ـ التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٢.

٣٤١

وآله بثوب حبرة (١) (٢) ، وغطى الصادق عليه‌السلام ابنه اسماعيل بملحفة (٣).

السابع : مد يديه إلى جنبيه وساقيه إنّ كانتا منقبضتين ، لأنّه أطوع للغاسل.

مسألة ١١٢ : ويسرج عنده ـ إنّ مات ليلاً ـ مصباح إلى الصباح ، لأنّ الباقر عليه‌السلام لما قبض أمر الصادق عليه‌السلام بالسراج في البيت الذي يسكنه ، حتى قبض أبو عبد الله عليه‌السلام ، ثم أمر الكاظم عليه‌السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

وينبغي أن يكون عنده من يذكر الله سبحانه ولا يترك وحده ، لقول الصادق عليه‌السلام : « ليس من ميّت يموت ويترك وحده إلّا لعب الشيطان في جوفه » (٥).

مسألة ١١٣ : المشهور عند علمائنا كراهة ترك حديد أو غيره على بطن الميت (٦).

قال الشيخ : سمعناه مذاكرة (٧) ، ولأنّه أمر شرعي يقف على النقل ، ولم يوجد ، وقال أبو علي بن الجنيد : يضع على بطنه شيئاً ، يمنع من

__________________

١ ـ الحِبَرة : بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة ، ثوب يصنع باليمن من قطن او كتان مجمع البحرين ٣ : ٢٥٦ « حبر ».

٢ ـ صحيح مسلم ٢ : ٦٥١ / ٩٤٢ ، صحيح البخاري ٧ : ١٩٠ ، مسند أحمد ٦ : ١٥٣ و ٢٦٩ ، سنن ابي داود ٣ : ١٩١ / ٣١٢٠.

٣ ـ التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٢.

٤ ـ الكافي ٣ : ٢٥١ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٣ ، الفقيه ١ : ٩٧ ـ ٩٨ / ٤٥٠.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٣٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٩٠ / ٨٤٤.

٦ ـ منهم : ابن البراج في المهذب ١ : ٥٤ ، أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٣٦ ، والمحقق في شرائع الإسلام ١ : ٣٦.

٧ ـ التهذيب ١ : ٢٩٠.

٣٤٢

ربوها (١).

وذهب الجمهور إلى وضع سيف ، أو مرآة ، أو حديدة على بطنه لئلا يعلو ، فإن لم يكن فطين مبلول (٢).

مسألة ١١٤ : ويستحب تعجيل أمره مع تحقق موته بإجماع العلماء ، لقوله عليه‌السلام : ( لا ينبغي لجيفة المسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ) (٣).

ومن طريق الخاصة قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( كرامة الميت تعجيله ) (٤) وقال عليه‌السلام : ( لا ألفين رجلاً منكم مات له ميّت ليلاً فانتظر به الصبح ، ولا رجلاً مات له ميّت فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها ، عجلوا بهم إلى مضاجعهم رحمكم الله ) فقال الناس : وأنت يا رسول الله يرحمك الله (٥).

أمّا مع الاشتباه فلا يجوز التعجيل به حتى تظهر علامات الموت ، ويتحقق العلم به بالإجماع ، قال الصادق عليه‌السلام : « خمسة ينتظر بهم إلّا أن يتغيروا : الغريق ، والمبطون ، والمصعوق ، والمهدوم ، والمدخن » (٦) وسئل عليه‌السلام كيف يستبرأ الغريق؟ قال : « يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن ، إلّا أن يتغير فيغسل ويدفن » (٧).

تذنيب : المصلوب لا يُترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل بعد

____________

١ ـ حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٧١.

٢ ـ المجموع ٥ : ١٢٠ و ١٢٣ ، فتح العزيز ٥ : ١١٤ ، الاُم ١ : ٢٧٤ و ٢٨٠ ، الوجيز ١ : ٧٢ ، الإنصاف ٢ : ٤٦٦ ، المغني ٢ : ٣٠٨.

٣ ـ سنن أبي داود ٣ : ٢٠٠ / ٣١٥٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٨٦ ـ ٣٨٧.

٤ ـ الفقيه ١ : ٨٥ / ٣٨٨.

٥ ـ الفقيه ١ : ٨٥ / ٣٨٩.

٦ ـ الكافي ٣ : ٢١٠ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ / ٩٨٨ ، الخصال : ٣٠٠ / ٧٤.

٧ ـ التهذيب ١ : ٣٣٨ / ٩٩٠ ، وورد في الكافي ٣ : ٢٠٩ / ١ و ٢ نحوه.

٣٤٣

ذلك ويدفن ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل ويدفن » (١).

والميت فجأة كالمصعوق ، والخائف من الحرب ، أو السبع ، أو المتردي من جبل ينتظر به علامات الموت ، كاسترخاء رجليه ، وانفصال كفيه ، وميل أنفه ، وامتداد جلدة وجهه ، وانخساف صدغيه.

مسألة ١١٥ : يستحب إعلام المؤمنين بموته ليتوفروا على تشييعه ـ وبه قال أحمد (٢) ـ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( لا يموت منكم أحد إلّا آذنوني به ) (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان الميت بموته ، فيشهدون جنازته ، ويصلون عليه ، ويستغفرون له ، فيكتب لهم الاجر ، وللميت الاستغفار ، ويكتسب هو الاجر بما اكتسب لهم » (٤).

قال الشيخ في الخلاف : فأما النداء فلا أعرف فيه نصاً (٥).

وكره الشافعي النداء (٦) ، وقال أبو حنيفة : لا بأس (٧). وهو الوجه عندي.

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٢١٦ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٣٥ / ٩٨١.

٢ ـ المغني ٢ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٠٧ ، كشاف القناع ٢ : ٨٤ ، الإنصاف ٢ : ٤٦٧ ، المجموع ٥ : ٢١٦.

٣ ـ سنن النسائي ٤ : ٨٥ ، المستدرك للحكام ٣ : ٥٩١. وفيهما ( إلّا آذنتموني به ).

٤ ـ الكافي ٣ : ١٦٦ / ١ ، التهذيب ١ : ٤٥٢ / ١٤٧٠ ، علل الشرائع : ٣٠١ ، باب ٢٤٠.

٥ ـ الخلاف ١ : ٧٣١ مسألة ٥٦١.

٦ ـ المجموع ٥ : ٢١٥ ـ ٢١٦.

٧ ـ شرح فتح القدير ٢ : ٨٩ ، شرح العناية ٢ : ٩٠ ، المجموع ٥ : ٢١٦.

٣٤٤

المطلب الثاني : الغسل.

وفيه مباحث :

الأول : في الكيفية.

مسألة ١١٦ : غسل الميت المسلم ، وتكفينه ، والصلاة عليه ، ودفنه من فروض الكفايات ، بإجماع العلماء ، فإن أعرابياً سقط عن بعيره فوقص (١) فمات ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اغسلوه بماء وسدر ) (٢).

فيحرم أخذ الاُجرة على الواجب في هذه الاحوال ، لا على المستحب ، ولا يجب على المسلمين بذل ماءً التغسيل ، وثياب التكفين.

وفي غسله ثواب عظيم ، قال الصادق عليه‌السلام : « من غسّل ميتاً فستر وكتم ، خرج من الذنوب كما ولدته امه » (٣).

مسألة ١١٧ : إذا أراد غسله ينبغي أن يفضي به إلى مغتسله ، ويكون ما يلي رجليه منحدراً ، وما يلي رأسه مرتفعاً ، لئلا يجتمع الماء تحته ، ثم يوضع على لوح أو سرير ، لأنّه أحفظ لجسده من التلطخ ، مستقبل القبلة على هيئة الاحتضار. لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن غسل الميت قال : « يستقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة » (٤).

وهل الاستقبال واجب؟ فيه خلاف كالاحتضار.

ويحفر لمصبّ الماء حفيرة يدخل فيها الماء ، فإن تعذر جاز أن يصب الماء إلى البالوعة.

__________________

١ ـ وقص الرجل : كسرت رقبته. الصحاح ٣ : ١٠٦١ « وقص ».

٢ ـ صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ١٢٠٦ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٠ ـ ٢٢١ و ٣٤٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٩٠.

٣ ـ الفقيه ١ : ٨٦ / ٣٩٥.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٤٠ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ / ٨٧٣.

٣٤٥

ويكره صبّه إلى الكنيف ، قال محمد بن الحسن الصفار : وكتبت إلى أبي محمد العسكري عليه‌السلام هل يغسل الميت وماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقّع « يكون ذلك في بلاليع » (١).

مسألة ١١٨ : يستحب أن يغسل في بيت ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد (٢) ـ لأنّه أستر للميت ، وإن لم يكن ستر عليه بثوب ، كراهة للنظر إلى الميت ، لإمكان ان يكون فيه عيب كان يطلب كتمانه ، ولهذا نقول : ان الغاسل ينبغي له أن يكون ثقة صالحاً.

ويستحب أن يكون تحت سقف ولا يكون تحت السماء ، قاله علماؤنا ، وبه قال أحمد (٣).

قالت عائشة : آتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نغسل ابنته ، فجعلنا بينها وبين السقف ستراً (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام : « أن أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت وبين السماء ستر » (٥) يعني اذا غسل. ولعلّ الحكمة كراهة مقابلة السماء بعورته.

مسألة ١١٩ : يستحب تجريد الميت من قميصه ، بأن يفتق جيبه ، وينزع من تحته لئلا يكون فيه نجاسة تلطخ أعالي بدنه ، فإن هذه الحال مظنة النجاسة ، إذ المريض من شأنه ذلك ، خصوصاً عند الموت ، وتستر عورته بمئزر.

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ١٥٠ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤٣١ / ١٣٧٨.

٢ ـ المجموع ٥ : ١٥٩ ، المغني ٢ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٧.

٣ ـ المغني ٢ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٧.

٤ ـ المغني ٢ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٧.

٥ ـ التهذيب ١ : ٤٣٢ / ١٣٨٠.

٣٤٦

واستحب تجريده ابن سيرين ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين (١) لأنّ تجريده أمكن لتغسيله وأبلغ في تطهيره ، ولأن الحيّ إذا اغتسل تجرد فالميت أولى ، ولأنّه إذا غسل في ثوبه ينجس الثوب بما يخرج ، وقد لا يطهر بصب الماء عليه فيتنجس الميت به.

وقال الشافعي : يستحب أن يغسل في قميص خلق رقيق ، ينزل الماء فيه ولا يمنع الوصول إلى بدنه ، ويدخل يده في الكمين فيدلك ظاهر بدنه ، ويصب الماء من فوق القميص ، وإن كان ضيّق الكم خرق رأس التخاريص (٢) حتى يتمكن من الغُسل والدلك ، وإن كان القميص ضيقاً رده وطرح على عورته ما يسترها ـ وهو رواية عن أحمد (٣) ـ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غسل في قميصه وقد أرادوا خلعه ، فنودوا أن لا تخلعوه واستروا نبيكم (٤) ، ويحتمل أن يكون من خواصه للامن في طرفه من تلويث الثوب وتعذر ذلك في غيره.

على أنّه قد روي من طرقنا الغُسل في القميص ، قال الصادق عليه‌السلام : « إنّ استطعت أن يكون عليه قميص تغسل من تحت القميص » (٥) ، وعن العبد الصالح عليه‌السلام : « لا يغسل إلّا في قميص يدخل رجل يده

__________________

١ ـ المجموع ٥ : ١٦١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٥٨ ، اللباب ١ : ١٢٦ ، بُلغة السالك ١ : ١٩٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٣٠ ، الشرح الصغير ١ : ١٩٥ ، الكفاية وشرح العناية ٢ : ٧١ ، المغني ٢ : ٣١٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٥ ، فتح العزيز ٥ : ١١٦ ، الوجيز ١ : ٧٢ ـ ٧٣ ، شرح فتح القدير ٢ : ٧١.

٢ ـ التخريص واحد التخاريص ، وهو ما يوصل به الثوب ليوسعه. تاج العروس ٤ : ٣٩٣ « خرص ».

٣ ـ المجموع ٥ : ١٦١ ، فتح العزيز ٥ : ١١٦ ـ ١١٧ ، الوجيز ١ : ٧٢ ـ ٧٣ ، شرح فتح القدير ٢ : ٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٣٠ ، الاُم ١ : ٢٦٥ ، المغني ٢ : ٣١٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٥ ـ ٣١٦.

٤ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٤١٧ / ١٤٦٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٨٧ ، المستدرك للحاكم ١ : ٣٥٤.

٥ ـ التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٣.

٣٤٧

ويصب عليه من فوقه » (١) ، والجمع الامن وعدمه.

فروع :

أ ـ قال الشيخ في الخلاف : يستحب غسله عرياناً مستور العورة ، إمّا بقميصه ، أو ينزع عنه القميص ، ويترك على عورته خرقة. استدل على التخيير بإجماع الفرقة عملهم (٢).

ومعنى قوله : بقميصه ، أن يخرج يديه من القميص ، ويجذبه منحدراً إلى سرته ، ويجمعه على عورته ، ويجرد ساقيه ، فيصير كالعاري لرواية يونس (٣) عنهم عليهم‌السلام.

ب ـ الأقرب عدم وجوب ستر عورة الصبي الذي يجوز للنساء تغسيله مجرداً ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لأنّ جواز نظر المرأة يدل على جواز نظر الرجل.

ج ـ العورة التي يحرم النظر إليها هي القُبل والدبر ، ويكره ما بين السرة والركبة ، والجمهور على الثاني (٥) ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : ( لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميّت ) (٦).

د ـ لو كان الغاسل أعمى ، أو وثق من نفسه بكف البصر عن العورة ، ولو غلطاً لم يجب الستر ، لأنّ فائدته منع الإبصار ، فإذا انتفت غايته انتفى ،

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣١.

٢ ـ الخلاف ١ : ٦٩٢ مسألة ٤٦٩.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٤١ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ / ٨٧٧.

٤ ـ المغني ٢ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٣ ، الإنصاف ٢ : ٤٨٥.

٥ ـ المجموع ٣ : ١٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ١١٧ ، المغني ٢ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٥.

٦ ـ سنن ابي داود ٣ : ١٩٦ / ٣١٤٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٦٩ / ١٤٦٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٢٥ / ٤ سنن البيهقي ٣ : ٣٨٨.

٣٤٨

لكن يستحب تحفظاً من الغير والغلط.

مسألة ١٢٠ : ويستحب أن يلين أصابعه برفق ، لأنّ انقباض كفه يمنع من الاستظهار على تطهيرها ، وإن تعسرت تركها ، لأنّه لا يؤمن انكسار أعضائه وتحصل المثلة ، وفي بعض رواياتنا يستحب تليين مفاصله (١) ـ وبه قال أحمد (٢) ـ لأنّ ذلك يحصل به اللين ، فيكون أمكن للغاسل في تكفينه وتمديده وتغسيله ، قال : يستحب ذلك في موضعين : عند الموت قبل قسوتها ، وإذا أخذ في غسله (٣).

واستحب المزني معاودة التليين (٤) ، قالت الشافعية : هذا لا يعرفه الشافعي لعدم الفائدة ، فإن الغالب أنّه لا تبقى لينة إلى هذا الوقت (٥).

أما بعد الغُسل فلا تليّن أصابعه ولا مفاصله لعدم الفائدة ، وحكى الشيخ عن الشافعي استحبابه (٦).

مسألة ١٢١ : ويستحب للغاسل أن يلف على يده خرقة ينجيه بها ، وباقي جسده يغسله بلا خرقة عملاً بالأصل.

وأوجب الشافعي وأحمد الخرقة في التنجية ، لأنّ النظر إلى العورة حرام. فاللمس (٧) أولى (٨) ، فإنّ النظر أخف ، ولهذا يتعلق تحريم

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ١٤٠ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ / ٨٧٣.

٢ ـ المغني ٢ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢٢.

٣ ـ المغني ٢ : ٣١٨.

٤ ـ مختصر المزني : ٣٥ ، المجموع ٥ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٢.

٥ ـ المجموع ٥ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٢.

٦ ـ الخلاف ١ : ٦٩٦ مسألة ٤٨٠. واُنظر الاُم ١ : ٢٨٠ ـ ٢٨١ ، والمجموع ٥ : ١٧٦.

٧ ـ في نسخة « م » : فالمس.

٨ ـ المجموع ٥ : ١٧١ ـ ١٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ١١٨ ـ ١١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٣٣٣ ، الاُم ١ : ٢٦٥ و ٢٨٠ ، المغني ٢ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٩.

٣٤٩

المصاهرة والظهار باللمس دون النظر ، ويمنع التحريم مع الحاجة.

قال الشافعي : يعد خرقتين نظيفتين ، إحداهما على يده يغسل بها أسفله وينجّيه ، ثم يرمي بها ، ويأخذ الاُخرى فيغسل بها بقية بدنه ، قال : ولو غسل كلّ عضو منه بخرقة كان أولى ، ولو غسل الخرقة التي نجاه (١) بها ، ثم غسل بها (٢) بدنه جاز (٣).

مسألة ١٢٢ : ويبدأ بغسل فرجه بماء السدر والحرض (٤) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض ، فاغسله ثلاث غسلات » (٥) وهذا على جهة الاستحباب.

ويجب أن يبدأ بإزالة النجاسة عن بدنه إجماعاً ، لأنّ المراد تطهيره ، وإذا وجب إزالة الحكمية عنه فالعينية أولى ، ليكون (٦) ماءً الغُسل طاهراً ، وفي رواية يونس عنهم عليهم‌السلام : « إمسح بطنه مسحاً رفيقاً ، فإن خرج منه شيء فانقه » (٧).

مسألة ١٢٣ : وتجب فيه النيّة على الغاسل ، قاله الشيخ (٨) رحمه الله ، وهو أحد قولي الشافعي ، ومذهب أحمد ، لأنّه عبادة فتجب فيه النيّة ،

__________________

١ ـ وفي نسخة ( م ) : أنجاه.

٢ ـ لم ترد في نسخة ( م ).

٣ ـ المجموع ٥ : ١٧١ ، فتح العزيز ٥ : ١١٨.

٤ ـ الحرض : بضمتين أو إسكان الراء وهو الاشنان بضم الهمزة. مجمع البحرين ٤ : ٢٠٠ ، الصحاح للجوهري ٣ : ١٠٧٠ « حرض ».

٥ ـ الكافي ٣ : ١٤٠ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ / ٨٧٣.

٦ ـ في نسخة ( ش ) : وليكن.

٧ ـ الكافي ٣ : ١٤٢ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ / ٨٧٧.

٨ ـ الخلاف ١ : ٧٠٢ مسألة ٤٩٢.

٣٥٠

والثاني : لا تجب عملاً بالأصل (١) ، لأنّه تطهير من نجاسة الموت ، فهو إزالة نجاسة كغسل الثوب النجس.

مسألة ١٢٤ : ويستحب أن يؤخذ من السدر شيء فيطرح في إجانة ويضرب ضرباً جيداً حتى يرغو ، فتؤخذ رغوته فتطرح في موضع نظيف ، ثم يغسل به رأسه وجسده ، روى معاوية بن عمار قال : أمرني الصادق عليه‌السلام أن أوضيه ثم أغسله بالاشنان ، وأغسل رأسه بالسدر ولحيته ، ثم افيض على جسده منه ، ثم أدلك به جسده (٢) ، فإن تعذر السدر فالخطمي أو ما يقوم مقامه في تنظيف الرأس.

مسألة ١٢٥ : فإذا فرغ شرع في غسله الواجب ، والمشهور عند علمائنا أنّه ثلاث مرات ، مرّة بماء السدر ، والثانية بماء فيه كافور ، والثالثة بالقراح ، لأنّ اُم عطية روت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في ابنته : ( ثم اغسليها ثلاثاً ، أو خمساً ، أو أكثر من ذلك بماء وسدر ، واجعلي في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من الكافور ) (٣).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « يغسل الميت ثلاث غسلات : مرّة بالسدر ، ومرة بالماء يطرح فيه الكافور ، ومرة اُخرى بالماء القراح » (٤) والأمر للوجوب.

وقال بعض علمائنا : الواجب مرّة واحدة بماء القراح ، والباقيتان

__________________

١ ـ المجموع ٥ : ١٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ١١٤ ، الوجيز ١ : ٧٢ ، كفاية الأخيار ١ : ١٠١ ، المغني ٢ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٩.

٢ ـ التهذيب ١ : ٣٠٣ / ٨٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٠٧ / ٧٢٩.

٣ ـ صحيح البخاري ٢ : ٩٣ و ٩٤ و ٩٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٤٦ / ٩٣٩ ، سنن ابي داود ٣ : ١٩٧ / ٣١٤٢ ، سنن النسائي ٤ : ٢٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١٥ / ٩٩٠ ، الموطأ ١ : ٢٢٢ / ٢.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٤٠ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٠٠ / ٨٧٦.

٣٥١

مستحبتان (١) ـ وهو مذهب الجمهور (٢) ـ لأنّه كغسل الجنابة ، وللأصل ، والأول أشهر وأحوط ، فتعين العمل به.

فروع :

أ ـ السدر والكافور لا يبلغ بهما إلى سلب الاطلاق ، لصيرورة الماء مضافاً فلا يفيد التطهير ، بل ينبغي أن يكون في الماء قدر سبع ورقات من سدر.

ب ـ يجب في كلّ غسلة الترتيب فيبدأ برأسه ، ثم بشقه الأيمن ، ثم بشقه الأيسر ، ذهب إليه علماؤنا ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لما توفيت ابنته ـ للنساء : ( إبدأن بميامنها ) (٣).

وقول الصادق عليه‌السلام : « إذا أردت غسل الميت ـ إلى أن قال ـ : وتغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ، ثم سائر جسده ، وابدأ بشقه الأيمن ـ إلى أن قال ـ : فإذا فرغت من غسله فاغسله مرّة اُخرى بماء وكافور وشيء من حنوطه ، ثم اغسله بماء غسلة اُخرى » (٤) ولقول الباقر عليه‌السلام : « غسل الميت مثل غسل الجنب » (٥).

وفي سقوط الترتيب لو غمس في الكثير إشكال.

ج ـ يستحب أن يبدأ بغسل يديه قبل رأسه ، ثم يغسل رأسه ، يبدأ بشقه الأيمن ، ثم الأيسر ، ويغسل كلّ عضو منه في كلّ غسلة ثلاث مرات ، قاله

__________________

١ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٧١.

٢ ـ المجموع ٥ : ١٦٩ ، المغني ٢ : ٣٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢١ ، مغني المحتاج ١ : ٣٣٤ ، شرح فتح القدير ٢ : ٧٣ ، شرح العناية ٢ : ٧٤.

٣ ـ صحيح البخاري ٢ : ٩٣ و ٩٤ صحيح مسلم ٢ : ٦٤٨ / ٩٣٩ ، سنن أبي داود ٣ : ١٩٧ / ٣١٤٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١٦ / ٩٩٠.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٣٩ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ / ٨٧٤.

٥ ـ التهذيب ١ : ٤٤٧ / ١٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ / ٧٣٢ ، الفقيه : ١٢٢ / ٥٨٦.

٣٥٢

علماؤنا ، لقول الصادق عليه‌السلام : « ثم تحول إلى رأسه ، فابدأ بشقه الأيمن من رأسه ولحيته ، ثم تثني بشقه الأيسر » (١) وروى التكرار يونس عن رجاله (٢).

د ـ إذا فرغ من غسل رأسه ، وضعه على جنبه الأيسر ليبدو له الأيمن ، فيغسله في كلّ غسلة من قرنه إلى قدمه ، ثم يضعه على جانبه الأيمن ليبدو له الأيسر ، فيغسل من قرنه إلى قدمه.

هـ ـ لا ينبغي وضع السدر صحيحاً بل مطحوناً ، لأنّ المراد به التنظيف ، والمعد للتنظيف إنّما هو المطحون.

و ـ لا يغسل أكثر من ثلاث مرات ، لأنّه أمر شرعي فيقف على النقل.

وقال الشافعي ، وأحمد : الأفضل أن يغسل ثلاث مرات ، فإن لم يحصل الإنقاء غسل خمس مرات ، أو سبعاً ، وترا لا شفعا (٣) ، لحديث اُم عطية (٤) ، ولم يقدره مالك (٥).

ز ـ لو تعذر السدر أو الكافور أو هما ، ففي سقوط الغسلة بفقدهما نظر أقربه العدم ، لأنّ وجوب الغُسل الخالص يستلزم المطلق.

ح ـ لو غير الترتيب فغسله أولاً بالقراح ، وثانياً بالسدر أو الكافور ، وثالثاً بالآخر ، فعلى قول سلّار (٦) لا بحث ، وعلى قولنا يمكن الطهارة لحصول

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ١٤٠ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ / ٨٧٣.

٢ ـ كذا في الاصلين والصحيح : علي بن ابراهيم عن أبيه عن رجاله عن يونس عنهم عليهم‌السلام كما في الكافي ٣ : ١٤١ / ٥ والتهذيب ١ : ٣٠١ / ٨٧٧.

٣ ـ المجموع ٥ : ١٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٢ ، المغني ٢ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢١ ، الاُم ١ : ٣٣٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣٣٤.

٤ ـ صحيح البخاري ٢ : ٩٣ ـ ٩٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٤٦ / ٩٣٩ ، سنن ابي داود ٣ : ١٩٧ / ٣١٤٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١٥ / ٩٩٠ ، الموطأ ١ : ٢٢٢ / ٢ ، سنن النسائي ٤ : ٢٨.

٥ ـ بداية المجتهد ١ : ٢٣٠ ، الشرح الصغير ١ : ١٩٥ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٣ ، الاُم ١ : ٢٦٤.

٦ ـ راجع المعتبر : ٧١.

٣٥٣

الانقاء المقصود من الغسلات ، والعدم لمخالفة الأمر.

ط ـ الواجب عند أكثر علمائنا جعل السدر في الغسلة الاُولى خاصة ، والكافور في الثانية خاصة (١).

وقال الشافعي : يجعل السدر في الاُولى استحباباً ، وهل يحصل بها التطهير؟ عنده وجهان : المنع لتغيير الماء بالسدر ، والطهارة لأنّ المراد الإنقاء والتنظيف ، وهي أبلغ فيه ، فعلى الأول لا تحسب من الثلاث ، بل يستحب صب الماء القراح عليه بعدها ثلاثاً ، وفي وجه : تحتسب.

وعلى تقدير عدم الاحتساب ففي احتساب الثانية بالقراح من الثلاث ، وجهان : العدم عند الأكثر لامتزاج الماء بما على المحل من السدر الذي في الغسلة الاُولى ، والمحسوب الغسلات بعد زوال السدر (٢) ، وعندنا أن إطلاق الماء باق ، وقال أحمد : يجعل السدر في الثلاث (٣).

أما الكافور فعندنا أنّه في الثانية وجوبا ، وعند الشافعي وأحمد يستحب جعله في الثالثة (٤) ، القول النبيّ صلّى اله عليه وآله لام عطية : ( واجعلي في الأخيرة كافوراً ) (٥) ، ولأنّه يبرد ويطيب ريحه.

ي ـ لو لم يجد السدر ففي تغسيله بما يقوم مقامه من الخطمي ونحوه

__________________

١ ـ منهم الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٢ والمبسوط ١ : ١٧٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٦٤ ، والمحقق في المعتبر : ٧١.

٢ ـ المجموع ٥ : ١٧٣ ـ ١٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ١٢١ ـ ١٢٢.

٣ ـ المغني ٢ : ٣٢٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢٠.

٤ ـ المجموع ٥ : ١٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٢ ـ ١٢٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٣٤ ، المغني ٢ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ١ : ٣٢٤.

٥ ـ صحيح البخاري ٢ : ٩٣ ـ ٩٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٤٦ / ٩٣٩ ، سنن أبي داود ٣ : ١٩٧ / ٣١٤٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١٥ / ٩٩٠ ، الموطأ ١ : ٢٢٢ / ٢ ، سنن النسائي ٤ : ٢٨.

٣٥٤

إشكال ـ قال به أحمد (١) ـ لحصول المقصود منه. ولعدم التنصيص.

ولو غسله بذلك مع وجود السدر لم يجز.

وقال أحمد : يجوز لأنّ المعنى ـ وهو التنظيف ـ موجود ، والحكم يتعدى في كلّ ما وجد فيه المعنى (٢).

ولو غسله بالقراح من غير سدر وكافور لم يجز أيضاً ، وهو يحصل التهطير؟ إشكال.

والغريق يغسل عندنا واجباً ، ويلزم سلار العدم ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : [ لا يجزئ ) (٣) لعدم النيّة (٤).

يا ـ لا فرق بين الرجل والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير في الغسل.

مسألة ١٢٦ : يستحب مسح بطنه في الغسلتين الأولتين قبلهما مسحاً رفيقاً ، لخروج ما لعله بقي مع الميت ، لاسترخاء الأعضاء ، وعدم القوة الماسكة ، وبقاؤه يؤدي إلى خروجه بعد الغُسل ، فيؤذي الكفن.

أما الحامل فلا يمسح بطنها خوفاً من الإجهاض.

ولا يمسح في الثالثة بإجماع علمائنا ، لأنّ المطلوب يحصل بالمرتين ، ورواية يونس (٥) عنهم عليهم‌السلام ، فإنها تضمنت المسح في الثانية.

__________________

١ ـ المغني ٢ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢١.

٢ ـ المغني ٢ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢١.

٣ ـ ورد في نسختي ( ش ) و ( م ) : لا يجوز ، والصحيح ما أثبتناه.

٤ ـ المجموع ٥ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ١١٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣٣٢.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٤١ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ / ٨٧٧.

٣٥٥

وقال الشافعي ، وأحمد : يمسح في الثالثة أيضاً (١) ، قال الشافعي : ولا يمسح بعد الثالثة (٢) ، لجواز أن يخرج منه شيء فيحتاج إلى غسله مرّة ثانية.

مسألة ١٢٧ : إذا خرج من الميت شيء بعد غسله ثلاثاً فإن لم يكن ناقضاً غسل ، وإن كان أحد النواقض فلعلمائنا قولان : قال ابن أبي عقيل : يعاد الغُسل (٣) ـ وبه قال ابن سيرين ، وإسحاق ، والشافعي في أحد أقواله (٤) ـ إذ القصد في غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة.

وظاهر كلام باقي علمائنا : غسل النجاسة حسب (٥) ـ وهو أحد أقوال الشافعي ، والثوري ، ومالك ، وأبي حنيفة (٦) ـ لأنّ خروج النجاسة من الحيّ بعد غسله لا يبطل ، كذلك الميت ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « إن بدا منه شيء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه ولا تُعيد الغُسل » (٧).

وقال أبو إسحاق من الشافعية : الواجب أن يوضّئه للصلاة ولا يعيد غسله كالحي (٨).

__________________

١ ـ المجموع ٥ : ١٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٣٦ ، المغني ٢ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٨ ، المحرر في الفقه ١ : ١٨٥.

٢ ـ اُنظر المهذب للشيرازي ١ : ١٣٦.

٣ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٧٣.

٤ ـ المجموع ٥ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٣ ، المغني ٢ : ٣٢٥.

٥ ـ منهم الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٨١ ، والمحقق في المعتبر : ٧٣ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٥٩ ، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٥١.

٦ ـ المجموع ٥ : ٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٣ ، المغني ٢ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، اللباب ١ : ١٢٧.

٧ ـ التهذيب ١ : ٤٤٩ / ١٤٥٦.

٨ ـ المجموع ٥ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٣.

٣٥٦

البحث الثاني : في الغاسل

مسألة ١٢٨ : الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ ، والنساءُ النساءَ ، وليس للرجل غسل المرأة إلّا بأحد أسباب :

أحدها : الزوجية ، فللزوج غسل زوجته اختياراً عند أكثر علمائنا (١) ، ـ وبه قال عطاء ، وجابر بن زيد ، وسليمان بن بشار ، وأبوسلمة بن عبدالرحمن ، وعلقمة ، وقتادة ، وأبوالشعثا ، وحماد ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وداود ، وزفر ، وأحمد في أصح الروايات عنه (٢) ـ لأنّ فاطمة عليها‌السلام أوصت أن تغسلها أسماء بنت عميس ، وعلي عليه‌السلام ، فكان علي عليه‌السلام يصب الماء عليها (٣) ، واشتهر ذلك في الصحابة ، ولم ينكره أحد ، فكان إجماعاً ، وسئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يخرج إلى السفر ومعه امرأته يغسلها؟ قال : « نعم ، واُخته ، ونحو هذا ، ويلقي على عورتها خرقة » (٤).

وللشيخ قول أخر بالمنع ، إلّا مع عدم النساء من وراء الثياب (٥) ، وبه

__________________

١ ـ منهم : الصدوق في المقنع : ٢٠ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٧٥ ، وابن البراج في شرح جمل العلم والعمل : ١٥٤ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٣٧ ، وسلار في المراسم : ٥٠ ، والمحقق في شرائع الإسلام ١ : ٣٧ ، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٥٠.

٢ ـ المجموع ٥ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٤ ، الوجيز ١ : ٧٣ ، الاُم ١ : ٢٧٣ ، سبل السلام ٢ : ٥٥٠ و ٥٥١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧١ ، شرح فتح القدير ٢ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١١ ، القوانين الفقهية : ٩٢.

٣ ـ سنن البيهقي ٣ : ٣٩٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٧٩ / ١٢ ، كشف الغمة ١ : ٥٠٠ ، دعائم الإسلام ١ : ٢٢٨.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٥٨ / ٨ ، التهذيب ١ : ٤٣٩ / ١٤١٨ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ / ٦٩٩ ، الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٣.

٥ ـ التهذيب ١ : ٤٣٩ ذيل الحديث ١٤٢٠ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ ، ذيل الحديث ٧٠١.

٣٥٧

قال أبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو يوسف (١) ، ومحمد ، وأحمد في رواية ، لأنّ الموت فرقة تبيح الاُخت ، والرابعة سواها ، فحرمت اللمس والنظر ، كما لو طلقها قبل الدخول (٢).

وقياسهم باطل ، لأنّه يمنع الزوجة من النظر إلى الزوج ، وهنا بخلافه.

فروع :

أ ـ لو طلقها ثم ماتت ، فإن كان رجعياً حلّ له تغسيلها ، لبقاء حكم الزوجية ، ولهذا تعتد للوفاة ويتوارثان ـ وروى المزني على الشافعي التحريم (٣) ـ وإن كان بائناً لم يجز.

ب ـ لا فرق بين الزوجة الحرة والامة ، والمكاتبة والمستولدة.

ج‍ ـ لو ماتت زوجة غير مدخول بها جاز له غسلها ، كالمدخول بها ، فإن المتقضي ـ وهو الزوجية ـ مشترك ، وقال بعض الجمهور : لا يجوز للفرقة وليس بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معنى الزوجية (٤) ، وهو غلط.

د ـ لو كانت ذمية لم يجز له غسلها ، لأنّ المسلم لا يغسل الكافر.

السبب الثاني : الملك ، فيجوز للسيد غسل أمته ، ومدبرته ، وام ولده ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّهن في معنى الزوجة في اللمس والنظر

____________

١ ـ في نسخة ( م ) : وأبو ثور ، ولم نجد لهما ذكراً بحدود المصادر المتوفرة عندنا.

٢ ـ المجموع ٥ : ١٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٤ ، شرح فتح القدير ٢ : ٧٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٨ ، الوجيز ١ : ٧٣ ، المغني ٢ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١١.

٣ ـ مختصر المزني : ٣٦.

٤ ـ المغني ٢ : ٣٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٢.

٥ ـ المجموع ٥ : ١٥٣ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٥ ، الوجيز ١ : ٧٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٣٤.

٣٥٨

والاستمتاع ، فكذلك في الغُسل ، ويلزمه النفقة عليها بحكم الملك ، فكان له تغسيلها كالحرة ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، لأنّ له أن يطأ اختها في هذه الحال فأشبهت الاجنبية (١).

فروع :

أ ـ الأقوى أن المكاتبة كالأجنبية ، لتحريمها على المولى بعقد الكتابة ، سواء كانت مطلقة أو مشروطة.

ب ـ لو كانت الامة مزوجة أو معتدة لم يكن للسيد تغسيلها.

ج ـ لو انعتق بعضها فكالحرة ، أما المولى منها من الزوجات والاماء ، أو المظاهر منها ، فإنهن كالزوجات ، والمرتدة كالزوجة يغسلها الزوج.

السبب الثالث : المحرمية ، وللرجل أن يغسل من ذوي أرحامه محارمه من وراء الثياب عند عدم الزوج والنساء ، نعني بالمحارم من لا يجوز للرجل نكاح واحدة منهن نسباً أو رضاعاً ، كالبنت والاُخت ، والعمة والخالة ، وبنت الاخ وبنت الاُخت ، ذهب إليه علماؤنا ، لتسويغ النظر إليهن في الحياة. ومنع الجمهور ذلك (٢) ، وكلام الشافعية يعطي الجواز ـ وبه قال مالك ، ومحمد (٣) ـ عند الضرورة (٤).

____________

١ ـ شرح فتح القدير ٢ : ٧٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧١ ، المجموع ٥ : ١٥٣ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٥.

٢ ـ المجموع ٥ : ١٥١ ، المغني ٢ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٣ ، الحجة على أهل المدينة ١ : ٣٥٨ ، المنتقى للباجي ٢ : ٥.

٣ ـ في نسخة ( م ) : أحمد. وما أثبتناه من ( ش ) هو الصحيح وكما في المصادر ، اُنظر المغني ٢ : ٣٩٦ والشرح الكبير ٢ : ٣١٣.

٤ ـ المجموع ٥ : ١٥١ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٨ ، مغني المحتاج ١ : ٣٣٥ ، الوجيز ١ : ٧٣ ، المغني ٢ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٣ ، المدونة الكبرى ١ : ١٨٦ ، القوانين الفقهية : ٩١.

٣٥٩

وأما من ليس من المحارم من ذوي الأرحام ، كبنت العم ، وبنت الخال ، فإنهن كالاجنبيات.

مسألة ١٢٩ : لو ماتت امرأة وليس هنالك إلّا الأجنبي ، قال علماؤنا : تدفن بثيابها ، ولا يغسلها الأجنبي ، ولا ييممها ، لتحريم النظر واللمس في حال الحياة ، فكذا الموت ، ولقول الصادق عليه‌السلام في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلّا النساء قال : « يدفن ولا يغسل ، والمرأة تكون مع الرجال في تلك المنزلة تدفن ولا تغسل » (١).

وللشافعي وجهان ، أحدهما : أنهم يغسلونها في ثيابها ، ويلف الغاسل خرقة على يده ، ويغض الطرف إلّا لضرورة ، وأظهرهما : أنها لا تغسل ولكن تيمم (٢).

وفقد الغاسل كفقد الماء ، وبهذا قال مالك ، وأبو حنيفة (٣) ، وعن أحمد روايتان كالوجهين (٤).

وقد روى أصحابنا أنهم يغسلون منها محاسنها : يديها ، ووجهها ، لأنّها مواضع التيمم (٥) ، قال الشيخ : والمنع أحوط (٦). وروي عن الباقر عليه

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ١٥٨ / ٧ ، التهذيب ١ : ٤٣٨ / ١٤١٤ ، الاستبصار ١ : ١٩٧ / ٦٩٣.

٢ ـ المجموع ٥ : ١٤١ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦ ، الوجيز ١ : ٧٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٤.

٣ ـ المجموع ٥ : ١٥١ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦ ، المدونة الكبرى ١ : ١٨٦ ، شرح فتح القدير ٢ : ٧١ و ٧٦.

٤ ـ المغني ٢ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٤ ، المجموع ٥ : ١٥١ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٥٩ / ١٣ ، الفقيه ١ : ٩٥ / ٤٣٨ ، التهذيب ١ : ٤٤٢ / ١٤٢٩ ، الاستبصار ١ : ٢٠٢ / ٧١٤.

٦ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٧٥.

٣٦٠