تذكرة الفقهاء - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: ٤٠٦

عليه وآله فأمرها أن تغتسل لكلّ صلاة (١) ، وهو محمول على الكثرة ، وتحمل الصلاة على الواحدة وما ماثلها كالظهرين والعشاء‌ين.

وقالت عائشة : تغتسل كلّ يوم غسلاً ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وروي عن ابن عمر (٢) ، فإن سعيد بن المسيب روى أنها تغتسل من ظهر إلى ظهر (٣) قال مالك : إني أحسب أن حديث ابن المسيب إنّما هو من طهر إلى طهر ولكن الوهم دخل فيه ، يعني أنّه بالطاء غير المعجمة فابدلت بالظاء المعجمة (٤).

وقال بعضهم : تجمع بين كلّ صلاة جمع بغسل وتغتسل للصبح لحديث حمنة (٥) ، وسيأتي ، وبه قال عطاء ، والنخعي (٦) وهو مذهبنا في القسم الثالث ، وهو الدم الكثير ، وسيأتي.

مسألة ٩١ : وإن كثر الدم حتى غمس القطنة ولم يسل وجب عليها الغُسل لصلاة الغداة خاصة ، والوضوء لكلّ صلاة ، وتغيير القطنة والخرقة عند كلّ صلاة ، ذهب إليه أكثر علمائنا (٧) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « فإن لم يجز

__________________

١ ـ صحيح البخاري ١ : ٨٩ ـ ٩٠ صحيح مسلم ١ : ٢٦٣ / ٣٣٤ ، سنن الترمذي ١ : ٢٢٩ / ١٢٩ ، سنن النسائي ١ : ١٨١ ـ ١٨٢ ، سنن أبي داود ١ : ٧٧ / ٢٨٩ ـ ٢٩١ ، سنن الدارمي ١ : ١٩٦ و ٢٢١ ، سنن البيهقي ١ : ٣٢٧.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٣٦ ، المغني ١ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩٩ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٧٧ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٩٠.

٣ ـ سنن ابي داود ١ : ٨١ / ٣٠١ ، المجموع ٢ : ٥٣٦ ، المغني ١ : ٤٠٨ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٧٧ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٩٠.

٤ ـ سنن أبي داود ١ : ٨١ ، ذيل الحديث ٣٠١ ، المغني ١ : ٤٠٨.

٥ ـ سنن الترمذي ١ : ٢٢١ / ١٢٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ / ٦٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٨١ ، سنن الدارقطني ١ : ٢١٤ / ٤٨ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٢ و ١٧٤ ، سنن البيهقي ١ : ٣٣٨.

٦ ـ المغني ١ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠٠.

٧ ـ منهم المفيد في المقنعة : ٧ ، والسيد المرتضى في الناصريات : ٢٢٤ مسألة ٤٥ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٦٧.

٢٨١

الكرسف فعليها الغُسل كلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة » (١).

وقال ابن أبي عقيل منّا : عليها ثلاثة أغسال (٢) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « المستحاضة إذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلاً ، وتغتسل للفجر وتحتشي وتستثفر ولا تحني ، وتضم فخذيها في المسجد » (٣) وهو محمول على السيلان.

مسألة ٩٢ : وإن سال الدم فعليها ثلاثة أغسال ، غسل للظهر والعصر تجمع بينهما ، وتؤخر الظهر وتقدم العصر ، وغسل للمغرب والعشاء كذلك ، وغسل لصلاة الغداة ، وإن كانت متنفلة اغتسلت غسل الغداة لها ولصلاة الليل ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال عطاء ، والنخعي (٤) ـ لما تقدم في حديث الصادق عليه‌السلام (٥) ، ورواه الجمهور في حديث حمنة (٦) ، وسيأتي.

واكثر الجمهور ـ كالشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ـ قالوا : على المستحاضة الوضوء لكلّ صلاة ، ولا يجب الغُسل وإن كثر دمها (٧) ، لقوله عليه‌السلام لفاطمة بنت أبي حبيش : ( إنّما ذلك عرق وليست بالحيضة ،

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٨٩ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٠ / ٤٨٥.

٢ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٦٥.

٣ ـ الكافي ٣ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧.

٤ ـ المغني ١ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

٥ ـ الكافي ٣ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧.

٦ ـ سنن الترمذي ١ : ٢٢٢ و ٢٢٥ / ١٢٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ / ٦٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، أبي داود ١ : ٧٦ ـ ٧٧ / ٢٨٧ ، سنن الدارقطني ١ : ٢١٤ / ٤٨ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٢ و ١٧٤.

٧ ـ المجموع ٢ : ٥٤١ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٥ ، المغني ١ : ٤٠٨ ، مسائل أحمد : ٢٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧ ، اللباب ١ : ٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٦٠ ، المحلى ١ : ٢٥٢.

٢٨٢

فإذا أقبلت فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ، وتوضئي لكلّ صلاة ) (١) ، وهو محمول على القسم الاول.

وقال عكرمة ، وربيعة ، ومالك : إنّما عليها الغُسل عند انقضاء حيضها ، وليس عليها للاستحاضة وضوء (٢) ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة بنت أبي حبيش : ( فاغتسلي وصلي ) (٣) ولم يذكر الوضوء لكلّ صلاة ، وهو حوالة على العموم.

فروع :

أ ـ يجب على هذه تغيير القطنة والخرقة عند كلّ صلاة ، لإمكان الاحتراز عن النجاسة بذلك فيجب.

ب ـ قال المفيد : تصلّي هذه بوضوئها وغسلها الظهر والعصر معاً على الاجتماع ، وتفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء ، وكذا في صلاة الليل والغداة (٤).

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٤ / ٦٢٤ ، سنن أبي داود ١ : ٨٠ / ٢٩٨ ، سنن الدارقطني ١ : ٢١٢ / ٣٥ ـ ٣٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣٤٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٥ ، صحيح البخاري ١ : ٨٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٢ / ٣٣٣ ، مسند أحمد ٦ : ٨٣ ، الموطأ ١ : ٦١ / ١٠٤ ، سنن النسائي ١ : ١٢٢ و ١٨٥ و ١٨٦ ، سنن الترمذي ١ : ٢١٧ / ١٢٥.

٢ ـ بداية المجتهد ١ : ٦٠ ، المجموع ٢ : ٥٣٥ ، المغني ١ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٨٩ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٩٠ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٧٧.

٣ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٦٢ / ٣٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٣ / ٦٢١ ، سنن النسائي ١ : ١٢٢ و١٨٥ ـ ١٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ٧٤ / ٢٨٢ ، الموطأ ١ : ٦١ / ١٠٤ سنن البيهقي ١ : ٣٤٣ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٠٦ / ١ و ٢ ، وفيها : فاغسلي عنك الدم وصلي.

٤ ـ المقنعة : ٧.

٢٨٣

واقتصر الشيخ على الاغتسال ، وكذا المرتضى ، وابنا بابويه (١).

وابن إدريس أوجب الوضوء لكلّ صلاة (٢) وهو حسن ، وعبارة علمائنا لا تنافي ذلك ، وقول بعضهم : إنّ الباقر عليه‌السلام قال : « فلتغتسل ولتستوثق من نفسها ، وتُصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت » (٣) والتفصيل قاطع للشركة (٤) ، لا حجة فيه ، إذ قطع الشركة يحصل بإيجاب الغُسل وعدمه.

ج ـ قال بعض علمائنا : إذا اجتمع الوضوء والغسل توضأت للاستباحة واغتسلت لرفع الحدث ، تقدم الوضوء أو تأخر ، إذ الحدث باق مع التقدم ، ومع التأخر يرتفع الحدث بالغسل (٥). والحق تساويهما في النيّة لاشتراكهما في علية رفع الحدث.

مسألة ٩٣ : يجب على المستحاضة الاستظهار في منع الدم والتوقي منه لأنّه حدث دائم كالسلس ، لا يمنع الصوم والصلاة فتغسل فرجها قبل الوضوء أو التيمم إنّ كانت تتيمم ، وتحشوه بخرقة ، أو قطنة ، فإن كان الدم قليلاً يندفع به فلا بحث ، وإلّا تلجمت مع ذلك بأن تشد على وسطها خرقة كالتكة وتأخذ خرقة اُخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحداهما قدامها والاُخرى وراء‌ها وتشدهما بتلك الخرقة.

وهو واجب إلّا مع التضرر بالشد ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لحمنة بنت جحش : ( أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم ) قالت : هو أكثر

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٧ ، الناصريات : ٢٢٤ مسألة ٤٥ ، الفقيه ١ : ٥٠.

٢ ـ السرائر : ٣٠.

٣ ـ التهذيب ١ : ١٦٩ / ٤٨٣.

٤ و ٥ ـ القائل هو المحقق في المعتبر : ٦٦.

٢٨٤

من ذلك ، قال : ( فتلجمي ) قالت : هو أكثر من ذلك ، قال : ( فاتخذي ثوباً ) (١).

وقول الصادق عليه‌السلام : « تحتشي وتستثفر » (٢) ، والاستثفار والتلجم واحد. وإذا فعلت ذلك في صلاة وجب عليها فعله في الاُخرى ، وللشافعي وجهان (٣).

تذنيب : صاحب السلس ومن به البطن يجب عليهما الاستظهار في منع النجاسة بقدر الإمكان ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا كان الرجل يقطر منه الدم والبول إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطناً ثم علقه عليه ، وأدخل ذكره فيه ، ثم صلّى ، يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واقامتين ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء ، بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح » (٤).

وقال بعض المتأخرين منّا : لا يجب على من به السلس أو الجرح الذي لا يرقأ أن يغير الشداد عند كلّ صلاة ، وإن وجب ذلك في المستحاضة لاختصاص المستحاضة بالنقل ، والتعدي قياس (٥). وليس بجيد ، إذ الاحتراز من النجاسة واجب.

مسألة ٩٤ : لا تجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء واحد عند علمائنا ، سواء كانا فرضين أو نفلين ، لقوله عليه‌السلام لحمنة : ( توضئي

__________________

١ ـ سنن الترمذي ١ : ٢٢١ / ١٢٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ / ٦٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٨١ ، سنن الدارقطني ١ : ٢١٤ / ٤٨ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٢ و ١٧٤ ، سنن البيهقي ١ : ٣٣٨.

٢ ـ الكافي ٣ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٣٤.

٤ ـ الفقيه ١ : ٣٨ / ١٤٦ ، التهذيب ١ : ٣٤٨ / ١٠٢١.

٥ ـ هو المحقق في المعتبر : ٦٧.

٢٨٥

لكل صلاة ) (١) ، ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « وصلّت كلّ صلاة بوضوء » (٢) ولأن الدم ناقض وهو متجدد فتنتقض الطهارة به ، وسقط اعتباره بالنسبة إلى الصلاة الواحدة دفعا للمشقة ، وخلاصا عن تكليف ما لا يطاق.

وقال الشافعي : تتوضأ لكلّ صلاة فريضة ، ولا تجمع بين فريضتين بطهارة واحدة ، وتُصلّي مع الفريضة النوافل (٣) ، لقوله عليه‌السلام في المستحاضة : ( تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتُصلّي ، وتتوضأ عند كلّ صلاة ) (٤) وهو حجة لنا.

وقال أبو حنيفة ، وأحمد : تجمع بين فريضتين في وقت واحد (٥) ، وتبطل طهارتها بخروج وقت الصلاة ، لأنّه عليه‌السلام قال لفاطمة بنت أبي حبيش : ( توضئي لوقت كلّ صلاة ) (٦) ولا حجة فيه ، إذ وقت كلّ صلاة ما يفعل فيه.

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٤ / ٦٢٤ ، سنن أبي داود ١ : ٨٠ / ٢٩٨ ، سنن الدارقطني١ : ٢١٢ / ٣٥ ، سنن البيهقي ١ : ٣٤٥ ، والحديث في المصادر عن فاطمة بنت أبي حبيش.

٢ ـ الكافي ٣ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٣٥ و ٥٤١ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٥ ، مغني المحتاج ١ : ١١٢ ، عمدة القارئ ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩٢.

٤ ـ سنن أبي داود ١ : ٨٠ / ٢٩٧.

٥ ـ شرح فتح القدير ١ : ١٥٩ ، شرح العناية ١ : ١٥٩ ، اللباب ١ : ٤٦ ، المغني ١ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩٢ ، المجموع ٢ : ٥٣٥.

٦ ـ اُنظر سنن البيهقي ١ : ٣٤٤ ، سنن الترمذي ١ : ٢١٨ / ١٢٥.

٢٨٦

وقال ربيعة ، ومالك ، وداود : لا وضوء على المستحاضة (١) ، لأنّه عليه‌السلام قال لاُم حبيبة بنت جحش : ( إنّ هذه ليست بالحيضة ، ولكن هذا عرق ، فاغتسلي وصلي ) (٢) ولم يأمرها بالوضوء. ويعارضه ما تقدم ، والإهمال للعلم بالحكم.

وقال الأوزاعي ، والليث : تجمع بطهارتها بين الظهر والعصر لأنّ لها أن تجمع بين نوافل ، فجاز أن تجمع بين فرائض كغير المستحاضة (٣). والحكم في الأصل ممنوع.

فروع :

أ ـ صاحب السلس والمبطون يتوضآن لكلّ صلاة ، ولا يجمعان بين صلاتين بوضوء واحد ، لوجود الحدث.

ب ـ المبطون إذا تمكن من تحفّظ نفسه في وقت الصلاة وجب إيقاعها فيه ، وإن لم يتمكن توضأ وصلّى ، فإن فجأه الحدث ، قيل : يتطهر ويبني (٤) ، والأقوى عدم الالتفات كالسلس.

ج ـ قال الشيخ في المبسوط : ولو توضأت بعد وقت الصلاة غير

__________________

١ ـ بداية المجتهد ١ : ٦٠ ، المجموع ٢ : ٥٣٥ ، شرح النووي لصحيح مسلم ١ : ٣٨٨ ، عمدةالقارئ ٣ : ٢٧٧ ، سبل السلام ١ : ١٠٠ ، المحلى ١ : ٢٥٣ ، المغني ١ : ٣٨٩.

٢ ـ صحيح البخاري ١ : ٨٩ ـ ٩٠ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٣ / ٣٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ / ٦٢٦ ، سنن ابي داود ١ : ٧٣ / ٢٨١ و ٧٧ / ٢٨٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣٤٨ و ٣٤٩ و ٣٥٠ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٣ ، مسند أحمد ٦ : ٨٣ ، سنن النسائي ١ : ١٢١ و ١٨١ و ١٨٢ ، سنن الترمذي ١ : ٢٢٩ / ١٢٩.

٣ ـ مصنف ابن أبي شيء بة ١ : ١٢٧ ـ ١٢٨.

٤ ـ القائل هو المحقق في المعتبر : ٤٣.

٢٨٧

متشاغلة بها ثم صلّت لم تصح ، لأنّ المأخوذ عليها أن تتوضأ عند كلّ صلاة (١) ، وهو يعطي المقارنة.

وقال أصحاب الشافعي : إنّ أخرت لشغلها بأسباب الصلاة كالسترة والخروج إلى المسجد ، وانتظار الصلاة جاز ، وإن كان لغير ذلك فوجهان : المنع لأنّه لا حاجة بها إلى ذلك ، والجواز لأنّه قد جوّز لها تأخير الصلاة إلى آخر الوقت ، فهذا تأخير مأذون فيه (٢).

د ـ قال الشيخ في المبسوط : إذا توضأت للفرض جاز أن تصلّي معه ماشاء‌ت من النوافل (٣) ، وبه قال الشافعي (٤) ، وفيه نظر ، فإن الدم حدث ، فيستباح بالوضوء معه ما لا بدّ منه ، وهو الصلاة الواحدة ، ولقول الصادق : « توضأت وصلّت كلّ صلاة بوضوء » (٥).

هـ ـ لو توضأت قبل دخول الوقت لم يصح ، وبه قال الشافعي (٦) إذ لاضرورة إليه.

ولو توضأت لفريضة فأخرت الصلاة إلى أن خرج الوقت ، قال بعض الشافعية : لا يصح أن تصلّي بذلك الوضوء ـ وهو مذهبنا ـ وجوز بعضهم ، لأنّ الطهارة عند الشافعي لا تبطل بخروج الوقت (٧).

و ـ لو توضأت ودخلت في الصلاة وخرج الدم قبل دخولها أو بعده ،

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٣٧ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٥ ، السراج الوهاج : ٣١ ، شرح النووي لصحيح مسلم ١ : ٣٨٩.

٣ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٤ ـ المجموع ٢ : ٥٣٥ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩.

٥ ـ الكافي ٣ : ٨٨ ـ ٨٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ ـ ١٠٧ / ٢٧٧.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٣٧ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٨٩.

٧ ـ المجموع ٢ : ٥٣٧ ـ ٥٣٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٣

٢٨٨

فإن كان لرخاوة الشدّ وجب إعادة الشدّ والطهارة ، وإن كان لغلبة الدم وقوته لم تجب إعادة الصلاة ، لعدم الاحتراز من ذلك ، وبه قال الشافعي (١).

ز ـ لو توضأت والدم بحاله ، ثم انقطع قبل الدخول في الصلاة ، قال الشيخ : تستأنف الوضوء (٢) ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ ، لأنّ دمها حدث ، وقد زال العذر فظهر حكم الحدث ، فإن صلّت والحال هذه أعادت ، لعدم الطهارة ، سواء عاد قبل الفراغ أو بعده.

ولو انقطع في أثناء الصلاة ، قال في المبسوط والخلاف : لا يجب الاستئناف ، لأنّها دخلت دخولا مشروعا (٤) ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : الاستئناف بعد الطهارة وغسل ما بها من الدم لأنّ عليها نجاسة ، وقد تجدد منها حدث لم تأت عنه بطهارة ، فوجب عليها استئناف الطهارة (٥) ، وهو الاصح عندهم.

ح ـ إذا كان دم الاستحاضة يجري تارة ويمسك أخرى ، فإن كان زمن الإمساك يتسع للطهارة والصلاة وجب إيقاعهما فيه ، وانتظرته ما لم يخرج الوقت ، وإن ضاق جاز لها أن تتوضأ وتُصلّي حال جريانه ، فإن توضأت في حال جريانه ثم انقطع ثم دخلت في الصلاة جاز ، فإن اتصل انقطاعه بطلت صلاتها ـ وهو قول الشافعية (٦) ـ لأنّا بيّنا أن هذا الانقطاع قد أبطل طهارتها قبل الشروع في الصلاة ، ولهم وجه آخر.

ولو كان دمها متصلاً فتوضأت فقبل أن تدخل في الصلاة انقطع ،

__________________

١ ـ فتح العزيز ٢ : ٤٣٧.

٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٣ ـ المجموع ٢ : ٥٤٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٩.

٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨ ، الخلاف ١ : ٢٥٢ ، مسألة ٢٢٢.

٥ ـ المجموع ٢ : ٥٣٩.

٦ ـ المجموع ٢ : ٥٤٠ ، فتح العزيز ١ : ٤٤١.

٢٨٩

فدخلت في الصلاة ولم تعد الطهارة ، ثم عاودها الدم في الصلاة قبل أن يمضي زمان يتسع للطهارة والصلاة ، فالوجه عندي عدم البطلان ، والشيخ أبطلهما (١) ـ وهو قول الشافعية (٢) ـ ، لأنّ ذلك الانقطاع أوجب عليها الطهارة ، فلم تفعل وإن كان لو علمت بعوده لم تلزمها الإعادة ، فقد لزمها بظاهره إعادةالطهارة فإذا لم تفعل وصلّت لم تصح صلاتها.

ط ـ قال أبو حنيفة : المستحاضة ، ومن به السلس ، والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ يتوضؤون لوقت كلّ صلاة ، فيصلون به ما شاء‌وا من الفرائض والنوافل ، فإن خرج الوقت بطل وضوؤهم ، وكان عليهم استئناف الوضوء لصلاة اُخرى عند أبي حنيفة ، ومحمد (٣).

وقال زفر : ينتقض بدخول الوقت لا غير (٤) ، وقال أبو يوسف : ينتقض بأيهما كان (٥).

وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا توضأت بعد طلوع الشمس ثم دخل وقت الظهر ، فإن الوضوء لا يبطل عند أبي حنيفة ، ومحمد ، ويبطل عند زفر وأبي يوسف.

ولو توضأت قبل طلوع الشمس ثم طلعت فإنها تنتقض ، وقياس قول زفر ، أنها لا تنتقض ، وعندنا أن الطهارة تتعدد بتعدد الصلاة.

مسألة ٩٥ : إذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها من الاغسال ، والوضوء

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.

٢ ـ المجموع ٢ : ٥٤٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٤١.

٣ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧ ، شرح فتح القدير ١ : ١٥٩ ، شرح العناية ١ : ١٥٩ ، المجموع ٢ : ٥٣٥ ، فتح العزيز ٢ : ٤٣٧ ، فتح الباري ١ : ٣٢٥ ، الباب ١ : ٤٦ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٨٨ ، نيل الأوطار ١ : ٣٤٧ ، المحلى ١ : ٢٥٣.

٤ ـ شرح فتح القدير ١ : ١٦٠ ، شرح العناية ١ : ١٦٠.

٥ ـ شرح فتح القدير ١ : ١٦١ ، شرح العناية ١ : ١٦١.

٢٩٠

والتغيير للقطنة ، أو الخرقة صارت بحكم الطاهر ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ويجوز لها استباحة كلّ شيء يستبيحه الطُهر كالصلاة ، والطواف ودخول المساجد وحل الوطء.

ولو لم تفعل كان حدثها باقيا ولم يجز أن تستبيح شيئاً مما يشترط فيه الطهارة.

أما الصلاة فظاهر ، وأما الصوم فإن أخلت بالاغسال مع وجوبها بطل ، ووجب عليها الإعادة ، ولا كفارة إلّا مع فعل المفطر ، ولو لم يجب الاغسال فأخلت بالوضوء لم يبطل صومها ، لعدم اشتراطه بالوضوء.

وأما الوطء فالظاهر من عبارة علمائنا اشتراط الطهارة في إباحته قالوا : يجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.

وقال المفيد : لا يجوز لزوجها وطؤها إلّا بعد فعل ما ذكرناه من نزع الخرق ، وغسل الفرج بالماء (١). والأقرب الكراهة ، لقوله تعالى : ( فإذا تطهّرن فأتوهن ) (٢) يريد من الحيض ، ولأن حمنة كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها (٣) ، وقال الصادق عليه‌السلام : « المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها إلّا أيام قرئها » (٤).

أما الجمهور فاختلفوا ، فقال الشافعي : يجوز وطئ المستحاضة ، ولم يشترط غسلاً ولا وضوء‌اً ، وبه قال أكثر أهل العلم (٥) لحديث حمنة (٦).

__________________

١ ـ المقنعة : ٧.

٢ ـ البقرة : ٢٢٢.

٣ ـ سنن ابي داود ١ : ٨٣ / ٣١٠ ، سنن البيهقي ١ : ٣٢٩.

٤ ـ الكافي ٣ : ٩٠ / ٥.

٥ ـ الاُم ١ : ٦٣ ، المجموع ٢ : ٣٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٦٣ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٨٦ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٦ واُنظر سنن البيهقي ١ : ٣٢٩.

٦ ـ سنن أبي داود ١ : ٨٣ / ١٣٠ ، سنن البيهقي ١ : ٣٢٩.

٢٩١

وقال الحكم ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي ، وأحمد بن حنبل : لا يحل وطؤها مطلقاًً إلّا أن يخاف على نفسه العَنَت ، لأنّه أذى فأشبه الحيض (١) ، وهو غلط فإنه لا يتعلق به شيء من أحكام الحيض ، بل يشبه دم البواسير.

فروع :

أ ـ لو كان الدم كثيراً فاغتسلت أول النهار وصامت ثم انقطع قبل الزوال لم يجب غسل آخر عند الزوال لا للصوم ، ولا للصلاة إن كان البرء ، ولو كان لا له وجب ، ولو كانت تعلم عوده ليلا ، أو قبل الفجر وجبت الاغسال الثلاثة.

ب ـ لو كان الدم قليلاً فأخلت بالوضوء أو فعلته وصامت ، ثم كثر في أثناء النهار فإن كان قبل الزوال وجب الغُسل عنده للصلاة والصوم ، فإن أخلت به احتمل بطلان الصوم ، إذ لم تفعل ما هو شرطه ، والصحة لانعقاده أولا فلا تؤثر فيه عدم الطهارة كالجنابة المتجددة ، وإن كان بعد أن صلّت لم يجب للصلاة اذ قد فعلتها ، وفي وجوبه للصوم نظر.

ج ـ لو أخلت ذات الدم الكثير بالغسل لصلاة العشاء‌ين بطلت الصلاة ، والوجه صحة الصوم لوقوعه قبل تجدد وجوب الغسل.

المطلب الثاني : في أقسام المستحاضات

مقدمة : قد بيّنا أن أكثر الحيض عشرة أيام ، فإن زاد الدم على ذلك فقد استحيضت المرأة وامتزج حيضها بطهرها ، ولعُسر التمييز بينهما وضع

__________________

١ ـ المغني ١ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠١ ، المجموع ٢ : ٣٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٦٣ ، تفسير القرطبي ٣ : ٨٦ ، المحلى ٢ : ٢١٨ ، نيل الأوطار ١ : ٣٥٦ ، شرح النووي لصحيح مسلم٢ : ٣٨٧.

٢٩٢

الشارع قوانين لذلك ، ومداره على سنن ثلاث وضعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن جماعة سألوا الصادق عليه‌السلام عن الحيض فقال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سن في الحيض ثلاث سنن بين فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها ، حتى أنّه لم يدع لاحد مقالا فيه بالرأي.

أما إحدى السنن : الحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، ثم استحاضت فاستمر بها الدم وهي في ذلك تعرف أيامها ومبلغ عددها ، فإن امرأة يقال لها فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت فأتت أم سلمة فسألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ، فقال : تدع الصلاة قدر أقرائها وقدر حيضها ، وقال : إنّما هو عرق ، فأمرها أن تغتسل وتستثفر بثوب وتُصلّي ، قال الصادق عليه‌السلام : هذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لم تختلط عليها.

ثم قال : وأما سنة التي كانت لها أيام متقدمة ، ثم اختلط عليها من طول الدم ، وزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر ، فإن سنّتها غير ذلك ، وذلك أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : إني استحيض فلا أطهر ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس ذلك بحيض ، إنّما هو عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ، فكانت تغتسل في كلّ صلاة.

وقال الصادق عليه‌السلام : كان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين ، فلهذا احتاجت إلى أن تميز إقبال الدم من إدباره ، وتغير لونه من السواد إلى غيره.

ثم قال : وأما السنة الثالثة فهي التي ليس لها أيام متقدمة ، ولم تر الدم قط ، ورأت أول ما أدركت واستمر بها ، فإن سنة هذه غير سنة الاُولى والثانية ، وذلك انَّ امرأة تسمى حمنة بنت جحش أتت رسول الله صلّى الله

٢٩٣

عليه وآله فقالت : إني استحضت حيضة شديدة ، فقال : احتشي كرسفاً ، فقالت : إنّه أشد من ذلك إني أثجه ثجا ، فقال لها : تلجمي وتحيضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ، ثم اغتسلي غسلاً ، وصومي ثلاثاً وعشرين أو أربعاً وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلاً وأخري الظهر وعجلي العصر ، واغتسلي غسلاً وأخري المغرب وعجلي العشاء ، واغتسلي غسلاً » (١).

مسألة ٩٦ : إذا انقطع الدم لعشرة ـ وهو مما يمكن أن يكون حيضاً ـ فهو حيض إجماعاً ، فإن تجاوز فلا تخلو المرأة إمّا أن تكون مبتدأة أو ذات عادة ، فهنا بحثان :

الأول : المبتدأة ، فإن كان لها تمييز عملت عليه ، ويشترط فيه اختلاف لون الدم ، وأن ما هو بصفة دم الحيض لا يقصر عن ثلاثة ، ولا يزيد على عشرة ، وأن يتجاوز المجموع العشرة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد (٢) ـ لقوله عليه‌السلام : ( إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، فاذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ) (٣) وفي رواية : ( فإذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر توضئي إنّما هو عرق ) (٤) وقول الصادق عليه‌السلام : « إنّ دم الحيض ليس به خفاء ، وهو دم حار محتدم له حرقة ، ودم الاستحاضة فاسد بارد » (٥).

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣.

٢ ـ المجموع ٢ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ، فتح العزيز ٢ : ٤٤٨ ، بداية المجتهد ١ : ٥٤ و ٥٥ ، المغني ، ١ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

٣ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٦٢ / ٣٣٣ ، سنن الترمذي ١ : ٢١٧ / ١٢٥ ، سنن أبي داود ١ : ٧٤ / ٢٨٢ ، سنن النسائي ١ : ١٢٤ ، الموطأ ١ : ٦١ / ١٠٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٣ / ٦٢١ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٠٦ / ٢.

٤ ـ سنن النسائي ١ : ١٢٣ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ / ٣.

٥ ـ الكافي ٣ : ٩١ ـ ٩٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٥١ / ٤٣١.

٢٩٤

وقال أصحاب الرأي : لا اعتبار بالتمييز (١) ، واختلفوا ، فقال أبو حنيفة : حيضها عشرة أيام من كلّ شهر ، لأنّ الشرع أقام الشهر مقام حيضة وطهر ، فيجعل عشرة من ذلك حيضاً لوجود الدم في ميقاته (٢).

وقال زفر : يؤخذ بالاقل لأنّه اليقين (٣) ، وقال أبو يوسف : تأخذ في حكم انقطاع الرجعة بالاقل ، وفي الحِلَّ للأزواج والصوم والصلاة بالأكثر احتياطاً (٤).

فإن فقدت التمييز ، قال علماؤنا ترجع إلى عادة نسائها كالاخت والعمة وبنتيهما ، فإن فقدن أو اختلفن ، قال الشيخ في الخلاف : ترجع إلى الروايات (٥). وقال المرتضى : تترك الصلاة ثلاثة أيام في كلّ شهر إلى عشرة (٦).

وقال الصدوق : فأكثر جلوسها عشرة أيام (٧).

وقال الشيخ : ترجع إلى أقرانها من بلدها ، فإن فقدن او اختلفن فإلى الروايات (٨) ، وبالرجوع إلى النساء قال عطاء ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد في رواية (٩) ، للتناسب القاضي بظن المساواة.

____________

١ ـ المغني ١ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ١ : ٢٢٣.

٢ ـ المبسوط للسرخسي ٣ : ١٥٣ ، شرح فتح القدير ١ : ١٥٨ ، المجموع ٢ : ٤٠٢ ، فتح العزيز ٢ : ٤٤٨ ، اللباب ١ : ٤٦.

٣ ـ المجموع ٢ : ٤٠٢.

٤ ـ المبسوط للسرخسي ٣ : ١٥٤ ، شرح فتح القدير ١ : ١٥٥ ، المجموع ٢ : ٤٠٢.

٥ ـ الخلاف ١ : ٢٣٤ ، مسألة : ٢٠٠.

٦ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٥٥.

٧ ـ الفقيه ١ : ٥١.

٨ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٤٦ ـ ٤٧.

٩ ـ المغني ١ : ٣٧٧ و ٣٧٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥٧.

٢٩٥

وسأله سماعة عن جارية حاضت أول حيضها ، فدام دمها ثلاثة أشهر قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كنَّ مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام ، وأقله ثلاثة أيام » (١) وقال الباقر عليه‌السلام : « المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ، ثم تستظهر على ذلك بيوم » (٢).

وللشافعي قولان ، أحدهما : تُردّ إلى أقل الحيض يوم وليلة ، وتقضي صلاة أربعة عشر يوماً ، فإنها تترك الصلاة إلى أكثره ، وبه قال أحمد في إحدى الروايات ، وأبو ثور ، وزفر ، لأنّه المتيقن ، وما زاد عليه مشكوك فيه فلا نثبته بالشك (٣).

والثاني : تُردّ إلى غالب عادة النساء ست أو سبع ، وبه قال عطاء والثوري والأوزاعي ، وإسحاق ، وأحمد في إحدى الروايات (٤) ، لأنّ حمنة بنت جحش قالت : كنت استحاض حيضة كثيرة شديدة ، فجئت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أستفتيه فوجدته في بيت اختي زينب ، فقلت : يا رسول الله إنّ لي إليك حاجة ، وإنه لحديث ما منه بد ، وإني لاستحي منه ، فقال : ( ما هو يا بنتاه؟ ) قالت : إني امرأة استحاض حيضة كبيرة شديدة ، فما ترى فيها؟ فقال : ( أثقب لك الكرسف؟ ) فقلت : هو أشد من ذلك ، فقال : ( تلجمي ) فقلت : هو أشد من ذلك. فذكرت الخبر إلى أن قال : ( إنّها ركضة من ركضات الشيطان ، تحيضي فيعلم الله ستاً أو سبعاً ثم اغتسلي ، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستيقنت فصلي أربعة وعشرين ليلة وأيامها ، أو ثلاثة وعشرين ليلة وأيامها ، وصومي

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٧٩ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ / ٤٧١.

٢ ـ التهذيب ١ : ٤٠١ / ١٢٥٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ / ٤٧٢.

٣ ـ المغني ١ : ٣٨٠ ، الشرح الكبير ١ : ٣٦١ ، الاُم ١ : ٦١ ، المجموع ٢ : ٣٩٨ و ٤٠٢ ، فتح العزيز ٢ : ٤٥٨ ، الوجيز ١ : ٢٦ ، شرح النووي لصحيح مسلم ٢ : ٣٩١.

٤ ـ المغني ١ : ٣٨٠ ، الشرح الكبير ١ : ٣٦١ ، المجموع ٢ : ٣٩٨ و ٤٠٢ الاُم ١ : ٦١.

٢٩٦

فإنه يجزيك ) (١) وظاهره أنها كانت مبتدأة لأنّه لم ينقل أنّه سألها عن حالها قبل ذلك ، ولو كانت معتادة لوجب ردها إلى عادتها.

وقال مالك : تقعد عادة لداتها (٢) ، وتستظهر بثلاثة أيام (٣). وقال أبو حنيفة : تحيض أكثر الحيض (٤). وعن مالك : تقعد خمسة عشر يوماً ـ وهو رواية عن أحمد ـ لأنّه لا يجوز لها ترك الصلاة إلى الأكثر ، فلا يلزمها القضاءبالشك (٥) ، وقال أبو يوسف : تأخذ في الصوم والصلاة بالاقل ، وفي وطئ الزوج بالأكثر (٦).

فروع :

أ ـ لا يشترط في التمييز التكرار ، فلو رأت في شهر ثلاثة أسود ، وفي آخر خمسة ، وفي آخر سبعة ، كان ما تراه بصفة الحيض في كلّ شهر حيضا.

ب ـ لو رأت الأسود والأحمر وتجاوز ، فالأسود حيض والأحمر طهر ، ولو رأت الأحمر والأصفر ، فالأحمر حيض والأصفر طهر ، سواء كان ما شابه الحيض أول أو أوسط أو آخر ، وهو أحد قولي الشافعية ، والآخر : اعتبار

__________________

١ ـ سنن ابي داود ١ : ٧٦ / ٢٨٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٠٥ / ٦٢٧ ، سنن الترمذي ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٤/ ١٢٨ ، مسند أحمد ٦ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، سنن الدار قطني ١ : ٢١٤ / ٤٨ ، المستدرك للحاكم ١ : ١٧٢.

٢ ـ لداتها : أترابها ومفردها لدة كعدة ، تاج العروس : ١ : ٣٢٥ ، النهاية لابن الاثير ٤ : ٢٤٦ مادة « لدا ».

٣ ـ المدونة الكبرى ١ : ٤٩ ، حلية العلماء ١ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٢ : ٤٦١.

٤ ـ شرح فتح القدير ١ : ١٥٨ ، المجموع ٢ : ٤٠٢ ، المغني ١ : ٣٨٠ ، الشرح الكبير ١ : ٣٦١ ، حلية العلماء ١ : ٢٢١.

٥ ـ المغني ١ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ١ : ٣٥٧ و ٣٦٣ ، المدونة الكبرى ١ : ٤٩.

٦ ـ المبسوط للسرخسي ٣ : ١٥٤ ، شرح فتح القدير ١ : ١٥٨ ، المجموع ٢ : ٤٠٢.

٢٩٧

التقديم (١).

ولو رأت ثلاثاً ثم انقطع يوم العاشر ، أو ما دونه ، كان الدمان وما بينهما من النقاء حيضاً كالجاري ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا رأته قبل عشرة فهو من الحيضة الاُولى ، وإذا رأته بعد عشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (٢).

ج ـ لو رأت ثلاثة أسود وثلاثة أحمر ، ثم اصفر ، وتجاوز ، فالحيض الأسود ، ولو رأت ثلاثة أصفر ، وتركت الصلاة والصوم إلى العاشر ، فإن رأت بعد ذلك أسود تركت الصلاة أيضاً ، حتى تأخذ في الأسود عشرا ، فإن انقطع فالأسود حيض وما تقدمه طهر ، فإن تجاوز فلا تمييز لها.

د ـ العادة قد تحصل من التمييز ، فلو مر بها شهران ورأت فيهما سواء ثم اختلف الدم في باقي الاشهر رجعت إلى عادتها في الشهرين ، ولا تنظر إلى اختلاف الدم ، لأنّ الأول صار عادة.

هـ ـ قال في المبسوط : لو رأت المبتدأة أولاً دم الاستحاضة خمساً ، ثم أطبق الأسود إلى بقية الشهر حكم بحيضها من بدأة الأسود إلى تمام عشرة والباقي استحاضة (٣) ، وهو مشكل ، فإن شرط التمييز عدم تجاوز العشرة ، والأقرب أنّه لا تمييز لها كما تقدم.

ثم قال : لو رأت ثلاثة عشر بصفة الاستحاضة ، والباقي بصفة الحيض ، واستمر فثلاثة من أوّله حيض ، وعشرة طهر ، وما رأته بعد ذلك من

__________________

١ ـ المجموع ٢ : ٤٠٧ ، فتح العزيز ٢ : ٤٥٣ ، الوجيز ١ : ٢٦ ، مغني المحتاج ١ : ١١٣ ، حلية العلماء ١ : ٢٢٣.

٢ ـ التهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٨ ، الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٩.

٣ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٤٦.

٢٩٨

الحيضة الثانية (١) وفيه إشكال ، إذ لا تمييز هنا ، إلّا أن تقصد اعتبار الأقل ، لأنّه المتيقن.

قال : ولو رأت ثلاثة دم الحيض ، وثلاثة دم الاستحاضة ، ثم رأت بصفة الحيض تمام العشرة ، فالكل حيض ، وإن تجاوز الأسود إلى تمام ستة عشر كانت العشرة حيضاً ، والستة السابقة استحاضة تقضي صلاتها وصومها (٢). والأقرب أنّه لا تمييز لها.

و ـ إذا لم يكن للمبتدأة تمييز ولا أقارب ولا أقران ، تحيضت في كلّ شهر بستة أو سبعة على المشهور ، لقول الصادق عليه‌السلام : « إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لحمنة : تحيضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة » (٣) وقد تقدم خلاف الجمهور.

وفي قول لنا : تترك الصلاة والصوم في الأول أكثر أيام الحيض ، وفي الثاني أقلّه ، لقول الصادق عليه‌السلام : « المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ، ثم تصلّي عشرين يوماً ، وإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام ، وصلّت سبعة وعشرين يوماً » (٤) وهما متقاربتان.

ولنا قولان آخران ، أحدهما : أنها تترك الصلاة أقل أيام الحيض. والثاني : أكثره ، والأقرب الاول.

ز ـ هل المراد بقوله عليه‌السلام : ( ستة أيام أو سبعة ) (٥) التخيير؟ أو العمل بما يؤدي اجتهادها إليه ويتغلب أنّه حيضها؟ قيل : بالأول عملا

__________________

١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٤٧.

٢ ـ المبسوط ١ : ٥٠.

٣ ـ الكافي ٣ : ٨٦ ـ ٨٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٣ / ١١٨٣.

٤ ـ التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٣٧ / ٤٦٩.

٥ ـ الكافي ٣ : ٨٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٣ / ١١٨٣.

٢٩٩

بمقتضى الظاهر (١) وقيل : بالثاني لامتناع التخيير بين الواجب وتركه (٢)

ح ـ للشافعية وجهان في الرجوع إلى النساء ، أحدهما : نساء زمانها في الدنيا كلها ، وأصحهما : اعتبار عادة نساء عشيرتها وقومها ، لأنّ الحيض يعود إلى الجبلة والطبع ، فتكون هي كعشيرتها ، فإن لم يكن لها عشيرة فنساء بلدها ، لأنّها إليهن أقرب (٣) وقد بيّنا مذهبنا.

ط ـ الايام التي تجلسها من لا تمييز لها ، الأقرب أنها من أول الدم ، لقول الصادق عليه‌السلام : « تترك الصلاة عشرة أيام ثم تصلّي عشرين يوماً » (٤) مع احتمال التخيير على ضعف.

ي ـ إذا رددناها إلى الأقل فالثلاثة حيض بيقين ، وما زاد على العشرة طُهر بيقين ، وما بينهما هل هو طُهر بيقين أو مشكوك فيه يستعمل فيه الاحتياط؟ للشافعي قولان : الأول قياسا على طهر المعتادة ، والثاني كطهر الناسية فحينئذ تحتاط فيتجنبها زوجها ، وتُصلّي وتصوم وتقضيه (٥).

وإن رددناه إلى الست أو السبع ، فالاقل حيض بيقين ، والزائد على الأكثر طُهر بيقين ، وما زاد على الأقل إلى الست أو السبع هل هو حيض بيقين أو مشكوك فيه؟ للشافعي قولان : الأول قياسا على زمان عادة المعتادة ، والثاني تستعمل الاحتياط بأن تقضي صلاة تلك الايام لاحتمال أنها طهر ولم تصلّ ، وفيما زاد على الست والسبع إلى العشر قولان (٦) ، وكلا القولين في التقادير عندي محتمل.

يا ـ شرط الشافعي للتمييز أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوماً ، ولا

__________________

١ ـ القائل هو المحقق في المعتبر : ٥٦.

٢ ـ حكاه المحقق أيضاً في المعتبر : ٥٦.

٣ ـ المجموع ٢ : ٣٩٩ ، فتح العزيز ٢ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩.

٤ ـ التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٦٩.

٥ ـ المجموع ٢ : ٤٠٠ ، فتح العزيز ٢ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦ ، مغني المحتاج ١ : ١١٤.

٦ ـ المجموع ٢ : ٤٠٠ ، فتح العزيز : ٤٦٥ ـ ٤٦٦.

٣٠٠