تذكرة الفقهاء - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: ٤٠٦

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ذي القدرة الأزليّة ، والعزة الباهرة الأبدية ، والقوة القاهرة القويّة ، والنعم الغامرة السرمدية ، والآلاء الظاهرة السنية ، المستغني بوجوب وجوده عن الاتصاف بالمواد والصور النوعية ، والمقدس بكمال ذاته عن المشاركة للأجسام والأعراض الفلكية والعنصرية ، ابتدع أنواع الكائنات بغير فكر وروية ، واخترع أجناس الموجودات بمقتضى حكمته العلية ، مكمل نوع الانسان بإدراك المعاني الكلية ، ومفضل صنف العلماء على جميع البرية ، وصلّى الله على أشرف النفوس القدسية ، وأزكى الذوات المطهّرة الملكية ، محمد المصطفى وعترته المرضية.

أما بعد : فإن الفقهاء عليهم‌السلام هم عمدة الدين ، ونقلة شرع رسول رب العالمين وحفظة فتاوى الأئمة المهديين ، صلوات الله عليهم أجمعين ، وهم ورثة الأنبياء ، والذين يفضل مدادهم على دماء الشهداء ، وقد جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النظر إليهم عبادة ، والمجالسة لهم سعادة ، واقتفاء أثرهم سيادة ، والاكرام لهم رضوان الله ، والاهانة لهم سخط الله (١) ، فيجب على كلّ أحد تتبع مسالكهم ، واقتفاء آثارهم ، والاقتداء

__________________

١ ـ ورد عن النبيّ وآله المعصومين سلام الله عليهم أجمعين الكثير من الأحاديث في فضل العلم

٣

بهم في إيرادهم وإصدارهم ، واتّباعهم في إظهار شرع الله تعالى وإبانة أحكامه ، وإحياء مراسم دين الله وإعلان أعلامه.

وقد عزمنا في هذا الكتاب الموسوم ب‍ « تذكرة الفقهاء » على تلخيص فتاوى العلماء ، وذكر قواعد الفقهاء ، على أحق الطرائق وأوثقها برهاناً ، وأصدق الاقاويل وأوضحها بياناً ـ وهي طريقة الامامية الآخذين دينهم بالوحي الالهي ، والعلم الرباني ، لا بالرأي والقياس ، ولا باجتهاد الناس ـ على سبيل الايجاز والاختصار ، وترك الاطالة والاكثار.

وأشرنا في كلّ مسألة إلى الخلاف ، واعتمدنا في المحاكمة بينهم طريق الإنصاف ، إجابة لالتماس أحب الخلق إليّ ، وأعزهم علي ، ولدي محمد أمده الله تعالى بالسعادات ، ووفقه لجميع الخيرات وأيده بالتوفيق ، وسلك به نهج التحقيق ، ورزقه كلّ خير ، ودفع عنه كلّ شر ، وآتاه عمراً مديداً سعيداً ، وعيشاً هنيئاً رغيداً ، ووقاه الله كلّ محذور ، وجعلني فداءه في جميع الأمور.

ورتبت هذا الكتاب على أربع قواعد ، والله الموفق والمعين.

__________________

والعلماء ، وطلب العلم ، نحو ما أشار إليه المصنف وغيره ، أنظر : الكافي ١ : ٢٣ / ٥٧ ، بصائر الدرجات : ٣٠ ، أمالي الشيخ الصدوق : ١٤٣ ، أمالي الطوسي ١ : ٦٩ و ٨٧ و ٢ : ١٣٥ ، أمالي الصدوق : ٥٨ / ٩ ، نوادر الراوندي : ١١ ، العوالم ٢ : ١٢٥ ، البحار ١ : كتاب العلم ، وراجع : سنن ابن ماجة ١ : ٨ / ٢٢٣ ، سنن الترمذي ٥ : ٤٨ / ٢٦٨٢ ، كنز العمال ١٠ : ١٣٠ ـ ٣١٤ الأحاديث ، الترغيب والترهيب ١ ، ٩٢ / ١٣٣ ، مجمع الزوائد ١ : ١١٩ ـ ٢٠٢.

٤

القاعدة الأولى

في العبادات

وهي تشتمل على ستة كتب :

الأول في :

الطهارة

٥
٦

مقدمة

الطهارة ـ لغة ـ النظافة ، وشرعاً : وضوء ، أو غسل ، أو تيمم ، يستباح به عبادة شرعية.

والطهور هو المطهر لغيره ، وهو فعول بمعنى ما يفعل به ـ أي يتطهر به ـ كغسول ، وهو الماء الذي يغتسل به ، لقوله تعالى :( وأنزلنا من السماء ماءً طهورا ) (١).

ثم قال : ( وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به ) (٢).

ولأنّهم فرقوا بين ضارب وضروب ، وجعلوا الثاني للمبالغة ، فيكون للتعدية لامتناع المبالغة في المعنى ، ولقوله عليه‌السلام ـ عن ماءً البحر وقد سئل أيجوز الوضوء به ـ : ( هو الطهور ماؤه ) (٣).

وقال أبوبكر بن داود وبعض الحنفية : الطهور هو الطاهر (٤). فالعرب

__________________

١ ـ الفرقان : ٤٨.

٢ ـ الأنفال : ١١.

٣ ـ المصنف لابن ابي شيء بة ١ : ١٣٠ ، سنن الترمذي ١ : ١٠٠ / ٦٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٦ / ١٣ ـ ١٥ ، سنن النسائي ١ : ١٧٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢١ / ٨٣ ، الموطأ ١ : ٢٢ / ١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٦ / ٣٨٦ ـ ٣٨٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣.

٤ ـ أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٣٨ ، تفسير القرطبي ١٣ : ٣٩ ، شرح فتح

٧

لم تفرق بين الفاعل والمفعول في التعدي واللزوم كقاعد وقعود ، وضارب وضروب.

وأقسام الطهارة ثلاثة : وضوء ، وغسل ، وتيمم ، وكل منها واجب وندب.

فالوضوء يجب للصلاة الواجبة ، أو الطواف الواجب ، أو مسّ كتابة القرآن إنّ وجب ، ويستحب لما عداه.

والغسل يجب لاحد الثلاثة ، أو للاستيطان في المساجد ، أو قراء‌ة العزائم إنّ وجبا ، وللصوم الواجب إذا بقي للفجر ما يغتسل فيه الجنب ولصوم المستحاضة مع غمس القطنة ، ويستحب لما عداه.

والتيمم يجب للصلاة الواجبة ، ولخروج الجنب من أحد المسجدين ، ويستحب لما عداه ، وقد تجب الثلاثة بالنذر ، واليمين ، والعهد.

وهذا الكتاب يشتمل على أبواب :

____________

القدير ١ : ٦٠ ـ ٦١ ، أحكام القرآن لابن العربي ٣ : ١٤١٦ ، نيل الأوطار ١ : ١٩ ، المجموع ١ : ٨٤ وفيه أبوبكر الاصم وابن داود بدل أبوبكر بن داود.

٨

الأوّل : في المياه :

وفيه فصول :

٩
١٠

الأول : المطلق

مسألة ١ : المطلق هو ما يستحق إطلاق اسم الماء من غير إضافة ، وهو في الأصل طاهر مطهر إجماعاً من الخبث والحدث ، إلّا ما روي عن عبد الله ابن عمر وعبدالله بن عمرو بن العاص أنهما قالا في ماءً البحر : التيمم أحب (١) الينا منه (٢). وعن سعيد بن المسيب : اذا ألجئت إليه فتوضأ منه (٣).

ويدفعه الاجماع ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في حديث أبي هريرة ـ : ( من لم يطهره البحر فلا طهره الله ) (٤) ، وقول الصادق عليه‌السلام في رواية عبد الله بن سنان وقد سئل عن ماءً البحر أطهور هو؟ قال : « نعم » (٥).

ولا فرق بين النازل من السماء والنابع من الأرض ، وسواء أذيب من ثلج أو برد (٦) أو لا ، وسواء كان مسخنا أو لا ، إلّا أنّه يكره المسخن بالنار في

__________________

١ ـ في نسخة ( م ) : اعجب.

٢ ـ اُنظر : المصنف لابن أبي شيء بة ١ : ١٣١ ، سنن الترمذي ١ : ١٠٢ ، المجموع ١ : ٩١ ، تفسير القرطبي ١٣ : ٥٣.

٣ ـ المصنف لابن أبي شيء بة ١ : ١٣١.

٤ ـ سنن البيهقي ١ : ٤ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٥ / ١١.

٥ ـ الكافي ٣ : ١ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢١٦ / ٦٢٢.

٦ ـ البرد بالفتح : القطع الثلجية الصغيرة التي تنزل من السحاب ، أنظر مجمع البحرين ٣ : ١١ ، الصحاح ٢ : ٤٤٦ « برد ».

١١

غسل الأموات لقول الباقر عليه‌السلام : « لا يسخن الماء للميت » (١) فإن خاف الغاسل البرد زالت الكراهة.

وكره مجاهد المسخن في الطهارة (٢) ، وأحمد المسخن بالنجاسة للخوف من حصول نجاسة فيه (٣).

ويبطل بأن [ الاسلع بن ] شريكا رحال [ ناقة ] (٤) النبيّ عليه‌السلام أجنب فسخن الماء فاغتسل ، وأخبره ولم ينكر عليه (٥) ، ودخل النبيّ عليه‌السلام حماما بالجحفة وهو محرم (٦) ، واضطر الصادق عليه‌السلام إلى الغسل فأتوه بالماء مسخناً وهو مريض فاغتسل (٧).

ويكره المشمس في الآنية ـ وبه قال الشافعي (٨) ـ لنهيه عليه‌السلام

____________

١ ـ الفقيه ١ : ٨٦ / ٣٩٧ ، التهذيب ١ : ٣٢٢ / ٩٣٨.

٢ ـ مصنف ابن أبي شيء بة ١ : ٢٥ ، التفسير الكبير ١١ : ١٦٨ ، المجموع ١ : ٩١ ، المحلى ١ : ٢٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩.

٣ ـ المغني ١ : ٤٦ ، الشرح الكبير ١ : ٣٩ ، الإنصاف ١ : ٢٩ ، المحرر في الفقه ١ : ٢ ، كشاف القناع ١ : ٢٦ ، المجموع ١ : ٩١.

٤ ـ كانت في الاصلين هكذا : ويبطل بأن شريكاً رحال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . والاسلع هو ابن شريك بن عوف الاعوجي التميمي ، خادم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصاحب راحلته ، نزل البصرة آخى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بينه وبين ابي موسى ، روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنه روى زريق المالكي وغيره ، وقد ذكر هذه القصة كلّ من ابن حجر في الاصابة ١ : ٣٦ ، وابن الاثير في اسد الغابة ١ : ٧٤ في ترجمة الاسلع هذا. وما بين المعقوفتين والتي قبلها للتوضيح.

٥ ـ اضافة لمصادر الترجمة المتقدمة اُنظر : سنن البيهقي ١ : ٥ ، تلخيص الحبير ١ : ١٢٨.

٦ ـ ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣١٤ / ٨١٦.

٧ ـ التهذيب ١ : ١٩٨ / ٥٧٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ / ٥٦٤.

٨ ـ الاُم ١ : ٣ ، مختصر المزني ١ : ١ ، المجموع ١ : ٨٧ ، الوجيز ١ : ٥ ، الاشباه والنظائر : ٤٢٤ ، المهذب لأبي اسحاق الشيرازي ١ : ١١ ، فتح العزيز ١ : ١٢٩ ، معرفة السنن والآثار ١ : ١٦٢.

١٢

عنه ، وعلل بأنه يورث البرص (١).

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد : لا يكره كالمسخن بالنار (٢).

فروع :

الأول : لا كراهة في المشمس في الأنهار الكبار والصغار ، والمصانع إجماعاً.

الثاني : النهي عن المشمس عام ، وبه قال بعض الشافعية ، وقال بعضهم : إنّه مختص بالبلاد الحارة كالحجاز ، وبعضهم بالاواني المنطبعة كالحديد والرصاص ، أو بالصفر ، واستثنوا الذهب والفضة لصفاء جوهرهما (٣).

الثالث : لو زال التشميس احتمل بقاء الكراهة ، لعدم خروجه عن كونه مشمساً.

الرابع : لو توضأ به صحّ إجماعاً ، لرجوع النهي إلى خوف ضرره.

الخامس : روى ابن بابويه كراهة التداوي بمياه الجبال الحارة (٤).

السادس : إذا تغيرت أحد أوصاف المطلق بالأجسام الطاهرة ولم يسلبه الاطلاق ، فهو باق على حكمه بإجماعنا ، لبقاء الاسم ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ، والزهري ، وأبو بكر الرازي (٥).

__________________

١ ـ سنن الدارقطني ١ : ٣٨ / ٢ ـ ٣ ، معرفة السنن والآثار ١ : ١٦٤ ، سنن البيهقي ١ : ٦.

٢ ـ المغني ١ ، ٤٦ ، الشرح الكبير ١ : ٣٨ ، التفسير الكبير ١١ : ١٦٩ ، المجموع ١ : ٨٨ ، فتح العزيز ١ : ١٢٩.

٣ ـ المجموع ١ : ٨٨ ، فتح العزيز ١ : ١٣٣ ـ ١٣٥.

٤ ـ الفقيه ١ : ١٣.

٥ ـ أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٣٨ ، المغني ١ : ٤١ ، التفسير الكبير ٢٤ : ٩٣ ـ ٩٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧ ، بدائع الصنائع ١ : ١٥ ، شرح فتح القدير ١ : ٦٤.

١٣

وقال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق : إنّ تغيّر بما لم يخالط أجزاء‌ه كالخشب والدهن ، أو كان ترابا أو لا ينفك الماء عنه كالطحلب وورق الشجر الساقط في السواقي ، وما يجري عليه الماء من حجارة النورة والكحل وغيره فهو باق على حكمه ، وإن كان غير ذلك لم يجز الوضوء منه كالمتغير بالصابون والزعفران والملح الجبلي.

ولو كان أصله الماء ـ بأن يرسل في أرض مالحة فيصير ملحا ـ جاز (١).

السابع : لو افتقر في طهارة إلى مزج المطلق بالمضاف ، قال الشيخ : صحت الطهارة به إنّ بقي الاطلاق ، ولا يجب المزج (٢) وفي الجميع إشكال.

الثامن : لو تطهر بالجمد ، فإن جرى على العضو المغسول ما يتحلل منه صحّ ، وإلّا فلا ، واجتزأ الشيخ بالدهن (٣).

التاسع : لو مازجه المضاف المساوي في الصفات ، احتمل اعتبار بقاء الاسم ـ على تقدير المخالفة والاستعمال ـ ما لم تعلم الغلبة.

العاشر : ماءً زمزم كغيره ، وكره أحمد ـ في إحدى الروايتين ـ الطهارة به (٤) لقول العباس : لا أحله لمغتسل ، لكن لشارب حلّ وبلّ (٥) وهو محمول

__________________

١ ـ المغني ١ : ٤١ ـ ٤٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧ ، المجموع ١ : ١٠٥ و ١٠٩ ، الاُم ١ : ٧ ، المنتقى للباجي ١ : ٥٥ ، الإنصاف ١ : ٢٢.

٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٥.

٣ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٩ ، الخلاف ١ : ٥٢ مسألة ٣.

٤ ـ المغني ١ : ٤٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٠ ، الإنصاف ١ : ٢٧ ، كشف القناع ١ : ٢٨.

٥ ـ جاء في الصحاح ٤ : ١٦٣٩ مادة بلل ما لفظه : والبل ـ بكسر الباء مع التشديد ـ المباح ، ومنه قول العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه في زمزم : لا أحلها لمغتسل ، وهي لشارب حلّ وبل.

١٤

على قلة الماء لكثرة الشارب.

مسألة ٢ : كلّ ماءً تغير أحد أوصافه الثلاثة ـ أعني اللون والطعم والرائحة ـ بالنجاسة كان نجساً إجماعاً ، لقوله عليه‌السلام : « خلق الماء طهورا ، لا ينجسه شيء إلّا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه » (١) وعن الصادق عليه‌السلام : « إذا تغير الماء ، وتغير الطعم ، فلا تتوضأ منه ، ولا تشرب » (٢) ولا فرق في هذا بين الجاري والراكد ، والقليل والكثير لانفعال الجميع.

فروع :

الأول : لو تغير بمرور الرائحة من غير ملاقاة النجاسة لم ينجس.

الثاني : لو تغير الجاري اختص المتغير منه بالتنجيس ، وكان غيره طاهراً.

الثالث : لو تغير بعض الواقف الكثير اختص المتغير منه بالتنجيس إن كان الباقي كراً وإلّا عم الحكم ، وقالت الشافعية : يعم مطلقاًً لأنّه ماءً واحد فلا يتبعض حكمه (٣) والملازمة ممنوعة.

الرابع : لو انصبغ ماءً الغسل أو الوضوء بصبغ طاهر على العضو فإن لم يسلبه الاطلاق أجزأ وإلّا فلا.

__________________

واختلفت المصادر في نسبة هذا القول فممن نسبه للعباس : ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٧ ، والشرح الكبير ١ : ٤٠ ، والبهوتي في كشاف القناع ١ : ٢٨ والزمخشري في الفائق ١ : ١٢٩ ، والهروي في غريب الحديث ١ : ٣٦١ ، والجوهري في الصحاح ٤ : ١٦٣٩. وممن نسبه لعبد المطلب : ابن منظور في لسان العرب ١١ : ١٦٧ ، والنووي في المجموع ١ : ٩١.

١ ـ عوالي اللآلي ١ : ٧٦ / ١٥٤ و ٢ : ١٥ / ٢٩.

٢ ـ الكافي ٣ : ٤ / ٣ ، التهذيب ١ : ٢١٦ / ٦٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٢ / ١٩.

٣ ـ المجموع ١ : ١١١ ، الوجيز ١ : ٧ ، فتح العزيز ١ : ١٩٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢.

١٥

الخامس : لو زال التغيّر بالنجاسة بغير الماء ـ من الاجسام الطاهرة ، أو تصفيق الرياح ، أو طول اللبث ـ لم يطهر ، لأنّه حكم شرعي ثبت (١) عليه ، وعند الشافعي يطهر بزوال التغيّر من نفسه لا بوقوع ساتر كالمسك (٢).

وفي التراب قولان مبنيان على أنّه مزيل أو ساتر (٣).

ولو نزح فزال التغيّر طهر الباقي إن كان قلّتين.

السادس : إنّما يطهر المتغير الكثير الواقف بالقاء كرّ عليه دفعة مزيلة لتغيره ، فإن لم يزل فكر آخر وهكذا.

والجاري يطهر بتدافعه حتى يزول التغيّر لاستهلاك المتغير وعدم قبول الطارئ النجاسة.

السابع : يكره الطهارة بالماء الآجن مع وجود غيره ـ وهو المتغير لطول لبثه مع بقاء الاطلاق ـ بإجماع العلماء ، إلّا ابن سيرين فإنه منع منه (٤). ولو زال الاطلاق لم يكن مطهراً.

الثامن : لو زال التغيّر عن القليل أو الكثير بغير الماء ، طهر بإلقاء الكر ، وإن لم يزل به التغيّر لو كان ، وفي طهارة الكثير لو وقع في أحد جوانبه كر علم عدم شيء اعه ، فيه نظر ، وكذا لو زال التغيّر بطعم الكر ، أو لونه العرضيين.

مسألة ٣ : الجاري الكثير كالانهار الكبار والجداول الصغار لا ينجس بملاقاة النجاسة إجماعاً منّا ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس أن يبول

__________________

١ ـ في هامش نسخة ( م ) برمز خ ل « يقف ».

٢ ـ المجموع ١ : ١٣٣ ، فتح العزيز ١ : ١٩٩ ، الوجيز ١ : ٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٣.

٣ ـ الوجيز ١ : ٧ ، فتح العزيز ١ : ٢٠٠ ، المجموع ١ : ١٣٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٣ ـ ١٤.

٤ ـ المجموع ١ ، ٩١ ، كشاف القناع ١ : ٢٦ ، المغني ١ : ٤٢ ، الشرح الكبير ١ : ٣٧.

١٦

الرجل في الماء الجاري » (١).

وماء الحمام كالجاري إذا كانت له مادة ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لقول الصادق عليه‌السلام : « هو بمنزلة الجاري » (٣) وقول الباقر عليه‌السلام : « ماءً الحمام لا بأس به إذا كان له مادة » (٤) ولعدم الانفكاك من النجاسة فيه ، فلولا مساواته للجاري لزم الحرج.

وماء الغيث حال تقاطره كالجاري ، لقول الصادق عليه‌السلام ـ في ميزابين سالا ، أحدهما بول ، والآخر ماءً المطر ، فاختلطا ، فأصاب ثوب رجل ـ : « لم يضر ذلك » (٥).

فروع :

الأول : لا تعتبر الجريات بانفرادها ، فلو تواردت على النجاسة الواقفة جريات متعددة لم تنجس مع اتصالها.

وقال الشافعي : تنجس كلّ جرية هي أقلّ من قلّتين ، وإن كانت منفصلة اعتبر كلّ جرية بانفرادها (٦) ، وعنى بالجرية ما بين حافتي النهر عرضاً عن يمينها وشمالها.

الثاني : لو كان الجاري أقل من كر نجس بالملاقاة الملاقي وما تحته ، وفي أحد قولي الشافعي أنّه لا ينجس إلّا بالتغير (٧).

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٤٣ / ١٢١ ، الاستبصار ١ : ١٣ / ٢٣.

٢ ـ بدائع الصنائع ١ : ٧٢.

٣ ـ التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٧٠.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٤ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٦٨.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٢ / ١ ، التهذيب ١ : ٤١١ / ١٢٩٥.

٦ ـ الاُم ١ : ٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٤ ، المجموع ١ : ١٤٣.

٧ ـ الاُم ١ : ٤ ، المجموع ١ : ١٤٤.

١٧

الثالث : الواقف في جانب النهر متصلاً به كالجاري ، وإن نقص عن كر.

الرابع : لو كان الجاري متغيرا بالنجاسة دون الواقف المتصل به فإن نقص عن كر نجس بالملاقاة وإلّا فلا.

الخامس : لا بدّ في مادة الحمام من كر ، وهل ينسحب الحكم في غير الحمام؟ إشكال.

السادس : لو تنجس الحوض الصغير في الحمام ، لم يطهر باجراء المادة إليه ، بل بتكاثرها على مائه.

السابع : لو انقطع تقاطر المطر وفيه نجاسة عينية اعتبرت الكرية ، ولا تعتبر حال التقاطر ، ولو إستحالت عينها قبل انقطاعه ثم انقطع كان طاهراً وإن قصر عن كر ، ولو استحالت بعد انقطاعه ، أو لاقته من خارج بعده اعتبرت الكرية.

مسألة ٤ : الواقف الكثير لا ينجس بملاقاة النجاسة إجماعاً ، بل بالتغيّر بها.

واختلف في الكثرة فالذي عليه علماؤنا بلوغ كر ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء ) (١) رواه الجمهور.

وعن الصادق عليه‌السلام : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء » (٢).

وقضية الشرط التنجيس عند عدم البلوغ ، ولأنّه أحوط.

__________________

١ ـ الفائق ٣ : ٢٥٨ ، غريب الحديث للهروي ١ : ٣٣٨ ( نحوه ).

٢ ـ الكافي ٣ : ٢ / ١ و ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ ـ ٤٠ / ١٠٧ ـ ١٠٩ ، الاستبصار ١ : ٦ / ١ ـ ٣.

١٨

وقال الشافعي ، وأحمد : قلّتان (١) ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا كان الماء قلّتين لم يحمل خبثا ) (٢). ويضعف باحتمال اتساع الكر لأنّها من قلال الهجر (٣) ، وهى جرة كبيرة تشبه الحب. قال ابن دريد : تسمع خمس قرب (٤).

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : كلّ ما يتيقن أو يظن وصول النجاسة إليه لم يجز استعماله ، وقدّره أصحابه ببلوغ الحركة (٥). ويضعف بعدم الضبط ، فلا يناط به ما يعم به البلوى.

فروع :

الأول : للكر قدران : ألف ومائتا رطل ، قال الشيخان : بالعراقي ، وهو مائة وثلاثون درهما (٦) وقال المرتضى : بالمدني ، وهو مائة وخمسة وتسعون (٧).ونشأ الخلاف باعتبار السائل وبلد السؤال.

وما يكون كلّ بعد من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ونصفاً بشبر مستوي

__________________

١ ـ أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٤١ ، التفسير الكبير ٢٤ : ٩٤ ، مغني المحتاج ١ : ٢١ ، تفسير القرطبي ١٣ : ٤٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤ ، المجموع ١ : ١١٢ ، المغني ١ : ٥٢ ، سنن الترمذي ١ : ٩٨ ـ ٩٩.

٢ ـ سنن الترمذي ١ : ٩٧ / ٦٧ ، سنن النسائي ١ : ١٧٥ ، سنن الدارقطني ١ : ١٦ / ٧.

٣ ـ هجر : قرية قرب المدينة المنورة وقيل غير ذلك تنسب اليها القلال. مجمع البحرين ٣ : ٥١٧ ، واُنظر معجم البلدان ٥ : ٣٩٣ ـ هجر ـ فيهما.

٤ ـ اُنظر المغني ١ : ٥٢.

٥ ـ أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٤٠ ، شرح فتح القدير ١ : ٦٨ ، التفسير الكبير ٢٤ : ٩٤ ، اللباب ١ : ٢٠.

٦ ـ المقنعة : ٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٦.

٧ ـ الناصريات : ٢١٤ المسألة ٢.

١٩

الخلقة على الاشهر ، وحذف القميون النصف (١) ، فعلى الأول يبلغ تكسيره اثنين وأربعين شبراً وسبعة أثمان شبر ، وعلى الثاني سبعة وعشرين ، وقول الراوندي ، وابن الجنيد ضعيفان (٢).

الثاني : التقدير تحقيق لا تقريب ، وللشافعي قولان (٣).

الثالث : لا فرق في هذا التقدير بين مياه الغدران ، والقلبان (٤) ، والحياض ، والمصانع (٥) ، والاواني ، وإطلاق بعض فقهائنا تنجيس ماءً الاواني وإن كثر (٦) يجري مجرى الغالب.

الرابع : قال داود : إذا بال في الراكد ولم يتغير لم ينجس ، ولا يجوز له أن يتوضأ منه لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يبول الرجل في الماء الدائم ثم يتوضأ منه (٧) ، ويجوز لغيره.

وإذا تغوط فيه ولم يتغير لم ينجس ، وجاز أن يتوضأ منه هو وغيره ، ولو بال على الشط فجرى إلى الماء جاز أن يتوضأ منه (٨). وهو غلط.

الخامس : لو كانت النجاسة متميزة فيما زاد على الكر ، ولم تغيره جاز

__________________

١ ـ المقنع : ١٠ ، الفقيه ١ : ٦ ذيل ح ٢ ، السرائر : ٧.

٢ ـ حكى قولهما أيضاً المصنف في المختلف : ٣ ـ ٤.

٣ ـ المجموع ١ : ١٢٢ ، فتح العزيز ١ : ٢٠٧ ، الوجيز ١ : ٧ ، المهذب ١ : ١٣.

٤ ـ القلبان : جمع مفرده قليب ، وهو البئر قبل أن تبنى بالحجارة. الصحاح ١ : ٢٠٦ ، مجمع البحرين ٢ : ١٤٩ مادة قلب.

٥ ـ جمع مصنعة : حوض يجمع فيه ماءً المطر. الصحاح ٣ : ١٢٤٦ ، القاموس المحيط ٣ : ٥٣ « صنع ».

٦ ـ المراسم : ٣٦ ، المقنعة : ٩ ، النهاية : ٤.

٧ ـ سنن الترمذي ١ : ١٠٠ / ٦٨ ، سنن النسائي ١ : ٤٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢٣٥ / ٢٨٢ ، سنن الدارمي ١ : ١٨٦.

٨ ـ المجموع ١ : ١١٩.

٢٠