القند في ذكر علماء سمرقند - ج ١

نجم الدين عمر بن محمّد بن أحمد النسفي

القند في ذكر علماء سمرقند - ج ١

المؤلف:

نجم الدين عمر بن محمّد بن أحمد النسفي


المحقق: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: آينة ميراث « مرآة التراث »
المطبعة: مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ٠
ISBN: 964-6781-12-8
الصفحات: ٨٧٧

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تزخر خزائن مكتباتنا بالمخطوطات القيّمة التي تضمّ ثقافة ثرّة لإيران الإسلامية ، وهي في جوهرها مآثر العلماء والنوابغ العظام والتي تمثّل هويّتنا نحن الإيرانيين. وإنّ المهمّة الملقاة على عاتق كل جيل أن يبجّل هذا التراث الثمين ويبذل قصارى جهده لإحيائه وبعثه للتعرف إلى تاريخه وثقافته وأدبه وماضيه العلمي.

ورغم جميع الجهود التي بذلت خلال العقود الأخيرة لاكتشاف الكنوز المخطوطة لتراث هذه الأرض والتحقيق والبحث اللذين انصبّا في هذا المضمار ، ونشر مئات الكتب والرسائل القيّمة ، فإنّ الطريق ما يزال طويلا حيث توجد آلاف الكتب والرسائل المخطوطة المحفوظة في المكتبات داخل البلاد وخارجها ممّا لم يتمّ اكتشافه ونشره.

كما أنّ كثيرا من النصوص التراثية ورغم طبعها عدّة مرّات لم ترق إلى مستوى الأسلوب العلمي المتوخّى للنشر ، بل هي بحاجة إلى إعادة تحقيقها وتصحيحها.

إنّ إحياء ونشر الكتب والرسائل المخطوطة هو الواجب الملقى على عواتق المحققين والمؤسسات الثقافية ، وإنّ وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي وانطلاقا من أهدافها الثقافية ، أسست مركزا لتسهم من خلاله وبدعمها لجهود المحققين والباحثين وبمشاركة الناشرين ، في نشر التراث المخطوط ، ولتقدم للنخبة المثقّفة مجموعة قيّمة من النصوص التراثية ومصادر التحقيق.

مركز نشر التراث المخطوط

٥
٦

الإهداء

إلى علّامة الجزيرة

الأستاذ حمد الجاسر

وأياديه البيض على العربية لغة وأدبا وجغرافية وتأريخا.

٧
٨

فهرس الكتاب

المقدمة ١١

متن الكتاب.. ٤٥

مستدرك القند. ٧٠٣

فهرس الفهارس :

١. فهرس الآيات القرآنية ٧٠٥

٢ ـ فهرس الأحاديث القدسية والنبوية والمنسوبة للنبي (ص) والأخبار والآثار ٧٠٩

٣ ـ فهرس الأعلام المترجمين. ٧٥١

٤ ـ فهرس الخلفاء (عدا الراشدين) والملوك وأئمة المذاهب والأمراء والولاة والقضاة وكتّاب الدولة والمحتسبين   ٨٠٧

٥ ـ فهرس الأنساب والألقاب والصفات.. ٨١٥

٦ ـ فهرس الأقوام والجماعات والأمم والقبائل. ٨٣٩

٧ ـ فهرس البلدان والمدن والمواضع. ٨٤١

٨ ـ فهرس الكتب الواردة في المتن. ٨٥١

٩ ـ فهرس الوقائع والحوادث.. ٨٥٥

١٠ ـ فهرس المصادر والمراجع. ٨٥٧

٩
١٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

تعتمد هذه الطبعة من كتاب القند على مخطوطتين :

١. مخطوطة المكتبة الوطنية بباريس وتحتوي على تراجم الأشخاص الذين تبتدئ أسماؤهم بالحروف من الألف حتى الجيم. وهي تراجم غير موجودة في مخطوطة إستانبول التي نشرت سنة ١٤١٢ ه‍ في السعودية. حيث تضيف مخطوطة المكتبة الوطنية بباريس هذه ١٩٢ ترجمة لم تنشر في طبعة الرياض.

٢. مخطوطة إستانبول التي نشرت في الرياض غير محققة بتقديم محمد نظر الفاريابي ، وهي طبعة يمكن أن نسميها طبعة كارثية أساءت إلى الكتاب إساءة جسيمة ، ومن ذلك سقوط سبع تراجم منها ذكرت أسماء أصحابها في آخر ص ٥٦٦ من فهرست الكتاب وهي غير موجودة في نص الكتاب المطبوع (تحمل الأرقام من ٥٥٦ ـ ٥٦٢ من طبعتنا التي بين يدي القارئ الكريم) ، إضافة إلى أخطاء وقعت خلال نسخ الكتاب وطبعه مما جعل النص غامضا أحيانا إلى درجة يستحيل معها فهم النص. ولقد كان ينبغي لمن يقدم على طبع كتاب كهذا أن تكون له ولو معرفة بسيطة بعلم الرجال والتاريخ وجغرافية البلاد التي دارت تراجم الكتاب مدارها ، ونشير بشكل خاص إلى أن بعض الأماكن الواردة في الكتاب وأغلبها يقع في ماوراء النهر ، لا يوجد حتى في كتب الجغرافيا ومعاجمها مما يجعل أمر تحقيق الكتاب أمرا عسيرا ، وزاد الأمر سوء الأخطاء الطباعية التي أدت إلى ضياع الرسم الحقيقي لاسم الموضع أو النسبة التي نسب إليها المترجم له.

١١

الطباعية التي أدت إلى ضياع الرسم الحقيقي لاسم الموضع أو النسبة التي نسب إليها المترجم له. فحين يقال مثلا : علي السنكباني (ص ٨٧) ثم نقرأ : السكاني (ص ١٢٩) فلا نعلم من هو الصواب. والحقيقة هي أن الرجل هو : السنكباثي كما هو وارد في صفحات كثيرة من الكتاب (انظر مثلا : ص ٢١٩ ، ٢٢١ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ...) ولقد وردت نسبة الكبوذبخكثي بهذا الشكل على ما يزيد على اثنتي عشرة مرة (انظر مثلا : ص ٧٩ ، ١٠٠ ، ١٢٣ ، ١٧٤ ، ١٥٧ ، ٣٦٩ ، ٣٧٩ ، ٤٧١ ، ٤٨٠ ، ٥٠٨ ، ٥١٠ ...) مما يولّد قناعة لدى القارئ بأن الشكل الصحيح لهذه النسبة هو هذا. لكننا نقرأ في ص ٥١٠ وفي ترجمة واحدة ثلاثة أشكال لها وهي : الكبوذبخكثي ، والكبذوبخكثي ، الكبودنجكثي. فما هو الصحيح يا ترى؟ الحقيقة هي أن ناسخ المخطوطة قد كتبها في الورقات ٢٠ ب ، ٢٨ أ، ٣٦ أ، ٤٧ ب ، ٥٤ أبشكل الكبوذبجكثي (دون أن يضع نقطة تحت الحرف الذي يلي الذال لنعلم هل هو باء أم نون أم غير ذلك ، ثم عاد الناسخ في الورقة ١٢٩ ب ليكتبها : الكبوذبخكثي ، ثم ابتداء من الورقة ١٣٣ ب بدأ بكتابتها بشكل : الكبوذنجكثي واستمر بكتابتها بهذا الشكل ، والصواب هو كتابتها بهذا الشكل الأخير. ويمكن أن يسوّغ منضّد الحروف عمله بأنه وجد الكلمة كذلك في المخطوطة ، وهو عذر غير مقبول مع وجود مصادر التراث العربي ، إذ كان يكفي الرجوع مثلا إلى الأنساب للسمعاني لمعرفة صحيح تلك النسبة. ونقرأ في ص ١٣٧ : «فحمّ صالح جمّانا فصنا» ، ولا ندري ما هذا اللغز ؛ والصواب هو : «فحمّ صالح حمّى نافضا» وهي الحمى التي يشعر فيها الإنسان بالبرد مما يجعله يرتجف ويطلب الدثار. ثم نقرأ في ص ٤٨٣ قول الفضيل بن عياض : «كان جيرد لابي ووالدت بحيرد» ، ونضيع مرة أخرى في لغز آخر. والصواب هو : «كان جيرد لأبي ، وولدت بجيرد». وجيرد اسم قرية كان أبو الفضيل يملكها ، فولد فيها الفضيل.

ويبدو أن خط المخطوطة الجميل هو الذي أغرى ناشرها بتسليمها إلى منضّد الحروف الذي لم يكن يعرف شيئا خارج نطاق عمله فطبع الكلمات بالشكل الذي رآه هو صحيحا ، وأن دور نظر محمد الفاريابي قد اقتصر على كتابة المقدمة ، هذا ما خلصنا إليه من مطالعة طبعة الرياض. وحين لا يعرف منضد الحروف معنى «فدرة لحم» التي تعني قطعة اللحم ، فهو يطبعها : «قدرة لحم» (ص ٢٨) لوجود مناسبة بين القدر واللحم. وكتب الحديث : «زجّوا فإن البركة في التزجية»

١٢

أوله. ونقل قول أحد قضاة نسف لابنه : استخرت لك ما سمعت من صالح جزرة (ص ١٣٥). والصواب : استجزت لك. أي أخذت لك إجازة فيما سمعته من أحاديث منه. ثم نقرأ : «عبد الله بن جبريل الكسي يلقن جيبك» (ص ١٩٠) ، والصواب : يلقّب جبك. و «إذا دخل رجب يعطّلون أسلحتهم ويعضونها» (ص ١٤٧) والصواب : ويضعونها. وفي أغلب صفحات الكتاب نقرأ : «يروي عن أبي يعقوب الآبار» (انظر مثلا : ص ١١٠ ، ١٧٦) ، وطبع في خبر واحد بصورتين مختلفتين : الإبار ، الأبار (ص ١٨٤) مما يؤدي إلى ضياع الصواب. وإنما هو الأبّار ويبتر أحيانا الكلمة الواحدة ، فمدينة خرجكث طبعت بشكل : «جكث» (ص ٥٠٤). وقد يضيف في مقابل ذلك حرفا من عنده مما يؤدي إلى غموض أو تضليل ، فهو قد طبع : «أبو الفارسي» (ص ١٤١) والصواب : أبو الفارس. و: «أخبرني وإياه الشيخ الإمام الخطيب وأبو القاسم عبيد الله ...» (ص ٦٩) والصواب حذف «الواو» من «وأبو القاسم» ، فالشيخ الإمام الخطيب هو نفسه أبو القاسم عبيد الله. ومن إضافاته : «حدثنا أبو أحمد بن يوسف السلمي» (ص ٢٦٧) والصواب حذف كلمة «أبو» فهي غير موجودة في المخطوطة. كما أسقط أكثر من سطر من ترجمة الفتح بن محمد اللؤلؤي (ص ٥٢٢ ـ ٥٢٣ ؛ وتحمل الرقم ١١٧٩ من طبعتنا) ويمكن مقارنة ما ورد في طبعة الرياض بما هو في طبعتنا. ونقرأ في ص ٤٤٩ : «العباس بن الطيب الساغرجي : يروي عنه قال : وبهذا الإسناد ...» ، فلا ندرك المعنى ، والصواب هو : «يروي عنه حافده» والحافد هو ولد الولد ، وقد حذف الناشر أو منضد الحروف هذه الكلمة لأنه لم يعرفها أو لم يسمع بها. وتكون علامات الترقيم أو الفوارز أو النقاط الشارحة هي السبب في الخطأ ، إذ نقرأ مثلا في ترجمة زكريا النسفي (ص ٦٤ ؛ الترجمة ٢٧٤ من الطبعة الحالية) : روى عنه : عبد الله بن محمد بن يعقوب وأهل بخارى من أهل بيته عدّه أسد بن حمدويه ومحمد بن طالب وعبد المؤمن بن خلف وابنه محمد بن زكريا» والصواب إضافة حرف الواو قبل كلمة «عدة» ـ بالتاء وهي ليست هاء كما في طبعة الرياض ـ أي أن الرواة عنه إضافة إلى عبد الله بن محمد بن يعقوب هم أهل بخارى وعدة من أهل بيته هو ، والدليل على ذلك وجود اسم ابنه محمد بين هؤلاء الرواة. ونقرأ في ترجمة الشاه بن جعفر بن حبيب (ص ١٢٧) : «قال أبو عبد الله : الغنجار هو بخاري الأصل». والصواب أن الغنجار هي شهرة أبي عبد الله وينبغي أن تطبع الجملة بالشكل التالي : «قال أبو عبد الله الغنجار :

١٣

هو ـ أي الشاه بن جعفر ـ بخاري الأصل». ونشير إلى أن الغنجار نفسه من أهل بخارى وهو الذي ألّف تاريخ بخارى (١) ، إلا أن الحديث لا يدور مداره بل مدار الشاه بن جعفر.

ولنأت إلى مدينة أربنجن والنسبة إليها أربنجي ، وهي من مدن بلاد السغد ، مدينة عريقة قال عنها الطبري (٦ / ٤٧٨) : «وهي التي تجلب منها اللبود الأربنجنية». أما ما ذكره السمعاني في الأنساب (١ / ١٠٤) من أنه رأى في تاريخ بغداد نسبة الأربنجي وقال : «وظني أنه أسقط النون من آخرها ، وهي أربنجن ...» ، فيبدو أن ظن السمعاني لا يخلو من قوة إذ لا نجد اسم مدينة كهذه ولا نسبة إليها فيما بين أيدينا من مصادر ، وقد تكتب ربنجن أيضا (الأنساب ، ٣ / ٤٤). فلننظر ماذا صنعت طبعة الرياض بها وكيف عمّي أمرها على القارئ : الأرنبجني (ص ١٢٤) ، الأربجيني (ص ١٤١) ، الأربنجي ، وبعد ثلاثة أسطر : الأربنجني (ص ٢٥١) ، وكان بالإمكان مراجعة أحد كتب الجغرافيا أو الأنساب أو التاريخ لمعرفة صواب الكلمة والنسبة (٢). وقد يبلغ التصحيف حدا أن يبتعد بالكلمة كثيرا عن شكلها الأصلي ، فنسبة البنخجنيني (ص ٢٨٧) لا يمكن التعرف إليها في أي مصدر ، ذلك أن صوابها هو البنجخيني ؛ وكذلك دنوسية (ص ١٧٠) التي صوابها : دبوسية ؛ ولا الكشمينهيني (ص ١٣٣) إذ صوابها : الكشميهني ؛ ولا السجاري (ص ٤٠١) التي صوابها : السنجاري ؛ ولا التونكي (ص ٢٣٥) التي صوابها : التونكتي ؛ ولا الزيبي (ص ٤٠٦ ، ٤٠٨ ، ٤١١) التي صوابها الزينبي ؛ وخجبند (ص ٣٣٩) التي صوابها خجند ؛ ولا الفتيء (ص ١١٦) وصوابها الفيّيّ ؛ ولا البخلي (ص ١٤٧) وصوابها البلخي ؛ أو الصيرافي (ص ٢٥٢) وصوابها الصيرفي ؛ أو الصفاد (ص ٢٥٤) وصوابها الصفار ؛ أو التشكدنروي (ص ١٤٦) وصوابها التشكديزوي ؛ أو الكوجميشني (ص ٤٠٦) ، وصوابها الكوجميثني ؛ أو القبتي (ص ١٩٢) وصوابها القتبي وهو ابن قتيبة الدينوري ؛ أو الخرزي (ص ٢٧٤) ، وصوابها الخزري ؛ أو الموطعي (ص ٢٧٥) ، وصوابها المطوعي ؛ أو العياذي (ص ٢٩٣) ، وصوابها العياضي ؛ أو دحيء الأعرابي (ص ٤٦) ، وصوابها دحيّ ؛ أو الوابكني (ص ٣٥٥) ، وصوابها الواتكتي ؛ أو

__________________

(١) ترجم له السمعاني في الأنساب ، ٤ / ٣١١.

(٢) في ص ٣٠٥ من طبعة الرياض أيضا نقرأ : «كتب الحديث ... عن أهل أرننجن والكسانية» ، والصواب : أربنجن والكشانية.

١٤

الرندانقاني (ص ٥١٨) ، وصوابها الدندانقاني ؛ أو الإشتيخيني (ص ٥٠٠) ، وصوابها الإشتيخني ؛ أو البينجيكتي (ص ٣٦١) ، وصوابها البنجيكتي ؛ أو سكة ابن نكران (ص ٤٥) ، وصوابها سكة بزنكران ، وغير ذلك مما يبلغ مئات الأغلاط في مجموع الكتاب.

ومن الأغلاط العجيبة ما ورد في ص ٤٦٣ عن إحدى خطب النبي (ص) على المنبر حيث ورد في آخر الخبر : «فرجف رسول الله (ص) المنبر حتى قلنا ليحزن به» ، وصوابها : فرجف برسول الله (ص) المنبر حتى قلنا ليخرّنّ به. وفي ص ١٣٥ لم يدرك طابع الكتاب معنى كلمة «مزاح» فطبعها بالجيم ، حيث نقرأ : «كان به دعابة ومزاج» ، ويبدو أنه استعارها من العامية : «فلان صاحب مزاج». وفي ص ١٤٤ : «حدثني عبد العزيز بن عبيد الله بسيء» ولم يذكر لنا السيىء الذي حدّث به. وصوابها : بشيء. وفي ص ٣٨٤ : فنحن وآل العباس نختصم في ولاية. ولا ندري أية ولاية يتخاصم فيها الطرفان ، والصواب : في ولائه ، إذ الحديث يدور عن عبد وعن عتقه.

فإذا أضفنا إلى ذلك الأغلاط التي حدثت في فهرسي الكتاب (فهرس التراجم وفهرس الأحاديث والآثار) ، إضافة إلى الأخطاء في الترقيم المذكور في الفهرسين المذكورين حيث يحال إلى رقم معين فلا نجده ينطبق على الرقم المذكور في أول كل ترجمة من تراجم الكتاب ، صحّ قولنا : إن كتاب القند الذي نشرته مكتبة الكوثر بالرياض قد وقعت فيه مئات الأغلاط طباعية وغير طباعية مما يجعل طبعته طبعة كارثية حقا كان الأجدر أن لا تصدر بشكلها الذي صدرت به.

مؤلف الكتاب

يعد ما كتبه السمعاني عنه في معجم شيوخه هو الحجر الأساس لأغلب ما نعرفه من معلومات عن حياته ، وقد ظل المتأخرون يقتبسون تلك الترجمة من السمعاني ويضيفون إليها بعض ما يعثرون عليه من معلومات. قال أبو سعد السمعاني :

«أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن لقمان النسفي ثم السمرقندي ، الحافظ ، من أهل نسف سكن سمرقند : إمام فقيه فاضل عارف بالمذهب والأدب ، وصنف في الفقه والحديث ، ونظم الجامع الصغير (١) وجعله شعرا. وأما مجموعاته في الحديث فطالعت منها

__________________

(١) من تأليف محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة ١٨٩ ه‍.

١٥

الكثير وتصفحتها فرأيت فيها من الخطأ وتغيير الأسماء وإسقاط بعضها شيئا كثيرا وأوهاما غير محصورة ، ولكن كان مرزوقا في الجمع والتصنيف. سمع أبا محمد إسماعيل بن محمد النوحي النسفي وأبا اليسر محمد بن محمد بن الحسين البزدوي وأبا علي الحسن بن عبد الملك النسفي وجماعة كثيرة سواهم. كتب إليّ الإجازة بجميع مسموعاته ومجموعاته ، ولم أدركه بسمرقند حيا. وحدثني عنه جماعة. وإنما ذكرته في هذا المجموع لكثرة تصانيف وشيوع ذكره وإن لم يكن إسناده عاليا ، وكان ممن أحب الحديث وطلبه ولم يرزق فهمه. وكان له شعر حسن مطبوع على طريقة الفقهاء والحكماء.

وكانت ولادته في سنة إحدى أو اثنتين وستين وأربعمائة بنسف ، وتوفي في الثاني عشر من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة بسمرقند» (١).

أما شيوخه فكثيرون ولقد قال السمعاني : «كتب لي بالإجازة وقال : شيوخي خمسمائة وخمسون رجلا» (٢) ، وقد جمعهم في كتاب سماه «تعداد الشيوخ لعمر ، مستطرف على الحروف مستطر ، جمع فيه شيوخه وهم خمسمائة وخمسون شيخا» (٣). ويبدو أنه غير كتابه الآخر الإجازات المترجمة بالحروف المعجمة (٤) ، حيث ينبئ عنوان هذا الأخير بأنه مخصص لمن أخذ عنهم إجازة في الرواية. وقد وردت أسماء بعض شيوخه متناثرة في المصادر مما يعسر جمعه (٥) ، وسترد أسماء بعضهم خلال مقدمة الكتاب هذه. وسنذكر أهمهم ممن كانوا حلقة وصل بينه وبين أصحاب المؤلفات التي نرجح أنه أفاد منها في تأليفه القند ، وممن أفرط

__________________

(١) منتخب معجم شيوخ السمعاني ، الورقة ١٧١ ب ، التحبير ، ١ / ٥٢٧ ، ٥٢٨ ؛ تاريخ الإسلام ، ٤٤٧ ـ ٤٤٨ (٥٢١ ـ ٥٤٠ ه‍) سير أعلام النبلاء ، ٢٠ / ١٢٦ ـ ١٢٧ ؛ العبر ، ٢ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣ ؛ عيون التواريخ ، ١٢ / ٣٧٥ ؛ تاج التراجم لابن قطلوبغا ، ٤٧ ؛ الطبقات السنية ، ٦١٤ ـ ٦١٥ ؛ لسان الميزان ، ٥ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ؛ ذيل تاريخ بغداد لابن النجار ، ٢٠ / ٩٨ ـ ١٠٠ ؛ طبقات المفسرين ، ٢٧ ؛ الأعلام ، ٥ / ٦٠.

(٢) تاريخ الإسلام ، ٤٤٨ (٥٢١ ـ ٥٤٠ ه‍).

(٣) كشف الظنون ، ١ / ٤١٨ ؛ وفي ذيل تاريخ بغداد (٢ / ٩٩): «روى فيه عن عامة مشايخه».

(٤) إيضاح المكنون ، ١ / ٢٥.

(٥) وردت أسماء بعض شيوخه ـ عدا من سيردون أعلاه ـ في الأنساب ، ١ / ٤٩١ ، ٢ / ٣١٥ ، ٥ / ٥٢٦ وصفحات أخرى ؛ وفي معجم البلدان ، ١ / ٨٩٢ ، ٢ / ٥٥ ، ٣٩٦ ، ٤٩٨ ، ٥٠٩ ، ٥٦٨ ، ٧١٧ ، ٤ / ٧١٧ ، ٤ / ٨٢٢ ، ٨٢٥ ؛ وفي ذيل تاريخ بغداد ، ٢٠ / ٩٩ ؛ الجواهر المضية ، ٢ / ١٥٦ ، ٤٤٦ ، ٤٤٧ ، ٦٥٣ ، ٦٦ ، ٣ / ٣١١ ، ٥٢٥ ، ٦٣٠.

١٦

في النقل عنهم في كتابه إلى درجة أنه كان يختصر بداية الإسناد لكثرة تكراره :

١. الحسن بن عبد الملك بن علي بن موسى بن إسرافيل النسفي (٤٠٤ ـ ٤٨٧ ه‍) ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء (٩ / ١٤٣ ـ ١٤٤) وقال : «سمع الكثير من الحافظ جعفر بن محمد المستغفري ولازمه». ويرد في القند بهذا الشكل : «أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن عبد الملك النسفي قال : أخبرنا أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري قال ...» ، وعند ما يأتي إلى ترجمة ثانية فيها نفس الإسناد ، فإنه يختصر القول فيقول : «وأخبرنا الحسن هذا قال : أخبرنا جعفر هذا ...» ، والمقصود هو الإسناد الأول. (١)

أما المستغفري (٣٥٠ ـ ٤٣٢ ه‍) فهو مؤلف تاريخ نسف وصفه السمعاني بقوله : إنه «تاريخ كبير يقع في مجلدتين ضخمتين» وقال عنه أيضا : «كتاب مشبع يشتمل على ثمانين طاقة أو أكثر» (٢) ، ولتقدير حجمه نشير إلى أن الأنساب للسمعاني يشتمل على ٣٥٠ طاقة ، فهو بحجم ربع كتاب الأنساب تقريبا. وكان بين يدي السمعاني وقد نقل عنه (٣). ومما يؤكد ملازمة الحسن بن عبد الملك هذا للمستغفري قول السمعاني : إن الحسن هذا يروي جميع كتب المستغفري (٤).

أما طريقه الآخر إلى المستغفري فهو ما كان يرويه عن أبي محمد الحسن بن أحمد بن محمد ابن قاسم بن جعفر القاسمي الكوجميثني (٤٠٩ ـ ٤٩١ ه‍) الذي ترجم له عبد الغافر وقال : «السمرقندي ، الإمام الحافظ عديم النظير ... سمع من أهل سمرقند وبخارى وأكثر عن أبي العباس المستغفري» (٥). ويرد في القند بكثرة بوصفه شيخا لأبي حفص النسفي مؤلف الكتاب بقوله : أبو محمد الحسن بن أحمد القاسمي ، أو أبو محمد الكوجميثني ، وهو نفسه المذكور لدى الذهبي باسم : الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ (٦). وله إلى المستغفري طرق أخر لكنها قليلة جدا

__________________

(١) انظر مثلا التراجم المرقمة ٧٣٤ ، ٧٣٥ ، ٧٣٧.

(٢) الأنساب ، ٥ / ٤٧٣ ـ ٤٨٧.

(٣) انظر مثلا : الأنساب ، ١ / ١٣١ ، ٣ / ٤٧٠.

(٤) منتخب معجم شيوخ السمعاني ، الورقة ٢٢٧ أ.

(٥) المنتخب من السياق ، ٢٨٢.

(٦) تاريخ الإسلام ، ٣٦٥ (٤٢١ ـ ٤٤٠ ه‍).

١٧

قياسا إلى الطريقين الآنفين (١).

كما قام هو بدور الناقل لروايات المستغفري من خلال الرسائل المتبادلة بينه وبين خطيب خوارزم الموفق بن أحمد بن محمد المكي المتوفى سنة ٥٦٨ ه‍ ، ويسند إليه في كتابه مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة كما يلي : «أخبرني الإمام الحافظ أبو حفص عمر بن محمد البارع النسفي في كتابه إليّ من سمرقند قال : أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن عبد الملك النسفي قال : أخبرنا الحافظ جعفر بن محمد المستغفري النسفي ...» (انظر مثلا : ١ / ٦٦ ، ٨٤ ، ١٣٩ ، ٢٥٧ ، ٢٧١).

٢. عمر بن أحمد بن محمد بن شبيب ، أبو حفص الشبيبي الديزكي المتوفى سنة ٥١١ ه‍ الذي يروي عن عمر بن أحمد بن محمد بن الحسن أبي حفص الفارسي الشاهيني المتوفى سنة ٤٥٤ ه‍ ، الذي يروي عن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله ، أبي سعد الإسترابادي المنّويي الإدريسي المتوفى سنة ٤٠٥ ه‍. (٢) ويرد الإسناد الآتي بكثرة في القند : «أخبرنا الشيخ الإمام أبو حفص عمر بن أحمد الشبيبي قال : أخبرنا الشيخ أبو حفص عمر بن أحمد الشاهيني قال : أخبرنا الشيخ أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإسترابادي (الإدريسي) ...» ، وغالبا ما يأتي في الترجمة التي تلي قوله : «وبهذا الإسناد عن أبي سعد» ، أو «وبه عن الإدريسي» (٣) ، والمقصود الإسناد المذكور آنفا.

والإدريسي مؤلف كتابين مهمين مما نرجح أن مؤلف القند قد أفاد منهما ، والكتابان هما : تاريخ إستراباد الذي يمكن أن نأخذ فكرة عن حجمه من خلال قول السمعاني عند حديثه عن إقامته بإستراباد : «أقمت بها قريبا من عشرة أيام فكتبت بها عن جماعة وكتبت تاريخ إستراباد من تصنيف أبي سعد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الإسترابادي المعروف بالإدريسي» (٤).

__________________

(١) انظر مثلا الترجمة ٢٢١ حيث روى عن محمد بن الخليل بن أحمد عنه.

(٢) تراجمهم في القند : الشبيبي الديزكي برقم ٨٢١ ، الفارسي الشاهيني برقم ٨٢٠ ، الإدريسي الإسترابادي برقم ٦١٤ ؛ وفي الأنساب ، ٢ / ٥٢٦ ، ٣ / ٣٩٠ ، ١ / ٩٩ على التوالي.

(٣) انظر مثلا التراجم المرقمة ٨٠٩ ، ٨١٠ ، ٨١١ ، ٨١٢ ، ٨١٣ ، ٨١٤ ، ٨١٦ ، ٨١٧ ، ٨١٨ ،

(٤) الأنساب ، ١ / ١٣٠ ؛ الإعلان بالتوبيخ ، ٢٤٧ ؛ كشف الظنون ، ١ / ٢٨١. وقد نقل عنه ياقوت في معجم البلدان ، ٣ / ٨٤.

١٨

والثاني : الكمال في معرفة الرجال بسمرقند (١) ، وورد في القند أن اسمه هو الكمال في معرفة الرجال من علماء سمرقند ، وأشار إلى وجود مختصر له بعنوان مختصر الكمال (٢). وعبارة السمعاني دالة على أهمية الإدريسي بالنسبة لتاريخ هاتين المدينتين حيث قال في ترجمته : «من أهل إستراباد ، سكن سمرقند إلى حين وفاته وهو صاحب تاريخيهما أعني سمرقند وإستراباد» (٣). ويسمي السمعاني كتاب الكمال باسم تاريخ سمرقند اختصارا على ما يبدو وذلك في المقتطفات التي نقلها منه. (٤)

ولا يخفى على أحد أهمية هذه التواريخ ذات العلاقة بالمدن الثلاث سمرقند وإستراباد ونسف (ويقال لها : نخشب أيضا) ، وذلك لكثرة رجال الحديث الذين ينتمون إليها ممن ترجم لهم النسفي في القند ، ولكون مؤلف القند نفسه نسفيا. وإن ضياع مقدمة الكتاب من المخطوطتين اللتين بين أيدينا قد أضاع علينا فرصة التعرف إلى المصادر التي رجع إليها مؤلف القند في تأليف كتابه ، لكننا مع كل هذا نرجح بشكل يقرب من اليقين أنه أفاد على الأقل من المصادر الثلاثة المذكورة آنفا.

٣. عبد الله بن أحمد بن محمد ، أبو محمد النجار (٤٢٨ ـ ٥٠٣ ه‍) نافلة (٥) الشيخ الإمام الخطيب أبي بكر محمد بن عبد الله بن واصل النجار السمرقندي. وقد وردت ترجمته في القند برقم ٥٥٥. ولا نعلم شيئا آخر عنه ولا عن جده سوى ما قدمه النسفي في هذه الترجمة ، وقد دعاه : «شيخي» ، وأكثر في النقل عنه في كثير من أرجاء الكتاب بالشكل التالي : «أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد النافلة قال : أخبرنا جدي الشيخ الإمام الخطيب أبو بكر محمد ابن عبد الله النجار قال ...».

__________________

(١) الأنساب ، ٢ / ٤٢٨.

(٢) الترجمة ٦١٤.

(٣) الأنساب ، ١ / ٩٩.

(٤) انظر مثلا : الأنساب ، ١ / ٢٨٠ ، ٤ / ٥٢٦ ، ٥ / ٩٤ ؛ وكذلك يدعوه ابن حجر في لسان الميزان ، ٢ / ١٢ ، ٦ / ١١ ، ٣٦٦. ويرد بهذا الاسم لدى ياقوت في معجم البلدان ، ١ / ٤١٧ ، ٢ / ٥١٢ ، ٤ / ١٣٩ ، ٢١٠ ، ٤٥٣ ، ٥٢١.

(٥) النافلة : ولد الولد.

١٩

لا نعرف عن أسفاره الكثيرة إلا القليل لنقص في مصادرنا ، ومع ذلك نعلم من الترجمة (٨٥١) عند ذكره عمر الواتكتي أنه ذهب إلى بخارى للدرس حيث قال : «كان معنا ببخارى وقت تفقهنا بها وسمع معنا من مشايخها». كما ذهب إلى بغداد سنة ٥٠٧ ه‍ كما ذكر ذلك ابن النجار بقوله : «قدم بغداد حاجا في سنة سبع وخمسمائة وسمع من أبي القاسم ابن بيان وغيره» (١) ، وهو كلام يفهم منه أنه كان في طريقه إلى الحج تلك السنة ويبدو أنه لم يمكث طويلا ببغداد أو مكة ، ذلك أن فصيح الخوافي يقول ضمن حوادث ٥٠٧ ه‍ : «فيها عاد الإمام أبو حفص النسفي من أهل سمرقند من الكعبة المعظمة» (٢). وقد حدّث خلال إقامته ببغداد في مدرسة الأمير خمارتكين ابن عبد الله. (٣)

وأخيرا توفي سنة ٥٣٧ ه‍ ودفن بمقبرة جاكرديزة بسمرقند ، وهي مقبرة وصفها أبو طاهر السمرقندي بقوله : «تقع داخل مدينة سمرقند في طرف القسم الشرقي فيها ... وكانت (المقبرة) في الأصل بستانا للشيخ الزاهد إبراهيم بن شماس المطوعي (٤) وهو مدفون فيها ... وفي الطرف الغربي صحن توجد فيه حظيرة المفتين يقال إنه مدفون فيها أربعمائة من المفتين (٥) ، ويوجد

__________________

(١) ذيل تاريخ بغداد ، ٢٠ / ٩٩ ، أما ابن بيان فهو علي بن أحمد بن محمد بن بيان الرزاز البغدادي (٤١٣ ـ ٥١٠ ه‍) ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء (١٩ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨). وفي الترجمة ٥٦١ ذكر أن النسفي كان ببغداد خلال سنتي ٥٠٧ و٥٠٨ ه‍.

(٢) مجمل فصيحي ، ٢ / ٢١٨.

(٣) ذيل تاريخ بغداد ، ٢٠ / ٩٩.

(٤) قال محقق كتاب سمرية الذي نقلنا منه هذا النص إن اسم هذا الرجل ورد في المخطوطة بشكل : إبراهيم ابن سماس المطوعي. وقد صححه محقق الكتاب إلى : «أبو إسحاق ابن إبراهيم السماسي المطوعي». ولا ندري السبب في هذا التصحيح الذي ابتعد كثيرا بالاسم عن واقعه. فإبراهيم بن شماس السمرقندي الغازي المطوعي مشهور جدا وقد ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد (٦ / ٩٩ ـ ١٠٢) وقال : «كان فارسا شجاعا ، قتله الترك وهو جاء من ضيعته وهو غارّ لم يشعر بهم ، وذلك خارج من سمرقند ولم يعرفوه ... سنة ٢٢١ ه‍». وقد ورد في قندية (ص ٣٣) بشكل «أبو إسحاق ابن إبراهيم السماسي». والصواب ما ذكرناه.

(٥) نحتمل أن هذه الحظيرة هي «تل أصحاب الحديث» الذي ترد الإشارة إليه كثيرا في القند بوصفه مدفنا لأصحاب الحديث ، وهي التي ذكرت في كتاب قندية (ص ٣٢) دون اسم بالقول : «مقبرة الأربعمائة والأربعين ألف متّق (!) المدفونين فيها».

٢٠