حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

احمد حسين يعقوب

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

المؤلف:

احمد حسين يعقوب


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

هذه أوامر الله ، وتلك مشيئته التي لا راد لها ، وهي حتميات لا بد من وقوعها بالكم والكيف الذي أرادة الله.

آيات ومعجزات كافية لتحقيق الغايات

وإنجاز المهمات

الأهداف والمهام الکبرى المناطة بالإمام المهدي المنتظر تحقيقها على مستوى الكرة الأرضية ، وعلى مستوى بني البشر جميعاً تحتاج إلى آيات ومعجزات كافية ، وناطقة بالحق ، فاذا كان النبي موسى المكلف بإنقاذ بني اسرائيل من قبضة الفرعون ، وهداية الاقليم المصري يحتاج إلى تسع آيات بينات ، ومع أنه قد أظهر هذه الآيات التسع الا أن مصر لم يهتدوا ، وأثمرت هذه الآيات عن انقاذ بني اسرائيل فقط وهدايتهم إلى حين ، ومع أن الآيات والمعجزات الربانية قد تتابعت وأظهرها موسى جميعاً إلا أن بني اسرائيل قد انحرفوا انحرافاً كبيراً ، وعبدوا العجل عندما غاب عنهم موسى أياماً معدودات ، وحال الأنبياء جميعاً لم تختلف كثيراً عن حال موسى ، ومعاناتهم لم تقل عن معاناته ، إذا کان هذا الکم والکيف من المعجزات قد أظهرهما الله تعالى وإيد بهما موسى لغايات انقاذ بني إسرائيل من قبضة فرعون وهدايتهم ، وهم مجرد عشيرة ، فما هو حجم الآيات والمعجزات التي تلزم لتحقيق المحتويات المكلف الإمام المهدي بتحقيقها وهي على مستوى الكرة الأرضية ومستوى الجنس البشري!!! من المؤكد بأن الله سبحانه وتعالى سيزود الإمام المهدي بالآيات والمعجزات اللازمة والكافية لتحقيق الغايات ، وانجاز المهمات التي كلفه الله تعالى بتحقيقها وانجازها.

نماذج من الآيات والمعجزات

التي سيظهرها الله على يد المهدي المنتظر

قال الإمام جعفر الصادق : « ما من معجزة من معجزات الانبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا ، لاتمام الحجة على الاعداء ». [ راجع الحديث رقم ٩٣١ من معجم احاديث الإمام المهدي ج‍ ٣ ص ٣٨٠ ، واثبات الرجعة للفضل بن شاذان واثبات الهداة ج‍ ٣ ص ٧٠٠ ، ومنتخب الاثر ص ٣١٢

٢٠١

ح ٣ ]. والإمام جعفر الصادق لا يحدث مثل هذا الحديث برأيه أو تحليله أو استناجاته ، انما يحدثه رواية عن أبيه ، وعن جده عن رسول الله ، وهذا ثابت عن الأئمة الكرام بأنهم إذا حدثوا فانما يحدثون عن رسول الله ، فضلاً عن ذلك ، فان هذا الجزم من رجل وامام معروف بالصادق لا يتسع به الرأي ولا الاجتهاد ، وعلى أي حال ، فان أهل بيت النبوة مجمعون على أنهم قد سمعوا ووعوا رسول الله وهو يؤكد بأن الله سبحانه وتعالى سيزود المهدي بالآيات والمعجزات الكافية لتحقيق الغايات الکبرى ، وتنفيذ المهام العظمى التي أناط الله تعالى بالمهدي تحقيقها وتنفيذها وان هذه الأحاديث صحيحة ومتواترة عندهم ، وهم يجزمون بأنها قد صدرت من رسول الله بالفعل ، وتبعاً لإجماع أئمة أهل بيت النبوة وجزمهم ويقينهم أجمعت وتيقنت بأن رسول الله قد أكد بالفعل ، بأن الله سبحانه وتعالى سيظهر على يد المهدي المنتظر الآيات والمعجزات الكافية ، لتحقيق الغايات الکبرى التي كلفه الله تعالى بتحقيقها. وهذا الاجماع والجزم واليقين من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان من شيعة أهل بيت النبوة المخلصين.

١ ـ فمع المهدي راية النبي الغالبة الحديث رقم ٧٧١ ، ومعه سلاح النبي الحديث رقم ٧٧٢ ، ومعه مواريث النبي الحديث رقم ٧٧٣ ، ومعه عصا موسى وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها ، وانها لتنطق إذا استنطقت ، اعدت للمهدي ليصنع ، كما كان موسى يصنع بها ، وانها لتروع وتلقف ، ومعه حجر موسى لا ينزل المهدي منزلا الا انبعثت عين منه ، فمن كان جائعا شبع ومن كان ظماناً روي. [ راجع الحديث ٧٧٥ و ٧٧٧ ].

٢ ـ ينادي مناد من السماء ألا إن الحق في آل محمد الحديث ٨١٣ ، وينادي المنادي : « ان المهدي من آل محمد ، فلان بن فلان باسمه واسم ابيه الحديث ٨١٥ ، ويسمع هذا النداء أهل المشرق والمغرب ، حتى تسمعه الفتاة في خدرها الحديث ٨١٧.

٣ ـ ويخرج المهدي المصحف الذي كتبه علي كما انزله الله بخط يده ، ويإملاء رسول لله ، ويخرج الجامعة التي فيها بيان حكم کل شيء حتى أرش

٢٠٢

الخدش. [ راجع الحديث رقم ١١١٥ ].

٤ ـ وروي أن الملائكة الذين نصروا محمد يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدوا حتى ينصروا المهدي ، الحديث ٨٢٤.

نماذج من احاديث رواها شيعة الخلفاء

أو أهل السنة عن بعض معجزات

الإمام المهدي

١ ـ « يخرج الإمام المهدي على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ». [ راجع الحديث رقم ١١٨ ج‍ ١ من المعجم. راجع بيان الشافعي ح ٥١١ ب ١٥ والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٩٨ ، وقال : روته الحفاظ كأبي نعيم ، والطبراني ، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج‍ ٢ ص ٦١ ، وتاريخ الخميس ج‍ ٢ ص ٢٨٨ عن أبي نعيم ].

٢ ـ ومثله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يخرج المهدي وعلى راسه مَلَك ينادي ان هذا هو المهدي فاتبعوه. [ رواه الطبراني ، وأبو نعيم ، وبيان الشافعي ص ٥١٢ ب ١٦ ، راجع الحديث رقم ١١٩ ج‍ ١ ].

٣ ـ يظهر في آخر الزمان على راسه غمامة تظله من الشمس تدور معه حيثما دار ينادي منادٍ بصوت فصيح هذا هو المهدي ، الحديث ١٢٠.

٤ ـ « مع المهدي راية رسول الله المغلبة » ... [ الحديث رقم ١٣٣ ج‍ ١ وابن حماد ص ٩٨ ، وملاحم ابن طاووس ص ٦٨ ب ١٤٠ ، وعرف السيوطي الحاوي ج‍ ٢ ص ٧٥ ].

٥ ـ في راية المهدي مكتوب البيعة لله. [ راجع الحديث رقم ١٣٤ ج‍ ١ ].

٦ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فلو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام ». [ رواة الترمذي على ما في تحفة الاشراف ج‍ ٩ ص ٤٢٨ ، والديلمي على ما في كنز العمال ج‍ ١٤ ص ص ٢٦٩ ح ٣٨٦٨٤ ، والفردوس ج‍ ٣ ص ٣٧٢ ، وتذكرة القرطبي ص ٧٠٠ ، راجع الحديث رقم ٨٤ ج‍ ١ من أحاديث المهدي ].

٢٠٣

وقد صحت هذه الأحاديث وأمثالها عن أهل السنة وتواترت ، وجزموا بانها قد صدرت بالفعل من رسول الله.

لماذا وُصف بالمهدي؟

الله سبحانه وتعالى هو الذي وصف الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة بالمهدي ، وبناء على هذا الوصف الإلهي بشر رسول الله بهذا الرجل ووصفه بالمهدي أيضاً وبناء علي هذين الوصفين اعتقد المسلمون قاطبة بهذا الوصف فأطلقوة على الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة ، أو على ذلك الخليفة الذي سيملك مشارق الأرض ومغاربها ، ويكوّن دولة عالمية ، وينشر العدل والرخاء والاسلام في الكرة الأرضية. أما لماذا وصف بالمهدي؟ فقد وردت عدة أخبار عن رسول الله وأهل بيته تجيب على هذا السؤال منها :

١ ـ فعن الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب انه قال : « انما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي لأمر خفي يهدي ما في صدور الناس ، ويخرج التوراة من مغارة في أنطاكية ويعطي حكم سليمان » [ راجع الحديث رقم ٧٤٨ ج‍ ٣ من المعجم ].

٢ ـ وروى حديث عن رسول الله أنه قد قال لعلي : « يا علي لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك يقال له المهدي يهدي به العرب ، كما هديت أنت الكفار والمشركين من الضلالة ، ثم قال : ومكتوب على راحته بايعوه فإن البيعة لله عز وجل. [ الحديث رقم ٩٢ ج‍ ١ من المعجم ].

وما يعنينا هنا أن الرسول قد قال : يقال له المهدي ، يهدي إلى امر الله ويهتدي به العرب.

٣ ـ وروى عن الإمام جعفر الصادق أنه سئل : « المهدي والقائم واحد »؟ فقال نعم. فقال السائل : لأي شيء سمي المهدي؟ قال الإمام : لأنه يهدي الى كل امر خفي ، الحديث رقم : ١١٢١.

٤ ـ وروى عنه أيضاً أنه قد قال : « إذا قام القائم عليه‌السلام دعا الناس إلى

٢٠٤

الاسلام جديداً ، وهداهم إلى أمر قد دُثر فضلَّ عنه الجمهور ، وانما سمي القائم مهدياً ، لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه » ... [ راجع الحديث رقم : ١١٢٢ والمراجع المذكورة تحته ].

وعندما يظهر المهدي سيكون الإسلام أثراً بعد عين ، سيكون العالم كله في ضلالة عمياء ، يتخبط ولا يعرف طريق الهدى ، إنه فريسة الظن والتخمين حائر بأمره ، عندئذ يظهر الإمام المهدي فيهدي العالم إلى الصراط المستقيم ويدله عليها ، ويضع تحت تصرف العالم الحوافز التي تحفزه لسلوك هذا الطريق ، ومع التأكيد الإلهي ، والتوفيق ينجح المهدي المنتظر بإنفاذ العالم وهدايته إلى طريق الخير ، وينجح بتوحيد أبناء الجنس البشري ويهتدي إلى الطرق التي تشبع كافة حاجاتهم وتجعلهم يعيشون كفاية ورخاء. كل هذه الأسباب مجتمعة ومنفردة تكمن خلف وصف الإمام الثاني عشر بالمهدي.

٢٠٥

الفصل الرابع :

غيبة الإمام المهدي المنتظر

أجمع شيوخ آل محمد ، أو الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة ، أو العمداء الذين اعترف العالم كله بعمادتهم لأهل بيت النبوة على ان المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله هو الشيخ أو العميد أو الإمام الثاني عشر من عمداء أهل بيت النبوة ، وهو بالتحديد محمد بن الحسن ، وقبل أن يولد هذا الإمام انتشرت شائعة في أوساط الدولة العباسية ، وبين رعاياها مفاها أن مولوداً من ذرية محمد رسول الله سيولد ، وأنه سيكون المهدي المنتظر ، وأنه سيستولي على كل أقاليم الأرض : « بما فيه إقليم الدولة العباسية » وسيخضع الخاصة والعامة لحكمه بما فيهم ذرية العباس ، وخلفاء الدولة العباسية ، فأوجست الدولة العباسية في نفسها خيفة ، وحملت هذه الإشاعة على محمل الجد ، وكلفت أجهزتها السرية بمراقبة مواليد أهل بيت النبوة ، وعلى الاخص مواليد عميدهم آنذاك الحسن بن علي الهادي المعروف بالعسكري ، کان إمام العصر آنذاک أو العميد الحسن بن علي العسکري علي علم بالشائعة ، وكان يعلم علم اليقين أن ابنه محمد بن الحسن الذي سيولد هو بعينه الإمام الثاني عشر ، وهو بعينه الإمام المهدي المنتظر ، وكان الإمام العسكري يعلم بخيفة الدولة العباسية وبحركة أجهزتها السرية ، وقد حمل هذه الخيفة وحركة الأجهزة السرية العباسية على محمل الجد ، فأخفي ولادة ولده إخفاء تاماً الا على الصفوة من أوليائه ، فلم يكن أحد يعلم أن للإمام الحسن العسكري ولد ، وأن هذا الولد هو وارثه وهو العميد من بعده ، ويوم وفاة الإمام

٢٠٦

الحسن العسكري فوجىء أركان الدولة العباسية الذين حضروا مراسم دفن الإمام بغلام لا يتجاوز عمره الخمس سنوات يقول لعمه الذي تأهب ليصلي بالناس على الإمام صلاة الجنازة ، تأخر يا عم أنا أولى بالصلاة على أبي!! كان الغلام والمهدي المنتظر ، وهو العميد الثاني عشر ، فأُخذ العم من هول المفاجاة وتأخر ، وتقدم الإمام الغلام ليصلي بالناس على أبيه صلاة الجنازة وعلمت الدولة العباسية أن هذا الغلام هو العميد والإمام من بعد أبيه ، وتساءلت متى ولد!! وقدرت أنه ربما كان المهدي المنتطر فهو من ذرية النبي ، وسليل الأئمة العمداء ، وبدأت تستفيق من هول الصدمة ، وتتعجب كيف أنها لم تعرف بولادته!! وأخذت أجهزتها السرية تخطط لمراقبة الإمام والقضاء عليه ، لأنها أيقنت أنه المهدي المنتظر الذي عنته الأحاديث النبوية ، وأنه سر الإشاعة التي انتشرت بين الناس!!! بعدما عرف أركان الدولة العباسية والخاصة والعامة من رعاياها أن للامام الحسن العسكري ولد ، وأن اسمه محمد وأنه الإمام والعميد من بعد أبيه ، وأنه قد أمّ الجميع بصلاة الجنازة على أبيه ، وبعد أن ربط الناس إشاعة المهدي الموعود المنتظر بهذا الغلام ، وبعد أن صممت أجهزة الدولة العباسية على وضع الخطط والقضاء على هذا الإمام الغلام اختفى بالكامل ، وعجزت الدولة العباسية بكل قوتها عن تحديد مكان وجوده ، أو اثبات وفاته!! كأن الغلام الإمام قد تبخّر من الأرض!! وزاد من حيرة الدولة العباسية وأجهزتها السرية ، أنها قد تيقنت بأن الإمام الغلام كان يمارس مهام الإمامة على أوليائه ، فتجبى له الأموال ، ويوزعها على مستحقيها وينفقها على مصارفها الشرعية ، وأنه كان يصدر الأوامر والتوجيهات لأتباعه بواسطة سفراء ، عجزت الدولة العباسية عن معرفتهم أو معرفة أمكنة إقامتهم!! لقد كان الإمام الغلام وسفراؤه شغلها الشاغل ، ولكنها لم تصل إلى نتيجة.

فيئست من العثور على الإمام الغلام ، ويئست من العثور على سفرائه ومن معرفة وسائل اتصالهم بالإمام ، وانتشرت الشائعات واستقر في أذهان العامة والخاصة من رعايا الدولة العباسية أن الإمام الغلام هو المهدي المنتظر بالفعل ، وقد روا أنه هو وحده الذي سيخلصهم دون أن يضطروا لتقديم أي تضحية!! بل سيأتيهم الخلاص والإنقاذ تماماً كما تعود المطر أن يأتيهم!!

٢٠٧

ومن ذلك التاريخ لم تره رعايا دولة الخلافة ، وإذا رأته فانها لا تعرفه ، لقد احتارت تلك الرعايا أين ذهب الغلام الإمام ، وكيف اختفى ، ولم يجزم أحد بموته ، بل ولم يدع أحد موته!! وهل يعقل أن يموت شيخ أو عميد أو إمام آل محمد ولا يعرف المسلمون بموته!! كان كل إمام من أئمة أهل البيت أو شيوخهم أو عمدائهم بمثابة البدر المتألق في السماء يعرفه المسلمون قاطبة على الرغم من محاولات الخليفة وأركان دولته للتعتيم عليه ، والحط من قدره ، والتقليل من مكانته ، فكانت رعايا دولة الخلافة تعرف طوال التاريخ ، بأن هذا الإمام أو ذاک هو ابن رسول الله ، وما من عميد أو شيخ أو إمام من عمداء أو شيوخ أو أئمة أهل بيت النبوة قد مات إلا وعرف كل المسلمين بموته ، وبكى عليه الصادقون أو تباكي عليه الخلفاء وأعوانهم!! فهل يعقل أن يموت محمد بن الحسن « المهدي المنتظر » وهو إمام وابن إمام ، وهو شيخ آل محمد وعميدهم ولا يعرف الناس عن موته!!! وحتى دولة الخلافة التي كانت تحصي على الناس أنفاسهم لا تدعي بأن هذا الإمام قد مات ، لانها لا تملك دليلاً وليس بإمكانها تلفيق دليل من عندها!!

كل هذا يعني بان الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة هو هو محمد بن الحسن « المهدي المنتظر » ما زال حياً يرزق ، ولكنه غائب أو مغيب الهياً عن أعين الناس ، وهو يعرفهم ، ويراهم ، وقد يرونه ويعرفونه ، ولكنهم يجهلون أنه الإمام المهدي المنتظر أو محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة.

أحاديث عن رسول الله

روي المسلمون أحاديث عن رسول الله تبين بأن رسول الله قد قال بأن المهدي المنتظر ، ستكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأنام. [ راجع الحديث رقم ١٥٩ والحديث رقم ١٦٠ ، ١٦١ ]. وقد بيّن الرسول أن غيبة المهدي ضرورية لأنه يخاف القتل ١٦٧ ، بل وشجع الرسول أولياءه على موالاة الإمام المهدي وهو

٢٠٨

غائب ، الحديث ١٦٥ ، والأهم أن الرسول قد أقسم بربه بأن المهدي سيغيب ، لأن هذه الغيبة ضرورية لتمحيص الذين آمنوا ومحق الكافرين وفق قواعد العدالة والابتلاء الإلهي ، الحديث ١٦٧ ، وقد صحت هذه الأحاديث عن رواتها ، وتواترت ، جوانباً من نظرية المهدي المنتظر التي كشف رسول الله عن وجودها على الاسلام. [ راجع الأحاديث ذوات الارقام ١٥٩ ـ ١٦١ ـ و ١٦٤ و ١٦٥ و ١٦٧ و ١٦٨ من المجلد الاول من معجم أحاديث الإمام المهدي ، وراجع عشرات المراجع المذكورة تحتها ].

إجماع آل محمد وأهل بيت النبوة

لا يوجد عاقل واحد في الدنيا ينكر بأن آل محمد ، أو عترته أهل بيته كانت طوال التاريخ فئة من المسلمين متميزة عن غيرها من الفئات ، وفي كل زمان من الأزمنة التي تلت موت النبي ، وانتهت بموت الحسن العسكري الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت كان قد وجد على رأس هذه الفئة : « أعني آل محمد وأهل بيته » رجل هو بمثابة العميد أو الشيخ لآل محمد ، وهو بمثابة الإمام الشرعي المؤهل الهياً لقيادة الأمة لو سلمت اليه ، وکان العالم كله يعرف هذا الإمام ، ويعترف به ، ويقر أنه بالفعل شيخ آل محمد ، وأنه أقرب الأحياء من أبناء عصره للنبي. وكان العالم كله يعرف بأن عمداء آل محمد أو أئمتهم علماء على الأقل ، وأنهم قد ورثوا علوم جدهم رسول الله ، أو أنهم على الأقل من علماء المسلمين!!

تلك حقائق لا يماري فيها إلا تافه أو ناصبي لقد أجمع الأئمة أو العمداء الأحد عشر الذين تولوا رئاسة آل محمد بأنهم قد سمعوا رسول الله يؤكد بأن المهدي المنتظر ستكون له غيبة ، ثم يقبل كالشهاب الثابت على حد تعبير رسول الله ، [ الحديث رقم ١٥٩ من المعجم ]. وقد جزموا بأن هذه التأكيدات قد صدرت من الرسول بالفعل وهم يشهدون على ذلك. فقد أكد الإمام علي أنه سمع الرسول ، وأكد الإمام الحسن ذلك ، وأكده الإمام الحسين ، مثلما أكد زين العابدين ، والباقر ، والصادق والكاظم ، والرضا ، والجواد ، والهادي

٢٠٩

والعسكري ، وهم مشيخة آل محمد طوال فترة ثلاثة قرون من الزمن! وقد وضَّح شيوخ آل محمد الصورة فبينوا أن الإمام المهدي ستكون له غيبتان ، الغيبة الأولى يختفي فيها عن أعين السلطة وأوليائها ، وعن عامة أوليائه ، ويدير أمر أوليائه من خلال سفراء انتقاهم أبوه ، وأقر هو هذا الانتقاء ، أما الغيبة الثانية فيختفي فيها المهدي تماماً ولا يعرف مكان وجوده أحد لا من السلطة ، ولا من أوليائه.

نماذج من أحاديث الأئمة

قال الإمام على : « أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان ، وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا به ، وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة ، [ الحديث رقم ٦١٤ ] ، ويقال عنه مات أو هلك ، بل في أي واد سلك ، [ الحديث ٦١٥ ] ، ومثله قوله : والتاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق ، وعندما سئل : هل هو كائن؟ أقسم الإمام على بأنه سيكون ، وأنه ستكون للمهدي غيبة وحيرة لا يثبت فيها على دينه الا المخلصون. [ وراجع الحديث ٦١٨ و ٦٩١ ] ، قال الإمام زين العابدين : تخفي ولادته عن الناس ، وأن لصاحب هذا الأمر غيبتان ، [ الحديث ٧٥٩ و ٧٦٠ ] ، وقال الإمام الباقر : لقائم أهل محمد غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى. [ راجع الحديث ٨٩٥ و ٩٠٤ و ٩٠٦ و ٩٠٧ و ٩٠٨ و ٩١٣ من معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ٣ ].

الغايات المعلنة من الغيبة

كشفت بعض الأحاديث النبوية وأحاديث الأئمة عن بعض الغايات من الغيبة ، مثل الخوف من القتل ، وتمحيص المؤمن ، ومحق الكافر وفقاً لقواعد الابتلاء الإلهي ، [ الحديث ١٦٤ و ١٦٧ ]. هذا على صعيد الأحاديث النبوية ، أما على صعيد أحاديث الأئمة فنفهم منها : « ليخرج المهدي وليس لاحد بعنقه بيعة » ، [ الحديث ٧٠٠ و ٧٥٩ ] ، ومثله قول الإمام جعفر عندما سئل عن الغيبة فقال : « لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم ، وقال لسائله أيضاً : وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله ، لأن وجه الحكمة من ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره ». [ راجع الأحاديث أرقام ٩٠٦ ـ ٩١٣ والمراجع المدونة تحت كل منها ].

٢١٠

نص حديث الإمام الباقر وزوال

العجب وغيبات سابقة

قال الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حول هذا الموضوع : « يا محمد بن محمد إن في القائم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شبهاً من خمسة من الرسل : « يونس بن متى ، ويوسف بن يعقوب ، وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فأمّا شبهه من يونس بن متى ، فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن ».

٢ ـ وأما شبهه من يوسف بن يعقوب ، فالغيبة عن خاصته وعامته واختفاؤه من أخوته واشكال أمره على أبيه مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.

٣ ـ وأما شبهه من موسى عليه‌السلام فدوام خوفه ، وطول غيبته ، وخفاء ولادته ، وتعب شيعته من بعده ، مما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عز وجل في ظهوره ونصره وايَّده على عدوه.

٤ ـ وأما شبهه من عيسى فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم ما ولد ، وقالت طائفة مات ، وقالت طائفة قتل وصلب.

٥ ـ وأما شبهه من جده المصطفى فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله الجبارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب وانه لا ترد له راية ... » [ راجع الحديث رقم ٧٧٠ مجلد ٣ من أحاديث الإمام المهدي ، راجع المراجع المذكورة تحته ].

والمعنى أن الإمام المهدي ليس أول من يغيب ، وأنه ليس في الغيبة عجب.

أوصاف الإمام المهدي المنتظر

روي الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة ، والعلماء الأكابر من شيعتهم أحاديث نبوية تتضمن بعض الصفات الجسدية للإمام المهدي المنتظر.

وجاء في بعضها أن المهدي هو : « الطريد الفريد الوحيد ... » [ الحديث رقم ٥٩٥ ] وفي آخر : « أنه فتى من قريش آدم ضرب من الرجال » ... [ الحديث

٢١١

٦٠٢ ] ، وفي ثالث : « إنه رجل أجلى الجبين ، أقنى الأنف ضخم البطن ، أزيل الفخذين ، أبلج الثنايا ، يفخذه اليمنى شامة » ... [ الحديث ٥٩٤ ] ، في حديث رابع ، وُصف المهدي : « بأنه رجل أبيض اللون ، مشرب بالحمرة ، مبدح البطن ، عريض الفخذين ، عظيم مشاس المنكبين ، بظهره شامتان شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي ، .. وأن الله قد أعطاء قوة أربعين رجلاً .. [ الحديث رقم ٥٩٣ ] ، وجاء في [ الحديث رقم ٥٩٢ ] أن المهدي يشبه رسول الله في الخلق والخلق ... وأنه سيظهر شاباً دون الأربعين. [ راجع الحديث رقم ٦٩١ ، وجاء في الحديث رقم ٩٠٠ ] ، أن المهدي سيرجع شاباً ، ووصف المهدي في حديث بأنه : « الطريد الفريد الوحيد ... » [ الحديث رقم ٥٩٥ ] ، وجاء أيضاً أن المهدي إذا خرج کان في سن الشيوخ ومنظر الشبان ، قوياً في بدنه ، حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة في الأرض لقلعها ، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها. [ راجع الحديث ١٢١١ ، وجاء في الحديث رقم ١١٤٧ ] ... أن القائم من ولدي يعمر عمر الخليل عشرين ومائة سنة ، ثم يغيب غيبة في الدهر ويظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة.

كذلك فقد روى العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء : « أهل السنة » طائفة من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن بعض أوصاف المهدي ، وقد صحت هذه الأحاديث عندهم ، وتواترت وشاعت بين المسلمين مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الأنف » وقد روى هذا الحديث الترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي وغيرهم من علماء الحديث الأفذاذ ». [ راجع الحيث رقم ٧١ ج‍ ١ من المعجم عشرات المراجع المذكورة تحته ].

ومثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهدي من ولدي ، وجهه كالقمر الدري ، اللون لون عربي ، والجسم جسم اسرائيلي .. [ راجع الحديث رقم ٧٢ وعشرات المراجع المذكورة تحته ]. وروى علماء أهل السنة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهدي منا أهل البيت ، أشم الأنف أقنى ، أجلى » ... [ راجع الحديث رقم ٨٨ ، والمراجع المذكورة تحته ] : ورووا قوله أيضاً « يخرج المهدي وهو ابن أربعين سنة كأنة رجل من بني إسرائيل ». [ راجع الحديث رقم ٩١ ج‍ ١ والمراجع المذكورة تحته ]. وقوله :

٢١٢

« المهدي رجل أزج أبلج أعين ... يستوي على منبر دمشق وهو ابن ثماني عشر سنة ». [ راجع الحديث رقم ٩٢ ]. وقوله : « المهدي شاب من أهل البيت » ، [ الحديث رقم ٩٤ ] ، وقوله : « ليبعثن الله تعالى من عترتي رجلاً أفرق الثنايا ، أجلى الجبهة ... » [ الحديث رقم ١٤٩ ].

هذه الأكثرية الساحقة من الأحاديث النبوية التي رواها أهل بيت النبوة وشيعتهم ، وصحت عندهم وتواترت ، تليها الأحاديث النبوية التي رواها علماء شيعة الخلفاء ـ أهل السنة ـ وصحت عندهم وتواترت ، وشاعت مضامين هذه الأحاديث بين المسلمين قاطبة ، فاعتقدوا بها لانهم قد جزموا أن هذه الأوصاف قد صدرت بالفعل عن رسول الله ، إذا لا مجال للاجتهاد بمثل هذه الأمور ، وقد غطت هذه الأحاديث الثغرة المتعلقة بالأوصاف الجسدية من نظرية المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله.

٢١٣

الفصل الخامس :

دولة أهل بيت النبوة

ومدة حكم الإمام المهدي المنتظر

أئمة أهل بيت النبوة الأعلام على يقين تام من ربهم ونبيهم ، بأن المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم الله وأعلنهم رسوله ، هو خاتم الأئمة الشرعيين فلا إمام من بعده لأن الأئمة اثني عشر فقط.

وهم على يقين من ربهم ونبيهم بحتمية ظهور المهدي المنتظر ، وحتمية انتصاره ، وحتمية نجاحه بتكوين دولة أهل بيت النبوة العالمية التي ستحكم العالم كله ، ويتجنس بجنسيتها كافة أبناء الجنس البشري المتواجدين فوق الكرة الأرضية في عصرها الذهبي ، وأن هذه الدولة ستكون آخر الدول ، حيث سيحكم الإمام بعده إلى أحد عشر مهدياً بالتتابع ، وكلهم من شيعة أهل البيت المخلصين السائرين على خط أهل البيت القويم ، وهم يدعون الناس خلال فترة حكمهم إلى موالاة أهل بيت النبوة ومعرفة حقهم. [ راجع الحديث رقم ١١٤٩ ج‍ ٤ من المعجم والمراجع المدونة تحته ]. وشيعة أهل بيت النبوة المخلصين صار لهم نفس اليقين التام بكل ما ذكرناه آنفاً.

مدة حكم المهدي المنتظر

إذا كان المهدي المنتظر سيكوّن دولة عالمية تحكم العالم كله ، فما هي

٢١٤

الفترة الزمنية التي يستمر فيها حكم الإمام المهدي! أو بتعبير آخر كم سنة سيحكم الإمام المهدي المنتظر بعد ظهوره وتكوينه للدولة العالمية ورئاسته لها؟.

روى عبد الله بن الحارث حديثاً عن الإمام علي يجيب على هذا السؤال اذ قال له الإمام علي : « يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره موكول اليه ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد إلىَّ أن لا أخبر به إلا الحسن والحسين ». [ راجع الحديث رقم ٦٧٣ ج‍ ٣ ].

وروي عن الإمام جعفر الصادق عندما سئل عن ذلك انه قال : « سبع سنين تطول له الأيام حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه » ... [ راجع الحديث رقم ١١٥٠ ج‍ ٤ من المعجم ».

وروي عن الإمام الباقر قوله : يملك القائم ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً كما بعث أهل الكهف في كهفهم ... [ راجع الحديث رقم ٨٥٩ ].

وروي أهل السنة عن الإمام على قوله : « يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة ». [ راجع الحديث ٦٧٤ وراجع المراجع المذكورة تحته ].

وروى عن الأمام جعفر انه قال « يملك القائم عليه‌السلام تسع عشرة سنة وأشهراً ».

وروي ابن حماد حديثاً لم يسنده إلى النبي جاء فيه : « فيلبث عيسى والمؤمنون سنوات في بيت المقدس » ...

أحاديث رواها شيعة أهل بيت النبوة

وشيعة الخلفاء معاً

وروي العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء حديثاً عن النبي جاء فيه ... فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ الأرض قسطاً ... يرضى عنه ساکن السماء وساکن الأرض ... لا تدع السماء من قطرها ... ولا تدع الأرض من مائها .. حتى تتمنى الأحياء الأموات يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين ... وروى هذا الحديث أيضاً وأخرجه علماء كبار من شيعة أهل البيت. [ راجع الحديث رقم ٤٤ ج‍ ١ من المعجم الكثيرة المدونة تحته ].

٢١٥

وروى علماء شيعة الخلفاء حديثاً عن الرسول تحدث فيه عن الرخاء والوفرة في عهد الإمام المهدي وعن كثرة المال ، وزهد الناس أو تسع سنين ، ثم لا خير في العيش بعده ». [ راجع الحديث رقم ٥٣ وعشرات المراجع المدونة تحته ].

وقد تفرد عماء أهل السنة بهذا الحديث. وروى أكابر علماء شيعة أهل البيت عن رسول الله حديثاً يتفق معه بالمضمون جاء فيه : « فيمكث سبع أو ثمانية أو تسعاً » « أي سنة » ولا خير في العيش بعد هذا أو قال : « لا خير في الحياة بعدهن ». [ راجع الحديث رقم بلا على الصفحة ٩٥ من المجلد الأول من المعجم ].

تحليل هذه الأحاديث

١ ـ لا ينبغي أن يتبادر إلى الذهن وجود أي تناقض ، ولا حدث أي تناقض في أقوال الأئمة ، لأنهم قد نهلوا من مشكاة واحدة ، واذا حدثوا فهم لا يقولون برأيهم ، وإنما حديثهم حديث رسول الله لأنهم ورثة علمي النبوة والكتاب ، وإذا وجد تناقض فهو ناتج من الروايات الخاطئة أو المختلفة عنهم ، وليس وارداً أيضاً بأن الأئمة الكرام لا يعرفون بالضبط والدقة الفترة الزمنية لحكم الإمام المهدي فلدى الأئمة القدرة والتأهيل الإلهي للإجابة على كل سؤال ، ومن الطبيعي أن مدة حكم الإمام المهدي سؤال ، ومن الجائز أن يسأله أي واحد من الناس لاي واحد من الأئمة ومن المحتوم أن الإمام يعرف الجواب اليقيني ...

وقد لاحظت أن الإمام علىّ قد ذكر بأن رسول الله عهد اليه بأن لا يخبر أحداً عن مقدار هذه المدة الا الحسن والحسين ، لأنهما امامان بالتوالي ، وقد لا حظنا أن الإمام الباقر قد حدد هذه ب ٣٠٩ سنوات ، وأن الإمام الصادق قد حددها بسبعين سنة « من سنيكم ».

وروي عن الإمام جعفر أن المهدي يملك تسع عشرة سنة وأشهراً.

٢ ـ تاريخياً كانت دولة الخلافة وأركانها ، وحتى الرعايا ينظرون بتوجس

٢١٦

وحذر وريبة لائمة أهل بيت النبوة ، ولمن والاهم وخصهم بالولاء والمحبة ، ويلوح لي أن الأجهزة السرية لدولة الخلافة طوال التاريخ كانت تتربص بالأئمة الكرام وتحاول أن تحصي عليهم أنفاسهم ، فتعرف ما يقولون وما يتحدثون به ، ثم تستدعيهم رئاسة دولة الخلافة من حين إلى حين لتحاسبهم حساباً عسيراً على كل ما يصدر عنهم من أحاديث ، وكلمة المهدي شبح مرعب للخلفاء ، ودولة أهل بيت النبوة هاجس مجرد ذكره يسبب للخلفاء وأركان دولتهم الجنون التام.

ثم إن الكثير من زوار الأئمة كانوا بمثابة الجواسيس أو العيون على الأئمة ليسألوهم ويحصلوا منهم على أجوبة ثم يكتبون تقاريراً بذلك إلى أسيادهم وأولياء نعمتهم ، وفي كثير من الأحيان کانت تلک العيون اللعينة تزور وتحرف وتهول عن عمد ما تسمعه من الإمام. وعندما أذِنت دولة الخلافة بکتابة ورواية أحاديث الرسول بعد مائة عام من المنع ، كانت مرويات طواقم معاوية قد استقرت تماماً ، وعرفت من الجميع ، وكانت الرعية تتحاشى أهل بيت النبوة لأن الاختلاط بهم يشكل خطراً ، فضلاً عن ذلك فان المناهج التربوية والتعليمية المعتمدة في دولة الخلافة التاريخية أظهرت أهل بيت النبوة بمظهر الناس ، ولم تعطهم أية مميزة ، فعلى بن أبي طالب صحابي ، مثله مثل معاوية في أحسن الظروف ، والحسن والحسين مثلهما مثل يزيد بن معاوية!!! فما هو الداعي للرواية عن الحسن أو الحسين وأبو هريرة موجود!!! بل على العكس كانت وسائل إعلام دولة الخلافة تظهر أبا هريرة بصورة العالم المرجع ، والصحابي الجليل الموالي لأمير المؤمنين ، وتظهر الإمام الحسن أو الحسين بصورة الشاب الذي لا علم له الذي يتربص الدوائر بأمير المؤمنين ويترقب الفرص للخروج عليه!!! هذا هو المناخ الذي كان سائداً.

والخلاصة في مدة حكم

الإمام المهدي

أن دولة أهل بيت النبوة لن تزول بموت المهدي المنتظر بل ستستمر ، ويحكم من بعده أحد عشر مهدياً ، إنه من الجائز جداً أن مدة ال‍ ٣٠٩ سنوات

٢١٧

الواردة في الحديث هي المدة التي ستستمر فيها دولة أهل بيت النبوة!! ومن المؤكد أن الإمام المهدي سيكافح كفاحاً رهيباً حتى يدين العالم كله بالطاعة لدولته ، وهنا يبرز تساؤل مهم وهو منذ متى يبدأ حكم المهدي؟ لأن المهدي في البداية سيحكم بقعة محدودة من الكرة الأرضية ، ثم يتوسع حتى يسيطر على العالم ، فهل نعتبر مدة حكم المهدي مبتدئة من تاريخ حكمه لأول أقليم ، أو من التاريخ الذي تتم فيه للمهدي السيطرة على العالم كله؟ هذه بعذ الإشكلات التي لا بد من خلها قبل الجزم بمدة حكم الإمام المهدي.

وأكبر الظن أن مدة حكم الإمام المهدي ، سبعاً أو تسعاً أو تسع عشر سنة وأشهراً أو ثلاثين سنة ، ولكن من المؤكد إنها ليست أقل من سبع سنين ولا أكثر من ٧٠ سنة.

٢١٨

الفصل السادس :

العلامات التي تسبق مباشرة

ظهور الإمام المهدي

الداء والدواء

قياماً بواجب البيان ، واضفاء طابع الأهمية على المهدي ، وعصره الذهبي ، شَخَّصَ رسول الله ، حالة الأمة والعالم قبل ظهور الإمام المهدي بسلسلة متكاملة من الأحاديث النبوية التي صحت وتواترت عند أئمة أهل بيت النبوة وشيعتهم ، وعند الخلفاء وشيعتهم ، والتي شاعت بين المسلمين كافة ، فاعتقدوا بها لأنهم قد جزموا بانها قد صدرت من رسول الله بالفعل ، حيث انها قد أخرجت بنفس الوسائل والأساليب التي أخرجت بها احكام دينهم من صلاة وصوم وزكات ....

ومن يمعن النظر بتلك الأحاديث الشريفة ، ويتجرد ، لا يخالطه أدنى شك بأنها قد صدرت بالفعل عمن لا ينطق عن الهوى ، وحالة ثم يتيقن بأن الرسول الأعظم قد نجح نجاحاً منقطع النطير بتشخيص حالة الأمة ، وحالة العالم قبل ظهور الإمام المهدي! فکأن العالم بماضيه وحاضره ومستقبله رجل مريض ممدد على فراش المرض ، وقد وضعت تحت تصرف الرسل أحدث المعدات التي توصل إليها العقل البشري في کل مجال ، والرسول متخصص في كل ناحية ، بعد ذلك شخص حالة العالم الممدد أمامه تشخيصاً علمياً دقيقاً ، فوصف الداء وصفاً تاماً ،

٢١٩

وأكد بأن العالم كله مشرف على الهلاك والتلاشي من الحياة ، وأن الدواء الوحيد الذي يُشفي العالم وينقذة هو الإمام المهدي المنتظر الذي سيضع حجر الأساس ويبني دولة آل محمد ، فالمهدي المنتظر هو الدواء الفرد والوحيد ، فليس على وجه الأرض إنسان واحد له القدرة على انقاذ العالم ، مما يعانيه آنذاك إلا المهدي المنتظر. والمدهش حقاً أن هذه الصورة العلمية المتكاملة الدقيقة قد رسمها رسول الله بالكلمة ، وبالكلمة الطيبة وحدها ، وأن هده الصورة قد شقت طريقها إلينا وثبتت بوجه الأعاصير ، وحافظت على نقائها وأصالتها على الرغم من أن دولة الخلافة قد منعت رواية وكتابة الأحاديث النبوية طوال فترة المائة عام التي تلت انتقال النبي إلى جوار ربه!! لكنها العناية الإلهية ، والتوفيق الإلهي ، والإصرار الإلهي على إقامة الحجة ، وترشيد حركة الكون وفق نواميس الابتلاء الإلهي. فتبارك الله رب العالمين حقاً وصدقاً.

١ ـ انكساف الشمي والقمر قبل خروج المهدي

١ ـ أكد الرسول الأعظم أن الشمس ستنكسف في شهر رمضان مرتين قبل خروج المهدي. [ راجع الحديث رقم ١٧٤ ابن حماد ص ٦١ ، وملاحم ابن طاووس ص ٤٦ ب ٧٢ ، وعقد الدرر ص ١١١ ب ٤ ف ٣ ، والحاوي للسيوطي ج‍ ٢ ص ٨٢ ].

٢ ـ وبيّن بأن المهدي لا يخرج حتى تطلع مع الشمس آية [ الحديث رقم ١٧٣ ، وعبد الرزاق ج‍ ٧ ص ٣٧٣ ح ٢٠٧٧٥ ، وإبن حماد ص ٩١ ، والبيهقي كما في عقد الدرر ص ١٠٦ ب ٤ ف ٣ ، والحاوي للسيوطي ج‍ ٢ ص ٧٥ ] ....

٣ ـ وبين الرسول أنه بين يدي المهدي انكساف لخمس تبقين رمضان والشمس لخمس عشرة منه. [ راجع الحديث رقم ٧٨٠ والمراجع المدونة تحته ].

٤ ـ وروي عن رسول الله قوله : آيتان قبل قيام القائم عليه‌السلام لم تكونا منذ هبط آدم إلى الأرض ، تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره!! [ راجع الحديث رقم ٧١ برواية الأمام الباقر ].

٥ ـ وروى الإمام الباقر أيضاً فقال : « إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق

٢٢٠