التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

القسم السابع

الأحاديث الواردة عنهم عليهم‌السلام في

أن ما بأيدي الناس هو القرآن النازل من عند الله

وصريح جملة من الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت ، أنهم عليهم‌السلام كانوا يعتقدون في هذا القرآن الموجود بأنّه هو النازل من عند الله سبحانه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه الأحاديث كثيرة ننقل هنا بعضها :

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام :

« كتاب ربّكم فيكم ، مبيّناً حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وخاصّه وعامّه ، وعبره وأمثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ، مفسّراً مجمله ، ومبيّناً غوامضه ، بين مأخوذ ميثاق في علمه ، وموسّع على العباد في جهله ، وبين مثبت في الكتاب فرضه ، ومعلوم في السنّة نسخه ، وواجب في السنّة أخذه ، ومرخّص في الكتاب تركه ، وبين واجب بوقته ، وزائل في مستقبله ، ومباين بين محارمه ، من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه ، وبين مقبوله في أدناه ، موسّع في أقصاه » (١).

وقال عليه‌السلام : « أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصّر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تبليغه وأدائه؟ والله سبحانه يقول : ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) وقال :

__________________

(١) نهج البلاغة ٤٤ | ١.

٤١

( فيه تبيان لكل شيء ) وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضاً ، وأنّه لا اختلاف فيه ، فقال سبحانه : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تكشف الظلمات إلاّ به » (١).

وعن الريان بن الصلت قال : « قلت للرضا عليه‌السلام يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟

فقال : كلام الله ، لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا » (٢).

وجاء فيما كتبه الإمام الرضا عليه‌السلام للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين :

« وإنّ جميع ما جاء به محمد بن عبدالله هو الحق المبين ، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه.

والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وأنه المهيمن على الكتب كلّها ، وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته ، نؤمن بمحكمه ومتشابهه ، وخاصّه وعامّه ، ووعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، وقصصه وأخباره ، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله » (٣).

وعن علي بن سالم عن أبيه قال : « سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟

__________________

(١) نفس المصدر ٦١ / ١٨.

(٢) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ٢ : ٥٧. الأمالي ٥٤٦.

(٣) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ٢ : ١٣٠.

٤٢

فقال : هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) » (١).

(٣)

قول عمر بن خطاب : حسبنا كتاب الله

ومن الرزايا العظيمة والكوارث الفادحة التي قصمت ظهر المسلمين وأدّت إلى ضلال أكثرهم عن الهدى الذي أراده لهم الله ورسوله ، ذلك الخلاف الذي حدث عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف ، بين صحابته الحاضرين عنده في تلك الحال.

ومجمل القضية هو : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما حضرته الوفاة وعنده رجال من صحابته ـ فيهم عمر بن الخطاب ـ قال : هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ، وفي لفظ آخر : إئتوني بالكتف والدواة ـ أو : اللوح والدواة ـ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً.

فقال عمر : إنّ النبي قد غلب عليه الوجع (٢) ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله.

وفي لفظ آخر : فقالوا : إنّ رسول الله يهجر. ـ من دون تصريح

__________________

(١) الأمالي : ٥٤٥.

(١) قال سيدنا شرف الدين : « وقد تصرّفوا فيه : فنقوله بالمعنى ، لأنّ لفظه الثابت : إنّ النبي يهجر. لكنهم ذكروا أنّه قال : إنّ النبي قد غلب عليه الوجع ، تهذيباً للعبارة ، واتقاء فظاعتها ... » النصّ والإجتهاد : ١٤٣.

٤٣

باسم المعارض ـ!

فاختلف الحاضرين ، منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر!

فلما أكثروا ذلك عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهم : قوموا عنّي (١).

وليس نحن الآن بصدد محاسبة هذا الرجل على كلامه هذا الذي غيّر مجرى التأريخ ، وحال دون ما أراده الله والرسول لهذه الامة من الخير والصلاح والرشاد ، إلى يوم القيامة ، حتى أنّ ابن عباس كان يقول ـ فيما يروى عنه ـ :

« يوم الخميس وما يوم الخميس » ثم يبكي (٢).

وكان رضي الله عنه يقول :

« إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين كتابه » (٣).

وإنّما نريد الإستشهاد بقوله : « إن عندنا القرآن ، حسبنا كتاب الله » الصريح في وجود القرآن عندهم مدوّناً مجموعاً حينذاك ، ويدل على ذلك أنّه لم يعترض عليه أحد ـ لا من القائلين قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً ، ولا من غيرهم ـ بأنّ سور القرآن وآياته متفرقة مبثوثة ، وبهذا تم لعمر بن الخطاب والقائلين مقالته ما أرادوا من الحيلولة بينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين كتابة الكتاب.

__________________

(١) راجع جميع الصحاح والمسانيد والتواريخ والسير وكتب الكلام ، تجد القضية باختلاف ألفاظها وأسانيدها.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١١٨.

(٣) نفس المصدر ج ١ كتاب العلم ، باب كتابة العلم.

٤٤

(٤)

الإجماع

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن : إجماع العلماء في كل الأزمان كما في كشف الغطاء وفي كلام جماعة من كبار العلماء ، وهو ظاهر كلمة « إلينا » أي «الإمامية » في قول الشيخ الصدوق « ومن نسب إلينا ... فهو كاذب ».

وقال العلاّمة الحلّي : « واتّفقوا على أنّ ما نقل إلينا متواتراً من القرآن ، فهو حجة ... لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مكلّفاً بإشاعة ما نزل عليه من حجة ... لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مكلّفاً بإشاعة ما نزل عليه من القرآن إلى عدد التواتر ، ليحصل القطع بنبوّته في أنّه المعجزة له. وحينئذ لا يمكن التوافق على ما نقل مما سمعوه منه بغير تواتر ، وراوي الواحد إن ذكره على أنّه قرآن فهو خطأ ... والإجماع دلّ على وجوب إلقائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عدد التواتر ، فإنه المعجزة الدالّة على صدقه ، فلو لم يبلغه إلى حدّ التواتر انقطعت معجزته ، فلا يبقى هناك حجّة على نبوّته » (١).

وقال السيّد العاملي : « والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من أجزائه وألفاظه وحركاته وسكناته ووضعه في محلّة ، لتوفّر الدواعي على نقله من المقر لكونه أصلاً لجميع الأحكام ، والمنكر لإبطاله لكونه معجزاً. فلا يعبأ بخلاف من خالف أو شك في المقام » (٢).

وقال الشيخ البلاغي : « ومن أجل تواتر القرآن الكريم بين

__________________

(١) نهاية الوصول ـ مبحث التواتر.

(٢) مفتاح الكرامة ٢ : ٣٩٠.

٤٥

عامة المسلمين جيلاً بعد جيل ، استمرت مادته وصورته وقراءته المتداولة على نحو واحد ، فلم يؤثّر شيئاً على مادّته وصورته ما يروى عن بعض الناس من الخلاف في قراءته من القراء السبع المعروفين وغيرهم » (١).

ومن المعلوم أنّ الإجماع حجّة لدى المسلمين ، أمّا عند الإمامية فلأنّه كاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام (٢) بل عدم النقصان من الضروريّات كما في كلام السيد المرتضى ، وقد نقل بعض الأكابر عباراته ووافقه على ما قال.

(٥)

تواتر القرآن

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن تواتره من طرق الإماميّة بجميع حركاته وسكناته ، وحروفه وكلماته ، وآياته وسورة ، تواتراً قطعياً عن الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام عن جدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

فهم يعتقدون بأن هذا القرآن الموجود بأيدينا هو المنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا زيادة ولا نقصان. قال الصّدوق : « إعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ما بين الدفّتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشر سورة ... ».

__________________

(١) آلاء الرحمن ـ الفصل الثالث من المقدمة.

(٢) يراجع بهذا الصدد كتب اصول الفقه.

(٣) أجوبة مسائل جار الله لشرف الدين ، مجمع البيان عن السيد المرتضى.

٤٦

(٦)

إعجاز القرآن

ومن الأدلّة على عدم التحريف هو : أنّ التحريف ينافي كون القرآن معجزاً ، لفوات المعنى بالتحريف ، لأنّ مدار الإعجاز هو الفصاحة والبلاغة الدائرتان مدار المعنى ، ومن المعلوم أنّ القرآن معجز باق.

وهذه عبارة « بشرى الوصول » في الوجه الثالث من الوجوه التي ذكرها على عدم تحريف القرآن.

وقد جاءت الإشارة إلى هذا الوجه في كلام السيد المرتضى حيث قال في استدلاله : « لأنّ القرآن معجزة النبوّة » وفي كلام العلاّمة الحلّي :

« إنّ القول بالتحريف يوجب التطرّق إلى معجزة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنقولة بالتواتر ».

وفي كلام كاشف الغطاء : « إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ... ».

٤٧

(٧)

صلاة الإمامية

ومن الأدلّة على اعتقاد الإماميّة بعدم سقوط شيء من القرآن الكريم : صلاتهم ، لأنّهم يوجبون قراءة سورة كاملة (١). بعد الحمد في الركعة الاولى والثانية (٢) من الصلوات الخمس اليوميّة من سائر سور القرآن عدا الفاتحة ، ولا يجوز عند جماعة كبيرة منهم القران منهم القران بين سورتين (٣).

قال السيد شرف الدين :

« وصلاتهم بهذه الكيفيّة والأحكام دليل ظاهر على اعتقادهم بكون سور القرآن بأجمعها زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما هي عليه الآن ، وإلاّ لما تسنّى لهم هذا القول » (٤).

__________________

(١) أجوبة مسائل جار الله ، وهذا هو المشهور بين الفقهاء ، بل ادّعى جماعة عليه الإجماع ، أنظر مفتاح الكرامة ٢ : ٣٥٠.

(٢) أما في الثالثة والرابعة فهو بالخيار إن شاء قرأ الحمد وان شاء سبح إجماعاً ، وإن اختلفوا في أفضليّة أحد الفردين.

(٣) جواهر الكلام والرياض وغيرهما. وقد ذكر جماعة من قدعاء الفقهاء والمفسرين إستثناء سورتي ( الضحى وألم نشرح ) وسورتي ( الفيل والأيلاف ) من هذا الحكم ، مصرّحين بوجوب قران كل سورة منها بصاحبتها. أنظر مفتاح الكرامة ٢ : ٣٨٥.

(٤) أجوبة مسائل جار الله : ٢٨.

٤٨

(٨)

كون القرآن مجموعاً على عهد النبي (ص)

ومن الأدلّة على عدم وجود النقص في القرآن ثبوت كونه مجموعاً على عهد الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، موجوداً كذلك بين المسلمين كما يدل على ذلك من الأخبار في كتب الفريقين ، ومن ذلك أخبار أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقراءة القرآن وتدبّره وعرض ما يروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه ... وقد تقدم بعضها ، وإنّ جماعة من الصحابة ختموا القرآن على عهده ، وتلوه ، وحفظوه ، يجد أسماءهم من راجع كتب علوم القرآن ، وإنّ جبرئيل كان يعارضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به كل عام مرة ، وقد عارضه به عام وفاته مرتين (١).

وكل هذا الذي ذكرنا دليل واضح على أنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس القرآن الذي كان بين يدي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحابته على عهده فما بعد ، من غير زيادة ولا نقصان.

وقد ذكر هذا الدليل جماعة.

__________________

(١) روى ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع الكتب الحديثيّة وغيرها ، حتى كاد يكون من الأمور الضرورية.

٤٩

(٩)

اهتمام النبي (ص) والمسلمين بالقرآن

وهل يمكن لأحد من المسلمين إنكار إهتمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن؟!

لقد كان حريصاً على نشر سور القرآن بين المسلمين بمجرد نزولها ، مؤكداً عليهم حفظها ودراستها وتعلّمها ، مبيناً لهم فضل ذلك وثوابه وفوائده في الدنيا والآخرة.

فحثّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترغيبه بحفظ القرآن في الصدور والقراطيس ونحوها ، وأمره بتعليمه وتعلّمه رجالاً ونساءً وأطفالاً ، مما ثبت بالضرورة بحيث لا يبقى مجال لإنكار المنكر وجدال المكابر.

وأمّا المسلمون ، فقد كانت الدواعي لديهم لحفظ القرآن والعناية به متوفّرة ، ولذا كانوا يقدّمونه على غيره في ذلك ، لأنّه معجزة النبوة الخالدة ومرجعهم في الأحكام الشرعيّة والامور الدينيّة ، فكيف يتصور سقوط شيء منه والحال هذه؟!

نعم ، قد يقال : إنّه كما كانت الدواعي متوفّرة لحفظ القرآن وضبطه وحراسته ، كذلك كانت الدواعي متوفّرة على تحريفه وتغييره من قبل المنافقين وأعداء الإسلام والمسلمين ، الذين خابت ظنونهم في أن يأتوا بمثله أو بمثل عشر سور منه أو أية من أياته.

ولكن لا مجال لهذا الاحتمال بعد تأييد الله سبحانه المسلمين في العناية والإهتمام بالقرآن ، وتعهّده بحفظه بحيث ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ).

٥٠

الفصل الثالث

أحاديث التحريف في كتب الشّيعة

قد ذكرنا في الفصل الأول شطراً من تصريحات كبار علماء الإمامية في القرون المختلفة في أنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا مصون من التحريف ، وهناك كلمات غير هذه لم نذكره اختصاراً ، وربما تقف على تصريحات أو أسماء لجماعة آخرين منهم في غضون البحث.

وعرفت في الفصل الثاني أدلّة الإمامية على نفي التحريف وهي :

١ ـ آيات من القرآن العظيم.

٢ ـ أحاديث عن النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام ، وهي على أقسام.

٣ ـ قول عمر بن الخطاب : حسبنا كتاب الله.

٤ ـ الإجماع.

٥ ـ تواتر القرآن.

٦ ـ إعجاز القرآن.

٧ ـ صلاة الإمامية.

٥١

٨ ـ كون القرآن مجموعاً على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٩ ـ عناية القرآن مجموعاً على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

هذا ، ولم ينكر أحد من أولئك الأعلام وجود أحاديث في كتب الشيعة ، تفيد بظاهرها سقوط شيء من القرآن ، بل نصّ بعضهم على كثرتها ـ كما توجد في كتبهم روايات ظاهرة في الجبر والتفويض ، وفي التشبيه والتجسيم ، ونحو ذلك ـ لكنهم أعرضوا عن تلك الأحاديث ونفوا وقوع التحريف في القرآن ، بل ذهب البعض منهم إلى قيام إجماع الطائفة على ذلك ، ومجرد إعراضهم عن حديثٍ يوجب سقوطه عن درجة الإعتبار ، كما تقرّر في علم اصول الفقه.

ونحن في هذا المقام نوضّح سبب إعراضهم عن أخبار التحريف وندلّل على حصته ونقول :

تعيين موضوع البحث

هناك في كتب الإمامية روايات ظاهرة في تحريف القرآن ، لكنّ دعوى كثرتها لا تخلو من نظر ، لأنّ الذي يمكن قبوله كثرة ما دلّ على التحريف بالمعنى الأعم (١) وقد جاء هذا في كلام الشيخ أبي جعفر

__________________

(١) يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدّة معان على سبيل الإشتراك :

أ ـ نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره.

ب ـ النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات مع حفظ القرآن وعدم ضياعه ، وإن لم يكن متميزاً في الخارج عن غيره.

جـ ـ النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين مع التحفّظ على نفس القرآن المنزل.

٥٢

الطوسي ، فإنّه ـ بعد أن استظهر عدم النقصان من الروايات ـ قال : « غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ».

وأما ما دلّ على التحريف بالمعنى الأخصّ الذي نبحث عنه وهو « النقصان » فلا يوافق على دعوى كثرته في كتب الامامية ، ومن هنا وصفت تلك الروايات في كلمات بعض المحقّقين كالشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ محمد جواد البلاغي بالشذوذ والندرة.

وروايات الشيعة في هذا الباب يمكن تقسيمها إلى قسمين :

الأول : الرويات الضعيفة أو المرسلة أو المقطوعة. وبكلمة جامعة : غير المعتبرة سنداً. والظاهر أنّ هذا القسم هو القسم هو الغالب فيها ، ويتضح ذلك بملاحظة أسانيدها ، ويكفي للوقوف على حال أحاديث الشيخ الكليني منها ـ ولعلّها هي عمدتها ـ مراجعة كتاب ( مرآة العقول ) للشيخ محمد باقر المجلسي ، الذي هو من أهمّ كتب الحديث لدى الإماميّة ، ومن أشهر شروح « الكافي » وأهمّها.

ومن الأعلام الذين دقّقوا النظر في أسانيد هذه الروايات ونصّوا على عدم اعتبارها : الشيخ البلاغي في ( آلاء الرحمن ) والسيد الخوئي

__________________

د ـ التحريف بالزيادة والنقصية في الآية والسورة مع التحفّظ على القرآن المنزل.

هـ ـ التحريف بالزيادة ، بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل.

و ـ التحريف بالنقيصة ، بمعنى أنّ المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن المنزل.

وموضوع بحثنا هو التحريف بالمعنى الأخير ، ونعني بالمعني الأعمّ ما يعمّ جميع المعاني المذكورة.

٥٣

في ( البيان ) والسيد الطباطبائي في ( الميزان ). ومن المعلوم عدم جواز الإستناد إلى هكذا روايات في أيّ مسألة من المسائل ، فكيف بمثل هذه المسألة الاصولية الإعتقادية؟!

والثاني : الروايات الواردة عن رجال ثقات وبأسانيد لا مجال للخدش فيها.

ولكن هذا القسم يمكن تقسيمه إلى طائفتين :

الاولى : ما يمكن حمله وتأويله على بعض الوجوه ، بحيث يرتفع التنافي بينها وبين الروايات والأدلّة الاخرى القائمة على عدم التحريف.

والثانية : ما لا يمكن حمله وتوجيهه.

وبهذا الترتيب يتّضح لنا أنّ ما روي من جهة الشيعة بنقصان آي القرآن قليل جداً ، لانّ المفروض خروج الضعيف سنداً والمؤوّل دلالة عن دائرة البحث.

إنّها مصادمة للضرورة

وأوّل ما في هذه الروايات القليلة أنّها مصادمة للضرورة ، ففي كلمات عدّة من أئمة الإمامية دعوى الضرورة على كون القرآن مجموعاً على عهد النبّوة ، فقد قال السيد المرتضى : « إنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة ... إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة » (١).

وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء : « لا عبرة بالنادر ، وما ورد

__________________

(١) المسائل الطرابلسيات ، نقلاً عن مجمع البيان للطبرسي ١ : ١٥.

٥٤

من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظاهرها » (١).

وقال السيد شرف الدين العاملي : « إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوة ، مؤلفاً على ما هو عليه الآن ... وهذا كلّه من الامور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية » (٢).

وقال السيد الخوئي : « إنّ من يدّعي التحريف يخالف بداهة العقل » (٣).

إنها مخالفة لظاهر الكتاب

فإن نوقش في هذا ، فلا كلام في مخالفة روايات التحريف لظاهر الكتاب حيث قال عزّ من قائل : ( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) ليكون قدوة للامة وبرنامجاً لأعمالها ، ومستقى لأحكامها ومعارفها ، ومعجزة خالدة. ومن المعلوم المتسالم عليه : سقوط كل حديث خالف الكتاب وإن بلغ في الصحّة وكثرة الأسانيد ما بلغ ، وبهذا صرّحت النصوص عن النبي والأئمة عليهم‌السلام ، ومن هنا أعرض علماء الإمامية الفطاحل ـ الأصوليّون والمحدّثون ـ عن هذه الأحاديث ... قال المحدّث الكاشاني في ( الصافي ) : « إنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذّب له فيجب ردّه » (٤).

فإن نوقش في هذا أيضاً فقيل بأنّه استدلال مستلزم للدور ، أو

__________________

(١) كشف الغطاء في الفقه ، ونقله عنه شرف الدين في أجوبة المسائل : ٣٣.

(٢) أجوبة مسائل جار الله : ٣٠.

(٣) البيان : ٢٧.

(٤) تفسير الصافي ١ : ٤٦.

٥٥

قيل بأن الضمير في « له » عائد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن هذه الروايات تطرح لما يلي :

إنها موافقة لأخبار العامة

أولاً : إنّها موافقة للعامة ، فإنّ القول بالتحريف منقول عن الذين يقتدون بهم من مشاهير الصحابة ، وعن مشاهير أئمتهم وحفاظهم ، وأحاديثه مخرّجة في أهمّ كتبهم وأوثق مصادرهم كما سيأتي في بابه ، وهذا وجه آخر لسقوط أخبار التحريف عند فرض التعارض بينها وبين روايات العدم ، كما تقرّر ذلك في علم اصول الفقه.

إنها نادرة

ثانياً : إنّها شاذة ونادرة ، والروايات الدالّة على عدم التحريف مشهورة أو متواترة ، كما في كلمات الأعلام كالشيخ كاشف الغطاء وغيره ، وسيأتي الجواب عن شبهة تواتر ما دلّ على التحريف ، فلا تصلح لمعارضة تلك الروايات ، بل مقتضى القاعدة المقرّرة في علم الاصول لزوم الأخذ بما اشتهر ورفع اليد به عن الشاذ النادر.

إنها أخبار آحاد

ثالثاً : إنّه بعد التنزّل عن كلّ ما ذكر ، فلا ريب فلا ريب في أنّ روايات التحريف أخبار آحاد ، وقد ذهب جماعة من أعلام الإمامية إلى عدم حجّية الآحاد مطلقاً ومن يقول بحجّيتها لا يعبأ بها في المسائل الإعتقادية ، وهذا ما نصّ عليه جماعة.

٥٦

من اخبار التحريف

وبعد ، فلا بأس بذكر عدد من أهمّ الروايات الموجودة في كتاب الإمامية ـ التي ادّعى بعض العلماء ظهورها في النقصان ـ وعلى هذه فقس ما سواها.

ولا بدّ من عرض تلك الأحاديث بنصوصها ، ثم الكلام عليها بالنظر إلى اسانيدها وفي مدى دلالتها على المدعى ، وما يترتّب عليها من شبهات ووجوه الجواب عنها.

وأهمّ الأحاديث التي قد يستند إليها للقول بتحريف القرآن هي الأحاديث التالية :

١ ـ عن جابر ، قال :

« سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلاّ كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما أنزل الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمّة من بعده عليهم‌السلام » (١).

٢ ـ عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام إنّه قال :

« ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء » (٢).

٣ ـ عن سالم بن سلمة ، قال :

« قرأ رجل على أبي عبدالله عليه‌السلام ـ وأنا أسمع ـ حروفاً من

__________________

(١) الكافي ١ : ١٧٨ ، ورواه الصّفار في بصائر الدرجات : ١٣.

(٢) الكافي ١ : ١٧٨ ، بصائر الدرجات : ٢١٣.

٥٧

القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبدالله عليه‌السلام :

مه ، كفّ عن هذه القراءة ، إقرأ كما يقرأ الناس ، حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله تعالى على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه‌السلام.

وقال : أخرجه علي إلى الناس حين فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله تعالى كما أنزله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد جمعته بين اللوحين ، فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن ، لا حاجة لنا فيه. فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً ، إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه » (١).

٤ ـ عن ميسر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال :

« لولا أنّه زيد في كتاب الله ونقص عنه ، ما خفي حقّنا على ذي حجا ، ولو قد قام قائمنا فنظق صدّقه القرآن » (٢).

٥ ـ عن الأصبغ بن نباتة ، قال :

« سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : نزل القرآن أثلاثاً : ثلث فينا وفي عدوّنا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام » (٣).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال :

« إنّ القرآن نزل أربعة أرباع : ربع حلال ، وربع حرام ، وربع سنن وأحكام ، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم ، وفصل ما بينكم » (٤).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٦٢.

(٢) تفسير العياشي ١٠ : ١٣.

(٣) الكافي ٢ : ٤٥٩.

(٤) الكافي ٢ : ٤٥٩.

٥٨

وعن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال :

« نزل القرآن أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام » (١).

٦ ـ عن محمد بن سليمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال :

« قلت له : جعلت فداك ، إنّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟

فقال : لا ، إقرؤوا كما تعلّمتم ، فسيجيئكم من يعلّمكم » (٢).

٧ ـ عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال :

« إنّ في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن ، كانت فيه أسماء الرجال فالقيت ، إنّما الإسم الواحد منه في وجوه لا تحصى ، يعرف ذلك الوصاة » (٣).

٨ ـ عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال :

« لو قد قرئ القرآن كما انزل لألفينا فيه مسمّين » (٤).

٩ ـ عن البزنطي ، قال : « دفع إليّ أبو الحسن عليه‌السلام مصحفاً فقال ـ وقال ـ : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه ( لم يكن الذين كفروا ... ) فوجدت فيه ـ فيها ـ اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٥٩.

(٢) الكافي ٢ : ٤٥٣.

(٣) تفسير العياشي ١ : ١٢.

(٤) تفسير العياشي ١ : ١٣.

٥٩

وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إليّ : إبعث إليّ بالمصحف » (١).

١٠ ـ عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال :

« نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا : ( وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا ـ في علي ـ فأتوا بسورة من مثله ) (٢).

١١ ـ عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال :

« من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأزواجه ، ثم قال : سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا ابن سنان : إنّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب ، وكانت أطول من سورة البقرة ، ولكن نقصوها وحرّفوها » (٣).

١٢ ـ عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال :

« أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم ، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب » (٤).

١٣ ـ عن ابن نباتة قال :

« سمعت علياً عليه‌السلام يقول : كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما انزل ، قلت : يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما انزل؟

فقال : لا ، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٦١ ، وانظر البحار ٩٢ : ٥٤.

(٢) الكافي ١ : ٣٤٥.

(٣) ثواب الاعمال : ١٠٠ ، وعنه في البحار ٨٩ : ٥٠.

(٤) رجال الكشي ٢٤٧ ، وعنه في البحار ٨٩ : ٥٤.

٦٠