التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

« ... إن النقصان في الكتاب مما لا أصل له » (١).

* وصرّح السيد محمد الشهشهاني ـ المتوفىّ سنة ١٢٨٩ ـ بعدم تحريف القرآن الكريم في بحث القرآن من كتابه ( العروة الوثقى ) ونسب ذلك إلى جمهور المجتهدين (٢).

* وصرّح السيد حسين الكوه كمري ـ المتوفّى سنة ١٢٩٩ ـ بعدم تحريف القرآن ، واستدلّ على ذلك بامور نلخّصها فيما يلي :

١ ـ الأصل ، لكون التحريف حادثاً مشكوكاً فيه.

٢ ـ الإجماع.

٣ ـ مناقاة التحريف لكون القرآن معجزة.

٤ ـ قوله تعالى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ).

٥ ـ أخبار الثقلين.

٦ ـ الاخبار الناطقة بالأمر بالأخذ بهذا القرآن (٣).

* وإليه ذهب الشيخ موسى التبريزي ـ المتوفّى سنة ١٣٠٧ ـ في ( شرح الرسائل في علم الاصول ) واستدل له بوجوه ، ثم ذكر وجوهاً لتأويل ما دلّ بظاهره على الخلاف.

* وأثبت عدم التحريف بالأدلّة الوافية السيد محمد حسين الشهرستاني الحائري ـ المتوفّى سنة ١٣١٥ ـ في رسالة اسمها ( رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف ) (٤).

* وقال الشيخ محمد حسن الآشتياني ـ المتوفّى سنة ١٣١٩ ـ :

__________________

(١) إشارات الأصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب.

(٢) انظر : البيان في تفسير القرآن : ٢٠٠.

(٣) انظر : بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب.

(٤) المعارف الجلية للسيد عبدالرضا الشهرستاني ١ : ٢١.

٢١

« المشهور بين المجتهدين والاصوليّين ـ بل أكثر المحدّثين ـ عدم وقوع التغيير مطلقاً ، بل ادّعى غير واحد الإجماع على ذلك » (١).

* وإليه ذهب الشيخ محمد حسن بن عبدالله المامقاني النجفي المتوفّى سنة ١٣٢٣ ـ في كتابه ( بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول ).

* وقال الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمد حسن المامقاني ـ المتوفّى سنة ١٣٥١ ـ بترجمة ( الربيع بن خثيم ) بعد كلام له : « فتحصّل من ذلك كلّه أنّ ما صدر من المحدّث النوري رحمة الله من رمي الرجل بضعف الإيمان ونقص العقل جرأة عظيمة كجرأته على الإصرار على تحريف كتاب الله المجيد ... » (٢).

* وقال الشيخ محمد جواد البلاغي ـ المتوفّى سنة ١٣٥٢ ـ ما نصّه : « ولئن سمعت من الروايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تقم لتلك الروايات وزناً ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين ، وفيما جاءت به في رواياتها الواهية من الوهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن مما ليس له شبه به ... » (٣).

فهذه طائفة من كلمات أعلام الإمامية ـ في القرون المختلفة ـ الصريحة في نفي التحريف عن القرآن الشريف ...

وهو رأي آخرين منهم :

* كالشريف الرضي ـ المتوفّى سنة ٤٠٦.

* والشيخ ابن إدريس صاحب « السرائر في الفقه » ، المتوفّى سنة ٥٩٨.

* والفاضل الجواد ، من علماء القرن الحادي عشر ، في « شرح

__________________

(١) بحر الفوائد في حاشية الفرائد في الاصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب : ٩٩.

(٢) تنقيح المقال ١ : ٤٢٦.

(٣) آلاء الرحمن في تفسير القرآن : ١٨.

٢٢

الزبدة في الاصول ».

* والشيخ أبي الحسن الخنيزي ، صاحب « الدعوة الإسلامية » المتوفّى سنة ١٣٦٣.

* والشيخ محمد النهاوندي ، صاحب التفسير ، المتوفّى ١٣٧١.

* والسيد محسن الأمين العاملي ، المتوفى سنة ١٣٧١ ، في كتابه « الشيعة والمنار ».

* والشيخ عبدالحسين الرشتي النجفي ، المتوفّى سنة ١٣٧٣ ، في « كشف الإشتباه في مسائل جارالله ».

* والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، المتوفى سنة ١٣٧٣ ، في « أصل الشيعة واصولها ».

* والسيد محمّد الكوه كمري المعروف بالحجّة ، التوفّى سنة ١٣٧٢ في فتوىً له.

* والسيد عبدالحسين شرف الدين العاملي ، المتوفّى سنة ١٣٨١ ، في « أجوبة مسائل جار الله ».

* والشيخ آغا بزرك الطهراني ، المتوفّى سنة ١٣٨٩ ، في رسالته «تفنيد قول العوام بقدم الكلام ».

* وسيدنا الجدّ السيد محمد هادي الميلاني ، المتوفّى سنة ١٣٩٥ ، في فتوىً له.

* والسيد محمد حسين طباطبائي ، المتوفّى سنة ١٤٠٢ ، في تفسيره الشهير « الميزان في تفسير القرآن ».

* والسيّد روح الله الموسوي الخميني ـ قائد الثورة الإسلاميّة ـ في بحثه الاصولي « تهذيب الاصول » في مبحث حجّية ظواهر القرآن.

* والسيد أبوالقاسم الخوئي في كتابه « البيان في تفسير القرآن » حيث بحث عن هذا الموضوع من جيمع جانبه وشيّد أركانه.

* وسيدنا الاستاذ السيد محمد رضا الگلپايگاني في فتوىً

٢٣

له.

* والسيد شهاب الدين النجفي المرعشي في فتوىً له.

ولو أردنا أن ننقل كلمات هؤلاء الأعاظم من علماء الشيعة في هذا المضمار لطال بنا المقام ، فمثلاً يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :

« وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام ، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم.

ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى موجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يردّه نصّ الكتاب العظيم ( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ).

والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذّة ، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ، فإمّا أن تؤوّل بنحو من الإعتبار أو يضرب بها الجدار » (١).

ويقول السيد شرف الدين : « المسألة الرابعة : نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات ...

فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكلّ من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا ، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم‌السلام لا يرتاب في ذلك إلاّ معتوه ، وأئمّة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الله تعالى ، وهذا أيضاً ممّا

__________________

(١) أصل الشيعة وأًصولها ١٠١ ـ ١٠٢ ، ط ١٥.

٢٤

لا ريب فيه.

وظواهر القرآن الحكيم فضلاً عن نصوصه أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحق بحكم الضرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح ـ المخالفة للقرآن ـ عرض الجدار ولا يأبهون بها ، عملاً بأوامر أئمّتهم عليهم‌السلام.

وكان القرآن مجموعاً أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه ، بلا زيادة ولا نقصان ، ولا تقديم ولا تأخير ، ولا تبديل ولا تغيير.

وصلاة الإماميّة بمجرّدها دليل على ذلك ، لأنّهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب ـ في كلّ من الركعة الاولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس ـ سورة واحدة تامّة غير الفاتحة من سائر السور ، ولا يجوز عندهم التبعيض فيها ولا القران بين سورتين على الأحوط ، وفقههم صريح بذلك ، فلولا أنّ سور القرآن بأجمعها كانت زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما هي الآن عليه في الكيفية والكميّة ما تسنّى لهم هذا القول ، ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل.

أجل ، إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوّة ، ومؤلّفاً على ما هو عليه الآن ، وقد عرضه الصحابة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتلوه عليه من أوّله إلى آخره ، وكان جبرائيل عليه‌السلام يعارضه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن في كل عام مرّة ، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين ، وهذا كلّه من الامور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية ، ولا عبرة ببعض الجامدين منهم ، كما لا عبرة بالحشويّة من أهل السنّة القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله فإنّهم لا يفقهون.

٢٥

نعم ، لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع ، لضعف سندها ، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً ، وأكثر عدداً ، وأوضح دلالة ، على أنّها من أخبار الآحاد ، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً ، وهذه لا تقتضي ذلك ، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به ، فليضرب بظواهرها عرض الحائط » (١).

وسئل السيد محمد هادي الميلاني عن رأيه في المسألة فأجاب بما معرّبه :

« بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى ، إنّ الذي نقطع به هو عدم وقوع أيّ تحريف في القرآن الكريم ، لا زيادةً ولا نقصاناً ولا تغييراً في ألفاظه ، ولو جاء في بعض الأحاديث ما يفيد التحريف فإنّما المقصود من ذلك ما وقع من تغيير معاني القرآن حسب الآراء السقيمة والتأويلات الباطلة ، لا تغيير ألفاظه وعباراته.

وأمّا الروايات الدالّة على سقوط آيات أو سور من هذه المعجزة الخالدة فمجهولة أو ضعيفة للغاية ، بل إنّ تلك الآيات السور المزعومة ـ كالسورتين اللتين رواهما في ( الإتقان ) أو تلك السورة التي رويت في ( دبستان المذاهب ) ، وكذا ما جاء في غيرهما من الكتاب ـ هي وحدها تكشف عن حقيقتها ، إذ لا يشكّ الخبير بعد عرضها على اسلوب القرآن البلاغي في كونها مختلفة باطلة.

هذا ، على أنّ أحداً لم يقل بالزيادة ، والقول بنقصانه ـ كما توهّمه بعضهم ـ لا يمكن الركون إليه ، لا سيمّا بعد الإلتفات إلى قوله تعالى ( إنّ علينا

__________________

(١) أجوبة مسائل جار الله : ٢٨ ـ ٣٧ ، وانظر له : الفصول المهمة.

٢٦

جمعه وقرآنه ) وقوله تعالى ( وإنّا له لحافظون ) وقول تعالى ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) إلى غيرها من الآيات.

وبهذا الذي ذكرنا صرّح كبار علماء الإمامية منذ الطبقات الاولى كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطبرسي ، وهم جميعاً يعتقدون بما صرّح به رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتاب ( الإعتقادات ) الذي ألّفه قبل أكثر من ألف سنة حيث قال : إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ـ إلى أن قال ـ ومن نسب إلينا أنّا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب.

والحاصل : إنّ من تأمّل في الآدلّة وراجع تأريخ اهتمام المسلمين في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده بضبط القرآن وحفظه ودراسته يقطع بأنّ سقوط الكلمة الواحدة منه محال.

ولو أنّ أحداً وجد حديثاً يفيد بظاهره التحريف وظنّ صحّته فقد أخطأ ، وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً ».

والسيد أبو القاسم الخوئي بعد أن ذكر أسماء بعض النافين للتحريف من أعلام الإماميّة قال : « والحقّ بعد هذا كلّه ، إنّ التحريف بالمعنى الذي وقع النزاع فيه غير واقع في القرآن أصلاً بالأدلّة التالية ... » (١) ثم بيّن أدلّة النفي من الكتاب والسنّة وغيرهما.

وللسيد محمد حسين الطباطبائي بحث في « أنّ القرآن مصون عن التحريف » في فصول ، أورده في تفسيره القيّم ، في ذيل تفسير قوله تعالى : ( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) (٢).

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن : ٢٠٧.

(٢) الميزان في تفسير القرآن ج ١٢ : ١٠٦.

٢٧

الفصل الثاني

أدلة الشيعة على نفي التحريف

ذكرنا في الفصل الأول كلماتٍ لأعلام الإمامية في نفي التحريف عن القرآن الكريم ، وقد جاء في بعض تلك الكلمات ـ التي ذكرناها على سبيل التمثيل لا الإستقراء والحصر ـ الاستدلال بوجوه عديدة على ما ذهبوا إليه.

والواقع أنّ الأدلّة الدالّة على عدم وجود النقص في القرآن الكريم هي من القوّة والمتانة ، بحيث يسقط معها ما دلّ على التحريف بظاهره عن الإعتبار لو كان معتبراً ، ومهما بلغ في الكثرة ، ويبطل القول بذلك حتى لو ذهب إليه أكثر العلماء.

وقد عقدنا هذا الفصل لإيراد تلك الأدلة بإيجاز.

٢٨

(١)

آيات من القرآن الكريم

والقرآن الكريم فيه تبيان لكل شيء ، وما كان كذلك كان تبياناً لنفسه أيضاً ، فلنرجع إليه لنرى هل فيه دلالة على نقصانه أو بالعكس.

أجل ، إنّ في القرآن الحكيم آيات تدل بوضوح على صيانته من كلّ تحريف ، وحفظه من كلّ تلاعب ، فهو ينفي كل أشكال التصّرف فيه ، ويعلن أنّه لا يصيبه ما يشينه ويحط من كرامته حتى الأبد.

وتلك الآيات هي :

١ ـ قوله تعالى : ( إنّ الذين يلحدون في اياتنا لا يخفون علينا * أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة * إعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير * إنّ الذين كفروا بالذكر لمّا جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (١).

وإذا كان القرآن العظيم لا يأتيه « الباطل » من بين يديه ولا من خلفه ، فإن من أظهر مصاديق « الباطل » هو «وقوع النقصان فيه ».

فهو إذاً مصون من قبل الله تعالى عن ذلك منذ نزوله إلى يوم القيامة.

٢ ـ قوله تعالى : ( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) (٢).

والمراد من « الذكر » في هذه الآية الكريمة على الأصح هو

__________________

(١) سورة حم السجدة ( فصلت ) ٤١ : ٤٠ ـ ٤١.

(٢) سورة الحجر ١٥ : ٩.

٢٩

« القرآن العظيم » فالله سبحانه أنزله على نبيّه الكريم ، وتعهّد بحفظه ، منذ نزوله إلى الأبد ، من كلّ ما يتنافى وكونه منهاجاً خالداً في الحياة ودستوراً عاماً للبشرية جمعاء.

ومن الواضح أنّ من أهمّ ما يتنافى وشأن القرآن العظيم وقدسيّته الفذة وقوع التحريف فيه وضياع شيء منه على الناس ، ونقصانه عما أنزله عزّ وجلّ على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣ ـ قوله تعالى : ( لا تحرّك به لسانك لتعجل به * إنّ علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرآناه فاتّبع قرآنه * ثم إنّ علينا بيانه ) (١).

فعن ابن عباس وغيره في قوله تعالى : ( إنّ علينا جمعه وقرآنه ) إنّ المعنى : إنّ علينا جمعه وقرآنه عليك حتى تحفظه ويمكنك تلاوته ، فلا تخف فوت شيء منه (٢).

* * *

(٢)

الأحاديث عن النبي والأئمة عليهم‌السلام

والمصدر الثاني من مصادر الأحكام والعقائد الإسلامية هو السنّة النبوية الشريفة الواصلة إلينا بالطرق والأسانيد الصحيحة.

ولذا كان على المسلمين أن يبحثوا في السنّة عما لم يكن في الكتاب ، وأن يأخذوا منها تفسير ما أبهمه ، وبيان ما أجمله ، فيسيروا على منهاجها ، ويعملوا على وفقها ، عملاً بقوله سبحانه : ( ما آتاكم الرسول

__________________

(١) سورة القيامة ٧٥ : ١٦ ـ ١٩.

(١) مجمع البيان للطبرسي ٥ : ٣٩٧.

٣٠

فخذوه * وما نهاكم عنه فانتهوا ) (١). وقوله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٢).

وعلى هذا ، فإنّا لما راجعنا السنّة وجدنا الأحاديث المتكثرة الدالّة بأقسامها العديدة على أنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا هو ما أنزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير زيادة ونقصان ، وأنه كان محفوظاً على عهده ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبقي كذلك حتى الآن ، وأنّه سيبقى على ما هو عليه إلى الأبد.

وهذه الأحاديث على أقسام وهي :

القسم الأول

أحاديث العرض على الكتاب

لقد جاءت الأحاديث الصحيحة تنصّ على وجوب عرض الخبرين المتعارضين ، بل مطلق الأحاديث على القرآن الكريم ، فما وافق القرآن اخذ به وما خالفه اعرض عنه ، فلولا أنّ سور القرآن وآياته مصونة من التحريف ومحفوظة من النقصان ما كانت هذه القاعدة التي قرّرها الآئمّة من أهل البيت الطاهرين ، آخذين إياها من جدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أمكن الركون إليها والوثوق بها.

ومن تلك الأحاديث :

قول الإمام الصادق عليه‌السلام : « خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنى فقال : أيها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ،

__________________

(١) سورة الحشر ٥٩ : ٧.

(٢) سورة النجم ٥٣ : ٣.

٣١

وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله » (١).

وقول الإمام الرضا عليه‌السلام : « ... فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجوداً حلالاً أو حرماً فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فأعرضوه على سنن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... » (٢).

وقول الإمام الصادق عن أبيه عن جده علي عليهم‌السلام : « إنّ على كلّ حق حقيقة ، وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه » (٣).

وقول الإمام الهادي عليه‌السلام : « فإذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل ، فوجد لها موافقاً وعليه دليلاً ، كان الإقتداء بها فرضاً لا يتعداه إلاّ أهل العناد ... » (٤).

وقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتال الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه ... » (٥).

وقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « ... ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة ، وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف الكتاب والسنّة ووافق العامّة ... » (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٧٩ عن الكافي.

(٢) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ٢ : ٢٠.

(٣) الأمالي للشيخ الصدوق : ٣٦٧.

(٤) تحف العقول : ٣٤٣.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ : ٨٤.

(٦) وسائل الشيعة ١٨ : ٧٥.

٣٢

فهذه الأحاديث ونحوها تدلّ على أنّ القرآن الموجود الآن هو نفس ما أنزله الله عزّ وجلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من غير زيادة ولا نقصان ، لانّه لو لم يكن كذلك لم يمكن أن يكون القرآن مرجعاً للمسلمين يعرضون عليه الأحاديث التي تصل إليهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيعرف بذلك الصحيح ويؤخذ به ، والسقيم فيعرض عنه ويترك.

القسم الثاني

خطبة الغدير

وإنّ من حقائق التاريخ واقعة غدير خم ... وخطبة النبّي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك اليوم العظيم ... غير أنّا لم نعثر على رواية كاملة لخطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ في كتاب ( الإحتجاج ) ... وفي هذه الخطبة أمر بتدّبر القرآن والرجوع في تفسيره إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قال :

« معاشر الناس تدبّروا القرآن ، وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ، ولا تتّبعوا متشابهه. فوالله لن يبيّن لكم زواجره ولا يوضّح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إليّ وشائل بعضده ومعلمكم أنّ : من كنت مولاه فهذا علي مولاه. وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيّي. وموالاته من الله عزّ وجلّ أنزلها عليّ » (١).

إن أمر المسلمين بتدبّر القرآن وفهم آياته والأخذ بمحكماته دون متشابهاته يستلزم أن يكون القرآن مؤلّفاً مجموعاً موجوداً في متناول أيديهم ،

__________________

(١) الاحتجاج ١ : ٦٠.

٣٣

بمحكماته ومتشابهاته. غير أنهم مأمورون ـ للوقوف على أحكامه التفصيلية وأسراره ودقائقه التي لا تبلغها العقول ـ بالرجوع إلى خليفته ووصيّة وتمليذه أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من ولده عليهم‌السلام.

القسم الثالث

حديث الثقلين

ولم تمرّ على النبي الكريم والقائد العظيم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرصة إلاّ وانتهزها للوصيّة بالكتاب والعترة الطاهرة ، والأمر باتّباعهما والإنقياد لهما والتمسّك بهما.

لذا تواتر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث الثقلين الذي رواه جمهور علماء المسلمين بأسانيد متكثرة متواترة ، وألفاظ مختلفة متنوعة ، عن أكثر من ثلاثين صحابي وصحابية ، وأحد ألفاظه :

« إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهم لن تضلّوا بعدي أبداً ... » (١).

__________________

(١) حديث الثقلين من جملة الأحاديث التي لا يشك مسلم في صدورها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقد رواه عنه أكثر من ثلاثين من الصحابة ، وأورده من علماء أهل السنّة ما يقارب الـ ٥٠٠ شخصية من مختلف طبقاتهم منذ زمن التابعين حتى عصرنا الحاضر من مؤرخين ومفسرين ومحدّثين وغيرهم.

وهذا الحديث يدل بوضوح على عصمة الأئمة من العترة ووجوب إطاعتهم وامتثال أوامرهم والإهتداء بهديهم في الامور الدينية والدنيوية ، والأخذ بأقوالهم في الأحكام الشرعية وغيرها.

كما يدل على بقائهم وعدم خلو الأرض منهم إلى يوم القيامة كما هو الحال بالنسبة إلى القرآن.

٣٤

وهذا يقتضي أن يكون القرآن الكريم مدوّناً في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجميع آياته وسوره حتى يصح إطلاق إسم الكتاب عليه ، ولذلك تكرّر ذكر الكتاب في غير واحد من سورة الشريفة.

كما أنّه يقتضي بقاء القرآن كما كان عليه ـ على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى يوم القيامة ، لتتمّ به ـ الهداية الأبوية للامة الإسلامية والبشرية جمعاء ، ما داموا متمسكين بهما ، كما ينصّ عليه الحديث الشريف بالفاظه وطرقه ، وإلاّ لزم القول بعدم علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما سيكون في امته ، أو إخلاله بالنصح التام لأمته ، وهذا لا يقول به أحد من المسلمين.

القسم الرابع

الأحاديث الواردة في ثواب

قراءة السور في الصلوات وغيرها

وقد وردت طائفة من الأحاديث في فضيلة قراءة سور القرآن الكريم في الصلوات وغيرها ، وثواب ختم القرآن وتلاوته في شهر رمضان وغير ذلك ، فلولا أنّ سور القرآن وآياته مجموعة مؤلّفة ومعلومة لدى المسلمين لما تمّ أمرهم بذلك.

ولو كان قد تطرق النقصان في ألفاظ القرآن لم يبق مجال للإعتماد على شيء من تلك الأحاديث والعمل بها من أجل الحصول على ما تفيده من الأجر والثواب ، لاحتمال أن تكون كلّ سورة أو كلّ آية محرفة

__________________

وقد بحثنا عن هذا الحديث سنداً ودلالة في ثلاثة أجزاء من كتابنا الكبير (خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار ) الذي طبع منه حتى الآن عشرة جزء.

٣٥

عما كانت نازلة عليه.

ومن تلك الأحاديث :

قول الإمام الباقر عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين ، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين ، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار ... » (١).

وقول الإمام الباقر عليه‌السلام : « من أوتر بالمعّوذتين وقل هو الله أحد ، قيل له : يا عبدالله أبشر فقد قبل الله وترك » (٢).

وقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « ... وعليكم بتلاوة القرآن ، فإن درجات الجنّة على عدد آيات القرآن ، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن إقرأ وارق ، فكلّما قرأ آية رقى درجة ... » (٣).

وقول الإمام الصادق عليه‌السلام : « الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ ليلة الجمعة بالجمعة وسبّح اسم ربك الأعلى ... فإذا فعل ذلك فإنما يعمل بعمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان جزاؤه وثوابه على الله الجنة » (٤).

__________________

(١) الامالي للشيخ الصدوق : ٥٩ ـ ٦٠ ، الكافي ٢ : ٤٤٨.

(٢) الأمالي للشيخ الصدوق : ٦٠ ، ثواب الاعمال للشيخ الصدوق ١٥٧.

(٣) الأمالي ٣٥٩.

(٤) ثواب الأعمال : ١٤٦.

٣٦

وقول الإمام الباقر عليه‌السلام : « من ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة وأقل من ذلك وأكثر ، وختمه يوم الجمعة ، كتب الله له من الأجر والحسنات من أول جمعة كانت إلى آخر جمعة تكون فيها ، وإن ختمه في سائر الأيام فكذلك » (١).

إلى غير ذلك من الأحاديث وما أكثرها ، وقد ذكر الفقهاء ـ رضي الله تعالى عنهم ـ تفصيل ما يستحب أن يقرأ في الصلوات الخمس من سور القرآن (٢).

كما روى الشيخ الصدوق ـ رحمة الله تعالى ـ ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن بحسب الآحاديث الواردة عن الآئمّة عليهم‌السلام (٣).

وبهذا القسم من الأحاديث استدلّ بعض أكابر الإمامية كالشيخ الصدوق على ما ذهب إليه من عدم تحريف القرآن (٤).

القسم الخامس

الأحاديث الآمرة بالرجوع إلى القرآن الكريم واستنطاقه

وهي كثيرة جدّاً ، نكتفي هنا منها بما جاء في كتب وخطب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

قال عليه‌السلام في خطبة له ينبّه فيها على فضل الرسول والقرآن :

« أرسله على حين فترة من الرّسل ، وطول هجعة من الامم

__________________

(١) ثواب الأعمال : ١٢٥.

(٢) راجع جواهر الكلام ٩ : ٤٠٠ ـ ٤١٦.

(٣) ثواب الاعمال : ١٣٠ ـ ١٥٨.

(٤) الإعتقادات للشيخ الصدوق : ٩٣.

٣٧

وانتقاض من المبرم ، فجاءهم بتصديق الذي بين يديه ، والنور المقتدى به ، ذلك القرآن.

فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن أخبركم عنه ، ألا إنّ فيه علم ما يأتي ن والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم » (١).

وقال عليه‌السلام :

« واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضلّ ، والمحدّث الذي لا يكذب ، وما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان : زيادة في هدى أو نقصان في عمى ، واعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ، فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغّي والضلال ، فاسألوا الله به وتوجّهوا إليه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه ، إنّه ما توجه العباد إلى الله بمثله.

واعلموا أنّه شافع مشفّع ، وقائل مصدّق ، وإنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه ، ومن محل له القرآن يوم القيامة صدّق عليه ، فإنّه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إنّ كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله ، غير حرثة القرآن ، فكونوا من حرثته وأتباعه ، واستدلّوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه آراءكم ، واستغشوا فيه أهواءكم » (٢).

وقال عليه‌السلام في كتاب له إلى الحارث الهمداني رضي الله عنه :

__________________

(١) نهج البلاغة : ٢٢٣ | ١٥٨.

(٢) نهج البلاغة ٢٠٢ | ١٧٦.

٣٨

« وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه ، وأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ... » (١).

« ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو توقّده ، وبحراً لا يدرك قعره ، ومنهاجاً لا يضل نهجه ، وشعاعاً لا يظلم ضوؤه ، وفرقاناً لا يخمد برهانه ، وحقاً لا تخذل أعوانه ، فهو معدن الإيمان وبحبوحته ، وينابيع العلم وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه ، وأثافي الإسلام وبنيانه ، وأودية الحق وغيطانه ، وبحر لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون ، ومنازل لا يضل نهجها القاصدون ، جعله الله رياً لعطش العلماء ، وربيعاً لقلوب الفقهاء ، ومحاجّ لطرق الصلحاء ، ودواء ليس بعده داء ، ونوراً ليس معه ظلمة ، وحبلاً وثيقاً عروته ، ومعقلاً منيعاً ذروته ، وعزاً لمن تولاّه ، وسلماً لمن دخله ، وهدى لمن أئتمّ به ، وعذراً لمن انتحله ، وبرهاناً لمن تكلم به ، وشاهداً لمن خاصم به ، وفلجاً لمن حاجّ به ، وحاملاً لمن حمله ، ومطيّة لمن أعمله ، وآية لمن توسّم ، وجنّة لمن استلأم ، وعلماً لمن وعى ، وحديثاً لمن روى ، وحكماً لمن قضى » (٢).

وقال عليه‌السلام : « فالقرآن آمر زاجر ، وصامت ناطق ، حجّة الله على خلقه ، أخذ عليهم ميثاقه ، وارتهن عليه انفسهم ، أتم نوره ، وأكمل به دينه ، وقبض نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به ، فعظّموا منه سبحانه ما عظّم من نفسه ، فإنه لم يخف عنكم شيئاً من دينه ، ولم يترك شيئاً رضيه أو كرهه إلاّ وجعل

__________________

(١) نفس المصدر ٤٥٩ / ٦٩.

(٢) نفس المصدر ٣١٥ / ١٩٨.

٣٩

له علماً بادياً ، وآية محكمة ، تزجر عنه أو تدعو إليه ... » (١).

فهذه الكلمات البليغة وأمثالها تنصّ على أنّ الله تعالى جعل القرآن الكريم نوراً يستضاء به ، ومنهاجاً يعمل على وفقه ، وحكماً بين العباد ، ومرجعاً في المشكلات ، ودليلاً عند الحيرة ، ومتبعاً عند الفتنة.

وكل ذلك يقتضي أن يكون ما بأيدينا من القرآن هو نفس القرآن الذي نزل على الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعرفه أمير المؤمنين وسائر الأئمّة والصحابة والمسلمون أجمعون.

القسم السادس

الأحاديث التي تتضمن تمسّك الأئمة

من أهل البيت بمختلف الآيات القرآنية المباركة

وروى المحدّثون من الإماميّة أحاديث متكاثرة جدّاً عن الأئمّة الطاهرين تتضمن تمسّكهم بمختلف الآيات عند المناظرين وفي كل بحث من البحوث ، سواء في العقائد أو الأحكام أو المواعظ والحكم والأمثال ، كما لا يخفى على من راجع كتبهم الحديثيّة وغيرها ، وعلى رأسها كتاب ( الكافي ).

فهم عليهم‌السلام تمسّكوا بالآيات القرآنية « في كل باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا ، حتى في الموارد التي فيها آحاد من الروايات التحريف ، وهذا أحسن شاهد على أنّ المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم‌السلام كذا نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل » (٢).

__________________

(١) نفس المصدر ٢٦٥ | ١٨٣.

(٢) الميزان في تفسير القرآن ١٢ : ١١١.

٤٠