أدب الطّف - ج ١

جواد شبّر

أدب الطّف - ج ١

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

دعا العباس عثمان ، وقال له تقدم يا أخي كما قال لعبد الله فتقدم الى الحرب يضرب بسيفه ويقول :

إني انا عثمان ذو المفاخر

شيخي عليّ ذو الفعال الطاهر

فرماه خولي بن يزيد الأصبحي فأوهطه (١) حتى سقط لجنبه فجاءه رجل من بني ابان بن دارم فقتله واحتز رأسه .

٤ ـ عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي : كان شريفاً من اشراف الكوفة مخلص الولاء لأهل البيت ، قام مع مسلم حتى اذا خانته الكوفة لم يسعه إلا الاختفاء ، فلما سمع بقتل قيس بن مسهر وأنه أُخبر أن الحسين صار بالحاجر خرج اليه ومعه مولاه سعد ومجمع العائذي وابنه وجنادة بن الحرث السلماني واتبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعو ( الكامل ) فجنبوه وأخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي وكان جاء الى الكوفة يمتار لأهله طعاماً فخرج بهم على طريق متنكبة وسار سيراً عنيفاً من الخوف لأنهم علموا أن الطريق مرصود حتى اذا قاربوا الحسين عليه السلام حدا بهم الطرماح بن عدي فقال :

يا ناقتي لا تذعري من جزري

وشمِّري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر

حتى تحلِّي بكريم النجر

الماجد الحر رحيب الصدر

أتى به الله لخير أمر

ثمَّة ابقاء بقاء الدهر

فانتهوا الى الحسين وهو بعذيب والهجانات (٢) فسلموا عليه وانشدوه

__________

(١) اوهطه : اضعفه واثخنه بالجراحة وصرعه صرعة لا يقوم منها .

(٢) عذيب الهجانات موضع فوق الكوفة عن القادسية اربعة اميال . واضيفُ الى الهجانات لأن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يجعل فيه ابله .

ادب الطف ـ ( ٦ )

٨١
 &

الأبيات فقال عليه السلام : أما والله إني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا قتلنا أو ظفرنا .

٥ ـ بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي : قال السماوي كان بشر من حضرموت وعداده في كندة وكان تابعياً وله اولاد معروفون بالمغازي ، وكان بشر ممن جاء إلى الحسين أيام المهادنة ، وقال السيد الداودي لما كان اليوم العاشر من المحرم ووقع القتال قيل لبشر وهو في تلك الحال : إن ابنك عمراً قد أُسر في ثغر الري فقال عند الله احتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يؤسر وأنا أبقى بعده ، فسمع الحسين « ع » مقالته فقال له : رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاذهب واعمل في فكاك ابنك فقال له : أكلتني السباع حياً إن فارقتك يا أبا عبد الله . فقال له : فاعط ابنك محمداً ـ وكان معه ـ هذه الأثواب البرود يستعين بها في فكاك اخيه وأعطاه خمسة اثواب قيمتها الف دينار .

وقال السروي انه قتل في الحملة الاولى .

٦ ـ الحر الرياحي : وهو ابن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتَّاب ابن هرمي بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي اليربوعي الرياحى .

كان الحر شريفاً في قومه ، جاهلية واسلاما ، فان جده عتابا كان رديف النعمان . وولد عتاب قيساً وقعنباً ومات فردف قيس للنعمان ، ونازعه الشيبانيون ، فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخفة ، والحر هو ابن عم الأخوص الصحابي الشاعر ، وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب ، وكان الحر في الكوفة رئيساً ، ندبه ابن زياد لمعارضة الحسين ( ع ) فخرج في ألف فارس ( روى ) الشيخ ابن نما ان الحر لما أخرجه ابن زياد إلى الحسين وخرج من القصر ، نودى من خلفه ابشر يا حر بالجنة ، قال فالتفت فلم ير احداً فقال في نفسه ما هذه

٨٢
 &

البشارة وأنا أسير إلى حرب الحسين ، وما كان يحدث نفسه في الجنة ، فلما صار مع الحسين ، قصَّ عليه الخبر ، فقال له الحسين . لقد أصبت أجراً وخيراً ( روى ) ابو مخنف عن عبد الله بن سليم والمنذر ابن المشمعل الاسديين ، قالا كنا نساير الحسين فنزل شراف وأمر فتيانه باستقاء الماء والاكثار منه ، ثم ساروا صباحاً ، فرسموا (١) صدر يومهم حتى انتصف النهار فكبّر رجل منهم ، فقال الحسين : الله اكبر لِمَ كبرت قال رأيت النخل ( قالا ) فقلنا ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط ، قال فما تريانه رأى ، قلنا رأى هوادى الخيل ، فقال وانا والله ارى ذلك .

ثم قال الحسين : أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد ، قلنا بلى هذا ذو حُسم (٢) عن يسارك تميل اليه فان سبقت القوم ، فهو كما تريد فأخذ ذات اليسار ، فما كان بأسرع من أن طلعت هوادى الخيل (٣) فتبيناها فعدلنا عنهم فعدلوا معنا : كأن أسنتهم اليعاسيب (٤) وكأن راياتهم اجنحة الطير ، فسبقناهم إلى ذي حسم ، فضربت أبنية الحسين ( ع ) ، وجاء القوم فاذا الحر في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حرّ الظهيرة والحسين ( ع ) واصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه اسقوا القوم ورشّفوا الخيل ، فلما سقوهم ورشفوا خيولهم ، حضرت الصلوة . فأمر الحسين الحجاج ابن مسروق الجعفي . وكان معه أن يؤذن فأذّن وحضرت الاقامة فخرج الحسين في أزار وردآء ونعلين ، فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال ايها الناس انها معذرة إلى الله واليكم اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم

__________

(١) رسموا : اي ساروا الرسيم ، وهو نوع من السير معروف .

(٢) جبل معروف

(٣) هوادي الخيل : اوائلها واعناقها

(٤) جمع يعسوب : النحل

٨٣
 &

إلى آخر ما قال فسكتوا عنه فقال للمؤذن اقم فأقام ، فقال الحسين للحر أتريد أن تصلي بأصحابك قال لا بل بصلوتك فصلى بهم الحسين ثم دخل مضربه واجتمع اليه أصحابه ، ودخل الحر خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه ، ثم عادوا إلى مصافهم فأخذ كل بعنان دابته ، وجلس في ظلها فلما كان وقت العصر امر الحسين بالتهيؤ للرحيل ؟ ونادى بالعصر وصلى بالقوم ثم انفتل من صلواته واقبل بوجهه على القوم فحمد الله واثنى عليه ، وقال ايها الناس ( اني لم آتكم حتى اتتني كتبكم ورسلكم فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما اطمأن به من عهودكم ومواثيقكم وان كنتم على غير ذلك انصرفت إلى المكان الذي جئت منه فقال الحر إنا والله ما ندرى ما هذه الكتب التي تذكر ، فقال الحسين يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليَّ فأخرج خرجين مملوين صحفاً فنشرها بين ايديهم ، فقال الحر فانا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك ان لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله ، فقال الحسين الموت ادنى اليك من ذلك ، ثم قال لاصحابه اركبوا فركبوا ، وانتظروا حتى ركبت النساء ، فقال انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحر ثكلتك امك ما تريد ، قال اما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي انت عليها ما تركت امه بالثكل ان اقوله كائنا ما كان ، ولكن والله ما لي الى ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه ، فقال الحسين فما تريد ، قال اريد ان انطلق بك إلى عبيد الله ، فقال اذن لا اتبعك ، قال الحر اذن لا ادعك ؟ فترادا الكلام ثلث مرات ، ثم قال الحر اني لم اؤمر بقتالك ، وانما امرت أن لا افارقك حتى اقدمك الكوفة فان ابيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب إلى يزيد ان شئت ، او إلى ابن زياد ان شئت فلعل الله ان

٨٤
 &

يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من امرك ، ( قال ) فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وبينه وبين العذيب ثمانية وثلثون ميلاً وسار والحر يسايره حتى اذا كان بالبيضة (١) ، خطب اصحابه ثم ركب فسايره الحر ، وقال له اذكرك الله يا ابا عبد الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى فقال له الحسين أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني ما ادرى ما أقول لك ولكني اقول كما قال اخو الاوس لإبن عمه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول الله ( ص ) قال له اين تذهب فانك مقتول ؛ فقال :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وآسي الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا (٢) وباعد مجرما

أُقدم نفسي لا أريد لقاءها

لتلقى خميساً في الهياج عرمرما

فإن عشت لم اندم وإن مت لم الم

كفى بك عاراً ان تلام وتندما

فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات ، فاذا هم باربعة نفر يجنبون فرساً لنافع بن هلال ويدلهم الطرماح بن عدي ، فاتوا إلى الحسين ( ع ) وسلموا عليه فأقبل الحر ، وقال إن هؤلاء النفر الذين جائوا من أهل الكوفة ليسوا ممن اقبل معك ، وانا حابسهم أو رادّهم ، فقال الحسين ( ع ) لامنعهم مما أمنع منه نفسى انما هؤلاء انصاري واعواني ، وقد كنت اعطيتني ان لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك جواب عبيد الله ، فقال اجل لكن لم يأتوا معك ، قال هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن تممت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك قال فكف عنهم الحر ، ثم ارتحل الحسين ( ع ) من قصر بني مقاتل ، فأخذ يتياسر والحر يرده ، فاذا راكب على

__________

(١) البيضة بكسر الباء ما بين واقصة الي والعذيب .

(٢) الثبر : اللعن .

٨٥
 &

نجيب له وعليه السلاح فتنكب قوساً مقبل من الكوفة فوقفوا ينتظرونه جميعاً فلما انتهى اليهم سلم على الحر وترك الحسين فإذا هو مالك بن النسر البدي من كندة فدفع إلى الحر كتاباً من عبيد الله ، فاذا فيه ، اما بعد فجعجع بالحسين ( ع ) حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعرآء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري والسلام ، فلما قرأ الكتاب جاء به إلى الحسين ( ع ) ومعه الرسول ، فقال هذا كتاب الأمير يأمرني أن أُجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله قد أمره ان لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره ، وأخذهم بالنزول في ذلك المكان ، فقال له دعنا ننزل في هذه القرية أو هذه أو هذه يعنى نينوى والغاضرية وشُفيّة فقال والله لا استطيع ذلك هذا الرجل بعث عليّ عينا ، فنزلوا هناك ( قال ) ابو مخنف لما اجتمعت الجيوش بكربلاء لقتال الحسين جعل عمر بن سعد على ربع المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الازدي ، وعلى ربع مذحج واسد عبد الرحمن بن ابي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد ، وعلى الميمنة عمرو ابن الحجاج ، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عزرة ابن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعى ، واعطى الراية مولاه دريدا فشهد هؤلاء كلهم قتال الحسين ، إلا الحر فانه عدل اليه وقُتل معه ( قال ) ابو مخنف : ثم ان الحر لما زحف عمر بن سعد بالجيوش ، قال له اصلحك الله امقاتل أنت هذا الرجل ، فقال اي والله قتالا ايسره أن تسقط الرؤوس ، وتقطع الايدي ، قال افمالك في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضا ، فقال اما والله لو كان الأمر إليّ لفعلت . ولكن اميرك قد ابى ، فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفاً ومعه قرة بن قيس الرياحي فقال يا قرة هل سقيت فرسك اليوم

٨٦
 &

قال لا ، قال اما تريد ان تسقيه ، قال فظننت والله انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال ، وكره ان اراه حين يصنع ذلك فيخاف ان ارفعه عليه ، فقلت انا منطلق فساقيه ، قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فوالله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه ، قال : فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً ، فقال له المهاجر بن اوس الرياحي ، ما تريد يا بن يزيد ، اتريد أن تحمل ، فسكت وأخذه مثل العروآء (١) : فقال له يا بن يزيد ، ان أمرك لمريب وما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من اشجع اهل الكوفة رجلاً ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك ، قال اني والله اخير نفسي بين الجنة والنار ، ووالله لا أختار على الجنة شيئاً ، ولو قطعت وحرقت . ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين ، فلما دنا منهم ، قلب ترسه فتالوا مستأمن ، حتى اذا عرفوه ، سلم على الحسين ، وقال جعلني الله فداك يابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان . والله الذي لا اله إلا هو ، ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضت عليهم ابدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا ابالي ان اصانع القوم في بعض أمرهم ولا يظنون اني خرجت من طاعتهم واما هم فسيقبلون من الحسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، ووالله اني لو ظننتهم لا يقبلونها منك ، ما ركبتها منك واني قد جئتك تائباً مما كان مني إلى ربى ، ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك ، افترى لي توبة ، قال نعم ، يتوب الله عليك ويغفر لك ، فانزل . قال : انا لك فارساً خير منى راجلا . اقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمري ، قال فاصنع ما بدا لك ، فاستقدم امام اصحابه ، ثم قال ايها القوم اما تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم ،

__________

(١) العروآء بالعين المضمونة والراء المهملة المفتوحة : قوة الحمى ورعدتها

٨٧
 &

فيعافيكم الله من حربه ، قالوا فكلم الأمير عمر ، فكلمه بما قال له من قبل وقال لأصحابه ، فقال عمر : قد حرصت ، ولو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلت فالتفت الحر إلى القوم وقال : يا أهل الكوفة ، لامكم الهبل والعبر (١) دعوتم ابن رسول الله ( ص ) ، حتى إذا أتاكم اسلمتموه ؟ وزعمتم انكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه امستكم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة . حتى يأمن ويامن أهل بيته ، فأصبح في ايديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضرا ، حلأتموه ونسائه وصبيته واصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني . وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمدا ( ص ) في ذريته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ ان لم تتوبوا وتنزعوا عما انتم عليه ، من يومكم هذا ، في ساعتكم هذه . فحملت عليه رجال ، ترميه بالنبل ، فأقبل حتى وقف امام الحسين « ع » ( وروى ) ابو مخنف أن يزيد بن سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم ، كان قال : اما والله لو رأيت الحر ، حين خرج ، لاتبعته السنان . قال : فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما ، ويتمثل بقوله عنترة :

ما زلت ارميهم بثغرة نحره

ولبانه حتى تسربل بالدم

وان فرسه لمضروب من اذنيه وحاجبيه ، وان دمائه لتسيل ، فقال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان ، هذا الحر الذي كنت تتمنى ، قال نعم وخرج اليه فقال له هل لك يا حر في المبارزة ، قال نعم قد شئت فبرز له قال الحصين ، وكنت انظر اليه فوالله لكان نفسه كانت في يد الحر ، خرج اليه فما لبث أن قتله ، ( وروى )

__________

(١) العبر كصبر بمعنى الثكل

٨٨
 &

ابو مخنف عن ايوب بن مشرح الخيواني انه كان يقول جال الحر على فرسه ، فرميته بسهم . فحشاته فرسه فما لبث إذ أُرعد الفرس واضطرب وكبا ، فوثب عنه الحر ، كأنه ليث والسيف في يده ، وهو يقول :

ان تعقروا بي فأنا ابن الحر

أشجع من ذي لبد هزبر

( قال ) فما رأيت أحد قط يفرى فريه ( قال ) ابو مخنف ولما قتل حبيب أخذ الحر يقاتل راجلاً وهو يقول :

آليتُ لا أقتل حتى أقتلا

ولن أصاب اليوم إلّا مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا مفصلا

لا ناكلاً فيهم ولا مهللا

ويضرب فيهم ويقول :

اني انا الحر ومأوى الضيف

اضرب في اعراضكم بالسيف

عن خير من حلّ بأرض الخيف

ثم أخذ يقاتل هو وزهير قتالاً شديداً ، فكان إذا شد احدهما واستلحم : شد الآخر حتى يخلصه ، ففعلا ذلك ساعة ، ثم شدت جماعة على الحر ، فقتلوه . فلما صرع وقف عليه الحسين عليه السلام ، وقال له انت كما سمتك امك الحر ، حر في الدنيا وسعيد في الآخرة ، وفيه يقول عبيد الله بن عمرو الكندى البدى .

سعيد بن عبد الله لا تنسينّه

ولا الحر اذ آسى زهيراً على قسر

أقول وكان الحر أول من قتل من أصحاب الحسين « ع » في المبارزة .

٨٩
 &

واما الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، صاحب الأبيات ، قتل يوم الحرة مع عسكر أهل المدينة في ذي الحجة سنة ٦٣ ، قال الطبري في تاريخه ان الفضل جاء الى عبد الله بن حنظلة الغسيل فقاتل في نحو من عشرين فارساً قتالاً شديداً حسناً ، ثم قال لعبد الله مُر مَن معك فارسا فليأتني فليقف معي فاذا حملت فليحملوا فوالله لا انتهي حتى ابلغ مسلماً فاما ان اقتله وإما ان أقتل دونه ، فقال عبد الله بن حنظله لرجل ناد في الخيل فلتقف مع الفضل ابن العباس فنادى فيهم فجمعهم إلى الفضل فلما اجتمعت الخيل اليه حمل على أهل الشام فانكشفوا ، فقال لأصحابه الا ترونهم كشفا لئاما احملوا اخرى جعلت فداكم فوالله لئن عاينت اميرهم لاقتلنه أو لاقتلن دونه إن صبر ساعة معقب سروراً إنه ليس بعد الصبر إلا النصر ، ثم حمل وحمل أصحابه معه فانفرجت خيل أهل الشام عن مسلم بن عقبة ، وبقي في نحو من خمسمائة راجل جثاة على الركب مشرعي الأسنة نحو القوم ومضى كما هو نحو رايته حتى يضرب رأس صاحب الراية وإن عليه لمغفراً فقط المغفر وفلق هامته فخر ميتاً ، فقال خذها وانا ابن عبد المطلب فظن انه قتل مسلما ، فقال قتلت طاغية القوم ورب الكعبة ، فما قتل مسلم وانما كان ذلك غلاماً له يقال له رومي وكان شجاعاً فأخذ مسلم رايته وانبّ اهل الشام وحرضهم وتهددهم وشدت تلك الرجالة امام الراية فصرع الفضل بن عباس فقتل وما بينه وبين اطناب مسلم بن عقبة إلا نحو من عشرة اذرع وفي رواية ان مسرف ابن عقبة كان مريضاً يوم القتال وانه أمر بسرير وكرسي فوضع بين الصفين وقال يا أهل الشام قاتلوا عن أميركم أو دعوا ، ثم زحفوا نحوهم فحمل الفضل بن العباس بن ربيعة هو واصحابه حتى انتهى إلى السرير فوثبوا اليه فطعنوه حتى سقط .

٩٠
 &

١١ ـ كعب بن جابر الأزدي :

كان كعب بن جابر الازدي (١) ممن قاتل الحسين عليه السلام وهو الذي قتل برير بن خضير الهمداني رحمه الله ، فقالت له اخته النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيّد الغراء ، لقد أتيت عظيماً من الأمر ، والله لا اكلمك من رأسي كلمة ابداً ، فقال كعب :

سلي ُتخبري عني وأنتِ ذميمة

غداة حسينٌ والرماح شوارعُ

ألم آتِ أقصى ما كرهت ولم يخل

عليّ غداة الروع ما أنا صانع

معي يزنيِّ لم تخنْه كعوُبه

وابيض مشخوب (٢) الفرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم

بديني وإني بابن حرب لقانع

ولم ترَ عيني مثلهم في زمانهم

ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع

أشدّ قراعاً بالسيوف لدى الوغى

ألا كل من يحمي الذمار مقارع

وقد صبروا للطعن والضرب حسراً

وقد نازلوا لو أنّ ذلك نافع

فابلغ عبيد الله إما لقيته

بأني مطيع للخليفة سامع

قتلتُ بريراً ثم حملت نعمةً

أبا منقذ لما دعا من يماصع

__________

(١) في الاعلام للزركلي : كعب بن جابر ، شاعر كان مع عبيد الله بن زياد يوم مقتل الحسين وله في ذلك ابيات اولها :

سلي تخبري عني وانت ذميمة

غداة حسين والرماح شوارع

رواها المرزباني في كتابه ص ٣٤٥ ؛ وقال : توفى نحو ٦٦ هـ ، ٦٨٥ م ، وروي الطبري بعضها في الجزء ٦ ص ٢٤٧ .

(٢) مشخوب : مصقول .

٩١
 &

قال فبلغت ابياته رضي بن منقذ فقال مجيباً له يرد عليه .

فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عندي ابن جابر

لقد كان ذاك اليوم عاراً وسُبّة

يعيّره الابناء بعد المعاشر

فيا ليت اني كنت من قبل قتله

ويوم حسين كنت في رمس قابر

فيا سوءتا ماذا أقول لخالقي

وما حجتي يوم الحساب القماطر

قال الطبري حمل اصحاب الحسين عليه السلام ، وفيهم برير بن خضير الهمداني (١) فحمل عليه رضي بن منقذ العبدي فاعتنق بريراً فاعتركا ساعة ثم ان بريراً صرعه وقعد على صدره ، فجعل رضي يصيح بأصحابه : اين اهل المصاع (٢) والدفاع فذهب كعب بن جابر الازدي ليحمل عليه فقلت له ان هذا برير بن خضير القارىء الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد فلم يلتفت لعذلي وحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره ، فلما وجد برير مسّ الرمح ، برك على رضي يعض انفه حتى قطعه وانفذ الطعنة كعب حتى القاه عنه وقد غيب السنان في ظهره ثم اقبل يضربه بسيفه حتى برد ، فكأني انظر إلى رضي قام ينفض التراب عنه ويده على انفه وهو يقول : انعمت عليّ يا اخا الأزد نعمةً لا انساها ابداً .

__________

(١) برير بن خضير من شيوخ القراء ومن اصحاب امير المؤمنين عليه السلام وموقفه يوم الطف من اجل المواقف تنبىء خطبه عن شدة ايمانه وبصيرته في دينه . وقد احتج يوم عاشوراء على اهل الكوفة بخطبة يذكرها التاريخ . قال اهل السير كان برير شريفاً ناسكاً شجاعا قارئا للقرآن ، وكان من أهل الكوفة من الهمدانيين ، قتل مع الحسين عليه السلام بكربلاء سنة ٦١ هـ .

(٢) أي أهل القتال والجلاد .

٩٢
 &

١٢ ـ عبيد الله بن الحر الجعفي :

يبيتُ النشاوي من أمية نوّماً

وبالطف قتلي لا ينامُ حميمها

وما ضيّع الاسلام الا قبيلة

تأمّر نوكاها (١) ودام نعيمها

وأضحت قناة الدين في كف ظالم

إذا اعوجَّ منها جانب لا يقيمها

فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة

وعيني لا تبكي لا يجف سجومها

حياتي أو تلقى أمية خزية

يذل لها حتى الممات قرومها

__________

(١) جمع انوك وهو الاحمق .

٩٣
 &

جاء في نفس المهموم : وسار الحسين « ع » حتى نزل قصر بني مقاتل (١) فاذا فسطاط مضروب ورمح مركوز وخيول مضمرة ، فقال الحسين : لمن هذا الفسطاط قالوا لعبيد لله بن الحر الجعفي فأرسل اليه الحسين رجلاً من أصحابه يقال له الحجاج بن مسروق الجعفي فأقبل فسلم عليه فرد عليه السلام ثم قال : ما وراءك ؟ فقال : ورائي يا بن الحر أن الله قد أهدى اليك كرامة إن قبلتها فقال وما تلك الكرامة ، فقال هذا الحسين بن علي يدعوك الى نصرته فان قاتلت بين يديه أجرت ، وإن قُتلت بين يديه استشهدت فقال له عبيد الله بن الحر والله يا حجاج ما خرجت من الكوفة الا مخافة أن يدخلها الحسين وانا فيها ولا أنصره لأنه ليس في الكوفة شيعة ولا أنصار الا مالوا الى الدنيا إلا من عصم منهم فارجع اليه فأخبره بذلك ، فجاء الحجاج وأخبر الحسين فدعا عليه السلام بنعليه فلبسهما وأقبل حتى دخل على ابن الحر فلما رآه قد دخل وسلم ، وثب عبيد الله وتنحى عن صدر مجلسه وقبّل يديه ورجليه وجلس الحسين « ع » ثم قال : يا بن الحر ما يمنعك أن تخرج معي قال : أحب أن تعفيني من الخروج معك وهذه فرسي المحلقة فاركبها فوالله ما طلبت عليها شيئاً الا ادركته ولا طلبني احد إلا فتّه حتى تلحق بمأمنك وأنا ضمين لك بعيالاتك أوديهم اليك أو اموت انا وأصحابي دونهم .

قال الحسين : أهذه نصيحة منك قال نعم والله ، قال : إني سأنصحك كما نصحتني مهما استطعت أن لا تسمع واعيتنا فوالله لا يسمع اليوم واعيتنا أَحد ثم لا يعيننا إلا كبه الله على منخريه في النار قال عبيد الله بن الحر دخل عليَّ الحسين ولحيته كأنها جناح غراب فوالله

__________

(١) قال السيد المقرم ينسب القصر الى مقاتل بن حسان بن ثعلبة ، وساق نسبه الحموي في المعجم الى امريء القيس بن زيد بن مناة بن تميم ، يقع بين عين التمر والقطقطانة والقريات خربه عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ثم جدده .

٩٤
 &

ما رأيت أحداً أملأ للعين ولا أهيب في القلب منه ولا والله ما رققت على أحد قط رقتي على الحسين حين رأيته يمشي وأطفاله حواليه .

وروى مسنداً عنه أنه سأل الحسين عن خضابه فقال « ع » : اما أنه ليس كما ترون انما هو حنا وكتم ، وفي خزانة الأدب للبغدادي في ج ١ ص ٢٩٨ أنه سأل الحسين : أسواد أم خضاب ، قال يابن الحر عجل علي الشيب ، فعرفت أنه خضاب .

وجاء في رجال السيد بحر العلوم . عبيد الله بن الحر بن المجمع بن الخزيم الجعفي من أشراف الكوفة عربي صميم وليس من اخوة أديم ، موالي جعفي . ذكر النجاشي في اول كتابه : عبيد الله بن الحر الفارس الفاتك الشاعر ، وعده من سلفنا الصالحين المتقدمين في التصنيف وقال : له نسخة يرويها عن امير المؤمنين عليه السلام . قال السيد بحر العلوم : والعجب منه ـ رحمه الله ـ كيف عدّ هذا من سلفنا الصالح وهو الذي خذل الحسين وقد مشى اليه يستنصره فأبى أن ينصره وعرض عليه فرسه لينجو عليها ـ فأعرض عنه الحسين وقال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك وما كنت متخذ المضلين عضدا .

ثم أنه قام مع المختار في طلب الثأر ورجع مغاضباً لابراهيم بن الاشتر حيث استقل العطاء ، وأغار على سواد الكوفة فنهب القرى وقتل العمال واخذ الاموال ومضى الى مصعب بن الزبير .

وقصته معروفة .

وقال : كان قائداً من الشجعان الأبطال ، وكان من أصحاب عثمان ابن عفان ، فلما قتل عثمان انحاز الى معاوية فشهد معه صفين وأقام عنده إلى أن قتل علي عليه السلام فرحل الى الكوفة ، فلما كانت فاجِعة الحسين تغيب ولم يشهد الوقعة فسأل عنه ابن زياد ـ كما مر ـ

٩٥
 &

ثم التفَّ حول مصعب وقاتل المختار ثم خاف مصعب أن ينقلب عليه عبيد الله فحبسه وأطلقه بعد أيام بشفاعة من مذحج فحقدها عليه وخرج مغاضباً فوجه اليه مصعب رجال يراودونه على الطاعة ويعدونه بالولاية ، وآخرين يقاتلونه فرد اولئك وهزم هؤلاء واشتدت عزيمته ، وكان معه ثلثمائة مقاتل فامتلك تكريت وأغار على الكوفة . وأعيى مصعباً امره ، ثم تفرق عنه جمعه بعد معركة ، وخاف أن يؤسر فألقى نفسه في الفرات فمات غريقاً . وكان شاعراً فحلا ثابت الايمان قال لمعاوية يوماً : ان علياً على الحق وأنت على الباطل وهذا يدل على صحة اعتقاده لا سيما ما أظهره من شدة ندمه وتحسره ـ نظماً ونثراً على تركه لنصرة الحسين « ع » ليفوز بجنات النعيم وطيبها .

ومن اخذه بالثأر مع المختار قالوا وتداخله من الندم شيء عظيم حتى كادت نفسه تفيض .

والرجل صحيح الاعتقاد سيىء العمل ، وقد يرجى له النجاة بحسن عقيدته وبحنو الحسين عليه السلام وتعطفه عليه ، حيث أمره بالفرار من مكانه حتى لا يسمع الواعية ، فيكبه الله على وجهه في النار والله أعلم بحقيقة حاله . انتهى كلام السيد بحر العلوم رحمه الله .

وقال الشيخ نجم الدين ـ من أحفاد ابن نما ـ في رسالته ( ذوب النضار في شرح الثأر ) : وكان عبيد الله بن الحر الجعفي من أشراف الكوفة ، وكان قد مشى اليه الحسين « ع » وندبه الى الخروج معه فلم يفعل ثم تداخله الندم حتى كادت نفسه تفيض ، فقال :

فيا لك حسرة نادمتُ حياً

تردُّد بين حلقي والتراقي

حسين حين يطلبْ بذل نصري

على أهل الضلالة والنفاق

غداة يقول لي بالقصر قولاً

أتتركنا وتزمع بالفراق

٩٦
 &

ولو أني اواسيه بنفسي

لنلت كرامة يوم التلاق

مع ابن المصطفى نفسي فداه

تولى ثم ودّع بانطلاق

فلو فلق التلهف قلبَ حي

لهمَّ اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الاولى نصروا حسيناً

وخاب الآخرون الى النفاق

جاء في التاريخ الكامل ج ٤ ص ٢٣٧ حوادث سنة ٦٨ وهي السنة التي مات فيها ابن الحر قال :

لما مات معاوية وقتل الحسين « ع » لم يكن عبيد الله بن الحر الجعفي فيمن حضر قتله . تغيب عن ذلك تعمداً فلما قتل جعل ابن زياد يتفقد الأشراف من أهل الكوفة فلم يرَ عبيد الله بن الحر ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه فقال له : أين كنت يا بن الحر ؟ قال كنت مريضاً ، قال مريض القلب أم مريض البدن فقال أما قلبي فلم يمرض ، وأما بدني فلقد منّ الله علي بالعافية ، فقال ابن زياد كذبت ولكنك كنت مع عدونا ، فقال : لو كنت معه لرؤي مكاني . وغفل عنه ابن زياد فخرج وركب فرسه ، ثم طلبه ابن زياد فقالوا ركب الساعة ، فقال : عليَّ به ، فاحضر الشرطة خلفه ، فقالوا : أجب الأمير فقال : أبلغوه اني لا آتي اليه طائعاً أبداً ، ثم أجرى فرسه وأتى منزل أحمد بن زياد الطائي فاجتمع اليه اصحابه ثم خرج حتى أتى كربلاء فنظر الى مصارع الحسين « ع » ومن قتل معه فاستغفر لهم ثم مضى الى المدائن فقال في ذلك :

يقول أمير غادر وابن غادر

الأبيات

وقال السيد المقرم في ( المقتل ) : وفي أيام عبد الملك سنة ٦٨ قتل عبيد الله بالقرب من الأنبار ، وفي أنساب الاشراف ج ٥ ص ٢٩٧

ادب الطف ـ ( ٧ )

٩٧
 &

قاتله عبيد الله بن العباس السلمي من قبل القباع ولما أثخن بالجراح ركب سفينة ليعبر الفرات وأراد أصحابه عبيد الله أن يقبضوا السفينة فأتلف نفسه في الماء خوفاً منهم وجراحاته تشخب دماً ، ويذكر ابن حبيب في ( المحبّر ) ان مصعب بن الزبير نصب رأس عبيد الله بن الحر الجعفي بالكوفة . وفي جمهرة أنساب العرب لابن حزم أن أولاد عبيد الله بن الحر هم : صدقة ، وبرة ، والاشعر ، شهدوا واقعة الجماجم مع ابن الاشعث .

ومن شعره الذي أظهر به الندم على عدم نصرة الحسين « ع » :

يقول أمير غادر وابن غادر

ألا كنت قاتلت الحسين بن فاطمة

ونفسي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لاثمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كل نفس لا تسدد نادمه

وإني لأني لم أكن من حماته

لذو حسرة ما ان تفارق لازمه

سقى الله أرواح الذين تبادروا

الى نصره سقياً من الغيث دائمه

وقفت على أجداثهم ومحالهم

فكاد الحشى ينقض والعين ساجمه

لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى

سراعاً إلى الهيجا حماة خضارمه

تآسوا على نصر ابن بنت نبيهم

بأسيافهم آساد غيل ضراغمه

فان يقتلوا في كل نفس بقية

على الأرض قد أضحت لذلك واجمه

وما ان رأى الراؤون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزهر قماقمه

يقتِّلهم ظلماً ويرجو ودادنا

فدع خطة ليست لنا بملائمه

لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم

فكم ناقم منا عليكم وناقمه

أهمّ مراراً أن أسير بجحفلٍٍ

الى فئة زاغت عن الحق ظالمه

فكفوا والا ذدتكم في كتائب

أشد عليكم من زحوف الديالمه

٩٨
 &

ولما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه فقعد على فرسه ونجا منه . وأقام ابن الحر بمنزله على شاطىء الفرات إلى أن مات يزيد .

ومن شعره الذي يتأسف به على عدم نصرة الحسين « ع » :

ولما دعا المختار للثأر أقبلت

كتائب من أشياع آل محمدِ

وقد لبسوا فوق الدروع قلوبهم

وخاضوا بحار الموت في كل مشهد

هم نصروا سبط النبي ورهطه

ودانوا بأخذ الثأر من كل ملحد

ففازوا بجنات النعيم وطيبها

وذلك خير من لجينٍ وعسجد

ولو أننى يوم الهياج لدى الوغى

لأعملت حد المشرفيّ المهند

ووا أسفا إذ لم أكن من حماته

فأقتل فيهم كل باغ ومعتد

وكل هذا يخبر عن ندامته على قعوده عن نصرة سيد الشهداء ، قال صاحب نفس المهموم : وحكى ايضاً أنه كان يضرب يده على الأخرى ويقول ما فعلت بنفسي ويردد هذه الأشعار .

وقال الشيخ القمي في نفس المهموم : ثم أن بيت بني الحر الجعفي من بيوت الشيعة وهم اديم وأيوب وزكريا من أصحاب الصادق ذكرهم النجاشي وأثبت لأديم وايوب أصلاً ووثقهما ولزكريا كتابا .

وقال الشيخ عباس القمي في الكنى : ابن الحر الجعفي هو عبيد الله ابن الحر الفارس الفاتك ، له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين « ع » قتل سنة ٦٨ ، وعن كتاب الاعلام قال في ترجمته ، وكان معه ثلثمائة مقاتل وأغار على الكوفة وأعيى مصعباً امره ثم تفرق عنه جمعه فخاف أن يؤسر فألقى نفسه في الفرات فمات غريقاً ، وكان شاعراً فحلاً .

٩٩
 &

وقال السيد الأمين في الأعيان ، ومن شعره :

يخوِّفني بالقتل قومي وإنما

أموت اذا جاء الكتاب المؤجلُ

لعل القنا تدني بأطرافها الغنى

فنحى كراماً او نموت فنقتل

وإِنك إن لا تركب الهول لا تنل

من المال ما يكفي الصديق ويفضل

إِذا القرن لاقاني وملَّ حياته

فلست ابالي أيّنا مات أول

١٠٠