أدب الطّف - ج ١

جواد شبّر

أدب الطّف - ج ١

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وفي ارض باخمرا مصابيح قد ثوت

متربة الهامات حمر الترائب

وغادر هاديكم بفخ طوائفاً

يُغاديهم بالقاع بقع النواعب

وهارونكم أودى بغير جريرة

نجوم تقى مثل النجوم الثواقب

ومأمونكم سمّ الرضا بعد بيعة

تهدّ ذرى شمِّ الجبال الرواسب

فهذا جواب للذي قال : ما لكم

غضاباً على الاقدار يا آل طالب

واليكم قصيدة الشاعر صفي الدين من شعراء القرن الثامن وستأتي ترجمته في هذه الموسوعة ، والقصيدة من غرر الشعر :

الشاعر صفي الدين الحلي المولود سنة ٦٧٧ والمتوفي ٧٥٢ يردّ على قصيدة ابن المعتز العباسي التي أولها :

ألا مَن لعين وتسكابها

تكيّ القذا وبكا هابها

ترامت بنا حادثات الزمان

ترامي القسي بنشابها

ويا رب ألسنة كالسيوف

تقطَع ارقابَ اصحابها

ويقول فيها : ـ

ونحن ورثنا ثياب النبي

فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنتِه

ولكن بنو العم أولى بها

ومنها : ـ

قتلنا امية في دارها

ونحن أحق بأسلابها

إذا ما دنوتم تلقّيتمُ

زبوناً أقرّت بجلّابها

فأجابه الصفي بقوله : ـ

ألا قل لشر عبيد الإله

وطاغي قريش وكذّابها

وباغي العباد وباغي العناد

وهاجي الكرام ومغتابها

ادب الطف ( ٢١ )

٣٢١
 &

أأنت تُفاخر آل النبي

وتجحدها فضل أحسابها ؟

بكم باهل المصطفى أم بهم

فردّ العداة بأوصابها ؟

أعنكم نفي الرجس أم عنهم

لطهر النفوس وألبابها ؟

أما الرجس والخمر من دأبكم

وفرط العبادة من دابها ؟

وقلت : ورثنا ثياب « النبي »

فكم تجذبون بأهدابها ؟

وعندك لا يُوَرثُ الأنبيا

فكيف حظيتم بأثوابها ؟

فكذبت نفسك في الحالتين

ولم تعلم الشّهدَ من صابها

أجدَّك يرضى بما قلته ؟

وما كان يوماً بمرتابها

وكان بصفين من حزبهم

لحربِ الطغاة وأحزابها

وقد شمّر الموت عن ساقه

وكشّرت الحرب عن نابها

فأقبل يدعو إلى « حيدر »

بارغابها وبارهابها

وآثر أن ترتضيه الأنام

من الحكمين لأسبابها

ليعطي الخلافة أهلاً لها

فلم يرتضوه لايجابها

وصلى مع الناس طول الحياة

و « حيدر » في صدر محرابها

فهلا تقمّصها جدّكم

إذا كان إذ ذاك أحرى بها ؟

إذا جعل الأمر شورى لهم

فهل كان من بعض أربابها ؟

أخامسهم كان أم سادساً ؟

وقد جليت بين خطّابها

وقولك : أنتم بنو بنته

ولكن بنو العم أولى بها

بنو البنت ايضاً بنو عمه

وذلك أدنى لأنسابها

فدع في الخلافة فصلَ الخلاف

فليست ذلولاً لركّابها

وما أنتَ والفحص عن شأنها

وما قمّصوك بأثوابها

وما ساورتك سوى ساعة

فما كنتَ أهلاً لأسبابها

وكيف يخصّوك يوماً بها ؟

ولم تتأدّب بآدابها

وقلت : بأنّكم القاتلون

أُسود أُمية في غابها

٣٢٢
 &

كذبتَ وأسرفت فيما أدّعيت

ولم تنهَ نفسك عن عابها

فكم حاولتها سُراةٌ لكم

فردّت على نكصِ أعقابها

ولولا سيوف أبي مسلم

لعزّت على جهد طلّابها

وذلك عبدٌ لهم لا لكم

رعى فيكم قُربَ أنسابها

وكنتم اسارى ببطن الحبوس

وقد شفَّكم فضلَ جلبابها

فأخرجكم وحباكم بها

وقمَّصكم فضلَ جلبابها

فجازيتموه بشرِّ الجزاء

لطغوى النفوس وإعجابها

فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف

وجاؤا الخلافة من بابها

هم الزّاهدون هم العابدون

هم الساجدون بمحرابها

هم الصائمون هم القائمون

هم العالمون بآدابها

هُم قطب ملّة دين الإله

ودور الرحى حول أقطابها

عليك بلهوكَ بالغانيات

وخلّ  المعالي لأصحابها

ووصف العذارى وذات الخمار

ونعت العقار بألقابها

وشعرك في ومدح ترك الصلاة

وسعي السّقاة بأكوابها

فذلك شأنك لا شأنهم

وجري الجياد بأحسابها

ومن شعره :

بلوتُ أخلّاء هذا الزمان

فاقللت بالهجر منهم نصيبي

وكلهم إن تصفحتهم

صديق العيان عدو المغيب

ويقول :

يقولون لي ، والبعد بيني وبينها

نأت عنك شرٌ ، وانطوى سببُ القرب

فقلت لهم ، والسر يظهره البكا

لئن فارقت عيني ، فقد سكنت قلبي

٣٢٣
 &

وقوله :

أهدت إليّ صحيفة مكتوبة

أرضت بها سخط الضمير العاتبِ

يا ليتني ضمّنت طيّ جوابها

حتى أُقبّلَ كف ذاك الكاتبِ

وقوله :

أيا من حسنه عذر اشتياقى

ويحسن سوء حالي في سواهُ

أعنّي بالوصال فدتك نفسي

فقد بلغ الهوى بي منتهاه

٣٢٤
 &

٦ ـ الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس ابن علي بن ابي طالب عليه السلام :

قال وهو يرثي جده العباس بن علي ( ع ) :

اني لأذكر للعباس موقفه

بكربلاءَ وهام القوم تُختطفُ

يحمي الحسين ويسقيه على ظمأ

ولا يوَلّي ولا يثنى ولا يقف

ولا أرى مشهداً يوماً كمشهده

مع الحسين عليه الفضل والشرف

أكرم به مشهداً بانت فضيلته

وما أضاع له افعاله خلف (١)

وفي معجم الشعراء للمرزباني ص ١٨٤ :

أكرم به سيداً بانت فضيلته

وما أضاع له كسب العلا خلف

وقال ابو الحسن العمري في المجدي : وجدت ابيات لأبي العباس الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين في جده العباس وهي : إني لأذكر للعباس موقفه .

وقال المرزباني في معجم الشعراء ص ١٨٤ :

الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي ابن ابي طالب شاعر مقلّ متوكلي ( اي معاصر للمتوكل ) . وقال هو وغيره :

__________

(١) اعيان الشيعة ج ٤٢ ص ٢٨٢ .

٣٢٥
 &

شاعر مقل ، وكان يشبّه بعلي بن ابي طالب رضي الله عنه وهو القائل بفخر بجده العباس بن علي ( إني لأذكر للعباس موقفه ) الابيات .

وقال السيد الامين في الاعيان ج ١ ص ٣٧٩ : كان شاعراً في اواسط المائة الثالثة . اقول ويكنى بأبي العباس وكان خطيباً شاعراً وقع عقبه الى قم وطبرستان ، قال الشيخ عبد الواحد المظفر في كتابه البطل العلقمي : الفضل بن محمد الشاعر الفصيح وهو من الشعراء المجيدين في الدولة العباسية ، وجلَّ شعره بمفاخر اسلافه ومجد أُسرته .

وقال الداودى في عمدة الطالب : فمن ولد محمد بن الفضل بن الحسن ابن عبيد الله : هو ابو العباس الفضل بن محمد الخطيب الشاعر له ولد .

اقول اما ابوه محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله فقد كان شاعراً مجيداً ولكنه مقلّ ، وكان معاصراً للمأمون وأدرك عصر المتوكل وكان له قدر وجلالة عندهما . قال ابو نصر البخاري في سر السلسلة العلوية : محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله ، أُمه جعفرية وكان مشهوراً بالجمال . وقال المأمون ما رأيت ذكراً أتمَّ جمالاً من محمد ابن الفضل بن الحسن .

*       *      *

اقول واذا كان المترجم له من المعاصرين للمتوكل فان المتوكل مات سنة ٢٤٧ هـ اي في اواسط القرن الثالث فكان الانسب ان يكون من شعراء هذا القرن .

٣٢٦
 &

٧ ـ البسامي علي بن محمد :

قال ابن خلكان لما هدم المتوكل قبر الحسين بن علي عليه السلام في سنة ٢٢٦ قال البسامي :

تالله إن كانت أُمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد اتاه بنو أبيه بمثله

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبعوه رميما

واورد الطوسي في الامالي ص ٢٠٩ عن عبد الله بن دانية الطوري قال : حججت سنة ٢٤٧ سبع واربعين ومائتين فلما صدرت من الحج وصرت الى العراق زرت أمير المؤمنين علي بن ابي طالب على حال خيفة من السلطان ثم توجهت الى زيارة الحسين فاذا هو قد حرث ارضه وفجر فيها الماء وارسلت الثيران والعوامل في الارض فبعيني وبصري كنت ارى الثيران تساق في الارض فتنساق لهم حتى اذا حاذت القبر حادت عنه يميناً وشمالا فتضرب بالعصى الضرب الشديد فلا ينفع ذلك ولا تطأ القبر بوجه فما امكنني الزيارة فتوجهت الى بغداد وانا اقول ـ تالله ان كانت امية قد اتت ـ الابيات .

٣٢٧
 &

الشاعر

في الكنى ابن بسام هو ابو الحسن علي بن محمد بن نصر بن منصور ابن بسام البغدادي المعروف بالبسامي الشاعر المشهور توفي سنة ٣٠٣ وفي الجزء الاول من اعيان الشيعة ان وفاته سنة ٣٠٢ وفي الاعيان ج ٤٢ ان عمره ينيف على السبعين ومن شعره :

إنّ عليا لم يزل محنةً

لرابح الدين ومغبونِ

أنزله من نفسه المصطفى

منزلة لم تك بالدون

فارجع الى الاعراف حتى ترى

ما صنع الناس بهارون

وقال ياقوت الحموي : كان حسن البديهة شاعراً ماضياً أديباً ، وكان مع فصاحته وبيانه لا حظّ له في التطويل ، إنما تحسن مقطعاته وتنذر أبياته وهو من اهل بيت الكتابة ، كان جده نصر بن منصور يتولى ديوان الخاتم والنفقات والازمة في ايام المعتصم .

وفي انساب السمعاني ج ٢ ص ٢١٩ .

البسّاميّ . بفتح الباء الموحدة والسين المهملة المشددة بعدها الالف وفي آخرها الميم ، هذه النسبة الى بسام ، وهو اسم لجد ابي الحسن علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام الشاعر البسامي ، من اهل بغداد سائر الشعر مشهور عند اهل الأدب ، روى عنه محمد بن يحيى الصولي وابو سهل احمد بن محمد بن زياد القطان وغيرهما ، وقيل طلب البسامي من بعض جيرانه دابة عارية فمنعها فكتب إليه :

بخلت عنا بأدهم عجف

لست تراني ما عشت أطلبه

فلا تقل صنته فما خلق الله مصونا وأنت تركبه

مات البسامي في صفر سنة اثنتين وثلاثمائة . قال ياقوت في معجم الادباء : وعلي بن بسام القائل يمدح النحو :

رأيت لسان المرء وافدَ عقله

وعنوانَه فانظر بماذا تُعنْونُ

٣٢٨
 &

فلا تعدُ إصلاح اللسان فانه

يخبّر عما عنده ويبين

ويعجبني زيُّ الفتى وجماله

فيسقط من عينيّ ساعة يَلحَن

على أنّ للإعراب حدّاً وربما

سمعت من الاعراب ما ليس يحسن

ولا خير باللفظ الكريه استماعه

ولا في قبيح اللحن والقصد أزين

قال الحصري القيرواني في زهر الآداب :

علي بن منصور بن بسام ، مليح المقطعات ، كثير الهجاء خبيثة ، وله حظ التطويل وهو القائل :

ولكم قطعت الياء في ديمومةٍ

نُطفَ المياه بها سواد الناظرِ

في ليلة فيها السماء مزادة

سوداء مظلمة كقلب الكافر

والبرق يخفق من خلال سحابه

خفق الفؤاد مواعداً من زائر

والقطر منهمل يسحُّ كأنه

دمع الدموع بإثر إلفٍ سائر

وقال في العباس لما وزر للمكتفي :

وزارة العباس من نحسها

ستقلع الدولة من أسّها

شبهته لما بدا مقبلا

في حلل يخجل من لُبسها

جارية رعناء قد قدّرت

ثياب مولاها على نفسها

وقال في علي بن يحيى المنجم يرثيه :

قد زرت قبرك يا علي مسلماً

ولك الزيارة من أقلّ الواجب

ولو استطعت حملت عنك ترابه

فلطالما عني حملت نوائبي

وكان مولعاً بهجاء أبيه وفيه يقول وقد ابتنى دارا :

شِدت داراً خلتها مكرمةً

سلّط الله عليها الغرقا

وأرانيك صريعاً وسطها

وأرانيها صعيدا زلقا

٣٢٩
 &

ذكر ابو الفداء في البداية والنهاية ان الماء لما أُجري على قبر الحسين عليه السلام ليمحي أثره جاء أعرابي من بني اسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها حتى وقع على قبر الحسين فبكى وقال : بأبي أنت وأُمي ما كان أطيبك وأطيب تربتك ، ثم أنشأ يقول :

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه

وطيب تراب القبر دلّ على القبر

وقريب منه قول المهيار الديلمي :

كأن ضريحك زهر الربيع

مرّ عليه نسيم الخريفِ

أنشّرك ما حمل الزائرون

أم المسك خالط تربَ الطفوف

٣٣٠
 &

٨ ـ الصقر الموصلي :

لا تذكرنّ لي الديار بلا قعا

أخشى على قلبي يسيل مدامعا

ومرابعا أقوت وكانت للورى

مأوى النزيل مصايفاً ومرابعا

أودى الزمان بها وودت مهجتي

منها وفيها لو تقيم أضالعا

يا من به امتحن الإله عباده

مَن كان منهم عاصيا أو طائعا

اني لاعجب من معاشر عصبةٍ

جعلوك في عدد الخلافة رابعا

ومنها والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم :

لو أن عينك عاينت بعض الذي

ببنيك حلّ اذاً رأيت فظائعا

أما ابنك الحسن الزكي فانه

لما مضيت سقوه سماً ناقعا

هروا به كبداً لديك كريمة

منه وأحشاءً به وأضالعا

وسقوا حسيناً بالطفوف على ظمأ

كأس المنية فاحتساها جارعا

قتلوه عطشانا بعرصة كربلاء

وسبوا حلائله وخُلّف ضائعا

جسدا بلا رأس يمد على الثرى

رجلا له ويلم أُخرى فازعا

ابو العباس محمد بن احمد الصقر الموصلي :

توفي في حدود ٣٠٥ في الموصل . ذكره في المعالم بعنوان ابي الصقر وفي المناقب بعنوان : الصقر كما في معجم الادباء .

٣٣١
 &

٩ ـ القاسم بن يوسف الكاتب :

سلّم على قبر الحسين وقل له

صلى الإله عليك من قبرِ

وسقاك صوب الغاديات ولا

زالت عليك روائح تسري

يا بن النبي وخير أُمته

بعد النبي مقال ذي خُبر

أصبحت مغتربا بمختلف

للرامسات وواكفِ القطر

ونأيت عن دار الاحبة واستوطنتَ دار البعد والقفر

بل جنة الفردوس تسكنها

جار النبي ورهطه الزهر

ماذا تحمل قاتلوك من

الآصار والاعباء الوزر

خرجوا من الاسلام ضاحية

واستبدلوا بدلا من الكفر

كتبوا اليك وأرسلوا رسلاً

تترى بما وعدوا من النصر

أعطوك بيعتهم وموثقهم

بالله بين الركن والحجْر

حتى اذا أصرختَ دعوتهم

طلباً لوجه الله والاجر

وخرجت محتسباً لتحيي ما

قد مات من سنن الهدى الدثر

ختروا مواثقهم وعهدهم

لا يرهبون عواقب الختر

ركنوا الى الدنيا فلم يئلوا

فيها الى حظٍ ولا وفر

جعلوا سمية منكم خلفاً

وبني أُمية حاملي الإصر

قتلوك واتخذوهم سَتراً

ما دون علم الله من ستر

فأبادهم سيف الفناء بأ

يدي الظالمين بذلك الوتر

يجدون بالمرصاد ربهم

بُعداً لأهل النكثِ والغدر

أبني سمية أنتم نفر

ولدُ البغايا غير ما نكر

٣٣٢
 &

قلتم عبيد لا نقرُّ به

ونقرّ بالعيّاب والعهر

منكم بشط الزاب مجترز

للغاسلات العبس والبسر

ولكم مصارع مثل مصرعه

ما حَنّ ذو وكر الى وكر

وبنو أُمية سومروا تلفاً

بالمشرفية والقنا السمر

هُشموا بها شمةٍ وحاقَ بهم

ما قدموا من سيء المكر

ولهم فلا فوت ولا عجلٌ

أمثالها في غابر الدهر

في محكمات الذكر لعّنهم

فيها روى العلماء من ذكر

منهم معاوية اللعين ومروان

الضنين وشارب الخمر

والابتر السهمي رابعهم

عمرو وكل الشر في عمرو

إني لأرجو أن تنالهم

مني يدٌ تُشفي جوى الصدر

بالقائم المهدي إن عاجلاً

أو آجلاً إن مدَّ في العمر

أو ينقضي من دونه أجلي

فالله أولى فيه بالغدر

ولكل عبد غيب نيَّته

في الخير مسطور وفي الشر

ما تنقضي حسرات ذي ورعٍ

ودمُ الحسين على الثرى يجري

ودماء إخوته وشيعته

مستلحمون بجانب النهر

خذلوا وقلّ هناك ناصرهم

فاستعصموا بالله والصبر

مستقدمين على بصائرهم

لا ينكصون لروعة الذعر

يأبون أن يعطوا الدنيَّة أو

يرضوا مهادنةً على قسر

البرُّ ذخرهم وكنزهم

خير الكنوز وأفضل الذخر

آل الرسول وسر أُسرته

والطاهرون لطيّبٍ طهر

حلو من الشرف اليفاع على

علياء بين الغفر والنسر

فابكِ الحسين بمضمر فرح

وابكِ الحسين بمدمع غزر

حق البكاء له وحق له

حسن الثناء وطيّب النشر

٣٣٣
 &

لا يبلغ المثنى مداه ولا

يحوي الديح مقالة المطري

مأوى اليتامى والأرامل

والأضياف في اللزبات والعسر

لا مانعاً حق الصديق ولا

يخفى عليه مبيت ذي الفقر

كم سائلٍ أعطى وذي عُدُم

أغنى وعانٍ فكَّ من أسر

وتخال في الظلماء سنَّته

قمراً توسط ليلة البدر

لا تنطق العوراء حضرته

عفّ يعاف مقالة الهجر

ومبرأ من كل فاحشةٍ

برّ السريرة طاهر الجهر

٣٣٤
 &

الشاعر

هو ابو محمد القاسم بن يوسف بن القاسم بن صبيح القبطي الأصل مولى بني عجل من أهل الكوفة جاء في ص ١٦٣ من أوراق الصولي قسم الشعراء : كان القاسم بن يوسف أسنَّ من أخيه أبي جعفر أحمد بن يوسف وأكثر شعراً منه وأفصح في شعره وأشعر في فنه الذي أعجبه من مراثي البهائم من جميع المحدثين حتى أنه لرأس فيه متقدم جميع من نحاه وما ينبغي أن يسقط شيء من شعره لأنه كله مختار وللناس فيه فائدة ولا يوجد مجموعاً كما نورده وأنا أذكره على القوافي . وكان القاسم جميل المذهب أحد متكلمي الشيعة . وفي ص ٢٠٦ قال : لما تولى الوزارة للمأمون أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح ولى أخاه القاسم بن يوسف خراج السواد فجباه فضلاً مما جباه غيره في أيام المأمون .

وفي معجم الشعراء للمرزباني ص ٣٣٥ القاسم بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب القبطي مولى بني عجل وأخوه أحمد بن يوسف الكاتب وزير المأمون ، والقاسم شاعر حسن الافتنان في القول وهو أشعر من أخيه أحمد وأكثر شعراً .

وفي تاريخ بغداد للخطيب ج ٥ ص ٢١٦ أحمد بن يوسف بن القاسم ابن صبيح من أفاضل كتاب المأمون ، مات سنة ٢١٣ هـ . يقول الصولي في الأوراق ورثاه أخوه القاسم بن يوسف (١) . أقول فالمترجم له أكبر

__________

(١) ذكر صاحب معجم الأدباء بعض مرثية القاسم لأخيه أحمد ، منها :

رماك الدهر بالحدث الجليل

فعز النفس بالصبر الجميل

أترجو سلوة وأخوك ثاو

ببطن الأرض تحت ثرى مهيل

ومثل أخيك فلتبك البواكي

لمعضلة من الخطب الجليل

٣٣٥
 &

من أخيه أحمد وعاش أكثر من أخيه ورثاه بقصيدة ، ولم نقف على تاريخ وفاته ولكنه عاش في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث كما أن السيد الأمين قد فاته ترجمة هذا الرجل في الأعيان ولكنه عندما ذكر مراثي الحسين عليه السلام في الجزء الرابع ذكر أبياتاً من قصيدته التي ذكرناها وقال : وممن رثاه من قدماء الشعراء القاسم بن يوسف الكاتب أحد متكلمي الشيعة وشعرائهم ، ذكره المرزباني فقال من قصيدة طويلة انتهى .

نعم ذكر السيد الأمين ترجمة مطولة لأخيه أحمد بن يوسف بن صبيح الكاتب في الجزء ١٠ من الأعيان ص ٣٥٥ .

ومن شعره كما رواه الصولي في الأوراق ص ١٨٠ :

أيها السائل عن خير الورى

خير من تحت السماوات نزارُ

وقريش ذروة المجد وفي

هاشم أرست فمثوى وقرار

مغرس طاب فأثرى محتداً

واستطال الفرع والعود نضار

هاشم فخر قصيّ كلها

أين تيم وعديّ والفخار

لهم أيد طوال في العلى

ولمن ساماهم أيد قصار

لهم الوحي وفيهم بعده

آمر الحق وفي الحق منار

وهمُ أولى بأرحامهم

في كتاب الله إن كان اعتبار

ما بعيد كقريب نسباً

لا ولا يعدل بالطرف الحمار

إنما تجري على أحسابها

عنق الخيل وللغير الغبار

ليس من أخره الله كمن

قدَّم الله ، ولله الخيار

ما الموالي كمواليهم وإن

أنبت الدهر لهم ريشاً فطاروا

خسر الآخذ ما ليس له

عمد عين والشريك المستشار

ولفيف ألّفوا بينهم

بيعة فيها اختلاط وانتشار

ورسول الله لم يدفن فما

شغل القوم اعتمام وانتظار

٣٣٦
 &

١٠ ـ علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف :

قال علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، يرثي شهداء الطف (١) :

إن الكرام بني النبي محمدٍ

خير البرية رائح أو غادِ

قوم هدى الله العباد بجدهم

والمؤثرون الضيف بالأزواد

كانوا إذا نهل القنا بأكفهم

سكبوا السيوف أعالي الأغماد

ولهم بجنب الطف أكرم موقف

صبروا على الريب الفظيع العادي

حول الحسين مصرعين كأنما

كانت مناياهم على ميعاد

__________

(١) عن معجم الشعراء المرزباني ص ١٣٩ .

ادب الطف ( ٢٢ )

٣٣٧
 &

قال المرزباني في معجم الشعراء ص ١٣٩ :

علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب هو القائل لعلي بن عبد الله الجعفري ـ وكان عمر بن فرج الرُخجي حمله من المدينة .

صبراً أبا حسن فالصبرُ عادتكم

إن الكرام على ما نابهم صُبرُ

أنتم كرام وأرضى الناس كلهم

عن الإله بما يجري به القَدر

واعلم بأنك محفوظ إلى أجلٍ

فلن يضرَّك ما سدَّى به عُمر

وذكره الداودي في عمدة الطالب في سلسلة النسب فقال :

أما أبو الحسن علي العسكري بن الحسن بن علي الاصغر وفي ولده البيت والعدد فأعقب من ثلاثة رجال : أبو علي أحمد الصوفي ـ لأنه كان يلبس الصوف ـ الفاضل المصنف ، وأبو عبد الله الحسين الشاعر المحدث ، وأبو محمد الحسن الناصر الكبير الاطروشي وهو إمام الزيدية ملك الديلم ، صاحب المقالة ، اليه ينتسب الناصرية من الزيدية ، وكان مع محمد بن زيد الداعي الحسني بطبرستان ، توفي بآمل سنة أربع وثلثمائة .

أقول ولما كان الولد قد توفي بعد القرن الثالث بقليل جاز لنا أن نعتبر الوالد من القرن الثالث .

٣٣٨
 &

١١ ـ محمد بن علي الجواليقي الكوفي :

قال المرزباني : في المعجم ص ٤٠٥ كان يتشيع ، قال يرثي الحسين بن علي :

أمن رسوم المنازل الدُرُسِ

وسجْعُ وُرْقٍ سجعن في الغَلس

هتكتَ سِجْف العزاء عن طربٍ

شاقك مُعتاده إلى أنسِ

وفيها يقول :

أبك حسيناً ليوم مصرعه

بالطف بين الكتائب الخُرُسِ

تعدو عليه بسيف والده

أيدٍ طوالٍ لمعشرٍ نُكس

تالله ما إن رأيتُ مثلهم

في يوم ضَنْك قماطرٍ عَبِس

أحسنَ صبراً على البلاء وقد

ضيّقت الحربُ مجرع النفس

أضحى بنات النبي إذ قتلوا

في مأتم والسباع في عرس

توفي سنة ٣٨٤ .

٣٣٩
 &

أدب الطب أو شعراء الحسين عليه السلام لجواد شبّر

٣٤٠