أدب الطّف - ج ١

جواد شبّر

أدب الطّف - ج ١

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

آلاف درهم مما ضرب باسمه ولم تكن دفعت الى احد بعد ، وأمر لي من منزله بحلى كثير اخرجه إلي الخادم فقدمت العراق فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم اشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة الف درهم فكان اول مال اعتقدته .

وروي ان دعبلاً استوهب من الرضا عليه السلام ثوباً قد لبسه ليجعله في اكفانه فخلع جبة كانت عليه فأعطاه إياه وبلغ اهل قم خبرها فسألوه ان يبيعهم إياها بثلاثين الف درهم فلم يفعل فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصبا ، وقالوا له : إن شئت ان تأخذ المال فافعل وإلا فأنت اعلم ، فقال لهم : إني والله لا أعطيكم إياها طوعاً ولا تنفعكم غصبا وأشكوكم الى الرضا ، فصالحوه على ان اعطوه الثلاثين الف درهم وفردُ كمٍّ من بطانتها فرضي بذلك فأعطوه فردُ كمٍّ فكان في اكفانه .

وكتب قصيدته على ثوب وأحرم فيه وأمر بأن يكون في اكفانه .

قال ابن الفتال في الروضة وابن شهراشوب في المناقب : وروى ان دعبل انشدها الامام عليه السلام من قوله : مدارس آيات . فقيل له لمَ بدأت بمدراس آيات فقال : استحيت من الامام عليه السلام ان انشده التشبيب فانشدته المناقب .

وقال :

تأسفتْ جارتي لما رأت زوري

وعدّت الحلم ذنباً غير مغتفر

ترجو الصبا بعدما شابت ذوائبها

وقد جرت طلقاً في حلبة الكبر

أجارتي ! إن شيب الرأس ثقَّلني

ذكر المعاد وارضاني عن القدر

لو كنت اركن للدنيا وزينتها

إذن بكيت على الماضين من نفري

أخنى الزمان على أهلي فصدّعهم

تصدع القعب لاقى صدمة الحجر

بعض أقام وبعض قد أهاب به

داعي المنية والباقي على الأثر

٣٠١
 &

أما المقيمُ فأخشى أن يفارقني

ولستُ أوبة من ولى بمنتظر

أصبحت أخبر عنْ أهلي وعن ولدي

كحاكم قصّ رؤيا بعد مُدّكر

لولا تشاغل نفسي بالأولى سلفوا

من أهل بيت رسولِ الله لم أقر

وفي مواليك للمحزون مشغلةٌ

من أن تبيت لمفقودٍ على أثر

كم من ذراعٍ لهم بالطف بائنةٍ

وعارض من صعيد الترب منعفر

أنسى الحسين ومسراهم لمقتله

وهم يقولونَ : هذا سيدُ البشر !

يا أمة السوء ما جازيت أحمد عن

حُسنِ البلاء على التنزيل والسور

خلفتموه على الابناء حين مضى

خلافة الذئب في أبقار ذي بقر

وليس حي من الأحياءِ تعلمهُ

من ذي يمانٍ ومن بكرٍ ومن مضر

إلا وهم شركاء في دمائهم

كما تشاركَ أيسار على جزرِ (١)

قتلاً وأسراً وتحريقاً ومنهبةً :

فِعلَ الغزاة بأرض الروم والخزر

أرى امية معذورين إن قتلوا

ولا أرى لبني العباس من عذر

أبناء حربٍ ومروانٍ واسرتهم

بنو معيط ولاة الحقد والوغر

قوم قتلتم على الإسلام أولهم

حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر

اربعْ بطوس على قبر الزكي بها

إن كنت تربع من دينٍ على وطر

قبران في طوس : خير الخلق كلهم

وقبر شرهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما

على الزكي بقرب الرجس من ضرر

هيهات كل امرىء رهن بما كسبت

له يداه فخذ ما شئت أو فذر

حدث ميمون بن هارون قال : قال ابراهيم بن المهدي للمأمون في دعبل يحرضه عليه ، فضحك المأمون وقال : إنما تحرضني عليه لقوله فيك :

يا معشر الاجناد لا تقنطوا

وارضوا بما كان ولا تسخطوا

__________

(١) الياسر : الذي يلي قسمة الجزور . والجزور الناقة المجزورة .

٣٠٢
 &

فسوف تعطون حُنينيةً

يلتذها الامرد والاشمط

والمعبديات لقوادكم

لا تدخل الكيس ولا تربط

وهكذا يرزق قواده

خليفة مصحفه البربط

حدث ابو ناجية قال : كان المعتصم يبغض دعبلا لطول لسانه ، وبلغ دعبلا انه يريد اغتياله وقتله فهرب الى الجبل وقال يهجوه :

بكى لشتات الدين مكتئبٌ صب

وفاض بفرط الدمع من عينه غرب

وقام إمام لم يكن ذا هداية

فليس له دين وليس له لُبُّ

وما كانت الانباء تأتي بمثله

يُملّك يوماً أو تدين له العربُ

ولكن كما قال الذين تتابعوا

من السلف الماضين إذ عظم الخطب

ملوك بني العباس في الكتب سبعة

ولم تأتنا عن ثامن لهم كتب

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة

خيار إذا عُدّوا وثامنهم كلب

وإني لأُعلي كلبهم عنك رفعةً

لأنك ذو ذنب وليس له ذنب

لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم

وصيف واشناسٌ وقد عظم الكرب

وفضل ابن مروان يثلم ثلمة

يظلّ لها الاسلام ليس له شعب

وحدث ميمون بن هارون قال : لما مات المعتصم قال محمد بن عبد الملك الزيات يرثيه :

قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا

في خير قبر لخير مدفون

لن يجبر الله امة فقدت

مثلك إلا بمثل هارون

فقال دعبل يعارضه :

قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا

في شرّ قبر لشرّ مدفون

٣٠٣
 &

إذهب إلى النار والعذاب فما

خلتك إلا من شياطين

ما زلت حتى عقدت بيعة من

أضرّ بالمسلمين والدين

ودخل عبد الله بن طاهر على المأمون فقال له المأمون : أي شيء تحفظ يا عبد الله لدعبل ، فقال احفظ ابياتاً له في أهل بيت أمير المؤمنين ، قال : هاتها ويحك ، فانشده عبد الله قول دعبل :

سقياً ورعياً لأيام الصبابات

أيام أرفل في أثواب لذاتي

ايام غصني رطيب من ليانته

أصبو إلى خير جارات وكنات

دع عنك ذكر زمان فات مطلبه

واقذف برجلك عن متن الجهالات

واقصد بكل مديح انت قائله

نحو الهداة بنى بيت الكرامات

فقال المأمون : انه قد وجد والله مقالاً ونال ببعيد ذكرهم ما لا يناله في وصف غيرهم ، ثم قال المأمون : لقد أحسن في وصف سفر سافره فطال ذلك السفر عليه فقال فيه :

ألم يأن للسفر الذين تحملوا

إلى وطن قبل الممات رجوع

فقلت ولم أملك سوابق عبرةٍ

نطقن بما ضمّت عليه ضلوع

تبين فكم دار تفرّق شملها

وشمل شتيتٍ عاد وهو جميع

كذاك الليالي صرفهن كما ترى

لكل اناس جدبة وربيع

ثم قال : ما سافرتُ قط إلا كانت هذه الأبيات نصب عيني في سفري وهجيرتي ومسيلتي حتى أعود .

قال ابن قتيبه في « الشعر والشعراء » وهو القائل :

يموتُ رديُّ الشعر من قبل أهلِه

وجيده يحيا وإن مات قائله

٣٠٤
 &

وهو القائل :

إن من ضنّ بالكنيف عن الضيفِ بغير الكنيف كيف يجودُ

ما رأينا ولا سمعنا بحُشٍّ

قبل هذا لبابهِ إقليد

ان يكن في الكنيف شيء تخبّا

هُ فعندي إن شئت فيه مزيد

وكان ضيفاً لرجل فقام لحاجتة فوجد باب الكنيف مغلقاً ، فلم يتهيّأ فتحه حتى أعجله الأمر .

وفي معجم الادباء قال : (١) ومما يختار من شعر دعبل قصيدته العينية التي رثى بها الحسين عليه السلام قال :

رأس ابن بنت محمد ووصيه

يا للرجال على قناة يُرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا جازع من ذا ولا متخشع

ايقظت اجفانا وكنت لها كرى

وانمت عيناً لم تكن بك تهجع

كحلت بمنظرك العيون عماية

واصمّ نعيك كل اذن تسمع

ما روضة إلا تمنت انها

لك مضجع ولخط قبرك موضع

ويمدح الإمام أمير المؤمنين ويذكر تصدقه بالخاتم في صلاته ونزول قوله تعالى ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .

نطق القرآن بفضل آل محمد

وولايةٍ لعليّه لم تُجحَد

بولاية المختار من خير الذي

بعد النبي الصادق المتودد

إذ جاءه المسكين حال صلاته

فامتدّ طوعاً بالذراع وباليد

فتناول المسكين منه خاتماً

هبة الكريم الاجودين الاجود

__________

(١) جزء ١١ ـ وفي الديوان ص ٢٣٢ .

ادب الطف ( ٢٠ )

٣٠٥
 &

فاختصه الرحمان في تنزيله

هلا بكيت لمن بكاه محمدُ (٢)

إن الإله وليكم ورسوله

والمؤمنين فمن يشا فليجحد

يكن الإله خصيمه فيها غداً

والله ليس بمخلففي الموعد

وقال :

أتسكب دمع العين بالعبرات

وبتَ تقاسي شدة الزفرات (١)

وتبكى لآثارٍ لآل محمد ؟ !

فقد ضاق منك الصدر بالحسرات

ألا فابكهم حقاً وبلِّ عليهمُ

عيوناً لريب الدهر منسكبات

ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم

وداهيةً من أعظم النكبات

سقى الله أجداثاً على أرض كربلا

مرابيع أمطار من المزنات

وصلى على روح الحسين حبيبه

قتيلاً لدى النهرين بالفلوات

قتيلاً بلا جرم فجعنا بفقده

فريداً يُنادي : أين أين حماتي ؟ !

أنا الظامىء العطشان في أرض غربة

قتيلاً ومظلوماً بغير تراب

وقد رفعوا رأس الحسين على القنا

وساقوا نساءً ولُّهاً خفرات

فقل لابن سعد : عذب الله روحه

ستلقى عذاب النار باللعنات

سأقنت طول الدهر ما هبت الصبا

وأقنتُ بالآصال والغدوات

على معشر ضلوا جميعاً وضيعوا

مقال رسول الله بالشبهات

وقال :

ان كنت محزوناً فما لك ترقد

هلا بكيت لمن بكاه محمدُ (٢)

هلا بكيت على الحسين وأهله ؟

إن البكاء لمثلهم قد يحمدُ

لتضغضغ الإسلام يوم مصابه

فالجود يبكي فقده والسودد

فلقد بكته في السماء ملائكٌ

زهرٌ كرام راكعون وسجدُ

__________

(١) الغدير ج ٢ ص ٣٨١

(٢) الغدير ج ٢ ص ٣٨٢

٣٠٦
 &

أنسيت إذ صارت إليه كتائب

فيها إبن سعد والطغاة الجحد ؟

فسقوه من جرع الحتوف بمشهد

كثر العداة به وقلَّ المسعد

لم يحفظوا حق النبي محمدٍ

إذ جرّعوه حرارةً ما تبرد

قتلوا الحسين فأثكلوه بسبطه

فالثكل من بعد الحسين مبرَّد

كيف القرار ؟! وفي السبايا زينب

تدعو بفرط حرارة : يا أحمد

هذا حسينٌ بالسيوف مبضَّع

متلطخ بدمائه مستشهد

عار بلا ثوب صريع في الثرى

بين الحوافر والسنابك يقصد

والطيبون بنوك قتلى حوله

فوق التراب ذبائح لا تُلحد

يا جد قد منعوا الفرات وقتَّلوا

عطشاً فليس لهم هنالك مورد

يا جد من ثكلى وطول مصيبتي

ولما أُعافيه أقوم وأقعد

وقال :

جاؤا من الشام المشومة أهلها

للشوم يقدم جندهم ابليسُ

لُعنوا وقد لُعنوا بقتل إمامهم

تركوه وهو مبضع مخموس

وسُبوا فوا حزني بنات محمد

عبرى حواسر ما لهن لبوس

تباً لكم يا ويلكم أرضيتمُ

بالنار ؟ ذلَّ هنالك المحبوس

بعتم بدنيا غيركم جهلاً بكم

عزَّ الحياة وانه لنفيس

أخزى بها من بيعةٍ أمويةٍ

لُعنت وحظ البايعين خسيس

بؤساً لمن بايعتم وكأنني

بإمامكم وسط الجحيم حبيس

يا آل أحمد ما لقيتم بعده ؟

من عصبة هم في القياس مجوس

كم عبرة فاضت لكم وتقطعت

يوم الطفوف على الحسين نفوس

صبراً موالينا فسوف نديلكم

يوماً على آل اللعين عبوس

ما زلت متبعاً لكم ولأمركم

وعليه نفسي ما حييت أسوس

٣٠٧
 &

الشاعر

ولد سنة ١٤٨ ومات سنة ٢٤٦ هـ وعاش سبعا وتسعين سنة ٩٧ ، قال أبو الفرج الأصبهاني توفي بقرية من نواحي السوس ودفن بتلك القرية وكان صديقاً للبحتري ـ وأبو تمام حبيب بن اوس قد مات قبله فرثاهما البحتري بقوله :

قد زاد في كلفى وأوقد لوعتي

مثوى حبيب يوم مات ودعبلِ

جَدث على الأهواز يبعد دونه

مسرى النعيِّ ورمّة بالموصل

كان دعبل شاعراً مفلقاً مخلصاً في ولاء أهل البيت عليهم السلام ، ومن محاسنه أنه لا يرغب في مدح الملوك ولكثرة طعنه في أعداء أهل البيت أصبح مرهوب اللسان تخاف هجاءه الملوك . قال ابراهيم بن المدبّر لقيت دعبل بن علي الخزاعي فقلت له أنت أجسر الناس عندي وأقدمهم حيث تقول :

إني من القوم الذين سيوفهم

قتلت أباك وشرّفتك بمقعد

رفعوا محلك بعد طول خموله

واستنقذوك من الحضيض الاوهد

ـ يشير إلى قصة طاهر الخزاعي وقتله الأمين اخا المأمون ـ فقال : يا ابا اسحاق انا احمل خشبتي منذ اربعين سنة فلا اجد من يصلبني عليها .

وذكر أبو الفرج الاصبهاني في الاغاني ج ١٨ ص ٤٤ قال الجاحظ

٣٠٨
 &

سمعت دعبل بن علي يقول : مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذرّ شارقه إلا وأنا اقول فيه شعراً .

حدث محمد بن القاسم بن مهرويه قال كنت مع دعبل بالضميرة وقد جاء نعي المعتصم وقيام الواثق ، فقال لي دعبل : امعك شيء تكتب فيه فقلت نعم واخرجت قرطاساً فأملى عليّ بديهاً :

الحمد لله لا صبرٌ ولا جَلَبُ

ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا

خليفة مات لم يحزن له أحد

وآخر قام لم يفرح به أحد

ولدعبل من هذا النوع كثير ولكنه ضاع ولم يبق إلا القليل النادر ، قال عبد الحسيب طه : ولو وَصلَنا كله لورثنا أدباً قوياً جريئاً يمثل نفس دعبل وقوتها وجرأتها .

٣٠٩
 &

٤ ـ الحسين بن الضحاك

ومما شجا قلبي وأوكف عبرتي

محارمُ من آل النبي استحلتِ

ومهتوكة بالطف عنها سجوفها

كعَاب كقرن الشمس لما تبدّتِ

إذا حفزتها روعة من منازع

لها المرط عاذت بالخضوع ورنت

وربّاتِ خدرٍ من ذوابة هاشم

هتفن بدعوى خير حيٍّ وميت

أردّ يداً مني إذا ما ذكرته

على كبد حرّى وقلب مفتت

فلا بات ليل الشامتين بغبطة

ولا بلغت آمالها ما تمنت

وقوله من قصيدة كما في الطليعة :

هتكوا بحرمتك التي هتكت

حرم الرسول ودونها السُّجفُ

سلبت معاجرهن واختلست

ذات النقاب ونوزع الشنف

قد كنت كهفاً يُستظل به

ومضى فلا ظل ولا كهف

قال السيد الامين في الأعيان : يمكن أن يستدل على تشيعه بما نسبه اليه جماعة انه قال في رثاء الحسين عليه السلام وقد ذكرناه نحن في الدر النضيد ولا ندري الآن من أين نقلناه

أقول والظاهر ان السيد نقله عن مثير الاحزان للشيخ ابن نما حيث قال : ويحسن ان نستشهد بشعر الحسين بن الضحاك :

ومما شجا قلبي واوكف عبرتي الأبيات .

٣١٠
 &

الشاعر :

هو ابو علي الحسين بن الضحاك بن ياسر الباهلي المعروف بالخليع أو الخالع . ولد سنة ١٦٢ ومات سنة ٢٥٠ فيكون عمره ٨٨ سنة وقيل بل عمر أكثر من مائة سنة ، وكانت ولادته بالبصرة .

ونشأ بها ثم ارتحل إلى بغداد وأقام بها ، وكانت تلك الإقامة في الأعوام الاخيرة في عهد هارون الرشيد المتوفي سنة ١٩٣ هـ ، فقنع هذا الشاعر بمنادمة صالح بن هارون الرشيد ثم ارتقى إلى منادمة اخيه الأمين فلما تولى الأمين الخلافة كان من ندمائه والمقربين اليه فاجزل عطاياه وأسنى جوائزه .

وقال الحموي في معجم الادباء : الحسين بن الضحاك ، ابو علي . أصله من خراسان ، وهو مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي فهو مولى (١) لا باهلي النسب كما زعم ابن الجراح ، بصري المولد والمنشأ وهو شاعر ماجن ولذلك لقب بالخليع ، وعداده في الطبقة الأولى من شعراء الدولة العباسية المجيدين وكان شاعراً مطبوعاً حسن التصرف في الشعر ، وكان أبو نؤاس يغير على معانيه في الخمر ، فإذا قال فيها شيئاً نسبه الناس إلى ابي نؤاس ، وله غزل كثير أجاد فيه ، فمن ذلك قوله :

وَصف البدر حسن وجهك حتى

خلت أني وما أراك أراكا

وإذا ما تنفَس النرجس الغضُّ

توهمته نسيم شذاكا

خدع للمُنى تعللني فيك

بإشراق ذا وبهجة ذاكا

وقال الحسين بن الضحاك ، وقد عمّر :

أصبحتُ من أُسراء الله من محتسباً

في الارض نحو قضاء الله والقدرِ

إن الثمانين إذ وُفّـيتُ عِدّتَها

لم تُبْقِ باقيةً منى ولم تذر

يقول الحموي : والاصل في قول الحسين بن الضحاك هذا ، الحديث الذي

__________

(١) مولى : مملوك

٣١١
 &

رواه ابن قتيبة في غريب الحديث قال . حدثنا ابو سفيان الغنوي حدثنا معقل ابن مالك عن عبد الرحمن بن سليمان عن عبيد الله بن أنس عن انس عن النبي ( ص ) قال : اذا بلغ العبد ثمانين سنةً فانه أسير الله في الارض ، تُكتَبُ له الحسنات وتُمحى عنه السيئات .

اقول وجاء عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : إن الله ليكرم ابناء السبعين ويستحي من ابناء الثمانين فيأمر بأن تكتب لهم الحسنات وتُمحى عنهم السيئات ويقول هم اُسرائي في الارض وما اجمل ما قيل :

وهتْ عزماتك عند المشيب

وما كان من حقها أن تهي

وأنكرتَ نفسك لما كُبرت

فلا هي أنتَ ، ولا انت هي

ومن شعر أبناء الثمانين قول احدهم :

ضعفتُ ومَن جاز الثمانين يضعف

وينكر منه كلما كان يعرفُ

ويمشي رويداً كالاسير مقيداً

تداني خُطاه في الحديد ويرسف

وقال الآخر :

قالت أنينُك طولَ الليل يزعجنا

فما الذي تشتكي ، قلت الثمانينا

وقال الآخر :

إن الثمانين وبُلّغتها

قد أحوجت سمعي الى ترجمان

له ديوان شعر طبع في دار الثقافة ببيروت فمن قوله في قبيح الوجه ( سابور ) :

ويحك ما اخسّك بل أخصّك بالعيوبِ

وجهٌ قبيحٌ في التبسم كيف يحسن في القطوب

٣١٢
 &

وله في الغزل شعر كثير وفي رثاء الامين وغيره من بني العباس . ترجم له في كتاب وفيات الاعيان لابن خلكان . قال : ومن محاسن شعره

صِلْ بخدى خديك تلق عجيباً

من معانٍ يجاد فيها الضميرُ

فبخدِّيك للربيع رياض

وبخدّي للدموع غدير

وله ايضاً :

أيا من طرفه سحرُ

ويا من ريقه خمرُ

تجاسرت فكاشفتكَ

لما غلب الصبرُ

وما أحسن في مثلك

أن ينهتك السرّ

فان عنفني الناس

ففي وجهك لي عذر

وذكر في كتاب الاغاني ان هذه الابيات انشدها ابو العباس ثعلب النحوي للخليع ابن الرضا وقال ما بقي من يحسن ان يقول مثل هذا ، وله ايضا :

إذا خنتموا بالغيب عهدي فما لكم

تدلّون إدلال المقيم على العهدِ

صلوا وافعلوا فعل المدلّ بوصله

وإلا فصدوا وافعلوا فعل ذي صدِّ

٣١٣
 &

٥ ـ عبد الله ابن المعتز (١)

المولود سنة ٢٤٧ هـ .

المتوفى سنة ٢٩٦ هـ . ـ ٩٠٨ م .

شجاك الحيُّ إذ بانوا

فدمع العين تهتانُ

وفيهم العسُ أغيدُ ، ساجي الطرف وسنان (١)

ولم أنس ، وقد زُمّت

لو شك البين أضعان

وقد أسهبني فاهُ

وولَّى وهو عجلان

فقل في مكرَع عذبٍ

وقد وافاه عطشان

وضمٍّ لم تحسنهُ

له في الريح أغصان

كما ضمّ غريق سابحاً ، والماءُ طوفان

وما خفنا من الناسِ

وهل في الناس إنسان

جَزَينا الامويـّين

ودنّاهم كما دانوا

وذاقوا ثَمرَ البغي

وخِنّاهم كما خانوا

وللخير وللشرِّ

بكفِّ الله ميزان

ولولا نحن قد ضاعَ

دمٌ بالطف مجّانُ (٢)

فيا مَن عنده القبرُ

وطينُ القبرُ قربانُ

باسيافٍ لكم أودى

حسينٌ وهو ظمآن

يُرى في وجهه الجهمِ

لوجه الموت ألوان

__________

(١) عن الديوان

(٢) العس : في شفتيه سواد ، والاغيد : المائل العنق ، اللين الاعطاف . ساجي : ساكن .

٣١٤
 &

ودأب العلويين

لهم جحدٌ وكُفران

فهلّا كان إمساكٌ

اذا لم يكُ إحسان

يلومونهم ظلماً

فهلَّا مثلَهم كانوا

ويقول في مدح الامام علي عليه السلام ورثاء الحسين :

« أآكل لحمي »

رَثيت الحجيج ، فقال العداة

سبَّ علياً وبيت النبي

أآكل لحمي ، وأحسو دمي !

فيا قوم للعجب الأعجب !

علي يظننون بي بُغضه ،

فهلا سوى الكفر ظنوه بي ؟

إذاً لاسقتني غداً كفه

من الحوض والمشرب الأعذبِ

سُببت ، فمن لامني منهم ،

فلست بمُرضٍ ولا مُعتبِ

مُجلّي الكروبِ ، وليث الحروبِ ، في الرّهج الساطع الأهيب

وبحر العلوم ، وغيظ الخصوم

متى يصطرع وهمُ يغلبِ

يُقلّب في فمه مقولاً ،

كشقشقة الجمل المُصعب (١)

وأول من ظل في موقف ،

يصلي مع الطاهر الطيبِ

وكان أخاً لنبي الهدى ،

وخُص بذاك ، فلا تكذب

وكفؤاً لخير نساء العباد

ما بين شرقٍ الى مغربِ

وأقضى القضاة لفصل الخطاب

والمنطق الأعدل الأصوبِ

وفي ليلة الغار وقىّ النبي ،

عشاءً إلى الفلق الأشهبِ

وبات ضجيعاً به في الفراش

موطن نفس على الأصعب

وعمرو بن عبدٍ وأحزابه ،

سقاهم حسا الموت في يثربِ

__________

(١) الرهج الساطع : الغبار المنتشر .

(٢) الشقشقة : شيء كالرئة يخرجه البعير من فمه اذا هاج .

٣١٥
 &

وسل عنه خيبر ذات الحصونِ

تخبّرك عنه وعن مرحبِ

وسبطاه جدهما أحمد

فبخ لجدهما والأبِ

ولا عجب غير قتل الحسين

ظمآن يقصى عن المشربِ

فيا أسداً ظل بين الكلاب

تنهّشه دامي المخلبِ

لئن كان روَّعنا فقده

وفاجأ من حيث لم يحسب

كم قد بكينا عليه دماً

بسمر مثقفة الأكعبِ

وبيضٍ صوارم مصقولة

متى يمتَحن وقعها تشربِ

وكم من شعارٍ لنا باسِمه

يُجدد منها على المذنبِ

وكم من سواد حددنا به

وتطويل شعر على المنكب

ونوحٍ عليه لنا بالصهيل

وصلصلة اللجم في مِنقبِ

وذاك قليل له من بني

أبيه ومنصبه الأقربِ

وقوله تحت عنوان ، لو أنه لأبيه :

من دام هجو عليّ

فشعره قد هجاه

لو أنه لأبيه

ما كان يهجو أباه (١)

الشاعر :

ابو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي اخذ الادب عن ابي العباس المبرد وابي العباس ثعلب وغيرهما ، قال ابن خلكان كان اديبا بليغا شاعراً مطبوعا مقتدراً على الشعر قريب المأخذ سهل اللفظ جيد القريحة حسن الابداع للمعاني الى ان جرت له الكائنة في خلافة المقتدر واتفق معه جماعة من رؤساء الاجناد ووجوه الكتاب فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر

__________

(١) عن ديوانه .

٣١٦
 &

بقين وقيل لسبع بقين من شهر ربيع الاول سنة ست وتسعين ومائتين وبايعوا عبد الله المذكور ولقبوه المرتضى بالله واقام يوما وليلة ثم ان اصحاب المقتدر تحزبوا وتراجعوا وحاربوا اعوان ابن المعتز وشتتوهم واعادوا المقتدر الى دسته واختفى ابن المعتز في دار ابن الجصاص التاجر الجوهري فأخذه المقتدر وسلمه الى مؤنس الخادم الخازن فقتله وسلمه الى اهله ملفوفا في كساء ، وذلك يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين ، ودفن في خرابة بازاء داره ، ومولده لسبع بقين من شعبان سنة سبع واربعين ومائتين .

وجاء في مقدمة ديوانه المطبوع في دار صادر ببيروت سنة ١٣٨١ هـ : عبد الله بن المعتز ، الخليفة العباسي ، ولد في بغداد ونشأ فيها ، وثار الرؤساء للجند والكتاب فخلعوا المقتدر وجعلوا ابن المعتز مكانه وبايعوه بالخلافة ولقّبوه المرتضى بالله ، غير ان خلافته لم تدم إلا يوماً وليلة ، ذاك بأن انصار المقتدر لم يلبثوا أن تغلبوا على انصاره وفتكوا بهم وأعادوا صاحبهم الى عرشه ، ففرّ ابن المعتز واختبأ كما ذكرنا سابقاً .

اقتبس ابن المعتز آداب العرب وعلومهم من ابي العباس المبرّد وابي العباس ثعلب فخرج شاعراً مطبوعا جيد القريحة ، وكانت حياته حياة انس وطرب ، ومعازف وقيان فظهرت صور هذه في شعره .

قال صاحب روضات الجنات ، وكان ذا نُصب وعداوة شديدة مع اهل البيت عليهم السلام ، وذكر له ابن خلكان عدة مؤلفات منها طبقات الشعراء ، ومنها كتاب الزهر والرياض ، وكتاب البديع ، وكتاب مخاطبات الاخوان بالشعر ، وكتاب اشعار الملوك ، وكان يقول : لو قيل لي ما احسن شعر تعرفه لقلتُ قول العباس بن احنف :

قد سحب الناس اذيال الظنون بنا

وفرّق الناس فينا قولهم فرقا

٣١٧
 &

فكاذب قد رمى بالظن غيركم

وصادق ليس يدرى انه صادقا

ومن شعره :

« طار نومي »

طار نومي ، وعاود القلب عيدُ

وأبى لي الرّقادَ حزن شديد (١)

جلّ ما بي ، وقل صبري ففي قلـ

ـبي جراح ، وحشو جفني السهود

سهر يفتق الجفون ، ونيران

تلظى ، قلبي لهنّ وقود

لامني صاحبي ، وقلبي عميدٌ

أين مما يريده ما أُريد

شيَّبتني ، وما يشيّبني السن

هموم تتري ، ودهر مريد

فتراني مثل الصحيفة قد أخلصها

عند صقلها ترديد

أين إخواني الأولى كنت أصفيهم

ودادي ، وكلهم لي ودود

شردتهم كف الحوادث والأيام

من بعد جمعهم تشريد

فلقد أصبحوا ، وأصبحت منهم

كلخاء أستلُّ منه العود (٢)

هل لدنيا قد أقبلت نحونا دهراً

فصدّت ، وليس منا صدود

مَن معاد أم لا مُعادَ لدينا

فأسل عنها فكل شيء يبيد

ربما طاف بالمدام علينا

عسكري كغصن بانٍ يميد

أكرع الكرعة الرويّة في الكأس ، وطرفي بطرفه معقود

أيها السائلي عن الحسب الأطيب ما فوقه لخلقٍ مزيد

نحن آل الرسول والعترة الحق وأهل القربى فماذا تريد

ولنا ما أضاء صبحٌ عليه

وأتته آيات ليل سود

وملكنا رقّ الامامة ميراثاً

فمن ذاعنّا بفخر يجيد

وأبونا حامي النبي ، وقد أدبر من تعلمون ، وهو يذود

__________

(١) العيد : ما اعتادك من مرض او حزن او هم ونحو ذلك .

(٢) اللخاء : قشر العود .

٣١٨
 &

ذاك يوم إستطار بالجمع ردع

في حنين ، وللوطيس وقود

كان فيهم منا المكاتم إيماناً

وفرعونُ غافل والجنود

رسل القوم حين لدّوا جميعاً

غيره ، كيف فُضِّلَ الملدود (١)

ومن شعر ابن المعتز قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين وهي مثبتة في ديوانه تتكون من اربعين بيتاً ، فردّ عليه انصار العلويين ومنهم تميم بن معدّ الفاطمي المتوفى ٣٧٤ نظم قصيدته التي أولها :

يا بني هاشم ولسنا سواء

في صغار من العلى وكبار

وكانت هذه القصيدة رداً على قصيدة ابن المعتز التي أولها :

أي رسم لآل هند ودارِ

درسا غير ملعب ومنارِ

ومنهم القاضي التنوخي (٢) بقصيدته التي رواها الشيخ الاميني في موسوعته عن كتاب ( الحدائق الوردية ) كما جاء ذكرها في ( نسمة السحر ) ومنها

من ابن رسول الله وابن وصيه

الى مدغل (٣) في عقدة الدين ناصبِ

نشأ بين طنبورٍ وزقٍ ومزهر

وفي حجر شاد أو على صدر ضارب

ومن ظهر سكران الى بطن قينة

على شبه في ملكها وشوائب

بعيب عليا خير من وطىء الحصا

واكرم سارٍ في الانام وسارب

ويزرى على السبطين سبطى محمد

فقل في حضيض رام نيل الكواكب

وينسب افعال القراميط كاذباً

الى عشرة الهادي الكرام الاطائب

الى معشر لا يبرح الذم بينهم

ولا تزدرى أعراضهم بالمعائب

__________

(١) لدوا : خاصموا . الملدود : المخاصم .

(٢) هو ابو القاسم علي بن محمد المعروف بالقاضي التنوخي المتوفى سنة ٣٤٢ من افذاد القرن الرابع الهجري ، له اليد الطولى في كثير من العلوم ، قال الثعالبي : كان يتقلد قضاء البصرة والأهواز بضع سنين . وله عدة تصانيف في مختلف العلوم ، كعلم العروض والقوافي ، وذكر السمعاني واليافعي وابن حجر وصاحب الشذرات له ديوان شعر ، واختار منه الثعالبي ما ذكر من شعره .

(٣) ادغل في الامر : افسد فيه .

٣١٩
 &

اذا ما انتدوا كانوا شموس بيوتهم

وان ركبوا كانوا بدور الركائب

وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الردى

وإن ضحكوا أبكوا عيون النوادب

نشوا بين جبريل وبين محمد

وبين علي خير ماش وراكب

وزير النبي المصطفى ووصيه

ومشبهه في شيمة وضرائب

ومن قال في يوم الغدير محمد

وقد خاف من غدر العداة النواصب

أما انني أولى بكم من نفوسكم

فقالوا بلى ، قول المريب الموارب

فقال لهم : من كنت مولاه منكم

فهذا اخي مولاه بعدي وصاحبي

اطيعوه طراً فهو مني بمنزلي

كهرون من موسى الكليم المخاطب

ومنها :

وقلت : بنو حرب كسوكم عمائماً

من الضرب في الهامات حمر الذوائبِ

صدقتَ منايانا السيوف وإنما

تموتون فوق الفرش موت الكواعب

ونحن الاولى لا يسرح الذمُ بيننا

ولا تَدّري أعراضنا بالمعائب

وما للغواني والوغى فتعوّذوا

بقرع المثاني من قراع الكتائب

ويومُ حنين قلت حزنا فخاره

ولو كان يدرى عدّها في المثالب

أبوه مناد والوصي مضارب (١)

فقل في منادٍ صيّتٍ ومضارب

وجئتم من الاولاد تبغون إرثه

فأبعد بمحجوب بحاجب حاجب

وقلتم : نهضنا ثائرين شعارنا

بثارات زيد الخير عند التحارب

فهلا بابراهيم كان شعاركم

فترجع دعواكم تَعلَّةَ خائب

ومنها :

فكم مثل زيد قد أبادت سيوفكم

بلا سبب غير الظنون الكواذب

ما حمل المنصور من أرض يثرب

بدور هدى تجلو ظلام الغياهبِ

وقطعتم بالبغى يوم محمد

قرائن أرحام له وقرائب

__________

(١) يريد العباس وعلياً امير المؤمنين عليه السلام .

٣٢٠