أدب الطّف - ج ١

جواد شبّر

أدب الطّف - ج ١

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا الذي احمد المختار والده

صلى الإله عليه ما جري القلم

__________

ولد في البصرة عام ١٩ هـ وكانت يومئذ حاظرة الأدب والبيان وبعد أن نشأ بها وترعرع أخذ والده يوحي اليه آيات القريض ويلقنه ما يستحسنه من ديوان العرب ، وهكذا ظل يغذيه حتى انفجرت قريحته وفاضت طلاقة لسانه واتسم بطابع النبوغ والعبقرية ، فقدمه أبوه بعد واقعة الجمل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قائلاً : إن ابني هذا يوشك أن يكون شاعراً مجيداً فقال الإمام عليه السلام : احفظه القرآن فهو خير له . فرسخت هذه النصيحة الغالية في ذهن الفرزدق فقيد رجله وحلف أن لا يفك قيده حتى يحفظ القرآن .

وكان الفرزدق عريقاً في المجد والسؤدد كريم المنبت والعنصر ولآبائه وأجداده خصال مشهورة تدل على رفعة قدرهم وعلو منزلتهم وابوه غالب المشهور بالسخاء وجده صعصعة الذي فدى المؤدات ونهى عن قتلهن ، وقيل أنه أحى الف مؤدة ، والصحيح ما بيَّنه الفرزدق بقوله أحيا جدي إثنين وتسعين مؤدة وفي جده هذا يقول مفتخراً في إحدى قصائده المشهورة :

ومنا الذي احيى الوئيد وغالب

وعمرو ومنا حاجب والأقارعُ

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

قال السيد المرتضى في أماليه : ان الفرزدق مع تقدمه في الشعر وبلوغه فيه الذروة العليا والغاية القصوى شريف الاباء كريم المنبت ولآبائه مآثر لا تدفع . اقول : وقصته مع سليمان بن عبد الملك تعرفنا قيمته وقد ذكرها إبن أبي الحديد في شرح النهج ، عن أبي عبيدة قال : كان الفرزدق لا

٢٦١
 &

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد خُتموا

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

__________

ينشد بين يدي الخلفاء والولاة إلا قاعداً ، فدخل على سليمان بن عبد الملك يوماً فأنشده شعراً فخَرَ فيه بآبائه منه قوله :

تالله ما حملت من ناقة رجلاً

مثلي إذا الريح لفتني على الكور

فقال سليمان هذا المدح لي أم لك قال : لي ولك يا أمير المؤمنين . فغضب سليمان : وقال : قم فأتمم ولا تنشد بعدها إلا قائماً ، فقال الفرزدق لا والله لا افعل او يسقط اكثر شعرى الى الارض . فغضب سليمان وارتفع صوته فسمع الضوضاء بالباب فسأل عنها فقيل له : بنو تميم يقولون لا ينشد الفرزدق قائماً وأيدينا في مقابض سيوفنا . قال : فلينشد قاعداً . وعند ذلك انصرف بنو تميم عن باب سليمان .

ومن المشهور ان الفرزدق صادف الحسين عليه السلام في طريقه الى العراق فسلّم عليه وسأله الحسين . والرواية تقول : لقيت الحسين عليه السلام خارجاً من مكة ومعه أسيافه وتراسه ، قال فقلت : لمن هذا القطار ، فقيل للحسين بن علي فاتيته فسلمت عليه وقلت له : اعطاك الله سؤلك وأملّك فيما تحب ، بأبي انت وامي يا بن رسول الله ما اعجلك على الحج ، فقال لو لم اعجل لأخذت ، ثم قال لي : من انت ، قلت امرؤ من العرب ، فلا والله ما فتشني عن اكثر من ذلك ، ثم قال لي اخبرني عن الناس خلفك ، فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء فقال صدقت لله الامر كل يوم هو في شأن إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته ، فقلت له : أجل بلغك الله ما تحب ،

٢٦٢
 &

يُنمي الى ذروة العزّ التي قصُرتْ

عن نيلها عرب الاسلام والعجم

يكاد يُمسكه عرفان راحته

ركنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم

لو يعلم الركنُ مَن قد جاء يلثمهُ

لخرَّ يلثم منه ما وطا القدم

في كفه خيزران ريحه عبقُ

من كفِّ أروع في عرنينه شمم

يُغضي حياءً ويُغضي من مهابته

فما يُكلمُ إلا حين يبتسمُ

مَن جدُّه دان فضل الانبياءِ له

وفضلُ أُمَّتهِ دانت له الامم

ينشقُّ نور الضحى عن نور غرّته

كالشمس يَنجابُ عن اشراقها الظلم

مشتقَّة من رسول الله نبعتهُ

طابت عناصرُه والخِيم (١) والشيم

الله شرَّفه قدماً وفضَّله

جرى بذاك له في لوحه القلم

وليس قولك مَن هذا بضائره

العربُ تعرف من انكرتَ والعجم

كلتا يديه غياث عمَّ نفعُهما

تستوكفان ولا يعروهما العدَم

سهل الخليقة لا تُخشى بوادرُه

يَزينُه اثنان حسنُ الخلق والكرم

لا يَخلفُ الوعدَ ميمونٌ نقيبتهُ

رحبَ الفناء أريبُ (٢) حين يعتزم

__________

وكفاك ما تحذر ، وسألته عن اشياء من نذور ومناسك فاخبرني بها وحرك راحلته وقال : السلام عليك . ثم افترقنا ووقف الفرزدق وهو شيخ في ظل الكعبة فتعلق باستارها وعاهد الله أن لا يكذب ولا يشتم . ومن شعره في ذلك .

ألم ترني عاهدت ربي وأنني

لبين رتاج قائما ومقام

على حفلة لا اشتم الدهر مسلما

ولا خارجاً من فيّ زور كلام

رجعت إلى ربي وايقنت أنني

ملاق لأيام المنون حمامي

(١) الخيم بالكسر : السجية والطبيعة ، بلا واحد

(٢) الاريب : العاقل

٢٦٣
 &

ما قال لا قط إلا في تشهّده

لولا التشهدُ كانت لاءه نَعَم

عمّ البريةَ بالاحسانِ فانقلعت

عنها الغواية والاملاقُ والعُدُم

من معشر حبّهم دينٌ وبغضُهمُ

كفرٌ وقربُهم ملجىً ومُعتصَم

ان عُدَّ أهلُ التقى كانوا أئمتهم

او قيل مَن خيرُ أهل الارض قيل : هم

لا يستطيع جوادٌ بُعدَ غايتهم

ولا يدانيهمُ قومٌ وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما ازمةٌ أزمت

والاسد اسد الشرى والباس محتدم

لا ينقص العسر بسطا من اكفّهم

سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا

يُستدفع السوءُ والبلوى بحبهم

ويُستزاد به الاحسان والنعم

مقدّمٌ بعد ذكر الله ذكرهم

في كل بَدء ومختومٌ به الكلم

مَن يعرف الله يعرف أوليّة ذا

فالدين من بيت هذا ناله الامم

فتكدر هشام وشق عليه سماع هذه القصيدة ، وقال له : ألا قلت فينا مثلها ، قال : هات جداً كجده وأباً كأبيه ، واما كامه حتى اقول مثلها فأمر بحبس الفرزدق بعسفان ـ بين مكة والمدينة ـ فبلغ الامام خبره فبعث اليه باثني عشر الف درهم ، فردها الفرزدق وقال : انا مدحته لله تعالى لا للعطاء ، فبعث بها الامام ثانية واقسم عليه في قبولها وقال له : قد رأى الله مكانك ، وعلم نيتك وشكر لك . ونحن اهل البيت إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه ، فقبلها امتثالاً لأمر امامه . وظل يهجو هشاماً وهو في الحبس . ومما هجاه به قوله :

أيحبسني بين المدينة والتي

اليها قلوب الناس يهوى منيبها

يُقلّب رأساً لم يكن رأس سيد

وعيناً له حولاء باد عيوبها

فبلغ شعره هشاما فاطلقه .

قال شيخ الحرمين أبو عبد الله القرطبي : لو لم يكن لأبي فراس عند

٢٦٤
 &

الله عمل إلا هذا دخل به الجنة لأنها كلمة حق عند سلطان جائر .

أقول ومما روى هذه القصيدة ونصّ على أنها قيلت في الامام زين العابدين جماعة من أبناء السنة والجماعة منهم : الشبلنجي في نور الابصار والحصري في زهر الآداب ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ، والسيوطي في شرح شواهد المغني ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة وابن حجر في الصواعق ، والحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، وأبو نعيم في حلية الأولياء .

اقواله وحكمه :

كان زين العابدين الى جانب ما اشتهر به من الزهد والتقوى والكرم نسيج وحده في عصره وإن الباحث متى راح يبحث في نواحي عظمة هذا الامام ارتفع إلى عالم الروحانيات وهذه الصحيفة السجادية التي تجمع أدعية الإمام وابتهالاته وهي الواح خالدة من البلاغة والحكمة والفلسفة ومعرفة الله يقول عليه السلام في حمده لله وتمجيده : الحمد لله الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً ، واخترعهم على مشيئته اختراعا ، ثم سلك بهم طريق إرادته وبعثهم في سبيل محبته ، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم اليه ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخّرهم عنه وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه ، لا ينقص من زاده ناقص ، ولا يزيد من نقص منهم زائد ، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقتاً ، ونصب له أمداً محدودا ، يتخطا اليه بايام عمره ، ويرهقه باعوام دهره حتى إذا بلغ اقصى أثره واستوعب حساب عمره قبضه إلى ما ندبه اليه من موفور

٢٦٥
 &

ثوابه أو محذور عقابه ليجزي الذين أساؤا بما عملوا او يجزي الذين أحسنوا بالحسنى عدلاً منه تقدست اسماؤه وتظاهرت آلاؤه لا يسئل عما يفعل وهم يُسئلون والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة واسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة ، لتصرّفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه ، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الانسانية الى حدود البهيمية ، فكانوا كما وصف في محكم كتابه ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) .

ومن دعائه في مكارم الاخلاق قوله .

اللهم صل على محمد وآله وحلّني بحلية الصالحين ، وألبسني زينة المتقين ، في بسط العدل وكظم الغيظ ، وإطفاء النائرة ، وضمّ أهل الفرقة وإصلاح ذات البين ، ولين العريكة ، وخفض الجناح وحسن السيرة والسبق إلى الفضيلة ، والقول بالحق وإن عزَّ ، واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي ، واستكثار الشرّ وإن قلّ من قولي وفعلي ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفس مثلها ، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها .

اللهم إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وإن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني ، وإن أكرمتني فمن ذا الذي يهينني ، وإن أهنتني فمن ذا الذي يكرمني وإن عذبتني فمن ذا الذي يرحمني .

اللهم ألبس قلبي الوحشة من شرار خلقك ، وهَبْ لي الانس بك وباوليائك وأهل طاعتك .

وهكذا ناجى الإمام زين العابدين ربه بأدعية جمعت في كتاب اسمه ( الصحيفة السجادية ) واسلوبها اشبه باسلوب نهج البلاغة لجدّه أمير المؤمنين وتسمى أيضاً بزبور آل محمد وانجيل اهل البيت وقد اشتملت على

٢٦٦
 &

أفانين من التضرع والابتهال . وتبدو هذه الادعية لأول وهلة ، انها روحية محضة لا تمّت إلى المادة بسبب ولكن بالتأمل تظهر صلتها الوثيقة بالعيش والاسرة وبالمجتمع وتراها دروساً قيمة منتزعة من صميم المجتمع . إن ظروف الإمام السجاد عليه السلام ـ وهو في عهد المروانيين ـ لم تسمح له أن يرتقى منبر الارشاد بأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، لكنه مع حراجة موقفه استطاع أن يداوي المجتمع ويهديه إلى سبيل الخير عن طريق الدعاء ، فقد ضمّن هذه الصحيفة السجادية دعوته الإصلاحية ، وأهدافه العالية وآرائه الصائبة التي تهدف إلى المثل العليا .

إن الصحيفة تحتوي على ٥٤ دعاء وهي : التحميد لله عز وجل . والصلاة على محمد وآله ، الصلاة على حملة العرش ، الصلاة على مصدّقي الرسل ، دعاؤه لنفسه وخاصته ، دعاؤه عند الصباح والمساء ، دعاؤه في المهمات ، دعاؤه في الاستعاذة ، دعاؤه في الاشتياق ، دعاؤه في اللجاء إلى الله ، دعاؤه بخواتم الخير ، دعاؤه في الاعتراف ، دعاؤه في طلب الحوائج ، دعاؤه في الظلامات ، دعاؤه عند المرض ، دعاؤه في الاستقالة ، دعاؤه على الشيطان ، دعاؤه في المحذورات ، دعاؤه في الاستسقاء ، دعاؤه في مكارم الأخلاق ، دعاؤه إذا أحزنه امر ، دعاؤه عند الشدّة ، دعاؤه بالعافية ، دعاؤه لأبويه ، دعاؤه لولده ، دعاؤه لجيرانه ، دعاؤه لأهل الثغور ، دعاؤه في التفرغ ، دعاؤه إذا قتر عليه ، دعاؤه في المعونة على قضاء الدين ، دعاؤه بالتوبة ، دعاؤه في صلاة الليل ، دعاؤه في الاستخارة ، دعاؤه إذا ابتلى ورأى مبتلى بفضيحة بذنب ، دعاؤه في الرضا بقضاء الله ، دعاؤه عند سماع الرعد ، دعاؤه في الشكر دعاؤه في الاعتذار ، دعاؤه في طلب العفو ، دعاؤه عند ذكر الموت ، دعاؤه في طلب الستر والوقاية ، دعاؤه عند ختمه القرآن ، دعاؤه إذا نظر إلى الهلال ، دعاؤه لدخول شهر رمضان ، دعاؤه لوداع شهر

٢٦٧
 &

رمضان ، دعاؤه للعيدين والجمعة ، دعاؤه لعرفة ، دعاؤه للاضحى والجمعة دعاؤه في دفع كيد الأعداء ، دعاؤه في الرهبة ، دعاؤه في التضرع والاستكانة ، دعاؤه في الالحاح ، دعاؤه في التذلل ، دعاؤه في استكشاف الهموم .

وهي في الغاية من الاعجاز قد تكفلت ببيان كل ما يعترض المسلم المؤمن من مشاكل في الدين والعلم والاجتماع ، بل هي الطب النفسي والعلاج الروحى .

إن للانسان حالات كثيرة من حزن وفرح ، ورخاء وشدة ، وسعة وتقتير ، وصحة ومرض ، ومودة وعداوة ، وطاعة ومعصية ، إلى غير ذلك من الامور . وانك لترى في الصحيفة استقصاء لهذه الحالات وعلاجاً لادوائها وحلاً لمشكلاتها . وإنما سميت بالصحيفة الكاملة لكمالها فيما أُلّفت له أو لكمال مؤلفها ، فمن بين ملايين الكتب في المكتبة البشرية الواسعة ليست اعظم من الكتب الثلاثة :

١ ـ القرآن الكريم وهو اولها وسيدها .

٢ ـ نهج البلاغة . للامام أمير المؤمنين علي عليه السلام .

٣ ـ الصحيفة السجادية ، وهما مستمدان من القرآن داعيان له .

إن أدعية الصحيفة يحسن بلاغتها وكمال فصاحتها احتوت على لُباب العلوم الالهية والمعارف اليقينية حتى قال بعض العرفاء : إنها تجري مجرى التنزيلات السماوية وتسير مسير الصحف اللوحية .

قال ابن الجوزي في خصائص الأئمة : لولا امير المؤمنين على عليه السلام لما كمل توحيد المسلمين وعقائدهم إذ أن النبي « ص » وضع اصولاً

٢٦٨
 &

لهذه العقائد اما الدقائق من كون الصفات ذاتيه وفعليه وان ايها عين ذاته تعالى وأيها ليست بعينه ـ إلى ان قال في حق الإمام زين العابدين عليه السلام : إن له حق الإملاء والتعليم والإنشاء وكيفية المكالمة والمخاطبة وعرض الحوائج الى الله تعالى ، فانه لولاه لم يعرف المسلمون كيف يتكلمون ويتفوهون مع الله سبحانه في حوائجهم ، فان هذا الإمام علَّمهم بانه متى ما استغفرت فقل كذا ، ومتى ما خفت فقل هكذا واذا كنت في شدة فقل كذا ، وان عجزت عن تدبير أمر فقل كذا ، وإن كنت مظلوماً فاقرأ دعاء كذا .

يقول الاستاذ عبد الهادي المختار في شرحه لرسالة ( الحقوق ) : كنت قبل اطلاعي على رسالة الحقوق للامام زين العابدين ـ اعتقد ان الامام زين العابدين رجل محراب ولا همّ له إلا الصلاة والعبادة والزهد والبكاء والانصراف إلى الله ، ولكني علمت بعد ذلك انه رجل دولة وواضع شريعة ، ومنشىء قانون ، وعلمت لماذا حارب علي معاوية ، ولماذا صالح الحسن معاوية او لماذا أضحى الحسين بنفسه وولده . وعلمت ان التشريح والتقنين ليس بجديد وإنما أخذه غيرنا عنا ، فصرنا نقلدهم في ما استفادوه منها ونستعيد ما فقدناه .

أقول وفي العهد الصفوي ذلك العهد الذي كان ازهى عصوره للعلم لا تكاد تجد بايران ـ سيما اصفهان ـ داراً فيها القرآن الكريم إلا وجدت معه الصحيفة الكاملة وذلك حسب ما أدّبهم أئمتهم عليهم السلام وعنايتهم بهذه الثروة العلمية التي هي أثمن تراث إسلامي ، وكان أهل البيت لا يفارقونها سفراً وحضراً كما ورد ان يحي بن زيد بن علي بن الحسين كان وهو في طريقه إلى خراسان يخرجها ويقرأ فيها .

يقول العلامة محمد جواد مغنية : وما قرأها إنسان من اي لون كان إلا

٢٦٩
 &

تقلبه إلى اجواء يشعر معها بنشوة لا عهد لاهل الارض بمثلها ، ومنذ اطلعت عليها احسست بدافع قهري يسوقني إلى التفكير في كلماتها والكتابة عنها ، والدعوة اليها ، ونشرها بين جميع الطوائف ، فكتبتُ عنها فصلاً في كتاب : ( مع الشيعة الإمامية ) بعنوان : مناجاة . وآخر في كتاب ( أهل البيت ) بعنوان : من تسبيحات الإمام زين العابدين . وثالثاً في كتاب ( الإسلام مع الحياة ) بعنوان : العز الظاهر والذل الباطن . ورابعاً في كتاب ( الآخرة والعقل ) بعنوان الله كريم .

وأهديتها إلى عدد كبير من شيوخ مصر وفلسطين ولبنان ، وإلى غبطة البطريرك الماروني بولس المعوشي ، ورأيته بعد الإهداء بأيام ، فشكرني على الهدية فقلت له : ما الذي استوقف نظركم فيها ؟ فقال : قرأتُ دعاء الإمام لابويه فترك في نفسي أثراً بالغا .

ومن الذي يقرأ قول الإمام : اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف وأبرّهما برّ الام الرؤف ، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما أقرّ لعينيَّ من رقدة الوسنان ، وأثلج لصدري من شربة الظمآن حتى أُوثرَ على هواي هواهما ، وأُقدّم على رضاي رضاهما ، واستكثر برّهما بي وإن قل واستقل برّي بهما وإن كثر .

مَن الذي يقرأ هذا القول ولا يترك في نفسه أعمق الآثار ، يهابهما هيبة السلطان العسوف مع مخالطته لهما ودنوّه منهما وعلمه برأفتهما ، إنها هيبة التعظيم والتوقير لا هيبة الخوف من الحساب والعقاب ، هيبة الابوة التي لا يقدّرها إلا العارفون .

ثم اقرأ معي هذه الكلمات للإمام :

اللهم وما تعدّيا عليّ فيه من قول ، أو أسرفا عليّ فيه من فعل ،

٢٧٠
 &

أو ضيعاه من حق ، أو قصّر أبي عنه من واجب فقد وهبتهُ لهما ، وجدتُ به عليهما ورغبتُ اليك في وضع تبعته عنهما فاني لا اتهمهما على نفسي ، ولا استبطأهما في برِّي ، ولا اكره ما تولّياه من أمري يا ربِّ .

أقول ومن ابلغ الدروس في مراعاة حقوق الآخرين ومعاونتهم وتحقيق معنى الاخوة الإسلامية قوله عليه السلام في دعائه :

اللهم إني اعتذر اليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره ، ومن معروف أُسدي اليّ فلم اشكره ، ومن مسيء اعتذر الي فلم اعذره ، ومن ذي فاقةٍ سألني فلم أُوثره ، ومن حقّ ذي حقّ لزمني لمؤمن فلم أوفره ، ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره .

إن هذا الاعتذار من أبدع ما يُنبه النفس إلى ما ينبغي عمله من هذه الأخلاق الالهية العالية والمثالية التي لم يحلم بها أرقى عصره في المدنيّة .

حكى ابن شهراشوب المتوفي سنة ٥٨٨ في كتابه مناقب آل أبي طالب : ان بعض البلغاء بالبصرة ذُكرت عنده الصحيفة الكاملة فقال : خذوا عني حتى أُملي عليكم مثلها ، فاخذ القلم والقرطاس وأطرق رأسه فما رفعه حتى مات .

كتب عنه كثير من العلماء والمفكرين وشروحها تزيد على الخمسين شرحا وقد كتب الدكتور حسين محفوظ مقالاً عنها وقال : إنها تُرجمت إلى الإنكليزية والاوردية والفارسية وان شراحها عددهم ٥٨ شارحاً أقول ولعل اجود هذه الشروح واغزرها ما كتبه السيد عليخان المسمى بـ ( رياض السالكين ) كتاب ضخم ممتع قد طبع طباعة حجرية قديمة بالقطع الكبير .

٢٧١
 &

وفاته :

روى ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ان الإمام علي بن الحسين مات مسموما ، سمه الوليد بن عبد الملك . وقال الصدوق وابن طاووس في الإقبال : سمه الوليد بن عبد الملك . فلما توفي غسله ولده محمد الباقر وحنطه وكفنه وصلى عليه ودفنه .

قال سعيد بن المسيب : وشهد جنازته البر والفاجر ، وأثني عليه الصالح والطالح ، وانهال الناس يتبعونه حتى لم يبق احد ، ودفن بالبقيع مع عمه الحسن في القبة التي فيها العباس .

توفي عليه السلام بالمدينة سنة خمس وتسعين من الهجرة في شهر المحرم الخامس والعشرون منه وله سبع وخمسون سنة من العمر ، والعقب من الحسين منحصر فيه ، ومنه تناسل ولد الحسين عليه السلام .

٢٧٢
 &

شاعر يرثي علي الأكبر « ع » :

قال ابو الفرج في المقاتل : حدثني احمد بن سعيد عن يحيى عن عبيد الله بن حمزة عن الحجاج بن المعتمر الهلالي عن أبي عبيدة وخلف الأحمر إن هذه الأبيات قيلت في علي الأكبر :

لم ترَ عينٌ نظرت مثله

من محتفٍ يمشي ومن ناعلِ

يغلي نهيء (١) اللحم حتى إذا

أنضج لم يغل على الآكل

كان إذا شبِّت له ناره

يوقدها بالشرف الكامل

كيما يراها بائس مرملٌ

أو فرد حيِّ ليس بالآهل

أعني ابن ليلى ذا السدى والندى (٢)

أعني ابن بنت الحسب الفاضل

لا يؤثر الدنيا على دينه

ولا يبيع الحقَ بالباطل

__________

(١) النهي ، بوزن امير : اللحم الذي لم ينضج و ( نيء ) مهموزاً ، هو كل شيء شانه ان يعالج بطبخ أو شيىء لم ينضج فيقال : لحم نيء . قال في المصباح : والابدال والادغام عامي . ورواها السيد الامين : يغلى بنيء اللحم . وقال : وتعدية يغلي بالباء مع انها متعدية بالهمزة لانه اراد يغلي الماء والقدر بنيء اللحم ، ورواها في ابصار العين ( نهيء ) بوزن امير ولكنه مخالف لما جاء في ( المقاتل ) و ( السرائر ) مع عدم الوثوق بصحتهما .

وقوله يغلى الاولى من الغليان ، والثانية من الغلاء مقابل الرخص . وجاء في ابصار العين للشيخ السماوي ( يوقدها بالشرف القابل ) وقال : القابل : المقبل عليك ومنه عام قابل . وفي بعض النسخ : يوقدها بالشرف الطائل .

(٢) ( السدى ) ندي اول الليل ففي مصباح المنير مادة ( ندى ) ان ما يسقط اول الليل من البلل يقال له : سدي ، وما يسقط في آخره يقال له : ندي ، ويكنى بكل منها وبهما عن الكرم .

أدب الطف ( ١٨ )

٢٧٣
 &

علي بن الحسين الاكبر بن علي بن ابي طالب :

ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان ، وروى الحديث عن جده علي ابن أبي طالب ثم كما حققه ابن ادريس في السرائر ونقله عن علماء التاريخ والنسب . او بعد جده عليه السلام بسنتين كما ذكره الشيخ المفيد قدس سره في الارشاد ، وامه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي عظيم القريتين والذي قالت قريش فيه ( لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) وعَنوا بالقريتين : مكة والطائف . فكان جدّ ليلى عظيم القريتين ، وهو الذي ارسلته قريش للنبي يوم الحديبية فعقد معه الصلح ثم اسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع النبي « ص » من الطائف ، واستأذن النبي في الرجوع لأهله ، فرجع ودعا قومه إلى الإسلام فرماه واحد منهم بسهم وهو يؤذن للصلاة فمات فقال رسول الله لما بلغه موته : مثل عروة مثل صاحب ( يس ) دعا قومه الى الله فقتلوه .

وامها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن امية ، ولهذا نادى رجل من أهل الكوفة حين برز علي الأكبر للقتال : إن لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد فان شئت آمنّاك ، فقال له : ويلك لقرابة رسول الله أحقّ أن تُرعى .

وروى ابو الفرج ان معاوية قال : مَن أحقّ الناس بهذا الامر ، قالوا انت قال : لا ، اولى الناس بهذا الامر علي بن الحسين بن علي : جده رسول الله ، وفيه شجاعة بني هاشم ، وسخاء بني امية ، وزهو ثقيف .

وكان يشبه بجده رسول الله « ص » في الخَلق والخُلق (١) والمنطق ،

__________

(١) الخلق بضم الخاء الطبع ، وبفتحها الصورة

٢٧٤
 &

ويكنى ابا الحسن . ويلقب بالاكبر لأنه الأكبر من أخيه علي الأصغر .

قال السيد هبة الدين الشهرستاني : وكما شابه النبي في الجسم فقد شابه جده علياً في الاسم كما شابهه في الشجاعة وفي تعصبه للحق حتى انه يوم قال الحسين أثناء مسيره : كأني بفارس قد عنّ لي على فرس يقول القوم يسيرون والمنايا تسرى اليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت الينا ، فقال له : يا ابتِ لا اراك الله سوءً السنا على الحق ، قال : بلى والذي اليه مرجع العباد : قال يا أبتِ اذن لا نبالي بالموت ، فقال له : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده .

قال أبو الفرج وغيره : وكان اول من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسين علي بن الحسين عليه السلام ، فانه لما نظر الى وحدة أبيه تقدم اليه ، وهو على فرس له يدعى ذا الجناح ـ فاستأذنه في البراز ـ وكان من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ، فأرخى عينيه بالدموع وأطرق ، ثم قال : ـ وقد رفع شيبته الى السماء ـ اللهم اشهد على هؤلاء فانه قد برز اليهم غلام أَشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك وكنا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا اليه ؛ ثم صاح : يا بن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله ، فلما فهم علي الإذن من أبيه شد على القوم وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن و بيت الله أولى بالنبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

فقاتل قتالاً شديداً ، ثم عاد الى أبيه وهو يقول : يا أبتِ العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني . فبكى الحسين عليه السلام وقال : واغوثاه أنّى لي بالماء فقاتل يا بني قليلاً واصبر فما اسرع الملتقى بجدك

٢٧٥
 &

محمد فيسقيك بكاسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا .

فكرّ عليهم يفعل فعل أبيه وجده ، فرماه مرة بن منقذ العبدي بسهم في حلقه .

وقال أبو الفرج : قال حميد بن مسلم الأزدي : كنت واقفاً وبجنبي مرة بن منقذ وعلي بن الحسين يشد على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم ، فقال مرة : عليّ أثام العرب ان مرّ بي هذا الغلام لأثكلنّ به أباه ، فقلت : لا تقل . يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه ، فقال : لأفعلنّ ، ومر بنا علي وهو يطرد كتيبة فطعنه برمحه فانقلب على قربوس فرسه فاعتنق فرسه فكرّ به على الأعداء فاحتوشوه بسيوفهم فقطعوه ، فصاح قبل أن يفارق الدنيا : السلام عليك يا أبة هذا جدي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى وهو ينتظرك الليلة ، فشد الحسين عليه السلام حتى وقف عليه ـ وهو مقطع ـ فقال : قتل الله قوماً قتلوك ، يا بني فما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، ثم استهلّت عيناه بالدموع وقال : على الدنيا بعدك العفا .

وروى أبو الفرج وأبو مخنف عن حميد بن مسلم الأزدي أنه قال : وكأني أنظر الى امرأة قد خرجت من الفسطاط وهي تنادي : يا حبيباه ، يا بن اخياه . فسألت عنها . فقالوا هذه زينب بنت علي بن ابي طالب . فجاءت حتى انكبت عليه ، فجاء الحسين اليها وأخذ بيدها الى الفسطاط ورجع فقال لفتيانه : احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه ثم جاؤا به فوضعه بين يدي فسطاطه .

وقال السيد ابن طاوس في اللهوف : ثم شهق علي الأكبر شهقة ومات فجاء الحسين حتى وقف عليه ووضع خده على خده وقال : قتل الله قوماً قتلوك الى آخر كلامه .

٢٧٦
 &

قال الشيخ التستري في الخصائص الحسينية : السلام إما سلام تحية أو سلام توديع ، ففي سلام التوديع يقدمون الخبر ويقولون : عليك مني السلام ، يعني يا ابه اودعك والملتقى يوم القيامة .

وفي نفس المهموم عن روضة الصفا : رفع الحسين صوته بالبكاء ، ولم يسمع احد الى ذلك الزمان صوته بالبكاء .

وفي ناسخ التواريخ ان الحسين لما جاء الى ولده رآه وبه رمق وفتح علي عينيه في وجه أبيه وقال : يا أبتاه أرى أبواب السماء قد انفتحت والحور العين بيدها كؤوس الماء قد نزلن من السماء وهن يدعونني الى الجنة ، فأوصيك بهذه النسوة بأن لا يخمشن علي وجهاً . ثم سكن وانقطع أنينه .

٢٧٧
 &

استدراك :

احببنا ان لا يخلو الكتاب من هذه القصيدة ، وقد فاتنا ذكرها في ترجمة الكميت .

قال الجاحظ في ( البيان والتبيين ) : قيل للفرزدق : أحسن الكميت في مدح هؤلاء الهاشميين قال : وجد آجراً وجصّا فبنى ، فقد كان الهاشميون كذلك ، كانوا أقرب الناس الى لطف الشمائل وجميل الخصال :

إن نزلوا فالغيوث باكرةٌ

والاسد ـ اسد العرين ـ إن ركبوا

لا هم مفاريح عند توبتهم

ولا مجازيع إن هُم نُكبوا

هيْنون ليْنون في بيوتهم

سِنْخُ التقى والفضائلِ النجُبُ

والطيبون المبرأون من الآفةِ

والمنجبون والنجب

والسالمون المطهرون من العيب

ورأس الرؤس لا الذنَبُ

وهذه الاخرى من هاشمياته :

طربتَ وهل بك من مطرب

ولم تتصاب ، ولم تلعبِ

صبابة شوق تهيجُ الحليمَ

ولا عار فيها على الأشيبِ

وما أنت إلّا رسوم الدِّيار

ولو كُنّ كالخللِ المذهب

ولا ظعن الحيِّ إذ أدْلجت

بواكر كالإجل والرَّبرب

ولست تصبُّ الى الظَّاعنين

إذا ما خليلكُ لم يَصْبَب

*  *  *

فدع ذكرَ من لست من شأنه

ولا هو من شأنك المُنصبُ

٢٧٨
 &

وهات الثناء لأهل الثّناء

بأصْوَب قولك فالأصْوب

بني هاشمٍ فهم الأكرمون

بنو الباذخ الأفضل الأطيب

وإياهم فاتخذ أولياءَ

من دون ذي النّسب الأقرب

وفي حُبِّهم فاتهم عاذلاً

نهاكَ ، وفي حَبْلهم فاحْطِب

أرى لهم الفَضل في السَّابقات

ولم أتمنَّ ، ولم أحْسِب

مساميح بيضٌ ، كرام الجدود

مراجيعُ في الرَّهج الأصْهب

مواهيب للمنفس المستَراد

لأمثاله ، حين لا مُوهب (١)

اكارمُ غُرّ حسانُ الوجوه

مطاعيم للطَّارق الأجنب

*  *  *

وردت مياههم صادياً

بحائمة ، وِرد مستعذب

فما حلأتى عِصى السقاةِ

ولا قيل : يا أبعد ولا يا أغرب

ولكن بجأجاة الأكرمين

بحظِّى في الأكرم الأطيب

لئن طال شربي بالآجناتِ

لقد طاب عندهم مَشربي

*  *  *

أُناس إذا وردتْ بحرهم

صوادي الغرائبِ لم تغْرب

وليس التفحش من شأنهم

ولا طيرة الغضَب المغضب

ولا الطعن في أعين المقبلين

ولا في قفا المدبر المذنب

نجوم الامور إذا إدلمَّست

بظلماء ديجورها الغيهب

واهل القديم ، واهل الحديث

إذا عُقدَت حبوة المحتبى

*  *  *

وشجو لنفسي لم انسه

بمعترك الطَّف المجْنِبي

__________

(١) المنفس : ما يتنافس فيه ، والمستراد : المطلوب ، ولا موهب : لا واهب .

٢٧٩
 &

كأن خدودهم الواضحاتِ

بينَ المجرِّ إلى المسْحب

صفائح بيض جلتها القيون

ممَّا تخيرن من يثرب

*  *  *

او قلّ عدلاً عسى أن أنال

ما بين شرقٍ إلى مغرب

رفعت لهم ناظري خائف

على الحق يقدعُ مسترهب

عن كتاب « ادب الشيعة » ص ٢٥٨

٢٨٠