خطط الشام - ج ٦

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٦

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٤

١
٢

التاريخ المدني

البيع والكنائس والديرة

بيوت العبادة عند الأقدمين :

لم يخلف التاريخ الصحيح مستندا يركن إليه في وصف بيوت العبادة عند قدماء سكان الشام أيام كانوا يعبدون الأصنام والأوثان ثم بعد أن أصبحوا يعبدون النيران. فلا نعرف إذا شيئا يعتدّ به عن هياكل الفينيقيين في صور وصيدا وبيروت وجبيل ولا عن هياكل مشارف الشام الجنوبية ولا عن بيوت النيران في حلب ولا عن بيوت العبادة عند الحثيين والبابليين والاشوريين ولا عن هيكل الرب مرناس الذي كان يعبد في غزة ، ويحجون إلى هيكله من الأقطار ولا عن معبد المشتري (جوبيتر) الذي أنشأه أدريانوس الروماني في جبل جرزيم فوق نابلس ، ولا عن هياكل المشتري معبود الرومان الذي وجد في السخنة بين تدمر ودير الزور ، ولا عن هيكل اليونان في أنطاكية ، ولا عن هيكل بزيزة بالغرب من كوسبة في لبنان ، ولا عن بعل مرقد في أطلال دير القلعة قرب بيت مري بلبنان ، ولا عن هيكل الزهرة في افقة في جبل كسروان. والهيكل الباقي من هياكل القدماء هو هيكل بعلبك وقليل أمثاله جدا مما صبر على ضربات الدهر.

أما كنائس اليهود فقد تبين أنهم شرعوا بإنشاء كنيس لهم في سبي بابل

٣

يجتمعون فيه ويتعبدون. وأهم ما كان من كنائسهم كنيسهم في القدس بنوه بعد رجوعهم من بابل بجانب المعبد وقسموه قسمين قسم للرجال وقسم للنساء ، ثم كثرت الكنائس في المدن الصغرى والكبرى في كل بلد كان فيها لليهودية معتقدون وأنصار. ولكل كنيس خزانة مقدسة تقام في داخل البناء على خشب وتجعل متجهة نحو القدس وهي مغشاة بالكتان وفيها الطوامير المقدسة وأمام الخزانة ستار يذكر بستار المعبد وفي وسطه أمام الخزانة شيء أشبه بمنبر.

هذا غاية ما يقال في هياكل القدماء وبيوت عباداتهم ، وكيف السبيل إلى وصف المعابد القديمة والتاريخ لا يعرف شيئا يعتدّ به عن العالم الاسرائيلي بل ولا عن نصارى القرون الأولى ، وكل ما يعرف عن موسى وعن قضاة إسرائيل وداود أو المسيح والحواريين لا يكاد يملأ سوى صفحات قليلة والنصرانية نفسها لم تنتشر في الشام إلا في القرن الرابع للميلاد على يد قسطنطين أو أم قسطنطين بن قسطنطين باني القسطنطينية وهو الذي بنى كنائس كثيرة بدمشق وغيرها حتى يقال إنه بنى في زمانه اثني عشر ألف كنيسة.

ولا بد لنا قبل وصف الكنائس والبيع والأديار أن نعرفها تعريفا يقربها من جميع الأذهان ولا يوقع فيها لبسا. فالدير كما قالوا في تعريفه بيت يتعبد فيه الرهبان ولا يكاد يكون في المصر الأعظم إنما يكون في الصحاري ورؤوس الجبال فان كان في المصر كانت كنيسة أو بيعة. وربما فرّق بينهما فجعلوا الكنيسة لليهود والبيعة للنصارى. وقال بعضهم : البيعة متعبد النصارى وقيل : كنيسة اليهود. والأولى أن تطلق الكنيسة على متعبد النصارى والكنيس على متعبد اليهود. وجاءت لفظة الدير من الدار والجمع أديار والديراني صاحب الدير والذي يسكنه ويعمره. ويقال له ديّار. ويقال دير وديرة وأديار وديران ودارة ودارات وديّرة ودير ودور ودوران وأدوار ودوّار وأدورة.

منشأ الأديار والبيع :

أنشئت الأديار الأولى في الشام ، فهي موطنها الأول ، ذلك أن من

٤

المسيحيين من أخذوا يألفون العزلة لأول ظهورهم في صعيد مصر وجبال أنطاكية ينقطعون للنسك. ولما زاد عدد هؤلاء الناسكين دعت الضرورة إلى إنشاء أكواخ منفردة أشبه بعمرات جعلت برئاسة رئيس. وأنشئت دور عظيمة يعيش فيها أولئك الزهاد عيشة مشتركة يجمعهم سقف واحد وتسيّرهم إدارة رئيس واحد. ثم اتحدت تلك الأكواخ والبيوت. وأنشئت أديار في المدن تولاها الأساقفة وانتقل ذلك إلى الغرب. وكما كانت الشام منشأ الأديار كذلك كانت أول من وضع هندسة الكنائس ذات القباب ، فقد جرت في هندستها لأول مرة على مثال المعابد القديمة ، فالشام إذا أول من أنشأ الأديار والكنائس كما قامت فيها النصرانية واليهودية.

قلنا : إنه يردّ إنشاء الكنائس إلى عهد قسطنطين وقد بدأت البيع بالتكاثر في سنة (٣٣٠) للميلاد وذكر بعض المؤرخين أن ثيودوسيوس الكبير حول بعض هياكل الوثنيين في بعلبك الى كنائس فبنى كنيستين في القلعة إحداهما في وسط البهو الكبير القائم أمام هيكل الشمس. وقال المسعودي : إن هيلاني بنت بإيليا الكنيسة المعروفة بالقيامة في هذا الوقت الذي يظهر منها النار في يوم السبت الكبير الذي صبحه الفصح وكنيسة قسطنطين وديارات كثيرة للنساء والرجال على الجبل المطل على مدينة بيت المقدس المعروف بالطور وهو بإزاء قبة اليهود وعمرت مدينة إيليا عمارة لم يكن قبلها مثلها ولم يزل ذلك عامرا إلى أن أخربته الفرس حين غلبت على مصر والشام.

تكاثرت الكنائس والأديار في الشام فلم يمض على انتشار النصرانية قرنان حتى زاد عدد الأديار والبيع على صورة مستغربة حتى إن الغسانيين ولعوا أيضا بعمارة الأديار في الجزء الذي ارتفع سلطانهم عليه في الجنوب على عهد ملوك الروم فشادوا دير حالي ودير أيوب ودير الدهناء ودير ضخم ودير النبوة. واشتهر الغساسنة بإقامة الديرة والبيع وكانوا كما قيل يعتمدون ببنائهم المواضع الكثيرة الشجر والرياض والمياه ويجعلون في حيطانها وسقوفها الفسافس والذهب ومثلهم كان شأن آل المنذر بالحيرة وبني الحارث بن كعب بنجران من بيوتات العرب.

٥

أعظم الكنائس وأقدمها :

ويظهر أن كنيسة القبر المقدس في القدس هي أقدم كنيسة في الشام قامت في مكان نظر إليه في كل وقت بأنه مقدس. وذكر الأسقف أوسابيوس القيصري (٣١٤ ـ ٣٤٠) وهو والد تاريخ الكنيسة أن في الحفريات التي جرت على عهد الملك قسطنطين اكتشفت مغارة المخلص المقدسة. وزاد المؤرخون المحدثون أن الملكة هيلانة والدة قسطنطين المتوفاة نحو سنة (٣٢٦ م) زارت القدس واكتشفت القبر المقدس وصليب يسوع ، فالبنايات التي أقيمت في ذاك المكان سنة (٣٣٦ م) هي من البناء المدور قد دعي كنيسة القيامة ومؤرخوا المسلمين يسمونها كنيسة القمامة كما كان هناك كنيسة كاتدرائية خاصة برمز الصليب وقد أحرق الفرس هذين المكانين سنة (٦١٤ م). وأعاد هرقل بناء ما كان خرب كسرى من الكنائس في مصر والشام ، وذكر المؤرخون أن الفرس خربوا كنائس القدس بمعاونة اليهود ومما خربوا كنيسة الجسمانية وكنيسة المنية وظلتا خرابا الى القرن الرابع من الهجرة ، ولما انصرفوا عمر النصارى كنيسة القيامة والمقبرة والاكرانيون ومار قسطنطين وأحدث الراهب مودست رئيس دير تيودوس في سنة (٦١٦ و ٦٢٦) كنيسة القيامة وكنيسة الصليب وكنيسة الجلجلة وأضيفت سنة (٦٧٠) الى الجنوب كنيسة للعذراء.

ولما فتحت القدس وجاء الخليفة عمر بن الخطاب أدركته الصلاة فلم يرض أن يصلي في كنيسة القيامة لئلا يكون بعده للمسلمين حجة في أخذها وبنى مقابلها جامعا ومصلى. ولما تنصر الروم على رواية ابن بطريق وبنت هيلانة أم قسطنطين الكنائس في بيت المقدس كان موضع الصخرة وحولها خراب فترك ، ورموا على الصخرة التراب وهذه التي بني عليها المسجد الأقصى ، ثم ذهب الخليفة الى بيت لحم فحضرته الصلاة فصلى داخل الكنيسة عند الحنية القبلية ، وكانت الحنية كلها منقوشة بالفسيفساء ، وكتب عمر للبطرك سجلا أن لا يصلي في هذا الموضع من المسلمين إلا رجل واحد بعد واحد ولا يجمع فيه صلاة ولا يؤذن فيه ولا يغير فيه شيء. وكنيسة بيت

٦

لحم من الكنائس القديمة المشهورة أنشأها قسطنطين سنة (٣٣٠) فكانت كاتدرائية كبرى وأنشأ يوستنيانوس حيطانها وأقيمت فيها أديار وكنائس كثيرة حتى اطلق عليها سنة ستمائة للميلاد اسم المكان الزاهر.

ومن أشهر كنائس الشام كنيسة دمشق المعروفة بكنيسة مار يوحنا مكان الجامع الأموي اليوم ، صالح المسلمون على نصفها الشرقي لأنهم اعتبروا دمشق بما فتح صلحا وعنوة ، فكان النصف من هذه الكنيسة العظمى ، التي كانت أكبر معابدهم على رواية ابن كثير ، في النصف الذي فتحه خالد بن الوليد بالسيف. وكان بدمشق خمس عشرة كنيسة كتب بها عمر بن الخطاب كتاب أمان وأقر ما بأيدي النصارى أربع عشرة كنيسة ، فجعل أبو عبيدة من الكنيسة الكبرى مسجدا. فكان المسلمون والنصارى يدخلون من باب واحد وهو باب المعبد الأصلي في القبلة؟ قال جرجس بن العميد : وقيل : إن الوليد بذل للنصارى في كنيسة مار يوحنا أربعين ألف دينار فلم يريدوا أن يأخذوا المال فأخذها فأخربها ولم يعطهم شيئا. وفي تواريخ دمشق أن النصارى رفعوا إلى عمر بن عبد العزيز في خلافته ما بيدهم من عهد أبي عبيدة بن الجراح من أن كنائسهم لا تهدم ولا تسكن وأن الوليد أخذ كنيستهم بغير حق قهرا ، فلما رأى عمر ذلك منهم دفع لهم مالا يرضيهم به حتى بلغ مائة ألف فأبوا ، فكتب الى محمد بن سويد الفهري أن يدفع إليهم كنيستهم أو يرضيهم في ذلك. فلما وصل كتاب عمر إلى دمشق أعظم الناس ذلك وفيهم يومئذ بقية من أهل الفقه ، فشاورهم محمد بن سويد فقالوا : هذا أمر عظيم ندفع إليهم مسجدنا وقد أذنا فيه بالصلاة وجمعنا فيه يهدم ويعاد كنيسة. فقال رجل منهم : هنا مسألة فإن لهم كنائس عظاما حول مدينتنا وهي دير مران والكنيسة بباب توما وغيرها من الكنائس ان أحبوا أن نعطيهم كنيستهم فلا يبقوا حول مدينة دمشق ولا بالغوطة كنيسة إلا هدمت أو نبقي لهم جميع كنائسهم ويتركوا هذه ونسجل لهم بذلك سجلا ، فرضي النصارى على أن يسجل لهم الخليفة سجلا منشورا بأمان على ما بدمشق والغوطة من كنيسة أن تهدم أو تسكن. وهكذا استحالت كنيسة مار يوحنا إلى مسجد جامع للمسلمين أخذوه بحكم الفتح

٧

وأرضوا أبناء ذمتهم على كل حال. وما ندري كيف آل إلى هؤلاء من اليهود أو إلى النصارى من الصابئة وغيرهم. ولعل التقليد القائل بأن في الجامع رأس يحيى بن زكريا عليهما‌السلام أتى من كون الكنيسة كانت على اسم مار يوحنا. ويوحنا هو يحيى والله أعلم.

وخاصم النصارى حسانا بن مالك الكلبي الى عمر بن عبد العزيز في كنيسة بدمشق فقال له عمر : إن كانت من الخمس عشرة كنيسة التي في عهدهم فلا سبيل لك إليها. وقال غيره : خاصمت العرب في كنيسة بدمشق يقال لها كنيسة ابن نضر كان معاوية أقطعهم إياها فأخرجهم عمر بن عبد العزيز منها فدفعها الى النصارى فلما ولي يزيد ردها الى بني نضر. وفي كتاب سجل يحيى بن حمزة أن النصارى ذكروا لعمر بن عبد العزيز أن عتقاء العرب قد سخروا بهم وبرئيسهم وبدينهم وجماعتهم من أهل القرى وأن أولئك العتقاء أحلاف وفرق وأنهم غلبوهم على كنائسهم وسألوا الوفاء لهم بما في عهدهم وبما في الكتاب الذي كتبه لهم خالد بن الوليد عند فتح مدينتهم فأمرهم ان يأتوا بحجتهم فأتوا بكتاب خالد بن الوليد فاذا فيه : «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق يوم فتحها أعطاهم أمانا لأنفسهم ولأموالهم وكنائسهم لا تهدم ولا تسكن لهم على ذلك ذمة الله وذمة الرسول عليه الصلاة والسلام وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين لا يعرض لهم أحد إلا بخير إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية شهد بهذا الكتاب يوم كتب عمرو بن العاص وعياض بن غنم ويزيد بن أبي سفيان وأبو عبيدة بن الجراح ومعمر بن غياث (عتاب) وشرحبيل بن حسنة وعمير بن سعد ويزيد بن نبيشة وعبد الله بن الحارث وقضاعي بن عمر وكتب في شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة».

قال يحيى بن حمزة فنظرت في كتابهم فوجدته خاصة لهم ، وفحصت عن أمرهم فوجدت فتحها بعد حصار ، ووجدت ما وراء حائطها آثارا وضعت لدفع الخيل ومراكز الرماح ، ونظرت في جزيتهم فوجدتها وظيفة عليها خاصة دون غيرهم ، ووجدت أهلها عند فتحها رجلين رجلا روميا قتلته الحرب أو نفته ، ومساكنهم وكنائسهم قسمة بين المسلمين

٨

معروفة لا تخفى ، ورجلا من أهلها حقن دمه هذا العهد ، فمساكنهم وكنائسهم مع دمائهم لهم لم تسكن ، ولم تقسم معروفة ليس تخفى ، فقضيت لهم بكنائسهم حين وجدتهم أهل هذا العهد وأبناء البلد ، ووجدت من نازعهم لفيفا طرأ وذلك لو أنهم أسلموا بعد فتحها كان لهم صرفها مساجد ومساكن. فلهم في آخر الدهر ما لهم في أوله وأثبت في الأصول قبل وأشهد الله عليه وصالح المؤمنين ، وفاء بهذا العهد الذي عهده لهم السابقون الأخيار فلم يكن بينهم خاصة في ذلك اختلاف نظر لهم .. وقضيت لمن نازعهم بما كان لهم فيها من حلية أو آنية أو كسوة أو عرضة أضافوا ذلك إليها أن يدفع ذلك إليهم بأعيانها إن قدروا عليه وسهل قبضه ، أو قيمة عدل يوم ينظر فيه شهد الله على ذلك اه.

هذا ما كان من المسلمين مع أبناء ذمتهم ومراعاة العهود التي قطعوها على أنفسهم. ولم تزل سيرة خلفاء بني أمية وبعض بني العباس مع النصارى وكنائسهم سيرة الخليفة الثاني والفاتحين من الصحابة الكرام. فقد بنى أبو جعفر المنصور كنيسة في دمشق لبني قطيطاني الغوريق ، ذكر ذلك ابن عساكر. ولما وقع حريق في كنيسة مريم بدمشق أيام أحمد بن طولون أمر أن تفرق على أهل الحريق سبعون ألف دينار ففضل عنهم أربعة عشر ألف دينار فأمر أن تفرق عليهم على قدر سهامهم ثم أمر ففرّق على أهل دمشق وغوطتها مال عظيم فأقل من أصابه من ذلك دينار.

مبدأ هدم الكنائس :

أول حادث وقع في تخريب الكنائس قبل الإسلام كان لما ثار بفلسطين أهل السامرة وهدموا في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة الكنائس كلها وأحرقوها من بيسان الى بيت لحم وقتلوا النصارى وعذبوهم عذابا شديدا فأعاد يوستنيانوس الكنائس وكتب الى عامله في فلسطين أن يعفي أهلها من الخراج ويعمر بها الكنائس والديارات وبنى بيمارستانا للغرباء في القدس.

وبقدر ما رأى النصارى من عدل المسلمين معهم أيام عزهم أخذ بعض ملوكهم بعد القرن الثالث يحكمون العواطف بدل العقل في الكنائس

٩

والبيع ، وكان من أثر ذلك أن نالت السياسة من بيوت العبادة فكان إذا أحسّ القائم بأمر المسلمين أن قومه في شدة في ديار الحرب انتقم من أهل ذمته في ديار الإسلام ، وسلط العامة من طرف خفي ليخربوا كنائس النصارى وبيعهم.

قال القلقشندي : وفي السنة الأخيرة من رياسة البطريرك قسيما وهي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة أحرق المسلمون كنيسة مريم بدمشق ونهبوا ما فيها وتتبعوا كنائس اليعاقبة والنساطرة. وقال ابن بطريق : إن هذه الحادثة وقعت في رجب سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وذلك أن المسلمين في دمشق ثاروا فهدموا كنيسة مرتمريم الكاتوليقية ، وكانت عظيمة كبيرة حسنة أنفق فيها مائتا ألف دينار ، ونهبوا ما كان فيها من آنية وغير ذلك من حلي وستور ، ونهبت ديارات وخاصة دير النساء الذي كان في جانب الكنيسة وشعثوا كنائس كثيرة للملكية ، وهدموا كنيسة النسطورية. وثار المسلمون بالرملة وهدموا للملكية فيها كنيستين كنيسة مار قزماس وكنيسة مار كورقس وهدموا كنيسة عسقلان وقيسارية وذلك سنة (٣١١). وثار المسلمون بكنيسة بيت المقدس وأحرقوا أبواب كنيسة قسطنطين القبلية سنة (٣٢٥).

وكان الداعي الى ذلك ما وقع من اضطهاد المسلمين في الروم على الغالب فلم يجد ملوك الإسلام واسطة لتخفيف الشر الواقع على رعاياهم من أهل الإسلام إلا بالضغط على النصارى في ديارهم والتأثير في ملوك النصارى بضربهم في أكبادهم في كنائس هي مهوى قلوب أبنائهم في بيت المقدس وما إليها بدليل أن ابن بطريق نفسه قال بعد إيراد تلك الحوادث : وقع بين الروم والمسلمين هدنة مرضية في سنة ست وعشرين وثلاثمائة وقال في حوادث السنة التالية : إن المسلمين ثاروا في عسقلان فهدموا كنيسة كبيرة تعرف بكنيسة مريم الخضراء ونهبوا جميع ما فيها وأحرقت وعاضد المسلمين اليهود في هدمها. وكان اليهود يشعلون النار في الحطب ويجرونه بالبكر الى أعلا السقوف حتى يحرقوها وينحل رصاصها وتقع عمدها وخربت الكنيسة وبقيت خربة. وروى أيضا أن الصناحي والي القدس

١٠

اضطهد بطريرك القدس فاستعدى عليه ملك مصر فأعداه فلم يستمع الوالي لذلك واختبأ البطريرك في كنيسة القيامة فهاجمها الوالي وأحرقوا أبوابها وسقطت القبة ، وتوجه الرعية الى كنيسة صهيون وأحرقوها ونهبوها. وهدم اليهود وأخربوا أكثر من المسلمين.

وأهم ما نال الكنائس في الشام من الأذى ، كان على عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي فإنه لم يبق في مملكته ديرا ولا كنيسة إلا هدمها. ففي سنة (٣٩٨) كتب الحاكم الى دمشق بهدم كنيسة السيدة القاتوليكي فهدمت ، وكتب الى والي الرملة بهدم كنيسة القيامة في القدس وإزالة معالمها والقضاء على آثارها ، وهدم الاقرانيون كنيسة ماري قسطنطين وسائر ما اشتملت عليه حدودها واستقصوا في إزالة الآثار المقدسة ، وكان في جوار المقبرة دير للنساء يعرف بدير السري فهدم أيضا. وكان ابتداء نقضها سنة أربعمائة ووضعت اليد على الأملاك والأوقاف وجميع ما في تلك الكنائس من آلاتها وحلاها.

وعاد الحاكم بعد أن ضرب النصارى في كنائسهم في جميع أرجاء مملكته فأعطاهم عهدا كما كان يعطي الخلفاء العادلون ومنها هذا المنشور الذي أورده ابن بطريق :

«بسم الله الرحمن الرحيم أمر أمير المؤمنين بكتب هذا المنشور لنيقيفور بطريرك بيت المقدس بما رآه من إجابة رغبته ، وإطلاق بغيته ، من صيانته وحياطته ، والذب عنه وعن أهل الذمة من نحلته ، وتمكينهم من صلواتهم على رسومهم في افتراقهم واجتماعهم ، وترك الاعتراض لمن يصلي منهم في عرصة الكنيسة المعروفة بالقيامة وخربتها ، على اختلاف رأيه ومذهبه ، ومفارقته في دينه وعقيدته ، وإقامة ما يلزمه في حدود ديانته ، وحفظ المواضع الباقية في قبضته ، داخل البلد وخارجه والديارات وبيت لحم ولدّ ، وما برسم هذه المواضع من الدور المنضوية إليها ، والمنع من نقض المصلبات بها ، والاعتراض لأحباسها المطلقة لها ، ومن هدم جداراتها وسائر أبنيتها ، إحسانا من أمير المؤمنين إليهم ، ودفع الأذى عنهم وعن كافتهم ، وحفظا لذمة الإسلام فيهم ، فمن قرأه أو قرئ عليه من الأولياء

١١

والولاة ، ومتولي هذه النواحي وكافة الحماة ، وسائر المتصرفين في الأعمال ، والمستخدمين على سائر منازلهم ، وتفاوت درجاتهم ، واستمرار خدمتهم ، أو تعاقب نظرهم ، في هذا الوقت وما يليه ، فليعلم ذلك من أمير المؤمنين ورسمه ، ويعمل عليه وبحسبه ، وليحذر من تعدي حده ومخالفة حكمه ، ويتجنب مباينة نصه ومجانبة شرحه ، وليقرّ هذا المنشور في يده حجة لمودعه ، يستعين بها على نيل طلبته ، وإدراك بغيته ، إن شاء الله تعالى. وكتب في جمادى الأخرى سنة إحدى عشرة وأربعمائة». وفي أعلاه بخط الحاكم توقيع : الحمد لله رب العالمين.

قال ابن بطريق ، وانفتح حينئذ باب رجعة الكنائس ورد أوقافها عليها ، وأطلق عمارة جميع الكنائس والديارات التي يستدعي منه الإذن فيها وفي عمارتها بمصر وفي سائر بلاد مملكته ، وكتب لكل منهم سجلا لإعادة أوقافها إليها ، إلا ما كان من الأوقاف والكنائس قد بيع في وقت القبض عليها في دمشق وفي جميع بلاد الساحل ، وصرف ثمنه في النفقات السلطانية ، لضيق الأموال وقلتها ، أو ما كان منها قد حصل لمن يتوقون شره من المسلمين. ولما تسامح الحاكم بعمارة الكنائس وتجديدها ورد أوقافها عاد الذين أسلموا من النصارى وقت الاضطهاد إلى دينهم بأمره وتسامحه. ولما هلك الحاكم وبويع لابنه الظاهر واستولت عمته على الملك بالفعل تقدمت بمسير نيقيفور بطريرك بيت المقدس إلى حضرة الملك ليطالبه بعودة الكنائس وتجديد كنيسة القيامة ببيت المقدس وسائر البيع في جميع بلاد مصر والشام ورجوع أوقافها إليها.

وكان البطاركة أشبه بسفراء سلام بين ملوك الإسلام وملوك الروم. إذا وقع حيف على المسلمين في ديار أعدائهم يندبهم ولاة الإسلام الى مطالعة الروم بما ينال النصارى في الشام وغيرها من الاضطهاد إن هم أساءوا إلى المسلمين الواقعين في أسرهم ، أو الراحلين إليهم في التجارة. ومما اشترط ملك الروم على الظاهر العبيدي في عقد الهدنة ثلاثة شروط منها أن يعمر الملك الظاهر كنيسة القيامة ببيت المقدس ويجددها من ماله ، ويصيّر بطريركا على بيت المقدس ، وأن تعمر النصارى جميع الكنائس الخراب

١٢

التي في بلاد الظاهر. فقبل الظاهر ما شرطه الملك من بناء كنيسة القيامة ومن إقامة بطريرك ومن تجديد النصارى بقية الكنائس سوى ما كان منها قد عمل مسجدا.

وقد علل مجير الدين الحنبلي عمل الحاكم في هدم البيع تعليلا غير مقبول كثيرا قال : إنه بسبب ما أنهي الى الحاكم من الفعل الذي يتعاطاه النصارى يوم الفصح من النار التي يوقدونها في سبت النور يوهمون أنها تنزل من السماء وقال : إن المستنصر بالله أبا تميم معدا ، هادن ملك الروم على أن يطلق خمسة آلاف أسير ليمكن من عمارة القيامة التي كان خربها جده الحاكم فأطلق الأسرى. قال : والذي يظهر أن تخريبها لم يكن تخريبا كليا بل كان في غالبها.

وقد وقع في العصور التالية بعض حوادث من تخريب كنيسة أو بيعة كان السبب فيه داخليا كأن يميل أهلها إلى عدو خارجي يداهم القطر ، فقد استطالوا سنة (٦٥٨ ه‍) على المسلمين كما يقول المؤرخون فنهبهم المسلمون وخربوا كنيسة مريم بدمشق وكما وقع لهبة الله النصراني متولي خزانة السلطان فإنه «كان تمكن من المسلمين وآذاهم ، ورفع منار النصارى وتسلطوا بجاهه على المسلمين ، وجدد لهم بناء كنيسة مريم وشيد بنيانها ، ورفع بابها ، وحسن عمارتها ، ثم هدم ما زاده ، وأعيدت الكنيسة إلى ما كانت عليه ، وتولى النصارى هدم ذلك بأنفسهم».

وكل تخريب وقع كان عن دواع كلية في الغالب يرجع في جملته إلى اعتداء النصارى في غير ديار الإسلام على المسلمين. فإن نيقيفور دومستيقس صاحب الروم لما غزا جزيرة اقريطش (كريت) في أسطول ونازلها في النصف من المحرم سنة خمسين وثلاثمائة وحاصرها ثمانية أشهر وفتحها وخرب ما فيها من المساجد وسبى من أهلها خلقا كثيرا قام المصريون فخربوا بعض ما عندهم من الكنائس انتقاما من الروم على فعلتهم وهكذا دواليك في تلك العصور المظلمة.

وفي سنة (٨٥٦) صدر مرسوم الملك بالكشف على الأديار وبهدم ما استجد بدير صهيون في القدس وانتزاع قبر داود من أيدي النصارى فهدم البناء

١٣

المستجد ، وفيها أخرج المسجد من دير السريان وصار زاوية وهدم البناء المستجد ببيت لحم وفي كنيسة القيامة وكشفت جميع الأديار وهدم جميع ما استجد بها. وفي سنة (٨٩٥) هدمت القبة التي أحدثها النصارى في دير صهيون. والسبب في ذلك على ما يبدو للنظر أن الدولة في تلك الأيام حاذرت من أن يكون من بعض الأديار والكنائس أماكن يعتصم فيها تساعد في الأيام العصيبة على أن تكون ثكنا وقلاعا لمن يداهم الشام من غير أهل الإسلام.

ومع هذا لم يخل زمن من ظهور حكام استعملوا العدل في تلك الأعصار مع أبناء ذمتهم فقد ذكروا أن المفرج بن الجراح لما تغلب على أرجاء فلسطين ألزم النصارى ببناء كنيسة القيامة ببيت المقدّس ، قال ابن بطريق : إنه عاون على بناء كنيسة القيامة وأعاد فيها مواضع بحسب إمكانه وقدرته.

كنائس دمشق :

ولم يحدثنا التاريخ بما كان من أنواع الكنائس بعد القرن الثامن ومعظم الكنائس والأديار في الشام اليوم بعد كنائس القدس وبيت لحم ودمشق هي مما أنشئ في القرون الأخيرة. فالكنائس في دمشق جددت بعد سنة (١٨٦٠) أي بعد أن خربت في حوادث تلك السنة. فلطائفة الروم الأرثوذكس ثلاث كنائس أكبرها المريمية وهي أعظمها ، ومن أقدم كنائس هذه الديار وفيها مقام البطريرك الأنطاكي خربت في أدوار كثيرة وآخر خرابها في وقعة تيمور يبلغ طولها نحو ٧٠ ذراعا وعرضها نحو أربعين. والثانية كنيسة مار يوحنا الدمشقي أنشئت بعد سنة (١٨٦٠) وفي جوارها مدرسة الروم. والثالثة كنيسة الميدان في محلة القرشي تم بناؤها سنة (١٨٦٢). ولطائفة الروم الكاثوليك ثلاث كنائس أيضا كانت الكبرى كنيسا لليهود القرائين فاشتراها الكاثوليك وأسست أيام الحكومة المصرية تم بناؤها سنة (١٨٤٠) على اسم السيدة وهي في حارة زيتون قرب سور البلد القديم وحرقت في حادثة سنة (١٨٦٠) ايضا وهي متينة راسخة البنيان وفيها مقام البطريرك الأنطاكي لتلك الطائفة. والكنيسة الثانية في باب المصلى على اسم القديس جاورجيوس.

١٤

والثالثة في القرشي على اسم سيدة النياح. وللسريان الكاثوليك كنيسة على اسم مار موسى الحبشي في حي المسيحيين على الطريق العامة وفيها دار البطريركية ولها مدرسة متصلة بها حرقت في سنة (١٨٦٠) أيضا ثم جددت. وللأرمن القدماء كنيسة قرب السور وهي قديمة احترقت في حوادث سنة (١٨٦٠) واسمها مار سركيس ولها مدرسة جدد بناؤها بعد الحوادث. وللسريان اليعاقبة كنيسة بالقرب من الباب الشرقي في محلة حنانيا جددت سنة (١٨٦٠) باسم القديس جاورجيوس. وللأرمن الكاثوليك كنيسة أمام دير اللعازاريين أنشئت بعد سنة (١٨٦٠) على اسم القديس غريغوريوس. وللبرتستانت كنيستان بنت إحداهما مسز موط الانكليزية سنة (١٨٦٨) والثانية (١٨٦٤) بناها القس يوحنا كرقورد الأميركاني.

وقد أنشئت عدة كنائس وأديار في دمشق أهمها دير اللعازاريين كان شرع ببنائه قبل حوادث (١٨٦٠) ثم أحرق وجدد بعد ذلك وفيه مدرستان إحداهما للذكور والثانية للإناث. ولليسوعيين مدرسة للبنات وفيها كنيسة صغيرة. وهناك دير الفرنسيسكان بالقرب من دير اللعازارية قيل : إنه أنشئ من نحو ٣٥٠ سنة وجدد عقيب حوادث (١٨٦٠) وفيه مدرسة للصبيان. ولطائفة الموارنة دير على اسم مار أنطونيوس البادواني حرق (١٨٦٠) وفيه دار البطريركية. وفي سفح الصالحية كنيسة صغرى للسريان الكاثوليك. وأنشئت في العهد الأخير كنيسة في المدرسة الإيطالية بطريق الصالحية وأخرى وراء المستشفى العسكري لراهبات الفرنسيسكان وغيرها من الكنائس الصغرى.

كنائس حلب :

وليس في الشهباء كنائس قديمة وأقدمها لا يرد عهده إلى قبل منتصف القرن الماضي فمنها كنيسة الأربعين للأرمن الغريغوريين في الصليبة وهي من الكنائس القديمة جددت (١٨٦٩) وكنيسة السيدة للأرمن الغريغوريين (١٨٥٠) وكنيسة مار أنطونيوس البادوي للآباء الفرنسيسيين أنشئت (١٦٦٠) ثم جددت ، وكنيسة انتقال السيدة للسريان الكاثوليك في حارة الصليبة جددت

١٥

(١٨٥٠) بعد حريق وقع لها. وكنيسة أم المعونات للأرمن الكاثوليك تم بناؤها (١٨٤٠) ومنها كنيسة بشارة الإنجيل للبرتستانت في محلة جقور القسطل جعلت كنيسة (١٨٦٧). وكنيسة مار فرنسيس للآباء الفرنسيسيين في حي جلوم تم بناؤها (١٨٧٨). وكنيسة السيدة للروم الأرثوذكس في الصليبة جدد بناؤها (١٨٥١). وسيدة الانتقال للروم الكاثوليك جددت بعد حريقها (١٨٥١). ومار جرجس للروم الكاثوليك في ثرعسوس تم بناؤها (١٨٥٠) وكنيسة قلب يسوع للآباء اليسوعيين في حي تراب الغربا تمت سنة (١٨٨١). وكنيسة مار بطرس للكلدان في العزيزية (١٨٨٢). وكنيسة مار جرجس للسريان الأرثوذكس في جقور قسطل وهي من الكنائس القديمة اختص بها السريان بعد أن كانت مشتركة بينهم وبين الأرمن في سنة (١٨٩٣) وكنيسة القديس بوناونتورا للآباء الفرنسيسيين تم بناؤها في حي الرام سنة (١٩٠٧) وكنيسة للموارنة باسم مار الياس الحي في الصليبة تمت سنة (١٨٩١) ، وكنيسة الأنفس المطهربة في الحميدية تم بناؤها سنة (١٩١٠).

الكنائس والبيع في القدس :

وفي القدس أديار وكنائس كثيرة بحيث يصح أن تدعى بلد الكنائس ولطائفة كاثوليك الرومانيين كنيسة اسمها كنيسة البطريركية ودير المخلص للفرنسيسكان وله كنيسة وميتم وصيدلية ومطبعة ، وكنيسة القديسة حنة وكنيسة الاكسي هومو (أي صورة المسيح المكللة بالشوك) وكنيسة الدورميسيون وكاتدرائية سان ايتيان ، وكنيسة الاغوني وأديار كنيسة القيامة ودي لافلاجلاسيون والدومنيكيين وإخوان البعثة الإفريقية واللعازاريين والآباء الپاسيونيست والبندكتيين. ودير البندكتيين وأديار الكرمليين وسيدات صهيون وأخوات القديس يوسف وأخوات الوردية والكلاريس وأخوات ريپاراتريس والبندكتيات. ولهم كنائس في المدارس. منها في المدرسة الاكليريكية البطريركية وميتم الأطفال في دير المخلص والمدرسة الصناعية في الدير نفسه ومدرسة الذكور للفرنسيسكان والمدرسة الصناعية

١٦

للذكور لرهبان سيدة صهيون ومدرسة الذكور لإخوان المدارس المسيحية ومدرسة وميتم بنات أخوات القديس يوسف وميتم البنات لأخوات الفرنسيسكانيات ومدرسة للبنات لراهبات الوردية ومدرسة وميتم لبنات سيدات راتسبون ، ومدرسة البنين والبنات لجمعية الأرض المقدسة الألمانية. ومن المستشفيات مستشفى سان لويس ، تعاون فيه راهبات القديس يوسف وملجأ اللقطاء والعجزة والمرضى لأخوات الإحسان ، وملاجئ الحجاج مثل كازانوفا للفرنسيسكان. والملجأ الكبير الفرنسي لسيدة فرنسا وملجأ الاغسطينيين والملجأ الكاثوليكي الالماني والملجأ النمساوي والروم المجتمعين أو الروم الكاثوليك كنيسة في البطريركية وبيعة في سانت فيرونيك ومدرسة اكليركية كبرى لرهبان القديسة حنة لاخوان البعثة الإفريقية (الآباء البيض) وميتم للبندكتيات وواحد للسوريين المتحدين وله مدرسة اكليركية يديرها الآباء البنديكتيون وقليل من الأرمن المتحدين مع كنيسة سيدة السپاسم وبيعة وملجأ ومدرسة متصلة بالكنيسة اللاتينية.

وللطوائف البرتستانتية الالمانية كنيسة المخلص الالمانية وملاجئ فرسان القديس يوحنا ومستشفى الدياكونيس قيصر ورت ودار للبرص للاخوان المورافيين وميتم للفتيات وميتم سوري للأولاد أسسه شنيلر وله ملجأ للعميان ومدرسة لأولاد العرب في القدس. وللطائفة البرتستانتية الانكليزية مدرسة وكنيسة أسقفية وجمعية التبشير الكنائسي لدعوة أبناء العرب من المسلمين واليهود للمذهب ولها كنيسة القديس بولس وميتم للذكور أسسه أسقف كوبا ومدرسة للذكور والبنات ومدرسة عالية وكنيسة يسوع لجمعية يهود لندرا ، وهذه الارسالية تقوم بنفقة مستشفى كبير وصيدليتين ومدارس للذكور والإناث ومدرسة صناعية ومطبعة. ولرهبنة فرسان القديس يوحنا الانكليزية مستوصف للرمد وبعض الأديار والمدارس تنفق عليها جمعية تبرعات فلسطين وجمعية مبرات ارسالية الشرق الانكليزية. ولطائفة الروم الارثوذكس عدة أديار وكنائس منها دير هيلانة وقسطنطين ودير إبراهيم ودير جيتسماني والقديس باسيليوس والقديس تيودوروس والقديس

١٧

جورج والقديس ميشل والقديسة كاترينا واوتيم وسيدة النجا واسبيريدون وكارالومبوس وديمتريوس ونيقولاوس وروح القدس ومدرسة للبنات وأخرى للذكور ومستشفى وغير ذلك. وللبعثة الروسية مدرسة كبرى في حي يافا والبنايات على جبل الزيتون. وكان للجمعية الروسية الفلسطينية ملجأ كبير للحجاج بالقرب من المعهد الروسي ، وملجأ للراهبات بالقرب من البيمارستان.

وللأرمن دير بالقرب من باب صهيون ولهم مدرسة اكليريكية ومدرستان للذكور وللإناث وكنيسة القديس يعقوب ودير للنساء اسمه دير الزيتوني ودير وبيعة جبل صهيون ولهم ملجأ. وللأقباط دير يقيم فيه أسقفهم ودير آخر يقال له دير القديس جورج. وللسريان اليعقوبيين كنيسة صغرى يقيم فيها أسقف لهم. وللحبش دير وكنيسة في الشمال الغربي من المدينة وللإسرائيليين زهاء ٧٠ كنيسا. وكثير من معاهد الخير والإحسان وملاجئ للزوار ومعاهد للفقراء أسس معظمها مونتفيور وروتشيلد وجمعية الاتحاد الإسرائيلي وغيرهم ولهم أربعة مستشفيات ودار للمعتوهين ومدرسة للعميان وملجأ للشيوخ ومدرسة ابتدائية وصناعية تقيم عليها جمعية الاتحاد الإسرائيلي ومدرسة انكليزية للبنات ومدرسة المانية للبنين وملاجئ منها الالماني والاسباني وفي القدس مدرسة البنات لاسوج. ولما زار الامبراطور غليوم الثاني ملك ألمانيا مدينة القدس أمر بانشاء أربع كنائس وكلها واقعة في أهم بقعة في المدينة ثلاث منها مشرفة عليها من الخارج والرابعة داخل المدينة أي السور.

وقبل الحرب العامة كان في القدس ٨ أديار للذكور و ٩ أديار للإناث من اللاتين وكنيستان للروم الكاثوليك وواحدة للأرمن الكاثوليك و ١٤ ديرا للروم الذكور و ٤ أديرة للإناث من الروم و ٤ أديار للروس و ٥ للأرمن و ٣ للأقباط و ٣ للحبش و ٢ للسريان و ٢ للبرتستانت الاسقفيين و ١ للإنجيليين و ١ للهيكليين من الطوائف البرتستانتية و ٤٠ كنيسا للإسرائيليين وربما زادت بعض الطوائف أماكن أخرى للعبادة.

وكنائس القدس وأديارها وبيعها على غاية من الفخامة لأنها من إنشاء

١٨

دول كبرى ومكانة القدس في هذا الباب لا تنازعها فيه غير رومية العظمى ، وأهم تلك الكنائس في القدس كنيسة القيامة وهي ليست بالكبرى كثيرا بالنسبة لكنائس الغرب المهمة بل هي متوسطة الحجم استأثر أهل كل مذهب من مذاهب النصرانية ببقعة صغيرة منها لا يتعدونها يكنسونها ويوقدون سرجها ويتعهدونها بما يصلحها. والسدانة للمسلمين حتى لا يقع بين أهل تلك المذاهب شيء من التحاسد الذي أدى في الأزمان السالفة الى فتن وحوادث ، ولكل قطعة من قطع كنيسة القيامة وجدار من جدرانها وعمود من عمدها حادثة تاريخية يذكرونها في تاريخهم الديني.

وإن؟؟؟ كان عني بعمران كل بلد على مثل ما عني بإنشاء الأديار والكامل؟؟؟ القدس وما إليها من الأرض المقدسة لكانت الشام أعمر أقطار العالم؟؟؟ بكنائسها؟؟؟ وأديارها فقد قدّم؟؟؟ بعضهم ما أنفق على هذه المعاهد الدينية الكبرى بخمسة عشر مليون حسبه؟؟؟ قبل أن يحاول اليهود أن يجعلوا لهم من فلسطين وطنا قوميا ، وقبل أن ينشئوا فيها كنائسهم ومعابدهم ويشترك يهود العالم في إتمام مشاريعهم في فلسطين. ولا يدخل في هذا التقدير في معابد القدس من العاديات والآثار والتحف والطرف فإن ذلك لا يقوّم؟؟؟ بثمن. كل هذا بسائق المنافسة السياسية والدينية بين الطوائف المسيحية بعضها مع بعض وبين المسيحيين من جهة والموسويين من أخرى.

كنائس فلسطين :

ولو جئنا نستقصي كنائس فلسطين لطال بنا المجال من؟؟؟ كنائسها كنيسة روسية في يافا مطلة على سهل سارون وكنائس صغيرة ثابتة للفرنسيين والروم الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة ، وكنيس لليهود. ولهم مدرسة مهمة في تل أبيب وأهم الأديار فيها دير اللاتين وفيها كنيسة للبرتستانت الالمان من طائفة الهيكليين واسمها أحباب القدس وقد كثرت الكنائس في المدن والقرى والغالب أن كنائس القرى سبقت بإنشائها كنائس المدن لأن النصرانية انتشرت أولا في القرى وعصى أهل المدن على التدين بها لغلبة التعصب عليهم. ومن رأي بعض الواقفين أن النصرانية انتشرت أولا في المدن

١٩

كالقدس وأنطاكية والإسكندرية وأفسس حتى وصلت الى داخل بلاط القياصرة.

وفي نابلس دير للاتين وكنيسة للروم وكنيس وكتاب للسامرة ومدرسة للانكليز ومدرسة للراهبات ولها بيع صغيرة وفي أريحا كنيسة للروم وأخرى للاتين. وكنيسة بيت لحم من أقدم الكاتدرائيات الباقية لم تخرب في جملة ما خربه الحاكم ، وقد رممت في أوقات مختلفة وزينت ولا سيما في عهد الصليبيين ، وفي بيت لحم عدة أديار وكنائس منها دير للفرنسيسكان مع دار ضيافة ومدرسة للذكور وصيدلية وكنيسة جميلة ولأخوات القديس يوسف دير وميتم ومدرسة للبنات ودير للكرمليات عمر على مثال قصر سانت آنج في رومية وله كنيسة ومدرسة اكليركية لجمعية آباء القلب المقدس وجمعية الأب بيلوني وفيه مدرستان إحداهما صناعية وكنيسة. ولراهبات المحبة مستشفى ولإخوان المدارس المسيحية مدرسة عظمى وللروم دير الولادة وكنيستان إحداهما باسم القديسة هيلانة والثانية باسم القديس جورج ومدرسة للذكور وأخرى للإناث. وللأرمن دير عظيم وهو دير الفرنسيسكان ودير الروم أشبه بقلاع. وللبرتستانت الالمان مدرستان وميتم ، وللانكليز مدرسة للفتيات يضاف إليها دار للمعلمات وكلها تحوي كنائس وبيعا. وفي الناصرة أربع عشرة بيعة وكنيسة ومعظمها من ضخامة البناء ما يذكر بقصور الملوك ، ودير الفرنسيسكان يزار لبعض الآثار التاريخية فيه وهو أثر من آثار القرون الوسطى. وفي صفد كنيسة ومدرسة للروم الكاثوليك وخمس كنائس للإسرائيليين وخمس مدارس ابتدائية دينية ومدرسة عالية للاتحاد الإسرائيلي وكنيسة ومستشفى للبرتستانت. وفي طبريا كنيسة للروم وأخرى للكاثوليك وخمس كنائس لليهود. وللكاثوليك كنائس في حيفا والبصة وشفاعمرو وترشيحة والمقار. وفي الطور دير وكنيسة لكل من الفرنسيين والروم الأرثوذكس ، وكنيسة الفرنسيين من أبدع كنائس العالم.

وفي الرملة دير للآباء الفرنسيسكانيين أسس سنة (١٤٠٠) على يد الأمير فيليب الاسباني ثم خرب سنة (١٧٠٠) ثم أعيد بناؤه. وخرب صلاح الدين

٢٠