كفاية الأصول - ج ٣

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-562-2
الصفحات: ٤٤٣

١
٢

المقصد السابع

فى الاصول العملية

[وفيه مقدمة وفصول]

٣
٤

[مقدّمة]

[في تعريف الاصول العمليّة]

وهي الّتي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل ، ممّا دلّ عليه حكم العقل أو عموم النقل (١).

__________________

(١) قوله : «ممّا دلّ عليه حكم العقل أو عموم النقل» بيان لقوله : «الّتي ينتهي إليها المجتهد».

والمراد بالموصول «ما» هو الأحكام الكلّيّة الّتي دلّ عليها حكم العقل كالبراءة العقليّة ، فإنّها حكم كلّيّ يدلّ عليها حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، أو عموم النقل كالبراءة الشرعيّة ، فإنّها حكم كلّي يدلّ عليها مثل حديث الرفع.

وغرض المصنّف رحمه‌الله من هذه العبارة أمران : إدراج الاصول العمليّة في المسائل الاصوليّة ، وإخراجها عن القواعد الفقهيّة.

أمّا الأوّل : فلأنّ الاصول العمليّة وظائف مجعولة للجاهل بالحكم الشرعيّ في مقام العمل بعد اليأس عن الظفر بدليل على حكم موضوع ، فلا تقع في طريق استنباط الأحكام. فلا بدّ من تعميم القواعد الاصوليّة لما ينتهي إليه المجتهد بعد الفحص عن الدليل على الحكم وعدم الظفر به كي تندرج الاصول العمليّة في المسائل الاصوليّة. فحاول المصنّف رحمه‌الله إدراجها في المسائل الاصولية بتعميم القواعد الاصوليّة والقول ب «أنّها القواعد الّتي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام ، أو الّتي ينتهي إليها في مقام العمل». راجع الجزء الأوّل : ٢٤.

وأمّا الثاني : فلأنّ القواعد الفقهيّة وظائف ابتدائيّة للعمل ، فلا ينتهي إليها الفقيه بعد الفحص عن الدليل على حكم العمل ، لعدم ترتّبها على الشيء بما أنّه مجهول الحكم. بخلاف الاصول العلميّة ، فإنّها وظائف ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص عن الدليل وعدم الظفر به ، بحيث يكون الشيء مجهول الحكم. ـ

٥

والمهمّ منها أربعة ، فإنّ مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكميّة (١)

__________________

ـ ولا يخفى : أنّ تفصيل البحث عن كون الاصول العلميّة من المسائل الاصوليّة أو من القواعد الفقهيّة لا يسعه المقام ، بل خارج عن المقصود. ويمكن أن يقال : إنّ إكمال الدين وإتمام النعمة على العالمين بإنزال القرآن الكريم وإرسال الرسول الخاتم يقتضي رفع تحيّر المكلّفين في مقام العمل بالأحكام الشرعيّة. ومعلوم أنّ كلّ مكلّف ـ لو خلّي وطبعه ـ كان جاهلا بالأحكام الشرعيّة والوظائف الفعليّة ، كما كان جاهلا بغيرها من المعلومات. وهو بما يكون متشرّعا يعلم علما إجماليّا بتوجّه تكاليف فعليّة شرعيّة إليه ، فيجب عليه ـ بمقتضى حكم العقل بلزوم إطاعة المولى الّتي لا تتحقّق إلّا بامتثال تلك التكاليف الفعليّة الثابتة له ـ أن يسعى إلى تحصيل المعرفة بها ، فيجب عليه تعلّمها بالفحص عن أدلّتها من الكتاب والسنّة والإجماع إذا تمكّن من الفحص ، وإلّا يجب عليه تقليد من يطمئنّ إليه من المجتهد أو العمل بالاحتياط.

وإذا سعى إلى تعلّم الأحكام وفحص عن أدلّتها إمّا أن يظفر بما يدلّ على ثبوت أحكام خاصّة لموضوعات خاصّة ، وهي «المسائل الفقهيّة» ، ويجب العمل بها ؛ وإمّا أن يظفر بما يدلّ على ثبوت أحكام كلّيّة فعليّة يمكن انطباقها على مصاديق متعدّدة ، وهي «القواعد الفقهيّة».

غاية الأمر أنّ القواعد الفقهيّة ـ وهي الأحكام الشرعيّة الكلّيّة والوظائف العمليّة ـ قسمان :

الأوّل : الوظائف الفعليّة المجعولة الّتي تثبت للموضوعات ابتداء بالظفر بأدلّتها من العمومات والإطلاقات ، كما هو حال أكثر القواعد الفقهيّة.

الثاني : الوظائف الفعليّة المجعولة الّتي تثبت للموضوعات بالظفر بما يدلّ على ثبوتها حين عدم قيام دليل خاصّ أو دليل عامّ عليها ابتداء ، كالظفر بأدلّة البراءة أو الظفر بأدلّة الاحتياط أو الظفر بأدلّة الاستصحاب وهكذا ...

وبالجملة : يمكن اندراج الاصول العمليّة في القواعد الفقهيّة ، لأنّها ليست إلّا أحكام كلّيّة ووظائف فعليّة عمليّه لمن تتّبع عن حكم موضوع وظفر بالدليل عليها ، كسائر القواعد الفقهيّة. فلا امتياز للاصول العمليّة عن القواعد الفقهيّة.

(١) لا يقال : إنّ قاعدة الطهارة مطلقا تكون قاعدة في الشبهة الموضوعيّة ، فإنّ الطهارة والنجاسة من الموضوعات الخارجيّة الّتي يكشف عنها الشرع.

فإنّه يقال : أوّلا : نمنع ذلك ، بل إنّهما من الأحكام الوضعيّة الشرعيّة. ولذا اختلفتا في الشرائع بحسب المصالح الموجبة لشرعهما ، كما لا يخفى. وثانيا : إنّهما لو كانتا كذلك فالشبهة فيهما فيما كان الاشتباه لعدم الدليل على إحداهما كانت حكميّة ، فإنّه لا مرجع لرفعها إلّا الشارع ، وما كانت كذلك ليست إلّا حكميّة. منه [أعلى الله مقامه].

٦

وإن كان ممّا ينتهي إليها (١) فيما لا حجّة على طهارته ولا على نجاسته ، إلّا أنّ البحث عنها ليس بمهمّ ، حيث إنّها ثابتة بلا كلام من دون حاجة إلى نقض وإبرام. بخلاف الأربعة ـ وهي البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب ـ ، فإنّها محلّ الخلاف بين الأصحاب ، ويحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل أو مقتضى عموم النقل فيها إلى مزيد بحث وبيان ومئونة حجّة وبرهان ، هذا. مع جريانها في كلّ الأبواب واختصاص تلك القاعدة ببعضها (٢) ، فافهم (٣).

__________________

(١) قوله : «وإن كان ممّا ينتهي إليه ...» مشعر بأنّ المجتهد قد ينتهي إلى غير أصل الطهارة فيما لا حجّة على طهارته ولا على نجاسته ، فإنّ المجتهد حينئذ قد ينتهي إلى قاعدة الطهارة وهو فيما إذا لم يكن للمكلّف حالة سابقة معلومة ، وقد ينتهي إلى قاعدة الاستصحاب ، وهو فيما إذا كان للمكلّف حالة سابقة معلومة.

(٢) والحاصل : أنّ مثل قاعدة الطهارة وإن كان ممّا ينتهي إليه المجتهد في مقام العمل ، فكان من المسائل الاصوليّة ، ولكن لم يتعرّضوا لها ـ بل حصروا الاصول في الأربعة ـ لوجهين :

الأوّل : أنّ مثل قاعدة الطهارة ثابتة عند الكلّ من دون خلاف فيها ، فلا تحتاج إلى النقض والإبرام ، بخلاف الاصول العمليّة ، فإنّها محلّ البحث وتحتاج إلى النقض والإبرام.

الثاني : أنّ مثل هذه القاعدة مختصّ ببعض أبواب الفقه ـ أي باب الطهارة ـ ، بخلاف الاصول الأربعة ، فإنّها عامّة لجميع أبواب الفقه.

وكان الأولى سوق العبارة هكذا : «فإنّ مثل قاعدة الطهارة ... وإن كان ما ينتهي إليه المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل ، إلّا أنّ البحث عن مثله ليس بمهمّ ، حيث كان ثابتا بلا خلاف من دون حاجة إلى النقض والإبرام. بخلاف الاصول الأربعة ... هذا. مع اختصاص مثل تلك القاعدة ببعض أبواب الفقه وجريان الاصول الأربعة في كلّ الأبواب».

(٣) لعلّه إشارة إلى ما في الوجهين :

أمّا الأوّل : فلأنّ كثيرا من القواعد الّتي ينتهي إليها المجتهد في مقام العمل يحتاج إلى النقض والإبرام ، كقاعدة الحلّيّة وقاعدة اليد وقاعدة الفراش وأمثالها ، فإنّ فيها مباحث دقيقة علميّة ، كما لا يخفى.

وأمّا الثاني : فلأنّ الكلام ليس في خصوص ما لا يجري إلّا في باب واحد أو بابين كقاعدة الطهارة وقاعدة الفراغ ، بل الكلام في أمثالها من القواعد الّتي ينتهي إليها المجتهد في مقام العمل. ولا شكّ أنّ كثيرا منها يجري في جميع أبواب الفقه ، كقاعدة لا حرج وقاعدة لا ضرر وقاعدة التقيّة وغيرها.

٧

فصل

[في أصالة البراءة]

لو شكّ في وجوب شيء أو حرمته (١) ولم تنهض حجّة عليه ، جاز شرعا

__________________

(١) لا يخفي : أنّ جمع الوجوب والحرمة في فصل وعدم عقد فصل لكلّ منهما على حدة ، وكذا جمع فقد النصّ وإجماله في عنوان عدم الحجّة إنّما هو لأجل عدم الحاجة إلى ذلك بعد الاتّحاد فيما هو الملاك وما هو العمدة من الدليل على المهمّ. واختصاص بعض شقوق المسألة بدليل أو بقول لا يوجب تخصيصه بعنوان على حدة. وأمّا ما تعارض فيه النصّان فهو خارج عن موارد الاصول العمليّة المقرّرة للشاكّ على التحقيق فيه من الترجيح أو التخيير ، كما أنّه داخل فيما لا حجّة فيه ، بناء على سقوط النصّين عن الحجّيّة. وأمّا الشبهة الموضوعيّة فلا مساس لها بالمسائل الاصوليّة ، بل فقهيّة ، فلا وجه لبيان حكمها في الاصول إلّا استطرادا ، فلا تغفل. منه [أعلى الله مقامه].

حاصل ما أفاده المصنّف في الهامش تعريض بما صنعه الشيخ الأعظم الأنصاريّ من تقسيم الشكّ في التكليف إلى أقسام ثمانية والتعرّض للبحث عن كلّ قسم مستقلّا ، فأفاد أنّ الشبهة إمّا تحريميّة أو وجوبيّة ، وعلى كلا التقديرين إمّا أن يكون منشأ الشكّ فقدان النصّ أو إجماله أو تعارض النصّين أو الامور الخارجيّة. فرائد الاصول ٢ : ١٧ ـ ١٨.

وخالفه المصنّف رحمه‌الله في المقام ، فجعل البحث عامّا لمطلق الشكّ في التكليف الجامع بين جميع الأقسام المذكورة ، إلّا فرض تعارض النصّين ، فأخرجه من هذا البحث بدعوى عدم كونه من مجاري أصالة البراءة ، بل يكون من مباحث التعادل والتراجيح ، فيرجع فيه إلى المرجّحات ، ومع فقدها يتخيّر.

واختلفت الأعلام من المعاصرين في المقام. فبعضهم وافق الشيخ الأنصاريّ وتعرّض للبحث عن كلّ قسم مستقلّا ، كالمحقّق النائينيّ في فوائد الاصول ٣ : ٣٢٨. وبعض آخر ـ

٨

وعقلا ترك الأوّل (١) وفعل الثاني (٢) ، وكان مأمونا من عقوبة مخالفته ، كان عدم نهوض الحجّة لأجل فقدان النصّ (٣) ، أو إجماله واحتماله الكراهة أو الاستحباب ، أو تعارضه فيما لم يثبت بينهما ترجيح ، بناء على التوقّف في مسألة تعارض النصّين فيما لم يكن ترجيح في البين ؛ وأمّا بناء على التخيير ـ كما هو المشهور ـ فلا مجال لأصالة البراءة وغيرها ، لمكان وجود الحجّة المعتبرة وهو أحد النصّين فيها ، كما لا يخفى.

[أدلّة جريان البراءة في الشكّ في التكليف]

[الدليل الأوّل : الكتاب]

وقد استدلّ على ذلك بالأدلّة الأربعة :

أمّا «الكتاب» : فبآيات (٤) ، أظهرها : قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ

__________________

ـ منهم وافق المصنّف رحمه‌الله ورجّح تعميم البحث لمطلق الشكّ في التكليف وتعنونه بعنوان واحد ، كالسيّدين العلمين ـ الإمام الخمينيّ والسيّد الخوئيّ ـ في أنوار الهداية ٢ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، ومصباح الاصول ٢ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣.

(٢) وهو ما شكّ في حرمته مع العلم بعدم وجوبه.

(٣) الأولى أن يقول : «فقدان الدليل».

(٤) منها : قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الاسراء / ١٥. وسيأتي البحث عن دلالتها.

ومنها : قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) الطلاق / ٧. وهذه الآية وقعت معركة الآراء ومورد النقض والإبرام بين الأعلام.

ويمكن الاستدلال بها بأحد التقريبين :

الأوّل : أنّ المراد من «الموصول» في قوله تعالى : (ما آتاها) هو التكليف ، كما أنّ المراد من قوله (آتاها) هو الإيصال والإعلام. فيكون معنى الآية : لا يكلّف الله نفسا إلّا بتكليف أعلمه الله وأوصله إلى المكلّف. ومعلوم أنّ في حال الجهل لا يكون التكليف واصلا ، فلا تكليف به.

٩

__________________

ـ الثاني : أنّ المراد من «الموصول» أعمّ من الفعل والحكم ، فيكون المراد بالإيتاء هو الإعلام بالنسبة إلى الحكم والإقدار بالنسبة إلى الفعل ، فإنّ إيتاء كلّ شيء بحسبه. ومعلوم أنّ في حال الجهل لا يكون التكليف معلما ولا مقدورا ، فلا تكليف.

وأورد عليه الشيخ الأعظم الأنصاريّ بكلا التقريبين :

أمّا الأوّل : فلأنّ في مدلول الآية محتملات ثلاثة :

أحدها : أن يكون المراد بالموصول فيها خصوص المال ـ بقرينة قوله تعالى قبل ذلك : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) ـ ؛ فيكون المعنى : لا يكلّف الله نفسا إلّا دفع ما اعطي من المال.

ثانيها : أن يكون المراد من «الموصول» نفس فعل الشيء أو تركه ـ بقرينة إيقاع التكليف عليه ـ ؛ فيكون إعطاؤه كناية عن الإقدار عليه ، وتدلّ الآية على نفي التكليف بغير المقدور.

ثالثها : أن يكون المراد من «الموصول» خصوص التكليف الشرعيّ ؛ فيكون الإيتاء بمعنى الإعلام والإيصال ، وتدلّ الآية على البراءة.

والآية الشريفة لا ظهور لها في الوجه الثالث كي تدلّ على المطلوب ، بل يكون الوجه الثاني أظهر ، لأنّ الإنفاق من الميسور داخل فيما آتاه الله تعالى.

وأمّا الثاني : فلأنّ تعلّق الفعل في الآية ـ وهو «يكلّف» ـ بالحكم يختلف عن نحو تعلّقه بالفعل ، فإنّ تعلّقه بالحكم نحو تعلّق الفعل بالمفعول المطلق ، وتعلّقه بفعل الشيء أو تركه نحو تعلّقه بالمفعول به ، ولا جامع بين المفعول به والمفعول المطلق ، فإرادتهما معا يستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، وهو ممتنع. فرائد الاصول ٢ : ٢١ ـ ٢٢.

والمحقّق النائينيّ ـ بعد ما دفع الإشكال على التقريب الثاني من استعمال اللفظ في أكثر من معنى بأنّ المراد من «الموصول» خصوص المفعول به ، ويكون ذلك شاملا للتكليف وموضوعه ، فإنّ إيتاء كلّ شيء بحسبه ، وأنّ المفعول المطلق النوعيّ والعدديّ يصحّ جعله مفعولا به بنحو من العناية ، فلا يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ـ أورد على التقريب الأوّل بأنّه لو سلّم ظهور الآية في إرادة التكليف من «الموصول» وإرادة الإعلام من «الإيتاء» فأقصى ما تدلّ عليه الآية هو أنّ المؤاخذة والعقوبة لا تحسن إلّا بعد بعث الرسل وإنزال الكتب وتبليغ الأحكام والتكليف إلى العباد ، وهذا لا ربط له لما نحن فيه من الشكّ في التكليف بعد البعث والإنزال والتبليغ. فوائد الاصول ٣ : ٣٣١ ـ ٣٣٣.

وقد حاول المحقّق العراقيّ تصحيح إرادة الجامع للفعل والحكم من الموصول بوجهين :

أحدهما : أنّ محذور استعمال اللفظ في الأكثر إنّما يلزم فيما إذا فرض إرادة ـ

١٠

__________________

ـ الخصوصيّات المزبورة من شخص الموصول ، وإلّا فبناء على استعمال الموصول في معناه الكلّي العامّ وإرادة الخصوصيّات من دوالّ أخر خارجيّة ، فلا محذور. وكذا في تعلّق الفعل بالموصول ، فإنّه يكون بنحو واحد ، وتعدّده بالتحليل إلى نحوين ـ نحو التعلّق بالمفعول به ونحو التعلّق بالمفعول المطلق ـ لا يقتضي تعدّده بالنسبة إلى الجامع الّذي هو مفاد الموصول. وعليه يكون معنى الآية : «لا يوقع الله تعالى عباده في كلفة حكم أو فعل إلّا الحكم أو الفعل الّذي آتاه المكلّف». فتدلّ الآية على البراءة.

ثانيهما : أنّ المراد من التكليف في الآية الشريفة معناه اللغويّ ـ أي الكلفة والمشقّة ـ ، لا الحكم كي يلزم منه كون نسبته إلى الحكم نسبة المفعول المطلق ، وإلّا يلزم منه اختصاص الأحكام الواقعيّة بالعالمين بها ، حيث أنّ مفاد الآية ـ حينئذ ـ نفي التكليف واقعا في حقّ الجاهل. وعليه يكون معنى الآية : «لا يوقع الله تعالى عباده في كلفة إلّا من قبل حكم أو فعل أعلمه إيّاهم وأوصله إليهم بخطابه».

ثمّ ناقش في الاستدلال بالآية بكلا التقريبين من جهات ثلاث :

الاولى : أنّ القدر المتيقّن في المراد من الموصول ـ بقرينة السياق ـ هو المال ، فلا يمكن التمسّك بإطلاقها على البراءة.

الثانية : أنّ أقصى ما تدلّ عليه الآية هو نفي الكلفة والمشقّة من قبل التكليف المجهول غير الواصل إلى المكلّف ، لا نفي الكلفة مطلقا ولو من قبل إيجاب الاحتياط ، فمفاد الآية مساوق لقاعدة قبح العقاب بلا بيان. وهذا لا يضرّ الأخباريّ القائل بالاحتياط ، إذ هو يدّعي إثبات الكلفة على المكلّف من جهة جعل إيجاب الاحتياط بمقتضى الأخبار الدالّة على وجوبه عند الشكّ.

الثالثة : أنّ مفاد الآية مفاد قوله عليه‌السلام : «إنّ الله سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا». فالإيتاء ـ بما أنّه منسوب إليه تعالى ـ عبارة عن إعلامه بالتكليف بالسبب العادي المتعارف ، وهو إعلامه من طريق الوحي إلى أنبيائه وأمرهم بتبليغ أحكامه. فعدم إعلامه في مورد كاشف عن عدم الوحي إلى أنبيائه في ذلك المورد أو عن عدم أمرهم بتبليغه. وعليه تكون الآية دالّة على نفي الكلفة عمّا لم يوصل علمه إلى العباد ، لمكان عدم الوحي وسكوت الشارع عن بيانه ، لا على نفي الكلفة عمّا لم يصل إليهم من جهة خفائه بسبب ظلم الظالمين ، فلا ترتبط بما نحن فيه. نهاية الأفكار ٣ : ٢٠١ ـ ٢٠٤.

وناقش السيّد الإمام الخمينيّ في كثير ممّا أفاده المحقّقان النائينيّ والعراقيّ. ثمّ أورد على الاستدلال بالآية على البراءة بما حاصله : أنّ التمسّك بالإطلاق إنّما هو بعد ظهور اللفظ ودلالته ، وفي مثل المقام الّذي لا يثبت ظهور للّفظ ـ حيث يحتمل إرادة المعنى الجامع ـ

١١

رَسُولاً) (١).

__________________

ـ الانتزاعيّ أو إرادة المعاني الأخر ـ لا مجال للتمسّك بإطلاق الآية والاستدلال به على البراءة. راجع أنوار الهداية (متنا وهامشا) ٢ : ٢٦ ـ ٣١.

وبالجملة : أن هذا الآية الشريفة ـ وهو إحدى العمدتين في الاستدلال بالآيات على البراءة ـ لا تدلّ على البراءة.

ومنها : قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) البقرة / ٢٨٦.

ومنها : قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) التوبة / ١١٥.

ومنها : قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) الأنفال : ٤٢.

ومنها : قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) الأنعام/ ١١٩.

هذه الآيات تعرّض لها الشيخ الأعظم الأنصاريّ في رسائله وناقش في دلالتها من وجوه. فراجع فرائد الاصول ٢ : ٢١ ـ ٢٧.

(١) الاسراء : ١٥.

وتقريب الاستدلال بوجهين :

الأوّل : أنّ بعث الرسول كناية عن بيان الأحكام للعباد وإيصالها إليهم بذكر الملزوم وإرادة اللازم. فالتعبير بالبعث ليس لأجل خصوصيّة فيه ، نظير قول القائل : «لا اصلّي حتّى يؤذّن المؤذّن» ، حيث كان مقصوده الكناية عن دخول الوقت. وعليه يكون مفاد الآية : «ما كنّا معذّبين حتّى نبيّن الأحكام للعباد ببعث الرسول إليهم لتبليغها وإيصالها» ، فتدلّ الآية على نفي العذاب بمخالفة التكليف غير الواصل إليهم. هذا ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاريّ في فرائد الاصول ٢ : ٢٢ ـ ٢٣.

الثاني : أنّ المتفاهم العرفيّ من الآية ـ بمناسبة الحكم والموضوع ـ أنّ بعث الرسل طريق إلى إيصال الأحكام إلى العباد ، فليس للبعث ـ بما هو بعث ـ دخل في نفي العذاب ، بل الملاك كلّه في نفي العذاب هو وصول الأحكام إلى العباد. فلو فرضنا أنّه تعالى بعث رسولا ، لكنّه لم يبلّغ الأحكام إلى العباد ـ لجهة من الجهات أو مصلحة من المصالح ـ يفهم العرف من الآية الشريفة نفي العذاب بالنسبة إليهم ؛ وكذا لو فرضنا أنّ الرسل بلّغوا الأحكام لكنّها لم يصل إلى العباد ، فإنّ هذا التبليغ في حكم عدم التبليغ. فإذا فحص المكلّف ولم يظفر بما يدلّ على حكم موضوع ، يكون مشمولا لقوله تعالى : (ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ،) فتدلّ الآية على البراءة. وهذا ما أفاده السيّد الإمام الخمينيّ في أنوار الهداية ٢ : ٢١ ـ ٢٢.

١٢

وفيه : أنّ نفي التعذيب قبل إتمام الحجّة ببعث الرسل لعلّه كان منّة منه تعالى على عباده ، مع استحقاقهم لذلك. ولو سلّم اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق والفعليّة لما صحّ الاستدلال بها إلّا جدلا ؛ مع وضوح منعه ، ضرورة أنّ ما شكّ في وجوبه أو حرمته ليس عنده بأعظم ممّا علم بحكمه ، وليس حال الوعيد بالعذاب فيه إلّا كالوعيد به فيه ، فافهم (١).

__________________

(١) لا يخفي : أنّه اورد على الاستدلال بالآية الشريفة من وجهين :

الوجه الأوّل : ما أفاده صاحب الفصول ، وتبعه المصنّف رحمه‌الله في المقام. وتوضيحه : أنّ محلّ النزاع بين الأخباريّين والاصوليّين هو استحقاق العذاب على ارتكاب المشتبه وعدمه ، لا فعليّة العقاب وعدمها ؛ فذهب الأخباريّ إلى استحقاق العذاب والتزم بالاحتياط ، وذهب الاصوليّ إلى عدمه والتزم بالبراءة. والآية الكريمة إنّما تتكفّل نفي فعليّة العذاب قبل إتمام الحجّة ببعث الرسل ، وأمّا نفي الاستحقاق ـ وهو مبنى البراءة ، كما كان الاستحقاق مبنى الاحتياط ـ فلا تدل عليه الآية.

نعم ، لو كان نفي الفعليّة لازما مساويا لنفي الاستحقاق يمكن الاستدلال بالآية والقول بأنّ نفي الفعليّة دليل على نفي الاستحقاق ، فتدلّ على البراءة. ولكن نفي فعليّة العذاب ليس لازما مساويا لنفي الاستحقاق ، بل يكون لازما أعمّ من نفي الاستحقاق ومن ثبوته. كيف؟ ويمكن أن يكون منشأ نفي فعليّة العذاب ـ مع ثبوت استحقاقهم له ـ هو المنّة على العباد واللطف بهم.

وبالجملة : فالآية لا تدلّ على نفي استحقاقهم للعذاب ، فلا تدلّ على البراءة.

إن قلت : إنّ الآية وإن كانت ظاهرة في نفي الفعليّة ، لا نفي الاستحقاق ، إلّا أنّه يكفى في الاستدلال بها على البراءة ، إذ الخصم ـ وهو الأخباريّ ـ يعترف بالملازمة بين الفعليّة والاستحقاق ، فينتفي أحدهما عند انتفاء الآخر ، فإذا دلّت الآية على نفي الفعليّة دلّت على نفي الاستحقاق بمقتضى الملازمة الّتي تعترف بها الخصم ، فيصحّ الاستدلال بها على البراءة. هذا الإشكال أفاده الشيخ الأنصاريّ في فرائد الاصول ٢ : ٢٣ ـ ٢٤.

قلت : أجاب المصنّف رحمه‌الله عن هذا الإشكال بقوله : «ولو سلّم اعتراف الخصم ...». وهذا يرجع إلى جوابين :

أحدهما : أنّه لو سلّم اعتراف الخصم بالملازمة بينهما لما صحّ الاستدلال بالآية أيضا ، لأنّ الاستدلال بها ـ حينئذ ـ يصير جدليّا ، فيثبت الدعوى باعتقاد الخصم المعترف بالملازمة. وأمّا نحن القائلون بنفي الملازمة فلا ينفعنا الاستدلال بها لإثبات البراءة.

١٣

__________________

ـ وثانيهما : أنّه لا نسلّم اعتراف الأخباريّين بالملازمة بينهما. كيف؟ وأنّ شبهة المعصية دون المعصية المعلومة ، ضرورة أنّ أدلّة وجوب الاحتياط في المشتبهات ليست بأقوى من أدلّة المحرّمات المعلومة ، والأخباريّ القائل باستحقاق العذاب في المعصية المعلومة لا يدّعي الملازمة بين الاستحقاق والفعليّة فيها ، لإمكان تعقّبها التوبة والشفاعة ، فكيف يدّعي الملازمة بينهما في شبهة المعصية؟!

ثمّ أورد على هذا الوجه السيّدان العلمان ـ الإمام الخمينيّ والسيّد الخوئيّ ـ :

أمّا الأوّل : فحاصل ما أفاده : أنّ كون النزاع في خصوص استحقاق العقوبة لا في فعليّتها غير مسلّم ، بل النزاع بين الاصوليّ والأخباريّ إنّما هو في لزوم الاحتياط في الشبهات وعدمه. وبعد ثبوت المؤمّن من قبل الله تعالى لا نرى بأسا في ارتكابها. فرفع العقوبة الفعليّة وحصول المؤمّن من عذاب الله يكفي في إثبات إدّعاء القائل بالبراءة من جواز ارتكاب الشبهات. أنوار الهداية ٢ : ٢٥.

وأمّا الثاني : فأفاد ما حاصله : أنّ الآية تدلّ على أنّ التعذيب قبل البيان ينافي مقامه الأرفع ، وهذا يدلّ على عدم كون العبد مستحقّا للعذاب ، وإلّا فمع فرض استحقاقه لا وجه لكونه منافيا لمقامه تعالى ، بل عدم كون التعذيب لائقا بجنابه تعالى إنّما هو لعدم استحقاق العبد له. فالآية وإن دلّت بالمطابقة على نفي فعليّة العذاب ، إلّا أنّها دلّت على نفى الاستحقاق بالالتزام. مصباح الاصول ٢ : ٢٥٦.

ويمكن أن يقال : إنّ ظاهر الآية الشريفة بعد التأمّل في الآيات المتقدّمة عليها ـ من قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الاسراء / ١٣ و ١٤ و ١٥ ـ أنّها نزلت لبيان أنّ العذاب والثواب إنّما يكونان في ما يقتضيه الموازين العقلائيّة والعدالة الإلهيّة ، وليس مقتضاها إلّا تعذيب من يستحقّ العذاب وتثويب من يستحقّ الثواب ، ولذا من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ، ولا تزر وازرة وزر اخرى ، ولا يعذّب الله بلا إقامة الحجّة وتماميّة التبليغ بإرسال الرسل وإنزال الكتب. فالآية ظاهرة في أنّ نفي العذاب في المقام ناش عن عدم الاستحقاق ، فيصحّ الاستدلال بها على البراءة.

ولعلّ قوله «فافهم» إشارة إلى ما ذكراه أو ما ذكرناه.

الوجه الثاني : ما إفادة الشيخ الأعظم الأنصاريّ وتابعة المحقّق النائينيّ. وحاصله : أنّ الآية إنّما تتكفّل بيان حال الامم السابقة بالنسبة إلى خصوص العذاب الدنيويّ ، فلا ربط ـ

١٤

__________________

ـ بما نحن فيه. وبعبارة اخرى : إنّ المراد من الآية ـ بقرينة التعبير بلفظ الماضي في قوله تعالى : (وَما كُنَّا) ـ هو الإخبار بعدم وقوع العذاب الدنيويّ في الامم السابقة إلّا بعد بعث الرسل إليهم ، فهي أجنبيّة عما نحن بصدده من نفي العذاب الاخرويّ عند عدم تماميّة البيان.

ولا يخفى : أنّه اجيب عن هذا الوجه بوجوه :

الأوّل : أنّ ما ذكره مبنيّ على كون الماضي (ما كنّا) ظاهرا في الماضي عن وقت الخطاب والتكلّم. ولكنّه خلاف ظاهر الآية ، بل هي ظاهرة في كون الماضي بلحاظ زمان بعثة الرسول وإتمام الحجّة ، ومثله لا يختصّ بالعذاب الدنيويّ ؛ كما أنّ الآية ظاهرة في بيان ما هو سنّة الله في باب العذاب من رعاية العدل وعدم العذاب قبل إتمام الحجّة بإيصال الأحكام ، وهذا لا يختصّ بقوم دون قوم ولا بعذاب دون العذاب.

هذا ما أفاده المحقّق العراقيّ. ولكن أورد على الاستدلال بالآية بأنّها لا تصلح للمقاومة مع أدلّة الأخباريّين من الروايات الآمرة بالوقوف عند الشبهة تورّعا من الاقتحام في الهلكة وتجنّبا عن الوقوع فيها ، لكون الآية مورودا بالنسبة إليها. راجع نهاية الأفكار ٣ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، مقالات الاصول ٢ : ١٥٤ ـ ١٥٥.

الثاني : أنّ مساق الآية ظاهر في أنّه سنّة الله في عباده أجمعين ، فلا وجه لدعوى اختصاصها بالامم السابقة. كما لا وجه لدعوى اختصاصها بالعذاب الدنيويّ ، لأنّه إذا كان العذاب الدنيويّ منفيّا قبل إتمام الحجّة فالعذاب الاخرويّ منفيّ بالأولويّة ، لأنّه أعظم وأدوم ، وتوقّف الأخفّ على إتمام الحجّة يقتضي توقّف الأشدّ عليه بالأولويّة. هذا ما أفاده المحقّق الاصفهانيّ في نهاية الدراية ٢ : ٤٢١.

الثالث : ما أفاده المحقّق الخوئيّ من حديث الأولويّة ـ تبعا للمحقّق الأصفهانيّ ، كما مرّ ـ وأنّ قوله تعالى : (ما كُنَّا) وإن كان فعلا ماضيا ، إلّا أنّه منسلخة عن الزمان. ويشهد على ذلك استقراء موارد استعمالها ، كقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) التوبة / ١١٥ ، وقوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران / ١٧٩ ، وقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الأنفال / ٣٢ ، إلى غير ذلك. فيكون المراد من الآية أنّ التعذيب قبل البيان لا يليق بجنابه تعالى ، فلا يبقى فرق حينئذ بين العذاب الدنيويّ والاخرويّ. مصباح الاصول ٢ : ٢٥٦.

الرابع : ما أفاده السيّد الإمام الخمينيّ. وحاصله : أنّ فعل الماضي في قوله : (ما كُنَّا) يكون بلحاظ يوم الحساب ، لا بلحاظ زمان الخطاب والتكلّم ، ولذا قال : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) الإسراء / ١٣ ، فلا وجه لاختصاص الآية بالامم السابقة. ولو سلّم أنّ موردها ـ

١٥

[الدليل الثاني : الروايات]

وأمّا «السنّة» : فروايات :

منها : حديث الرفع (١) ، حيث عدّ «ما لا يعلمون» من التسعة المرفوعة فيه (٢) ؛ فالإلزام المجهول (٣) من «ما لا يعلمون» (٤) ، فهو مرفوع فعلا وإن كان ثابتا واقعا (٥) ،

__________________

ـ تعذيب الامم السابقة ، فيفهم منها ـ ولو بمناسبة الحكم والموضوع وكيفيّة التعبير وإلقاء الخصوصيّة ـ أنّ التعذيب قبل البيان لم يقع ولا يقع أبدا. أنوار الهداية ٢ : ٢٤ ـ ٢٥.

(١) وهو المرويّ في «الخصال» و «التوحيد» بسند صحيح عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع عن امّتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما اكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة». الخصال ٢ : ٤١٧ ، التوحيد : ٣٥٣.

وهذا الحديث رواه الكلينيّ في «الكافي» مرفوعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورواه أيضا الصدوق في «الفقيه» مرسلا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع إبدالهما «رفع» ب «وضع» واختلاف يسير في ترتيب بعض الكلمات. راجع الكافي ٢ : ٤٦٣ ، باب رفع عن الامّة من كتاب الإيمان والكفر ، الحديث ٢ ؛ ومن لا يحضره الفقيه ١ : ٥٩ ، الحديث ١٣٢.

ورواه في «الوسائل» بأسانيد مختلفة. فراجع وسائل الشيعة ٤ : ١٢٨٤ ، الباب ٣٧ من أبواب قواطع الصلاة وما يجوز فيها ؛ و ١١ : ٢٩٥ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ١ و ٣ ؛ و ١٦ : ١٤٤ ، الباب ١٦ من أبواب كتاب الإيمان ، الأحاديث ٣ و ٤ و ٥ و ٦.

ولا يخفى : أنّ اشتهار الحديث بين الأصحاب واعتمادهم عليه يغني عن التكلّم في سنده ، مع أنّه إمّا صحيح وإمّا معتبر. وتفصيل الكلام في سنده تطويل بلا طائل.

(٢) أي : في حديث الرفع.

(٣) أي : الإيجاب أو التحريم المجهول.

(٤) بناء على إرادة الحكم من الموصول في «ما لا يعلمون».

(٥) أي : الإيجاب أو التحريم الواقعيّ المجهول مرفوع عن المكلّف في مرحلة الجهل ظاهرا مع الالتزام بثبوته الواقعيّ. فالمصنّف جعل الرفع متعلّقا بنفس الحكم الواقعيّ في مرحلة الجهل والشكّ رفعا ظاهريّا ، مع أنّه التزم بثبوته الواقعيّ. ثمّ أفاد أنّ مقتضى رفع الواقع في ظرف الجهل هو رفع إيجاب الاحتياط.

بخلاف الشيخ الأعظم الأنصاريّ ، فإنّه التزم بتعلّق الرفع رأسا وحقيقة بإيجاب الاحتياط ، فقال : «والحاصل أنّ المرتفع في (ما لا يعلمون) وأشباهه ممّا لا يشملها أدلّة ـ

١٦

فلا مؤاخذة عليه قطعا (١).

__________________

ـ التكليف هو إيجاب التحفّظ على وجه لا يقع في مخالفة الحرام الواقعيّ». فرائد الاصول ٢ : ٣٤.

ويمكن أن يقال : أنّ الرفع في (ما لا يعلمون) تعلّق بالحكم الواقعيّ رفعا واقعيّا كالرفع في سائر الفقرات في الحديث ، بمعنى أنّ الحكم الواقعيّ ثابت للمكلّف واقعا في ظرف العلم به ، ومرفوع عنه واقعا في ظرف الجهل به ، سواء قلنا بأنّ المنشأ بحديث الرفع هو جعل الحلّيّة الظاهريّة فيكون الرفع كناية عن جعل الحلّيّة في هذا الظرف ـ كما هو ظاهر الحديث ـ أو قلنا بأنّ المنشأ رفع الحكم الواقعيّ فقط.

(١) لا يخفي : أنّ المصنّف رحمه‌الله قال : «فلا مؤاخذة عليه قطعا» ولم يقل : «فيرفع المؤاخذة عليه قطعا».

ولعلّه إشارة إلى أنّ المؤاخذة مرتفعة بارتفاع موضوعها عقلا ، فإنّ موضوعها هو إيجاب الاحتياط الّذي يكون أثر ثبوت الحكم الواقعيّ ، فإذا رفع الحكم الواقعيّ ـ ظاهرا في ظرف الجهل به ـ يرفع إيجاب الاحتياط ، وإذا رفع إيجاب الاحتياط ترتفع المؤاخذة لأجل ارتفاع موضوعها.

وعليه فلا مجال للإشكال الآتي ـ من أنّ المؤاخذة ليست من الآثار الشرعيّة كي ترتفع شرعا برفع الحكم الواقعيّ المجهول ظاهرا ـ ، لأنّ المدّعى ـ حينئذ ـ ليس كون المؤاخذة أثرا شرعيّا ، بل المدّعى أنّها أثر شرعيّ لإيجاب الاحتياط المترتّب على فعليّة التكليف وثبوته في الواقع ، فترتفع عقلا بارتفاع إيجاب الاحتياط المترتّب على عدم فعليّة التكليف.

نعم ، يمكن أن يقال : فعليه تكون المؤاخذة أثرا عقليّا لإيجاب الاحتياط كما يكون رفعها أثرا عقليّا لرفعه ؛ فلا تكون من آثار التكليف المجهول ، لا من آثاره الشرعيّة ولا من آثاره العقليّة ؛ فلا يكاد ترتفع عقلا بارتفاع التكليف الواقعيّ المجهول ظاهرا ، كما لا يكاد ترتفع شرعا بارتفاعه كذلك ، فلا دلالة لحديث الرفع على ارتفاعها.

فأجاب عنه المصنّف رحمه‌الله بقوله : «فإنّه يقال». وتوضيحه : أنّ المؤاخذة وإن لم تكن أثرا شرعيّا لثبوت التكليف الواقعيّ المجهول ولا اثرا عقليّا له بلا واسطة ، فلا يكون رفعها أثرا شرعيّا لرفعه ، ولا أثرا عقليّا له بلا واسطة ، كي يكون الدليل على رفعه دليلا على رفعها ، إلّا أنّها من آثاره العقليّة مع وساطة إيجاب الاحتياط ، وهو يستتبع استحقاق المؤاخذة على مخالفته ، وترتفع بارتفاع إيجاب الاحتياط الّذي يرتفع برفع التكليف الواقعيّ المجهول في ظرف الجهل ، فكما أنّ استحقاق المؤاخذة مترتّب على فعليّة التكليف الواقعيّ في ظرف الجهل كذلك عدم استحقاقها مترتّب على عدم إيجابه المترتّب على رفع التكليف الواقعيّ في ظرف الجهل ، فيكون رفع المؤاخذة من الآثار العقليّة لرفع إيجاب الاحتياط بلا واسطة ، ومن الآثار العقليّة لرفع التكليف الواقعيّ بالواسطة ، كما أنّ الدليل على رفع التكليف دليل على رفع إيجاب الاحتياط بلا واسطة ودليل على رفع المؤاخذة بالواسطة.

١٧

لا يقال : ليست المؤاخذة من الآثار الشرعيّة ، كي ترتفع بارتفاع التكليف المجهول ظاهرا (١) ، فلا دلالة له على ارتفاعها (٢).

فإنّه يقال : إنّها وإن لم تكن بنفسها أثرا شرعيّا ، إلّا أنّها ممّا يترتّب عليه (٣) بتوسيط ما هو أثره (٤) وباقتضائه (٥) من إيجاب الاحتياط شرعا ، فالدليل على رفعه (٦) دليل على عدم إيجابه (٧) المستتبع لعدم استحقاق العقوبة على مخالفته (٨).

لا يقال : لا يكاد يكون إيجابه مستتبعا لاستحقاقها على مخالفة التكليف المجهول ، بل على مخالفة نفسه (٩) ، كما هو قضيّة إيجاب غيره (١٠).

__________________

(١) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «كي ترتفع برفع التكليف المجهول ظاهرا».

(٢) مع أنّ ارتفاعها وعدم استحقاقها بمخالفة التكليف المجهول هو المهمّ في المقام.

والتحقيق في الجواب أنّه يقال ـ مضافا إلى ما قلناه ـ : إنّ الاستحقاق وإن كان أثرا عقليّا ، إلّا أنّ عدم الاستحقاق عقلا مترتّب على عدم التكليف شرعا ولو ظاهرا ، تأمّل تعرف. منه [أعلى الله مقامه].

(٣ ـ ٤) الضميران يرجعان إلى ثبوت التكليف الواقعيّ المجهول واقعا.

(٥) أي : وبتوسيط ما هو اقتضاء ثبوت التكليف الواقعيّ.

(٦) أي : رفع التكليف الواقعيّ المجهول ظاهرا.

(٧) أي : عدم إيجاب الاحتياط.

(٨) والحاصل : أنّ ارتفاع المؤاخذة أثر عقليّ لرفع التكليف بواسطة ارتفاع إيجاب الاحتياط المترتّب على رفع التكليف الواقعيّ في ظرف الجهل.

وقد مرّ توضيح الجواب آنفا.

وكان الأولى ـ على ما ذكرناه توضيحا للإشكال والجواب عنه ـ سوق العبارة هكذا : «لا يقال : ليست المؤاخذة من الآثار الشرعيّة للتكليف ولا من الآثار العقليّة له ، كي ترتفع برفعه ظاهرا ، فلا دلالة لحديث الرفع على ارتفاعها. فإنّه يقال : إنّها وإن لم تكن من آثاره الشرعيّة ولا من آثاره العقليّة بلا واسطة ، إلّا أنّها من الآثار العقليّة المترتّبة عليه بتوسيط ما يترتّب عليه من إيجاب الاحتياط شرعا ، فالدليل على رفعه دليل على عدم إيجاب الاحتياط بلا واسطة وعلى رفع المؤاخذة بواسطته».

(٩) وفي بعض النسخ : «على مخالفته نفسه».

(١٠) توضيح الإشكال : أنّ رفع إيجاب الاحتياط إنّما يوجب رفع المؤاخذة على نفس إيجاب ـ

١٨

فإنّه يقال : هذا إذا لم يكن إيجابه (١) طريقيّا ، وإلّا فهو (٢) موجب لاستحقاق العقوبة على المجهول ، كما هو الحال في غيره من الإيجاب والتحريم الطريقيّين ، ضرورة أنّه كما يصحّ أن يحتجّ بهما (٣) صحّ أن يحتجّ به ويقال : «لم أقدمت مع إيجابه؟» ، ويخرج به عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان كما يخرج بهما.

وقد انقدح بذلك : أنّ رفع التكليف المجهول كان منّة على الامّة حيث كان له تعالى وضعه بما هو قضيّته من إيجاب الاحتياط ، فرفعه (٤) ،

__________________

ـ الاحتياط ، ولا يوجب رفع المؤاخذة على التكليف الواقعيّ المجهول. وذلك لأنّ هنا حكمين : (أحدهما) التكليف الواقعيّ المجهول. و (ثانيهما) وجوب الاحتياط في ظرف الجهل بالحكم الواقعيّ. ولمّا كانت المؤاخذة معلولا لوجوب الاحتياط فكان رفع وجوبه علّة لارتفاع المؤاخذة على نفس وجوب الاحتياط ، لا لارتفاع المؤاخذة على التكليف الواقعيّ المجهول. فلا يكون رفع وجوب الاحتياط دليلا على رفع المؤاخذة على التكليف الواقعيّ. وإذن فلا يصحّ مخالفة التكليف الواقعيّ المجهول.

(١) أي : إيجاب الاحتياط.

(٢) الضمير يرجع إلى إيجاب الاحتياط. والأولى أن يقول : «هذا إذا كان إيجابه نفسيّا ، وإلّا فهو ...» أي : عدم كون إيجاب الاحتياط مستتبعا لاستحقاق المؤاخذة على مخالفة التكليف الواقعيّ المجهول موجّه فيما إذا كان إيجاب الاحتياط نفسيّا ، فيقال بثبوت المؤاخذة على مخالفة نفسه. وأمّا إذا لم يكن إيجابه نفسيّا بل كان طريقيّا ـ كما هو الحقّ ـ فإيجابه إنّما يوجب استحقاق المؤاخذة على التكليف الواقعيّ المجهول ، لا على مخالفة نفسه ، إذ الوجوب الطريقيّ تابع للواقع ولا يترتّب عليه غير ما يترتّب على موافقة الواقع ومخالفته.

ولا يخفى عليك : أنّ كون إيجابه طريقيّا ـ بمعنى إيجابه لأصل التحفّظ على الواقع وعدم الوقوع في مخالفة الحرام أو الوجوب ـ لا يخلو من الإشكال. وذلك لما مرّ من أنّ الاصول العمليّة ليست إلّا قواعد فقهيّة ووظائف فعليّة مجعولة تثبت للموضوعات بعد عدم الظفر بما يدلّ على ما يصدر لها من الحكم ابتداء ، لا الدليل الظنيّ ولا الدليل القطعيّ ، فوجوب الاحتياط حكم فعليّ ثبت لمن تتبّع عن حكم موضوع ولم يظفر بدليل عليه ، بحيث ليست وظيفته الفعليّة الحقيقيّة في الحال إلّا الاحتياط.

(٣) بأن يقول المولى : «لم ما طهرت حتّى تصلّي؟» أو يقول : «لم ألقيت نفسك من السطح حتّى تقتل؟».

(٤) أي : أنّ الحكم الواقعيّ يقتضي إيجاب الاحتياط في ظرف الجهل ، فإيجاب الاحتياط ـ

١٩

فافهم (١).

ثمّ لا يخفى عدم الحاجة إلى تقدير «المؤاخذة» ولا غيرها من الآثار الشرعيّة في «ما لا يعلمون» (٢) ، فإنّ ما لا يعلم من التكليف مطلقا ـ كان في الشبهة الحكميّة

__________________

ـ من آثار التكليف الواقعيّ في ظرف الجهل به ، وكان له تعالى وضع التكليف الواقعيّ المجهول على العباد بوضع ما يقتضيه من إيجاب الاحتياط ، فرفع التكليف الواقعيّ المجهول برفع مقتضاه ـ أي رفع إيجاب الاحتياط ـ ، وهذا منّة منه على العباد.

(١) لعلّه إشارة إلى ما أفاده المحقّق الاصفهانيّ. وحاصله : أنّ إيجاب الاحتياط ليس من مقتضيات التكليف الواقعيّ وآثاره ، لا بمعنى المسبّب بالإضافة إلى سببه ، لأنّ السبب الفاعليّ لكلّ حكم هو الحاكم ، ولا بمعنى ذي الغاية بالإضافة إلى الغاية الداعية إليه ، لأنّ التكليف الواقعيّ المجهول ليس من الفوائد المترتّبة على إيجاب الاحتياط كي يكون اقتضائه له بهذا النحو من الاقتضاء ، ولا بمعنى مطلق الأثر المترتّب الشامل للحكم بالإضافة إلى موضوعه ، لأنّ إيجاب الاحتياط ليس حكما متعلّقا بالتكليف الواقعيّ المجهول. بل المعقول أنّ الغرض الباعث على التكليف كما يدعو إلى جعل التكليف كذلك يدعو إلى إيصاله بإيجاب الاحتياط الواصل المبلّغ له إلى مرتبة الفعليّة والتنجّز ، فكلا الإيجابين من مقتضيات الموضوع ، لأنّ أحدهما من مقتضيات الآخر. نهاية الدراية ٢ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥.

ويمكن أن يقال : إنّ إيجاب الاحتياط ليس من مقتضيات التكليف الواقعيّ المجهول ، بل هو الحكم الثابت للمكلّف حال عدم الظفر بدليل عليه ، كما أنّ الحكم الظّنيّ هو وظيفته بعد الظفر بالدليل الظّنيّ عليه. فليس أحدهما من آثار الآخر ، بل كلاهما من مقتضيات الجهل بالحكم الواقعيّ.

(٢) هذا تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ. وتوضيحه يبتني على بيان ما أفاده الشيخ أوّلا ، وتوضيح تعريض المصنّف رحمه‌الله به ثانيا.

أمّا ما أفاده الشيخ : فحاصله : أنّ الظاهر من الموصول في : «ما لا يعلمون» ـ بقرينة وحدة السياق ـ هو الموضوع والفعل الصادر من المكلّف في الخارج ، فإنّ المراد من الموصول في سائر الفقرات هو الفعل الّذي لا يطيقون أو يكرهون عليه أو يضطرّون إليه ، ضرورة أنّه لا معنى لتعلّق الإكراه والاضطرار بالحكم ، فيكون المراد من الموصول في «ما لا يعلمون» هو الفعل الصادر منه الّذي لا يعلم عنوانه ، كما إذا شرب مائعا ولا يعلم أنّه شرب خمرا أو شرب ماء. وإذا اسند الرفع ـ بقرينة وحدة السياق ـ إلى الفعل الخارجيّ الصادر من المكلّف فلا محيص عن التقدير ، لعدم صحّة إسناد الرفع التشريعيّ إلى الفعل الخارجيّ التكوينيّ ، فإنّ الرفع إنّما يتعلّق بما كان رفعه ووضعه بيد الشارع ، والفعل الخارجيّ التكوينيّ ليس كذلك. ـ

٢٠