كفاية الأصول - ج ١

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]

كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد كاظم الخراساني [ الآخوند ]


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٦
ISBN: 978-964-470-184-9
الصفحات: ٢٩٦

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله المطهّرين المنتجبين ، سيّما خاتم الأوصياء المنتظر الإمام الثاني عشر الحجّة ابن الحسن صلوات الله عليهم أجمعين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

لا يخفى على ذوي البصائر أنّ انفتاح باب الاجتهاد في الفقه عند مذهب أهل البيت عليهم‌السلام أعطى فرصة طيّبة لنموّ حركة الاجتهاد ونموّ العلوم المرتبطة بهذه الحركة وعلى رأسها علم «اصول الفقه» الّذي به يقتدر الفقيه على استخراج واستنباط أحكام الله تعالى.

وبديهيّ أنّه كلّما ابتعدنا عن زمن الوحي والتشريع وكلّما تطوّرت الحياة وكثرت الموارد والمواضيع يظهر ـ أكثر فأكثر ـ أنّ هذا العلم له دور فعّال في تعريف واستنباط الأحكام الشرعية وحلّ القضايا المستحدثة على ضوء الكتاب المبين وسنّة المعصومين عليهم‌السلام ولذلك نرى تطوّر هذا العلم في القرون ـ ولا سيّما في العشرات ـ الأخيرة بشكل اختلف كمّية وكيفية عمّا كان عليه في الأزمنة السالفة ، وظهر بعض المصطلحات الّذي لم يكن في تلك الأعصار.

ولا يخفى أنّ هذا التحوّل كان بتوفيق من الله سبحانه حيث هيّأ رجالا وسدّدهم فعمّقوا أبحاث هذا العلم وأحكموا قواعده ووضعوا اصوله على اسس

٣

متينة ورصينة واكتشفوا آفاقا جديدة منه إلى أن انتهى الدور إلى الشيخ مرتضى الأنصاري (المتوفّى سنة ١٢٨١ ه‍) فحرّر من مباني الاصول وأحكم قواعدها فأبدع وأعجب ، وأحرز مقام القيادة الكبرى لركب المحقّقين طول المسير ولا يزال يرجع كلّ تحقيق إلى ما حقّقه هذا المضطلع العظيم.

ومن هذه المدرسة الكبرى تخرّجت المئات من عباقرة العلم والفقاهة كان من أبرزهم وأشهرهم الاصوليّ الخبير والمدقّق النحرير الشيخ محمّد كاظم المعروف ب «الآخوند الخراساني» قدّس الله نفسه الزكية ، الّذي زاد تحقيقا وتدقيقا في أساليب الاستنباط ومناهج الاجتهاد ، ويمكن القول حقّا أنّه رفع راية هذه المدرسة الاصولية ومدّها بعلومه وتحقيقاته وتدريسه وتأليفه.

ومن جملة ما صنّفه قدس‌سره كتابه الموسوم ب «كفاية الاصول» الّذي عليه مدار التدريس في مرحلة السطوح العليا في حوزاتنا العلمية المباركة.

وقد قمنا ـ والحمد لله ـ قبل أكثر من عقد بتحقيقه وتقويم نصوصه واستخراج منابعه مع مقابلته مع عدّة نسخ مخطوطة ومطبوعة.

وأخيرا وفّق صاحب الفضيلة الاستاذ الشيخ عبّاس عليّ الزارعيّ السبزواريّ بتحقيقه واستخراج منابعه والتعليق عليه بعد مقابلته مع عدّة نسخ مخطوطة ومطبوعة.

وارتأينا طبعه ونشره خدمة للعلم وروّاده ، سائلين الباري عزّ شأنه أن يتغمّد الشيخ المؤلّف برحمته وأن يوفّقنا والشيخ المحقّق لخدمة علوم آل محمّد عليهم‌السلام إنّه خير موفّق ومعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

مؤسّسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

٤

مقدّمة المحقّق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد ابن عبد الله الأمين وعلى آله الطاهرين والمنتجبين.

قبل الخوض في مباحث الكتاب ينبغي تقديم مقدّمة ، وفيها ثلاثة فصول :

الأوّل

علم الاصول وتطوّره التأريخيّ

ويمكن أن يقسّم تأريخ علم الاصول إلى ثلاثة أدوار :

(الدور الأوّل) دور التأسيس :

لا شكّ أنّ علم الاصول من العلوم الّتي ابدع بعد عصر التشريع ، فإنّ في عصر التشريع كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرجعا وحيدا في بيان الأحكام الشرعيّة ، وكان الصحابة يتعلّمون الأحكام من ساحته المباركة ويرجعون إليه في حلّ مشاكلهم العلميّة والعمليّة.

وأمّا بعد التشريع فالعامّة فقدوا مصدر التشريع فاضطرّوا للاعتماد على مصدر آخر لحلّ ما يبدو من التعارضات بين بعض الأحكام والجواب عن بعض

٥

المستحدثات في الأنام. فبدءوا بتطبيق بعض القواعد الاصولية.

وأمّا الشيعة الإماميّة فإنّهم كانوا في غنى عن استعمال القواعد الاصوليّة إلى بداية عصر الغيبة الكبرى (سنة ٣٢٩ ه‍). وذلك لاعتقادهم بأنّ الإمام المعصوم هو المرجع الوحيد بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيان الأحكام وتفسير القرآن والسّنة.

وعليه ، فالعامّة أسبق من الإماميّة في مجال التطبيق والاستناد. وإنّما الكلام في من سبق على غيره في إبداع علم الاصول وتأسيسه. والتحقيق أنّ أوّل من أسّس هذا العلم وفتح بابه ورسّخ قواعده ـ تعليما لمن يدرك عصر الغيبة ـ هو الإمام الهمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام ، ثمّ ابنه الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق عليه‌السلام. قال العلّامة السيّد حسن الصدر في كتاب «تأسيس الشيعة» : أوّل من أسّس اصول الفقه وفتح بابه وفتق مسائله الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام ، ثمّ بعده ابنه الإمام أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام. وقد أمليا أصحابهما قواعده ، وجمعوا من ذلك مسائل رتّبها المتأخّرون على ترتيب المصنّفين فيه بروايات مسندة إليهما (١).

(الدور الثاني) دور التدوين :

اعلم أنّ علم الاصول وإن اسّس في عصر الإمامين الصادقين عليهما‌السلام ولكنّه لم يكن مدوّنا. وفي أوّل من قام بتدوينه خلاف.

قال السيوطيّ في محكيّ كتاب «الأوائل» : أوّل من صنّف في اصول الفقه الإمام الشافعي (٢). وصرّح بذلك أيضا صاحب «كشف الظنون» (٣).

وقيل : يحتمل أن يكون أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم الّذي كان سابقا على الشافعيّ. قال ابن خلّكان : هو أوّل من وضع الكتاب في اصول الفقه على مذهب [استاذه] أبي حنيفة (٤).

__________________

(١) تأسيس الشيعة : ٣١٠.

(٢) الوسائل في مسامرة الأوائل : ١٠٣.

(٣) كشف الظنون ١ : ١١١.

(٤) تأريخ ابن خلّكان ٢ : ٤٦٣.

٦

وقيل : يحتمل أن يكون محمّد بن الحسن الشيباني فقيه العراق ، فإنّه توفّي سنة ١٨٢ ه‍ أو ١٨٩ ه‍ ، والشافعيّ مات في سنة ٢٠٤ ه‍. وقد صرّح ابن النديم في «الفهرست» بأنّ للشيباني تأليفا سمّي : «اصول الفقه» (١).

ولكنّ التحقيق ـ كما في كتاب «تأسيس الشيعة» (٢) ـ أنّ أوّل من صنّف في بعض مسائل علم الاصول هشام بن الحكم المتوفّى سنة ١٧٩ ه‍ ، تلميذ الإمام الصادق عليه‌السلام ، صنّف كتاب «الألفاظ ومباحثها». ثمّ يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين تلميذ الإمام الكاظم عليه‌السلام ، صنّف كتاب «اختلاف الحديث ومسائله».

(الدور الثالث) دور الاستناد :

ثمّ جاء الدور الثالث ، وهو دور الاستناد إلى قواعد اصول الفقه في مقام الاستنباط. وهذا الدور لا يتقدّم على عصر الغيبة الكبرى.

وأوّل من استند إلى القواعد الاصوليّة واعتمد عليها في استنباط الأحكام الشرعيّة الشيخ الجليل الحسن بن عليّ بن أبي عقيل صاحب كتاب «المستمسك بحبل آل الرسول» وهو من مشايخ جعفر بن محمّد بن قولويه. وهو أوّل من هذّب الفقه واستعمل النظر وفتق باب البحث عن الاصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى.

ثمّ اقتفى اثره ابن الجنيد المعروف بالإسكافيّ ، وهو استاذ الشيخ المفيد.

ثمّ وصل الدور إلى محمّد بن محمّد بن نعمان بن عبد السلام ، المعروف ب «الشيخ المفيد». فألّف كتاب «التذكرة باصول الفقه» ، واعتمد على الاصول في استنباط الأحكام.

ثمّ انتقل الدور إلى تلامذة الشيخ المفيد :

منهم : السيّد الأجلّ السيّد المرتضى الملقّب ب «علم الهدى» ، المتوفّى سنة ٤٣٦ ه‍ ، صنّف كتاب «الذريعة إلى اصول الشريعة».

__________________

(١) الفهرست : ٢٨٥.

(٢) تأسيس : ٣١٠.

٧

ومنهم : شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيّ ، المتوفّى سنة ٤٦٠ ه‍ ، صنّف كتاب «العدّة في اصول الفقه».

ومنهم : سلّار بن عبد العزيز الديلميّ ، المتوفّى سنة ٤٦٣ ه‍ ، صنّف كتاب «التقريب».

وبعد الشيخ الطوسيّ توقّف سير البحث عن نظريّات السابقين ونقدها. وذلك لحسن ظنّ تلامذة الشيخ بما استنبطه وأفتى به في كتبه. واستمرّت هذه الحالة مدّة تقرب من قرن إلى أن وصلت إلى ابن إدريس الحلّي ، المتوفّى سنة ٥٩٨ ه‍ ، فأقام مجلس البحث والنقد ، وألّف في الفقه الاستدلالي كتاب «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى».

وبعد ابن إدريس وصل الدور إلى المحقّق الحلّيّ ، صاحب «شرائع الإسلام» المتوفّى سنة ٦٧٦ ه‍. فألّف في اصول الفقه كتاب «نهج الوصول إلى معرفة الاصول» و «معارج الوصول إلى علم الاصول».

وبعده وصل الدور إلى العلّامة على الإطلاق أبي منصور جمال الدين الحسن ابن يوسف بن عليّ بن مطهّر الحلّي ، المتوفّى سنة ٧٢٦ ه‍. فالعلّامة بعد الدقّة والنظر في كتب القوم ألّف كتبا قيّمة في علم الاصول. منها : «غاية الوصول في شرح مختصر الاصول» و «النكت البديعة في تحرير الذريعة» و «تهذيب طريق الوصول إلى علم الاصول» و «مبادئ الوصول إلى علم الاصول».

وهذه الكتب صارت محطّ أنظار العلماء ومدار البحث والتحقيق إلى زمان الشهيد الثاني ، المتوفّى سنة ٩٦٥ ه‍.

وقد ألّف الشهيد الثاني كتابا سمّاه «تمهيد القواعد».

ثمّ ألّف ابن الشهيد الثانيّ أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين ـ المتوفّى سنة ١٠١١ ه‍ ـ كتابا سمّاه «معالم الدين». وهذا الكتاب صار مدار البحث والدرس بين الأكابر ، فأقبلوا عليه بالتحشية والتعليق والشرح.

وفي القرن الثالث عشر بلغت العناية بعلم الاصول مرتبة اتّصفت بالإطناب

٨

والتطويل. فألّفوا كتبا مفصّلة ومبسوطة في علم الاصول. منها : «هداية المسترشدين» للشيخ محمّد تقي الاصفهانيّ ، «قوانين الاصول» للمحقّق القمّي المتوفّى سنة ١٢٣١ ه‍ ، و «الفصول الغرويّة» للشيخ محمّد حسين الاصفهانيّ المتوفّى سنة ١٢٦١ ه‍ ، و «فرائد الأصول» للشيخ الأعظم الأنصاري المتوفّى سنة ١٢٨١ ه‍.

وشرع الدور الآخر من زمان العلّامة الاصولي المحقّق الشيخ محمّد كاظم الخراسانيّ ـ ستأتي نبذة من حياته لا حقا ـ ، فإنّه بادر إلى تنقيح الاصول وتحريرها عن الفضول ، ورتّبها على وجه أنيق ، وألّف كتاب «كفاية الاصول» الذي هو الآن بين يدي القارئ الكريم ، وصار هذا الكتاب من الكتب الاصولية المتداولة عند دارسي العلوم في الحوزات العلميّة وغيرها ، بل صار محطّ أنظار الأساتذة وأهل العلم والتحقيق.

وبعد انتهاء دور المحقّق الخراسانيّ انتقل الدور إلى تلامذته ، لا سيّما العلمين : ١ ـ المحقّق الشيخ محمّد حسين الأصفهانيّ ، المتوفّى سنة ١٣٦١ ه‍.

٢ ـ المحقّق الشيخ ضياء الدين العراقيّ ، المتوفي سنة ١٣٦١ ه‍.

فهؤلاء الأعلام قد انكبّوا على تهذيب علم الاصول وتعميقه ، فتخرّج من معهد بحثهم ومجلس درسهم كثير من العلماء والمجتهدين.

الفصل الثاني

حياة المحقّق الآخوند الخراسانيّ

١ ـ نسبه ومولده :

هو الشيخ محمّد كاظم ابن المولى حسين الهرويّ الخراسانيّ ، المعروف ب «الآخوند الخراسانيّ».

ولد الشيخ «الآخوند الخراسانيّ» عام ١٢٥٥ ه‍ في مدينة مشهد المقدّسة ،

٩

وفتح عينيه في أحضان عائلته ، دأبت على تربيته والقيام بشئونه ، خاصّة والده المحبّ للعلم والعلماء.

٢ ـ نشأته العلميّة :

أقبل الآخوند الخراسانيّ ـ وهو أصغر إخوته الأربعة ـ على دراسة العلوم الدينيّة وتحصيل المعارف الإسلاميّة وهو في الحادية عشرة من عمره. فابتدأ في دراسة المقدّمات بمشهد خراسان ثمّ توجّه إلى الحوزة العلميّة بالنجف الأشرف في شهر رجب من عام ١٢٧٧ه‍.

وخلال توجّهه إلى النجف مرّ على مدينة «سبزوار» فاغتنم الفرصة وحضر في مجلس درس الحكيم المتألّه والفيلسوف الإسلاميّ المولى هادي السبزواريّ رحمه‌الله ، إلّا أنّ هذا الحضور كان قصيرا. ثمّ توجّه بكلّ شوق إلى طهران ليسافر منها إلى النجف الأشرف. وبعد وصوله لطهران اضطرّ إلى البقاء فيها قريب من أربعة عشر شهرا ، وذلك لنفاد نفقته دون أن تشتاق نفسه إلى البقاء فيها. ولم يفوته طول مكثه في طهران الاستفادة من الحكيم المتألّه ميرزا أبو الحسن جلوه والمولى حسين الخوئيّ.

وفي أواخر سنة ١٢٧٨ ه‍ توجّه إلى النجف الأشرف التي كانت مطمح نظره في بداية سفره من خراسان.

وبعد أن وصل النجف الأشرف حضر درس الشيخ الأعظم الأنصاريّ في الفقه والاصول ، واستفاد منه مدّة عامين حتّى توفّى الشيخ عام ١٢٨١ ه‍.

ثمّ تتلمذ على يد السيّد عليّ الشوشتريّ. ومنذ ذلك الوقت تتلمذ على الميرزا محمّد حسن المجدّد الشيرازي والعلّامة الشيخ راضي.

٣ ـ عطاؤه العلميّ :

وبعد ما تتلمذ على أيدي أكابر العلماء واستفاد من محضرهم غاية الاستفادة وأحاط بعلم الاصول والفقه إحاطة تامّة تربّع على كرسيّ التدريس ، فألقى

١٠

الدروس العليا في الفقه والاصول ، وقد حضر مجلس درسه ما بين ١٢٠٠ إلى ٢٢٠٠ ، فيهم ما يقرب من ٣٠٠ إلى ٤٠٠ مجتهد مسلّم الاجتهاد.

وكان من خصائص مدرسته طرح أفكاره الجديدة وآرائه المتميّزة ، وحسن التقرير ، وقوّة البيان ، واستحكام الأدلّة ، ونقد الآراء القديمة بأساليب جديدة.

ويكفيكم من عظمة دروسه أنّه تخرّج عليه ثلّة كبيرة من العلماء والمجتهدين ، تسنّم أكثرهم سدّة المرجعيّة في العهود اللاحقة ، بل وتتلمذ عليهم كثير من الفقهاء والمراجع من المعاصرين.

٤ ـ تلاميذه :

وتتلمذ عليه عدد كبير من الطلبة والفضلاء حتّى صار مجلس درسه من أعظم الدروس قلّ نظيره منذ عهد الإمام الصادق عليه‌السلام. ومن أبرز تلاميذه ـ الذين كانوا أصحاب آراء قويّة وتتلمذ عليهم كثير من الفقهاء المعاصرين ـ ما يلي :

١ ـ الشيخ محمّد حسين الأصفهانيّ.

٢ ـ الشيخ ضياء الدين العراقيّ.

٣ ـ السيّد أبو الحسن الاصفهانيّ.

٤ ـ الميرزا أبو الحسن المشكينيّ.

٥ ـ الشيخ علي القوچانيّ.

٦ ـ الحاج آغا حسين الطباطبائي البروجرديّ.

٧ ـ الشيخ عبد الحسين الرشتيّ.

٨ ـ الشيخ محمّد علي الشاه آباديّ.

٩ ـ الشيخ العلّامة صالح المازندرانيّ.

١١

٥ ـ مؤلّفاته :

وقد ألّف الشيخ الآخوند الخراساني في علم الاصول وعلم الفقه تأليفات قيّمة ، تمتاز عن سابقيها بالدقّة والعمق ورصانة التعبير والابتعاد عن الزوائد في الألفاظ والمطالب ، وهي ما يلي :

١ ـ حاشية على رسائل الشيخ الأنصاري.

٢ ـ فوائد الاصول.

٣ ـ رسالة حواشي الظنّ.

٤ ـ رسالة حواشي القطع.

٥ ـ رسالة حواشي الاستصحاب.

٦ ـ كفاية الاصول ـ وهو هذا الكتاب الذي بين يديك ـ.

٧ ـ رسالة في المشتقّ.

٨ ـ حاشية على المكاسب.

٩ ـ شرح على التبصرة.

١٠ ـ تكملة التبصرة.

١١ ـ اللمعات النيّرة في شرح تكملة التبصرة.

١٢ ـ رسالة في الوقف.

١٣ ـ رسالة في الرضاع.

١٤ ـ رسالة في الدماء الثلاثة.

١٥ ـ رسائل في الطلاق والإجارة والعدالة والرهن.

١٦ ـ كتاب في القضاء والشهادات.

١٧ ـ روح الحياة.

١٨ ـ ذخيرة العباد ليوم المعاد.

١٩ ـ حاشية على الأسفار.

٢٠ ـ حاشية على منظومة السبزواري.

١٢

٦ ـ وفاته رحمه‌الله :

توفّي الشيخ الآخوند الخراسانيّ صباح يوم الثلاثاء في العشرين من شهر ذي الحجّة عام ١٣٢٩ ه‍ على سجّادة صلاته.

٧ ـ شيء حول كتاب «كفاية الاصول» :

كتاب «كفاية الاصول» أحد من الكتب الاصوليّة القيّمة الّذي عليه مدار التدريس في مرحلة السطوح العليا في حوزاتنا العلميّة ، بل كان محطّ أنظار العلماء والأساتيذ. فعمد العلماء إلى شرحه والتعليق عليه ، فبلغ عدد شروحه وحواشيه أكثر من مائة وخمسين شرحا وحاشية.

ويكفيكم من عظمة هذا الكتاب أنّ المجتهدين ـ من تلاميذه وتلاميذ تلاميذه ـ جعلوه مدار بحثهم في الدروس العالية في الحوزات العلميّة (خارج اصول) ما يقرب من قرن.

وهذا الكتاب يشتمل على مقدّمة ومقاصد ثمانية وخاتمة :

المقدّمة : في بيان بعض ما يرتبط بعلم الاصول وبعض مباحث الألفاظ.

المقصد الأوّل : في الأوامر.

المقصد الثاني : في النواهي.

المقصد الثالث : في المفاهيم.

المقصد الرابع : في العامّ والخاصّ.

المقصد الخامس : في المطلق والمقيّد والمجمل والمبيّن.

المقصد السادس : في بيان الأمارات المعتبرة.

المقصد السابع : في الاصول العمليّة.

المقصد الثامن : في تعارض الأدلّة والأمارات.

الخاتمة : في الاجتهاد والتقليد.

١٣

الفصل الثالث

عملنا في تحقيق الكتاب وتعليقه

إنّ هذا الكتاب يعدّ فريدا من نوعه ووحيدا في أسلوبه ، وكان من الكتب الاصوليّة المتداولة للدراسة في السطوح العليا ومحطّ أنظار الأساتذة وأهل العلم ؛ وطبع مرارا في مؤسّسات مختلفة ، إلّا أنّ كلّ هذه الطبعات لا تخلو من الأخطاء الكثيرة التي لم يعثر على جلّها إلّا من درّسه على شكل دورات مختلفة ؛ مضافا إلى أنّ في بعض عباراته غوامض تحتاج إلى إيضاح وذلك بالتعليق عليها ، وفي بعضها خداش تعرّض لها بعض من تأخّر عن مصنّفه من تلامذته وغيرهم. كلّ هذه الامور دعاني إلى أن أنهض بعمل تحقيقيّ تعليقيّ على الكتاب ـ بعد أن درّسته على شكل دورات مختلفة في الحوزة العلميّة بقم ـ كي يكون سالما من الأخطاء وخاليا من الغوامض والتشويشات وحاويا للمطالب والآراء الحديثة. وكان عملنا حول الكتاب كما يلي :

١ ـ حيث كان تصحيح عبارات الكتاب دخيلا في فهم مطالبه قمت أوّلا بتصحيحه بعد مقابلته مع عدّة نسخ مخطوطة وغير مخطوطة.

منها : النسخة التي اشتهرت ب «نسخة المؤلّف» وأنّها المكتوبة بخطّه الشريف. وهي محفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامى تحت رقم ١٤١١٧.

ومنها : النسخة الموجودة في مكتبة حفيده فضيلة الشيخ عبد الرضا الكفائي.

ومنها : النسخة المخطوطة الموجودة في مكتبة مدرسة آية الله العظمى الگپايگاني رحمه‌الله تحت رقم ٣٨ / ١٢٦.

ومنها : النسخة المطبوعة الّتي على حواشيه تعليقات العلّامة الميرزا أبو الحسن المشكينيّ رحمه‌الله.

وفي التصحيح لم اقتصر على النسخ المذكورة بل اعتمدت أيضا على حواشي بعض تلامذته وتقريرات بعض آخر. فأثبتّ في المتن ما رأيته صحيحا وكان موافقا

١٤

لبعض النسخ. وأمّا ما رأيته صحيحا وكان مخالفا لجميع النسخ فذكرته في التعليقة.

٢ ـ حيث كان الكتاب خاليا عن العناوين في مواضع كثيرة فقمت بوضع العناوين الأصليّة والفرعيّة بحسب الحاجة في المواضع التي لم يعنونها المصنّف رحمه‌الله وجعلتها بين معقوفتين.

٣ ـ قمت بتحقيق وتخريج الآيات والروايات والنصوص الفقهيّة والأنظار العلميّة معتمدا على أقدم المصادر وأصحّها.

٤ ـ قمت بإرجاع ما ذكره المصنّف بقوله : «سبق» أو «تقدّم» أو «قد مرّ» أو «سيأتي» ونظائرها إلى مواضعها الأصليّة السابقة أو اللاحقة.

٥ ـ لقد ذكر المصنّف أثناء المباحث أقوالا لم ينسبها إلى قائل معيّن ، بل اكتفي بالقول : «قالوا ، فإن قيل ، قيل ، يقال». فراجعت المصادر وعثرت على أغلب القائلين وذكرت أسماءهم ومصادر أقوالهم في الهامش.

٦ ـ حاولت قدر الإمكان تحريك المواضع المهمّة في الكلمات بالحركات الإعرابيّة تسهيلا للقراءة وفهم مضمون الكلام ومراد المصنّف رحمه‌الله.

٧ ـ انتقيت الآراء الحديثة التي تطوّر إليها هذا الفنّ ، سيّما آراء الأعلام الثلاثة ـ المحقّق الشيخ محمّد حسين الأصفهانيّ ، والمحقّق الشيخ الميرزا حسين النائينيّ ، والمحقّق الشيخ ضياء الدين العراقيّ ـ والسيّدين العلمين : الإمام الخمينيّ والمحقّق الخوئيّ.

٨ ـ علّقت على الكتاب بتعليقات لازمة ، وهي قسمان :

القسم الأوّل : ما علّقت عليه لإزاحة التشويشات وإيضاح المبهمات ورفع الغوامض ، مقتصرا فيه على إيضاح مرام المصنّف رحمه‌الله ببيان أوضح وتعبير أظهر وتفسير أبين ، ليكون عونا للمدرّسين وهداية للمحصّلين. واحترزت ـ قدر الإمكان ـ عن التعرّض لما لا يرتبط بتوضيحه إلّا في موارد لا بدّ من تذكّره.

القسم الثاني : ما انتقيته من تعليقات المحقّق الاصفهانيّ وتقريرات المحقّقين

١٥

النائينيّ والعراقيّ ، والسيّدين العلمين : الإمام الخمينيّ والمحقّق الخوئي ، وبعض آخر من الأعلام ، ليتهيّأ طالب العلم بذلك للانتفاع بالدراسات العالية.

وفي الختام أرجو من الله تعالى أن يزيد في علوّ درجات الشيخ المؤلّف كما أسأله سبحانه أن يتقبّل منّي هذا الجهد المتواضع وأن يجعله ذخرا لي يوم فقري وحاجتي وأن ينفع به إخواني المدرّسين والمحصّلين ، والحمد لله ربّ العالمين.

قم ـ الحوزة العلميّة

عباس عليّ الزارعيّ السبزواريّ

٢٠ ربيع الأوّل ١٤٢٥ ه‍ ق.

١٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على محمّد وآله

الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

وبعد ، فقد رتّبته على مقدّمة ومقاصد وخاتمة

أمّا المقدّمة

ففي بيان امور :

١٧
١٨

الأوّل

[موضوع العلم ومسائله]

[موضوع كلّ علم]

إنّ موضوع كلّ علم (١) ـ وهو الّذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة (٢) ، أي

__________________

(١) قبل الخوض في بيان موضوع كلّ علم ، يجب التنبّه على أصل الحاجة إلى الموضوع في العلوم. وكأنّه من الأصل المسلّم عند المصنّف رحمه‌الله كما هو كذلك عند أكثر أهل التحقيق ، ولعلّه لم يذكره المصنّف رحمه‌الله في المقام.

وقد خالفهم المحقّق العراقيّ وأنكر الحاجة إلى الجامع الواقعيّ لعدم تصوّر جامع صوريّ أو معنويّ في بعض العلوم. نهاية الأفكار ١ : ٩ ـ ١٠.

وخالفهم أيضا السيّد الإمام الخمينيّ وقال ـ ما حاصله ـ : أنّ ما اشتهر ـ من أن لا بدّ لكلّ علم من موضوع واحد جامع بين موضوعات المسائل ـ ممّا لا أصل له. والدليل عليه أنّه لم يعهد من أرباب التأليف ذكر موضوع واحد خاصّ للعلم الخاصّ ، بل كان كلّ علم بدو تدوينه عدّة قضايا مرتبطة ، فأضاف إليه الخلف حتّى صار كاملا. مناهج الوصول ١ : ٣٩ ـ ٤٠.

ولا يخفي : أنّ عدم تصوّر الجامع إنّما يدلّ على عدم الحاجة إلى العلم بالموضوع لا عدم الحاجة إلى الموضوع ، كما أنّ عدم نقل الموضوع من أرباب التأليف لا يدلّ على عدم الحاجة إليه.

(٢) إن شئت فقل : «هو الجامع الّذي يبحث في العلم عن عوارضه الذاتيّة».

وذهب السيّد المحقّق الخوئيّ إلى أنّه لا ملزم بأن يكون البحث عن العوارض الذاتيّة فقط بعد فرض دخل العوارض الغريبة أيضا في المهمّ. محاضرات في اصول الفقه ١ : ٢٤.

١٩

بلا واسطة في العروض (١) ـ هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتّحد معها خارجا ، وإن كان يغايرها مفهوما تغاير الكلّيّ ومصاديقه والطبيعيّ وأفراده (٢).

[مسائل العلوم]

والمسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتّتة ، جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض الّذي لأجله دوّن هذا العلم. فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل ممّا كان له دخل في مهمّين (٣) ، لأجل كلّ منهما دوّن علم على حدة ، فيصير من مسائل العلمين (٤).

__________________

(١) كلمة : «العروض» من الأغلاط المشهورة ، ولم تساعد عليها اللغة ، بل الصحيح : «العرض».

والمراد من العروض هو الحمل ، فقوله : «بلا واسطة في العروض» أي بلا واسطة في الحمل ، فكلّ عارض يحمل على الموضوع حقيقة ـ بحيث يعدّ من اسناد الشيء إلى ما هو له ـ هو العرض الذاتيّ للموضوع.

والسرّ في تفسير العرض الذاتيّ بأن لا يكون هناك واسطة في العروض ـ مع أنّه خلاف ما هو المشهور في معنى العرض الذاتيّ من أنّه كونه بحيث يقتضيه نفس الذات ـ هو أنّ البحث في غالب مسائل العلوم ليس بحثا عن العوارض الذاتيّة لموضوعها بهذا المعنى ، فإنّ البحث عن حجّيّة خبر الواحد ـ مثلا ـ ليس بحثا عن ما يقتضيه ذات خبر الواحد ، بل هي من فعل الشارع ، وهكذا كثير من المباحث في العلوم الأخر. فلا بدّ من توسعة العرض الذاتيّ بأن يقال : أنّه ما كان يعرض الذات بلا واسطة في العروض وإن كان لأمر لا يقتضيه نفس الذات.

وذهب المحقّق الاصفهانيّ إلى أنّ الالتزام بعدم الواسطة في العروض من باب لزوم ما لا يلزم ، لأنّ العلم عبارة عن القضايا المتشتّتة ، ونفس تلك القضايا مسائل العلم ، ومحمولاتها أعراض ذاتيّة لموضوعاتها ، فلا ملزم بما ذكر. نهاية الدراية ١ : ٧.

(٢) قوله : «والطبيعيّ وأفراده» من العطف التفسيريّ.

وذهب المحقّق العراقيّ إلى التفصيل ، فجعل النسبة بين موضوع العلم وموضوعات مسائله في مثل العلوم الرياضيّة الاتّحاد ومن قبيل نسبة الكليّ إلى أفراده ، وفي مثل العلوم النقليّة بنحو العينيّة ومن قبيل نسبة الكلّ إلى أجزائه. راجع نهاية الأفكار ١ : ١٢.

(٣) أي : غرضين. والأولى أن يقول : «في غير واحد من الأغراض» حتّى يشمل تداخلها في ما له دخل في الأغراض.

(٤) كمسألة «التجرّي» ، فإنّه يتداخل فيها علم الفقه والاصول والكلام.

٢٠