رسالة في المتعتين

السيّد علي الحسيني الميلاني

رسالة في المتعتين

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي وعضّوا عليها بالنواجذ »!.

لكنّ هذا الحديث من أحاديث سلسلتنا في (الأحاديث الموضوعة).

إنه حديث باطل بجميع أسانيده وطرقه ، ولقد أفصح عن بطلانه بعض كبار الأئمّة كالحافظ ابن القطّان ، المتوفي سنة ٦٢٨ هـ ، قال ابن حجر بترجمة عبدالرحمن السلمي : « له في الكتب حديث واحد في الموعظة صحّحه الترمذي. قلت : وابن حبان والحاكم في المستدرك.

وزعم ابن القطّان الفاسي : إنّه لا يصح ، لجهالته » (١).

وقد ترجم لابن القطان وأثنى عليه كبار العلماء (٢).

وبقي القول بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هوالذي حرمها ... وقد عرفت أن القائلين به اختلفوا على أقوال :

أما القول بانه كان عام حجة الوداع فقد قال ابن القيّم : « هو وهم من بعض الرواة ... ».

وأما القول بأنه كان عام حنين ، فقد قال ابن القيم : « هذا في الحقيقة هو القول الثاني ، لاتصال غزاة حنين بالفتح ».

وأما القول بأنه كان في غزوة أوطاس فقد قال السهيلي : « من قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح » (٣).

وأما القول بانه كان في عمرة القضاء فقد قال السهيلي : « أغرب ما روي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك ، ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء » (٤). وقال ابن حجر : « وأما عمرة القضاء فلا يصحّ الأثر فيها ، لكونه من

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٦ / ٢٣٨.

(٢) أنظر : تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٠٧ وطبقات الحفاظ : ٤٩٤.

(٣) فتح الباري ٩ / ١٣٨.

(٤) فتح الباري ٩ / ١٣٨.

٢١

مرسل الحسن ، ومراسيله ضعيفة ، لأنه كان يأخذ عن كل أحد ، وعلى تقدير ثبوته فلعته أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة ، كما في الفتح وأوطاس سواء » (١).

قال ابن القيّم : « والصحيح أن المتعة إنّما حرّمت عام الفتح » (٢).

وقال ابن حجر : « الطريق التي أخرجها مسلم مصرّحة بانها في زمن الفتح أرجح ، فتعين المصير اليها ».

قال هذا بعد أن ذكر روايات الأقوال الأخرى ، وتكلّم عليها بالتفصيل ... حتى قال : إفلم يبق من المواطن ـ كما قلنا ـ صحيحاً صريحاً سوى غزوة خيبروغزوة الفتح. وغزوة خيبرمن كلام أهل العلم ما تقدم » (٣).

بل لقد نسب السهيلي هذا القول الى المشهور(٤).

١ ـ حديث التحريم عام الفتح :

قلت : وهذا نصّ الحديث عند مسلم بسنده :

« حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا يحيى بن آدم ، حدّثنا ابراهيم بن سعد ، عن عبدالملك بن الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه ، عن جده ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكّة ، ثمّ لم يخرج حتى نهانا عنها »(٥).

__________________

(١) فتح الباري ٩ / ١٣٩.

(٢) زاد المعاد ٦ / ١٢٧.

(٣) فتح الباري ٩ / ١٣٩.

(٤) فتح الباري ٩ / ١٣٨.

(٥) صحيح مسلم ـ بشرح النووي هامش القسطلاني ـ ٦ / ١٢٧.

٢٢

٢ ـ حديث التحريم في غزوة تبوك :

ورووا حديث التحريم في غزوة تبوك عن :

١ ـ أمير المؤمنين عليه المسلام.

٢ ـ جابر بن عبدالله.

٣ ـ أبي هريرة.

أما الحديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد ذكره النووي قائلاً :

« وذكر غيرمسلم عن علي أن النبي نهى عنها في غزوة تبوك ، من رواية إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن عبدالله بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن علي » (١).

وأما الحديث عن جابر فأخرجه الحازمي.

وأما الحديث عن أبي هريرة فاخرجه ابن راهويه وابن حبان من طريقه وقد أوردهما ابن حجر (٢) ولا حاجة الى ذكرها اكتفاء بما سنذكره في نقدهما.

٣ ـ حديث التحريم في غزوة حنين :

ورووا حديث التحريم في غزوة حنين عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام كذلك ... فقد أخرج النسائي قائلاً :

« أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالوا : أنبأنا عبدالوهاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : أخبرني مالك بن أنس أن ابن شهاب أخبره أن عبدالله والحسن ابني محمد بن عليّ أخبراه أن أباهما محمد بن علي أخبرهما أن علي بن أبي طالب قال : نهى رسول الله يوم خيبرعن متعة النساء.

__________________

(١) المنهاج ، شرح صحيح مسلم هامش القسطلاني ٦ / ١١٩.

(٢) فتح الباري ٩ / ١٣٨.

٢٣

قال ابن المثنى : يوم حنين ، وقال : هكذا حدثنا عبدالوهاب من كتابه » (١).

٤ ـ حديث التحريم في يوم خيبر :

ورووا في الصحاح وغيرها حديث التحريم في يوم خيبرعن أمير المؤمنين عليه‌السلام كذلك ، لكن باختلاف في اللفظ كما سترى ، ونكتفي هنا بما جاء عند البخاري ومسلم؟

أخرج البخاري : « حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري يقول : أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبدالله عن أبيهما إن علياً رضي الله عنه قال لابن عباس : إن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر » (٢)

وأخرج مسلم : « حدّثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبدالله والحسن ابني محمد بن علي ، عن أبيهما ، عن عليّ بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم. نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.

وحدثناه عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي ، حدثنا جويرية ، عن مالك بهذا الإسناد وقال : سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان : إنك رجل تائه ، نهانا رسول الله. بمثل حديث يحيى عن مالك.

حدثنا ابوبكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب جميعاً ، عن ابن عيينة ، قال زهير : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن حسن وعبدالله ابني محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن علي : أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية.

__________________

(١) سنن النسائي ٦ / ١٢٦.

(٢) صحيح البخاري ـ بشرح ابن حجر ـ ٩ / ١٣٦.

٢٤

وحدّثنا محمد بن عبدالله بن نمير ، حدثنا أبي ، حدثنا عبيدالله ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن علي ، عن أبيهما ، عن علي إنه سمع ابن عبّاس يلين في متعة النساء فقال : مهلا يا ابن عباس ، فان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم نهى عنها يوم خيبروعن لحوم الحمر الإنسية.

وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى ، قالا : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن علي بن أبي طالب ، عن أبيهما أنه سمع عليّ بن أبي طالب يقول لابن عباس : نهى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية » (١).

أقول :

وفي جميع أحاديث الباب نقود مشتركة ، توجب القول ببطلانها جميعاً ، حتى لوصحّت كلّها سنداً ...

فنذكر تلك النقود المشتركة ،. بإيجاز ، ثم نتعرض لنقد حديث فتح مكه لكونه القول المشهور كما عرفت ، ولنقد حديث خيبر بالتفصيل لكونه المشهور عندهم عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو من أحاديث الصحيحين!!

وإنّما تعرضنا ـ من بين الأحاديث الأخرى ـ لحديثي تبوك وحنين ... لأنهم رووهما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام كذلك.

____________

(١) صحيح مسلم ـ بشرح النووي هامش القسطلاني ٦ / ١٢٩ ـ ١٣٠.

٢٥

نقود مشتركة :

وأول ما في هذا الأحاديث تكاذب البعض منها مع البعض الآخر ، الأمر الذي حار القوم واضطربوا وتضاربت كلماتهم في حله (١) فاضطر بعضهم إلى القول بأنّ المتعة أحلت ثم حرمت ثم أحلت ثم حرمت ... حتى عنون مسلم في صحيحه : « باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثمّ نسخ ثم أبيح ثم نسخ ، واستقر حكمه إلى يوم القيامة ».

لكن الأخبار لم تنته بذلك ، بل جاءت بالتحليل والتحريم حتى سبعة مواطن كما قال القرطبي (٢).

إلا أن ابن القيم ينص على أن النسخ لا يقع في الشريعة مرتين ، فكيف بالأكثر؟! وهذه عبارته حيث اختار التحريم في عام الفتح : « ولوكان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرتين ، وهذا لا عهد بمثله في الشريعة ألبتّة ولا يقع مثله فيها » (٣).

ثم تكذيب قولة عمر : « متعتان كانتا على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنهما ... » لجميعها : فانه في هذا القول الثابت عنه ـ معترف بانه هو الذي حرّم ما كان حلالاً على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثم قول الأصحاب ـ قبل عمر وفي زمانه وبعده ـ بحلّيّة المتعة ، وأن عمر هو الذي حرمها ، وأنه لولا تحريمه لما زنى إلآ شقي ...

__________________

(١) راجع ان شئت الوقوف على طرفي منها : المنهاج للنووي ٦ / ١١٩ فما بعدها ، وفتح الباري ـ لابن حجر ـ ٩ / ١٣٨.

(٢) تفسير القرطبي ٥ / ١٣٠.

(٣) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢ / ١٨٤.

٢٦

نقد حديث عام الفتح

أما حديث عام الفتح فقد عرفت من كلام ابن القيم عدم صحته ، قال : « فإنه من رواية عبدالملك بن الربيع بن سبرة ، عن أبيه ، عن جدّه وقد تكلّم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه ».

اقول : نكتفي هنا من ترجمة الرجل بما ذكره ابن حجر العسقلاني وأشار في كلامه إلى هذا الحديث ، وهذا نص عبارته : « قال أبوخيثمة : سئل يحيى بن معين عن أحاديث عبدالملك بن الربيع عن أبيه عن جده فقال : ضعاف. وحكى ابن الجوزي عن ابن معين أنه قال : عبدالملك ضعيف. وقال أبو الحسن ابن القطان : لم تثبت عدالته ، وإن كان مسلم أخرج له فغيرمحتج به. إنتهى.

ومسلم إنما أخرج له حديثا واحدا في المتعة متابعة. وقد نبّه على ذلك المؤلف » (١).

نقد حديث حنين

وأما حديث التحريم يوم حنين الذي رواه النسائي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام فسنتكلم عليه عندما نتعرّض لما رووه عنه عليه‌السلام.

قلت : هذا مضافاً إلى أنهم رووا عن الربيع بن سبرة نفسه أن التحريم كان في حجة الوداع :

أخرج أبو داود : « حدثنا مسدد بن مسهّر ، حدّثنا عبدالوارث ، عن إسماعيل

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٦ / ٣٤٩.

٢٧

ابن اُمية ، عن الزهري ، قال : كنا عند عمر بن عبدالعزيز ، فتذاكرنا متعة النساء. فقال له رجل يقال له ربيع بن سبرة : اشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله نهى عنها في حجة الوداع » (١).

نقد حديث غزوة تبوك

وأمّا حديث غزوة تبوك ... فالذي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام سنذكره كذلك.

وأما الذي عن جابر بن عبدالله فقد نصّ ابن حجر العسقلاني على أنه « لا يصح ، فإنه من طريق عبّاد بن كثير ، وهو متروك » (٢).

أقول : ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب : « عباد بن كثير الثقفي البصري » و« عباد بن كثير الرملي الفلسطيني » وكلاهما « متروك » « يروي أحاديث موضوعة » ، « كذّاب ». وعن أبي حاتم بترجمة الثاني ـ : « ظننت أنه أحسن حالا من عباد بن كثير البصري فإذا هو قريب منه ، ضعيف الحديث » (٣).

هذا ، وكان واضعه وضعه ليقابل به الحديث الصحيح الثابت عنه الدال على بقائه على الإباحة حتى آخر لحظة من حياته.

كما وضعوا الأحاديث العديدة في رجوع ابن عباس ... كما سنشير.

وكما وضعوا عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام ... كما ستعلم!.

والذي عن أبي هريرة قال ابن حجر : « إن في حديث أبي هريرة مقالاً ، فإنه من رواية مؤمّل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار ، وفي كل منهما مقال » (٤).

__________________

(١) سنن أبي داود ١ / ٣٢٤.

(٢) فتح الباري ٩ / ١٣٩.

(٣) تهذيب التهذيب ٥ / ٨٧ ـ ٨٩.

(٤) فتح الباري ٩ / ١٣٩.

٢٨

أقول : فإن شئت تفصيل ذلك فراجع ترجمتهما (١).

نقد حديث يوم خيبر

وأهمّ أحاديث المسألة ... ما وضع على لسان أمير المؤمنين عليه‌السلام ... لأن أمير المؤمنين أهمّ المعارضين ... فلتبذل الهمم من الذين أشربوا في قلوبهم ... حسبة ... وتزلّفاً إلى الحكام والولاة المتسلطين.

لكن الأحاديث الموضوعة على لسانه متكاذبة متهافتة لتكثر القالّة عليه وتعدد الأيدي المختلقة ... وهذه آية من آيات علو الحق ...

لقد وضعوا الحديث على لسان أحفاده عن ابنه محمد بن الحنفية ... ولم يضعوه على لسان أولاد الحسنين ... عنهما ... عن أميرالمؤمنين ... لأنهم يعلمون أن مثل هذه التهمة لا تلتصق بهم ...

وضعوه ... على لسانه عليه‌السلام. يخاطب ابن عمه عبدالله بن العباس ... وقد بلغه أنه يقول بالمتعة ... يخاطبه بلهجة حادة ...

ولقد كان بالإمكان أن تنطلي الحقيقة على خواص الناس فضلاً عن عوامهم ... لولا اختلاف الاختلاق!

فلنشرع في شرح القضية ببعض التفصيل في فصول :

١ ـ تعارض الحديث عن علي في وقت التحريم :

لقد روي هذا الحديث عن الزهري ، عن الحسن بن محمد بن علي وأخيه عبدالله بن محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن علي عليه‌السلام أنه قال لابن عبّاس :

« إنك رجل تائه ، إن رسول الله نهى عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١٠ / ٣٣٩ ، و٧ / ٢٣٢.

٢٩

الإنسية » (١).

وعن الزهري ، عنهما ، عن أبيهما ، عن علي ... « يوم حنين » (٢).

وعن الزهري ، عن عبدالله بن محمد بن عليّ ، عن أبيه ، عن عليّ :

« إن النبي نهى عنها في غزوة تبوك » (٣).

وعن ... محمد بن الحنفية أنه قال عليه‌السلام لابن عبّاس :

« إنك رجل تائه ، إن رسول الله نهى عن متعة النساء في حجة الوداع » (٤).

وعن الشافعي عن مالك باسناده عن علي :

« إن رسول الله نهى يوم خيبرعن أكل لحوم الحمر الأهلية » ولم يزد على ذلك ، وسكت عن قصّة المتعة » (٥).

فهذه أخبارهم بالسند الواحد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حول أمر واحد ...!!

فإن قلت : ليس كلها بصحيح عندهم.

قلت : أما الأول فقد اتفقوا على صحّته واستندوا إليه في بحوثهم.

وأما الثاني فهو عند النسائي وكتابه من صحاحهم.

وأما الرابع الذي رواه الطبراني فقد أورده الهيثمي وقال : « رجاله رجال الصحيح » (٦).

نعم ، الثالث ذكره النووي ثم قال نقلاً عن القاضي عياض : « لم يتابعه أحد على هذا وهوغلط » (٧).

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ـ هامش القسطلاني ـ ٦ / ١٢٩.

(٢) سنن النسائي ٦ / ١٢٦.

(٣) المنهاج في شرح مسلم ـ هامش القسطلاني ـ ٦ / ١٣٠.

(٤) مجمع الزوائد ٤ / ٢٦٥.

(٥) عمدة القاري ـ شرح البخاري.

(٦) مجمع الزوائد ٤ / ٢٦٥.

(٧) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم ـ ٦ / ١٣١.

٣٠

وقال ابن حجر : « وأغرب من ذلك رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عنه بلفظ : نهي عن غزوة تبوك عن نكاح المتعة وهوخطأ أيضاً » (١).

أما الخامس فتتعلق به نقاط :

إنه لو كان قد ثبت عنده نهي عن المتعة يوم خيبر لما سكت عن القصة ، لأنه تدليس قبيح كمالايخفى.

لكن الشافعي نفسه مّمن يرى أن التحريم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يوم خيبر (٢).

مضافاً إلى أن الحديث عن مالك ، وهويروي في الموطأ : عن الزهري ، عن عبدالله والحسن ، عن أبيهما محمد بن الحنفية ، عن أبيه علي أنه قال : « نادى منادي رسول الله ، نادى يوم خيبر : ألا إن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه [وآله] وسلم ينهاكم عن المتعة » (٣).

٢ ـ تلاعب القوم في لفظ حديث خيبر :

واذ عرفت أن الصحيح عندهم مما رووا عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام في هذا الباب حديث التحريم يوم خيبروعمدته حديث الزهري عن ابني محمد بن الحنفية عنه عليه‌السلام ... فلا باس بان تعلم بان القوم رووه بالفاظ مختلفة :

قال ابن تيمية : « رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري ، عن عبدالله ، والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد بن الحنفية ، عن علي بن أبي طالب أنه قال لابن عباس لما أباح المتعة : إنك امرؤ تائه! إن رسول الله حرم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر. رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة

__________________

(١) فتح الباري / ١٣٧

(٢) زاد المعاد في هدي خير العباد.

(٣) الموطأ ٢ / ٧٤ بشرح السيوطي.

٣١

وأحفظهم لها ، أئمة الإسلام في زمنهم ، مثل : مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما مّمن اتفق على علمهم وعدالتهم وحفظهم ، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح يتلقى بالقبول ، ليس في أهل العلم من طعن فيه » (١).

وفي البخاري ومسلم والترمذي وأحمد عن الزهري : « أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبدالله ، عن أبيهما أن علياً قال لابن عباس : إن النبي نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهليّة زمن خيبر ».

وفي مسلم : « سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان : إنك رجل تائه ».

وفيه : « سمع ابن عباس يلين في المتعة فقال : مهلاً يا ابن عباس ».

وفي النسائي : « عن أبيهما أن علياً بلغه أن رجلاً لا يرى بالمتعة باساً فقال : إنك تائه ، إنه نهاني رسول الله عنها وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ».

وفي الموطأ رواه عن علي بلفظ : « نادى منادي رسول الله يوم خيبر ... ».

أما الشافعي فروى حديث خيبر ، لكن سكت عن قصة المتعة لما علم فيها من الاختلاف!

وأما الطبراني فروى الحديث بلفظ : « تكلم علي وابن عباس في متعة النساء فقال له علي : إنك رجل تائه ، إن رسول الله نهى عن متعة النساء في حجة الوداع » فروى الحديث لكن جعل زمن التحريم حجة الوداع!

٣ ـ نظرات في دلالة حديث خيبر :

ثم إن هذا الحديث في متنه ودلالته صريح في الأمور التالية :

أولاً : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يرى حرمة نكاح المتعة ، حتى أنه خاطب ابن عباس القائل بالحلية بقوله : « إنك رجل تائه ».

وهذا كذب ، فالكل يعلم أن الإمام عليه‌السلام كان على رأس المنكرين

__________________

(١) منهاج السنة ٢ / ١٥٦.

٣٢

لتحريم نكاح المتعة ، كما كان على رأس المنكرين لتحريم متعة الحج ، ولكن لا غرابة في وضع القوم الحديث على لسانه في باب النكاح المتعة كما وضعوه في باب متعة الحج ... وهوأيضاً عن لسان ولدي محمد عن أبيهما عنه ... فقد روى البيهقي : « عن عبدالله والحسن ابني محمد عن أبيهما : أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : يابني أفراد بالحج فإنه أفضل » (١).

وثانياً : إن تحريم متعة النساء كان يوم خيبر ... وهذا ما غلطه وكذبه كبار الحفاظ ، ثم حاورا في توجيهه :

قال ابن حجر بشرحه عن السهيلي : « ويتصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال ، لأن فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر ، وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر » (٢)

وقال العيني بشرحه : « قال ابن عبدالبر : وذكر النهي عن المتعة يوم خيبر غلط » (٣).

وقال القسطلاني بشرحه : « قال البيهقي : لا يعرفه أحد من أهل السير » (٤).

وقال ابن القيم : « قصّة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله ، ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة ، ولا كان للمتعة فيها ذكر ألبته لا فعلا ولا تحريماً » (٥).

وقال ابن كثير : « قد حاول بعض العلماء أن يجيب عن حديث عليّ بأنه وقع فيه تقديم وتأخير. وإلى هذا التقرير كان ميل شيخنا أبي الحجاج المزي. ومع هذا

__________________

(١) سنن البيهقي ٥ / ٥.

(٢) فتح الباري ـ شرح البخاري ٩ / ١٣٨.

(٣) عمدة القاري ـ شرح البخاري ١٧ / ٢٤٦.

(٤) إرشاد الساري ـ شرح البخاري ٦ / ٥٣٦ و ٨ / ٤١.

زاد المعاد في هدي خير العباد ٢ / ١٨٤.

٣٣

ما رجع ابن عباس عمّا كان يذهب إليه من إباحتها » (١).

وثالثاً : إن ابن عباس كان على خلاف أمير المؤمنين عليه‌السلام في مثل! هذه المسالة.

وهذا مما لا نصدقه ، فإبن عباس كان تبعاً لأميرالمؤمنين عليه‌السلام لا سيما في مثل هذه المسألة التي تعد من ضروريات الدين الحنيف.

ولو تنزلنا عن ذلك ، فهل يصدّق بقاؤه على رأيه بعد أن بلّغه الإمام عليه‌السلام حكم الله ورسوله في المسالة؟!

كلا والله ، ولذا اضطر الكذابون إلى وضع حديث يحكي رجوعه ... قال ابن تيمية : « وروي عن ابن عبّاس أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي » (٢).

لكنه خبر مكذوب عليه ، قال ابن حجر العسقلاني عن ابن بطال : « وروي عنه الرجوع باسانيد ضعيفة » (٣) ولذا قال ابن كثير : « ... ومع هذا ما رجع ابن عباس عما كان يذهب إليه من إباحتها ».

نعم ، لم يرجع ابن عباس حتى آخرلحظة من حياته :

أخرج مسلم عن عروة بن الزبيرأن عبدالله بن الزبير قام بمكة فقال : « إن أناساً أعمى الله قلوبهم ـ كما أعمى أبصارهم ـ يفتون بالمتعة ، يعرض برجل. فناداه فقال : إنك لجلف جاف ، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين ـ يريد رسول الله ـ. فقال له ابن الزبير : فجرب بنفسك (٤) ، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك باحجارك » (٥).

وابن عباس هو الرجل المعرض به ، وقد كان قد كفّ بصره ، فلذا قال :

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٤ / ١٩٣.

(٢) منهاج السنة ٢ / ١٥٦.

(٣) فتح الباري ٩ / ١٣٩.

(٤) رواه بعضهم بلفظ : « فجرت نفسك ».

(٥) صحيح مسلم. كتاب النكاح باب المتعة. بشرح النووي ٦ / ١٣٣.

٣٤

« أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم ». وقد وقع التصريح باسمه في حديث أبي نضرة الذي أخرجه مسلم أيضاً وأحمد.

فهذا حال ابن عبّاس وحكمه في زمن ابن الزبيربمكة ... فابن عباس كان مستمر القول على جواز المتعة ، وتبعه فقهاء مكة كما عرفت ، ومن الواضح عدم جواز نسبة القول بما يخالف الله ورسوله والوصي إلى ابن عباس ، لوكان النبي قد حرم المتعة وأبلغه الإمام به حقاً؟

٤ ـ نظرات في سند ما روي عن علي عليه‌السلام :

هذا ، وقد رأيت أن الأحاديث المتعارضة المروية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في تحريم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نكاح المتعة مروية كلها بسند واحد ... فكلّها عن الزهري عن ابني محمد عن أبيه ...

وبغضّ النظرعما ذكروا بترجمة عبدالله والحسن ابني محمد بن الحنفية ...

وعما جاء في خبرالحسن بن محمد عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبدالله من « أن رسول الله أتانا فاذن لنا في المتعة » (١) من الدلالة على عدم قولهما بالحرمة ، إذ لا يعقل أن يروي الرجل عن هذين الصحابيين حكم التحليل ولا يروي عنهما ـ أو لم يخبراه ـ النسخ بالتحريم لو كان :

بغضّ النظرعن ذلك ...

وبغض النظر عن التكاذب والتعارض الموجود فيما بينها ...

فإن مدار هذه الأحاديث على « الزهري ».

__________________

(١) أخرجه البخاري ومسلم في باب المتعة. وأحمد في المسند ٤ / ٥١.

٣٥

موجز ترجمة الزهري :

وهذا موجز من ترجمة « الزهري » الذي وضع الأحاديث المختلفة المتعارضة على مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام :

١ ـ كان من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان يجالس عروة بن الزبير فينالان منه.

٢ ـ كان يرى الرواية عن عمر بن سعد بن أبي وقاص ، قاتل الإمام الحسين بن علي عليهما‌السلام.

٣ ـ كان من عمال الحكومة الأموية ومشيّدي أركانها ، حتى أنكر عليه كبار العلماء ذلك.

٤ ـ قدح فيه الإمام يحيى بن معين حين قارن بينه وبين الأعمش.

٥ ـ كتب إليه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام يوبّخه ويؤنبه على كونه في قصورالظلمة ... ولكن لم ينفعه ذلك!!

وإن شئت التفصيل فراجع رسالتنا حول صلاة أبي بكر؛

نتيجة البحث في نكاح المتعة :

ويتخلّص البحث في خصوص نكاح المتعة في خطوط :

١ ـ إنه من أحكام الإسلام الضرورية بالكتاب والسنة والإجماع ، وكان على ذلك المسلمون قولاً وفعلاً.

٢ ـ وإن عمر بن الخطاب حرّمه بعد شطرمن خلافته.

٣ ـ واختلف القوم ـ بعد الإقرار بالأمرين المذكورين ـ واضطربوا في توجيه تحريم عمر :

فمنهم من قال بان النسخ كان من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يعلم

٣٦

به غير عمر ، وهذا من البطلان بمكان.

ومنهم من قال بان التحريم كان من عمر نفسه لكن يجب اتباعه ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ». ولكن هذا الحديث من أحاديث سلسلتنا!!

ومنهم من قال بان المحرم هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ... ثمّ اختلفوا في وقت هذا التحريم على أقوال ، واستندوا إلى أحاديث ... لكنها أحاديث موضوعة ...

٤ ـ وإذا كانت حلية المتعة من أحكام الإسلام ، والأحاديث في تحريم النبي موضوعة ، وإن عمر هو الذي جرّم ، وأن الحديث المستدلّ به لوجوب اتباعه يشكل الحلقة السادسة من سلسلتنا ...

فما هو إلآ « حدث » وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إياكم ومحدّثات الأمور ... ».

أقول :

هذا ما توصّلت إليه في هذا البحث الوجيز الذي وضعته في حدود الأحاديث والأقوال الواردة فيه ، من غيرتعرّض للأبعاد المختلفة والجوانب المتعدّدة التي طرحها الباحثون من فقهاء ومتكلمين في كتبهم المفضلة المطولة ...

والله أسال أن يوفقنا لتحقيق الحق واتباعه ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يحشرنا في زمرة محمد وآله وأشياعه ، إنه هو البرّ الرحيم.

* * *

٣٧
٣٨

الفهرس

متعة الحج ..................................................................... ٦

موقف علي عليه‌السلام وكبار الصحابة من تحريمها ................................... ٦

دفاع ابن تيميّة ثم إقراره بالخطأ عمر ........................................... ٩

متعة النساء ................................................................. ١١

ثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع ............................................. ١٢

تحريم عمر ................................................................ ١٣

موقف علي علي السلام وكبار الصحابة من تحريمها ............................ ١٦

الأقوال في الدفاع عن عمر .................................................. ١٧

نقد القول بأنّ النسخ من النبي ولم يعلم به إلا عمر ............................. ١٩

نقد القول بان التحريم من عمر لكن يجب اتباعه ............................... ١٩

حديث التحريم عام الفتح ................................................... ٢٢

حديث التحريم في غزوة تبوك ............................................... ٢٣

حديث التحريم في غزوة حنين ............................................... ٢٣

حديث التحريم في يوم خيبر ................................................. ٢٤

٣٩

نقود مشتركة ............................................................. ٢٦

نقد حديث عام الفتح....................................................... ٢٧

نقد حديث حنين........................................................... ٢٧

نقد حديث غزوة تبوك...................................................... ٢٨

نقد حديث يوم خيبر........................................................ ٢٩

١ ـ تعارض الحديث عن علي في وقت التحريم ............................... ٢٩

٢ ـ تلاعب القوم في لفظ حديث خيبر ..................................... ٣١

٣ ـ نظرات في دلالة حديث خيبر .......................................... ٣٢

٤ ـ نظرات في سند ما روي عن علي عليه‌السلام .................................. ٣٥

موجز ترجمة الزهري ....................................................... ٣٦

نتيجة البحث في نكاح المتعة ................................................ ٣٦

الفهرس.................................................................... ٣٩

٤٠